حَاشِيةُ
اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ كتاب الطلاق
[2/ 227]
(1) قوله: "وهو حلّ قيد النكاح": أي بإيقاع نهاية عدده.
وقوله: "أو بعضه": أي بإيقاع ما دون النهاية.
(2) قوله: "ولا يمكنه إجبارها": هذه الجملة حالية. أي والحال أنه لا يمكنه
إلخ أي وأما إن أمكنه ذلك فيجبرها ولا يطلق. وما في المتن هو المذهب.
وعنه: يجب الطلاق لتفريطها في حقوق الله الواجبة، كصلاة ونحوها. قلت: ولعله
إن لم يمكن أن يجبرها عليها.
(3) قوله: "على من علم إلخ": أي تيقن، إما برؤية أو إخبار ثقة، لا بتهمة أو
قرينة أو إشاعة، لأنه ربما شاع ما لا صحة له. وفي قصة الإفك أكبر شاهد على
ذلك، فلربما تكون امرأةٌ مبغضة لها تشيع عنها الفاحشة، فيكثر فيها القال.
نعم إن انضم إلى ما شاع قرينة يعلم منها ذلك، فقريب من اليقين. وحينئذ فله
عضلها والتضييق عليها لتفتدي منه، للآية الكريمة.
وكذا تاركة الصلاة ونحوها إن لم يمكن أن يجبرها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(4) قوله: "إن كان مختارًا إلخ": أي فإن كان مكرها على شربه، أو شربه وهو
لا يعلمه، فسكر وطلق امرأته وهو سكران: لا يقع طلاقه لأنه غير آثم. وهذا
إذا لم يزِد على ما أكره عليه. وإلا وقع، لأنه آثم بالزيادة. ويؤخذ من هذا
أن من شرب مسكرًا لدفع لقمة غص بها، فسكر، لا يقع طلاقه لأنه غير آثم. وقد
ألمَّ بذلك المحقق الخلوتي رحمه الله تعالى.
وقيل يؤاخذ السكران بأفعاله دون أقواله.
وقيل يؤاخذ بما يستقل به، كطلاف وظهار وقتل ونحوها، دون ما لا يستقل به،
كبيع وشراء ونحوهما، كما يؤخذ من شرح المنتهى لمؤلفه.
(5) قوله: "كالبنج": أي في عدم مؤاخذة شاربها إذا سكر بأقواله وأفعاله، فإن
أكل البنج لتداوٍ وغيره لا يقع طلاقه، ومثله الحشيشة. لكن الصحيح ما قاله
(2/319)
[2/ 229]
الشيخ من أن حكم الحشيشة (1) حكم الشراب المسكر، وقد تبعه في المنتهى.
والفرق بينها وبين [61 أ] البنج أنها تشتهى وتطلب، كالخمر، بخلاف البنج.
وقدَّم الزركشي أنها ملحقة بالبنج. ذكره م ص.
(6) قوله: "ويقع ممن أفاق من جنون إلخ" قال الموفق: وهذا -والله أعلم- فيمن
جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسِّه، فأما من كان جنونه لنشافٍ، أو
كان مبرسمًا، فإن ذلك يسقط حكم تصرفه، مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية، فلا
يضر ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى. اهـ. قلت: وهذا هو مفهوم نصوصهم، لأنهم
قالوا: ويقع ممن أفاق من جنون أو إغماء، فذكر أنه طلق. وهو يقتضي أن غيرهما
من مبرسم ونحوه لا يقع طلاقه، ولو ذكر أنه طلق، فتنبه له.
(7) قوله: "وضرب شديد": مفهومه أنه إن كان الضرب يسيرًا فليس بإكراه
مطلقًا. وقال الموفق والشارح: فإن كان الضرب يسيرًا في حق من لا يبالي به
فليس بإكراه، وفي حق ذوي المروءات، وعلى وجه يكون إهانة وشهرة، فهو كالضرب
الكثير. اهـ.
فصل في جعل الطلاق إلى الغير
(1) قوله: "ما لم يحدّ له حدًا": أي فإن حدَّ له حدًّا، كأن وكله أن يطلقها
اليوم، فطلّقها في غدٍ، لا يقع الطلاق، لأنه بعد مضي اليوم يكون غير وكيل.
(2) قوله: "ولم يقع إلخ": وقيل يحرم ويقع، قدَّمه في الرعايتين والحاوي
الصَّغير. ذكره في الإنصاف. وجزم بوقوعه في الإقناع اهـ. م ص. قلت: فإن
وكله وهي حائض، فطلّقها، ينبغي أن يقع، حتى على المذهب. فليحرر.
(3) قوله: "وإن قال لها طلقي نفسك إلخ": أي وصفة طلاقها أن تقول "طلقت
نفسي" لا: أنت طالق، ولا: أنا طالق منك، ونحوه، فلا يقع.
(4) قوله: "إن قال: طلاقك إلخ": أي لأنه مفردٌ مضافٌ فيعمُّ، وكذا:
__________
(1) قوله: "لكن الصحيح إلخ" ساقط من ض.
(2/320)
وكلتك في الطلاق، لأن "أل" استغراقية. [2/
230]
(5) قوله: "ويبطل التوكيل بالرجوع": أي عن الوكالة قبل وقوع الطلاق.
فإن اختلفا فقال: رجعت قبل وقوع الطلاق، وقالت: وقع الطلاق قبل رجوعك،
فقوله، لأنه لا يعلم إلا من جهته. وعنه: لا يقبل منه إلا ببينة، واختاره
الشيخ وغيره.
باب
سنة الطلاق
(1) قوله: "إلا في طهر إلخ": أي كأن طلقها في حيض ثم راجعها، فطهرت من
حيضها، فطلقها بعد طهرها ولو لم يصبها فيه، فهو بدعة. وأما لو أمسكها حتى
طهرت من حيضةٍ أخرى أي غير المتراجع فيها، وطلقها قبل أن يصيبها، فليس
ببدعة.
(2) قوله: "فإن طلقها ثلاثًا": أي وكانت مدخولاً بها كما يعلم مما يأتي.
(3) وقول الشارح: "لا اثنتين": أي فلا إثم عليه إن طلقها ثنتين، أي إن كان
حرًّا. كذا ذكره م ص عن الشرح وغيره. وأما الطلقتان من العبد فالذي يظهر لي
أنها كالثلاث من الحر.
(4) قوله: "لا في زمن": أي لا يكون سنة في زمن، كأن يطلقها في طهر لم يصبها
فيه، ولا في عدد، كأن يطلقها واحدة، ولا يكون بدعة في زمن الحيض أو طهر
أصابها فيه بالنسبة للصغيرة وما بعدها، ولا في عدد، كأن يطلقها ثلاثًا.
قوله: "والصغيرة إلخ": أي التي يوطأ مثلها وهي بنت تسع فأكثر. وأما من كانت
دونها فلا عدة عليها، كما يأتي في العدة، فهي كغير المدخول بها.
باب
صريح الطلاق وكنايته
(1) قوله: "إن المعتبر في الطلاق اللفظ": أي وما يقوم مقامه، كالإشارة
(2/321)
[2/ 233]
المفهومة من الأخرس، وكالكتابة، كما يأتي.
(2) قوله: "دون النية إلخ": أي خلافًا لابن سيرين والزهري.
(3) قوله: "الصريح ما لا يحتمل غيره": أورد عليه ابن قندس ما حاصله أن لفظ
الطلاق يحتمل غيره، لما ذكروه في باب التأويل، فقالوا لو نوى بقوله "طالق":
من وثاق ونحوه، لم يقع عليه طلاق. ولولا أنه يحتمله لم ينصرف إليه. فالأولى
أن يقال: الصريح في الشيء هو ما استعمل فيه عند الإطلاق. وقد يقال: ما لا
يحتمل غيره، أي في الحقيقة العرفية.
(4) قوله: "لفظ الطلاق": أي فيقع بقوله: "أنت الطلاق". اهـ. م ص.
(5) قوله: "كطلّقي": هكذا عبارة م ص في شرح المنتهى، وفيه نظر، لأن هذا من
التطليق لا من الطلاق، ولا يتوهم وقوع الطلاق بهذا الطلاق حتى يحتاج إلى
استثنائه، فإنه توكيل لها بان تطلق نفسها أو غيرها. والصواب كما في الإقناع
أن يقول كاطلقي (1). وكأني بقائل يقول: هذا مثال، ولا تشترط صحته.
والمناقشة فيه ليست من دأب المحصّلين.
(6) قوله: "هازلًا كان أو لاعبًا": لا يصح أن يكون قوله "أو لاعبًا"
مقابلاً لقوله "هازلاً" ولعل المقابل محذوف، أي وغيرهما. ولو قال "ولو كان
هازلاً أو لاعبًا" لكان أولى. وهل الهزل واللعب بينهما فرق؟ قال م خ:
الظاهر أنهما بمعنى واحد اهـ.
(7) قوله: "ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ إلخ": أي وأما إن قيل له: ألم تطلق
امرأتك؟ فقال: بلى، طَلَقَتْ. وإن قال: نعم، طلقت امرأةُ غيرِ النَّحْويّ.
(8) قوله: "والجواب الصريح إلخ": أي ولهذا لو قيل له: أخليت امرأتك؟ ونحوه
من الكنايات، فقال نعم، فكناية. وكذا: ليس لي امرأة، أو: لا امرأة لي.
ولو قيل له: ألك امرأة، فقال: لا، وأراد الكذب، لم تطلق. ولو حَلَفَ بالله
على
__________
(1) في الإقناع المطبوع معِ شرحه: "غيرَ أمْرِ نحو طلقي". وما قاله المحشي
غير وارد، فإن "الطلاق" اسم مصدر طلَّقَ، فيُحتاج إلى استثناء نحو طلِّقي.
(2/322)
ذلك، وإلاّ طلقت. [2/ 234]
(9) قوله: "منجَّزًا": أي كقوله: عليَّ الطلاق، ويسكت.
وقوله: "معلَّقًا": أي كقوله "عليَّ الطلاق لأفعلن كذا" أو "لا أفعل كذا".
(10) قوله: "فظهار": أي ولو نوى طلاقًا، لأنه صريح في تحريمها اهـ. م ص.
وقال: قدّمه ابن رزين، وصوّبه في الإنصاف. وقال في تصحيح الفروع (1):
والصواب أن يكون طلاقًا بالنية، لأن هذه الألفالظ أولى بأن تكون كناية من
قوله اخرجي ونحوه. قال: والصواب أن العرف قرينة. اهـ.
وسمعت شيخنا الشيخ يوسف البرقاوي يقول: كان شيخنا الشيخ حسن الشطي يفتي من
قال: عليَّ الحرام، بوقوع الطلاق، يقول: لأن الحرام في عرف أهل بلاد الشام
طلاق، ولا يفهمون منه غيره، فرحمه الله رحمة واسعة (2). اهـ.
(11) قوله: "ومن كتب صريح طلاق زوجته وقع": هكذا عبارة غيره.
وظاهرها أنه لا يقع بكتابة الكناية، ولو نواه. ولعله غير مراد. فليحرر.
وقول الشارح: "بما يبين" أي وأما إذا كتبه بشيء لا يبين، مثل أن كتبه
بإصبعه على وسادةٍ ونحوها، أو على شيء لا تثبت عليه، كالكتابة على الماء،
أو في الهواء، فإنه لا يقع.
(12) قوله: "فقط": أقول ومثله من اعتُقِلَ لسانه، لأنه ملحق بالأخرس في
__________
(1) "تصحيح الفروع" لعلاء الدين المرداوي صاحب الإنصاف. مطبوع بهامش
"الفروع".
(2) إن قول "على الحرام" الذي تولّع به المتأخرون يظهر لي أنه لا يقع به
طلاق ولا ظهار ولا غيرهما، لأنه لا يفيد ذلك لغةً، لأنه بمعنى "الحرامُ
عليّ" فأي شيى يفيده هذا؟ وهو لا يفيده عرفًا أيضًا، بل الذي يتكلم بقوله
"عليّ الحرام " يقوله وهو لا يعلم له مضمونًا، فليس صريحًا، ولا كناية. وقد
سألتُ عددًا ممن قال ذلك: ماذا تفهم من هذه الكلمة؟ فقالوا: لا أدري. ففي
رأي: أن ما قاله الشيخ وشيخه وشيخ شيخه فيه استعجال. والله أعلم. وهذا
بخلاف ما لو قال: "أنتِ عليّ حرام" فهذا ظاهر في التحريم، وهو إما طلاق أو
ظهار أو يمين، وهو الأظهر.
(2/323)
[2/ 236]
غالب الأحكام.
(13) قوله: "مفهومة": أي لجميع الناس أو لأكثرهم، فلو لم يفهمها إلا بعض
الناس فهي كناية، أي فإن دلت قرينة على الطلاق وقع. والظاهر أنه لا بد أن
يكون من فهم الإشارة ثقة. وهل يكفي واحد؟ فليحرر.
وقوله: "الأخرس": قال في المبدع: ويقع في العدد ما أشار إليه.
فصل في كنايات الطلاق
(1) قوله: "فلا يتعين بدون النية": أي ولا بدّ أن تكون النية مقارنة للفظ
الكناية. فلو تكلَّم بالكناية غير ناوٍ للطلاق، ثم نوى بها الطلاق بعد ذلك،
لم يقع.
قال في الشرح: فإن وجدت في أوّله وعزبت في سائره وقع، خلافًا لبعض الشافعية
اهـ.
(2) قوله: "على الأصح": أي وعنه: أنه يقع ما نواه. وكان الإمام أحمد يكره
الفتيا في الكناية الظاهرة، مع ميله إلى أنها ثلاث. اهـ. م ص. فعلى هذه
الرواية: إن لم ينو عددًا تقع واحدة، كما في الإقناع.
(3) قوله: "بَتْلَة: أي مقطوعة. وسميت مريم "البتول" لانقطاعها عن الرجال،
وفاطمة "البتول" لانقطاعها عن فساد الدنيا حسبًا وفضلًا ودينًا.
(4) قوله: "حرة": أي من رقِّ النكاح.
(5) قوله: "الحرج": أي الإثم، مبالغة.
(6) قوله: "وحبلك على غاربك" أي مُرْسلة غير مشدودة.
فائدة: لو قال: أنا طالق، أو: بائن، أو: حرام، أو: بريء، أو زاد "منك" في
الصور كلها، فلغو، ولو نوى به الطلاق. وإن وهبها لأهلها، أو لأجنبي، أو
لنفسها، فردّت، أو لم ينو طلاقًا، أو نواه ولم ينوه موهوبٌ له، فلغو كبيعها
لغيره، نصًّا. وإن قبل موهوبٌ له وقع رجعيًّا، كسائر الكنايات الخفية. وإن
نوى بهبةٍ الطلاقَ في الحال وقع، ولم يحتج إلى قبول. وتعتبر نية موهوب له
وواهب في العدد، فإن اختلفا في النية وقع أقلُّهما عددًا.
(2/324)
باب
ما يختلف به عدد الطلاق
[2/ 238]
(1) قوله: "وعنه أن الطلاق بالنساء": أي فيملك زوج الحرة، ولو عبدًا، ثلاث
طلقات، ولا يملك زوج الأمة، ولو حرًّا، إلا طلقتين.
(2) قوله: "أو طرأ رقه": أي كما لو كان ذمِّيًّا حرًّا، ثم دخل دار الحرب،
فأُسِر وصار رقيقًا. لكن إن كان قد طلق اثنتين [62 أ] وهو حر فيملك
الثالثة.
(3) قوله: "وإن علقها بعتقه إلخ": أي بأن قال: إن أُعتِقْتُ فأنت طالق
ثلاثًا، فعتق، لغت الثالثة، لوقوع الطلاق بالعتق، بخلاف ما قبلها فإنه وقع
بعد العتق. وحيث لغت الثالثة فإنه يملكها، وله رجعتها في العدة، وبعدها
بعقد.
(4) قوله: "أو قبل الدخول": ويتجه: وكذا بعده إذا كان من ابن دون عشر، أو
ببنت دون تسع، لأن هذا الدخول غير معتبر شرعًا. وقد سألت أكثر علماء
الحنابلة في بلادنا عن رجل طلق زوجته، وقد دخل بها وهي دون تسع سنين، هل
يملك رجعتها إذا كان الطلاق واحدة؟ فكلهم أجابوا بأنه يملك مراجعتها إذا
كان النكاح صحيحًا. فقلت لهم: متى يراجعها؟ فقالوا ما دامت في العدة، فقلت:
لا عدة عليها، فارتبكوا في ذلك، ومنهم من قال: يملك مراجعتها لبينما تصير
بنت تسع وثلاثة أشهر. فقلت: وهذه أيضًا عدة طويلة، فكيف بِقولهم لا عدة
عليها، فإن مقتضى قولهم لك أن لها أن تتزوج حالاً، ولا يتصوّر ذلك مع إمكان
مراجعتها. فليتأمل. وليحرر.
(5) قوله: "أنت طالق بلا رجعة": ويتجه: مثله: أنت طالق لا حنبلي يردك ولا
شافعي ولا حنفي ولا مالكي ونحو ذلك.
(6) قوله: "وقع ما نواه": أي في قوله: أنت الطلاق، وأنت الطالق، ونحوه.
وقال في الإقناع: وعنه واحدة، أي ولو نوى أكثر، اختاره أكثر المتقدمين.
(7) قوله: "كما لو نوى بأنت طالق إلخ" لا حاجة إليه، لأنه في داخل في عبارة
(2/325)
[2/ 239]
المتن. وإن قال: أنت طالق ما بين واحدة أو ثلاث، فواحدة، لأنها التي
بينهما.
اهـ. م ص. وإن قال: أنت طالق طلقةً في اثنتين، ونوى: طلقةً مع اثنتين،
فثلاث. وإن نوى موجَبَه عند الحُسَّاب، عرفه أو لا، فثنتان. وإن لم ينو
شيئًا وقع من حاسِبٍ طلقتان، ومن غيره طلقة، لأن لفظ الإيقاع اقترن
بالواحدة، وجعل الاثنتين ظرفًا ولم يقترن بها إيقاع اهـ. م ص. وغيره.
(8) قوله: "وإن طلق جزءًا ينفصل، كشعرها إلخ": ومثله لو قال: سوادك أو
بياضك أو سمعك أو بصرك أو يَدُكِ (1) طالق، ولا يد لها، أو قال لها: إن قمت
فيدك طالق، فقامت وقد قطعت يدها. أما لو قال: حياتك طالق فانها تطلق.
(9) قوله: "ثم ذكر توجيه حكم الأولى": ولعّل وجهه أن حروف العطف تقتضي
المغايرة، وبل من حروف العطف إذا كان بعدها مفرد، كما هنا، لأن اسم الفاعل
من المفردات ولو تحمّل الضمير، كما ذكره م ص.
(10) قوله: "فلا يقع به طلقة ثانية" قال م ص: وهو قريب من الاستدراك، كأنه
نسي أن الطلاق الموقع لا ينفى، فاستدرك وأثبته لئلا يتوهم السامع أن الطلاق
قد ارتفع بنفيه، فهو إعادة للأول، لا استئناف طلاق.
(11) قوله: "فيقع عليه اثنتان": أي لأن حروف العطف تقتضي المغايرة.
ولو قال أنت طالق فطالق فطالق، وقال أردت تأكيد ثانية بثالثة قبل لأنها
مثلها في اللفظ، وكذا لو قال "أنت طالق ثم طالق ثم طالق"، وإن غاير الحروف
كقوله: أنت طالق وطالق ثم طالق، أو: أنت طالق ثم طالق فطالق، ونحوه، لم
يقبل منه إرادة توكيد ونحوه.
(12) قوله: "فيكون موقعًا للثلاث جميعًا إلخ": لكن لو قال أردت تأكيد ثانية
بثالثه، قبل منه حكمًا، لمطابقتها لها في اللفظ، لا تأكيد أولى بثانية
لمغايرتها لها باقترانها بالعطف دونها.
__________
(1) قوله: "أو يدك" ثابت في ض، وفي موضعه في الأصل بياض.
(2/326)
فصل في حكم
الاستثناء [2/ 242]
(1) قوله: "أنت طالق أربعًا إلا ثنتين إلخ": هذا يؤيد القول بأن الاستثناء
يرجع إلى ما تلفظ به، لا إلى ما يملكه، خلافًا لما في قواعد ابن اللحام.
(2) قوله: "لأنه لم يسكت إلخ": لكن هذا قد يعارضه قولهم في الإقرار: لو
قال: له عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدة، لزمه خمسة. قالوا:
لأن استثناء الثلاثة من الخمسة أكثر من النصف، فبطل هو وما بعده. وأما على
صحة هذا الاستئناء فيلزم المقر بذلك سبعة. ووجهه ظاهر.
(3) قوله: "قبل تمام مستثنى منه": فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، لم
يعتد بالاستثناء [62 ب] إلا إذا نواه قبل تمام قوله "ثلاثاً".
(4) قوله: "وكذا شرط ملحق": أي لآخر الكلام، كانت طالق إن قمت، فيشترط
اتصاله ونيته قبل تمام "أنت طالق"، وكذا عطف مغيّر نحو"وأنت طالق أو لا"
فلا يقع إن اتصل عادة، ونواه قبل تمام المعطوف عليه.
فصل في الطلاق في الزمن الماضي المسقبل
(1) قوله: "الزمن": شمل الماضي والمستقبل والحال، فهي أحسن من عبارة
المنتهى والإقناع. وفي عدم ذكر الشارح للحال قصور، والحال كقوله "أنت طالق
اليوم، أو: أنت طالق كل يوم" فيقع طلقة واحدة في الحال.
(2) قوله: "قبل أن أتزوجك إلخ": أقول: وفي عرف العوام أن التزوج هو الدخول
بالمرأة، حتى لو سئل عامي أتزوّجْتَ؟ وكان عاقدًا على امرأة غير داخل بها
لقال: لا، فعلى هذا لو قال عامي لامرأته: أنت طالق قبل أن أتزوجك، ولم ينو
وقوعه في الحال، احتمل أن يقع أيضاً، لاحتمال أن يقصد قبل الدخول بها وبعد
العقد عليها، ولكن إن قال: لم أقصد ذلك أيضًا، احتمل أن لا يقع. ينبغي أن
يحرر.
(3) قوله: "وإلا أي وإن لم ينو إلخ": أي فلا يقع طلاقه، ولو مات أو جُنَّ
أو خرس قبل العلم بمراده، لأن العصمة متيقنة فلا تزول بالشك.
(2/327)
[2/ 243] (4) قوله: "أي فلا يقع": لأن
الطلاق رفعٌ للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الماضي، كما لو قال: أنت طالق
قبل قدوم زيد بيومين، فقدم اليوم اهـ. م ص.
وقول الشارح "لما روى إلخ" لا دليل فيه للأولى من مسألتي المتن. وانظر لو
قال: أنت طالق من أمس، أو من شهر ونحوه، ولم ينو إيقاعه في الحال، هل يقع
الطلاق مؤاخذة له بإقراره؟ وهل لا يقبل قوله إن قال كذبت؟ وكذا لو قال: أنت
طالق في أمس، أو في الشهر الماضي ونحوه؟ لكن الظاهر أن هذا من قبيل ما في
المتن دون ما قبله، فليحرر.
فائدة: إذا قال: أنت طالق يوم يقدم زيد، يقع يوم قدومه من أوله، ولو ماتا
غدوة وقدم بعد موتهما من ذلك اليوم، ولا يقع إذا قُدِمَ به ميتًا أو مكرهًا
إلا بنية.
ولا يقع إذا قدم ليلاً مع نيته نهارًا. وإن لم ينو تطلق قدم ليلاً أو
نهارًا، هذا ظاهر المنتهى. وقطع به في التنقيح والإقناع، لأن "اليوم"
يستعمل في مطلق الزمن.
وقدّم في الفروع: لا تطلق. قال في الإنصاف: وهو المذهب. قال الشهاب الفتوحي
والد صاحب المنتهى: هو مقتضى كلام الشيخ في المقنع. وهو أظهر. اهـ.
وإذا قال أنت طالق في غد إذا قدم زيد، فماتت في الغد قبل قدومه، لم تطلق
ولو قدم في الغد، بخلاف أنت طالق في غد إن قدم زيد. والفرق بين الثلاثة
بيّن.
(5) قوله: "لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء غد" أي في اليوم، وهذا مستحيل،
وكذلك إذا قال أنت طالق اليوم إذا قدم زيد، ولم يقدم زيد في اليوم، لم يقع
الطلاق.
(6) قوله: "وأنت طالق غدًا إلخ" الغد اسم لليوم الذي يلي يومك أو ليلتك،
وقد يراد منه ما قرب من الزمان. فلو قال: والله لأفعلن هذا غدًا، أو إن لم
أفعل هذا غدًا، ففلانة طالق، وأراد به ما قرب من الزمن، أي زمن حلفه، لم
يحنث بفعله بعد الغد اهـ. ابن نصر الله. وهل إذا مات أو جُنَّ أو خَرس بعد
الغد، وقبل العلم بمراده، يقع طلاقه ولم يَبَرَّ بفعله بعد الغد الواقع قبل
موته ونحوه؟ الظاهر
(2/328)
نعم. هذا ولي في كلام ابن نصر الله وقفة،
وإنما يتجه كلامه لو قال: لأفعلن أو [2/ 244] إن لم أفعل كذا في غدٍ، لا
غدًا. والفرق ظاهر فليتأمل.
(7) قوله: "وكذلك إذا مضت سنة إلخ" أي إذا قال: أنت طالق إذا مضت سنة،
فإنها تطلق بمضي اثني عشر شهرًا هلالية. وإن قال: إذا مضت السنة، أو هذه
السنة، فإنها تطلق بتمام ذي الحجة. فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرًا
دُيِّن وقُبِل حكمًا، كما في المنتهى وغيره.
باب تعليق الطلاق
(1) قول الشارح: "عادة" ليس للاحتراز. وإلا فالمستحيل عقلاً بالأولى.
والمستحيل عادة هو ما لا يتصور في العادة وجوده، وإن وجد يكون خارقًا
للعادة، وذلك كما مثَّل المصنف. والمستحيل عقلاً هو الذي لا يتصور في العقل
وجوده، وكذلك كقوله إن رَدَدْتِ أمس، أو جمعتِ بين الضدين، أو شربت ماء
الكوز ولا ماء فيه. ونحو ذلك.
(2) قول الشارح: "فعل" الصواب أن يقدر لفظ "عدم" بان يقول: "وإن علقه، أي
الطلاق، على عدم غير المستحيل إلخ" ليوافق مثاله. فإن الطلاق فيه معلق على
عدم الشراء الذي هو غير مستحيل، لا على الشراء.
(3) قوله: "وهو موت العبد إلخ": أي أو موت المعلِّق، فإنها تطلق بآخر جزء
من حياته، وترثه ولو بائنًا.
(4) قوله: "مع تقدم الشرط إلخ": اعلم أن أدوات الشرط المستعملة في الطلاق
والعتق غالبًا ست، [63 أ] وهي: إن وإذا ومتى ومن وأيّ وكلما، وهي وحدها
للتكرارة وكلها ومهما ولو على التراخي إذا تجردت عن لم أو نية فور أو
قرينة، فإن اتصلت بلم صارت على الفور، ولو بلا نية أو قرينة، إلا "إن" فقط
نفيًا أو إثباتًا، فهي على التراخي إلا بنية أو قرينة.
فائدة: من حلف بالطلاق لا يدخل دار زيد مثلاً، ثم ماتت زوجته أو بانت،
(2/329)
[2/ 246] فتزوج أخرى، ودخل دار زيد، فلا
يقع عليه شيء (1)، كقوله لأجنبية: إن فعلت كذا فأنت طالق، فتزوجها ثم
فعلته، فإنه لا يقع الطلاق.
ومن علق الطلاق على فعل شيء وقع بفعله لا قبله، ولو قال عجَّلته. لكن إن
أراد تعجيل طلاق غير المعلق، أو قال سبق لساني بالشرط ولم أرده، وقع إذن.
يؤخذ من هذه الفائدة أن من حلف بالطلاق لا يدخل دار زيد، فتزوج امرأة أخرى،
ثم دخلها، لا تطلق إلا التي كان تزوجها قبل الحلف. وأما الثانية فلا. ينبغي
أن يحرر.
(5) قوله: "أو إن قمت يا زانية إلخ": ظاهره أنه يضر القطع بين الشرط وحكمه
بالسكوت، والكلام غير منتظم سواء كان الشرط مقدمًا أو مؤخرًا.
(6) قوله: "يمكنه فيه الكلام": أي ولو قل. اهـ. ع ن.
فائدة: ومن علَّق طلاق زوجته ثلاثًا على وطئها أُمِرَ بطلاقها وحرم عليه
وطؤها، لوقوع الثلاث بإدخال ذكره، فيكون نزعه في أجنبية، والنزع جماع. فإن
وطئ وتمم وطأه لحقه نسبه، ولزمه المهر، ولا حدّ. وإن نزع في الحال فلا حدّ
ولا مهر.
وإن كان المعلّق طلقةً وقع رجعيًّا ولو غير مدخول بها. قاله م ص (2). قلت
وتحصل رجعتها بنزعه لأن النزع جماع.
فصل في مسائل متفرقة يعلق فيها الطلاق
(1) قوله: "لأن الإذن هو الإعلام إلخ": أي ولأنها قصدت بخروجها مخالفته
وعصيانه، أشبه ما لو لم يأذن لها في الباطن، لأن العبرة بالقصد لا بحقيقة
الحال. اهـ. م ص.
(2) قوله: "طلقت": أي إلا أن ينوي بالإذن مرة، فيأذن لها ثم تخرج بعد، فلا
حنث. وكذا إن قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، فأذن فيه مرة، لم
__________
(1) الصواب أن يقول "فلا يقع عليها شيء" لأن الطلاق يقع على المرأة لا على
الزوج.
(2) كذا في الأصل. وفي ض: "قاله م ص".
(2/330)
يحنث بخروجها بعد بغير إذنه. وأما إن قال:
إن خرجت مرة بغير إذن فأنت طالق، [2/ 247] ثم أذن لها في الخروج، ثم خرجت
بغير إذنه، حنث، كما في المنتهى وشرحه. اهـ. حاشية.
(3) قوله: "وإن قال رجل: زوجتي طالق إلخ" أي ولا فرق بين تقدم الشرط
وتأخره. وأما لو قال: دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله، أو أنت طالق ان
دخلت الدار إن شاء الله تعالى، فدخلت، فإن نوى رد المشيئة إلى الفعل لم
يقع، وإن نواه إلى الطلاق وقع. قال في الشرح: وإن لم تُعْلَم نيته فالظاهر
رجوعه إلى الدخول، ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق. اهـ.
فائدة: ومتى قال من حلف لا تخرج زوجته إلا بإذنه وخرجت: كنت أذنت لها في
الخروج، وأنكرت الزوجة الإذن، لا يقبل قوله إلا ببينة، لأن الأصل عدم
الإذن. ولو خاطبها بالإذن بحضور بينة، ثم قالت الزوجة: ما سمعت الإذن،
فالظاهر أن القول قولها، لأنه لا يعلم إلا من جهتها، ما لم تظهر للبينة
قرينة على أنها سمعت، كأن يخاطبها قريبًا منها، فتجيبه، ثم يقول لها: أذنت
لك في الخروج، ونحو ذلك. هذا ما ظهر لي. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما في هذه الفائدة من البحث مبني على أن الإذن لها لا يكون إلا بعلمها،
وليس كذلك، بل لو أذن لها بدون علمها وخرجت لا يقع، لأن العبرة بما في
الواقع لا بما في ظنها، ولذلك لو قال إنسان: أذنت لفلان الغائب أن يبيع كذا
من ملكي، أو يطلق زوجتي، ففعل قبل علمه، صح، إلا أن يريد مشافهتها بالإذن.
(4) قوله: "لم يقع إلا أن يشاء فلان": أي وإن شاء فلان وقع ولو كان فلان
مميزًا يعقل المشيئة. وإشارة مفهومة من الأخرس كنطق في المشيئة. وإن شاء
وهو سكران طلقت. والصحيح أنها لا تطلق. ولا يقع: إن شاء فلان، وهو مجنون،
لأنه لا حكم لِكلامه.
(5) قوله: "عيانا": بكسر العين، أي معاينة. أي وأما إن قال لها: إن رأيت
الهلال فأنت طالق، ولم يقل: عيانًا، وقع الطلاق إذا رؤي الهلال منها أو من
غيرها وقد غربت الشمس، لا قبله، أو بتمام عدة الشهر الذي قبله، إلا أن ينوي
(2/331)
[2/ 248]
حقيقة رؤيتها. ويقبل حكمًا لأن لفظه يحتمله.
(6) قوله: "وقع إلخ": ومثله لو عقدها يظن صدق نفسه، كمن حلف: ما فعلت كذا،
ظانا أنه لم يفعله، فبان بخلافه، فإنه يحنث في طلاق وعتق فقط. هذا المذهب.
وجزم به في المنتهى وقدمه في الإقناع. وعنه: لا يحنث في الجميع، بل يمينه
باقية. واختاره الشيخ وغيره. وإن حلف على غيره ليفعلنه، أو: لا يفعلنه،
فخالفه، حنث الحالف. وقال الشيخ [63 ب]: لا يحنث إن قصد إكرامه، لا إلزامه
به.
(7) قوله: "وعكسه مثله": أي فإن تركت، أو ترك ما حلف على فعله، مكرهة أو
مكرهًا، لم يحنث. ومع النسيان والجهل يحنث، هذا ما جزم به في الإقناع. وقيل
لا يحنث مطلقًا، قطع به في التنقيح، وجزم به في المنتهى.
فصل في الشك في الطلاق
(1) قوله: "وهو هنا مطلق التردد": أي بين وجود المشكوك فيه من طلاق أو عدده
أو شرطه، أو عدمه. فيدخل فيه الظن والوهم. وإلا فالشك عند الأصوليين التردد
بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر. والظن الطرف الراجح.
والوهم الطرف المرجوح. واليقين ما أذعنت إليه النفس وجزمت به، وجزمت بأن
جزمها به صحيح.
(2) قوله: "قال الموفق إلخ ": وقال أيضًا: فإن كان المشكوك فيه رجعيًّا
راجعها إن كانت مدخولًا بها، وإلا جدّد نكاحها، بأن كانت غير مدخول بها، أو
انقضت عدتها. وإن شك في طلاقٍ ثلاثٍ طلقها واحدة، وتركها حتى تنقضي عدتها،
فيجوز لغيره نكاحها، لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق، فلا تحل لغيره.
اهـ. قلت وتبعه على ذلك صاحب المنتهى وغيره. وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
(3) قوله: "فمن حلف لا يأكل ثمرة إلخ" أي ويمنع من أكل واحدة من ذلك وإن لم
يحنث بأكلها. ولو حلف ليأكلنّ هذه التمرة، لم يتحقق برّه حتى يعلم أنه
(2/332)
أكلها، أو يأكل جميع ما اختلطت به من
التمر. [2/ 249]
(4) قوله: "هل هي طلاق أو ظهار" لعل مراده أو غيرهما، أي بأن لم يَدْرِ
اللفظة هل هي طلاق أو ظهار أو كلام آخر، وأما إن تحقق منه أن الواقع منه
(1) إما طلاق أو ظهار إلا أنه لا يعلم ذلك منهما، فالظاهر أن يقرع بين
اليمينين، أو يلزمه كفارة ظهار، وبهذا يندفع ما بحثناه بهامش هذه الصحيفة.
فتأمله.
(5) قوله: "لم يلزمه شيء": أي لأن الأصل عدمهما، ولم يتيقن أحدهما اهـ. م
ص. وقيل يقرع بين اليمينين، فإذا خرجت القرعة لأحدهما كانت كأنها المحلوف
بها، فيلزمه موجبها، وهذا أجرى على القواعد. واستظهر بعض المتأخرين أنه
يلزمه ابتداءًا كفارةُ ظهارٍ لأنها الأخف اهـ. من حاشية ابن عوض.
أقول: وما ذكره المصنف، وهو المذهب، فغير ظاهر، لأنه متيقن وقوع أحدهما،
وإنما شك في عينه. فالصواب القول بالقرعة، أو بإخراج كفارة ظهار، ولذلك
قالوا فيمن شك هل ظاهر من زوجته أو حَلَفَ أنه لا يطأها، لزمه بحنثٍ أدنى
كفارتيهما، لأنه اليقين. ومقتضى ما ذكره في المسألة الأولى أنه لا يلزمه
هنا أيضًا شيء، لأنه لم يتيقن واحدًا منهما، وإلا فما الفرق؟ ولا أكاد أجد
بينهما فرقًا.
(6) قوله: "حلف": أي حلف لا يطؤها.
(7) قوله: "اليقين": أي والأحوط أعلاهما. اهـ. م ص.
باب الرجعة
(1) [الرجعة] بفتح الراء أفصح من كسرها، جوهري. وقال م ص: بالفتح فعل
المرتجع مرة واحدة، فلهذا اتفق الناس على فتحها اهـ. وهذا مخالف لما نقله
الشارح عن الأزهري. وقد يقال إن أريد بها المرة من الارتجاع فبالفتح، وإن
أريد بها هيئتُهُ فبالكسر.
__________
(1) عبارة "أن الواقع منه" ساقطة من الأصل.
(2/333)
[2/ 250]
(2) قوله: "أن يكون دخل أو خلا بها": أي وكانت بنت تسع فصاعدًا، وكان زوجها
ابن عشر فصاعدًا، لأن دخول من كان دون ذلك غير معتبر شرعًا، بدليل عدم
العدة، كما يأتي في العدة، ولأنه لو ملك رجعتها وهي دون تسع، للزم أن تكون
لها عدة يملك رجعتها فيها، وقد صرحوا بأنه لا عدة عليها، فلا وقت
لمراجعتها، كما عللوا عدم الرجعة في غير المدخول بها فقالوا: لأن الرجعة لا
تكون إلا في العدة، وغير المدخول بها لا عدة عليها. وإن كان ظاهر كلامهم
تقرير الصداق، أي بالدخول لا بالخلوة من ابن دون عشر ببنت دون تسع. وتقدم.
هذا ما ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم.
(3) قوله: "من قطع الإرث إلخ": أي [إن] طلقها رجعيًا ومات بعد إنقطاع دم
الحيضة الثالثة، وقبل غسلها، لا ترث، لأنها بانت بانقطاع دم الحيضة
الثالثة.
وكذلك إذا أوقع عليها طلاقًا لا يلحقها. وليس له أن يلاعنها، ولا نفقة لها،
ونحو ذلك. وإنما يملك مراجعتها لما ذكره الشارح. وكذلك لا يصح تزويجها قبل
غسلها أو تيممها لعذر.
(4) قوله: "ونحوه": وقول الشارح: "مثل أعدتها" كذا في المنتهى وشرحه. قال ح
ف: وفيه نظر، كما صرح به في الترغيب والفصول. والمذهب أنها لا تصح
بالكناية، ولهذا لم يقل في المقنع والمحرر والإقناع: "ونحوه". وقال في
الفروع وفي الترغيب: هل تحصل بكناية، نحو أعدتُك واستدمتُك؟ فيه وجهان.
اهـ. قال بعض من [64أ] كتب على الفروع: فدم في المحرر عدم الصحة، وجعل
الثاني قول ابن حامد: تصح موقوفة كالطلاق. اهـ. وانظر لو قال لها: أنت
مراجعة، أو: مردودة، أو: ممسوكة، هل هو صريح تصح الرجعة به؟ فإن قلنا: نعم،
فيحمل قول المصنف ونحوه على ذلك. ينبغي أن يحرر.
(5) قوله: "بل تحصل رجعتها بوطئها": ظاهره: ولو كان الوطء محرَّمًا، كفي
حيض وإحرام. اهـ. ع ن. قلت: وظاهره ولو في دُبُرٍ، فليحرر. ومفهومه أنها لا
تحصل بمباشرةٍ دون الفرج، ولا بنظرٍ إلى فرجٍ، ولا بخلوة لشهوة. وهو كذلك،
صرَّح به في المنتهى، ثم قال: إلاَّ على قول المنقح، اختاره الأكثر اهـ.
(2/334)
أي قياسًا على إلحاقها بالوطء في تقرير
الصداق ونحوه. [2/ 252]
وقوله: "بل تحصل رجعتها بوطئها"، فلو طلّقها وذكره في فرجها ثم نزعه حصلت
الرجعة، حيث كان الطلاق رجعيًّا، لأن النزع جماع. وقد ذكر م ص فيمن علّق
طلاق امرأته على وطئها ما يصرّح بذلك.
فائدة: قال في المنتهى وغيره: وإن أشهد على رجعتها في العدة، ولم تعلم حتى
اعتدت ونكحت من أصابها، ثم ادّعى رجعتها، وأقام البينة، ردَّت إليه، ولا
يطؤها حتى تعتّد من الثاني. وكذا إن صدقته. وإن لم تثبت رجعته، وأنكراه،
ردّ قوله، وإن صدّقه الثاني بانت منه، ولا تسلّم للمدعي لأنه لا يقبل قول
الثاني عليها إلا في حق نفسه، والقول قولها بغير يمين. وإن صدقته المرأة
فقط لم يقبل قولها على الثاني. لكن متى بانت من الثاني عادت إلى الأول بلا
عقدٍ جديد، وإن مات الأول قبل ذلك ترثه، وإن ماتت لم يرثها لتعلق حق الثاني
بها، وإن مات الثاني لم ترثه، لإنكارها صحة نكاحه. ولا يمكّن الأول من تزوج
أختها ونحوها، ولا أربع سواها. وإن قالت: انقضت عدتي، في زمن يمكن فيه ذلك،
فقال: كنت راجعتك، فقالت: انقضت عدتي قبل رجعتك، وأنكرها، فقوله. والله
أعلم.
فصل فيما تحل به المطلقة ثلاثا
(1) قوله: "ولو مجنونًا" أي وكذا لو كانت هي مجنونة، أو كانا مجنونين.
لكن إن كان المجنون ذاهب الحس، كالمصروع والمغمى عليه، لم يحصل الحلّ
بوطئه، ولا بوطء مجنونة في هذه الحالة، لأنها لا تذوق العسيلة، ولا تحصل له
لذة. قاله في الشرح الكبير. أقول: وهذا يدل على أن إدخال ذكر النائم ونحوه
في فرجها، أو وطء النائمة ونحوها، لا يكفي في التحليل. وهو - وإن كان خلاف
المذهب - قوي الدليل.
(2) قوله: "أو لم يبلغ عشرًا" هكذا عامة كلامهم، وهو يصدق بابن سنة مثلاً،
وليس بمرادٍ قطعًا. وكان الواجب ذكر أقل سن يجزئ في ذلك، فإن في كلامهم
تعمية. والظاهر أنه لا بد أن يكون مشتهًى حتى يتحقق ذوق العُسَيْلة، أي
(2/335)
[2/ 254]
لذة الجماع. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وانظر لو كانت المطلقة ثلاثًا دون تسع، ووطئها آخر بنكاح صحيح، فهل تحل
لمطلقها؟ ظاهر كلامهم: نعم. والذي يظهر أنه لا بد في ذلك من بلوغها حدًّا
تشتهي فيه الجماع، كما تقدم في الزوج، فليتأمل.
فلو غاب عن مطلقته ثلاثًا، أو غابت عنه، ثم ذكرت أنها نكحت من أصابها
وطلقها وانقضت عدتها منه، وأمكن ذلك بأن مضى زمن يتسع لذلك، فله نكاحها إذا
غلب على ظنه صدقها، لا إن رجعت عن ذلك قبل عقد. ولا يقبل رجوعها بعده،
لتعلق حقه بها. وكذا لو جاءت حاكمًا وادّعت أن زوجها طلّقها وانقضت عدتها،
فله تزويجها إن لم يكن وفيٌ غيره إن ظن صِدْقها، ولا سيما إن كان الزوج لا
يعرف. كذا في المنتهى تبعًا للتنقيح. ومفهومه أنها إن كان لها زوج معروف،
وادّعت ذلك، تزوج أيضًا. وليس كذلك، فعبارة الإقناع "إن ظن صدقها وكان
الزوج ذلك مجهولاً ولم تعينه" اهـ. وقال أيضًا في الإقناع: لو كان للمرأة
زوج معروف، فادعت أنه طلقها، لم تتزوج بمجرد ذلك باتفاق المسلمين. اهـ.
وظاهره سواء ادعت أنه طلقها بحضورها، أو أنه أخبرها بذلك من تثق به. وهل
إذا أخبرها شخص تثق به أن زوجها طلقها أو مات يسوغ لها أن تتزوج؟ لم أره.
فليحرر.
(3) قوله: "ويكفي تغييب الحشفة" ظاهره ولو بحائل.
***
(2/336)
|