المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

كتاب البيوع
مدخل
...
كتاب البيوع
ينعقد البيع1 بالإيجاب والقبول المعاقب له.
__________
كتاب البيوع
قوله : "ينعقد البيع بالإيجاب والقبول".
فيقول البائع بعتك أو ملكتك ونحوهما ويقول المشتري ابتعت أو قبلت ونحوهما وذكر القاضي في التعليق رواية أنه عبارة عن بعت واشتريت وحكاها فخر الدين وللشافعية وجهان فإن كان القبول بلفظ المضارع مثل أن يقول بعتك فيقول أنا آخذه بذلك لم يصح نص عليه في رواية مهنى في رجل قال لرجل قد بعتك هذا العبد بألف درهم فقال له الآخر أنا آخذه قال لا يكون بيعا حتى يقول قد أخذته وسيأتى ذلك في قوله: "ولو تقدم عليه في النكاح" ما يتعلق بهذا.
ونص في رواية أحمد بن القاسم فيمن قيل له بكم هذا الثوب قال بعشرة دراهم فيقول المشتري قد قبلت أنه يكفي ولا يحتاج بعد هذا إلى كلام آخر.
قال الشيخ تقي الدين فقد نص على أن قوله "هذا الثوب بعشرة دراهم"
__________
1- بهامش الأصل في نسخة: الشروط لصحته سبعة: الأول: أن يكون العاقد جائزا التصرف. الثاني: أن يأتيا به باختيار إلا أن يكرها أو أحدهما الثالث أن يكون في العين منفعة مباحة . الرابع: أن يكون مملكة للبائع أو مأذون له في بيعها. الخامس: القدرة على التسليم. السادس: أن يكون المبيع معلوما بذاته أو صفته. السابع: أن يكون الثمن معلوما.

(1/252)


فإن تقدم عليه فعلى روايتين.
__________
إيجاب وإن لم يلفظ بما اشتق من المبيع ولا بصيغة انتقال إلى المشتري وقوله "هذا بعشرة دراهم" جملة اسمية لا فعلية مع احتماله لمعنى السوم وقد نص على أن القبول بصيغة المضارع لا يصح انتهى كلامه.
وقد ذكر الجوزجاني إذا قال بكم قال بكذا وكذا فقال الآخر قد أخذته فهو بيع تام لحديث بكر بن عمرو.
قال الشيخ أبو الفرج فإن قال له بكم تبيع هذا فقال بكذا وكذا فقال شل يدك واتزن الثمن لم يكن ذلك إيجابا ولا قبولا وقال مالك يكون إيجابا وقبولا وقال بعض أصحابنا يكون ذلك إيجابا وقبولا فيما قرب من البضائع كالشيء اليسير ويسقط اعتبار الإيجاب والقبول في هذه الأشياء للمشقة انتهى كلامه.
وقال حرب سألت أحمد عن بيع عيدان المعادن قال إذا كان شيئا ظاهرا يرى يقول أبيعك هذا فلا بأس قيل له إنما هو جوهر غائب في الأرض فلم يرخص فيه.
وظاهر هذا أنه إيجاب بلفظ المضارع ونص أحمد في مسائل مثل هذا.
فإن عقد البيع بلغته صح إذا عرف مقتضاها ذكره ابن الجوزي وظاهره أنه لا يصح إذا لم يعرف مقتضاها وبنبغي أن تكون كنظيرتها في الطلاق إن لم ينو مقتضاها لم يصح وإن نوى خرج على الوجهين.
قوله : "وإن تقدم عليه فعلى روايتين".
يعني إن تقدم بلفظ الماضي أو الطلب والذي نصره القاضي وأصحابه أنه لا يصح قال وهي الرواية المشهورة واختاره أبو بكر وغيره.
وذكر ابن هيبرة أنها أشهرهما عن الإمام أحمد ومما احتج به أبو الحسين

(1/253)


ــــــ
بأن القبول تقدم الإيجاب في عقد يلحقه الفسخ لم يصح دليله لو تأخر الإيجاب عن القبول ساعة وهما في المجلس وهو معنى كلام أبي الفرج وقطع في المغنى والكافي بالصحة فيما إذا تقدم بلفظ الماضي كقول الأئمة الثلاثة وقدم الصحة فيما إذا تقدم بلفظ الأمر خلافا لأبي حنيفة واختار الشيخ تقي الدين الصحة.
وظاهر كلام الأصحاب أنه لو قال بعني عبدك على أن على ألفا أن فيه الخلاف وذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح وقال ابن عقيل إذا قال يعني عبدك هذا ولك ألف فهو بمنزلة قوله: بعني عبدك بألف فإذا قال بعتك صح فيهما ولزم العوض إذا قلنا بتقديم القبول على الإيجاب.
وذكر القاضي في ضمن جعل الدين صداقا في قوله: بعتك بكذا أو على كذا وزوجتك بكذا أو على كذا قال القاضي على بعض البدل كما إذا قال أجرتك على عشرة دراهم اقتضى أن يكون بدلا ذكره محل وفاق فأما إن كان بلفظ الاستفهام كقوله: أبعتني هذا بكذا أو أتبيعني هذا بكذا أو أتبيعني هذا به لم يصح نص عليه حتى يقول بعده اشتريت أو شبهه وهذا قول الأئمة الثلاثة ولم أجد فيه خلافا فإن قال البائع للمشتري اشتره بكذا أو ابتعه بكذا فقال هو اشتريته أو أبتعته لم يصح حتى يقول البائع بعده بعتك أو نحوه قطع به في الرعاية لأن طلب المشتري قد يقوم مقام قبوله لدلالته على رضاه وأمر البائع بالشراء لم يوضع للإيجاب ولا للبدل.
وهذا فيه نظر ظاهر والأولى أن يكون كتقدم الطلب على المشتري لأنه دال على الإيجاب والبدل وللشافعية وجهان.
ولو تأخر الطلب من المشتري لم يصح قولا واحدا.
وقال الشيخ تقي الدين إذا كان المبيع عينا من الطرفين فكلاهما موجب

(1/254)


ــــــ
قابل فينبغي أن يقدم أحدهما على الآخر كالعكس لكن لو قال أحدهما ابتعت هذا العبد بهذا أو قال بعني كان تقدما على ظاهر كلام أصحابنا مع أن الرواية التي ذكرها عن أحمد ليس فيها إلا إذا تقدم بلفظ الطلب والاستدعاء ولا يلزم من المنع هنا المنع إذا كان بلفظ الخبر مثل قوله: اشتريت وابتعت قال وأما إذا كان دينا بعين وهو السلم فهنا المعروف أن يقول أسلمت إليك هذه المائة في وسق حنطة أو أسلمت إليك مائة في وسق حنطة فيقول قبلت فيقدمون لفظ المسلف ويجعلونه بمنزلة الموجب والمستسلف بمنزلة القابل لأن المسلف هو الذي يقدم العين فصار بمنزلة البائع وإن كان في المعنى المستسلف هو البائع فلو تقدم قول المستسلف بصيغة البيع مثل أن يقول بعتك وسق حنطة بعشرة دراهم فهذا جار على الترتيب لكنه بلفظ البيع.
ولو قال المسلم اشتريت منك وسق حنطة بعشرة دراهم فقال بعت فقد استويا من جهة أن السلف تقدم قبوله لكن هناك جاء بلفظ القبول وهو اشتريت وهنا جاء بلفظ إيجاب وهو أسلمت فهنا يجيء أربع مسائل لأن الترتيب بلفظ السلم غير الترتيب بلفظ البيع.
ويجوز أن يقارن القبول الإيجاب إذا تولاهما واحد في مثل قوله: جعلت عتقك صداقك وقول الولي تزوجت فلانة ونحو ذلك ذكره غير واحد من الأصحاب لأن الجملة الواحدة تضمنت جملتي القبول والإيجاب فيكون اشتراط تقدم الإيجاب على القبول حيث افتقر إلى جملتين.
ولو قال إن بعتني عبدك هذا فلك علي ألف فقال بعتك لم يصح البيع بخلاف الخلع لأن البيع يفتقر إلى استدعاء تمليك والخلع لا يفتقر إلى استدعاء تمليك لأن ملكه يزول عنها بغير رضاها ذكره القاضي في الجامع والمجرد.

(1/255)


ولو تقدم عليه في النكاح لم يصح رواية واحدة.
__________
قال الشيخ تقي الدين ومضمونه أن تقدم القبول بصيغة الشرط لا يصح البتة.
قوله : "ولو تقدم عليه في النكاح لم يصح رواية واحدة".
سواء كان بلفظ الماضي مثل تزوجت ابنتك فيقول زوجتكها.
وهو الذي ذكره القاضي وغيره ونص أحمد في رواية علي بن سعيد على التفرقة بين هذه المسألة وبين البيع فقال النكاح أشد.
وحكى الشيخ شمس الدين في شرحه احتمالا أنه يصح سواء تقدم بلفظ الماضي أو الطلب وهو مذهب الأئمة الثلاثة واحتج لعدم الصحة هو وغيره بأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى.
قال الشيخ تقي الدين وذكر أبو الخطاب أن تقدم القبول على الإيجاب لا يضر في النكاح مثل أن يقول تزوجت فيقول زوجتك صرح به في مسألة النكاح الموقوف قال وكذا ذكر أبو حفص العكبري يعني في كتاب الخلاف له بين مالك وأحمد وقال أيضا واشترط تقدم الإيجاب على القبول فيما إذا كان أحد المتعاقدين موجبا والآخر قابلا سواء أوجب في امرأة أو امرأتين فأما إن كان كل منهما موجبا قابلا مثل مسألة الشغار إذا صححناه إذا قال أحدهما زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك فقد أتى بالقبول بصيغة المضارع المقترن بأن وقد ذكر هذا القاضي وغيره1 وإن تقدم لفظ القبول فيهما بأن يقول زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي أو زوجني بنتك,
__________
1- بهامش الأصل: الذي قاله الشيخ المحرر: إذا صححنا مع تسمية الصداق.

(1/256)


وإن تراخى عنه صح فيهما ما داما في المجلس ولم يشتغلا بما يقطعه وإلا فلا يصح.
__________
وأزوجك بنتي فهذا قد ذكره الإمام أحمد لكن كلامه محتمل للخطبة والعقد فقياس قولنا أن لا يصح هنا حتى يقول ذلك قد زوجتك ثم يقول الأول قبلت لأنه جعل القبول أصلا والإيجاب تبعا وجعل الإيجاب بلفظة المضارعة المستقبلة ومن جوز تقدم القبول على الإيجاب صححه.
قوله : "وإن تراخى عنه صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإلا فلا يصح".
قال في الرعاية مما يقطعه عرفا يعني والله أعلم بكلام أجنبي أو سكوت طويل عرفا ونحو ذلك.
قال الشيخ موفق الدين لأن العقد إذا تم بالقبول فلم يتم مع تباعده عنه كالاستثناء والشرط وخبر المبتدأ الذي لا يتم الكلام إلا به وقاسه القاضي على خيار المجبرة.
وقال الشيخ تقي الدين في أثناء كلامه في اشتراط الاتصال قال وأما في الموالاة وهو الاتصال فإما في كلام واحد كالأيمان والنذور والطلاق والعتق وفيها الروايتان في الأيمان والطلاق وهما في العقود أولى هذا كلامه.
وقال أيضا في موضع آخر والظاهر أنه من كلام أبي حفص العكبري لأنه يعلم له "ك" وفي الموضع علم له "ك" إذا قال بعت أو زوجت ونحوهما وطال الفصل قبل القبول ثم قال البائع ألا تقبل مني هذا البيع اقبله مني فقال قبلت فأفتيت بانعقاد البيع وكذلك لو قال إن أبرأتني هذه الساعة من صداقك فأنت طالق فقالت ما أبريك ثم سكتوا زمانا ثم قال بل ابريني فقالت أبرأتك أفتيت بوقوع الطلاق لأن هذه الصيغ متضمنة

(1/257)


وعنه يصح في النكاح ولو بعد المجلس.
__________
الطلب لأن كل واحد من المتعاقدين طالب من الآخر مقصوده فمتى تكلم بصيغة العقد وطال الفصل ثم طلب مقصوده الذي طلبه أولا طلبا ثانيا كان هذا بمنزلة ابتدائه الطلب حينئذ وكان ترك ذكره للعوض الآخر من باب المحذوف المدلول عليه ويمكن أن تبنى هذه المسألة على الشرط المتقدم على العقد هل هو بمنزلة المقارن وهذا بناء صحيح.
قوله : "وعنه يصح في النكاح ولو بعد المجلس".
قال القاضي قد علق القول في رواية أبي طالب في رجل مشى إليه قوم فقالوا زوج فلانا فقال قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا قال نعم قال وظاهر هذا أنه حكم بصحته بعد التفرق عن مجلس العقد قال وهذا محمول على أنه قد كان وكل من قبل العقد عنه ثم أخبر بذلك فأمضاه.
وقال أبو بكر في كتاب المقنع مسألة أبي طالب متوجهة على قولين.
أحدهما لا يجوز باتفاق الولي والزوج والشهود في مجلس واحد قال وعلى ظاهر مسألة أبي طالب يجوز وبالأول أقول وقال ابن عقيل وهذا يعطى أن النكاح الموقوف صحيح وشيخنا حمل المسألة على أنه وكل ذلك في قبوله ولا وجه لترك ظاهر كلام الرجل والرواية ظاهرة ولا يترك ظاهرها بغير دلالة من كلامه فيها لا في غيرها لأنا لو صرفنا رواية عن ظاهرها برواية لم يبق لنا في المذهب روايتان.
قال الشيخ تقي الدين قد أحسن ابن عقيل وهو طريقة أبي بكر فإن هذا ليس تراخيا للقبول عن المجلس وإنما هو تراخ للاجازة والعقد انعقد بقوله: زوجت فلانا فيكون قد تولى واحد طرفي العقد وإن كان في أحدهما

(1/258)


ــــــ
فضوليا لا سيما إن جعل قول أولئك له زوج فلانا قبولا منهم متقدما هم فيه فضوليون قال ويجوز أن يقال إن العاقد الآخر إن كان حاضرا اعتبر قبوله وإن كان غائبا جاز تراخي القبول عن المجلس كما قلنا في ولاية القضاء مع أن أصحابنا قد قالوا في الوكالة إنه يجوز قبولها على الفور والتراخي وفي ولاية القضاء فرقوا بين حضور المولى وغيبته وإنما الولاية نوع من جنس الوكالة.
وقال أيضا مسألة أبي طالب وكلام أبي بكر فيما إذا لم يكن الزوج حاضرا في مجلس الإيجاب وهذا أحسن أما إذا تفرقا عن مجلس الإيجاب فليس في كلام أحمد وأبي بكر ما يدل على ذلك وكذلك قال في المجرد انتهى كلامه.
وهذا موافق لما ذكره الشريف أبو جعفر فإنه قال إذا قال الولي اشهدوا أني قد زوجت ابنتي من فلان فبلغ ذلك فلانا لم يصح وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف يصح وعن أحمد مثله.
دليلنا أن القبول وجد في غير مجلس الإيجاب فلا يصح كما لو كان في مجلس فلم يقبل حتى تفرقا.
ووجه الشيخ زين الدين بن المنجا في شرحه رواية عدم بطلان الإيجاب إذا تفرقا عن مجلس العقد بأنه قد وجه منه القبول أشبه ما لو وجد في المجلس.
وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول في تتمة رواية أبي طالب المذكورة فقال قد قبلت صح إذا حضره شاهدان.
قال الشيخ تقي الدين وهو يقتضي أن إجازة العقد الموقوف إذا قلنا بانعقاده يفتقر إلى شاهدين كأصله وهو مستقيم حسن لأن العقد إنما يتم بهما بخلاف الإذن للولي فإنه شرط العقد لإتمام العقد والشهادة معتبرة في نفس النكاح لا في شروطه.

(1/259)


ويصح بيع المعاطاة كقوله: أعطنى بدرهم خبزا فيعطيه ما يرضى أو يقول.
__________
قوله : "ويصح بيع المعاطاة إلى آخره".
طريقة الأصحاب أن الشرع قد ورد بالبيع والشراء في الجملة وما ورد به الشرع مطلقا رجع فيه إلى العرف.
والعادة أن الناس يتبايعون بغير إيجاب ولا قبول وعلى هذا قد يعرى بيع المعاطاة عن لفظ إذا كان هناك عرف بوضع الثمن وأخذ الثمن كقطع الحلاوة وجزر البقل أو بمناولة باليد.
قال الشيخ تقي الدين وأصوله تقتضي ثبوت العقود والشروط بالعرف في مسألة الحمام والغسل.
وقد نص أحمد على أن العقد والفسخ لا يكون إلا بكلام في رواية إسماعيل بن سعيد قال سألت أحمد بن حنبل قلت أرأيت لو أعتق المشتري العبد الذي اشتراه وهما في المجلس فأنكر البائع عتقه وأراد أن يرد بيعه هل له ذلك قال عتق المشتري فيه جائز بمنزلة الموت مالم يرجع البائع فيه قبل عتقه ولا يكون الرجوع للبائع فيه إلا بكلام مثل البيع الذي ما يكون إلا بكلام انتهى كلام الشيخ.
ولعل هذا من أحمد على الرواية التي تمنع بيع المعاطاة.
قال الشيخ تقي الدين عبارة أصحابنا وغيرهم تقتضي أن المعاطاة ونحوها ليست من الإيجاب والقبول وهذا تخصيص عرفي فالصواب الاصطلاح الموافق للغة وكلام المتقدمين أن لفظ الإيجاب والقبول يشتمل على صور العقد قولية أو فعلية قال ولهذا قيده القاضي في آخر كلامه حيث قال لم يوجد الإيجاب والقبول المعتاد يعني المعتاد تسميته بذلك.

(1/260)


خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه وعنه أنه لا يصح وقال القاضي يصح في المحقرات خاصة.
وإذا تبايعا فكل واحد منهما بالخيار إلى أن يتفرقا بأبدانهما ما يعده الناس فراقا فإن أسقطاه في المجلس أو في العقد سقط وعنه لا يسقط.
__________
قوله : "إلى أن يتفرقا".
قال القاضي في التعليق ضمن المسألة ولا يتعلق لزوم العقد بالتفرق وحده حتى ينضم إليه اختيار العاقد فلو هرب أحدهما من صاحبه أو فسخ في المجلس ثم تفرقا لم يلزم العقد ذكره الشيخ تقي الدين ولم يزد عليه وهو خلاف كلام الأصحاب.
قوله : "فإن أسقطاه في المجلس أو في العقد سقط وعنه لا يسقط".
أكثر الأصحاب حكى الروايتين في المسألتين منهم أبو الخطاب في الهداية وذكره في الانتصار في ضمن مسألة الأعيان الغائبة ولم أجد في شيء من كلام الإمام أحمد إسقاط الخيار في العقود وإنما فيه التخيير بعد العقد.
وقال القاضي في التعليق نقل الميموني عنه إذا تخايرا حال العقد انعقد الخيار قال أبو بكر وتابعه حرب.
قال القاضي وهذا تنبيه على ما بعد العقد لأن حالة العقد أضعف وقد قطع الخيار بينهما.
قال الشيخ تقي الدين كتبت لفظ رواية الميموني وحرب وليس فيهما أكثر مما في حديث ابن عمر ولفظ رواية الأثرم نص فيمن ذهب إلى حديث ابن عمر يقول إذا خيره بعد البيع وجب البيع قال وهذا منه دليل على أن إسقاطه في العقد لا يسقط به قولا واحدا.

(1/261)


ويجوز خيار الشرط فوق ثلاث وأن يفصح به أحدهما في غيبه صاحبه.
ويتخرج أن لا ينفسخ إذا لم يبلغه في المدة وإذا مضت مدته ولم يفسخا:
لزم العقد وابتداء مدته من حين العقد وقيل: من حين التفرق.
__________
قال القاضي إذا أسقطاه في العقد وقلنا لا يسقط ففي بطلان العقد الروايتان في الشروط الفاسدة.
والذي نصره القاضي وأصحابه ابنه أبو الحسين وأبو الخطاب والشريف وغيرهم وقدمه غير واحد أنه لا يسقط مطلقا.
واختار ابن أبي موسى والشيخ موفق الدين أنه يسقط وقدمه المصنف هنا والقول بالتفرقة إليه ميل أبي الخطاب والشيخ تقي الدين هنا وهو متوجه على المذهب.
قوله : "ويجوز خيار الشرط فوق ثلاث".
لو باع مالا يبقى إلى ثلاثة أيام كطعام رطب بشرط الخيار ثلاثا فقال القاضي يصح الخيار ويباع ويحفظ ثمنه إلى المدة.
وحكى عن أصحاب الشافعي لا يصح كقولهم في الإجارة وعليه قاسوها وكذلك يتوجه على وجهي الإجارة.
وعلى قولنا إن تلف بالعتق وغيره يبطل الخيار فإنا نمنع الشرط لاسترجاع القيمة لكنها هنا أمانة وهناك في الذمة.
قوله : "ويتخرج أن لا ينفسخ إذا لم يبلغه في المدة".
هذا التخريج ذكره أبو الخطاب قال كالموكل هل يملك عزل وكيله من غير حضوره وعلمه على روايتين أصلا لهذه المسألة.
قال الشيخ تقي الدين قياس أن الوكالة إذا قلنا لا تنفسخ قبل العلم أن نقول هنا لا ينفسخ قبل العلم فإذا انقضت المدة فلم يتصرف الآخر حتى بلغه الخبر:

(1/262)


وإذا شرطا الخيار ولم يؤقتاه لم يصح وعنه يصح ويبقى ما لم يقطعاه فإن شرطا إلى الجذاذ والحصاد خيارا أو أجلا في بيع أو سلم فعلى روايتين ولو شرطا الخيار إلى الليل أو الغد سقط بدخوله وعنه بخروجه وإن شرطاه سنة في أثناء شهر استوفى شهر بالعدد وأحد عشر بالأهلة وعنه يستوفى الكل بالعدد وكذلك كل ما علق بالأشهر من إجارة وعدة وصوم كفارة ونحوه ومن.
__________
انفسخ وإن تصرف قبل بلوغ الخبر لم يصح كما قلنا مثل ذلك في الرجعة على إحدى الروايتين أنها إذا تزوجت قبل أن يبلغها خير الرجعة أنعقد النكاح وقال ابن الجوزي إذا كان الخيار لأحدهما كان له الفسخ من أنه لا يفسخ إلا بحضوره.
وظاهر كلامه وكلام غيره من الأصحاب أنه يملك الفسخ من غير إحضار الثمن.
وقال الشيخ تقي الدين ولا يملك الفسخ إلا برد الثمن نص عليه.
قال أبو طالب لأحمد يقولون إذا كان له الخيار فمتى قال اخترت داري أو أرضي فالخيار له ويطالب بالثمن قال كيف له الخيار ولم يعطه ماله ليس هذا بشيء إن أعطاه فله الخيار وإن لم يعطه ماله فليس له خيار.
قال الشيخ تقي الدين فقد نص على أن البائع لا يملك إعادتها إلى ملكه إلا بإحضار الثمن كما أن الشفيع لا يملك أخذ الشقص.
قوله : "وإذا شرطا الخيار ولم يؤقتاه".
المذهب عدم الصحة قال في رواية ابن منصور في الرجل يبيع البيع بشرط ولا يسمى أجلا فلا يعجبني حتى يسمي يوما أو يومين.
وقال أيضا في رواية ابن منصور في رجل اشترى شيئا وهو فيه بالخيار ولم يسم إلى متى فله الخيار أبدا أو يأخذه.
قال الشيخ تقي الدين يتوجه أنه إذا أطلق الخيار ثبت ثلاثا لخبر حبان.

(1/263)


شرط الخيار له ولزيد جاز وكان وكيلا له فيه. وإن قال: لزيد دوني لم يصح وإن شرطه لزيد وأطلق فعلى وجهين.
__________
قوله : "وإن قال لزيد دوني لم يصح".
وكذا قطع به في المستوعب والرعاية وغيرهما.
واختار الشيخ موفق الدين في المغني والكافي أنه يصح ونصب الخلاف فيه مع القاضي لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه فتعين.
وقال القاضي أبو الحسين إذا ابتاع شيئا وشرط الخيار لغيره صح سواء شرط الخيار لنفسه أو جعله وكيلا له في الإمضاء والرد أو شرطه للوكيل دونه إلا أنه إن شرطه لنفسه وجعله وكيلا كان له دون الوكيل وإن شرطه للوكيل كان الخيار لهما على ظاهر كلامه وقال أصحاب أبي حنيفة يصح ويكون لهما ثم ذكر مذهب الشافعي واستدل على صحته بأنه خيار مستفاد بالشرط فكان لمن شرطه له دليله لو شرطاه لأحد المتبايعين وإذا ثبت أن يكون لمن شرطه له وجب أن يكون للوكيل أيضا لأن هذا فرعه وعنه ملك واستحق أن يكون له كسبه ونماؤه وإن فسخ العقد قطع بهذا مع ذكره الخلاف في نماء المبيع المعيب وقد قطع في المستوعب وغيره بأن حكمه حكم نماء المعيب المردود.
وقال الشيخ تقي الدين أما النماء فإن كان المشترى هو الفاسخ فهو كما لو فسخ بالعيب وفي رد النماء روايتان وإن كان البائع هو الفاسخ فهو كفسخ البائع لإفلاس المشتري بالثمن وفيه أيضا خلاف أقوى من الرد بالعيب فإن المنصوص أنه يرجع بالنماء المنفصل فلا يكون الخيار دون هذا انتهى كلامه.
وقد صرح الشيخ موفق بأن ظاهر المذهب أن الزيادة للمفلس وقال لا ينبغي أن يكون في هذا خلاف لظهوره وقاسه على مسألة العيب والخيار وهذا قوله: جماعة كابن حامد والقاضي.

(1/264)


ويثبت الملك للمشترى في مدة الخيار في أشهر الروايتين ويكون له كسبه ونماؤه وإن فسخ العقد ومتى تصرف فيه البائع بعتق أو غيره لم ينفذ ولم يكن فسخا نص عليه وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق إلا أن يتصرف.
__________
وعكس هذا وأن الزيادة للبائع لا للمفلس نقله حنبل وتأوله غير واحد وهو قول أبي بكر ونصره جماعة كأبي الخطاب والشريف وقدمه جماعة كصاحب المحرر والخلاصة كما في الزيادة المتصلة والفرق ظاهر.
فأما على رواية أن الملك للبائع ولم ينتقل عنه فالكسب والنماء له.
قوله : "ومتى تصرف البائع بعتق أو غيره لم ينفذ تصرفه".
كذا ذكره جماعة وينبغي أن يقال إن قلنا الملك له وكان الخيار له وحده صح تصرفه كما ذكره المصنف في المشتري.
وذكر الشيخ موفق الدين في بعض كلامه أنا إذا قلنا الملك له وكان الخيار لهما أو للبائع وحده أن تصرفه صحيح نافذ وله إبطال خياره فأما تصرفه بالعتق فينفذ إن قلنا الملك له.
وقد علل الإمام أحمد في رواية ابن القاسم عدم جواز عتق البائع بأنه غير مالك له في ذلك الوقت إنما له فيه خيار.
قوله : "ولم يكن فسخا".
تبع القاضي وأصحابه ومن الأصحاب من ذكر في المسألة وجهين ومنهم من ذكر روايتين.
وقال في الرعاية وقيل تصرف البائع في المبيع فسخ على الأصح فلا يصح.
قوله : "وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق".
إلا أن يتصرف مع البائع أو يكون الخيار له وحده أما تصرفه بالعتق فينفذ إن قلنا الملك له.

(1/265)


ــــــ
وعند الجوزجاني لا ينفذ عتقه لكن إذا لم يناكره حتى انقضى الخيار مضى كأنه يشبهه بالتصرف في الشقص المشفوع ويتخرج مثله في الرهن ذكره الشيخ تقي الدين.
وذكر القاضي في ضمن خيار المجلس أنه إذا اشترى أباه أو من يعتق عليه فإنه لا يعتق بنفس الشراء بل بعد التفرق وعليه حمل ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يجزي ولد والده شيئا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ".
وذكر في مسألة انتقال الملك أن من فوائد الخلاف إذا اشترى أباه أو ابنه على أنه بالخيار عتق عليه عندنا وعنده لا يعتق.
وذكر الشيخ موفق الدين وغيره إن اشترى من يعتق1 عليه يجري مجرى إعتاقه بصريح.
قوله : "وأما تصرفه بغير العتق فلا ينفذ".
قطع به جماعة واستثنى الشيخ موفق الدين في بعض كلامه إذا كان الخيار له وحده لأنه لا حق لغيره فيه وكان ينبغي على قياس كلامه السابق تصحيحه وإن كان الخيار لهما كما صح تصرف البائع وإن كان الخيار لهما وعن أحمد ما يدل عليه.
قال محمد بن أبي حرب قيل لأحمد رجل اشتري سلعة بشرط فباعه وربح الربح لمن قال الربح له لأنه قد وجب عليه حين عرضه وكذا نقل يعقوب.
واستثنى في المحرر تصرف المشتري مع البائع وهو مبني على أن التصرف يدل على الرضى وفيه الخلاف المشهور وتصحيح هذا التصرف مع عدم تصحيح تصرف البائع مطلقا فيه نظر وليس بمذهب للإمام أحمد.
__________
1- بهامش الأصل: أي عند أبي حنيفة لأن الملك عنده في مدة الخيار لا ينفل إلى المشتري.

(1/266)


مع البائع أو يكون له الخيار وحده وبكل حال يكون تصرفه وسومه ووطؤه إمضاء.
__________
وظاهر كلام القاضي في موضع أن تصرف المشتري صحيح سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما.
قال الشيخ تقي الدين وأما المشتري فقد أطلق القاضي أن تصرفه ينفذ.
وكأنه والله أعلم يريد إذا لم يفسخ البائع العقد كما بينه أبو بكر في التنبيه فإنه استشهد بقول أبي بكر وكما أومأ إليه الإمام أحمد فيمن باع الثوب فقال يرده إلى صاحبه الأول إن طلبه فمفهومه أنه إذا لم يطلبه مضى البيع.
وهذا هو الذي دل عليه كلام الإمام أحمد وهو قول الجوزجاني وعليه يدل حديث ابن عمر.
ثم صرح بذلك في مسألة عتق المشتري فقال واحتج بأنه لو باعه أو وهبه أو وقفه وقف جميع ذلك على إمضاء البائع كذلك العتق والجواب أنه لا يمنع1 أن لا ينفذ بيعه وهبته وينفذ عتقه لما فيه من التغليب والسراية كما في العبد المشترك.
وقد ذكر في مسألة انتقال الملك أن تصرفه بغير العتق ينفذ انتهى كلامه.
وقال في الرعاية وقيل تصرف المشتري فيه رضى في الأصح فيصح إن ملكه بالعقد وإلا فلا فهذه نحو ستة أقوال في صحة تصرف المشتري بغير العتق.
قوله : "وبكل حال يكون تصرفه وسومه ووطؤه إمضاء".
قال إسماعيل بن سعيد لأحمد أرأيت إن أعتق المشتري العبد الذي اشترى
__________
1- كذا في كلام الشيخ ولعله "يمتنع".

(1/267)


وفي استخدامه روايتان [إحداهما: لم يبطل خياره وهو المذهب].
__________
وهما في المجلس فأنكر البائع عتقه وأراد أن يرد بيعه هل له ذلك قال عتق المشتري فيه جائز بمنزلة الموت ما لم يرجع البائع فيه قبل عتقه ولا يكون للبائع الرجوع فيه إلا بكلام مثل البيع الذي لا يكون إلا بالكلام.
قال القاضي وهذا يدل على أن بيعه لا ينفذ ولا يكون فسخا.
ويخرج على هذا جميع تصرفاته بالعتق والوطء لا تنفذ ولا تكون دالة على الفسخ ولا يثبت الفسخ من جهته إلا بلفظ الفسخ لأن ملكه قد زال وتصرفاته باطلة فلم تكن دالة على ملكه وتصرفه ينفذ فلهذا كان دالا على الرضا.
وقد قال أحمد في رواية ابن ماهان إذا ابتاع ثوبا وشرط الخيار لنفسه ثلاثا فعرضه على البيع قبل الثلاث لزمه وفي رواية العباس بن محمد إذا سكن الدار ولبس الثوب لزمه انتهى كلامه.
فمن الأصحاب من يقول تصرف البائع فسخ وتصرف المشتري إمضاء ومنهم من يقول لا ومنهم من يحكي في ذلك روايتين ومنهم من يجعل تصرف المشتري إمضاء ولا يجعل تصرف البائع فسخا كما في المحرر وصاحب هذا القول فرق بانتقاله لملك وعدمه كما ذكره القاضي وقد يعلل ذلك بأن تصرف المشتري يدل على الرضا وقد ينتهض الفعل الدال على الرضى ملزما للعقد كما في وطء المعتقة تحت عبد ووطء الكافر المسلم1 أحد زوجاته ووطء المشتري الجارية المعيبة بخلاف تصرف البائع فإنه رافع للعقد.
قوله : "وفي استخدامه روايتان".
إحداهما يبطل خياره لأن تصرف منه أشبه الركوب للدابة والثانية:
__________
1- كتب في الأصل فوق كلمة "المسلم" كذا. ولعل معناه: الكافر الذي أسلم جديدا وعنده أكثر من أربع نسوة ولما يختر أربعا.

(1/268)


ولو قبلته المبيعة فلم يمنعها فخياره باق نص عليه ولو أعتقها أو تلفت عنده بطل خياره وللبائع الثمن وعنه له الفسخ وأخذ القيمة.
__________
لا لأنه لا يختص الملك أشبه النظر.
وقيل إن قصد تجربته واختياره لم يبطل كركوب الدابة ليعلم سيرها وإلا بطل كركوبها لحاجته وقيل إن قصد تجربه المبيع لم يبطل وإلا فروايتان وهو الذي في الكافي.
قوله : "ولو قبلته المبيعة فلم يمنعها فخياره باق".
نص عليه كما لو قبلت البائع ويحتمل أن يبطل إذا لم يمنعها كما لو قبلها.
وشرط القاضي وجماعة حصول الشهوة منها وجماعة لم يشرطوا فهذا قول ثالث.
قال القاضي إن أحمد نص على أن مسها إياه لتغيمز رأسه ورجليه لا يبطل خياره وأبطل ذلك بمسه إياها.
قال الشيخ تقي الدين غسل رأسه وتغيمز رجليه هنا كان بأمره ولو قال لها قبليني أو باشريني ففعلت بطل خياره وإنما العلة أن ذلك فعل مباح مع الأجنبي بدليل أن أبا موسى غسل رأسه امرأة من قومه وتغميز الرجل لعلة من وراء حائل ومناط أحمد أنه متى نال ما يحرم على الأجنبي بطل خياره.
فيؤخذ من هذا أن قبلتها له لم يبلغ هو منها مالا يحل لغيره انتهى كلامه.
وقال أيضا فلعله يفرق بين أن ينتفع هو بالمبيع وبين أن ينفعه المبيع بنفسه.
قوله : "ولو أعتقها أو تلفت عنده بطل خياره وللبائع الثمن وعنه له الفسخ وأخذ القيمة".
هاتان روايتان منصوصتان.

(1/269)


ــــــ
وجه الأولى وهي اختيار الخرقي وأبي بكر والقاضي في رءوس مسائله ورجحها أبو الحسين وغيره أنه خيار فسخ فبطل تلف المبيع كخيار الرد بالعيب إذا تلف المبيع ولا يلزم عليه إذا اختلفا في الثمن بعد تلف السلعة وتحالفا وفسخا لأن الفسخ حصل باليمين لا بالخيار.
ولا معنى لقولهم إنه يستدرك النقص ويأخذ الأرش فلهذا لم يملك الفسخ وهنا لا يستدرك لأنه يبطل بخيار الرجوع في الهبة فانه يسقط بهلاك العين وأن يستدرك المقصود وهذا فيه نظر.
وقد ذكر في الرعاية أن بعضهم خرج في خيار العيب أنه ملك الفسخ ويغرم ثمنه ويأخذ قيمته الذي وزنه وقاس أبو الخطاب وغيره على الإقالة.
وعندنا تصح الإقالة مع تلف الثمن وأما المثمن فإن قلنا هي فسخ فوجهان وإن قلنا بيع لم يصلح ويصح مع تلف بعضه فيما بقي.
ووجه الثانية عموم قوله عليه الصلاة والسلام: " البيعان بالخيار مالم يتفرقا " ولأنها مدة ملحقة بالعقد فلم تبطل بتلف المبيع كما لو اشترى ثوبا بثوب فتلف أحدهما ووجد الآخر بالثوب عيبا فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه كذا ههنا.
وفرق أبو الحسين بأنه في مسألة الأصل تلف بعض المبيع وفي مسألة الفرع تلف كله وفي نظر وهذا اختيار ابن عقيل وغيره وقدمها في الكافي والخلاصة والرعاية وغيرهم.
وذكر القاضي في الخلاف أنها أصح الروايتين وذكر ابنه أبو الحسين أن القاضي اختارها في الخلاف قديما.
وذكر الشيخ تقي الدين أن أحمد صرح في رواية أبي طالب بأنه إذا أعتق العبد أو مات لم يكن عليه إلا بالثمن وإذا باعه ولم يمكنه رده ضمنه بالقيمة وإن كانت أكثر من الثمن ففرق بين ما هو تلف حسيا أو حكميا وبين

(1/270)


ــــــ
ما ليس بتلف وإنما هو جناية فوت بها يد المشتري فيضمنه ضمان الحيلولة فحيثما كان العبد باقيا فعليه القيمة وحيثما كان تالفا فعلى الروايتين.
وفقه ذلك ظاهر فإنه إذا كان باقيا أمكن فسخ العقد لبقاء المعقود عليه وإمكان رجوعه.
وعلى هذا فجميع الفسوخ من الفسخ بالعيب واختلاف المتبايعين ونحو ذلك مما اختلف في جواز فسخها بعد تلف المبيع قد سووا بين الفوت والتلف لأن التفويت هناك كان بغير تفريط من الذي هو في يده بخلاف التفويت هنا فإما أن تكون هذه رواية ثالثة أو يكون الفرق قولا واحدا.
يوضح الفرق أن هناك لم تستحق الفسخ إلا بعد الفوت وهنا كان يملك الفسخ قبل الفوت هذا كلامه.
وهل تعتبر القيمة بيوم العقد أو بيوم التلف والاتلاف فيه وجهان أصلهما انتقال الملك ذكره في التلخيص وقدم في الرعاية يوم التلف والإتلاف وإن كان الإتلاف عند البائع فيما هو من ضمانه بطل خياره.
وأما المشترى فعلى الرواية الأولى يبطل خياره ويلزمه المسمى.
وعلى الثانية يخير المشتري فإن أمضى لزمه المسمى وإن فسخه فمثله أو قيمته.
وذكر الشيخ تقي الدين أن الأب إذا أتلف العين الموهوبة فإنه مخير بين أن يضمنها إبقاء لملك الابن أو لا يضمنها لتمكنه من استرجاعها وكذلك ما أتلفه الأب من مال ابنه ذكره أبو الخطاب قال ولو جنى المشتري عليها أو جنت هي على نفسها عنده مثل شج الرأس فهل يمنع الرد على الروايتين في التلف ذكره القاضي وضعف رواية منعه الرد وهي مذهب الحنفية على ما اقتضاه كلامه.
ومضمون كلامه أن فوات جزء منها كفوات جميعها وعلى هذا فكل

(1/271)


ولا يثبت خيار الشرط في بيع شرط القبض لصحته كالصرف والسلم.
وفي خيار المجلس فيه روايتان [إحداهما: يثبت وهو المذهب] ويثبت الخياران.
في الإجارة إلا خيار الشرط في إجارة تلي مدة العقد ففيه وجهان [أحدهما:.
__________
نقص في العين أو في الصفة يمنع الفسخ في إحدى الروايتين وفي الأخرى له الفسخ واسترجاع الأرش لكن الرواية بالرد هنا مأخذها غير مأخذ العيب انتهى كلامه.
قوله : "ولا يثبت خيار الشرط في بيع شرط القبض لصحته".
قال الشيخ تقي الدين يعني من الطرفين أو أحدهما ويفسد العقد باشتراطه ذكره القاضي في ضمن مسألة خيار الشرط في النكاح انتهى كلامه.
وفساد العقد يخرج على الروايتين في الشروط الفاسدة كما لو شرطا خيار المجلس في ذلك على رواية لأنه لا يثبت.
قوله : "إلا خيار الشرط على إجارة تلي مدتها العقد".
ففيه وجهان:
أحدهما لا يثبت لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها أو أستيفائها في مدة الخيار وكلاهما لا يجوز وهو قول الشافعي وله في الإجارة في الذمة قولان.
والثاني يثبت وهو قول أبي حنيفة ومالك لأنه عقد معاونة يصح فسخه بالإقالة لم يشترط فيه القبض في المجلس فهو كالبيع قاله القاضي واحترز بالأول عن النكاح وبالثاني عن الصرف والسلم.
قال الشيخ تقي الدين أما النكاح فقد جعل بعض أصحابنا الخلع فيه كالإقالة وأما القبض في المجلس فظاهر مذهب الشافعي أن الإجارة في الذمة كالسلم في القبض فيمنعون هذا الوصف والقاضي قد سلمه انتهى كلامه.
ولنا وجهان فيما إذا شرطا تأجيل الأجرة إذا كان العقد على منفعة في الذمة.

(1/272)


ــــــ
أحدهما يجوز لأنه عوض في الإجارة فجاز تأجيله كما لو كان على عين.
والثاني لا يجوز أنه عقد على ما في الذمة فلم يجز تأجيل عوضه كالسلم وقطع في الكافي بأنه إذا آجره مدة تلي العقد لم يجز شرط الخيار.
وفي خيار المجلس وجهان أحدهما لا يثبت لما تقدم والثاني يثبت لأنه يسير.
قال ابن منصور قلت للإمام أحمد الرجل يستأجر البيت إذا شاء أخرجه وإذا شاء خرج قال قد وجب بينهما إلى أجله إلى أن ينهدم البيت أو يموت البعير فلا ينتفع المستأجر بما استأجر فيكون عليه بحساب ما سكن.
قال القاضي ظاهر هذا أن الشرط الفاسد لا يبطل الإجازة.
قال الشيخ تقي الدين هذا اشتراط للخيار لكنه اشتراط له في جميع المدة مع الإذن في الانتفاع.
وقال القاضي في التعليق ضمن مسألة الإجارة احتج المخالف بأن بعضه تلف إلى مضي ثلاثة أيام فلا يمكن رده سليما.
فقال القاضي ينتقض بخيار العيب فقال المخالف إذا رد المنفعة بالعيب ضمن منفعة ما مضى من المدة وليس كذلك خيار الشرط فإنه لا يضمن شيئا.
قال القاضي فكان يجب أن يجعل له والضمان لقيمة المنفعة لما مضى.
قال الشيخ تقي الدين حيث جاز للمستأجر الانتفاع فينبغي أن يكون ضمان النفقة عليه وحيث لم يجز لم يضمنها مع الرد لكن إذا مضى العقد تكون عليه جميع الأجرة أو تقسط على ما بعد مدة الخيار وهنا يتوجه أن يكون للمستأجر الانتفاع وإن كان الخيار لهما أو للبائع إذا لا ضرر عليه فيه بخلاف البيع ولئلا تتعطل المنفعة.
ولو قيل أيضا في المبيع إن المشتري يستوفي منفعته ولا يتصرف في عينه لتوجه أيضا وأظنه مكتوبا في موضع آخر انتهى كلامه.

(1/273)


يثبت وهو المذهب] ولا يثبتان في باقي العقود إلا خيار المجلس في المساقاة والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة إذا أخذ بها فإنه على وجهين [أحدهما:
__________
قوله : "ولا يثبتان في باقي العقود".
وذكر القاضي أن العبد المكاتب والموهوب لهما الخيار على التأييد بخلاف سيد المكاتب والواهب.
قال الشيخ تقي الدين وهذا فيه نظر وقال ابن عقيل لا خيار للسيد لأنه دخل على أنه باع ماله بآلته وأما العبد فله الخيار أبدا مع القدرة على الوفاء والعجز فإذا امتنع كان الخيار للسيد هذا ظاهر كلام الخرقي.
وقال أبو بكر إن كان قادرا على الوفاء فلا خيار له وإن عجز عنه فله الخيار.
قال ابن عقيل والواهب بالخيار إن شاء قبض وإن شاء منع.
وظاهر كلامه في المحرر أن القسمة إذا دخلها رد ففيها الخياران لأنها بيع وإلا فلا.
وقطع القاضي في الخلاف وغيره بثبوت الخيارين مطلقا وقطع به في الرعاية قال لأن وضعها للارتياء والنظر وهذا يحتاج إليه هنا.
وقال ابن عقيل إن كان فيها رد فهي كالبيع يدخلها الخياران وإن لم يكن فيها رد وتعدلت السهام ووقعت القرعة فلا خيار لأنه حكم وإن كان القاسم المشتركين فلا يدخلها خيار المجلس أيضا لأنها إفراز حق وليست بيعا انتهى كلامه.
وذكر ابن الزاغوني كما ذكر القاضي.
وقال الأزجي في نهايته القسمة إفراز حق على الصحيح فلا يدخلها خيار المجلس وإن كان فيها رد احتمل أن يدخلها خيار المجلس.
قوله : "إلا خيار المجلس في المساقاة والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة إذا أخذ بها فإنها على وجهين".

(1/274)


لا يثبت فيما ذكر وهو المذهب].
__________
الوجهان في المساقاة والمزارعة والسبق قيل هما بناء على الخلاف في جواز ذلك ولزومه وقيل هما على لزومه والحوالة والشفعة لا خيار فيهما في وجه لأن من لا رضى له لا خيار له وإن لم يثبت في أحد طرفيه لا يثبت في الآخر كسائرالعقود.
والوجه الثاني يثبت الخيار للمحيل والشفيع لأن العوض مقصود فأشبه سائر عقود المعارضة.
وقال الشيخ تقي الدين خيار الشرط في هذه الأشياء أقوى من خيار المجلس بدليل أن النكاح والصداق والضمان لنا فيها خلاف في خيار الشرط دون خيار المجلس ولأن خيار المجلس ثابت بالشرع فلا يمكن أن يلحق بالمنصوص ما ليس في معناه بخلاف خيارالشرط فإنه تابع لرضاهما والأصل عندنا أن الشرط تبع رضا المتشارطين والأصل صحتها في العقود وإنما يناسب البطلان من يقول إن خيار الشرط ثابت على خلاف القياس وليس ذلك قولنا.
وقولهم ينافي مقتضى العقد إنما ينافي مقتضى العقد المطلق وكذلك جميع الشروط وقد أبطل الإمام أحمد حجة من استدل بنهيه عن بيع وشرط ولأن خيار الشرط يجوز بغير توقيت ولو كان منافيا لتقدر بقدر الضرورة أو تقدر بالشرع كما ادعاه غيرنا ولا يجوز في عقود العبادات من الإحرام والاعتكاف ما يخالف مقتضى العقد المطلق في المعاملات.
وعلى هذا فلو اشترط في العقود اللازمة الجواز على وجه لا يمنع التصرف في المعقود عليه مثل أن يشترط في الرهن أني متى شئت فسخته أو في الكتابة إذا شئت فسختها أو في الإجارة فهذا اشتراط خيار مؤبد وهو أبعد عن الجواز وللجواز وجه كما لو اشترط في العقود الجائزة من المضاربة ونحوها اللزوم.

(1/275)


وخيار الشرط والشفعة وحد القذف لا تورث إلا بمطالبة من الميت نص عليه ويتخرج أنها تورث.
__________
والضابط أن حقيقة الخيار هو القدرة على فسخ العقد فتارة يشترط ثبوته فيما ليس فيه مؤقتا أو مطلقا وتارة يشترط نفيه فيما ليس فيه مؤقتا أو مطلقا إلا أن اشتراط نفيه مطلقا باطل قطعا مثل أن يشترط أني مضاربك على أنه لا خيار لي في الفسخ فهذا باطل لما فيه من الفساد.
قوله : "وخيار الشرط - إلى آخره".
لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار رجوع الولد فيما وهبه لولده.
وقال القاضي في الخلاف وهذه الطريقة أجود الطرق والاعتماد عليها انتهى كلامه.
وفيها نظر لأن ذلك لمعنى في الأب يختص به ولهذا لا يجوز لواهب حي سواه الرجوع فلهذا لم يورث الرجوع فيها.
وقول الأصحاب إن هذا ينتقض بما لو وهب الجد ابن ابنه شيئا ثم مات لا يجوز لابنه الرجوع فيه نظر لأن الجد لا رجوع له ليرثه عنه ابنه وأنه ليس بواهب فلا وجه لرجوعه.
والتخريج بالإرث ذكره أبو الخطاب وجماعة وصرحوا بأنه من مسألة من مات وعليه دين مؤجل هل يحل بموته وفيه خلاف مشهور عن الإمام أحمد والمنصور في كتب الخلاف أنه لا يحل ومذهب الأئمة الثلاثة أنه يحل.
وذكر غير واحد كابن الجوزي هذا التخريج وجها في مذهب مالك والشافعي أن الخيار يورث ووافقنا أبو حنيفة.
وقد جعل الأصحاب مسألة الأصل حجة في مسألة الخيار فقالوا مدة ملحقة بالعقد فلم تورث كالأجل وهذا لا يخلو من نظر.

(1/276)


ومن علق عتق عبده ببيعه فباعه عتق وانفسخ البيع نص عليه وقيل:.
__________
وقد قال الخرقي يورث خيار الوصية وهو ما إذا مات الموصى له قبل الرد والقبول بعد موت الموصي.
قال القاضي ولم يتحصل لي الفرق بينهما وبين خيار الشرط.
قال ابن عقيل ويجوز أن يكون الفرق على ما وقع لي أن الوصية فيها معنى المال فهي كخيار العيب والصفة وخيار الشرط ليس فيه معنى المال وأن الوصية لما كان لزومها يقف على الموت لم تبطل بالموت وخيار الشرط بخلافه.
وتخصيص صاحب المحرر مسألة خيار الشرط بالذكر وكذا غيره من الأصحاب يدل على أن خيار المجلس ليس كذلك تخصيصا لثبوته بمن ثبت له في المجلس.
وقال الشيخ موفق الدين وإن مات في خيار المجلس بطل خياره وفي خيار صاحبه وجهان أحدهما يبطل لأن الموت أعظم من الفرقة والثاني لا يبطل لأن فرقه الأبدان لم توجد.
وقطع في الرعاية بأن حكم خيار المجلس حكم خيار الشرط في الإرث وعدمه لأن الفرقة المعتبرة لم توجد ولهذا لم يبطل خيار الآخر في أحد الوجهين ولأن الخيار قد ثبت لغير من هو في المجلس كما لو طرأ جنون أو نحوه فإن الولي يقوم مقامه كذا في مسألتنا لكن في مسألة الأصل لم يزل الملك.
ونص الإمام أحمد في رواية الأثرم على أن خيار المجلس لا يورث ولم يفرق بين الطلب وغيره ولعل مراده إذا لم يطلب كقوله في خيار الشرط فإنه قال في الثلاثة المذكورة في غير موضع إنها لا تورث فإذا كان قد طلب فللورثة أو يطلبوا في الحد والشفعة والخيار.
وجعل في الرعاية خيار العيب والتحالف كخيار الشرط وفيه نظر وهو خلاف المعروف من مذهبنا ومذاهب العلماء.
قوله : "ومن علق عتق عبده ببيعه فباعه عتق وانفسخ نص عليه

(1/277)


لا يعتق إلا إذا قلنا لم ينتقل الملك من مع الخيار وقيل: يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد وصححنا نفيه فأنه لا يعتق.
__________
وقيل: لا يعتق إلا إذا قلنا لم ينتقل الملك مع الخيار وقيل يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد وصححنا نفيه.
هذا القول والذي قبله قطع بكل واحد منهما ابن عقيل في موضعين من هذا الباب وعللهما بالملك وعدمه فهو كما لو قال لمدخول بها أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار فدخلت وقعت طلقة بعد أخرى بخلاف غير المدخول بها لأنه لم تبق له عليها رجعة فقد عرف أن القول عليهما واحدة وإن كان البناء مختلفا.
ولو قال وقيل يعتق في موضع يحكم له بالملك فقط حصل المقصود.
وقد ذكر ابن عقيل في الفصول في غير هذا الباب المنصوص فذكر قول الإمام أحمد في رواية البائع قيل له كيف يعتق وقد زال ملكه فقال كما يملك الوصية بعد الموت.
قال ابن عقيل وهذا صحيح لأن الوصية تستند أن يلفظ بها في حال ملكه.
وذكر الشيخ تقي الدين أن الإمام أحمد نص على هذا في رواية الأثرم ومثنى.
وقد ذكر القاضي قول الامام أحمد في رجلين قال أحدهما إن بعت منك غلامي فهو حر وقال الآخر إن اشتريته فهو حر فباعه منه عتق من مال البائع فقيل له كيف وإنما وجب العتق بعد البيع فقال لو وصى لرجل بمائة درهم ومات يعطاها وإن كانت وجبت بعد الموت ولا ملك له فهذا مثله.
قال القاضي فقد صرح أن العتق يقع بعد زوال ملكه وشبهه بالوصية وقد نص على أن العتق المباشر لا يقع لأن العتق المعلق قد وجد أحد طرفيه في ملك.

(1/278)


ــــــ
وقد ذكر بعضهم في مسألة الأثرم هذه التي نقلها القاضي رواية أنه يعتق على المشتري ولم يذكر على هذه الرواية القول بصحة تعليق العتق بالملك وفيه روايتان مشهورتان فإن قلنا لا يصح عتق على البائع وإن قلنا يصح فهل يعتق على البائع أو على المشتري فيه روايتان.
ووجه المنصوص الذي قدمه في المحرر ما ذكره غير واحد من أن زمن انتقال الملك زمن للحرية لأن البيع سبب لنقل الملك وشرط الحرية فيجب تغليب الحرية كما لو قال لعبده إن مت فأنت حر.
واحتج بعضهم وذكره في المغني بأنه علق حريته على فعله للبيع والصادر منه في البيع إنما هو الإيجاب فمتى قال للمشترى بعتك فقد وجد شرط الحرية فيعتق قبل قبول المشتري وكذا صرح به في المستوعب في كتاب العتق أنه متى أوجب البيع عتق.
وصرح ابن عقيل والشيخ موفق الدين في الأيمان أنه لا يعتق بمجرد الإيجاب بل بالقبول وكذا ذكره القاضي وقد ذكروا فيما إذا حلف لا يبيع أنه لا يحنث بمجرد الإيجاب.
وقال الشيخ موفق الدين لا نعلم فيه خلافا وهذا هو الصواب قال الشيخ وعلله القاضي بأن الخيار ثابت في كل بيع فلا ينقطع تصرفه فيه فعلى هذا لو تخايرا ثم باعه لم يعتق ولا يصح هذا التعليل على مذهبنا لأننا قد ذكرنا أن البائع لو أعتق في مدة الخيار لم ينفذ إعتاقه انتهى كلامه.
ولم أجد أحدا صرح بانفساخ البيع قبل صاحب المحرر وهو حسن لأنه عقد صحيح امتنع استمراره ودوامه.
وقال الشيخ تقي الدين قول الجد انفسخ البيع فيه نظر أو تجوز فإن كلام الإمام أحمد في هذه المسألة يدل على أن هذا عنده مثل الوصية والتدبير,

(1/279)


ــــــ
وأنه كما جاز له أن يملك ويعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه وهو الموت فكذلك له أن يعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه وهو البيع وهناك لا نقول إن المدبر ملكه الورثة ثم عتق بل نقول التدبير منع الموت أن يوجب ملك الورثة وكذلك هنا التعليق المتقدم منع البيع أن ينقل الملك إلى المشتري وكأن البيع هنا له موجبان عتق وملك فقدم العتق لانعقاد سببه قبل البيع وعلمنا بقوله إذا بعتك أي إذا عقدت عليك عقد بيع من شأنه أن ينقل الملك لولا هذا التعليق فأنت حر وإن قلنا إن الملك انتقل إلى المشتري لم يخرج عن ملكه لكن يقال الانفساخ إنما يستدعى انعقادا سواء اقتضى انعقاد الملك أو لم يقتضه ولا نقول إن البيع هنا نقل الملك لأنه لو نقله وعتق العبد خرج عن أن يكون ناقلا ولزم الدور فكان لا يصح بيعه ولا عتقه لأنه إذا كان التقدير إذا بعتك بيعا ينتقل به الملك فأنت حر فاذا انتقل الملك عتق وإذا عتق لم يكن البيع ناقلا للملك إلا أن يقال إن الملك زال بعد ثبوته وهذا غير جائز.
وعلى هذا فلو قال إذا ملكتك فأنت حر عتق البيع ونحوه ولو قال إذا خرجت عن ملكي فأنت حر أو إذا صرت ملكا لغيري فأنت حر فهنا ينبغي أن لا يعتق لأنه أوقع العتق في حال عدم ملكه وفي الأولى أوقعه عقب سبب زوال ملكه إلا أن يقال يقع هنا ويكون قوله خرجت عن ملكي أي انعقد سبب حريتك أو يقول في الجميع خرج عن ملكه ثم خرج عن ملك ذلك المالك ويكون التعليق المتقدم منع الملك من الدوام كما منع سبب الملك من الملك.
وعلى قياس هذه المسألة متى علق الطلاق أو العتاق بسبب يزيل ملكه عن العبد أو الزوجة وقع الطلاق والعتاق ولم يترتب على ذلك السبب حكمه.

(1/280)


ــــــ
مثل أن يقال إذا وهبتك أو يقول إذا أصدقتك أو صالحت بك عن قصاص.
وكذلك لو علقه بسبب يمنعه التصرف مثل أن يقول إذا رهنتك إن قلنا لا يجوز عتق الراهن بخلاف ما لو قال إذا أجرتك فإن الإجارة لا تمنع صحه العتق.
وأما في الطلاق فلو قال إن خلعتك فأنت طالق ثلاثا فإنه على قياس هذا يقع بها الثلاث ولا يوجب الخلع حكمه لأنها عقب الخلع إن أوقعنا الثلاث لم يقع بينونة وإن أوقعنا بينونة لم تقع الثلاث.
لكن قد يقال إن الخلع لا يقبل الفسخ ولا يصح وجوده منفكا عن حكمه ولو قال إن خلعتك فأنت طالق فهنا الخلع يصح لأن التعليق المتقدم لا يمنع نفوذ حكمه لكن في وقوع الطلاق هنا تردد فإنه يقع مع البينونة وهذا مبني على أصلين.
أحدهما هو أن شرط الحكم إذا زال قبل حصول سببه لم يثبت الحكم وإن زال بعد ثبوت الحكم لم يقدح فيه مثال الأول إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت بعد البينونة ومثال الثاني إن تبين بعد الدخول وإن ما زال مع السبب أو عقب السبب فالمشهور عند أصحابنا أن الحكم لا يثبت كما لو قال أنت طالق مع موتي أو عقب موتي وكما لو قال لزوجته الأمة إذا ملكتك فأنت طالق فشرط الطلاق يزول عقب السبب قالوا لا تطلق.
الثاني أن السبب إذا كان من فعله أمكنه أن يبطل حكمه مثل أن يقول إذا بعتك فأنت حر أو إذا خلعتك فأنت طالق ثلاثا.
أما إذا كان السبب من فعل غيره أو كان يرتب عليه حكما شرعيا مثل انفساخ النكاح عقب الملك فهنا ليس مثل الأول انتهى كلامه.
ولو قال إن أكلت لك ثمنا فأنت حر فباعه بمكيل أو موزون أو غيرهما أو بنقد لم يعتق قاله في الرعاية.

(1/281)


ولا يحل لأحد أن يبدي للمشتري في مدة الخيار مثل السلعة بدون الثمن ليفسخ ويشتري منه وهو بيعه على بيع أخيه ولا أن يزيد عليه ليفسخ البائع ويعقد معه وهو شراؤه على شرائه فإن فعلا ذلك فهل يصح البيع الثاني على وجهين [أحدهما: لا يصح بيع الثاني وهو المذهب].
__________
وقال الشيخ تقي الدين قياس المذهب أن يكون الأكل عبارة عن الاستحقاق1 فيكون كقوله إن بعتك أو يكون عبارة عن الأخذ فلو أبرأ من الثمن لم يعتق وإن قبضه عتق ولا يضر تأخر الصفة عن المبيع.
قوله : "ولا يحل لأحد - إلى آخره".
وكذا عبارة غير واحد وعبارة بعضهم بشراء المسلم على المسلم وبيع المسلم على المسلم والمنقول عن إمامنا المعروف في مذهبه أنه لا يحرم على مسلم أن يخطب على خطبة كافر وهو يؤيد العبارة الثانية وهو ظاهر الأحاديث في ذلك.
قوله : "مثل السلعة بدون الثمن أو به أو أجود من السلعة أو أكثر".
قطع به غير واحد وهو صحيح وعلى هذا لو بذل للمشتري أجنبي من المبيع سلعة بأكثر من ثمن التي اشتراها كمن اشترى سلعة بعشرة فبذل له في زمن الخيار سلعة بخمسة عشر جاز ذلك.
وذكر الأزجي في النهاية في جوازه احتمالين وإن رضي البائع أن يبيع على بتيعه وأذن له في ذلك فإطلاق كلام الأصحاب يقتضي المنع والتعليل يقتضي الجواز وهو أولى لأن صورة الإذن مستثناة في الصحيحين أو في أحدهما من عموم النهي وقال في النهاية الصحيح من المذهب أنه لا يجوز.
قوله : "فإن فعلا ذلك فهل يصح البيع الثاني على وجهين".
__________
1- بهامس الأصل: الذي في شرح المحرر للشيخ تقي الدين "عبارة عن الاستيجاب".

(1/282)


ــــــ
وقال ابن الجوزي فالبيع باطل في ظاهر المذهب وقدمه الشيخ موفق الدين وغيره لظاهر النهي وحكاه في المستوعب عن أبي بكر وحكى عن القاضي وأبي الخطاب أنه يصح لأن المحرم سابق على عقد البيع ولأن الفسخ الذي حصل به الضرر صحيح فالبيع المحصل للمصلحة أولى ولأن النهى لحق آدمي فأشبه بيع النجش.
وقطع بالخلاف في الهداية والخلاصة.
وقال في الرعاية وفي صحة العقد الثاني روايتان أشهرهما بطلانه.
قال الشيخ تقي الدين وهذا القول يعم ما إذا كان أحد المتبايعين وكيلا أو وليا ليتيم أو غيره ويكون بيع المزايدة جائزا في الوقت الذي يجوز فيه الاستيام لأن الرجل الزائد سائم دون ما بعد ذلك وهذا هو التوفيق بين حديث المزايدة وحديث النهي عن السوم ويكون ثبوت الخيار لا يبيح الفسخ في هذه الصورة لما فيه من الضرر كما أنه لا يجوز التفريق خشية أن يستقيله على الرايتين عنه1 وإن كان يملك التفرق إلا بهذه النية ولو قيل إنه في بيوع المزايدة ليس لأحدهما أن يفسخ لما فيه من الضرر بالآخر كان متوجها لأنه لو لم يقبل أمكنه أن يبيع الذي قبله فإذا قبل ثم فسخ كان قد غر البائع بل يتوجه كقول مالك إنه في بيع المزايدة إذا زاد أحدهما شيئا لزمه وإن كان المستام المطلق لا يلزمه فإنه بزيادته فوت عليه الطالب الأول ألا ترى أنه في النجش إذا زاد قد غر المشتري فكذلك هنا إذا زاد فقد غر البائع والفرق بين المساومة التي كانت غالبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيع المزايدة ظاهر وإخراج الصور القليلة من العموم لمعارض أمر مستمر في الأدلة الشرعية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أنواع من العقود لما فيها من الضرر بالغير فعلى قياسه ينهى عن الفسوخ التي فيها إضرار بالغير انتهى كلامه.
__________
1- بهامش الأصل: في شرح المحرر"على أبين الروايتين عنه".

(1/283)


ــــــ
ويحرم سومه على سوم أخيه وقيل يكره وهذا فيما إذا وجد من البائع تصريح بالرضى فإن ظهر ما يدل على عدم الرضى لم يحرم وكذا إن لم يوجد ما يدل على الرضى ولا عدمه قطع به الشيخ وغيره وقيل يحرم وإن ظهر ما يدل على الرضى من غير تصريح لم يحرم قطع به في المستوعب وهو قول القاضي وإليه ميل الشيخ قال والحكم في الفساد كالحكم في البيع على بيع أخيه في الموضع الذي حكمنا بالتحريم فيه وقطع في الرعاية بالصحة والقول بالصحة أشبه بالمذهب كصحة العقد مع تحريم الخطبة في الأصح.
وقال الشيخ تقي الدين وأما استيامه على سوم أخيه فكخطبته على خطبة أخيه يفرق فيه بين الركون وعدمه ولهذا جاز بيع المزايدة لأن البائع طلب المزايدة فلم يركن بل رده ولو لم يجب برد ولا قبول ففيه وجهان لكن بيع المزايدة ظاهر فيما اذا كانت السلعة أو المنفعة بين البائع أو المؤجر فأما المستأجر لحانوت وفي رأس الحول إن لم يزد عليه أحد وإلا أجره المالك1 فهذا ليس مثل بيع المزايدة فإن المالك لم يطلب ولم يزد وإنما تشبه مسألة الوجهين وقال استئجاره على استئجار أخيه واقتراضه على اقتراض أخيه واتهابه على اتهاب أخيه مثل شرائه على شراء أخيه وكذا اقتراضه في الديوان وطلبه العمل في الولايات ونحو ذلك.
__________
1- بهامش الأصل: الذي في شرح المحرر "وإلا أجرة الملك".

(1/284)


باب ما يجوز بيعه وما يشترط لصحته
كل ما أبيح نفعه واقتناؤه مطلقا فبيعه جائز كالعقارات والمتاع والبغل والحمار ونحوها فأما الحشرات وآلات اللهو والكلب والسرجين النجس: فلا
__________
قوله : "في الكلب لا يجوز بيعه".

(1/284)


يجوز بيعها وهل يجوز بيع الهر والفيل والفهد والصقر والبازي على روايتين [إحداهما: يجوز بيعه وهو المذهب].
ولا يجوز بيع الدهن النجس ولا يطهر بالغسل وفي الاستصباح به روايتان [إحداهما: يجوز الاستصباح به في غير الم....1] وقال أبو الخطاب: يطهر بالغسل فعلى قوله: يجوز بيعه.
ويجوز بيع دود القز وفي بزره وجهان [أحدهما: يجوز بيعه وهو المذهب].
ولا يجوز بيع لبن الآدمية وقيل: يجوز وقيل: يجوز من الأمة دون الحرة ولا يجوز بيع العبد المنذور عتقه ويجوز بيع المرتد والجاني نص عليه وفي المتحتم قبله المحاربة وجهان [أحدهما: يصح بيعه وهو المذهب].
ويكره بيع المصحف تنزيها وعنه يحرم وكذلك إجارته.
__________
ظاهره مطلقا وهو صحيح وقد نص الإمام أحمد على التسوية بين كلب الصيد وغيره في رواية جماعة منهم الميموني وأبو طالب وحرب والأثرم ولم تصح زيادة استثناء كلب الصيد من عموم النهي وكذا ضعف هذه الرواية جماعة كالدارقطني والبيهقي مع أن لها طرقا.
فإن أهدى رجل لرجل كلبا فأثابه منه فلا بأس به ذكره الخلال.
قال حنبل قال عمي ثمن الكلب حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤره نجس2 يغسل منه الإناء قيل له في رجل أهدى إلى رجل كلبا يصطاد ترى له أن يثيبه عليه قال هذا خلاف الثمن وهذا عوض من شيء فأما الثمن فلا أراه لا يباع الكلب ولا يشترى ولا يؤكل ثمنه وإنما أحل صيده ويصح على قول أكثر العلماء.
قوله : "وكذا إجارته".
__________
1- بقية الكلمة أكلها مقص المجلد . ولعلها "المسجد".
2- بهامش الأصل: الذي شرح المحرر "رجس".

(1/285)


ويجوز شراؤه وإبداله وعنه يكره.
__________
تخصيص البيع والإجارة يدل على إباحة غيرهما وهو صحيح إلا في رهن المصحف فإنه كبيعه وقد ذكره في موضعه.
قال غير واحد كالقاضي أبو الحسين تصح هبته ووقفه رواية واحدة لأنه ليس من هذه الأشياء ما يعود بنقصه وكذا ذكر القاضي أبو يعلى.
قوله : "ويجوز شراؤه وإبداله وعنه يكره".
ذكره أكثرهم وقد علل الشيخ موفق الدين رواية كراهة شرائه بأن المقصود منه كلام الله فيجب صيانته عن الابتذال وفي جواز شرائه التسبب إلى ذلك والمعونة عليه.
وذكر القاضي أبو الحسين في جواز شراء المصحف وإبداله روايتين إحداهما الجواز والثانية لا يجوز.
وكذا ذكر القاضي أبو يعلى قال إذا قلنا يصح بيعه فأولى أن يجوز شراؤه وإن قلنا لا يجوز بيعه فهل يجوز شراؤه على روايتين إحداهما لا يجوز أيضا نص عليه في رواية حنبل وحرب فقال في رواية حنبل أكره بيع المصاحف وشراؤها فإذا أراد الرجل مصحفا استكتب وأعطى الأجرة.
وقال في رواية حرب وقد سئل عن بيع المصاحف وشرائها قال لا وكرهه والثانية يجوز.
قال في رواية المروزي لا بأس بشراء المصحف ويكره بيعه.
وقال في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث الشراء أسهل ولم نر به بأسا.
وقال في رواية ابن منصور في بيع المصاحف لا أعلم فيه رخصة والشراء أهون.
وقال في رواية أبي الحارث بيع المصاحف لا يعجبني وشراؤها أسهل.

(1/286)


ولا يصح بيع ما يعجز عن تسليمه كالنحل في الهواء والسمك في الماء، والعين المغصوبة إلا من غاصبها أو قادر على تخليصها وإن عجز عن التخليص فله الفسخ.
__________
وروى ابن أبي داود بإسناده عن عبادة بن نسى أن عمر كان يقول لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها.
وبإسناده عن ابن مسعود كره بيعها وشراءها وعن أبي هريرة وعن جابر كره بيعها وشراءها وبإسناده عن ابن عباس وجابر ابتعها ولاتبعها.
وروى الأثرم بإسناده عن عطاء عن ابن عباس اشتر المصحف ولا تبعه ثم ذكر القاضي روايتين في جواز استبداله بمثله.
وتخصيصه المصحف يدل على إباحة ذلك كله في كتب العلم وقد قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب وسأله عن بيع كتب العلم قال لا يباع العلم ولكن يدعه لولده ينتفع به أو لغير ولده ينتفع به.
قال الشيخ تقي الدين بعد أن ذكر الكلام في المصحف وكذلك في المعاوضة على المنافع الدينية من العلم ونحوه وكذلك الاستئجار هناك مثل الابتياع هنا وإبدال منفعة دينية بمنفعة دينية كما هنا إذ لا فرق بين الأعيان الدينية والمنافع.
ويتوجه في هذا وأمثاله أنه يجوز للحاجة كالرواية المذكورة في التعليم فينبغي أن يفرق في الأعيان بين المحتاج وغيره كما فرق في المنافع.
وما لم يجز بيعه فينبغي أن لا يجوز أن يوهب هبة يتبغي بها الثواب لحديث المكارمة بالخمر وكذلك ينبغي أن لا يجوز استنقاذ آدمي أو مصحف ونحو ذلك بها مثل أن نعطى لكافر خمرا أو ميتة أو دهنا نجسا ليعطينا مسلما بدله أو مصحفا انتهى كلامه.
وقال الشيخ موفق الدين في الدهن النجس يجوز أن يدفع إلى الكافر.

(1/287)


ويصح بيع النحل في كواراته معها وبدونها إذا شوهد داخلا إليها.
__________
في فكاك مسلم ويعلم الكافر بنجاسته لأنه ليس ببيع في الحقيقة إنما هو استنقاذ مسلم انتهى كلامه.
وعلى قياسه مالم يجز بيعه كالخمر ولحم الميتة ونحو ذلك.
قوله : "ويجوز بيع النحل في كواراته معها وبدونها إذا شوهد داخلا إليها".
اشتراط كونه في الكوارات ليكون مقدورا عليه واشتراط مشاهدته داخلا إليها ليحصل العلم به لأن رؤيته في الكوارة لا يأتى على جميعه.
وقال في المغني ويجوز بيع النحل إذا شاهدها محبوسة بحيث لا يمكنها أن تمتنع قال واختلف أصحابنا في كواراتها فقال القاضي لا يجوز لأنه لا يمكن مشاهدتها جميعها ولأنه لا يخلو من عسل يكون مبيعا معها وهو مجهول.
وقال أبو الخطاب يجوز بيعها في كواراتها ومنفردة عنها فإنه يمكن مشاهدتها من كوراتها إذا فتح رأسها وتعرف كثرته من قلته وخفاء بعضه لا يمنع صحة بيعه كالصبرة وكما لو كان في وعائها فإنه يكون على بعض فلا يشاهد إلا ظاهره والعسل حكمه في البيع تبعا فلا تضر جهالته كأساسات الحيطان.
فإن لم تمكن مشاهدته لكونه مستورا بأقراصه ولم يعرف لم يجز بيعه لجهالته انتهى كلامه.
وقال في الكافي ويجوز بيع النحل في كواراته ومنفردا عنها إذا رؤى وعلم قدره.
وذكر الشيخ تقي الدين كلامه في الكافي ثم قال وهذا الكلام يقتضي أنه اشتراط العلم فقط وأنه يصح بيعه طائرا كالعبد الخارج من المنزل وهو أصح انتهى كلامه.

(1/288)


ويجوز بيع العين المؤجرة.
__________
وعلى قياسه الذي له منزل يرجع إليه في العادة وينبغي أن تكون الدابة الخارجة عن المنزل كالعبد لأنه قادر على استحضارها.
وقال في المستوعب ويجوز بيع النحل مع الكوارات ومنفردا عنها وكذا قال في المذهب وغيره ولعل مرادهم ولا يمكنه أن يمتنع لاشتراطهم القدرة على التسليم.
فقد ظهر أن بيع النحل وحده في غير كوارته يصح إن لم يمكنه الامتناع وإن أمكنه والعادة أخذه فقولان وفي كواراته وحده أو معها ومع العسل هل يصح أولا وإن شاهده داخلا صح وإلا فلا.
وقال في الرعاية ولاتباع كوارة بما فيها من عسل ونحل فيصير هذا قولا رابعا وقال ابن حمدان بلى بشرطه المذكور وهذا كلام غير واحد.
قوله : "ويجوز بيع العين المؤجرة".
نص عليه في غير موضع.
قال القاضي نص عليه في رواية ابن منصور وأحمد بن سعيد وجعفر بن محمد وهو قول مالك وقال أبو حنيفة ليس له أن يبيعها قبل انقضاء المدة إلا برضى المستأجر أو يكون عليه دين فيحبس به فيبيعه في دينه.
وللشافعي قولان أحدهما مثل قولنا والثاني قول أبي حنيفة.
وذكر في الرعاية أن بعض الأصحاب خرج منه البيع وقد نقل الميموني عن الإمام أحمد مسألة رجل اكتريت دارا أربعة أشهر فخرج بعد شهر فسمعته يقول مذهبنا أنه يلزمه الكراء.
ثم قال أبو عبد الله ليس له أن يخرجه من منزله قلت ولا له أن يبيعه قال ولا له أن يبيعه إلا أن يبين شرطه هذا الذي له فيه.

(1/289)


ولا يجوز بيع الحمل في البطن ولا اللبن في الضرع ولا بيع الملامسة والمنابذة كقوله: "أي ثوب لمسته أو نبذته فهو بكذا ولا بيع الصوف على الظهر وعنه يجوز بشرط جزه من الحال.
__________
قال الشيخ تقي الدين رواية الميموني ظاهرها أنه من باع العين المؤجرة ولم يبين للمشتري أنها مستأجرة لم يصح.
ووجهه أنه باع ملكه وملك الغير فهو يشبه مسألة تفريق الصفقة.
ووجه الأول أنه عقد على المنفعة فلم يمنع نقل الملك كالنكاح ولأن للحاكم البيع فكذلك المالك ذكره أبو الخطاب وغيره.
فعلى هذا إن علم مشتريه الأجنبي ولم يرض به فله الخيار بين الرد والإمساك ذكره جماعة كابن الجوزي والشيخ وقال لأن ذلك عيب ونقص وهذا يدل على أن له مع الإمساك الأرش وقطع به في الرعاية.
وقد نقل جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل آجر من رجل دارا سنة ثم باعها ولم يعلم المشتري قال إن شاء ردها بعيبها وإن شاء أمسكها وله كراؤها حتى تتم سنة وليس له أن يخرج الساكن.
ظاهر هذا أن الأجرة للمشتري كما نقول في الشفيع ومن انتقل إليه الوقف.
قال الشيخ تقي الدين سائر نقل الملك في العين المؤجرة كالبيع فلو وهبها أو أعتق العبد المؤجر أو وقفها فينبغي أن يكون كالبيع لا يسقط حق المستأجر وكذلك لو زوج الحرة أو الأمة المؤجرة فينبغي أن يقدم حق المستأجر على حق الزوج فإن الزوج لا يكون أقوى من المشتري لا سيما عند من يقول إن السيد لا يجب عليه تسليم الأمة نهارا لأن السيد يستحق الاستخدام فإذا قدم حق السيد فحق المستأجر أولى لأن العقود الواردة إذا أوردها المستحق قطعت

(1/290)


ولا يصح البيع إلا بشرط معرفة المبيع برؤيته وقت العقد أو قبله بزمن لا يتغير فيه غالبا أو بصفة تكفي في السلم إن كان مما يجوز السلم فيه ومتى وجده1.
__________
حقه بخلاف ما إذا أوردها غير المستحق وقال إذا بيعت العين المؤجرة أو المرهونة ونحوها مما قد يتعلق به حق غير البائع وهو عالم بالبيع فلم يتكلم فينبغي أن يقال لا يملك المطالبة بفساد البيع بعد هذا لأن إخباره بالعيب واجب عليه بالسنة بقوله " ولا يحل لمن علم ذلك إلا أن يبينه " فكتمانه تغرير والغار ضامن.
وكذلك ينبغي أن يقال فيما إذا رأى عبده يبيع فلم ينهه وفي جميع المواضع فالمذهب أن السكوت لا يكون إذنا فلا يصح التصرف لكن إذا لم يصح يكون تغريرا فيكون ضامنا فإن ترك الواجب عندنا يوجب الضمان بفعل المحرم كما نقول في مسألة المستضيف ومن قدر على إنجاء شخص من الهلكة بل الضمان هنا أقوى انتهى كلامه.
وقد قال بعضهم فيما إذا عتق العبد المؤجر إنه لا يرجع على معتقه بحق ما بقي في الأصح.
قوله : "أو بصفة تكفي في السلم".
تارة يصفه بقوله وهذا هو المعروف وتارة يقول هو مثل هذا فيجعل له مثالا يرد إليه فإن هذا كما لو وصف وأولى قاله الشيخ تقي الدين.
وقد نص الإمام أحمد على ذلك في رواية جعفر بن محمد وغيره فإن ذلك القياس ليس مبيعا بل يقول أبيعك ثوبا مثل هذا فالذي ينبغي أنه لا فرق لأن معرفة الغائب برؤية مثله لا تختلف يكون ذلك المثل مبيعا أو غير مبيع.
ومعرفة الشيء برؤية مثله أتم من معرفته بوصفه بالقول.
__________
1- في نسخة بهامش الأصل "وجد".

(1/291)


ــــــ
لكن إذا قلنا إنه لا بد من رؤية المبيع كمذهب الشافعي فرؤية البعض تكفى في المتماثلات ونحوها ولو أراه في المتماثلات ما ليس من المبيع وقال المبيع مثل هذا لم يكف وهذا قياس هذا القول انتهى كلامه.
وظاهر كلام الأصحاب أنه يجوز تقديم الوصف على العقد وذكره القاضي محل وفاق.
وكذلك إن كان مما يجوز السلم فيه ذكر بعضهم هذا القيد وبعضهم لم يذكره.
ولما احتج الحنفية لمذهبهم في صحة بيع الغائب من غير رؤية ولا صفة بما روي عن الصحابة رضي الله عنهم من بيع العقار حمل القاضي والشيخ موفق الدين ذلك على أنه يحتمل أن يكون وصف له.
قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أن بيع العقار بالصفة جائز والعقار لا يجوز فيه السلم فعلم أن هذا أوسع من باب السلم.
وقد عرف من هذه المسألة صحة بيع الأعمى وشرائه.
قال القاضي وغيره شراء الأعمى وبيعه جائز على قياس المذهب وأن الرؤية ليست بشرط في عقد البيع وإنما الاعتبار بالصفة وهذا يمكن في حق الأعمى.
فقد بنى المسألة على صحة بيع الصفة وفيه روايتان منصوصتان وظاهر المذهب صحته.
وذكر في الرعاية أن الإمام أحمد نص على صحة بيع الأعمى.
فإن عدمت الصفة فعرف المبيع بذوق أو لمس أو شم صح وإلا فلا.
وإن باع شيئا بثمن معين احتمل وجهين ووافق على صحة بيعه أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي لا يصح بناء على الأصل المذكور.
قال الشيخ تقي الدين وعلى الرواية التي توافقه يمكن أن نقول: يصح

(1/292)


ــــــ
هنا للحاجة ولا يشترط مع الرؤية ذوق ولا لمس ولا شم ذكره القاضي بما يقتضي أنه محل وفاق وأنه لا يثبت الخيار بعدمه عند أبي حنيفة.
وذكر أبو الخطاب أنه يشترط أيضا المعرفة فلا يجوز أن يشتري غير الجوهري جوهرة ولا غير الكاتب كتابا مثمنا أو يشتري الدباغ عودا كبيرا.
قال على ما نقله أبو طالب عن الإمام أحمد إذا لم يعرف صفته فهو بيع فاسد.
وكذلك الميموني فلا يبيعه حتى يراه ويعرفه قال فشرط المعرفة لأنه ليس المقصود عين المعرفة وإنما المقصود المعرفة بها.
ثم ذكر وجها ثانيا أنه لا يشترط وفرق بينه وبين الرواية وذكر في موضع آخر في المسألة أن الوجه الثاني أصح وأنه يكفي مجرد الرؤية أو الصفة في جميع المبيعات.
وهذا الذي ذكره القاضي محل وفاق مع الشافعية أن من اشترى فصا فرآه وهو لا يعلم أجوهر هو أم زجاج جاز العقد وإن كانت الجهالة باقية مع الرؤية.
وذكر بعض الأصحاب المسألة على روايتين وأطلق في المحرر وغيره صحة البيع بالصفة وهو يصدق على ما إذا كان المبيع عينا معينة مثل بعتك عبدي ويذكر صفاته ويصدق على ما إذا كان غير معين مثل بعتك عبدا تركيا ويذكر صفات المسلم فالأول صحيح وكذا الثاني على ما قطع به جماعة كصاحب المستوعب والشيخ اعتبارا باللفظ دون المعنى.
وظاهر ما ذكره في التلخيص أنه لا يصح لأنه اقتصر على الأول وذكره في الرعاية قولا فقال صح البيع في الأقيس ولعل هذا ما ذكره في المحرر وغيره لأنه سلم حال ولحديث حكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك وحمله في المستوعب وغيره على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بيع معين ليس في ملكه فعلى الصحة قيل يجوز التفرق قبل القبض كبيع العين.

(1/293)


بخلاف الصفة أو الرؤية السابقة فله الفسخ فإن اختلفا في التغير أو الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه.
وإذا باع عبدا مبهما في أعبد لم يصح وإن باع رطلا من زبرة أو قفيزا من صبرة متساوية أجزاؤهما صح.
__________
فعلى هذا ينبغي أن يشترط التعيين وهو ظاهر ما في المستوعب لأنه قال كقوله: اشتريت منك ثوبا من صفته كذا وكذا بهذه الدراهم ولا يكون المبيع موجودا ولا معينا وذلك لأنه بالتعيين يخرج عن أن يكون بيع دين بدين وهو علة المنع صرح بها في الكافي وغيره وقد قطعوا بأنه لا يجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته بدين وقيل لا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه لأنه بيع في الذمة كالسلم وللشافعية خلاف نحو هذا.
قوله : "فإن اختلفا في التعيين أو الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه".
وكذا ذكره الأصحاب لأن الأصل براءة ذمته فلا يلزمه مالم يلتزم به ولم توجد بينة ولا اعتراف واستشكل ابن حمدان هذا فقال فيه نظر.
وهذه المسألة يتوجه فيها قولان آخران أحدهما أن القول قول البائع لأن الأصل عدم التعيين وعدم اشتراط الصفة المدعاة والقول الآخر أنهما يتحالفان لظهور التعارض كما لو اختلفا في قدر الثمن أو صفته وجعل الأصحاب المذهب هنا قول المشترى مع أن المذهب عندهم فيما إذا قال بعتني هذين بمائة قال بل أحدهما بخمسين أو بمائة أن القول قول البائع لأن الأصل عدم بيع الآخر مع أن الأصل السابق موجود هنا مشكل.
قوله : "وإذا باع عبدا مبهما في أعبد لم يصح".
قال القاضي إذا ابتاع ثوبا من أحد هذين أو من أحد ثلاثة أو من أحد أربعة فالعقد فاسد ولم يذكر عن أحمد ولا غيره نصا وذكر في أثناء

(1/294)


وإن باعه ذراعا غير معين من أرض أو ثوب لم يصح إلا أن يعلما ذرع الكل فيصح في قدره مشاعا.
__________
المسألة أنه يصح مثل ذلك في الإجارة فيما يتقارب نفعه وهذا مثل مذهب مالك في البيع.
قال الشافعي تقي الدين والفرق بين البيع والإجارة عسر انتهى كلامه.
وما قاله صحيح وظاهر كلام الأصحاب التسوية بين البيع والإجارة وهو أولى وسيأتي في المسألة بعدها ما يتعلق بهذه المسألة.
وكذا مسألة بعتك بعشرة نقدا وبعشرين نسيئة فإن باع من المعدود المنفصل المتقارب كالبيض مثل أن يبيع مائة بيضة من ألف بيضة فينبغي أن يخرج على السلم فيه عددا فإن صح وهو الراجح صح ذلك وإلا فلا.
وذكر القاضي في مسألة المبيع المتعين أنه يصح.
قال الشيخ تقي الدين وهو مقتضى قول الخرقي إلا أن جعل قول الخرقي معدودا يعم المزروع أيضا.
قوله : "وإن باعه ذراعا غير معين من أرض أو ثوب لم يصح إلا أن يعلما ذرع الكل فيصح في قدره مشاعا".
قال ابن منصور قلت للإمام أحمد قال سفيان في خمس نفر بينهم خمسة أبيات في دار فباع أحدهم نصيبه في بيت لا أجيزه وإن باعوا جميعا جاز هو ضرر يضر بأصحابه هو لا يستطيع أن يأخذ نصيبه من ذلك البيت فإن قال أبيعك بيتا من الدار لا يجوز بيع ما ليس له قيل له فان قال أبيعك خمس الدار فقال إذا قال نصيبي قال أحمد جيد قيل للإمام أحمد قال سفيان إذا كان دار بين اثنين فقال أحدهما أبيعك نصف هذه الدار.

(1/295)


وإذا باع حيوانا يؤكل واستثنى الرأس والجلد والأطراف: جاز فإن أبى المشتري أن يذبح: لم يجبر ولزمه قيمة المستثنى.
__________
قال لا يجوز إنما له الربع من النصف حتى يقول نصيبي قال أحمد هو كما قال.
قال الشيخ تقي الدين هذا الكلام فيه مسألتان.
إحداهما إذا قال الشريك بعتك ثلث الدار أو ربعها أو قيراطا منها لم يجز حتى يقول نصيبي لأن قوله: الثلث أو النصف يعم النصف من نصيبه ونصيب شريكه وكذلك الهبة والوقف والرهن.
المسألة الثانية إذا باع نصيبه من بيت من دار له فيها بيوت لم يجز بخلاف ما لو باع نصيبه من البيوت كلها ولهذا إذا باع البيت جميعه لم يجز بيعه في نصيبه أنه لا يملك بيعه مفردا لأن في ذلك ضررا بالشركاء لأن المشتري لا يمكنه الانتفاع ببعض البيت إلا بالانتفاع بغيره من الارض المشتركة وإنما يملك الانتفاع من كان شريكا في البيوت كلها.
وهذا معنى قوله : "هو لا يستطيع أن يأخذ نصيبه من ذلك يعني أن الانتفاع بنصيبه من ذلك" البيت دون غيره لا يجوز فكيف يجوز للمشتري منه؟.
وقال بعد أن ذكر كلام صاحب المحرر تقدم كلام على بيع المشاع وكلام الإمام أحمد يخالف هذا وإذا علمنا عدد العبيد وأوجنبا القسمة أعيانا فالفرق بين المتصل والمنفصل بين ذراع من أرض وعبد من أعبد ليس بذاك وقد ذكروا احتمالا في صحة بيع ذراع مبهم ويكون مشاعا فكذلك بيع عبد مبهم انتهى كلامه.
قوله : "فإني أبى المشترى أن يذبح لم يجبر ولزمه قيمة المستثنى".

(1/296)


ولو باع الشاة إلا رطلا من لحمها أو الأمة إلا حملها أو الصبرة إلا قفيزا أو ثمرة البستان إلا صاعا ففي صحته روايتان.
__________
نص عليه في رواية مهنا ورواه عن علي بإسناد جيد وقال حنبل قال عمى له مثل ما شرط له ورواه بإسناده من رواية جابر الجعفي عن الشعبي قال قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم بذلك ويحتمل أن يلزمه الذبح وتسليم المستثنى لأنه مال الغير التزم بأدائه فلزمه كما لو أفضى تسليمه إلى ذهاب بعض عين المبيع بل هذا أولى لأنه دخل على هذا الضرر.
ويحتمل أن يبطل بيع الحيوان كما لو قال إلا فخده أو شحمه وقد يجيء هذا الاحتمال في صورة الامتناع خاصة لتعذر الأمرين أما الأول فلأنها معاوضه لم يرض بها وأما الثاني فلأنه ذبح الحيوان لغير مأكله لتخصيص حتى الغير.
قوله : "أو الأمة إلا حملها".
نقل ابن القاسم وسندى وغيرهما أنه يصح ونقل حنبل والمروزي أنه لا يصح وهو قول الثلاثة وهو أشهر.
وكلامه في المحرر يصدق على استثنائه باللفظ أو بالشرع وذكر القاضي أنه إذا كان الحمل حرا أو كان لغيره لم يصح بيعها كما لا يصح لو استثناه ذكره في مسألة الحربية الحامل بولد مسلم وهو قول الشافعي.
قال الشيخ موفق الدين والأولى صحته لأن المبيع معلوم وجهالة الحمل لا تضر لأنه ليس بمبيع ولا مستثنى باللفظ وقد يستثنى بالشرع مالا يصح استثناؤه باللفظ صح ووقعت منفعة البضع مستثناة بالشرع ولو استثناه بلفظه لم يجز,

(1/297)


وإذا باعه شيئا برقمه.
__________
ولو باع أرضا فيها زرع للبائع أو نخلة مؤبرة وقعت منفعتها مدة بقاء الزرع والثمرة مستثناة بالشرع ولو استثناها بقوله:لم يجز.
ولو باع الحامل مطلقا دخل الحمل في البيع.
قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن من باع وليدة أو شيئا من الحيوان وفي بطنها جنين أن ذلك الجنين للمشتري اشترطه أو لم يشترطه قال حنبل قال عمي إذا اشترطه كان ذلك له.
قوله : "وإن باعه شيئا برقمه".
قال الخلال ذكر البيع بغير ثمن مسمى ثم ذكر عن حرب سألت الإمام أحمد1 قلت الرجل يقول لرجل ابعث لي جريبا من بر واحسبه على بسعر ما تبيع قال لا يجوز هذا حتى يبين له السعر.
وعن إسحق بن منصور قلت للامام أحمد الرجل يأخذ من الرجل سلعة فيقول أخذتها منك على ما تبيع الباقي قال لا يجوز وعن حنبل قال عمي أنا أكرهه لأنه بيع مجهول والسعر يختلف يزيد وينقص وروى حنبل عن أبي عبيدة أنه كره ذلك.
وقال أبو داود في مسائله باب في الشراء ولا يسمى الثمن سمعت أحمد سئل عن الرجل يبعث إلى البقال فيأخذ منه الشئ بعد الشئ ثم يحاسبه بعد ذلك قال أرجو أن لا يكون بذلك بأس قال أبو داود قيل لأحمد يكون البيع ساعتئذ قال لا.
قال الشيخ تقي الدين وظاهر هذا أنهما اتفقا على الثمن بعد قبض المبيع
__________
1- الذي في شرح المحرر للشيخ تقي الدين "ثم ذكر غير الكرماني سألت الإمام أحمد" و الكرماني :هو حرب.

(1/298)


ــــــ
والتصرف فيه وأن البيع لم يكن وقت القبض وإنما كان وقت التحاسب وأن معناه صحة البيع بالسعر.
وقوله : "أيكون البيع ساعتئذ؟" يعني وقت التحاسب وهذا هو الظاهر.
وأصرح من ذلك ما ذكره في مسألة المعاطاة عن مثنى بن جامع عن أحمد في الرجل يبعث إلى معامل له ليبعث إليه بثوب فيمر به فيسأله عن ثمن الثوب فيخبره فيقول له اكتبه والرجل يأخذ التمر فلا يقطع ثمنه ثم يمر بصاحب التمر فيقول له اكتب ثمنه فأجازه إذا ثمنه بسعر يوم أخذه وهذا صريح في جواز الشراء بثمن المثل وقت القبض لا وقت المحاسبة سواء ذكر ذلك في العقد أو أطلق لفظ الأخذ زمن البيع.
وقد احتج القاضي في مسألة المعاطاة بحديث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهما دليل على ذلك وهذا يشبه الإذن في الإتلاف بعوض كما إذا قال ألقه في البحر وعلى قيمته أو أعتق عبدك عني وعلي قيمته.
وعلى هذا فلو اختلفا والعين قائمة ردت وإن فاتت فالقيمة.
وسيجيء في أول السلم هذه المسألة عن الأوزاعي إذا اتفقا على تقدير الثمن ثم أخذ منه بعد ذلك ثم حاسبه فلعل كلام الإمام أحمد على ذلك.
هذا ويتوجه أن يكون الثمن1 بعد العقد والإتلاف كتقدير الصداق بعد العقد أو بعد الدخول هذا كله كلام الشيخ تقي الدين.
قال القاضي وقد أطلق الإمام أحمد القول في جواز البيع بالرقم فقال في رواية أبي داود وقد سئل عن بيع الرقم فكأنه لم ير به بأسا.
وقال أيضا في رواية أبي طالب لا بأس ببيع الرقم يقول أبيعك برقم كذا وكذا وزيادة على الرقم كذا وكذا كل ذلك جائز ومتاع فارس إنما
__________
1- في شرح المحرر"ويتوجه أن يكون تقدير الثمن".

(1/299)


ــــــ
هو بيع بالرقم قال وهذا محمول على أنهما عرفا مبلغ الرقم فأوقعا العقد عليه.
قال الشيخ تقي الدين الرقم رأس المال وما اشترى به فلان أحاله على فعل واحد والسعر إحالة فعل العامة مع أنه محتمل فإنه شبه التوكيل ولو أذن لرجل أن يشتري له هذه السلعة بما رأى جاز لكن قد يقال هو مقيد بأن لا يكون فيه غير خارج عن العادة وهذا متوجه إن شاء الله تعالى.
وقول الإمام أحمد كل ذلك جائز دليل على أنه ذكر صورتين إحداهما أن يعين الرقم فيقول برقم كذا وكذا والثانية أن يقول بزيادة على الرقم كذا وكذا ولا يعينه فقال كل ذلك جائز ولولا أن الرقم غير معين لم يكن لسؤالهم له وجه ولا يقول أبو داود كأنه لم بر به بأسا وهذا كالتوليه والأخذ بالشفعة ونحو ذلك.
ثم قال بيع الشئ بالسعر أو بالقيمة وهي معنى السعر لها صور.
إحداها أن يقول بعنى كذا بالسعر وقد عرفا السعر فهذا لا ريب فيه.
الثانية أن يكون عرف عام أو خاص أو قرينة تقتضي البيع بالسعر وهما عالمان فهذا قياس ظاهر المذهب صحته هنا كبيع المعاطاة مثل أن يقول زن لي من الخبز أو اللحم أو الفاكهة كذا وكذا وعرف هذا البائع أنه يبيع الناس كلهم بثمن واحد وكذا عرف أهل البلد فإن الرجوع إلى العرف في قدر الثمن كالرجوع في وصفه.
الثالثة أن يتبايعا بالسعر لفظا أو عرفا وهما أو أحدهما لا يعلم فكلام الإمام أحمد يقتضي روايتين ووجه الصحة إلحاق ذلك بقيمة المثل في الإجارة إذا دخل الحمام أو قصر الثوب ثم إن قيل البيع فاسد وكانت العين تالفة فالواجب أن لا يضمن إلا بالقيمة لأنهما تراضيا بذلك.

(1/300)


أو بألف ذهبا وفضة.
__________
ونظيره أعتق عبدك عني وعلي ثمنه أو ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه انتهى كلامه.
وقال أيضا بعد أن حكى ما تقدم من الروايات قد يقال في المسألة روايتان لأنه جوزه هناك بالسعر كما تقدم ومنعه هنا.
وقد يقال هناك كان السعر معلوما للبائع مستقرا وهنا لم يكن السعر معلوما للبائع لأنه لم يدر بعد ما يبيع به فصار البيع بالسعر المستقر الذي يعلمه البائع كالبيع بالثمن الذي اشتراه في بيع التولية والمرابحة وأخذ الشفيع الشقص المشفوع بالثمن الذي اشترى به قبل علمه بقدر الثمن.
وذكر في موضع آخر أن هذا أظهر.
قال كل من ألزمه الشارع بالبيع فإنما يلزمه البيع بثمن المثل وبذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن أعتق شركا له في عبد قال وليس هذا من باب ضمان التلف بالبدل كما توهم ذلك طائفة من أصحابنا وغيرهم بل هو من باب البيع بقيمة المثل لأن نصيب الشريك يدخل في ملك المعتق ثم يعتق ويكون ولاء العبد كله له ليس من قبيل العبد المشترك بينه وبين شريكه بل هو كمن ابتاع نصيب شريكه لكن ألزمهما بالتبايع لتكميل حرية العبد.
قوله : "أو بألف ذهبا وفضة".
قال القاضي أبو الحسين وغيره إذا اشترى جارية بألف مثقال ذهبا وفضة لم يجز البيع هذا قياس المذهب لأن الخرقي قال وإذا أسلم في شيئين ثمنا واحدا لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس فالثمن الواحد هناك بمثابة الجارية هنا والذهب والفضة هنا بمثابة الشيئين هناك.

(1/301)


أو بدينار إلا درهما.
__________
فقد اعتبروا هذه المسألة بمسألة السلم وفي مسألة السلم خلاف فالقول به هنا أولى لأن مثل مسألة يجوز في بيع الأعيان1 قولا واحدا ومسألتنا من بيوع الأعيان فالقول بجواز مسألة السلم أولى أن يقال به هنا.
وقد قال مالك والشافعي في أحد قوليه بصحة مثله في السلم ووجه البطلان جهالة الثمن كما لو باع ألفا بعضها ذهبا وبعضها فضة وفيه نظر.
وقوله : "أو بدينار: إلا درهما".
قال حرب سألت الإمام أحمد قلت الرجل يقول أبيعك هذا بدينار إلا درهما قال لا يجوز ولكن بدينار إلا قيراطا ونحو ذلك لأن الاستثناء يكون في شيء يعرف والدرهم ليس يعرف كم هو من الدينار ويجوز أن يقول أبيعك بدينار ودرهم.
قال الشيخ تقي الدين قد يؤخذ من هذا جواز الاستثناء في الإقرار ونحوه لأنه علل بالجهالة وذلك لا يضر في الإقرار ولأنه لو كان الاستثناء باطلا لصح بالدينار ولغا قوله: إلا درهما على قول من يبطل هذا الاستثناء انتهى كلامه.
ووجه البطلان أنه قصد استثناء قيمة الدينار وهي غير معلومة واستثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا كما لو قال بمائة إلا قفيزا وقيل يصح لأنه أمكن تصحيح كلام المكلف بتقدير قيمة الدينار والذهب والفضة كالجنس الواحد بخلاف غيرهما.
وقال ابن عقيل فإن قال بعتك هذا الثوب بعشرة دنانير إلا قفيزا من الحنطة فهذا استثناء لا يصح فيحتمل أن يصح البيع لأن الاستثناء من غير الجنس فيما عدا الذهب والفضة منقطع عن الجملة المستثنى منها فيلغو ويكون الثمن معلوم ألا ترى أنه في الإقرار لو استثنى دراهم من دنانير أو دنانير من دراهم,
__________
1- كذا بالأصل. و لعله "مثل مسألة السلم".

(1/302)


أو بدينار مطلق وليس للبلد نقد غالب.
__________
حذف من الجملة بالقيمة ولو استثنى حنطة من ذهب أو فضة لغا الاستثناء وكان الإقرار بالجملة من الثمن المذكور فلذلك كان الثمن معلوما ويحتمل أن لا يصح البيع لأن الاستثناء قصد به رفع شيء من الثمن فرفع قيمة ذلك وقيمة ذلك مجهولة في حالة التسمية فتصير الجملة مجهولة والاحتمال الأول أصح انتهى كلامه.
قوله : "أو بدينار مطلق وليس للبلد نقد غالب".
وذكره أجود لأن الجهالة تزول بظهور المعاملة بغالب نقد البلد.
قال الشيخ تقي الدين الذي يقتضيه كلامه في رواية الأثرم والانطاكي وسندي وابن القاسم إذا باعه أو أكراه بكذا وكذا درهما صح وله نقد الناس وإن كانت النقود مختلفة فله أوسطها في رواية وأقلها في رواية.
وكلامه نص لمن تأمله أن البيع بالنقد المطلق يصح بكل حال وإلا لأخبر بفساد العقد وهذا شبيه بتصحيح المطلق من الحيوان في الصداق وغيره لكن المطلق في النقود أوسع فلهذا صححه في البيع انتهى كلامه.
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله رجل له على رجل دراهم أي نقد له قال باعه شيئا فقلت باعه ثوبا بكذا وكذا درهما أو اكترى منه دارا بكذا وكذا درهما فاختلفا في النقد فقال إنما يكون له نقد الناس المتعارف بينهم قلت نقد الناس بينهم مختلف فقال له أقل ذلك.
قال ابن عقيل فظاهره جواز البيع بثمن مطلق مع كون العقود مختلفة ويكون له أدناها انتهى كلامه.
قال ابن عقيل والمشهور عند الأصحاب عدم الصحة.

(1/303)


أو قال بعتك بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة فإنه لا يصح.
__________
قوله : "أو قال بعتك بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة".
فإنه لا يصح يعني إن افترقا قبل تعيين أحد الثمنين لأن هذا بيعان في بيعة وقد نهى عنه الشارع فسره بذلك جماعة منهم مالك والثوري وإسحاق وأحمد في رواية أبي الحرث وهو قول أكثر العلماء.
وقال منها سألت الإمام أحمد عن رجل باع بيعا بدرهم واشترط عليه الدينار بكذا وكذا فقال هذا لا يحل هذه بيعتان في بيعة وكذا فسره في رواية حرب ومحمد بن موسى بن مشيش وهارون الحمال وأبي الحرث أيضا.
وقال مهنا سألت أبا عبد الله عن الرجل يقول للرجل هذا الثوب بثلاثين درهما بالمكسرة وبخمسة وعشرين بالصحاح قال لا يصح هذان شرطان في بيع فقلت يترك له هذا الثوب بثلاثين درهما نسيئة وعشرين بالنقد قال لا يصح هذه بيعتان في بيعة.
وقيل للإمام أحمد في رواية الأثرم إذا قال بعشرة دراهم بالصحاح وباثني عشر بالغلة هو شرطان في بيع قال لا بيعتان في بيعة.
وقيل للإمام أحمد في رواية محمد بن أبي حرب إن قال إن أتيتني بالدراهم إلى مشهر فهو بكذا وإن أتيتني إلى شهرين فهو بكذا أكثر من ذلك قال لا يجوز هذا.
وقال في رواية صالح هذا مكروه إلا أن يفارقه على أحد البيوع.
وقال أبو الخطاب ويحتمل أن يصح قياسا على قول الإمام أحمد في الإجازة إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم وفرق غيره من جهة أن العقد ثم يمكن أن يصح جعالة بخلاف البيع.
وقال الشيخ تقي الدين قياس مسألة الإجارة أن يكون في هذه روايتان,

(1/304)


وإن باعه بوزن صنجة لا يعلمان وزنها فعلى وجهين وإذا باعه عبده وعبد غيره أو عبدا بينهما أو خلا وخمرا أو تفرقا في صرف أو سلم عن قبض.
__________
لكن الرواية المذكورة في الإجازة فيها نظر وهذه تشبه شاة من قطيع وعبدا من أعبد ونظيرها من كل وجه أحد العبدين أو الثوبين انتهى كلامه.
ويخرج عليه إذا قيل بالصحة هنا قيل بالصحة هناك.
قوله : "وإن باعه بوزن صنجة لا يعلمان وزنها". فعلى وجهين.
أحدهما : لا يصح وهو الذي ذكره أبو الخطاب في الانتصار في مسألة بيع الأعيان الغائبة وهو قول أكثر الشافعية لأنه ليس صبرة ولا يعرف قدره فهو مجهول كالسلم.
والثاني يصح ولعله قول أكثر الأصحاب لأنه مشاهد معلوم فهو كالصبرة.
ويؤخذ من كلامه في المحرر أنه يجوز أن تكون الصبرة عوضا في البيع ثمنا ومثمنا وهو صحيح لأنه معلوم بالرؤية فصار كالثياب والحيوان ولا يضر عدم مشاهدة البعض لسده البعض وقد صح قول ابن عمر كنا نشتري الطعام جزافا.
وقدم ابن عقيل في صبرة فقال الرواية عدم الصحة لكونها مختلفة الأجزاء.
وحكى الشيخ وغيره عن مالك أنه لا يصح أن يكون الثمن صبرة وهو وجه لنا لأن لها خطرا ولا مشقة في وزنها وعدها والتسوية أشهر وأصح.
قوله : "إذا باعه عبده وعبد غيره - إلى آخره".
هذه المسألة فيها روايتان منصوصتان ورواية الصحة نصرها القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم لأنهما شيئان معلومان لو أفرد كل واحد منهما بالبيع صح في أحدهما وبطل في الآخر فإذا جمعهما صح فيما صح حال الانفراد كما لو أفرده وكما لو باع عبده وعبد غيره أو عبده وأم ولده عند

(1/305)


البعض: صح العقد فيما يصح لو أفرده بحصته من الثمن وعنه يبطل في الكل.
__________
أبي حنيفة ومالك بخلاف مسألة الحر والعبد والخل والخمر عندهما ورواية البطلان قدمها في الانتصار وذكره الشيخ أنها أولهما وذكر في الخلاصة أنها أصحهما.
واختلف في تعليل ذلك فقيل جهالة الثمن ولأنه لو قال بعتك هذا بقسطه من الثمن لم يصح فكذا إذا لم يصرح وقيل لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فغلب التحريم ولأن الصفقة إذا لم يمكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكل كالجمع بين الأختين وبيع درهم بدرهمين وعليهما يخرج ما إذا عين لكل واحد ثمنا.
وقد ذكر في الرعاية أنه إذا جمع في عقد معلوما ومجهولا وقال كل واحد كذا فوجهان وقيل إن قلنا تبطل الصفقة كلها لاتحادها وتعذر تجزئها لم يصح.
قوله هنا وإن قلنا تبطل بجهالة ثمن ما يصح بيعه صح هنا.
وقال في الرعاية أيضا وقيل الخلاف فيمن جهل أنه خل وخمر كذا في النسخة ولعله وللمشتري الخيار وقيل الخيار فيمن جهل أنه حر وخمر.
وقوله : "بحصته من الثمن".
قال القاضي في الجامع إذا صححنا البيع فيما يملكه فللمشتري الخيار إن كان جاهلا بالحال فإن أجاز فالواجب عليه حصته من الثمن في أظهر القولين ويكون التوزيع عليهما باعتبار قيمتهما وجميعه في الثاني ولا خيار للبائع هذا مذهب الشافعي وكذا قال وبيض بعده بياضا وبعده.
وقال أحمد في رواية مهنا إذا تزوج امرأة على عبد بعينه فاستحق نصف العبد فهي بالخيار في النصف الباقي والنكاح جائز فإن تزوجها على عشرة

(1/306)


وإذا جمع بعوض واحد بين بيع وصرف أو بيع إجارة صح فيهما نص عليه وقيل: لا يصح.
__________
دراهم وعلى عبد قيمته عشرة آلاف فإذا هو حر لها قيمة العبد فإن تزوجها على عبدين فقال تزوجتك على هذين العبدين فخرج أحدهما حرا فلها قيمة العبد الذي خرج حرا فقد فرق الصفقة وأثبت الخيار في المشاع دون المفرز.
وكذلك فرق القاضي بين المسألتين وقرر النص قال القاضي لأن المستحق للنصف قد صار شريكا لها في نصفه والشركة نقص في العادة فجرى مجرى عيب ظهر بالنصف فلها الخيار في الفسخ والإمضاء كذلك هنا وأما في مسألة العبدين فلم يجعل مع تفريق الصفقة إلا قيمة الحر وإمساك العبد.
ووجدت بخط القاضي تقي الدين الزريراني البغدادي والظاهر أنه من نهاية الأزجي إجازته للمبيع يكون بقسطه من الثمن وقيل يخبره بجميعه لئلا يفضي إلى جهالة الثمن.
قوله : "وإذا جمع بعوض واحد بين بيع وصرف أو بيع وإجازة صح فيهما نص عليه".
قال في رواية ابن منصور وذكر له قول الثوري إذا صرف دينارا بأربع عشرة درهما ومدين قال لا بأس به قال أحمد جائز.
وأما مسألة البيع والإجارة فأخذها القاضي من نصه على جواز أن يشتري ثوبا على أن يخيطه ووجه ذلك أن اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة.
كما لو جمع بين ما فيه شفعة وما ليس فيه شفعة وقيل لا يصح لأن حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الآخر فبطل فيهما فإن المبيع فيه خيار ولا يشترط فيه التقابض في المجلس ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع والصرف فشرط

(1/307)


وإن كان الجمع بين بيع ونكاح صح النكاح وفي البيع وجهان [الصحيح الصحة].
__________
له التقابض وينفسخ العقد بتلف العين في الإجارة ولا بد أن يكون الثمن من غير جنس ما مع المبيع مثل أن يبيعه ثوبا ودراهم بذهب فإن كان من جنسه فهي مسألة مد عجوة ذكره القاضي في الجامع ويقسط العوض على المبيع والمنفعة بالقيمة.
قال القاضي فإن قال بعتك داري هذه وأجرتكها شهرا بألف فالكل باطل لأن ملك الرقبة ملك المنافع فلا يصح أن يؤاجره منفعة ملكها عليه.
قال الشيخ تقي الدين وللصحة وجه بأن تكون مستثناة.
قوله : "وإن كان الجمع بين بيع ونكاح".
مثل أن زوج وباع عبده بألف أو أصدقها عبدا على أن ترد عليه ألفا صح النكاح لأنه لا يفسد بفساد العوض وفي البيع وجهان.
أحدهما يصح.
قال الشيخ تقي الدين وهو الذي ذكره القاضي في كتابيه وابن عقيل في الصداق فتقسط الألف على مهر المثل وقيمة العبد وكذلك يقسط العبد على مهر المثل والألف لأن جملة العوض معلومة.
والثاني لا يصح فيهما فإنه إذا انفسخ البيع لزم توزيع الصفقة.
قال ولو قال زوجتك بنتي ولك هذه الألف بعبدك هذا فالعبد بعضه مبيع وبعضه مهر فيقسط العبد على مهر المثل والألف ولو كان لبنته مال فقال زوجتك هذه ولك هذه الألف معها بهذه الألفين من عندك بطل البيع والمهر جميعا لأنه من باب مد عجوة وردهم هذا الذي ذكره القاضي وابن عقيل وأبو محمد من خلاف انتهى كلامه.

(1/308)


وإن كان بين كتابة وبيع بطل البيع وفي الكتابة وجهان.
__________
قوله : "وإن كان بين كتابة وبيع".
مثل قوله لعبده: بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة كل شهر عشرة بطل البيع.
قال الشيخ: وجها واحدا لأنه باع عبد لعبده فلم يصح كبيعه إياه من غير كتابة وفي الكتابة وجهان بناء على تفريق الصفقة.
وقال القاضي في الجامع العقد صحيح فيهما على قياس الإجارة وهو إذا ابتاع ثوبا بشرط الخياطة.
وقال في المجرد فإن قالت طلقني طلقة بألف على أن تعطيني عبدك هذا فقد جمعت بين شراء وخلع وجمع الزوج بين بيع وخلع جميعا بألف فيصح فيهما وأصل ذلك في البيوع إذا جمعت الصفقة عقدين أحكامها مختلفة مثل بيع وإجارة وبيع ونكاح وبيع وصرف وبيع وكتابة فإنهما يصحان جميعا كذلك الخلع والبيع ويقسط المسمى على قيمة العبد والمسمى حال العقد فمتى أصابت بالعبد عيبا ردته ورجعت عليه بقيمته وإن ردته بالعيب انفسخ العقد فيه وأما حكم البدل في الخلع فهو مبني على تفريق الصفقة.
فإن قلنا بتفريق الصفقة بطل البيع في العبد ببدله وصح الخلع ببدله وإن قلنا لا تفرق بطل في البيع وبطل البدل في الخلع فكان له عليها قيمته وكذلك قال ابن عقيل إلا أنه قال يقسط العوض على قيمة العبد ومهر المثل.
فروع تتعلق بتفريق الصفقة.
قال القاضي في التعليق ضمن المسألة وإذا أوجب في عبدين لم يكن للمشتري أن يقبل في أحداهما ذكره القاضي محل وفاق مسلما له وذكر في

(1/309)


وإن باع عينا له وأخرى لغيره بإذنه بعوض واحد صح واقتسماه على قدر القيمة نص عليه وقيل: لا يصح وكذلك إن باع واحدا من اثنين سلعتين بثمن واحد لكل واحد سلعة.
ولا يصح تصرف الفضولي لغيره ببيع ولا شراء ولا نكاح إلا شراؤه له في الذمة إذا لم يسمه في العقد فإنه يصح ثم إن أجازه المشتري له ملكه.
وإلا لزم الفضولي وعنه يصح تصرفه بكل حال ويقف على الإجازة ولو باع ما يظنه لغيره فبان أنه قد ورثه أو وكل في بيعه فعلى وجهين.
__________
حجة المخالف أن امرأتين لو قالتا لرجل زوجناك أنفسنا لكان له أن يقبل إحداهما دون الأخرى وسلمه القاضي وبناه المخالف على أنه إذا جمع بين محللة ومحرمة في النكاح فإن نكاح المحرمة لا يصير شرطا في نكاح المحللة فإن تفريق الصفقة في النكاح جائز وفي البيع يصير شرطا.
وقال القاضي قبول البيع في أحدهما ليس شرطا في قبوله في الآخر عندنا قاله الشيخ تقي الدين قال وأجاب عن الحكم جوابا فيه نظر والتحقيق أنه شرط لكن المشروط وجود القبول لا صحة القبول كما لم يشترط لزوم القبول في أحدهما ولو كان المشروط شرطا فاسدا لم نسلم أنه يبطل البيع وعلله القاضي بأنه إنما لم يصح أن يقبل البيع في أحد العبدين لأن نصف الثمن لا يقابل أحدهما لأنه ينقسم على قدر قيمتها فإن قبل أحدهما بنصف الثمن لم يكن القبول موافقا للايجاب فلهذا لم يصح.
وهذا التعليل يقتضي القبول كما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء وفيما لو قال بعتك هذا بألف وهذا بخمسمائة وهذا فيه نظر.
وقياس المذهب أن ذلك ليس بلازم لأن لمن تفرقت عليه الصفقة الخيار والصفقة تتفرق هنا عليه كما فيما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء قال وإذا جمع بين

(1/310)


ولا ينعقد بيع المكره ومن أكره على وزن مال فباع ملكه في ذلك صح البيع وكره الشراء منه نص عليه وعنه لا يصح البيع.
وبيع الحاضر للبادي منهي عنه بخمسة شروط أن يحضر البادي لبيع شيء بسعر يومه وهو جاهل بسعره وبالناس إليه حاجة ويقصده الحاضر وفي صحته روايتان وإن فقد شرط من الخمسة صح وزال النهي.
ولا يصح بيع العصير ممن يتخذه خمرا ولا بيع السلاح في فتنة أو لحربي ولا بيع من تلزمه الجمعة إذا نودي لها النداء الثاني وعنه النداء الأول فإن باع في الوقت قبل النداء فعلى روايتين ويتخرج أن يصح في ذلك كله مع التحريم.
ولا يصح أن يشتري الكافر رقيقا مسلما إلا من يعتق عليه بالملك فإنه على روايتين.
__________
عقدين مختلفين بعوضين متميزين مثل بعتك عبدي بألف وزوجتك بنتي بخمسمائة فهذا أولى بالجواز من ذاك إذا قلنا به هناك وإن قلنا بالمنع وبيض فعلى هذا هل للخاطب أن يقبل في أحد العقدين.
قياس المذهب أنه ليس له ذلك لأن غاية هذا أن يكون كأنه جمع بعوض بين ما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء ومعلوم أنه لو قال بعتك هذه الصبرة بألف لم يكن له أن يقبل نصفها بنصف الألف وإن كان نصيبها من الثمن معلوما فكذلك إذا أوجب في عينين مختلفي الحكم أو متفقين إذ لا فرق في الحقيقة بين الأعيان التي تتفق أحكامها أو تختلف إلا أن العطف في المختلف كالجمع في المؤتلف فقوله: بعتك هذه وزوجتك هذه كقوله: بعتك هذين أو زوجتكهما انتهى كلامه.
قال الشيخ في المحرر في مسألة تعليق الطلاق بالولادة فإن قال أنت طالق طلقة إن ولدت ذكرا وطلقتين إن ولدت أنثى فولدتهما معا طلقت ثلاثا,

(1/311)


وتفريق الملك بين ذوي الرحم المحرم والمحرم بالبيع وغيره حرام باطل إلا بالعتق وافتداء الأسرى وعنه لا بأس به بين البلغ ولو بان بعد البيع أن لا نسب بينهم كان للبائع الفسخ.
ومن قال لرجل اشترني من فلان فإني رقيقه فاشتراه ثم بان حرا لم تلزمه العهدة حاضرا كان البائع أو غائبا.
__________
وإن سبق أحدهما بدون ستة أشهر وقع ما علق به انقضت العدة بالثاني ولم يقع به شيء وقال ابن حامد يقع المعلق به أيضا.
فعلى الأول إن أشكل السابق طلقت طلقة لتيقنها ولغا ما زاد وقال القاضي قياس المذهب تعيينه بالقرعة وإن كان بينهما فوق ستة أشهر فالحكم كما فصلنا إن قلنا الثاني تنقضي به العدة ولا يلحق بالمطلق وإن قلنا لا تنقضي به العدة وألحقناه به كملت به الثلاث انتهى كلامه.
الكلام عليه على سبيل الاختصار.
أما وقوع الثلاث فيما اذا ولدتهما معا لأن الصفتين شرطهما وقد وجدتا وأما إذا سبق أحدهما بدون ستة أشهر قيد بها لأنها أقل مدة الحمل فيعلم أنهما حمل واحد وقد صرح بهذا القيد جماعة من الأصحاب وأشار إليه الشيخ في المغنى والكافي فيقع بالسابق ما علق به لوجود شرطه وأما الثاني فهل تنقضي به العدة ولا يقع به شيء أم يقع ما علق عليه فيه الوجهان المذكوران هنا وهما مشهوران.
أحدهما تنقضي به العد ولا يقع به شيء اختاره أبو بكر وأكثر الأصحاب

(1/312)


باب الشروط في البيع
إذا شرط البائع إن جاءه الثمن إلى وقت كذا وإلا فلا بيع بيننا صح.

(1/312)


باب بيع الزروع والثمار
إذا باع أرضا فيها غراس أو بناء دخل في البيع وقيل: لا يدخل حتى يقول بحقوقها وإذا باع نخلا قد تشقق طلعه أو شجرا بدا ثمره أو أرضا فيها زرع فالثمر والزرع للبائع يبقى إلى أوان أخذه إلا أن يشترطه المشتري وللبائع سقيه للحاجة وإن أضر بالأصل فإن اختلفا هل بدا الثمر قبل البيع أو بعده فالقول قول البائع [وهو المذهب].
ولو باع نوعا من بستان بدا ثمر بعضه فله ما بدا وما لم يبد للمشتري نص عليه وقال ابن حامد الكل للبائع.

(1/315)


باب الربا
الربا محرم في دار الإسلام والحرب إلا بين مسلم وحربي لا أمان بينهما ولا يحرم ربا الفضل إلا في مكيل أو موزون بيع بجنسه وعنه يختص تحريمه بجنس النقدين والمطعومات وعنه يختص بجنس النقدين وكل مطعوم يكال أو يوزن.
ولا يجوز بيع مكيل بجنسه إلا كيلا ولا موزون بجنسه إلا وزنا.
ومرد الكيل عرف المدينة والوزن: عرف مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن تعذر رد إلى عرفه بموضعه وقيل: إلى أشبه شيء في الحجاز به.

(1/318)


باب حكم قبض المبيع وتلفه قبله
من اشترى شيئا بكيل أو وزن أو عدد أو ذرع كشراء قفيز من صبرة وثوب على أنه عشرة أذرع وقطيع كل شاة بدرهم ونحوه لم يجز تصرفه فيه قبل استيفائه بذلك فإن تقابضاه جزافا لعلهما بقدره جاز إلا في المكيل فإنه على روايتين فإن تلف عند البائع بأمر سماوي انفسخ العقد فيه وتلف من ضمانه وإن تلف بعضه انفسخ في قدره وخير المشتري الباقي وإن اختلط بغيره ولم يتميز ففي الانفساخ وجهان وإن أتلفه البائع أو غيره فللمشتري فسخ ثمنه وله الإمضاء وأخذ القيمة من متلفه وكذلك حكم ما اشتراه بصفة أو رؤية متقدمة وما عدا ذلك فعنه أن حكمه كذلك وعنه أن تصرف المشتري فيه جائز قبل القبض وإن تلف فمن ضمانه وهو المشهور وعنه أن صبر المكيل والموزون خاصة كبيعهما كيلا ووزنا.

(1/322)


باب الرد بالعيب
من اشترى شيئا فبان معيبا خير بين رده وأخذ ثمنه وبين إمساكه بأرشه بأن ينسب قدر النقص إلى قيمته سليما فيرجع من الثمن بنسبته وعنه لا أرش لممسك له الرد والأول المذهب فإن كان قد نما نماء منفصلا لم يلزمه رده معه كالكسب وعنه يلزمه وإن كان النماء ولد أمة تعين الأرش لتعذر التفرقة.
ولا يبطل خيار العيب إذا أخره إلا بما يدل على الرضى كالوطء والسوم ونحوه ومثله خيار الخلف في الصفة والخيار لإفلاس المشتري بالثمن وقيل: عنه: هي على الفور.

(1/324)


باب خيار التدليس1
من اشترى ناقة أو بقرة أو شاة فبانت مصراة خير ثلاثة أيام منذ تبين التصرية بين إمساكها أوردها مع صاع تمر فإن تعذر التمر فقيمته موضع العقد ولا يقبل اللبن إذا كان بحاله مكان التمر وقيل: يقبل كما لو ردها به قبل الحلب وقد أقر له بالتصرية فإن كانت المصراة أمة أو أتانا ملك ردها ولا شيء عليه للبن وقيل: لا يملكه.
وإذا صار لبن التصرية عادة أو زال العيب قبل الفسخ سقط الخيار.
ويثبت الخيار بكل تدليس مرغب نحو أن يحمر وجه الجارية أو يسود شعرها أو يجعده أو يحبس ماء الرحى ويرسله عند عرضها.
__________
1- بهامش الأصل: التدليس: هو كتمان العيب عن المشتري وتغطيته عنه بما يوهم عدمه مشتق من التدليسة وهي الظلمة كأن البائع جعله في ظلمة ليخفي على المشتري وهو حرام .

(1/328)


باب البيع بتخيير الثمن
وأنواعه أربعة: التولية، وهو بيع الشيء بما اشترى به وينعقد بقوله: وليتك.
والشركة: وهي بيع بعضه بقسطه وتصح بقوله: أشركتك في ثلثه أو ربعه ونحوه.
والمرابحة: وهي بيعه بربح معلوم على ثمنه.
والمواضعة: وهي عكس ذلك.
ويشترط لجميعها: علمهما برأس المال.
ومن اشترى بثمن أخبر به فبان بأقل فله حط الزيادة إلا أنه في المرابحة يحط معها قسطها وفي المواضعة ينقصه منها وإن بان الثمن مؤجلا فله الأخذ به مؤجلا وهل له الفسخ في المسألتين؟ على روايتين وعنه في المؤجل ليس له إلا الأخذ حالا أو الفسخ.
ولو قال البائع الثمن أكثر مما أخبرت به وقد غلطت قبل قوله: مع يمينه ولزم المشترى الرد أو دفع الزيادة وعنه لا يسمع قوله: إلا ببينة وعنه لا يسمع وإن أتى ببينة.

(1/330)


باب اختلاف المتبايعين
وإذا اختلفا في قدر الثمن تحالفا فيحلف البائع مابعته بكذا بل بكذا ثم يحلف المشترى ما اشتريته بكذا بل بكذا ثم لكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى الآخر بقوله ومن نكل منهما قضى عليه فإن مات فوارثه مقامه،

(1/331)


باب السلم
كل مكيل أو موزون أو مذروع أمكن ضبطه كالبر واللحم والخبز والثياب ونحوها فالسلم فيه جائز فأما المعدود كالبيض والرمان والحيوان غير الحامل والرءوس والجلود ونحوها فعلى روايتين [المذهب عنه الصحة في الحيوان والجلود ولا يصح حالا هذا هو المذهب].
ولا يصح إلا بأربعة شروط: أجل معلوم له وقع في الثمن وغلبة المسلم فيه في محله وإن فقد وقت العقد وقبض رأس ماله في المجلس وذكر ما يختلف به ثمنه غالبا من جنسه ونوعه وبلده وقدره وكونه حديثا أو عتيقا وجيدا أو رديئا وهل يشترط العلم بقدر رأس المال على صفته [المذهب: اشتراط] أو تكفى مشاهدته؟ وعلى وجهين أحدهما لا تكفى وهو المذهب بخلاف الأجرة في الإجارة والثمن في البيع وكذلك الأجرة في الإجارة.
ولا يصح السلم في المذروع إلا بالذرع فأما السلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا فعلى روايتين [إحدى الروايتين: لا يصح].
ومن أسلم ثمنا في جنسين ولم يبين قسط كل جنس لم يصح وعنه أنه يصح.
وإذا أسلم في شيء يأخذ منه كل يوم جزءا معلوما جاز.
ومن أسلم في غلة قرية صغيرة أو بكيل لاعرف له أو في مثل هذا الثوب أو في أجود الطعام لم يصح لأن ما في جيد أجود منه وإن شرط الأردأ: فعلى وجهين.

(1/333)


ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر والحيوان الحامل وما له أخلاط مقصودة ولا تتميز كالنقد المغشوش والغالية والمعاجين ونحوها فإن تميزت أخلاطه كالخفاف والقسى والنبل المريش والثوب المنسوج من كتان وقطن فعلى وجهين.
ويجب وفاء دين السلم في مكان عقده إذا أطلق فإن شرطاه في غيره صح وعنه لا يصح [الصحيح الصحة] وإن عقدا بمكان لا يصلح للوفاء كالبرية لم يصح حتى يشترطا له مكانا ذكره ابن أبي موسى وقال القاضي يصح ويوفى بأقرب الأماكن إليه.
وإذا عجل له دين السلم أو الكتابة قبل محله ولا ضرر في أخذه أو أتاه من جنسه بخير منه لزمه قبوله وإن تضرر بتعجيله أو أتاه بدونه لم يلزمه وإذا اختلفا في قدر الأجل أو مضيه فالقول قول المسلم إليه مع يمينه وإذا تعذر المسلم فيه في محله فللمسلف الصبر أو فسخ العقد وقيل: ينفسخ بنفس التعذر وإن تعذر البعض ففسخ في قدره أو في الكل جاز وقيل: ينفسخ العقد في المتعذر وله الخيار في الباقي.
وتصح الإقالة في دين السلم كله وفي الإقالة ببعضه روايتان ويرجع برأس ماله أو عوضه إذا تعذر ولا يشترط قبضه في مجلس الإقالة واشترطه أبو الخطاب.

(1/334)


باب القرض
كل ما جاز بيعه جاز قرضه إلا الرقيق وما يمنع فيه السلم كالجوهر ونحوه فإنه على وجهين.
ويشترط معرفة قدره ووصفه ويملكه المقترض بقبضه ولا يلزمه رد عينه بل يثبت بدله في ذمته حالا وإن أجله وبدل ما كيل أو وزن من جنسه

(1/334)


وبدل ما يمتنع فيه السلم قيمته يوم قبضه وما سواهما بأيهما يلحق على وجهين فإن رد غير ما اقتراضه مما بدل من جنسه وجب قبوله ما لم يصب عنده.
وإذا أقرضه فلوسا أو مكسرة فحرمها السلطان فله قيمتها وقت القرض.
وإذا أقرضه أو غضبه شيئا ببلده ثم طلب منه في بلد آخر بدله لزمه إلا ما لحمله مؤنة وإذا كان ببلد القرض أنقص قيمة فلا يلزمه سوى قيمته فيه ولا يجبر رب الحق على أخذ قرضه هناك إلا فيما لا مؤنة لحمله بشرط أمن البلد والطريق وكذلك بدل المغصوب التالف فإن كان باقيا فلا يجبر بحال.
ومن تبرع لمقرضه قبل الوفاء بعين أو منفعة لم تجر بها عادته لم يجز له أن يقبلها إلا أن ينوى مكافأته وإن قضاه خيرا مما أخذ أو أزيد منه أو أهدى له بعد الوفاء جاز.

(1/335)


باب الرهن
يصح أخذ الرهن بكل دين واجب إلا دين السلم فإن فيه روايتين وفي دين الكتابة وجهين ولا يصح عقده قبل وجوب الحق وقال أبو الخطاب يصح ويصح في كل عين يجوز بيعها فإن كانت لا تبقى إلى محل الدين باعها الحاكم وجعل ثمنها مكانها وإن كانت مشاعا ولم يتفق المرتهن والشريك على من يكون الكل عنده أعدلها الحاكم.
ويصح رهن الزرع قبل اشتداده والثمر قبل بدو صلاحه مطلقا ويشترط التبقية.
ولا يلزم الرهن في حق الراهن إلا أن يقبضه للمرتهن أو لمن اتفقا عليه ولا يجوز نقله عنه إذا لم يتغير حاله إلا باتفاقهما ومتى استرده الراهن بإذن المرتهن زال لزومه فإن أعادا قبضه عاد لزومه وإن أجره أو أعاره من المرتهن أو من غيره بإذنه فلزومه بحاله وعنه ما يدل على زواله وفي رهن المعير رواية أخرى أنه يلزم بمجرد العقد فمتى أبى الراهن أن يسلم أجبر.

(1/335)


وإذا تصرف الراهن في الرهن بغير البيع مما يمتنع ابتداء عقده كالهبة والوقت والرهن ونحوه بإذن المرتهن أبطله وإن باعه بإذنه وقد حل الدين أو بشرط أن يرتهن ثمنه مكانه كان الثمن رهنا وإن فقد الأمران فعلى وجهين وإن باعه بإذن شرط فيه أن يعجل له دينه المؤجل من ثمنه لم يصح البيع وهو رهن بحاله وقيل: يصح البيع وفي كون الثمن رهنا وجهان ويلغو شرط التعجيل قولا واحدا.
وللمرتهن أن يرجع في كل تصرف أذن فيه قبل وقوعه فإن تصرف الراهن جاهلا برجوعه فعلى وجهين.
ومن أعتق عبده المرهون أو قتله بقصاص استحقه عليه أو أحبل الأمة ولم يكن ذلك بإذن المرتهن أو أقر بالعتق فكذبه فعليه القيمة تكون رهنا.
ويتخرج أن لا يصح عتق المفلس ولا يصح تصرفه بغير العتق إلا بالإذن وقال القاضي له تزويج الأمة دون تسليمها.
ونماء الرهن وكسبه ومهره وأرش الجناية عليه من الرهن فإن أوجبت الجناية قصاصا فاستوفاه السيد بغير إذن المرتهن لزمه أرشها يكون عليه وقيل: لا يلزمه شيء وهو أصح عندي.
ومؤنة الرهن وكراء مخزنه وكفنه إن مات على الراهن فإن أنفق عليه المرتهن ناويا الرجوع فلا شيء له إلا أن يأذن له الراهن أو يتعذر استئذانه فإنه يرجع بالأقل مما أنفق أو نفقة مثله.
وكذلك حكم الحيوان المودع أو المؤجر أو الآبق في حال رده.
وللمرتهن أن يركب ويحلب ماله ظهر وضرع بقدر النفقة وفي استخدام العبد روايتان.
ولو عمر في دار ارتهنها لم يرجع إلا بأعيان آلته.
ولو ارتهن أمة فوطئها حد ورق ولده إلا أن يدعي جهل الحظر ومثله

(1/336)


يجهله فلا يحد وولده حر وعليه فداؤه إن وطيء بدون إذن الراهن وإن وطىءبإذنه فعلى وجهين فأما المهر فيجب إلا مع الإذن عالما كان أو جاهلا.
ومن رهن عبدا له جانيا فله بيعه في الجناية أو تسليمه ويبطل الرهن وإن فداه فهو رهن بحاله وإن فداه المرتهن بغير إذنه لم يرجع بشيء وإن نقص الأرش عن قيمته بيع كله وما فضل عن الأرش فرهن وقيل: لا يباع منه إلا بقدر الأرش.
وإذا حل الحق والعدل والمرتهن وكيل في البيع باع بأغلب نقود البلد فإن تساوت وفيها حبس الدين باع به وإلا فما يراه أصلح فإن غرهما الراهن أو لم يكن وكيلهما أمر بالوفاء أو بالبيع فإن أبى حبس فإن أصر باع الحاكم عليه وإذا وفى بعض الحق فالرهن كله بما بقي.
ومن قضى جملة من دين ببعضه رهن أو كفيل كانت عما نواه من القسمين والقول قوله في النية فإن أطلق ولم ينو صرفه إلى أيهما شاء ويحتمل أن يوزع بينهما بالحصص.
والرهن أمانة بيد المرتهن ولا يسقط بتلفه شيء من دينه والقول قوله في التلف دون الرد مع صحة العقد وفساده ويتخرج أن يقبل قوله فيهما وكذلك الأجير والمستأجر والمضارب ومن كان وكيلا أو وصيا بجعل فأما المودع والوكيل والوصي المتبرعان فيقبل قولهم فيهما قولا واحدا.
ومن ادعى منهم التلف بحادث ظاهر كحريق عام ونهب جيش لم يقبل قوله في التلف حتى يثبت الحادث بالبينة.
وإذا اختلف المتراهنان في قدر الرهن أو الحق أخذ بقول الراهن مع يمينه.

(1/337)


باب التصرف في الدين بالحوالة وغيرها
ومن أحيل بدين ممن عليه مثله في الجنس والصفة والحلول أو التأجيل فرضي صحت الحوالة ولم يرجع على محيله بحال إلا أن يشترط ملاءة المحال عليه فيبين مفلسا وإن لم يرض لم يجبر على قبولها إلا على ملئ بما له وقوله وبدنه فيجبر وهل تبرأ ذمة محيله قبل أن يجبره الحاكم على روايتين.
وتصح الحوالة بدين الكتابة دون الحوالة عليه ولا يصحان في دين السلم وفي صحتهما في رأس ماله بعد الفسخ وجهان وتصحان في سائر الديون وقيل: لا يصح على غير مستقر بحال [وهو المذهب].
وإذا أحال المشتري بثمن المبيع أو أحيل به فلم يقبض حتى فسخ البيع بعيب أو خيار أو غيره لم تبطل الحوالة [وهو المذهب] وقيل: تبطل وأبطل القاضي الحوالة به دون الحوالة عليه ولو بان المبيع مستحقا بان أن لا حوالة.
ومن قال لغريمه أحلتني بديني فقال بل وكلتك في القبض أو بالعكس فالقول قول منكر الحوالة فإن اتفقا أنه قال أحلتك وقال أحدهما أراد به الوكالة فالقول قوله وقيل: قول مدعي الحوالة فإن قال أحلتك بدينك فهو حوالة وجها واحدا.
ومن ثبت عليه لغريمه مثل دينه في الصفة والقدر تقاصا فتساقطا فإن اختلفا في القدر سقط الأقل ومثله من الأكثر وعنه لا يتقاصا الدينان وإن رضيا به وعنه إن رضي أحدهما به تقاصا وإلا فلا ومتى كان الدينان أو أحدهما دين سلم امتنعت المقاصة.
ولا يجوز بيع الدين من غير الغريم ويجوز بيعه من الغريم إلا دين السلم وفي دين الكتابة ورأس مال السلم بعد الفسخ وجهان.
وإذا باعه بموصوف في الذمة أو بما لا يباع به نسيئة اشترط قبضه في

(1/338)


المجلس وإن باعه بغيرهما لم يشترط وقيل: يشترط ولا يجوز بيعه بدين وعنه لا يجوز بيع الدين بحال.
ومن أذن لغريمه أن يضارب بما عليه أو يتصدق به عنه لم يصح ذلك ولم يبرأ منه ويتخرج أن يصح فإن قال تصدق عني بكذا ولم يقل من ديني صح وكان اقتراضا كما لو قاله لغير غريمه لكن يسقط من دينه بقدره بالمقاصة.
ومن كان بينهما دين مشترك بإرث أو إتلاف فما قبض منه أحدهما فللآخر محاصته فيه وإن كان بعقد فعلى وجهين ومتى كان القبض بإذن الشريك فلا محاصة فيه في أصح الوجهين.
وإذا تلف المقبوض فكله من حصة القابض ولا يضمن لصاحبه شيئا.
ومن استوفى دينا بكيل أو غيره ثم ادعى غلطا يغلط مثله فهل يقبل قوله؟ على وجهين فإن قبضه جزافا فالقول في قدره وجها واحدا.
وتصح البراءة من الدين بلفظ الإبراء والإسقاط والهبة والعفو والصدقة والتحليل سواء قبله المبرأ أو رده وتصح مع جهل لمبرئ بقدره أو صفته أو بهما وإن عرفه المبرأ وعنه لا يصح إن جهلاه إلا فيما يتعذر علمه ويتخرج أن يصح بكل حال إلا إذا عرفه المبرأ فيظن المبرئ جهله به فلا يصح.
ولا تصح هبة الدين لغير الغريم.
ومن أراد قضاء دين عن الغير فامتنع رب الدين من قبوله منه لم يجبر كما لو أعسر الزوج بنفقة الزوجة فبذلها أجنبي لم يجبر على قبولها وملكت الفسخ.

(1/339)


باب الضمان والكفالة
الضمان التزام الإنسان في ذمته دين المديون مع بقائه عليه ولربه مطالبة من شاء منهما وعنه يبرأ المديون بمجرده إذا كان ميتا مفلسا.

(1/339)


ولا يصح إلا من جائز تبرعه سوى المفلس المحجور عليه وهو غير العاقل البالغ الرشيد.
ويصح ضمان ما على الميت الضامن وكل دين إلا دين السلم والكتابة فإنهما على روايتين.
ويصح ضمان الأعيان المضمونة كالعواري والغصوب ولا يصخ ضمان الأمانات وعنه يصح ويحمل على التعدي فيها كما لو صرح به.
ويصح ضمان عهدة المبيع لأحد المتبايعين عن الآخر ويصح ضمان مالم يجب وله إبطاله قبل وجوبه على الأصح.
وإذا قال ما أعطيت فلانا فهو علي فهل هو للواجب أو لما يجب إذا لم تكن قرينة على وجهين.
ويصح ضمان الحق مع الجهل به أو بربه أو بغريمه بشرط مآله إلى العلم وقيل: يعتبر معرفة ربه دون غريمه وقيل: يعتبر معرفة غريمه دون ربه وقيل: يعتبر معرفتهما.
وإذا قال كفلت بعض الدين أو أحد هذين لم يصح.
ويصح ضمان الحال مؤجلا فإن ضمن المؤجل حالا صح مؤجلا وقيل: حالا وقيل: لا يصح.
وإذا طولب ضامن المديون بالدين فله مطالبته بتخليصه إلا إذا ضمنه بغير إذنه وإذا قضى عنه ناويا للرجوع أو أحال به رجع به عليه وعنه لا يرجع إلا يكون أذن له في الضمان أو القضاء وإن أعطى بالدين عروضا رجع بالأقل من قدره أو قيمتها وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل وإذا ادعى القضاء فأنكره الآخران فلا رجوع له وإن صدقه رب الحق وحده ففيه وجهان وإن صدقه المديون وحده رجع عليه إن قضى بحضرته أو بإشهاد وإلا فلا وقيل: لا يرجع فيما قضى بحضرته.

(1/340)


وإذا قال رب الحق للضامن برئت إلي من الدين فهو مقر بقبضه وإذا لم يقل إلي فوجهان.
ومن تكفل بإحضار عين مضمونة أو مديون صح وقيل: لا يصح كفالة المديون إلا بإذنه ولا يلزمه أن يحضر معه حيث تصح إلا إذا طولب به أو كفله بإذنه.
وإذا قال تسكفلت بوجه فلان كان كفيلا به وإن سمى عضوا غير الوجه أو جزءا شائعا فعلى وجهين.
ويصح تعليق الضمان والكفالة بالشروط وقيل: لا يصح بغير شرط.
وإذا تكفل برجل على أنه إن لم يأت به فهو ضامن لغيره أو كفيل به صح فيهما وقيل: لا يصح.
ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أوقود إلا لأخذ مال كالدية وغرم السرقة فتصح.
وإذا طولب الكفيل بإحضار النفس أو العين فتعذر لهرب أو اختفاء أو غيبة تعلم ومضت مدة يمكنه الرد فيها أو عين وقتا للإحضار فجاوزه لزمه الدين أو عوض العين إلا أن يشترط البراءة منه.
فإن مات المكفول أو تلفت العين بفعل الله تعالى قبل ذلك برىءالكفيل.
ومن كفله اثنان فسلمه أحدهما أو كفل الاثنين فأبرأه أحدهما تعينت كفالة الآخر.

(1/341)


باب الصلح
ومن ادعى عليه حق فأنكره وهو لا يعلمه صح الصلح عنه وكان إكراما في حقه فلا يستحق لعيب في المدعى شيئا ولا يؤخذ منه بشفعة ويكون في حق المدعي بيعا فيرد ما أخذ بالعيب ويؤخذ منه بالشفعة إن كانت تجب

(1/341)


فيه إلا أن يكون بعض العين المدعاة فيكون فيه كالمنكر ومن علم منهما أنه مبطل فحرام عليه ما أخذه.
فإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه والمدعي دين صح ولم يرجع عليه بشيء وإن كان عينا لم يصح إلا أن يذكر أن المنكر وكله فيه.
وإن صالح الأجنبي ليكون الحق له فقد اشترى دينا أو عينا مغصوبة وقد بينا حكمه.
ويصح الصلح عن كل مجهول تعذرت معرفته من عين ودين للحاجة.
ومن أقر لرجل بمائة مؤجلة فقال صالحني فيها بخمسين حالة لم يجز إلا في دين الكتابة وإن صالح عن الحال ببعضه فعلى روايتين وكذلك يخرج في قوله: أبرأتك من كذا على أن توفيني الباقي.
ومن صالح عن متلف بأكثر من قيمته من جنسها لم يجز إلا أن يكون مثليا.
ولو صالح امرأة بتزويج نفسها عن عيب ظهر بمبيع اشتراه منها جاز فإن بان أنه ليس بعيب فمهرها أرشه.
وصلح المكاتب أو المأذون له عن حقه بدونه لا يصح إلا أن يجحد ولا بينة به.
ومن ادعى عتق رجل أو زوجته ببراءة فأقر بعوض لم يصح إقرارهما فإن صالحه المدعى رقه عن دعواه بشيء صح وفي الزوجة وجهان [والصحيح لا يصح الصلح].
ولا يصح الصلح بعوض عن شفعة ولا حد قذف وهل يسقطان به على وجهين.
ويصح الصلح عن القصاص بكل ما يكتب مهرا وإن جاوز الدية فإن بان مستحقا وجبت قيمته وإن كان مجهولا وشجه وجبت الدية أو أرش الجرح.

(1/342)


باب أحكام الجوار
يلزم أعلى الجارين سطحا بناء سترة تمنع مشارفته على الأسفل فان استويا ألزم الممتنع منهما بالبناء مع الآخر.
ومن أحدث في ملكه ما يضر بجاره من تنور أو كنيف أو حمام أو رحى ونحوها فله منعه.
ولو سقى أرضه أو أوقد فيها نارا فتعدى إلى ملك جاره فأتلفه لم يضمن إذا لم يكن فرط.
ولا يجوز أن يتصرف في جدار لجاره أو لهما إلا بوضع الخشب إذا لم يضر به للأثر وهل له الوضع في جدار المسجد على روايتين.
ومن انهدم لهما جدار أو سقف بين سفل أحدهما وعلو الآخر فطلب أحدهما أن يبنى الآخر معه أجبر وعنه لا يجبر لكن لشريكه بناؤه ومنعه مما كان له عليه من طرح خشب أو غيره فيمنع أيضا في صورة السقف من سكنى السفل في ظاهر قوله وقيل: لا يمنع فإن بذل نصف قيمة البناء ليعود حقه أو نصف قيمة تالفه إن رده بالآلة العتيقة لزم الثاني قبوله أو أخذ الآلة إن كانت له ليبنياه منها فكذلك إن كان لهما بئر أو قناة واحتاجت أن تعمر أو انهدم السفل وطلب العلو بناءه فعلى الإجبار روايتان وينفرد مالك السفل ببنائه وعنه يشاركه صاحب العلو فيما يحمله منه.
ومن اشترى علوا أسفله غير مبني ليبني عليه إذا بنى جاز إذا وصفا.
ومن صولح بعوض على إجراء ماء في ملكه أو ممر فيه إلى دار أو فتح باب في حائطه أو وضع خشب عليه وكان ذلك معلوما جاز.
ومن أخرج روشنا أو ميزابا إلى درب نافذ لم يجز وضمن ما تلف به إلا أن يكون بإذن الإمام ولا مضرة فيه وإن أخرجه إلى هواء جاره أو درب

(1/343)


مشترك أو خرجت إليه أغصان شجرته لزمه إزالة ذلك فإن صالح عنه بعوض جاز في الروشن وفي الشجرة وجهان.
ومن ناقل بابه في درب مشترك إلى أوله وإن نقله إلى صدره لم يجز إلا بإذن من فوقه.
ولا يجوز أن يفتح في ظهر داره بابا في درب لا ينفذ إلا لغير الاستطراق فيجوز ويحتمل المنع.
ومن خرق بين دارين له متلاصقين باباهما في دربين مشتركين واستطرق إلى كل واحدة من الأخرى فهل يجوز على وجهين.
ومن مال حائطه إلى غير ملكه فعلم به فلم يهدمه حتى سقط فأتلف شيئا لم يضمنه وعنه إن تقدم إليه بنقضه فلم يفعل ضمنه وإلا فلا ويتخرج أن يضمن مطلقا.
وإذا تداعيا جدارا بين ملكيهما حلفا وكان لهما إلا أن يكون معقودا ببناء أحدهما أو متصلا به اتصالا لا يمكن عادة إحداثه أو له عليه أزج أو سترة فيكون له مع يمينه ولا يرجح من له عليه جذوع وقيل: يرجح.
وإذا تنازعا مثناة بين أرض أحدهما ونهر الآخر فهي بينهما.
وإن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوبة أو درجة فهي لصاحب العلو إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن فيكون بينهما وإن كان في الدرجة طاقة ونحوها فوجهان.
وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو لهما وقال ابن عقيل هو لرب العلو.

(1/344)