المحرر
في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل كتاب الجراح
مدخل
...
كتاب الجراح
القتل ثلاثة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ والقود
مختص بالعمد.
والعمد أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما بما
يتلفه غالبا أو يصيبه بحديد أو غيره فيجرحه
فيموت منه إلا أن يغرزه بإبرة ونحوها في غير
مقتل فيموت في الحال ففي القود به وجهان وفيما
سوى ذلك مما وصفنا القود قولا واحدا مثل أن
يغرزه بابرة فيبقى ضمنا حتى يموت أو يضربه
بخشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط أو باللت1 أو
الكودين أو السندان أو حجر كبير أو يلقي عليه
حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق أو يلقيه في
نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما أو
يكرر ضربه بعصا صغيرة أو يضربه في مقتل أو في
حال ضعف لمرض أو صغر أو كبر أو في حر أو برد
ونحوه أو يخنقه بحبل أو غيره أو يسد فمه وأنفه
أو يعصر خصييه حتى يموت أو يحبسه ويمنعه
الطعام والشراب حتى يموت جوعا وعطشا في مدة
يموت في مثلها غالبا أو يقتله بسحر يقتل غالبا
فكل ذلك عمد فيه القود.
وكذلك إن سقاه سما لا يعلم به أو خلطه بطعام
ثم أطعمه إياه أو خلطه بطعام فأكله ولم يعلم
به فمات وأما إن علم به وأكله وهو بالغ عاقل
أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا
ضمان عليه.
فإن قال القاتل بالسم لم أعلم أنه سم يقتل لم
يقبل قوله وقيل يقبل إذا كان مثله يجهله فيكون
شبه عمد.
ومن شهدت عليه بينة بقتل عمد أو ردة أو زنا
فقتل بذلك ثم رجعوا وقالوا عمدنا قتله بذلك أو
قال الحاكم أو الولي علمت كذبهم وعمدت قتله
فهو عمد محض ويلزمهم القود.
__________
1 اللت الدق, والشد والإيثاق والسحق. كذا في
القاموس. ولعله هنا آلة تستعمل للدق ونحوه.
(2/122)
وتقتل الجماعة
بالواحد وعنه لا يقتلون بل تلزمهم دية بينهم
وعلى الأولى وعليها التفريع هل يلزمهم دية أو
ديات على روايتين وإذا جرحه أحدهما جرحا
والآخر مائة جرح أو قطع أحدهما كفه ثم الآخر
بقية ذراعه فهما سواء في القود والدية.
وإن فعل به أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه
كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه
الآخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني وإن شق
الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الآخر عنقه
فالثاني هو القاتل وعلى الأول موجب جراحته وإن
رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو
الثاني وإن ألقاه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه
أو كتفه وألقاه في أرض ذات حيات أو سباع
فقتلته فالقاتل هو الملقى وعليه القود وقيل لا
يجب إلا دية شبه العمد.
ومن أكره إنسانا على القتل فقتل فالقود أو
الدية عليهما وإن أمر بالقتل مجنونا أو صبيا
غير مميزا أو كبيرا يجهل أن القتل محرم أو أمر
به سلطان عادل أو جائر ظلما لم يعرف ظلمه فيه
فقتل فالقود أو الدية على الآمر خاصة.
وإن قبل المأمور المكلف عالما بخطر القتل
فالقتل والضمان قودا أو دية عليه دون الآمر
ويحتمل فيما إذا خشي مخالفة السلطان أن يجب
عليهما.
ومن أمسك إنسانا لآخر ليقتله فقتله فهو القاتل
ويحبس الممسك حتى يموت ولا يلزمه قود ولا دية
وعنه هما قاتلان في حكم القود والدية.
ومن جرحه اثنان فعفا عن جرح أحدهما وسرايته ثم
مات فالقود على الآخر رواية واحدة.
وإن اشترك اثنان فلا يجب القود على أحدهما
مفردا لأبوة أو حرية أو إسلام أو فقد عمدية
ووجب القود على شريكه وعنه لا يجب وعنه يجب
إلا على شريك غير العمد.
(2/123)
وفي شريك السبع
وشريك نفسه وشريك الولي المقتص وشريك ولي
النفس المعالج بخياطة الجرح في اللحم وجهان.
أحدهما يجب على شريك الجميع الأب وعلى القن
وعلى شريك غيرهما في حر نصف ديته وفي قن نصف
قيمته وهو المذهب كشريك غير العمد.
ومتى قلنا لا قود عليه أو عدل إلى طلب المال
منه لزمه نصف الدية في جميع الصور وقيل يلزمه
كمالها في شريك المقتص كما في شريك السبع
خاصة.
وأما قتل شبه العمد فأن يقصد جناية لا تقتل
غالبا ولم يجرحه بها نحو أن يضربه في غير مقتل
بسوط أو عصا صغيرة أو يلكزه أو يلقيه في ماء
قليل أو يسحره بمالا يقتل غالبا أو يصيح بصبي
على سطح أو معتوه أو عاقل مغتفلا له فيسقط
فيموت في ذلك ونحوه ففيه الكفارة والدية.
وأما الخطأ فضربان.
أحدهما في الفعل بأن يرمى صيدا أو هدفا أو
شخصا فيصيب إنسانا لم يقصده أو يكون نائما
ونحوه فينقلب على إنسان فيقتله.
والثاني في القصد بأن يرعى من يظنه مباح الدم
فيتبين آدميا معصوما أو يكون الجاني غير مكلف
كالصبي والمجنون في ذلك الدية مع الكفارة إلا
أن يقتل في دار الحرب أو في صف الكفار من يظنه
حربيا فيتبين مسلما أو يتترس الكفار بمسلم
ويخاف على المسلمين إن لم يرموا فيرميهم قصدا
لهم فيصيب المسلم فعليه الكفارة بلا دية وعنه
وجوبها أيضا وعنه وجوب الدية في الصورة
الثانية دون الأولى.
والقتل بالسبب كحفر البئر ونصب السكين تعديا
ونحوه ملحق بالخطأ إذا لم يقصد به الجناية فإن
قصدها به فهو شبه عمد وقد يقوى فيلحق بالعمد
كما ذكرنا في الإكراه والشهادة.
(2/124)
باب ما يشترط لوجوب القود.
يشترط له عصمة المقتول والمكافأة بأن لا يفضله
القاتل حالة الجناية بحرية أو إسلام أو مالكه
له أو إيلاد ولا يؤثر فضله بذكورية أو عقل أو
بلوغ.
فمن قتل حربيا أو مرتدا أو زانيا محصنا قبل
ثبوت ذلك عند الحاكم أو بعده لم يضمنه بقود
ولا دية وكذلك من قطع يد مرتد أو حربي فأسلما
ثم ماتا ولو رماهما فأسلما قبل أن يقع بهما
السهم فكذلك.
وقال القاضي في خلافه يضمنهما بالدية وقيل
يضمن بها المرتد دون الحربي وإن قطع طرف مسلم
فارتد ومات فلا قود ويجب الأقل من دية النفس
أو الطرف مع العمد والخطأ وقيل يجب القود في
الطرف مع العمد وهل يستوفيه الإمام أو وليه
المسلم مع قولنا ماله في على وجهين وقيل لا
قود ولا دية في عمد ذلك ولا خطئه وإن عاد إلى
الإسلام ثم مات فعليه القود في النفس أو الدية
نص عليه واختاره أبو بكر وقال القاضي إن كان
زمن الردة مما يسري فيه القطع فلا قود ويجب
نصف الدية.
ومن قال لرجل اقتلني أو أجرحني ففعل لم يضمنه
بقود ولا دية نص عليه وقيل يضمن ذلك في ديته
وقيل يضمن دية النفس للورثة ولا يضمن الجرح
المندمل بشيء.
ولو قال ذلك العبد ضمن لسيده بالمال دون القود
قولا واحدا.
ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد ويقتل العبد
بالعبد وعنه إن كان القاتل أغلى قيمة لا يقتل.
ويقتل المرتد بالذمي والذمي بالمستأمن
والكتابي بالمجوسي وإذا جرح ذمي أو مرتد ذميا
أو عبد عبدا ثم أسلم الجارح أو عتق قبل موت
المجروح أو بعده قتل به نص عليه وقيل لا يقتل.
(2/125)
ولو جرح مسلم
ذميا أو حر عبدا ثم أسلم المجروح أو عتق ثم
مات فلا قود ولو رمياهما فلم يصبهما السهم إلا
بعد الإسلام ثم ماتا لم يجب القود عند الخرقي
وأوجبه أبو بكر كما لو قتل من يعرفه ذميا أو
عبدا فبان قد أسلم وعتق ولو قتل من يعرفه
مرتدا فبان أنه مسلم ففي القود على قول أبي
بكر وجهان.
ولو قتل من لا يعرف وادعى رقه أو كفره أو قد
ملفوفا نصفين وأدعى كونه ميتا فأنكر وليه
فالقول قول الولي وله القود وقيل قول الجاني.
ولا يقتل المكاتب بعبده وإن كان ذا رحم محرم
منه كأخيه وولده إذا ملكهما فوجهان ولا يقتل
الأبوان وإن علوا بالولد وإن سفل ويقتل الولد
بهم وعنه لا يقتل أيضا.
ومتى ورث القاتل أو ولده شيئا من دمه سقط عنه
القود مثل أن قتل امرأته فورثها ولدهما أو قتل
أخاها فورثته ثم ماتت فورثها هو أو ولده وعنه
ما يدل على أنه لا يسقط بانتقاله إلى الولد.
ولو قتل أحد الابنين أباه ثم الآخر أمه وهي في
زوجة الأب سقط القود عن قاتل الأب وله أن يقتص
من أخيه ويرثه على الأصح.
ويقتل المكلف بالطفل والمجنون ويقتل الرجل
الخنثى بالمرأة ولا شيء لورثتهما وعنه يعطى
ورثة الرجل نصف ديته وهي بعيدة جدا.
(2/126)
باب القود فيما دون النفس
لا يؤخذ في ذلك أحد بغيره إلا من إذا قتله قتل
به فيؤخذ به في الأطراف والجروح بشرط العمد
المحض على الأصح والمساواة في الاسم والموضع
ومراعاة الصحة والكمال وإمكان الإستيفاء من
غير حيف.
فأما الأمن من الحيف فيشترط لجواز الاستيفاء
دون الوجوب فتؤخذ العين الأنف والأذن والسن
والجفن والشفة واليد والرجل والإصبع والكف
والمرفق
(2/126)
والذكر والخصية
كل واحد من ذلك بمثله وهل يجري القود في
الإلية والشغر على وجهين ولا تؤخذ يمين بيسار
ولا يسار بيمين ولا ما على من جفن أو شفة أو
أنملة بما سفل ولا سن أو أصبع أو غيرهما بزائد
ويؤخذ الزائد بالزائد إذا استويا محلا وخلقة
ولا تؤخذ يد كاملة الأصابع بناقصتها ولا ذات
الأظفار بذاهبتها ولا عين صحيحة بقائمة ولا
لسان ناطق بأخرس ولا صحيح بأشل من يد أو رجل
أو أصبع أو ذكر.
فأما من الأنف والأذن فوجهان وكذا في أخذ
الأذن السمعية بالصماء والأنف الشام بالأخشم
والتام منهما بالمخزوم وجهان.
وقال القاضي بالأخذ في الجميع إلا في المخزوم
خاصة وأما ذكر فحل بذكر خصى أو عنين فعنه يؤخذ
بها واختاره أبو بكر.
وعنه لا يؤخذ وعنه يؤخذ بذكر العنين دون
الخصي.
واختاره ابن حامد ويؤخذ المعيب مما ذكرنا
بمثله وبالصحيح من غير أرش قاله أبو بكر وقيل
يوجب الأرش للنقص فقط كان كالإصبع أو صفة
كالشلل وهو أشبه بكلام أحمد وقيل يجب لنقص
القدر دون الصفة.
وإذا ادعى الجاني نقص العضو بشلل أو غيره
فأنكره ولي الجناية فالقول قوله نص عليه.
وقال ابن حامد قول الجاني وقيل قول الولي إن
اتفقا على سابقة سلامته وإلا قول الجاني.
ويقتص في كل طرف كانت جنايته من مفصل أولها حد
ينتهي إليه كمارن الأنف وهو مالآن منه وفي كل
جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد
والساعد والسابق والفخذ والقدم.
ولا يقتص فيما سواهما كالجائفة وكسر العظم غير
السن ونحو ذلك خشية الحيف ويعتبر قود الجروح
بالمشاجة فمن أوضح بعض رأسه وقدره بقدر رأس
(2/127)
الشاج أو أزيد
أوضحه في كل رأسه وفي الأرش الزائد وجهان.
وإن أوضحه في كل رأسه ورأس الجاني أكبر فله
قدر شجته من أي الجانبين شاء ولو كانت الشجة
بقدر بعض الرأس منهما لم يعدل من جانبها إلى
غيره وإذا قطع بعض أذنه أو مارنه أو لسانه أو
شفته أو حشفته أخذ منه مثله بأن يقدر ذلك
بنسبة الأجزاء كالنصف والثلث والربع.
وقال أبو الخطاب لا يؤخذ بعض اللسان ببعض وهو
الأصح.
وإذا كسر بعض سنة برد من سنة مثله بالنسبة
أيضا إذا أمن قلعها وإذا شجه مأمومه أو منقله
أو هاشمه فله أن يقتص منه موضحة ولا أرش له
معها عند أبي بكر.
وقال ابن حامد يتم له في الهاشمة بخمسة أبعرة
وفي المنقلة بعشرة وفي المأمومة بثمانية
وعشرين وثلث.
وإذا قطع قصبة أنفه أو يديه من نصف ذراعيه أو
رجليه من نصف ساقيه فله الدية دون القود نص
عليه وقيل يقتص من المارن والكوع والكعب وهل
يجب أرش الباقي مع القود إذا قلنا به أو مع
الدية في العمد والخطأ على وجهين فإن قلنا لا
قود ههنا فقطع يده من الكوع ثم تأكلت إلى نصف
الذراع فلا قود له أيضا اعتبارا بالاستقرار
قاله القاضي وعندي يقتص ههنا من الكوع.
ومن قطعت يده من المرفق فأراد القطع من الكوع
منع قولا واحدا ويقتص من المنكب إذا لم يخف
جائفة فإن خيفت فهل يقتص من المرفق على وجهين.
ويقتص من الشلاء إذا أمن من قطعها التلف فإن
خالف واقتص مع الخوف من الشلاء أو المنكب أو
من قطع نصف الساعد ونحوه أو من مأمومة أو
جائفة مثل ذلك ولم يسر وقع الموقع ولم يلزمه
شيء.
(2/128)
وإذا أوضح
إنسانا فأذهب سمعه أو شمه أو ضوء عينيه فإنه
يوضحه فإن ذهب ذلك وإلا استعمل دواء يذهبه ولا
يجني على عضوه فإن تعذر إلا بجناية على العضو
سقط عنه القود إلى دية ذلك في ماله وقيل تتعين
ديته ابتداء إذا لم يذهب بالإيضاح وهل تلزمه
في ماله أو على عاقلته على وجهين ولو أذهب ذلك
عمدا بشجة لا قود فيها أو لطمة فهل يقتص منه
بالدواء أو تتعين ديته من الابتداء على
الوجهين.
ولا تؤخذ دية في عمد ولا خطأ لما يرجى عودة من
منفعة أو عين ولا يقتص لما فيه القود منه إذا
رجى عودة في مدة يقولها أهل الخبرة فإن مات
فيها فلوليه في السن والظفر ديتهما وقيل لا
شيء له إذا عودهما معتاد وأما فيما سواهما فله
الدية أو القود حيث يشرع وقيل ليس له إلا
الدية.
ولو عاد الذاهب في المدة أو بعدها كنبات السن
واللسان والظفر ورجوع الشم والضوء لم يضمن إلا
أن يعود ناقصا في قدر أوصفة فتجب لنقصة حكومة
وعنه في الظفر خاصة يجب مع عوده على صفته خمسة
دنانير ومع عودة أسود عشرة دنانير والأول أصح
وترد دية ذلك إن كانت أخذت أو غرامة طرف
الجاني إن كان قد اقتص منه ثم إن عاد الجاني
رددت الغرامة.
ومن أبين منه ما يمكن إعادته والتحامه كسن
ومارن وأذن فأعاده في الحال فثبت والتحم فحقه
بحاله إن قلنا للمعاد ميتة وإن قلنا هو طاهر
على الأصح فلا قود فيه ولا دية سوى حكومة نقصه
نص عليه واختاره أبو بكر وقال القاضي حقه فيه
بحاله ولو كان المعاد الملتحم من الجاني
فللمقتص إبانته ثانيا نص عليه وقيل ليس له
ذلك.
وإذا رجى الجاني بعد موت المجني عليه عود ما
أذهبه أو التحامه فالقول قول الولي في إنكار
ذلك.
(2/129)
وإذا اشترك
جماعة في قطع طرف ولم تتميز أفعالهم مثل أن
وضعوا جديدة على يده وتحاملوا عليها حتى ماتت
لزمهم القود كالنفوس وعنه لا يجب كما لو تميزت
أفعالهم.
ويضمن من أرش الجناية بالقود أو الدية في
النفس وما دونها فلو قطع إصبعا فتأكلت إلى
جنبها أخرى وسقطت من مفصل أو تأكلت اليد وسقطت
من الكوع وجب القود في الكل وإن شلتا ففي
الإصبع القود وفي الشلل الأرش وسراية القود
مهدرة إلا أن يستوفيه قهرا مع الخوف منها لبرد
أو حر أو كلول آلة ونحوه فيضمن بقية الدية.
ولا يقتص من الطرف قبل بروزه كما لا يطلب له
دية وعنه يجوز لكن الأولى تركه فإن اقتص قبل
ذلك بطل حقه من سراية الجناية فأيهما سري بعد
ذلك كان هدرا.
(2/130)
باب استيفاء القود والعفو عنه
موجب العمد أحد شيئين القود أو الدية فيخير
الولي بينهما فإن عفا مجانا فهو أفضل وإن
اختار أولا القود فله العفو على الدية والصلح
على أكثر منها ويحتمل المنع وإن اختار الدية
سقط القود ولم يملك طلبه بعد وعنه موجبه القود
عينا مع التخيير بينهما وعنه أن موجبه القود
عينا وأنه ليس له العفو على الدية بدون رضى
الجاني فيكون قوده بحاله فإن عفا عن القود
مطلقا فله الدية على الأولى دون الأخريين فإن
مات القاتل أو قتل تعينت الدية في تركته لا
غير وعنه ينتقل الحق إذا قتل إلى القاتل
الثاني فيخير أولياء القتيل الأول بين قتله أو
العفو عنه.
ويشترط لاسيتيفاء القود ثلاثة شروط.
(2/130)
أحدها كون
مستحقه مكلفا فان كان صبيا أو مجنونا لم يستوف
وحبس الجاني إلى البلوغ أو الإفاقة وعنه
لوليهما من وصى وغيره استيفاؤه وعنهما في
النفس والطرف فعلى هذه يجوز له العفو على
الدية نص عليه.
فأما على الأولى فإن كانا محتاجين فقيل
لوليهما العفو على الدية وقيل ليس له ذلك
كالموسرين وقيل له ذلك في المجنون دون الصبي
وهو المنصوص عنه.
وإذا قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعه قهرا سقط
حقهما وقيل يكون ذلك جناية منهما تضمنها
عاقلتهما وتتعين الدية لحقهما الأول وإن اقتصا
مالا تحمل ديته العاقلة سقط حقهما وجها واحدا.
الشرط الثاني اتفاق الأولياء المشتركين فيه
على استيفائه وليس لبعضهم أن ينفرد به إن كان
من بقي غائبا أو صبيا أو مجنونا وينتظر القدوم
والبلوغ والعقل وعنه لشريك الصبي والمجنون أن
ينفرد به وإذا ماتا قبل البلوغ والعقل فحقهما
من القود لورثتهما وقال ابن أبي موسى يسقط
وتتعين الدية.
ومن انفرد بالقود حيث منعناه فلا قود عليه بل
لشركائه في تركة الجاني حقهم من الدية ويرجع
ورثته على المقتص بما فوق حقه وقيل يجب على
المقتص لشركائه حقهم من الدية وتسقط عن
الجاني.
وإذا عفا بعض الشركاء في القود عنه سقط وإن
كان زوجا أو زوجة أو ذا رحم وللباقين حقهم من
الدية على الجاني فإن قبله الباقون عالمين
بالعفو وبسقوط القود ألزمهم القود وإلا فلا
قود بل تلزمهم الدية.
وكل من ورث المال ورث القود على قدر إرثه من
المال ومن لا وارث له فوليه الإمام إن شاء
اقتص أو عفا على والدية لا أقل ولا مجانا.
الشرط الثالث أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدى
الجاني فإذا وجب القود على حامل أو حائل فحبلت
لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبن ثم إن وجد
من ترضعه وإلا تركت حتى تفطمه ولا يقتص منها
في الطرف حتى تضع.
(2/131)
والحد في ذلك
كالقود وقال القاضي يستحب تأخير الرجم مع وجود
مرضعة لترضعه بنفسها ولا يجب ذلك فإن ادعت
الحمل قبل قولها وحبست حتى يتبين أمرها وقيل
لا يقبل إلا بشهادة النساء.
وإذا اقتص من الحامل ضمن المقتص جنينها وقيل
يضمنه السلطان الذي مكنه فعلى هذا هل الأجرة
في بيت المال أو في ماله على روايتين قيل
يضمنه السلطان إلا أن يعلم المقتص وحده بالحمل
فيضمن.
ولا يستوفى القود إلا بآلة الجناية ولا يستوفى
إلا بحضرة السلطان وينظر في الولي فإن كان
يحسن الاستيفاء ويقدر عليه مكنه منه وخيره بين
المباشرة والتوكيل وقيل يمنع من المباشرة في
الطرف خاصة وقيل يمنع منها فيهما واختاره ابن
عقيل وإن لم يحسن الاستيفاء أمر بالتوكيل فإن
احتاج إلى أجرة فهي على الجاني.
وإذا تشاح جماعة لهم الاستيفاء أيهم يباشره
قدم أحدهم بالقرعة وقال ابن أبي موسى بتعيين
الإمام.
وإذا قال الجاني للولي أنا أقتص لك من نفسي
فرضي جاز ذلك ويحتمل المنع.
وإذا قتل أو قطع واحد جماعة في وقت أو في
أوقات فرضي أولاهم بالقود أقيد بهم اكتفاء إلا
أن يطلب كل فريق أن يقتص على الكمال فإن كان
الجاني يقاد بواحد تعين بالقرعة وقيل بالسبق
في صورته ويجب لمن بقي الدية.
ولو بادر فريق فطلب الدية أعطيها واستقل من
بقي بالقود إلا أن يكونوا فريقين أو أكثر
فالحكم فيه كما سبق.
ولا يستوفى القود في النفس إلا بضرب العتق
بالسيف وإن كان القتل بغيره وعنه يجوز أن يفعل
بالجاني كما فعل فإن لم يمت به ضربت عنقه وعنه
إن كان فعله موجبا جاز أن يفعل به مثله وإن لم
يكن موجبا قتل بالسيف
(2/132)
فقط وعنه جواز
ذلك إن كان موجبا أو موجبا لقود الطرف لو
انفرد وإلا فلا إلا أن يكون قد قتله بمحرم في
نفسه كتحريم الخمر واللواط ونحوه فيقتل بالسيف
من غير زيادة على الروايات كلها.
ولو أوضحه أو قطع أربعته ثم أوجأه قبل
الاندمال فعلى الرواية الأولى هل يدخل قود
الطرف في قود النفس كما يدخل في الدية أصلا
على روايتين.
ومتى فعل به الولي كما فعل لم يضمنه بشيء وإن
حرمناه وأما إن زاد على ما أتى به لم يجز
رواية واحدة ويضمنه بديته لا بالقود سواء عفا
عنه أو قتله.
ومن له قود في يمين فقطع يسار الجاني بها
بتراضيهما أو قال له أخرج يمينك فأخرج يساره
عمدا أو غلطا أو ظنا أنها تجزئ أجزأت على كل
حال عند أبي بكر ولم يبق قود ولا ضمان وقال
ابن حامد لا تجزئ ولا يضمن بالقود بل بالدية
إلا أن يتعمد إخراجها لا عوضا عن يمينه فإنها
تهدر والقود في اليمين بحالة للقاطع يستوفيه
إذا اندملت اليسار إلا في صورة التراضي ففي
سقوطه إلى الدية وجهان.
أحدهما وجبت الدية إن كان المقتص مجنونا وإن
كان من عليه القود مجنونا لزم القاطع القود إن
علم أنها اليسار وأنها لا تجزىء فأما إن جهل
الضمان والآخر عاقلا ذهبت يده هدرا وإن كانت
يمينه.
ومن وكل رجلا أن يقتص ثم عفا ولم يعلم الوكيل
حتى اقتص فقيل لا شيء عليهما وقيل يضمن العافي
دون الوكيل وقيل للمستحق تضمين من شاء منهما
والضمان على العافي وقيل الضمان على عاقلة
الوكيل وقيل بل في ماله حالا فعلى هذين إن كان
عفوا تجب معه الدية وجبت للعافي في تركة
الجاني.
ومن عفا عن قود في طرف على مال ثم قبل
الاندمال قتله الجاني فلوليه القود في النفس
أو العفو على الدية كاملة قاله أبو الخطاب
وقال القاضي ليس
(2/133)
له العفو إلا
على تتمة الدية إن نقص مال العفو عنها وإلا
فلا شيء له سواه.
ومن قال لمن عليه قود في نفس أو طرف قد عفوت
عنك أو عن جنايتك فقد برئ من قود ذلك وديته نص
عليه وقيل لا يبرأ من الدية إلا أن يقر العافي
أنه أرادها بلفظه وقيل يبرأ منهما إلا أن يقول
إنما أردت القود دون الدية فيقبل منه مع
يمينه.
وإذا عفا المجروح عمدا أو خطأ عن قود نفسه أو
ديتها صح وعنه لا يصح عن قودها إذا كان الجرح
مما لا قود فيه لو أندمل ويتخرج أن لا يصح
عفوه عن الدية إذا قلنا يحدث ملكا للورثة
والتصريح على الأول فإذا قال المجروح عفوت عن
هذه الجراحة أو الشجة أو الضربة وما يحدث منها
فلا شيء في سرايتها وإن لم يقل وما يحدث منها
فكذا في إحدى الروايتين وفي الأخرى يضمن
بقسطها من الدية.
ولو قال عفوت عن هذه الجناية فلا شيء في
السراية رواية واحدة إلا إذا قال إنما اردت
بالجناية الجراحة نفسها دون سرايتها وقلنا
بالرواية الثانية في التي قبلها فانه يقبل مع
يمينه وقيل لا يقبل ولو صولح عن الجراحة بمال
أو قال في العمد عفوت عن قودها على ديتها أو
لم يقل على ديتها وقلنا له ديتها ضمنت سرايتها
بقسطها من الدية رواية واحدة ولو قال عفوت عن
قود هذه الشجة وهي مما لا قود فيه ككسر العظام
فعفوه باطل ولوليه مع سرايتها القود أو الدية.
وإذا قال المجروح للجاني قد أبرأتك أو أحللتك
من دمى أو قتلي أو وهبتك ذلك ونحوه صح العفو
معلقا بشرط موته فلو اندمل جرحه كان حقه فيه
باقيا بحاله بخلاف قوله عفوت عنك أو عن
جنايتك.
وكل عفو صححناه من المجروح مجانا مما يوجب
المال عينا فإنه إذا مات
(2/134)
يعتبر من الثلث
وينقض الدين المستغرق ويمتنع إذا كان للجاني
ولم نصحح الوصية له وإن كان مما يوجب قودا نفذ
من أصل التركة حتى لو لم يكن للعافي وهو مفلس
تركة سوى ذمه نفذ عفوه عنه مجانا نص عليه.
وقيل إذا قلنا موجب العمد أحد شيئين لم تسقط
الدية إلا كما تسقط حيث وجبت عينا ومثله العفو
عن القود بلا مال من المحجور عليه لسفه أو فلس
أو من الورثة مع الديون المستغرقة هل تسقط به
الدية على وجهين.
ومن أبرأ جانيا حرا جنايته على عاقلته أو عبدا
متعلقة برقبته لم يصح وإن أبرأ العاقلة أو
السيد أو قال عفوت عن هذه الجناية ولم يسم
للمبرأ منه صح.
وإذا وجب لعبد قود أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه
إليه دون سيده إلا أن يموت فيملكه السيد.
(2/135)
باب ما يوجب الدية في النفس
كل من أتلف إنسانا بمباشرة أو سبب عمدا أو خطأ
أو شبه عمد لزمته ديته إما في ماله أو على
عاقلته على ما سنذكره فيما بعد إلا في عمد فيه
القود فيلزمه أحدهما كما سبق.
فإذا ألقى على إنسان أفعى أو ألقاه عليها أو
طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء
تلف به أو حفر بئرا حيث لا يجوز من فناء أو
طريق أو وضع فيه حجرا أو صب ماء فتلف به إنسان
فعليه ديته فإن قصد ذلك فهو شبه عمد وإلا فهو
خطأ.
وإن حفر البئر ووضع الحجر آخر فعثر به إنسان
فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر جعلا له
كالدافع وعنه عليهما ولو كان أحدهما محقا
والآخر متعديا فالضمان على المتعدي
(2/135)
ولو قرب صبيا
من الهدف فقتله سهم فالضمان على ما قربه دون
الرامي ومن غصب صغيرا فهلك عنده بحية أو صاعقة
ففيه ديته وإن هلك بمرض لم يضمنه نقله أبو
الصقر وعنه يضمنه نقله ابن منصور.
وقال ابن عقيل لا يضمن حتى الميت بالحية
والصاعقة إذا لم تعرف تلك الأرض بذلك وإن قيد
حرا مكلفا وغلة فأصابته الصاعقة أو الحية
فوجهان.
وإذا اصطدم فارسان فماتا أو فرساهما ضمن كل
واحد منهما ما أتلف الآخر.
وإن كان أحدهما يسير والآخر وافقا فما تلف
للواقف يضمنه السائر وقيل لا يضمنه في الطريق
الضيق وما تلف للسائر فليس بمضمون نص عليه
وقيل يضمنه الواقف وقيل يضمنه مع ضيق الطريق
دون سعته.
وإذا اصطدم ملاحان بسفينتين فغرقتا ضمن كل
واحد منهما سفينة الآخر وما فيها فإن كان
أحدهما منحدرا ضمن المصعدة إلا أن يكون غلبه
ريح فلم يقدر على ضبطها ولا يضمن المصعد شيئا.
ومن أركب صبيين ليسا في ولايته دابتين فاصطدما
فعليه ما تلف بصدمتهما.
ومن جنى على نفسه وطرفه خطأ فلا دية في ذلك
وعنه على عاقلته دية ذلك إن بلغت الثلث له أو
لورثته.
وإذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر رابعا
فعلى عواقلهم ديته أثلاثا.
وإن قتل أحدهم فديته على صاحبيه نصفين وقيل
عليهما ثلاثا الدية وهل تهدر بقية الدية أو
تجب على عاقلته لورثته على الروايتين ولو
زادوا على ثلاثة فالدية في أموالهم وعنه على
عواقلهم.
وإذا سقط رجل في حفرة ثم ثان ثم ثالث ثم رابع
فوقع بعضهم على بعض فماتوا أو بعضهم فدية
الأول على الباقي ودية الثاني على الثالث
والرابع ودية الثالث على الرابع ودية الرابع
هدر وإن كان الأول جذب الثاني والثاني الثالث
والثالث والرابع فدية الأول على الثاني
والثالث نصفين.
(2/136)
وقيل بل عليهما
ثلثاها وبقيتها تقابل جذبته فتسقط أو تجب على
عاقلته وأما دية الثاني فعلى الأولى والثالث
وقيل بل عليهما ثلثاها والثاني يقابل فعل نفسه
ففيه الوجهان.
وعندي لا شيء منها على الأول بل على الثالث
كلها أو نصفها والباقي يقابل فعل نفسه وأما
دية الثالث فعلى الثاني وقيل على الأولين وقيل
يخرج منها ما يقابل فعله كما تقدم وعندي أن
دمه هدر وأما دية الرابع فعلى الثالث خاصة
وقيل بل على الثلاثة.
ولو لم يسقط بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم
أو قتلهم أسد في الحفرة ولم يتجاذبوا فدماؤهم
مهدرة وإن تجاذبوا فدم الأول هدر وعليه دية
الثاني وعلى الثاني دية الثالث وعلى الثالث
دية الرابع وقيل دية الثالث على الأولين ودية
الرابع على الثلاثة.
ولو تدافع وتزاحم عند الحفرة جماعة فسقط فيها
منهم الأربعة متجاذبين كما وصفنا فهذه الصورة
هي التي روى أن عليا رضي الله عنه قضى فيها
للأول بربع الدية وللثاني بثلثها وللثالث
بنصفها وللرابع بكمالها وجعل ذلك على قبائل
للذين حفروا وازدحموا وأنه رفع ذلك إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فأجازه1 وذهب إليه أحمد
رضي الله عنه.
ومن اضطر إلى طعام أو شراب لغيره وليس بمضطر
فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه وألحق القاضي وأبو
الخطاب به كل من أمكنه إنجاء شخص من هلكة فلم
يفعل وفرق غيرهما بينهما.
__________
1 رواه أحمد والبيهقي والبزار عن حنش بن
المعتمر عن علي، وقال: لا نعلمه يروى إلا عن
علي ولا نعلم هذه الطريق وحنش بن المعتمر
ضعيف. وانظر المنتقى [رقم 3994] وهي مسألة
الزبية
(2/137)
وإذا أدب الرجل
ولده أو السلطان رعيته بضرب العادة أو قطع ولي
الصغير سلعته1 لمصلحته لم يضمن ما تلف به نص
عليه ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينا ضمنه
المؤدب وكذا إذا شربت الحامل دواء لمرض
فأسقطته ضمنته.
فأما إن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله من حد
أو تعزير أو استعدى عليها رجل بالشرطة في دعوى
له فأسقطت ضمنه السلطان في الأولى والمستعدى
في الثانية نص عليهما وقيل لا يضمنان ولو ماتت
المرأة فزعا بذلك لم يضمنا وقيل يضمنان كما
يضمنان الجنين.
ومن سلم ولده إلى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه
كالبالغ سلم نفسه إليه وقيل يضمنه.
ومن أمر عاقلا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك
بذلك لم يضمنه كما لو استأجره لذلك وقيل إن
كان الآمر السلطان ضمنه واختاره القاضي في
المجرد.
__________
1 السلعة زائدة صغيرة تخرج في الوجه أو غيره
من الأعضاء.
(2/138)
باب ديات الأعضاء ومنافعها
من أتلف مما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف
واللسان والذكر ففيه دية النفس وما فيه منه
شيئان كالعينين والأذنين والشفتين واللحيين
وثديي المرأة وثندوتي الرجل واليدين والرجلين
والإليتين والأنثيين وإسكتي المرأة ففيهما
الدية وفي أحدهما نصفها وعنه في الشفعة السفلى
ثلثا الدية وفي العليا ثلثها وفي المنخرين
ثلثا الدية وفي الحاجز بينهما ثلثها وعنه
فيهما الدية وفي الحاجز بينهما حكومة وفي
الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها وفي
أصابع اليدين الدية وكذلك أصابع الرجلين وفي
كل إصبع عشر الدية وفي كل أنملة ثلث.
(2/138)
عشر الدية وإن
كانت ذات الظفر إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي
كل مفصل نصف عشر الدية وفي الظفر خمس عشر
الدية وفي كل سن من صغير وكبير إذا لم تثعر
نصف عشر الدية وعنه إن لم يكن أثغر ففيها
حكومة والثنية والرباعية والناب والضرس سواء
وقيل إن قلع الكل أو فوق العشرين دفعة لم يجب
سوى الدية وفي حشفة الذكر وحلمتي الثديين وكسر
ظاهر السن دية العضو كله.
وفي قطع بعض الأذن والمارن واللسان والشفة
والحلمة والحشقة والإلية والسن بالحساب من دية
ذلك منسوبا بالأجزاء ونقل عنه أبو طالب في
شحمة الأذن ثلث ديتها.
وفي شلل العضو وإذهاب نفعة والجناية على
الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان وتسويد
السن والأذن والأنف والظفر تسويدا لا يزول دية
كاملة وعنه في تسويد السن ثلث ديتها وعنه
حكومة كما لو اصفرت أو اخضرت نقله أبو بكر
واختاره وقيل إن بقي نفعها أو بعضه ففيها
الحكومة وإلا فالدية.
وفي العضو الأشل من يد أو رجل أو ذكر أو ثدي
واللسان من الأخرس والطفل الذي أتى عليه أن
يحركه بالبكاء1 ولم يحركه والعين القائمة وذكر
الخصي والسن السوداء والثدي بلا حلمة والذكر
بلا حشفة وقصبة الأنف واليد والإصبع الزائدتين
حكومة وعنه ثلث دية ذلك كاملا وقيل الروايتان
في السن السوداء المتعطل نفعها فأما إذا لم
يتعطل ففيها ديتها كاملة.
وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال الدية وعنه
تكميلها لذكر العنين دون الخصي فلو قطع الذكر
ثم الأنثيين أو الكل معا لزمه ديتان وإن بدأ
بالأنثيين كملت ديتها وفي الذكر الروايتان.
__________
1 في المغني "قد بلغ إلى حد يتحرك بالبكاء"
(2/139)
وفي استحشاف
الأنف والأذن وهو شللهما حكومة كما في عوجهما
وقيل ديتهما كاملة.
وفي الأنف الأخشم والأذن الصماء والمخزوم
منهما والمستحشف كمال ديته إذا قلنا يؤخذ به
السالم من ذلك في العمد وإلا ففيه الحكومة.
ويجب في كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر
والشم والذوق.
وكذا يجب في الكلام والعقل ومنفعة المشي
والنكاح والأكل.
وفي الجذب والصعر وهو يضربه فيصير الوجه في
جانب وفي تسويده إذا لم يزل وإذا لم يستمسك
البول أو الغائط ففي كل واحد من ذلك الدية وفي
نقص ذلك إن علم بقدره بأن يجن بالجناية يوما
ويفيق يوما أو يذهب منه ضوء عين أو سمع أذن.
وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية
وعشرين حرفا وقيل يقسم على ما للسان فيه عمل
من الحروف وهي ما سوى الشفوية الأربعة
والحلقية الستة وإن لم يعلم قدر ذلك بأن صار
مدهوشا أو نقص سمعه أو بصره أو صار في كلامه
تمتمة أو عجلة أو نقص مشيته أو انحناء قليلا
أو تقلصت شفته بعض التقلص أو تحركت سنه أو ذهب
اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك ففيه حكومة.
وإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أو بالعكس
وجب نصف الدية اعتبارا بأكثرهما فإن قطع آخر
بقية اللسان لزمه في الصورة الأولى نصف الدية
اعتبارا بأكثرهما فإن قطع آخر بقية اللسان
لزمه في الصورة الأولى نصف الدية وحكومة وفي
الثانية ثلاثة أرباع الدية وقيل يجب في الصورة
الأولى كما قدمنا وفي الثانية نصف الدية فقط
اختاره القاضي في المجرد وقيل يجب ثلاثة أرباع
الدية فيهما.
وإذا قطع لسانه فذهب ذوقه مع نطقه أو كان أخرس
وجبت دية كاملة فقط وإن ذهبا بجناية مع بقاء
اللسان ففيه ديتان.
ولو كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان
وعنه دية.
(2/140)
وإن أذهب عقله
بجناية لها أرش لم يدخل في دية العقل نص عليه
وإذا قطع أنفه فذهب شمه أو أذنه فذهب سمعه
وجبت ديتان وسائر الأعضاء إذا أذهبها بنفعها
لم تجب إلا دية واحدة.
وإذا اختلفا في نقص بصره أو سمعه فالقول قول
المجني عليه.
وإن اختلفا في ذهاب بصره أرى أهل الخبرة به
وقرب الشئ إلى عينيه في وقت غفلته.
وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح
به في أوقات غفلته وتتبع بالروائح المنتنه
وأطعم الأشياء المرة فإن ظهر منه حركة لذلك
سقطت دعواه وإلا فالقول قوله مع يمينه في قدر
ما أتلفه كل واحد منهما.
وفي كل واحد من الشعور إذا لم تنبت الدية وعنه
حكومة وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب
العينين.
فعلى الأولى في كل حاجب النصف وفي كل هدب
الربع وفي بعض ذلك بقسطه ومتى عاد الشعر فنبت
سقط موجبه وإذا أبقى من لحيته ما لاجمال فيه
فهل يجب بالقسط أو كمال الدية أو حكومة على
ثلاثة أوجه.
وإن قلع الجفن بهدبه لم تجب إلا دية الجفن وإن
قلع اللحيين بالأسنان فعليه ديتهما ودية
الأسنان وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع دخل في
دية الأصابع ما حاذاها ولزمه أرش بقية الكف.
ويجب في عين الأعور الدية كاملة نص عليه فإن
قلعها الصحيح العينين عمدا فله قلع نظيرتها
منه وأخذ الدية نص عليه وقيل لا شيء له من
القلع وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة
لعينه الصحيحة عمدا فلا قود وعليه الدية كاملة
نص عليه ويحتمل أن يقلع عينه ويعطي نصف الدية
وإن كان خطأ لزمه نصف الدية وإن قلع الأعور
عيني الصحيح عمدا خير بين الدية أو قلع عينه
اكتفاء.
(2/141)
وفي قطع يد
الأقطع عمدا نصف الدية كغيره وكذلك رجله وعنه
كمال الدية بعين الأعور وعنه كمالها ذهبت
الأولى مهدرة وإلا فنصفها.
(2/142)
باب أروش الشجاج وكسر العظام
الشجاج الجراح في الرأس والوجه وهي عشرة
الخارصة التي تخرص الجلد أي تشقه قليلا وتدميه
ثم البازلة وهي الدامية والدامغة وهي التي
يسيل منها الدم ثم الباضعة وهي التي تبضع
اللحم ثم المتلاحمة وهي الغائصة في اللحم ثم
السمحاق وهي التي ما بينها وبين العظم قشرة
رقيقة.
وجعل الخرقي الباضعة بين الخارصة والبازلة
وأنها ما يشق اللحم بعد الجلد ولا يسيل منها
دم.
فهذه خمس لا مقدار فيها بل فيها حكومة وعنه في
البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي
المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة كما قضى
زيد بن ثابت.
وأما الخمس الباقية فأولها الموضحة وهي ما
توضح العظم وتبرزه ففيها خمسة أبعرة وعنه في
موضحة الوجه عشرة والأول أصح فإن عمت الرأس
ونزلت إلى الوجه فقيل هي موضحة وقيل موضحتان
ولا تكون موضحة فيها مقدر إلا في الرأس أو
وجه.
ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها
عشرة أبعرة فإن هشمه بمثقل ولم توضحه فعليه
حكومة وقيل نصف دية الهاشمة كما لو هشمه على
موضحة.
ثم المنقلة وهي ما توضح وتهشم وتنقل عظامها
ففيها خمسة عشر بعيرا.
ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ
وتسمى الآمة.
ثم الدامغة وهي التي تخرق جلدة الدماغ فلكل
واحدة منهما ثلث الدية.
وإذا أوضحه موضحتين بينهما حاجز لزمه عشرة
أبعرة فإن ذهب الحاجز بجنايته أو بالسراية صار
الكل موضحة وإن خرقه المجروح أو أجنبي فهي
ثلاث مواضح وإن قال الجاني أنا خرقته فقال
المجروح بل أنا أو فلان
(2/142)
قبل قوله على
الجاني ولزمته الموضحتان ولم يقبل على فلان
حتى يصدقه.
ومثله ما لو قطع ثلاث أصابع امرأة فالواجب
ثلاثون بعيرا فإن قطع الرابعة قبل الاندمال
عاد إلى عشرين فإن اختلفا فيمن قطعها فالقول
قولها في بقاء الثلاثين عليه.
وإذا فرق الجاني ما بين موضحتين في الباطن فقط
فهي موضحة وقيل موضحتان كما لو خرقه في الظاهر
لا غير.
وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أو
أوضحه لزمه أرش موضحة لا غير.
وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى باطن
الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر فرن جرحه
من جانب فخرج من جانب آخر فهما جائفتان وقيل
واحدة وإن جرحه في خده فنفذ إلي فمه ففيه
حكومة.
وإن أجافه أو أوضحه ثم مد السكين إلى وركه أو
قفاه فعليه مع دية الموضحة والجائفة حكومة
لجرح القفا والورك وإن أجافه ووسع الجرح بآخر
فهما جائفتان وإن وسع ظاهره دون باطنه أو
بالعكس ففي توسعته حكومة.
وإن التحمت الجائفة ففتقها آخر فهي جائفة أخرى
وكذلك الموضحة إذا نبت شعرها فإذا لم يكن نبت
ففيها حكومة نص عليه.
وفي كسر الضلع إذا جبر مستقيما بعير وفي
الترقوتين بعيران وفي إحداهما بعير نص عليه في
رواية أبي طالب وظاهر قول الخرقي أن في
الواحدة بعيرين فيكون فيهما أربعة.
وفي كسر كل واحد من الفخذ والساق والعضد
والذراع وهو الساعد المشتمل على عظمي الزند
بعير نص عليه في رواية صالح ورواه عن عمر عنه
بعيران نقلها عنه أبو طالب وعنه في الزند
الواحد أربعة أبعرة مما له عظمان وفيما سواه
بعيران.
(2/143)
وما عدا ذلك من
الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص
ففيه حكومة.
والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا
جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص فله
مثل نسبته من الدية فإذا كانت قيمته عبدا
سليما ستين وقيمته بالجناية مندملة خمسين ففيه
سدس ديته إلا أن تكون الحكومة في محل له مقدر
فلا يجاوز بها المقدر للمحل وفي بلوغه وجهان
فإن لم تنقصه الجناية شيئا حال الاندمال قومت
حال الجناية وقيل قبيل الاندمال التام وعنه ما
يدل على أنه لا أرش فيها بحال فإن لم تنقصه
بحال من الابتداء أو زادته حسنا كإزالة لحية
امرأة أو سن زائدة ونحوه فلا شيء فيها على
الأصح.
وإذا التحمت الجائفة أو الموضحة وما فوقها على
غير شين لم يسقط موجبها رواية واحدة.
ومن أفزع إنسانا فأحدث بغائط أو بول لم يلزمه
شيء وعنه يلزمه ثلث الدية لقضاء عثمان ين عفان
بذلك.
(2/144)
باب مقادير الديات
دية الحر المسلم أحد خمسة أشياء مائة من الإبل
أو ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم أو
مائتا بقرة أو ألفا شاة فهذه أصول الدية إذا
أحضر من عليه الدية شيئا منها لزمه قبوله وعنه
الأصول ستة هذه الخمسة ومائتا حلة من حلل
اليمن كل حلة بردان وعنه لا أصل إلا الإبل
والباقي أبدال عنها فإن قدر على الإبل وإلا
انتقل إليها.
فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت الإبل
أرباعا خمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات
لبون وخمس وعشرون حقه وخمس
(2/144)
وعشرون جذعة
وعنه هي ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة
في بطونها أولادها وفي اعتبار كونها ثنايا
وجهان.
ورن كان خطأ وجبت أخماسا ثمانون من الأربعة
المذكورة بالسوية وعشرون بنو مخاض.
ويؤخذ في البقر النصف مسنات والنصف أتيعة
والغنم نصفها ثنايا ونصفها أجذعة ولا تعتبر
القيمة في ذلك بل السلامة من العيب وعنه يعتبر
أن لا تنقص قيمتها عن دية الأثمان وعلى هذا
يؤخذ في الحلل المتعارف فإن تنازعا فيها جعلت
قيمة كل حلة ستين درهما.
وتغلظ دية القتل بالحرم والإحرام والشهر
الحرام لكل واحد ثلث الدية نص عليه وزاد أبو
بكر ثلثا بالرحم المحرم فإن اجتمعت هذه
المحرمات لم يتداخل موجبها وظاهر قول الخرقي
أنه لا تغليظ بذلك.
ودية نفس المرأة نصف دية الرجل وتتساوى جراحها
مع جراحه فيما دون الثلث وفيما فوقه على النصف
وفي وفق الثلث روايتان.
ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى
وكذلك جراحه.
ودية الكتابي نصف دية المسلم وعنه ثلثها وكذلك
جراحه.
ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم ونساؤهم
على النصف منهم كالمسلمين ولا يضمن من لم
تبلغه الدعوة وقال أبو الخطاب إن كان له دين
ففيه دية أهله وإلا فلا ضمان فيه.
وإذا قتل المسلم كافرا عمدا أضعفت عليه الدية
لإزالة القود فيودي المجوسي بألف وستمائة درهم
والكتابي بثلثي ديتي المسلم إن قلنا ديته
ثلثها نص عليه.
ودية الرقيق من عبد أو أمة قيمته من نقد البلد
بالغة ما بلغت وعنه لا يبلغ بها دية الحر وأما
جراحه فعنه فيها ما نقصته مطلقا واختارها
الخلال.
(2/145)
وعنه إن لم تكن
مقدرة من الحر فكذلك وفي المقدرة منه تقدر من
العبد منسوبة إلى قيمته.
ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته
وفي سمعه وبصره قيمتاه مع بقاء ملك السيد عليه
وعنه إن كانت جراحه عن إتلاف ضمنت بالنقدين من
القيمة كما سبق.
وإن كانت عن تلف تحت اليد العادية ضمنت بما
نقصت فعلى هذه متى قطع الغاصب يد المغصوب لزمه
أكثر الأمرين وإن قطعها أجنبي ضمن المالك من
شاء منهما نصف قيمته والقرار علي الجاني وما
بقي من نقص ضمنه للغاصب خاصة.
وإذا جرح اثنان في وقتين عبدا أو حيوانا ولم
يوجباه ثم سرى الجرحان فقال القاضي يلزم كل
واحد منهما ما نقص بجرحه من قيمته ويتساويان
في بقيتها وعندي يلزم الثاني نصف قيمته مجروحا
بالجرح الأول ويلزم الأول تتمة قيمته سليما.
ومن رمى ذميا فلم يصبه السهم حتى أسلم ضمنه
بدية مسلم وإن جرحه فلم يمت حتى أسلم ضمنه
يدية ذمي عند أبي بكر وبدية مسلم عند ابن حامد
وهو نص أحمد.
ومن رمى عبدا فلم يصبه السهم حتى عتق صمنه
بدية حر لورثته ولا شيء لسيده فيها ولو جرحه
فلم يمت حتى عتق فروايتان نقل حنبل يضمنه
بقيمته لسيده ونقل حرب يضمنه بدية حر فيعطاها
السيد إلا إن تزيد على أرش الجناية فتكون
الزيادة للورثة ومتى أوجبت هذه الجناية القود
فطلبه للسيد على الأولى وللورثة على الثانية
فإن اقتصوا فلا شيء للسيد وإن عفوا على مال
فللسيد منه ما ذكرنا.
ويجب في الجنين إذا سقط بجناية ميتا وكان حرا
عشر دية أمه حرة وإن
(2/146)
كان مملوكا
فعشر قيمتها إذا ساوتهما في الحرية والرق وإلا
قدرت كذلك إلا أن يكون دين الأب أو الجنين
أعلى منها دية لمجوسية تحت نصراني أو ذمية مات
زوجها الذمي على أصلنا فيعتبر عشر بدل الأم
كما لو كانت على ذلك الدين.
ولا يقتل في غرة الحر خنثى ولا معيب ولا من له
دون سبع سنين.
وإذا سقط الجنين حيا ثم مات ففيه ما فيه مولود
إلا أن يكون سقوطه لوقت لا يعيش لمثله بأن
تضعه لدون ستة أشهر فيكون كالميت وإن اختلفا
في حياته ولا بينه فأيهما يقدم قوله فيه
وجهان.
وإذا أسقطت الأمة الحامل لمملوك جنينا ميتا
بجناية وقد عتقت أو عتق جنينها وحدة قبل
الجناية أو بعدها ضمن بغرة جنين حر وعنه بضمان
جنين مملوك نقلها حرب وابن منصور وعنه إن سبق
العتق الجناية ضمن بالغرة وإلا فبضمان الرقيق.
وإن ألقته حيا فمات ضمن بالدية كاملة إن سبق
العتق الجناية وإلا ففيه الروايتان في الرقيق
يجرح ثم يعتق.
وإذا جنى العبد خطأ أو عمدا لا قود فيه أو فيه
قود واختير فيه المال أو أتلف مالا فسيده
بالخيار بين شيئين فقط فداؤه أو بيعه في
الجناية وعنه يخير بين الفداء أو دفعه
بالجناية فقط وعنه يخير بين الثلاثة هل يلزمه
الفداء إذا اختاره بالأقل من قيمته وأرش
الجناية أو بالأرش كله على الروايتين وعنه
رواية ثالثة فيما فيه القود خاصة يلزمه فداؤه
بأقل الأمرين فأعتقه بعد علمه بالجناية لزمه
جميع أرشها بخلاف ما إذا لم يعلم نقله ابن
منصور ونقل عنه حرب لا يلزمه سوى الأقل أيضا
وهل يلزمه إن اختار البيع أن يتولاه إذا طلب
منه ولي الجناية ذلك أو يكفي مجرد تسليمه
للبيع فيبيعه الحاكم على روايتين.
وإذا عفا الولي على رقبة العبد فيما فيه القود
ملكه بغير رضا السيد وعنه
(2/147)
لا يملكه فعلى
هذه في قدر ما يرجع به الروايات الثلاث.
وإذا خرج حرا فعفا عنه ثم مات من الجرح ولا
مال له وقيمة العبد نصف الدية فاختار السيد
فدواءه وقلنا يفديه بقيمته صح العفو في ثلثه
وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في نصفها
وللورثة نصفها لأن العفو صح في شيء من قيمته
وله بزيادة الفداء شيء مثله فيبقى للورثة ألف
دينار إلا ستين تعدل شيئين أجبر وقيل يخرج
الشئ ربع الدية فللورثة شيئان تعدل النصف.
وإذا جنى العبد على جماعة في أوقات اشتركوا
فيه بالحصص نص عليه.
فإن عفا مستحق منهم تعلق حق الباقين بجميع
العبد وقيل بحصتهم منه لا غير.
(2/148)
باب العاقلة وما تتحمله
عاقلة الجاني عصبته كلهم من النسب والولاء
قريبهم وبعيدهم حاضرهم وغائبهم وعنه هم عصبته
إلا أبناؤه إذا كان امرأة وهو الأصح وعنه عم
العصبة إلا عمودي نسبه آباءه وأبناءه وعنه هم
العمومة ومن بعدهم دون العمودين والإخوة.
ولا عقل على رقيق ولا صبي ولا مجنون بحال ولا
على فقير وعنه يلزم الفقير المعتمل ولا على
امرأة ولا خنثى وعنه يلزمهما بالولاء.
ولا تعاقل بين مسلم وكافر ولا بين ذمي وحربي
ويتخرج تعاقلهما حيث نقول بتوارثهما.
وفي تعاقل الذميين روايتان فإن قلنا به وهو
الأصح ففيه مع اختلاف مللهم وجهان.
ومن عدمت عاقلته أو عجزت عن حمل الجميع حل
الدية أو بقيتها بيت المال وعنه أنه لا يحمل
العقل بحال فإن تعذر أو لم يحمله سقطت ويحتمل
أن
(2/148)
يلزم الجاني في
ماله وقال القاضي الروايتان في المسلم فأما
الذمي الذي لا عاقلة له فجنايته في ماله دون
بيت المال.
وجناية المرتد في ماله وكذلك من رمى سهما
واختلف دينه حالتي رمية وإصابته.
ولو اختلف دين الجارح حالتي الجرح والزهوق
حملت عنه عاقلته حال الجرح وقيل إنما تحمل أرش
الجرح فأما الزائد بالسراية ففي ماله وقيل
الكل في ماله كالتي قبلها.
ولو جرح ابن معتقة فلم يسر أو رمى فلم يصب حتى
انجر ولاؤه فهو كمن اختلف ديته فيهما.
أخطأ الإمام والحاكم في الحكم في بيت المال
وعنه على عاقلتهما كخطئهما في غير الحكم.
ولا تحمل عاقلة الجاني عمدا محضا ولا عبدا ولا
صلحا ولا اعترافا لم تصدقه به ولا ما دون ثلث
الدية التامة كأرش الموضحة ودية المجوسي وغرة
الجنين الميت دون أمة ولو ماتا بجناية واحدة
فالغرة مع دية الأم على العاقلة سواء سبقته
بالزهوق أو سبقها به.
وتحمل العاقلة شبه العمد مؤجلا في ثلاث سنين
كالخطأ نص عليه واختاره الخرقي وعنه أنه في
مال الجاني مؤجلا كذلك واختاره أبو يكر وقال
أبو بكر مرة هو في ماله حالا.
وعمد الصبي والمجنون في حمل العاقلة له كالخطأ
وعنه عمد المميز في ماله.
ولا تقدير فيما يحمله كل واحد من العاقلة بل
يجتهد الحاكم فيه فيحمل كل واحد ما يسهل لا ما
يشق نص عليه وقال أبو بكر يحمل الموسر نصف
دينار والمتوسط ربع دينار وفي تكرره كل حول
وجهان ويبدأ بالأقرب فالأقرب حتى تكمل الدية
أو تنفد العاقلة وإن تساووا وكثروا وزع
(2/149)
ما يلزمهم
بينهم وما أوجب ثلث الدية كالجائفة ودية الذمي
في رواية فإنه يلزم العاقلة في رأس الحول وإن
جاوز ثلثها ولم يجاوز ثلثيها كدية اليد ودية
المرأة وحدها أو مع غرة جنينها وجب في رأس أول
حول قدر الثلث والباقي في رأس الثاني.
وإن جاوز الدية كضربة أذهبت السمع والبصر أو
قتلت الأم وجنينيها بعدما استهل لم يزد في كل
حول على قدر الثلث وقال القاضي في خلافه تقسط
دية الذمي والمرأة وغرة الجنين في ثلاث سنين
لكونها دية نفس.
ولو أذهب سمعه وبصره بجنايتين أو قتل جماعة
لزم عاقلته في كل حول من كل دية ثلثها وإن بلغ
مجموعه الدية أو أزيد وابتدأ الحول في النفس
من حين الزهوق وفيما دونه من حين الاندمال
وقال القاضي ابتداؤه في القتل لذمي والجرح
الذي لم يسر عن محله من حين الجناية.
ومن مات من العاقلة قبل تمام الحول أو افتقر
لم يلزمه شيء وإن كان بعد الحول فقسطه عليه.
(2/150)
باب القسامة
وهي الأيمان المكررة في دعوى قتل المعصوم وإن
كان عبدا أو امرأة أو كافرا وسواء كان القتل
عمدا أو خطأ نص عليه في رواية حنبل وابن
منصور.
وقيل لا قسامة في الخطأ ولا قسامة في الأطراف
بحال.
ومن شرط القسامة اللوث وهو العداوة الظاهرة
مثل ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكالقبائل
التي يطلب بعضا بالثأر وعنه ما يدل على أن
اللوث كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى كتفرق
جماعة عن قتيل ووجود قتيل عند من بيده سيف
ملطخ بدم وشهادة عدل واحد أو جماعة نساء أو
صبيان ونحوهم ممن لا يثبت القتل بهم.
(2/150)
وليس قول
المجروح "جرحني فلان" لوثا على الروايتين.
ويقدح في اللوث اختلاف الورثة في عين القاتل
أو أصل القتل نص عليه وهل يقدح فيه فقد أثر
القتل على الروايتين.
ولا قسامة على غير معين بحال ولا قسامة على
أكثر من واحد في عمد ولا خطأ وعنه يشرع على
الجماعة فيما لا يوجب القود وتجب بها الدية.
وإذا تمت قسامة العمد أوجبت القود إذا تمت
شروطه.
ويبدأ في القسامة بأيمان الرجال من ورثة الدم
ولا يدخل فيها امرأة وفي الخنثى وجهان فيحلفون
خمسين يمينا تقسم بينهم على سهام ميراثهم فإن
وقع كسر كمل مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاث عشر
يمينا والابن ثمانيا وثلاثين ولو كان معهما
بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا والابن أربعا
وثلاثين وإذا كان الوارث رجلا واحدا أو معه
نساء حلف الخمسين وإن جاوز الورثة خمسين رجلا
حلف خمسون منهم كل واحد يمينا فإن نكل الورثة
أو كانوا نساء حلف المدعي عليه خمسين يمينا
وبرئ.
ولو ادعوا على جماعة وقلنا يصح فهل يحلف كل
واحد منهم الخمسين أو قسطه منها على وجهين.
فإن لم يرض الأولياء بيمين خصمهم أو نكل عنها
خلي وودي الإمام القتيل من بيت المال وعنه إن
نكل لزمته الدية وعنه يحبس حتى يحلف أو يقر.
فإن كان الورثة اثنين أحدهما غائب أو صبي أو
مجنون أو ناكل عن اليمين حلف الآخر واستحق نصف
الدية وهل يحلف خمسين يمينا أو نصفها على
وجهين ثم متى زال المانع عن صاحبه حلف خمسا
وعشرين يمينا واستحق بقية الدية وقيل لا قسامة
لأحدهما إلا بعد أهلية الآخر وموافقته.
ومن ادعى عليه القتل عمدا أو خطأ من غير لوث
حلف يمينا واحدة وبرىء وعنه لا يمين في العمد.
(2/151)
باب كفارة القتل
ومن قتل نفسا مباشرة أو تسببا بغير حق أو ضرب
بطن حامل فألقت جنينا ميتا فعليه الكفارة سواء
كان القاتل أو المقتول كافرا أو رقيقا أو كان
القاتل صبيا أو مجنونا أو المقتول غير مضمون
بقود ولا دية كمن قتل عبده أو نفسه أو غيره
بإذنه أو لم يكونا كذلك وعنه لا كفارة في
العمد المحض بل يختص الخطاء وشبه العمد.
ويجب التكفير بالمال في مال القاتل إلا في
خطاء الإمام الذي يحمله بيت المال فهل يجب فيه
كفارته على وجهين.
وإذا قتل واحد جماعة لزمه كفارات وإن قتل
الجماعة واحد فهل يلزمهم كفارات أو كفارة
واحدة على وجهين
(2/152)
|