المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

كتاب الظهار
مدخل
...
كتاب الظهار
الظهار محرم ويصح من كل زوج يصح طلاقه حتى الذمي وقيل لا يصح ظهار الصبي ولا إيلاؤه وإن صححنا طلاقه.
والظهار أن يشبه زوجته أو بعضها بظهر من تحرم عليه أبدا من نسب أو سبب أو عضو منها فيقول أنت علي كظهر أمي أو كبطن أختي أو كوجه حماتي أو يدك أو ظهرك علي كيد خالتي أو ظهر عمتي أو نحوه.
فإن قال أنت علي كأمي أو مثل أمي فهو مظاهر إلا أن يريد في الكرامة فيدين وفي الحكم على روايتين ولو لم يقل علي لم يكن مظاهرا إلا بالنية وإن قال كظهر أمي أو أجنبية فهو مظاهر وعنه ليس بمظاهر بل عليه كفارة يمين وعنه لا شيء عليه وعنه مظاهر في الرجل دون الأجنبية
وإن قال كظهر البهيمة فهل هو مظاهر على وجهين.
وإن قال أنت علي كالخمر والميتة والدم فعنه أنه ظهار وعنه أنه يمين إلا أن ينوي به طلاقا أو ظهارا فيلزمه ما نوى.
وإن قال أنا عليك كظهر أبي أو حرام ونوى به الظهار فهل هو مظاهر على وجهين.
ولا ظهار من أم ولده أو أمته وعليه به كفارة يمين نقله عنه جماعة ونقل عنه أبو طالب عليه كفارة ظهار ويخرج أن لا يلزمه شيء.
وإذا قالت الزوجة لزوجها أنت علي كظهر أبي فليست مظاهرة وعليها كفارة الظهار والتمكين قبلها وليس لها ابتداء القبلة والاستمتاع وعنه لا تجب إلا كفارة يمين وعنه لا شيء عليها.
وإن قالت قبل النكاح إن تزوجت فلانا فهو علي كظهر أبي كان ظهارا وعليها كفارة نص عليه في رواية أبي طالب.

(2/89)


وإذا قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي أو علقه بتزوجها ولم يطأها إن تزوجها حتى يكفر نص عليه وقيل لا يصح كالطلاق وإن قال أنت علي حرام فكذلك إن أراد في كل حال وإلا فلا شيء عليه.
ويصح الظهار معلقا بشرط ومؤقتا بوقت بحيث إذا انقضى الوقت زال الظهار وإن أصابها فيه لزمته كفارته.
وإذا قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم يلزمه شيء نص عليه وقال ابن عقيل هو مظاهر وإذا كرر ظهار زوجته فكفارة واحدة وعنه كفارات مالم ينو التأكيد والإفهام.
وإن ظاهر من نسائه لزمته كفارة إن كان بكلمة وإلا فكفارات وعنه كفارة فيهما وعنه كفارات فيهما وعنه إن كان بكلمات في مجالس فكفارات وإلا فواحدة.
ويحرم قبل التكفير وطء المظاهر منها دون الاستمتاع بما دون الفرج وعنه تحريمها وعنه لا يحرم منها شيء على من كفارته الإطعام.
ولا تثبت الكفارة في الذمة إلا بالوطء وهو العود ويلزم إخراجها قبله عند العزم عليه وهذا نص أحمد وقال القاضي وأصحابه العود نفس العزم.
وتستقر الكفارة به بحيث لو مات أحدهما أو طلق بعد العزم وقبل الوطء لزمه التكفير عندهم وعلى المنصوص لا شيء عليه ولو وطئها في حال جنونه لزمته الكفارة نص عليه.
ومن بانت منه زوجته قبل العود ثم تزوجها قبل العود ثم تزوجها فالظهار بحالة ولو كانت أمة فملكها بشراء أو غيره فالظهار بحاله ولا يباح وطؤها إلا بكفارته وقال أبو بكر يحل له وطؤها وعليه كفارة يمين ويسقط ظهاره بذلك ويتخرج أن تحل له بملك اليمين بلا كفارة مع عود الظهار لو عتقت أو بيعت ثم تزوجها.

(2/90)


باب حكم كفارة الظهار وما في معناها وهن أربع
كفارة الظهار وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وكفارة القتل وهي كذلك وعنه لا إطعام فيها وكفارة الوطء في رمضان وكفارة اليمين وهما مذكورتان في موضعيهما.
فإن عجز عن الكفارة بقيت في ذمته إلى أن يقدر إلا كفارة رمضان في رواية قد ذكرت وقيل يسقط الجميع بالعجز والأصح التفرقة.
ولا تلزم الرقبة إلا لمن ملكها أو أمكنه تحصيلها بثمن مثلها فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم ومركوب وعروض بذلة وثياب تجمل وكتب علم ووفاء دين وكفاية دائمة له ولمن يمونه وعنه لا يمنع الدين الكفارة.
ومن لم يجد رقبة إلا بزيادة مجحفة فوق ثمن المثل لم يلزمه شراؤها وإن كانت لا يتغابن بمثلها ولا يجحف بها فوجهان وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها بنسيئة لزمه فإن لم تبع إلا بالنقد جاز أن يعدل إلى الصوم كالعادم وقيل لا يجوز إلا في الظهار خاصة إذا رجا إتمام الصوم قبل حصول المال ومن وهبت له رقبة لم يلزمه قبولها لذلك.
ومن لزمته الكفارة وهو موسر بالعتق ثم أعسر لم يجزئه سواء وبقي في ذمته إلى ميسرته فإن لزمته وهو معسر أجزأه الصوم وإن أيسر فيه أو قبله وعنه إن أيسر فيه أجزأه وإن أيسر قبله لزمه العتق وقيل يلزمه العتق في الحالين وإذا تكلف العتق من فرضه الصوم أجزأه وعنه فيمن حنث وهو عبد ثم عتق وأيسر لم يجزه غير الصوم وخرج أبو الخطاب في الحر المعسر مثله وفرق الخرقي بينهما.

(2/91)


ولا يجزئ في عتق الكفارات ونذر العتق المطلق إلا رقبة مؤمنة وعنه تجزئ الكافرة فيما سوى كفارة القتل ولا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا كالعمى وشلل اليد أو الرجل أو قطعهما أو قطع للإصبع الوسطى أو السبابة أو الإبهام أو أنملة من الإبهام أو قطع الخنصر والبنصر من يد واحدة فإن قطعتا من يدين أجزأ.
ولا يجزئ مريض مأيوس منه ولا نحيف عاجز عن العمل ولا جنين وإن ولد حيا ولا منقطع خبره إلا أن يتبين حياته ولا مجنون مطبق الجنون ولا أخرس به صمم أو لا تفهم إشارته.
ويجزئ المجدوع الأنف والأذن والمجبوب والخصي والأعرج يسيرا والمخنوق أحيانا والأخرس الذي يفهم ويفهم بالإشارة والأصم والأعور وعنه لا يجزئ الأعور.
ولا يجزئ من يعتق عليه بالملك ولا من علق عتقه بصفة ثم نواه عند وجودها فإن نجز عتقه للكفارة قبل وجود الصفة أو علق ابتداء عليها أجزأه.
ويجزئ المدبر والجاني وإن قتل في الجناية والأمة الحامل وإن استثنى حملها وولد الزنا والصغير وعنه لا يجزئ من له دون سبع سنين حيث يعتبر الإيمان ولا يجزئ من اشتراه بشرط العتق ولا أم الولد على الأصح فيهما.
ويجزئ عتق المكاتب وعنه لا يجزئ وعنه إن لم يؤد من كتابته شيئا أجزأه وإلا فلا.
وإذا أعتق شركا له في عبد وهو معسر ثم اشترى باقيه فأعتقه أجزأه إلا على قولنا بالاستسعاء وإن كان موسرا ونواه كله عن الكفارة لم يجزه نص عليه وكان كمن أعتق نصف عبد وقيل يجزئه.
وإذا أعتق نصفي عبدين أجزأه عند الخرقي وعند أبي بكر لا يجزئه وقيل.

(2/92)


إن كان باقيهما حرا أو أعتق كل واحد منهما عن كفارتين أجزأه وإلا فلا وهذا أصح.
ومن لزمه صوم متتابع في كفارة فتخلله شهر رمضان أو فطر عيد أو فطر لمرض أو حيض أو نفاس أو جنون أو إكراه أو نسيان كمن وطئ كذلك أو خطأ كمن أكل يظنه ليلا فبان نهارا أو مرض مخوف أو فطر حامل أو مرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع ولو صام لغيرها أو أفطر لغير عذر لزمه أن يستأنف ولو أفطر لعذر مبيح كالسفر والمرض غير المخوف أو أفطرت حامل أو مرضغ لتضرر ولدهما فعلى وجهين.
وإذا أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا أنقطع تتابعه وعنه لا ينقطع بوطئها ليلا ولا نهارا ناسيا كوطء غيرها.
ولا يجوز أن يعطى طعام كفارة إلا لمن يعطى من الزكاة لحاجته كالفقير وابن السبيل والغارم لمصلحته والمكاتب الكبير والفقير سواء وعنه لا يعطى مكاتبا ولا طفلا لم يأكل الطعام وإن أعطيا من الزكاة وإذا ردد الإطعام على مسكين شين يوما أو عشرة في كفارة اليمين فعنه يجزئه وعنه لا يجزئه وعنه إن لم يجد غيره أجزأه وإلا فلا وهو ظاهر المذهب وإن دفع إلى مسكين في يوم من كفارتين أجزأه وعنه لا يجزئه إلا عن واحدة ولا يجزئ في الكفارة غير أصناف الفطرة الخمسة وعنه يجزئ فيها من الخبر رطلان بالعراقي لكل مسكين وعنه يجزئ كل ما كان قوتا للبلد.
وإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه وعنه يجزئه.
ولا يجزئ التكفير إلا بنية فإن لزمته كفارة واحدة لم يلزمه تعيين السبب فإن عينه تعين عما لا تداخل بينهما بحيث إذا أخطأه لا يجزئه.
وإن لزمه كفارات أسبابها من أجناس كظهار وقتل وإفساد صوم فأعتق

(2/93)


رقبة عن أحدها ولم يعينه لم يجزئه عند القاضي وقال غيره يجزئه كما لو كانت من جنس ولا تداخل فيها وهو الأصح ولو كانت الأسباب من جنس يتداخل فتوى بكفارته واحدا منها مبهما أو معينا أجزأت عن الكل وإن غلط في تعيينه.

(2/94)