المحرر
في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
كتاب الطهارة
باب المياه
الماء المطهر من الأحداث والأنجاس هو المطلق
الباقي على أصل خلقته فإن خالطه طاهر يمكن
صونه عنه فغيره زالت طهوريته وعنه لا تزول إلا
أن يطبخ فيه أو يغلب على أجزائه واختار الخرقي
العفو عن يسير الرائحة خاصة فإن غيره مالا
يمازجه كالدهن وقطع الكافور فعلى وجهين ولا
بأس بما تغير بمقره أو بملح مائي يكون كطحلب
وورق الشجر ونحوهما مما يشق صونه عنه فإن وضعا
فيه قصدا زال تطهيره ولا يكره المشمس ولا
المسخن بطاهر إلا إذا اشتد حره وفي كراهية
المسخن بالنجاسة روايتان.
فإذا استعمل مادون القلتين في رفع حدث فهو
طاهر غير مطهر وعنه أنه مطهر وعنه أنه نجس.
فأما المستعمل في طهر مستحب وكماء غمس قائم من
نوم الليل يده فيه قبل غسلها ثلاثا فمطهر وعنه
ليس بمطهر ولا يرتفع حدث الرجل بماء خلت
بالطهارة منه امرأة وعنه ترتفع وله إزالة
النجاسة به في أصح الوجهين.
وإذا لاقت نجاسة قلتي ماء فصاعدا ولم تغيره لم
ينجس وعنه ينجس بالبول والعذرة الرطبة من
الآدمي خاصة إلا ما يشق نزحه لكثرته وما دون
القلتين ينجس بملاقاة النجاسة وعنه لا ينجس
حتى يتغير كالقلتين وهما خمسمائة رطل بالعراقي
تقريبا وقيل: عنه تحديدا وعنه أنهما أربعمائة
وما نجس بالتغير لم يطهر إلا بزواله إما بنفسه
أو بإضافة قلتين إليه أو بنزح يبقى بعده
(1/2)
قلتان ولا يطهر
مادون القلتين إلا بإضافة قلتين إليه مع زوال
تغيره ويتخرج التطهير بإضافة مادون القلتين
فيهما.
__________
كتاب الطهارة
قوله في المحرر: "ويتخرج التطهير بإضافة ما
دون القلتين فيهما" يعنى إذا كان الماء النجس
قليلا أو كثيرا فأضيف المطهر إلى كثير نجس
فأكثر الأصحاب على أنه لا يطهر وذكر بعضهم
تحريجا وبعضهم وجها وبعضهم في بعض مصنفاته
وجها وفي بعضها تخريجا وأيا ما كان فأصله
مسألة زوال التغير بنفسه وقطع في المستوعب
بهذا القول وعلله بأنه لو زال بطول المكث طهر
فأولى أن يطهر بزواله بمخالطته لما دون
القلتين فخالف في هذه الصورة أكثر الأصحاب كما
أنه قطع في الصورة الثانية بما قطع به أكثر
الأصحاب في أنه لا يطهر وإن أضيف القليل
المطهر إلى قليل نجس وبلغ المجموع قلتين فأكثر
الأصحاب أو كثير منهم لم يحك في هذه الصورة
خلافا في أنه لا يطهر وأظن منهم الشيخ مجد
الدين صاحب المحرر في شرح الهداية وذكر بعضهم
لما حال1 وقوع النجاسة في الصورة الأولى فقد
حكى في عموم خبر القلتين بخلاف هذه الصورة
وجها وبعضهم تخريجا أنه يطهر إلحاقا وجعلا
لكثير بالانضمام كالكثير من غير انضمام وحرروه
قياسا فقالوا لأنه ماء كثير غير متغير
بالنجاسة فكان طاهرا كما لو وقعت فيه ابتداء
وهو كثير ولم تغيره أو زال تغيره بنفسه
واحتجوا بخبر القلتين وعلى هذا قد يخرج طهارة
قلة نجسة إلى مثلها وقد يفرق بينهما وأظن بعض
الأصحاب صرح به والذي نص عليه الإمام أحمد
رحمه الله أنه لا تطهر قله نجسة إلى مثلها
وذكر في الكافي تخريج طهارة قلة نجسة إلى
مثلها.
__________
1- كذا في الأصل . ولعل الصواب "كحال".
(1/3)
ـ
قال لما ذكرناه وإنما ذكر الخلاف في القليل
المطهر إذا أضيف إلى كثير نجس وهذا فيه نظر
واحتج الأصحاب للراجح في المذهب والجواب عن
خبر القلتين والاحتجاج به هنا يطول ذكره
فليطلب في كلامهم فأما إن لم يبلغ المجموع
قلتين فهو نجس وكذا في المحرر فيه إطلاق فإن
كان مراده وبلغ المجموع قلتين وردت هذه الصورة
على كلامه وإن كان مراده أن التخريج يجري في
هذه الصورة أيضا فقال بعضهم يكون التخريج من
رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير وفيه نظر
لأن التفريع إنما هو على المذهب فأما على
رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلا
إشكال والقليل كالكثير فتطهيره بزوال تغيره
على أي وجه كان وإضافة ماء إليه قل أو كثر.
ويحتمل أن يكون المراد أن الماء مطهر للماء
النجس وإن لم يبلغ هذا القدر المخصوص إذا غمره
لأنه عين للماء أثر في تطهيرها فأثر وإن لم
يبلغ القدر المخصوص كسائر المحال وهذا للماء
طهر المحل وأزال النجاسة من غير انفصال فيكون
حكمه حكم ما انفصل غير متغير بعد زوال النجاسة
لا فارق بينهما إلا الانفصال ولا أثر له هنا
لعدم اعتباره كما نقول في الماء الكثير أو في
نجاسة الأرض فإنه لا يعتبر في تطهيرها
الانفصال.
وقولهم "ماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره
أولى" إن أرادوا:
(1/4)
باب تطهير موارد الأنجاس
إذا أصابت نجاسة الكلب أو الخنزير غير الأرض
وجب غسله سبعا واحدة بتراب وهل يقوم الأشنان
ونحوه أو الغسلة الثامنة؟ على وجهين1.
فأما بقية النجاسات فعنه تغسل سبعا وفي
استيراد التراب وجهان وعنه: تغسل ثلاثا وعنه
لا يحسب العدد.
__________
1- بهامش الأصل: أحدهما: يقوم الأشنان ونحوه
مقامة . ولا تقوم الغسلة الثامنة مقامة وهو
المذهب .
(1/4)
باب الآنية
يحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة واستعمالها وعنه
يجوز اتخاذها وفي صحة الطهارة منها [وجهان
أحدهما: تصح وهو المذهب] وكل إناء طاهر من
غيرهما فمباح وإن كان ثمينا وما ضبب بذهب أو
فضة فحرام إلا يسيرة الفضة لحاجة كشعبة قدح
ونحوها فأما يسيرها لغير حاجة فعلى وجهين
أحدهما لغير الحاجة حرام وهو المذهب.
ولا بأس باستعمال آنية الكفار وثيابهم ما لم
يتيقن نجاستها وعنه الكراهة وعنه المنع فيما
ولي عوراتهم كالسراويل ونحوها حتى يغسل دون ما
علا وعنه المنع في الأواني والثياب ممن لا
تباح ذبيحته كالمجوس ونحوهم ولا يؤكل من
طعامهم إلا الفاكهة ونحوها.
وإذا اشتبه طهور بنجس تيمم ولم يتحر وهل يلزمه
إعدام الطهور بخلط أو إراقة أم لا على روايتين
[إحداهما: لا يلزمه وهو المذهب] وقيل: يتحرى
إذا كانت أواني الطهور أكثر وإن اشتبه طهور
بطاهر توضأ بكل واحد منهما ثم صلى.
__________
قوله : "وإن اشتبه طاهر بطهور توضأ بكل واحد
منهما ثم صلى"
(1/7)
ـ
كذا عبر جماعة من الأصحاب وتبعهم وكذا تبعهم
في مسألة اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة وهذا
الإطلاق يقتضي أن الحكم كذلك مع القدرة على
استعمال ماء طهور بيقين أو ثوب طاهر وليس كذلك
عنده على ما ذكره في شرح الهداية وكذا لم أجد
أحدا من الأصحاب صرح بالقول بمقتضى هذا
الإطلاق.
ووجه عدم القول به أما في مسألة الثياب فلعدم
الجزم بالنية من غير حاجة وأما مسألة الوضوء
من الطاهر والطهور عند الاشتباه مع القدرة على
استعمال طهور غير مشتبه فإن توضأ وضوءين لم
يصح لما تقدم وهو إخلاله بالجزم بالنية من غير
حاجة وإن كان1 وضوءا واحدا غرفة من هذا وغرفة
من هذا لكل وضوء إلى كمال الطهارة صح لجزمه
بالنية.
وتشاغله في خلال الطهارة بما ليس منها بشيء
يسير لا يطول الفصل به ولا يؤثر.
__________
1 كذا بالأصل . ولعله "وإن توضأ ".
(1/8)
باب الاستطابة والحدث
يحرم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي في
الفضاء دون البنيان وعنه المنع فيهما ويقدم
رجله اليسرى في دخوله الخلاء ويقول بسم الله
أعوذ بالله
__________
قوله : "يحرم استقبال القبلة ثم ذكر بعد هذا
أنه لا يفعل كذا ولا كذا" قد يقال فيه إشعار
بأن هذه الأمور غير محرمة لأنه لو أراد
التحريم ثم صرح1 به ولو أوضح حكم ذلك بالتحريم
أو الكراهة كان أجود.
وبيان ذلك أما استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى
فمكروه صرح به المصنف في شرح الهداية وغيره
وعن الإمام أحمد لا يكره ذكرها الشريف وقطع في
المستوعب بأن إزالة ذلك أفضل وهذا قول ثالث
ولعله أقرب.
وأما قوله : "ولا يتكلم" فكذا عبر جماعة وصرح
جماعة بالكراهة,
__________
1- كذا بالأصل. ولعله " لصرح به".
(1/8)
من الخبث
والخبائث ولا يصحبه ما فيه اسم الله إلا من
عذر ويعتمد على رجله اليسرى ولا يتكلم ولا
يمكث فوق الحاجة فإذا فرغ مسح ذكره ونثره
ثلاثا فإذا خرج قدم رجله اليمنى ثم قال غفرانك
الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ويبعد
في الفضاء ويستتر ويطلب مكانا رخوا ولا يستقبل
الشمس ولا القمر ولا يبول في شق ولا سرب،
__________
ولم أجد أحدا منهم ذكر التحريم مع أن دليلهم
يقتضيه وعن الإمام أحمد ما يدل عليه قال صالح
سألت أبي عن الكلام في الخلاء قال يكره وقال
إسحاق بن إبراهيم سألت أحمد عن الكلام في
الخلاء قال لا ينبغي له أن يتكلم.
قوله : "ولا يمكث فوق الحاجة" كذا عبر جماعة
وعبر جماعة بالكراهة وهذه المسألة هي مسألة
كشف العورة خلوة لغير حاجة وفيها ثلاث روايات
التحريم والكراهة والجواز لكن هنا يتعين نفي
الجواز لأمر اختص به هذا الموضع وبه يعرف قوة
الكراهة أو التحريم.
قوله : "ولا يستقبل الشمس ولا القمر" كذا عبر
جماعة وعبر جماعة بالكراهة ولم يذكر بعضهم هذه
المسألة مع شهرتها فلعله لم يرها والكراهة
تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وظاهر قول النبي
صلى الله عليه وسلم: " ولكن شرقوا أو غربوا "
يدل على عدمها وقطع أبو الفرج الشيرازي
المقدسي في كتابه الإيضاح بالتحريم.
قوله : "ولا يبول في شق ولا سرب" كذا عبر
جماعة وصرح جماعة بالكراهة ولا فرق بين أن
يكون فم بالوعة أو غيرها صرح به الأزجي في
النهاية وفي الرعاية.
(1/9)
باب السواك وأعواده
السواك سنة في جميع الأوقات وهي مؤكدة للمتوضئ
في المضمضة والقائم من النوم أو إلى الصلاة
ولمن تغير فمه بمأكول أو غيره.
ويستاك عرضا بعود أراك أو زيتون أو عرجون لا
يجرح الفم ولا يتفتت
(1/10)
باب صفة الوضوء
وفروضه: ثمانية
أحدها : النية بأن يقصد رفع الحدث أو استباحة
أمر تجب له الطهارة ويجب تقديمها على سائر
الفروض.
الفرض الثاني : التسمية وعنه أنها سنة وعنه
تجب مع الذكر وتسقط بالسهو ويسن عقيبها غسل
يديه ثلاثا ويتأكد استحباب غسلهما من نوم
الليل وعنه يجب.
الثالث : غسل الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما
انحدر من اللحيين والذقن طولا وما بين الأذنين
عرضا والفم والأنف منه وتجب المضمضة
والاستنشاق [وعنه أنهما سنة وعنه يجب
الاستنشاق وحده].
والسنة: تقديمها على ظاهر الوجه والمبالغة
فيهما إلا للصائم ويجب غسل المسترسل من اللحية
ويسن غسل باطن الشعور إلا أن تصف البشرة فيجب
ولا يسن غسل داخل العينين وقيل: يسن إذا أمن
الضرر.
الرابع : غسل يديه مع مرفقيه فإن قطعت يده من
مفصل المرفق وجب غسل رأس المرفق الباقي وقيل:
يسقط.
(1/11)
باب المسح على الخفين وغيرهما
ومن لبس خفين أو عمامة على طهر كامل فله المسح
يوما وليلة في الحضر وثلاثة أيام ولياليهن في
سفر القصر فإن أدخل إحدى رجليه في الخف قبل
غسل الأخرى أو لبس العمامة قبل غسل رجليه لم
يجز المسح حتى يخلع ما لبسه قبل تمام طهره
فيلبسه بعده وعنه أنه يجوز.
وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس وعنه من
المسح بعد الحدث ومن أحدث مقيما فلم يمسح حتى
سافر أتم مسح مسافر وإن مسح مسافرا ثم أقام
أتم مسح مقيم إلا أن يكون قد جاوزه فيخلع وإن
مسح مقيما ثم سافر فعلى روايتين ويمسح على ما
يستر محل الفرض ويثبت بنفسه من جورب وجرموق
ونحوه فإن كان واسعا يسقط من قدمه أو يبدو منه
شيء لخرق أو غيره لم يجز المسح عليه وإن لبس
تحته صحيحا فإن ثبت الجور بان بنعلين.
(1/12)
فله المسح ما
لم يخلع النعلين ولا يمسح على اللفائف ولا على
خفين ملبوسين على خفين ممسوحين ويجوز مسح أكثر
الخف والسنة أن يمر يده من أصابعه إلى ساقه
ولا يسن مسح أسفله ولا يجزئ الاقتصار عليه
ويجزئ مسح أكثر العمامة وقيل: يجب استيعابها
ويشترط أن تكون محنكة تستر كل الرأس إلا ما
العادة كشفه فإن كانت بذؤابة ولا حنك لها فعلى
وجهين وإذا ظهر قدمه أو رأسه أو مضت المدة
استأنف الوضوء وعنه يجزئه مسح رأسه وغسل
رجليه.
والمرأة كالرجل في مسح الخفين وفي مسحها على
الخمار روايتان ومن شد جبيرة طاهرا ولم يتعد
قدر الحاجة مسحها في الطهارتين إلى أن يحلها
فإن كان محدثا فهل له المسح على روايتين.
(1/13)
باب نواقض الوضوء
وهي ثمانية
أحدها : الخارج من السبيلين وإن قل.
الثاني : خروج النجاسة الفاحشة في نفوس متوسطي
الناس من بقية البدن وفي يسيرها روايتان إلا
يسير البول والغائط فانه كالكثير.
الثالث : زوال العقل إلا بنوم يسير من قائم أو
قاعد أو راكع أو ساجد وعنه ينقض اليسير إلا من
الجالس والقائم وعنه ينقض إلا من الجالس.
الرابع : لمس الرجل المرأة أو المرأة الرجل
لشهوة فينقض وضوء اللامس
__________
قوله : "الرابع: لمس الرجل للمرأة المرأة
للرجل بشهوة فينفض وضوء اللامس وفي الملموس
روايتان" أطلق الخلاف ومراده مع الشهوة من
(1/13)
وفي الملموس
روايتان وعنه ينقض اللمس وإن لم يكن لشهوة
وعنه لا ينقض بحال ومس الشعر والظفر والسن
والأمرد لا ينقض.
الخامس : مس فرج الآدمي قبلا كان أو دبرا من
رجل أو امرأة ببطن الكف أو ظهره ولا ينقض مسه
بذراعه وعنه ينقض وفي مس الذكر المقطوع
المنفصل وجهان وعنه لا ينقض مس الفرج بحال ومس
فرجى الخنثى المشكل ينقض ومس أحدهما لا ينقض
إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة أو المرأة قبله
لشهوة.
__________
الملموس لأنه فرع على ما قدمه وهو ظاهر المذهب
فإن قيل باعتبار الشهوة من اللامس فهل يلحق
الملموس به مع الشهوة فيه روايتان وإن قيل لا
تعتبر الشهوة من اللامس لم تعتبر في الملموس
وفي إلحاقه به الروايتان ولهذا قال القاضي أبو
الحسنين الملموس هل ينتقض وضوءه في الموضع
الذي ينتقض فيه وضوء اللامس على روايتين وعن
الشافعي كالروايتين انتهى كلامه.
أما اعتبار الشهوة من اللامس وعدم اعتبارها من
الملموس فلا وجه له لأن غاية حكم الملموس أن
يساوي حكم اللامس لأنه فرعه وغاية الفرع
مساواته لأصله ولهذا صحح جماعة عدم نقض وضوءه
الملموس مطلقا وإن قلنا ينقض وضوء اللامس منهم
المصنف في شرح الهداية والأزجي في النهاية
وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين ولم أجد
أحدا صحح خلاف هذا غير ابن عقيل ومذهب مالك
اعتبار الشهوة من الملموس كاللامس فإن وجدت
لزمه الوضوء وإلا فلا.
قال المصنف: ويجب أن تحمل رواية النقض عندنا
على ذلك.
قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: إذا قلنا
بالنقض اعتبرنا الشهوة في المشهور1 كما
نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت
الشهوة فيه دون اللامس ولا ينتقض إذا لم توجد
فيه وإن وجدت في اللامس انتهى كلامه.
__________
1- كذا بالأصل. ولعله "الملموس".
(1/14)
السادس : أكل
لحم الجزور وفي شرب ألبانها روايتان وفي كبدها
وسنامها وجهان [المعتمد لا ينقض] وعنه لا ينقض
لحمها أيضا.
السابع : غسل الميت نص عليه وقال أبو الحسن
التميمي لا ينقض.
الثامن : الردة فظاهر قول أبي الخطاب أنها لا
تنقض.
ومن كان متطهرا فشك في الحدث أو بالعكس: بنى
على اليقين فإن تيقنهما وشك في السابق منهما
كان على عكس حالة قبلهما إلا أن يتيقن فعليهما
فيكون على مثل حاله قبلهما.
__________
وقول ابن تميم "ولم يعتبر أصحابنا الشهوة في
الملموس" هذا يجب أن يكون اكتفاء منهم ببيان
حكم اللامس وأن الشهوة معتبرة منه وأن من
الواضح أن حكم الملموس مفرع عليه لا أنها
تعتبر منه وإن اعتبرت من اللامس ولم أجد أحدا
صرح بهذا ويؤخذ من كلامه أن الممسوس فرجه لا
ينتقض وضوءه رواية واحدة وصرح به غير واحد وهو
مذهب مالك والشافعي مع أن مذهبهما نقض وضوء
الملموس كاللامس على أصلهما لأن الملامسة
تقتضي المشاركة إلا ما خرج بدليل وهنا ورد
بلفظ المس والممسوس لم يمس.
ومن أصحابنا من ذكر في الممسوس فرجه وجهين
ومنهم من ذكر روايتين وذكر القاضي في شرحه أن
مس المرأة لفرج الرجل أو الرجل لفرج المرأة هل
هو من قبيل مس النساء أو من قبيل مس الفرج على
وجهين والأظهر أنه ينتقض وضوء الماس منهما
لفرج الآخر وإن لم يكن بشهوة والممسوس فرجه لا
ينتقض وضوءه في ظاهر المذهب إلا أن يكون عليه
شهوة ففيه الروايتان.
قوله : "فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان
على عكس حاله قبلهما إلا أن يتيقين أسبق
فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما هكذا ذكر
الأصحاب
(1/15)
ويحرم على
المحدث مس المصحف وفي حمله بعلاقته أو في
غلافه وتصفحه بكمه أو عود ونحوه وحمل الدراهم
المكتوب عليهما القرآن روايتان [المعتمد
الجواز].
__________
قبله هاتين المسألتين وتبعهم وتكلم عليهما في
شرح الهداية كلاما حسنا وهذا كلامه أو معناه:
أما المسألة الأولى فصورتها: أن يتيقين أنه
على طهارة في وقت وزنه أنه محدث في وقت آخر
ولا يتيقن ابتدائها فإنه يكون على خلاف حاله
قبلهما لأن الحالة السابقة زالت يقينا
لمخالفتهما من الحالين المشكوك فيهما وأما
الموافقة لها فيحتمل أن تكون هي بعينها وقد
استمرت إلى أن زالت بالمخالفة ويحتمل أنه بعد
المخالفة بسبب متجدد فحينئذ لا نزيل يقين
الحالة المخالفة بأمر مشكوك فيه.
مثاله إذا قال: أتحقق أني بعد الزوال مرة
محدثا ومرة متطهرا ولا أعلم السابق منهما إلى
حالة قبل الزوال فإن كان متطهرا فهو الآن محدث
لأن تلك الطهارة المتيقنة قبل الزوال زالت
بيقين الحدث بعد الزوال وأما الطهارة المتيقنة
بعد الزوال فجائز أن تكون هي السابقة وقد
استمرت إلى ما بعد الزوال وجائز أن تكون طهارة
مستأنفة فلا نزيل يقين الحدث بالشك.
وإن قال: كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن متطهر
لماسبق من الاستدلال.
وهذا كما لو علمنا لزيد على عمرو ألف درهم
فأقام عمرو بينه بالأداء أو الإبراء فأقام زيد
بينة أن عمرا أقر له بألف درهم مطلقا لم تثبت
له هذه البينة شيئا لاحتمال أن الألف الذي أقر
به هو الألف الذي علمنا وجوبه وقامت البينة
ببراءته فلا تشتغل ذمته بالاحتمال وقال الأزجي
من أصحابنا المتأخرين في كتاب النهاية له لو
قيل إنه يجب عليه الطهارة لكان له وجه لأن
يقين الطهارة قد عارضه يقين الحدث وإذا تعارضا
سقطا ووجب عليه الوضوء احتياطا.
(1/16)
ــــــ
للصلاة فإنه يكون مؤديا فرضه بيقين والأول أصح
فلو لم يعرف ما كان قبلهما لزمه الوضوء لأنه
لا بد له من طهارة متيقنة أو مظنونة أو
مستصحبة وليس هنا شيء فوجب الوضوء.
وأما المسألة الثانية فصورتها أنه ابتدأ نقض
الطهارة وفعلها عن حدث في وقت بعينه وشك في
السابق منهما رجع إلى حاله قبلهما.
مثاله إذا قال فعلت ذلك بيقين بعد الزوال ولا
أعلم السابق قلنا ما كنت قبله فإن قال متطهرا
فهو الآن متطهر لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة
ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء
تلك الطهارة ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك
فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وجعلنا الحدث
بين الطهارتين تحقيقا لقوله إذ لو كان بعد
الثانية لكانت تجديدا لا يزيله الحدث.
فإن قيل: بل يمكن ذلك بأن يكون قد أحدث بينهما
حدثا آخر وأنسيه قيل الأصل عدم ذلك.
وإن قال كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث
لأن قوله إنما يتحقق بجعل الطهارة بين الحدثين
إذ لو كانت بعد الثاني لم يكن قد نقض طهارة
واحتمال طهارة أخرى بين الحدثين لا يبنى عليه
لأن الأصل عدم ذلك.
وقال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح
الهداية له: هذا إذا كان الوقت لا يتسع لهما
ولو اتسع الوقت لهما لكانت المسألة بعينها
ويصير.
(1/17)
باب موجبات الغسل
وهي ستة: خروج المنى دفقا بلذة وتغييب الحشفة
في أي فرج كان وإسلام الكافر والموت والحيض
والنفاس.
وقال أبو بكر: لاغسل على من أسلم وفي الولادة
العرية عن دم وجهان.
(1/17)
باب الأغسال المستحبة
وهي ثلاثة عشر: غسل الجمعة والعيد والكسوف
والاستسقاء والإحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة
والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار والطواف والغسل
من غسل الميت والإفاقة من إغماء أو جنون لم
يتيقن معه حكم وغسل المستحاضة لكل صلاة.
(1/20)
باب صفة الغسل
وكماله بعشر خصال: أن ينوي ويسمي ويغسل يديه
ثلاثا ويزيل مابه من نجاسة ثم يتوضأ ويروي شعر
رأسه ثلاثا ثم يغسل سائر بدنه ثلاثا ويدلك
بدنه بيديه ويبدأ بشقه الأيمن وينتقل عن مكانه
فيغسل قدميه.
والفرض من ذلك النية وتعميم بدنه بالماء حتى
باطن الأنف والشعور وفي الفم والتسمية روايتان
[المعتمد أن التسمية واجبة].
ومن نوى بغسله الحدثين ارتفعا به ولم يلزمه
ترتيب ولا موالاة نص عليه وقيل: لا يرتفع
الأصغر إلا بهما وعنه لا يرتفع حتى يأتي
بالوضوء.
(1/20)
باب التيمم
التيمم مشروع لمن عدم الماء أو خاف ضررا
باستعماله.
وصفته : أن ينوي استباحة المكتوبة من حدثه ثم
يسمى ويضرب التراب بيديه مفرجة أصابعه ضربة
واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وظاهر كفيه
براحتيه ويدلك كل راحة بالأخرى ويخلل أصابعه
هكذا السنة عند أحمد وقال القاضي الأفضل ضربة
للوجه وأخرى لليدين إلى المرفقين.
(1/21)
باب الحيض
وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم وأكثره خمسة
عشر يوما وعنه سبعة عشر يوما وأقل الطهر بين
الحيضتين ثلاثة عشر يوما وعنه خمسة عشر يوما
ولا حد لأكثره والمبتدأة بالدم لا تجلس فوق
يوم وليلة حتى يتكرر ثلاثا وعنه مرتين ويلزمها
غسلان غسل عقيب اليوم والليلة وغسل إذا انقطع
الدم في مدة الحيض فإذا تكرر على قدر واحد قضت
ماصامت فيه من فرض فإذا زادت عادة المعتادة أو
تغيرت بتقدم أو تأخر لم تلتفت إلى ذلك حتى
يتكرر ومن انقطع دمها قبل تمام عادتها طهرت
فإن عاد في العادة جلسته وعنه لا تجلسه حتى
يتكرر ومن رأت يوما دما ويوما طهرا ولم يجاوز
مجموعهما أكثر الحيض اغتسلت أيام النقاء وصلت
فإن جاوز أكثره فهي مستحاضة يأتي حكمها
والصفرة والكدرة في مدة العادة حيض.
ويمنع الحيض وجوب الصلاة وفعل الصوم مالم
ينقطع ويمنع الحيض
__________
قوله : "ويمنع الحيض وجوب الصلاة - الخ"
(1/24)
وجوب الصلاة
وفعل ما تمنعه الجنابة مالم تغتسل منه ويجوز
التمتع بالحائض،
__________
ظاهره: أنه لا يمنع غير ذلك وليس كذلك فإنه
يمنع صحة الطهارة صرح به غير واحد وهو ظاهر.
قوله : "ويجوز التمتع بالحائض إلا بالوطء في
الفرج" وعن الإمام أحمد لا يجوز ذكرها صاحب
الوسيلة وقال الخلال والشيخ يعني القاضي
بحملانها على الاستحباب انتهى كلامه.
قال جعفر بن محمد قلت للإمام أحمد ما للرجل من
امرأته وهي حائض قال قالت عائشة رضي الله عنها
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا أن
تتزر" واختار هذا ورخص فيما دون الفرج وينبغي
أن يكون هذا رواية بالكراهة لأن مخالفة الأمر
توجب ارتكاب المكروه.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول في الحائض
تقبل وتلمس وإذا جامعها كان بينهما إزار إلى
السرة وإلى الركبة ويباشرها.
وهذه الرواية محتملة لأنه لا بد فيها من
إضمار.
وقال الخلال: كأن في مسألة جعفر وحنبل أن أبا
عبد الله أحب لهما الإزار في وقت الجماع وهو
على ما روت عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله
عليه وسلم ثم بين عنه الباقون أنه لا بأس به
واحتج في ذلك والعمل في مذهبه أنه لا بأس أن
يجامع بغير إزار إذا اتقى مخرج الدم انتهى
كلامه.
ولا إشكال أن المذهب عدم الكراهة وقد صرح في
رواية أبي طالب أنه لا بأس أن يأتيها دون
الفرج وصرح قاطعا صاحب النهاية وغيرها.
قال الشيخ تقي الدين: ومع هذا فالمستحب تركه
وظاهر كلام إمامنا وأصحابنا: أنه لا فرق بين
أن يأمن على نفسه مواقعه المحظور أو يخاف وقطع
الأزجي في نهايته بأنه إذا لم يأمن على نفسه
من ذلك حرم عليه لئلا يكون طريقا إلى مواقعه
المحظور.
(1/25)
إلا بالوطء في
الفرج وإذا وطئ لزمه نصف دينار كفارة وعنه لا
يلزمه والوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل حرام
ولاكفارة فيه.
ولا حيض مع الحمل ولا قبل تسع سنين ولا بعد
الستين وفيما بعد الخمسين روايتان وجعله
الخرقي مشكوكا فيه فتصوم وتصلى ثم تقضي صومها.
__________
وقد يقال يحمل كلام غيره على هذا.
قوله : "وإذا وطئ لزمه نصف دينار كفارة وعنه
لا يلزمه"
وقال وتجب الكفارة بوطء النفساء ولم يذكر
خلافا وظاهره أن الكفارة تجب بوطء النفساء
رواية واحدة بخلاف وطء الحائض وقد يؤخذ من
كلام بعض الأصحاب إيماء إلى هذا لأن داعي
الجماع في النفاس يقوي لطول مدته غالبا فناسب
تأكد الزاجر بخلاف الحيض والذي نص عليه الإمام
والأصحاب رحمهم الله أن وطء النفساء كوطء
الحائض في وجوب الكفارة لأن الكفارة إنما وجبت
بوطء النفساء قياسا على وطء الحائض وغاية
الفرع مساواته لأصله وإذا لم تجب الكفارة في
الأصل انتفى وجوبها في الفرع لأنه حينئذ لا
دليل لوجوبها ولعل صاحب المحرر فرع على ظاهر
المذهب في الحائض.
قوله : "ولا حيض مع الحمل" نص على هذا في
رواية الجماعة الأثرم وإبراهيم الحربي وأبي
داود وحمدان بن علي وغيرهم فقال الحامل إذا
رأت دما تتوضأ وتصلي وتصوم وقال أيضا كيف يكون
حبل مع الحيض وكيف تنقضي العدة إذا كان حبلا
يعني مع الحيض.
واختار الشيخ تقي الدين أنها تحيض ورواه
البيهقي عن إمامنا أحمد رضي الله عنه.
(1/26)
باب حكم المستحاضة
وهي من جاوزت دمها أكثر الحيض فترجع إلى
عادتها فإن لم تكن
(1/26)
عادة فإن عدم
تمييزها فتجلس زمن الدم الأسود مالم ينقص عن
أقل الحيض ولم يجاوز أكثره وعنه: لا تعمل
بالعادة إلا عند التمييز فإن عدم التمييز وهي
مبتدأة أو ناسية لقدر عادتها دون وقتها أولهما
حيضت غالب الحيض ستا أو سبعا وعنه أقله وعنه
في المبتدأة أكثره وعنه عادة نسائها.
قال القاضي ويتخرج مثلهما في الناسية فإن نسيت
وقتها دون عددها جلسته من أول كل شهر وقال أبو
بكر تجلسه بالتحري.
وتغسل المستحاضة فرجها وتتلجم وتتوضأ لوقت كل
صلاة وتصلي به ماشاءت وعنه لاتجمع بوضوء فرضين
وكذلك حكم كل من به حدث دائم لاينقطع قدر
مايتوضأ ويصلي ويحرم وطء المستحاضة إذا لم يخف
العنت وعنه لا يحرم.
(1/27)
باب النفاس
أكثر النفاس: أربعون يوما ولاحد لأقله فإن
جاوز الدم الأربعين فهو استحاضة إلا أن يصادف
عادة الحيض فإن انقطع في الأربعين ثم عاد
فالعائد نفاس وعنه مشكوك فيه فتصوم وتصلي
وتقضي الصوم.
وتجب الكفارة بوطء النفساء وهي كالحائض فيما
يحرم ويسقط ويكره الوطء في الأربعين بعد الطهر
والتطهير وعنه لايكره.
وإذا ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من الأول
وعنه هما من الثاني وعنه أوله من الأول وآخره
من الثاني.
ودم الحامل قبل أن تلد بيومين أوثلاثة نفاس
ولا يعد من المدة.
ومن ألقت ما لم يتبين فيه خلق الإنسان لانفاس
لها.
(1/27)
|