الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الرَّهْنِ
الرَّهْنُ: عَقْدٌ لاَزِمٌ في حَقِّ الرَّاهِنِ جَائِزٌ في حَقِّ
المُرْتَهِنِ يَصِحُّ في السَّفَرِ والحَضَرِ ولاَ يَصِحُّ إلاَّ مِنْ
جَائِزِ التَّصْرُّفِ، ويَصِحُّ انْعِقَادُهُ مَعَ الحَقِّ وبَعْدَ
الحَقِّ، فَأَمَّا قَبْلَهُ فَقَدْ نَقَلَ ابنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ -
رَحِمَهُ اللهُ - كَلاَماً يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَنْعَقِدَ (8)، وَهُوَ
اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وشَيْخِنَا (9)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَنْعَقِدَ،
فَإِذَا وَجَبَ الحَقُّ صَارَ رَهناً مَحْبُوساً بِهِ، وَهُوَ الأَقْوَى
عِنْدَي قِيَاساً عَلَى قَوْلِهِ في الضَّمَانِ. ويَلْزَمُ الرَّهْنُ في
المُعَيَّنِ بِنَفْسِ العَقْدِ، ويَلْزَمُ الرَّاهِنُ إِقْبَاضَهُ، فَإِنِ
__________
(1) يصح القرض وَهُوَ قَوْل ابن جريج والمزني. المغني والشرح الكبير 4/
355.
(2) قَالَ الْقَاضِي يجوز قرضها. كتاب الهادي: 97، المغني 4/ 355.
(3) كتاب الهادي: 97، المغني 4/ 357، الشرح الكبير 4/ 358.
(4) كتاب الهادي: 97، المغني والشرح الكبير 4/ 358.
(5) السفتجة: هِيَ أن يعطي آخر مالاً، وللآخر مال، فِي بلد المعطي، فيوفيه
إياه هناك، فيستفيد أمن الطريق. انظر: المعجم الوسيط: 432.
(6) كشاف القناع 3/ 304.
(7) المغني والشرح الكبير 4/ 362.
(8) لا يصح في ظاهر المذهب، وهو اختيار أبي بكر والقاضي. وذكر القاضي: أن
أحمد نص عليه في رواية ابن منصور. المغني والشرح الكبير 4/ 368.
(9) المغني والشرح الكبير 4/ 368.
(1/258)
امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الحَاكِمُ، وَعَنْهُ:
لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بالقَبْضِ (1) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّناً كَالعَبْدِ،
أو غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالقَفَيْزِ مِنْ صُبْرَةٍ إِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ
يَكُونَ عَلَى يَدِ المُرْتَهِنِ، أَو يَدِ عَدْلٍ جَازَ، وإِنِ اخْتَلَفَا
أسَلَّمَهُ الحَاكِمُ إلى أَمِيْنٍ. فَإِنِ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ
التَّقْبِيْضِ فَلَهُ ذَلِكَ ويَبْطُلُ الرَّهْنُ، وعلى هذِهِ الرِّوَايَةِ
اسْتِدَامَةُ القَبْضِ شَرْطٌ، فَلا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ انْتِزَاعَهُ
بِحَالٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ المُرْتَهِنُ مِنْ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى
يَدِ الرَّاهِنِ زَالَ لُزُوْمُ الرَّهْنِ وبَقِيَ العَقْدُ كَأَنَّهُ لَمْ
يُوْجَدْ فِيهِ قَبْضٌ، فَإِنْ رَدَّهُ إلى يَدِ المُرْتَهِنِ عَادَ
اللُّزُومُ بِحُكْمِ العَقْدِ السَّابِقِ فَكَذلِكَ الحُكْمُ فِيهِ إِذَا
رَهَنَهُ عَصِيْراً فَصَارَ خَمْراً يَزُولُ لُزُومُ الرَّهْنِ، فَلَوْ
عَادَ فَأسْتَحَالَ خَلاً عَادَ الرَّهْنُ بِحُكْمِ العَقْدِ السَّابِقِ
وتَصَرَّفَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ بالبَيْعِ والهِبَةِ والوَقْفِ
والإِجَارَةِ والعَارِيَةِ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ المُرْتَهِنُ في
ذَلِكَ فَيَصِحُّ ويَبْطُلُ الرَّهْنُ، فَأَمَّا تَزْوِيْجُ المَرْهُونَةِ
فَقَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ (2)، ويَكُونُ للمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ
مِنْ وَطْئِهَا، ويَكُونُ مَهْرُهَا /153 و/ رَهْناً مَعَهَا، وعِنْدِي:
لاَ يَصِحُّ تَزْوِيْجُهَا؛ لأَنَّهُ يَنْقُصُ ثَمَنُهَا، ولَيْسَ
للرَّاهِنِ عِتْقُ الرَّهْنِ، فَإِنْ أَعْتَقَ نَفَذَ عِتْقُهُ إِنْ كَانَ
مُوسِراً ويُؤْخَذُ مِنْهُ قِيْمَتُهُ تُجْعَلُ رَهْناً مَكَانَهُ، وإِنْ
كَانَ مُعْسِراً فَنَصَّ أَحْمَدُ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ يَنْفُذُ (3)،
ويُحْتَمَلُ: أَنْ لاَ يَنْفُذَ بِنَاءً عَلَى عِتْقِ المُفْلِسِ. وكُلُّ
عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا جَازَ رَهْنُهَا حَتَّى المُرْتَدُّ والجَانِي
والمُعَلَّقُ عُنُقُهُ بِصِفَةٍ. وحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ لا
يَصِحُّ رَهْنُ الجَانِي (4). فَأَمَّا المُكَاتِبُ فَإِنْ قُلْنَا:
يَجُوْزُ بَيْعُهُ، ولَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ اسْتِدَامَةُ القَبْضِ
صَحَّ رَهْنُهُ ويَكُونُ اكْتِسَابُهُ ومَا يُؤَدِّيْهِ مِنْ نُجُوْمِهِ
رَهْناً مَعَهُ، وإِنْ قُلْنَا: لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ فلاَ يَصِحُّ
رَهْنُهُ. ويَجُوزُ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الفَسَادُ كَالطَّبْخِ
والبِطِّيْخِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، ويَبِيْعُهُ الحَاكِمُ ويَكُونُ ثَمَنُهُ
رَهْناً مَكَانَهُ. ويَصِحُّ رَهْنُ المُشَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا
يَحْتَمِلُ القِسمَةَ أَو لاَ يَحْتَمِلُ. ثُمَّ إِنْ رَضِيَ الشَّرِيْكُ
بِكَوْنِ حَقِّهِ في يَدِ المُرْتَهِنِ ودِيْعَةً أَو بِأُجْرَةٍ جَازَ،
وكَذَلِكَ إِنْ رَضِيَ المُرْتَهِنُ أَنْ يَكُونَ في يَدِ الشَّرِيْكِ
ودِيْعَةً للمَالِكِ مَحْبُوساً لَهُ جَازَ، وإِنِ اخْتَلَفَا جَعَلَهُ
الحَاكِمُ في يَدِ عَدْلٍ ودِيْعَةً للشَّرِيْكَيْنِ، أَو يُؤَجِّرُهُ
لَهُمَا مَحْبُوْساً قَدَرَ الرَّهْنِ للمُرْتَهِنِ.
ويَصِحُّ رَهْنُ المَالِكِ العَيْنَ المَغْصُوبَةِ مِنَ الغَاصِبِ،
ويَزُولُ ضَمَانُ الغَصْبِ ولاَ يَصِحُّ رَهْنُهَا مِنْ غَيْرِ الغَاصِبِ
ويَصِحُّ رَهْنُ الثَّمَرَةِ قبلَ بُدُوُّ صَلاَحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ
القَطْعِ في
__________
(1) المغني 4/ 368.
(2) كتاب الهادي: 99.
(3) المغني والشرح الكبير 4/ 399.
(4) المغني 4/ 412.
(1/259)
أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، والآخَرُ: لاَ
يَصِحُّ (2). ويَجُوزُ رَهْنُ المَبِيْعِ المُتَعَيِّنِ قَبْلَ القَبْضِ
مِنَ البَائِعِ عَلَى عَيْنِ ثَمَنِهِ، فَأَمَّا رَهْنُهُ عَلَى ثَمَنِهِ
فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (3). ولاَ يَجُوزُ رَهْنُ العَبْدِ المُسْلِمِ
لكَافِرِ (4) ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (5)، وعِنْدِي يَجُوزُ إِذَا شَرَطَا
كَوْنِهِ عَلَى يَدِ مُسْلِمٍ، ويَتَوَلَّى بَيْعَهُ الحَاكِمُ إِنِ
امْتَنَعَ مَالِكُهُ، ومَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ
كَأُمِّ الوَلَدِ والمَبِيْعِ في مُدَّةِ الخِيَارِ والمَجْهُولِ
والمَرْهُونِ ومَا يَحْدُثُ مِنْ نَمَاءِ الرَّهْنِ، واكْتِسَابُهُ يَكُونُ
رَهْناً مَعَهُ. وكَذلِكَ مَا يُؤخدُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ والرُّهُونُ
أَمَانَةٌ في يَدِ المُرْتَهِنِ، لاَ يَسْقُطُ بِهَلاَكِهِ شَيءٌ مِنْ
دَيْنِهِ ولاَ يَنْفَكُّ مِنَ الرَّهْنِ شَيءٌ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيْعَ
الدَّيْنِ، فَإِنْ رَهَنَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى دَيْنٍ لَهُمَا فَوَفَّى
/154 ظ/ أَحَدَهُمَا فَجَمِيْعُهُ رَهْنٌ عِنْدَ الآخَرِ حَتَّى
يُوَفِّيَهُ. وكَذلِكَ إِنْ رَهَنَ شَيْئَيْنِ بِحَقٍّ فَتَلِفَ
أَحَدُهُمَا كَانَ الآخَرُ رَهْناً بِجَمِيْعِ الحَقِّ، ويَجُوزُ
الزِّيَادَةُ في الرَّهْنِ، ولاَ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ في دَيْنِ
المُرْتَهِنِ.
بَابُ الشُّرُوطِ في الرَّهْنِ
إِذَا شَرَطَ في الرَّهْنِ شَرْطاً فَاسِداً، نَحْوُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ
لاَ يَبِيْعَهُ عِنْدَ حُلُولِ الحَقِّ، أَو يَشْتَرِطَ إِنْ لَمْ يَأْتِهِ
بِحَقِّهِ في وَقْتِ كَذَا فالرَّهْنُ لَهُ ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
فالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وهَلْ يَصِحُّ الرَّهْنُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
وإِذَا شَرَطَا أَنْ يَبِيْعَهُ المُرْتَهِنُ أَو العَدْلُ عِنْدَ حُلُولِ
الحَقِّ فالشَّرْطُ صَحِيْحٌ، [فَإِنْ عَزَلَهُمَا الرَّاهِنُ صَحَّ
عَزْلُهُ ويَبِيْعُ الحَاكِمُ] (7) عِنْدَ حُلُولِ الحَقِّ فالشَّرْطُ
صَحِيْحٌ، فَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرَهنُ في يَدِ اثْنَيْنِ لَمْ
يَجُزْ لأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِحِفْظِهِ، وكَذلِكَ إِنْ شَرَطَا
أَنْ يَبِيْعَهُ اثْنَانِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا عَلَى
الانْفِرَادِ، والعَدْلُ أَمِيْنٌ في حَقِّ الرَّاهِنِ. فَإِذَا بَاعَ
الرَّهْنَ وقَبَضَ الثَّمَنَ وتَلِفَ في يَدِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ
الرَّاهِنِ، وكَذلِكَ إِنْ تَلِفَ الثَّمَنُ أو اسْتَحَقَّ المَبِيْعَ
رَجَعَ المُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنِ ادَّعَى العَدْلُ تَسْلِيْمَ
الثَّمَنِ إلى المُرْتَهِنِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ: لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ
عَلَيْهِمَا إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وإِذَا لَمْ يَقُمْ بِبَيِّنَةٍ وحَلَفَ
المُرْتَهِنُ رَجَعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ورَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى
العَدْلُ (8). وقَالَ شَيْخُنَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ
__________
(1) المقنع: 99. وهو اختيار القاضي. المغني والشرح الكبير 4/ 380.
(2) المغني والشرح الكبير 4/ 380.
(3) المقنع: 116.
(4) وردت في المخطوط ((من كافر)) والصواب ما أثبتناه، انظر: المغني 4/ 386.
(5) المغني 4/ 386. واختاره القاضي. الشرح الكبير 4/ 381.
(6) المقنع: 117، المغني 4/ 429، والشرح الكبير 4/ 422.
(7) مَا بَيْنَ المعكوفتين تكرر فِي المخطوط.
(8) المغني 4/ 396 - 397.
(1/260)
مَعَ يَمِيْنِهِ عَلَى المُرْتَهِنِ (1)،
وعِنْدِي: أَنْ القَوْلَ قَوْلُهُ في حَقِّ الرَّاهِنِ، ولاَ يُقْبَلُ
قَوْلُهُ عَلَى المُرْتَهِنِ، فَإِذَا حَلَفَ المُرْتَهِنُ رَجَعَ
بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ
اللهُ - في رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ، فَمَنْ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَدْفَعَ
أَلْفاً إلى فُلاَنٍ فَدَفَعَهَا وأَنْكَرَ المَدْفُوعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ
كَانَ أَمَرَهُ بالإِشْهَادِ فلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ، وإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ
بالإِشْهَادِ فالقَوْلُ قَوْلُهُ ومَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أنَّ
القَوْلَ قَوْلُهُ عَلَى المَدْفُوعِ إِلَيْهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ أَرَادَ
بِهِ في حَقِّ الامرِ، وإِذَا أَذِنَ المُرْتَهِنُ للرَّاهِنِ في بَيْعِ
الرَّهْنِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ رَهْناً، أَو يَجْعَلَ
لَهُ دينه من ثَمَنِه صَحَّ البَيْعُ والشَّرْطُ. وإِذَا أَذِنَ لَهُ في
البَيْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرُطَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْناً،
فَقَالَ شَيْخُنا: يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ رَهْناً، وعِنْدِي
لاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ويَبْطُلُ الرَّهْنُ. وإِذَا اتَّفَقَ
المُتَرَاهِنَانِ عَلَى نَقْلِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَانَ لَهُمَا
ذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ /155 و/ يَكُنْ لَهُمَا ولا للحَاكِمِ
نَقْلُهُ، وإِذَا أَرَادَ العَدْلُ رَدَّهُ عَلَيْهِمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ،
فَإِنْ رَدَّهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلى
يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ حَقِّ الآخَرِ. وإِذَا أَذِنَا لَهُ في البَيْعِ
لَزِمَهُ أَنْ يَبِيْعَ بِنَقْدِ البَلَدِ، فَإِنْ كَانَ في البَلَدِ
نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في
النُّقُودِ جِنْسُ الدَّيْنِ بَاعَ بِمَا يُؤَدِّيْهِ اجْتِهَادُهُ
إِلَيْهِ أَنَّهُ الأَصلَحُّ، وإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَعَلَى الرَّاهِنِ
الإِيْفَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدرْ فَعَلَيْهِ بَيْعُ الرَّهْنِ، فَإِنِ
امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الحَاكِمُ وحَبَسَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ بَاعَ
الحَاكِمُ عَلَيْهِ. وإِذَا شُرِطَ الرَّهْنُ في عَقْدِ بَيْعٍ فَامْتَنَعَ
مِنْ إِقْبَاضِهِ، أَو قَبَضَهُ فَوَجَدَ بِهِ البَائِعُ عَيْباً ثَبَتَ
لَهُ خِيَارُ فَسْخِ البَيْعِ، فَإِنِ اشْتَرَطَا في البَيْعِ رَهْنَ
عَصِيْرٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ البَائِعُ: أَقْبَضْتَنِي خَمْراً،
فَلِيَ الخِيَارُ في الفَسْخِ، وَقَالَ المُشْتَرِي: بَلْ أَقْبَضْتُكَ
عَصِيْراً، فَلا خِيَارَ لَكَ في فَسْخِ البَيْعِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ
المُشْتَرِي، وكَذلِكَ إِذَا اخْتَلَفَا في قَدْرِ الحَقِّ أَو الرَّهْنِ،
فَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ عَبْدِي بِخَمْسِيْنَ، وَقَالَ
المُرْتَهِنُ: بَلْ بِمِئَةٍ أَوْ قَالَ الراهن رهنتك هَذَا الثوب بالدين
فَقَالَ المرتهن بَلْ هَذِيْنِ الثَّوْبَيْنِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ
الرَّاهِنِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وكَذلِكَ إِنِ اخْتَلَفَا في رَدِّ الرَّهْنِ،
فَالقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ: أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ، ومُؤْنَةُ
الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وكَذلِكَ أُجْرَةُ مَسْكَنِهِ وحَافِظِهِ،
فَإِنِ اتَّفَقَ المُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى
اسْتِئْذَانِ الرَّاهِنِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ مَتطوعٌ، فَإِنِ
اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ مِنْ
غَيْرِ إِذْنِ الحَاكِمِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحداهما: أَنَّهُ
مُتَطَوِّعٌ، والأُخْرَى: عَلَى الرَّاهِنِ ضَمَانُ ذَلِكَ.
وكَذلِكَ الحُكْمُ إِذَا مَاتَ العَبْدُ المَرْهُونِ فَكَفَّنَهُ، وإِنْ
كَانَ الرَّهْنُ دَاراً فَاسْتُهْدِمَتْ فَعَمَرَهَا المُرْتَهِنُ لَمْ
يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ، وللمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْلِبَ ويَرْكَبَ
ويَسْتَخْدِمَ بِمِقْدَارِ نَفَقَتِهِ مُتَحَرِّياً بالعَدْلِ في ذَلِكَ.
__________
(1) المغني 4/ 396.
(1/261)
بَابُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ والجِنَايَةِ
عَلَيْهِ
وإِذَا جَنَى العَبْدُ المَرْهُونُ عَمْداً فَلِوَلِيِّ الجِنَايَةِ أَنْ
يَقْتَصَّ، وهَلْ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1)،
فَإِنْ قُلْنَا لَهُ ذَلِكَ: ثَبَتَ المَالُ في رَقَبَةِ الجَانِي كَمَا
يثَبتُ في جِنَايَة الخَطَأ / 156 ظ/ وعَمْدِ الخَطَأِ، والعَمْدِ المَحْضِ
عَلَى مَا يَلْزَمُهُ القِصَاصُ لَهُ، وَفِي جَمِيْعِ ذَلِكَ يَكُونُ
السَّيِّدُ بالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَبِيْعَهُ في الجِنَايَةِ أو
يَدْفَعَهُ إلى وَلِيِّ الجِنَايَةِ فَيَمْلِكَهُ أَو يَفْدِيَهِ
بالأَقَلِّ مِنْ قِيْمَتِهِ أَو أَرْشِ الجِنَايَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ
يَفْدِيْهِ بِأَرْشِ الجِنَايَةِ أَو يُسَلِّمُهُ للبَيْعِ لا غَيْرُ.
فَإِنْ سَلَّمَهُ في الجِنَايَةِ بَطُلَ الرَّهْنُ، وإِنْ فَدَاهُ فَهُوَ
رَهْنٌ بِحَالِهِ هَذَا إِذَا كَانَ الأَرْشُ يَسْتَغْرِقُ قِيْمَتَهُ،
فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ قِيْمَتَهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ بِمِقْدَارِ الجِنَايَةِ، وبَقِيَّةُ
الثَّمَنِ رَهْناً.
والثَّانِي: أَنَّهُ يُبَاعُ جَمِيْعُهُ فَيُعْطَى مِنْ ثَمَنِهِ أَرْشُ
الجِنَايَةِ، وبَقِيَّةُ الثَّمَنِ رَهْناً.
فَإِنِ اخْتَارَ الرَّاهِنُ دَفْعَهُ في الجِنَايَةِ واخْتَارَ
المُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بالأَقَلِّ مِنْ
قِيْمَتِهِ أو أَرْشِ الجِنَايَةِ، فَإِذَا فْدَاهُ المُرْتَهِنُ فَإِنْ
كَانَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ رَجَعَ علَيْهِ، وإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
واعْتَقَدَ الرُّجُوعَ، فَهَلْ يَرْجِعْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) بِنَاءً
عَلَى مَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وإِذَا جَنَى عَلَى المَرْهُونِ فَالخَصْمُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ
كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمَداً، فَاخْتَارَ السَّيِّدُ القِصَاصَ بِغَيْرِ
رِضَا المُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ اقْتَصَّ أَخَذَ
مِنْهُ قِيْمَةَ الرَّهْنِ فَجُعِلَتْ مَكَانَهُ رَهْناً. وكَذلِكَ
الحُكْمُ إِنْ قَتلَ سَيِّدُهُ فَاخْتَارَ الوَرَثَةُ القِصَاصَ، فَإِنْ
عَفَا السَّيِّدُ عَنِ القِصَاصِ وقُلْنَا: الوَاجِبُ أَخْذُ شَيْئَيْنِ
أُخِذَتِ القِيْمَةُ فَجُعِلَتْ مَكَانَهُ رَهْناً، وإِنْ قُلْنَا:
الوَاجِبُ القِصَاصُ لَمْ تَلْزَمْ السَّيِّدَ غَرَامَةٌ تُجْعَلُ
مَكَانَهُ، [وعِنْدِي: أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيْمَةٌ تُجْعَلُ
مَكَانَهُ رَهْناً (3)] (4). فَإِنْ عَفَا عَنْ جِنَايَةِ الخَطَأ لَزِمَهُ
القِيْمَةُ تُجْعَلُ مَكَانَهُ رَهْناً، فَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ عَنِ
المَرْهُونِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الرَّهْنِ، أَو أَنَّهُ كَانَ
جَنَى قَبْلَ الرَّهْنِ وصَدَّقَهُ وَلِيُّ الجِنَايَةِ وكَذَّبَهُ
المُرْتَهِنُ قَبْلَ إِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ عَلَى
المُرْتَهِنِ، وكَذلِكَ إن أَقْرَ أَنهُ غَصَبَهُ أَو بَاعَهُ ويُحْتَمَلُ
أَنْ يَقْبَلَ إِقْرَارَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوْسِراً فَيُؤْخَذُ
مِنْهُ قِيْمَةُ الرَّهَنِ فَيُجْعَلُ مَكَانَهُ رَهْناً، وإِذَا وطِئَ
المُرْتَهِنُ الجَارِيَةَ المَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وادَّعَى
الجَهَالَةَ لَهُ سَقَطَ الحَدُّ والمَهْرُ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ
ذَلِكَ، فَإِنْ عَلقَتْ [مِنْهُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ ولاَ يَلْزَمُهُ
قِيْمَتُهُ،
__________
(1) المغني 4/ 411.
(2) المغني 4/ 412.
(3) المغني 4/ 422.
(4) مَا بَيْنَ المعكوفتين مكرر.
(1/262)
فَإِنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَدَعْ شُبْهَةً /157 و/ فعَلَيْهِ الحَدُّ
والمَهْرُ] (1) وإِنْ عَلقَتْ فَالَوَلَدُ مِلْكٌ للرَّاهِنِ. |