شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [باب ما يوجب
الغسل]
ش: قال القاضي عياض: الغسل بالفتح الماء، وبالضم الفعل، وقال ابن مالك:
[الغسل] بالضم الاغتسال،
(1/271)
والماء الذي يغسل به. وقال الجوهري: غسلت
الشيء غسلا. بالفتح، والاسم الغسل. بالضم، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس
من خطمي وغيره، [والله أعلم] .
قال: والموجب للغسل خروج المني.
ش: خروج المني في الجملة موجب للغسل اتفاقا، وقد قال [الله] تعالى: {وَإِنْ
كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] .
170 - وثبت أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما الماء من
الماء» .
171 - وفي الصحيحين «عن أم سلمة، أن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا
يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: «نعم إذا رأت
الماء» فقالت أم سلمة: أو تحتلم المرأة؟ فقال: «تربت يداك، وبم يشبهها
ولدها» ؟»
172 - وفي رواية لمسلم: «ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن
أيهما علا أو سبق يكون الشبه منه» .
(1/272)
والألف واللام في كلام الخرقي يجوز أن تكون
لمعهود ذهني وهو المني المعتاد، وهو الخارج على وجه الدفق واللذة، فلا يجب
الغسل لمني خرج بغير ذلك كالخارج لمرض أو إبردة أو كسر ظهر، أو نحو ذلك،
وهو المشهور المعروف.
173 - لما روي «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت رجلا مذاء،
فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا خذفت الماء
فاغتسل، وإن لم تكن خاذفا فلا تغتسل» رواه أحمد. والخذف خروجه بسرعة، وفي
رواية أبي داود: «إذا فضخت الماء فاغتسل» والفضخ قال إبراهيم الحربي: خروجه
بالغلبة.
(1/273)
174 - «وعنه أيضا قال: كنت رجلا مذاء، فلما
رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الماء قد آذاني، قال:
«إنما الغسل من الماء الدافق» رواه البيهقي في سننه.
ويحتمل أن تكون للجنس، أي خروج كل مني، فعلي هذا يجب الغسل وإن خرج بلا دفق
وشهوة، وهو تخريج كما سيأتي، وقيل: رواية حكاها ابن عبدوس، لعموم قوله: -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما الماء من الماء» وقوله: -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نعم إذا رأت الماء» وقوله: «في المذي
الوضوء، وفي المني الغسل» ويجاب بالقول بموجب هذه الأحاديث وأن الألف
واللام لمعهوده ذهني، كما تقدم.
ومقتضى كلام الخرقي أن الغسل لا يجب بالانتقال، لتعليقه الحكم على الخروج،
وهو إحدى الروايتين، واختيار أبي محمد، والشريف فيما حكاه عنه الشيرازي،
لما تقدم في النصوص، إذ الحكم في الجميع مرتب على الرؤية، (والرواية
الثانية) : وهي المنصوصة المشهورة عن أحمد،
(1/274)
والمختارة لعامة أصحابه، حتى أن جمهورهم
جزموا بها - يجب بذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] والجنابة أصلها البعد، قال سبحانه:
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] أي البعيد وسمي من جامع جنبا لبعده عن
الصلاة وموضعها حتى يطهر، ومع الانتقال قد باعد الماء محله، فصدق عليه اسم
الجنب، وإناطة للحكم [بالشهوة] وتعليقا له على المظنة، إذ بعد انتقاله يبعد
عدم خروجه، كما قد أشار إليه أحمد، ومحل الروايتين - وفاقا لابن حمدان -
فيما إذا لم يخرج إلى قلفة الأقلف، وفرج المرأة، فعلى الأولى إذا خرج بعد
ذلك وجب الغسل، وإن خرج لغير شهوة، لأن انتقاله كان لشهوة، وتترتب الأحكام
المتعلقة بخروج المني، من إفساد صوم ونحوه، ويعيد ما صلى من وقت انتقاله،
قاله ابن حمدان، وعلى الثانية تترتب الأحكام بمجرد الانتقال، من إفساد صوم،
ووجوب بدنة في الحج، حيث وجبت بخروج المني، قاله القاضي في تعليقه التزاما،
وجعله ابن حمدان وجها وبعده.
(1/275)
وهل يجب عليه - إن كان قد اغتسل - غسل ثان؟
حكمه حكم مني اغتسل له، ثم خرجت بقيته، وفيه روايات (إحداها) - وهي ظاهر
كلام الخرقي، واختيار الخلال، وابن أبي موسى، وأبي البركات وغيرهم - لا غسل
عليه، حذارا من أن يلزمه بمني واحد غسلان، وتبعا لعلي، وابن عباس - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ - (والثانية) : عليه الغسل، إناطة بخروج المني،
(والثالثة) - وهي اختيار القاضي في تعليقه - إن خرج قبل البول فعليه الغسل،
لأنه بقية مني دافق بلذة، وإن خرج بعد البول فلا، لأن الظاهر أنه غير
الأول، وقد تخلف عنه شرطه وهو الدفق واللذة، وهي اختيار القاضي في التعليق،
(وعنه رابعة) : عكس الثالثة، حكاها القاضي في المجرد: إن خرج قبل البول لم
يجب الغسل، لأنه بقية الأول، وقد اغتسل له، وإن خرج بعده وجب، لأنه مني
جديد، ومنها خرج أبو البركات الوجوب فيما إذا خرج المني لغير شهوة.
أما إن انتقل ولم يغتسل له ثم خرج بعد فإنه يغتسل بلا نزاع نعلمه.
ومقتضى كلام الخرقي أيضا أن الغسل لا يجب بمجرد الاحتلام وهو المذهب بلا
ريب، وقد حكاه ابن المنذر وغيره إجماعا، وأغرب ابن أبي موسى في حكايته
رواية
(1/276)
بالوجوب، فعلى المذهب إن خرج بعد شهوة
اغتسل له، وإلا فروايتا الانتقال، قاله ابن، حمدان والمنصوص عن أحمد
الوجوب، وهو أظهر لئلا يلزم انتقال مني وخروجه من غير اغتسال، ثم ينبغي أن
يقول بروايات الانتقال.
ومقتضى كلام الخرقي أيضا أنه إذا وجد المني في النوم، ولم يذكر احتلاما، أن
عليه الغسل، وهو كذلك.
175 - لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «سئل رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر
احتلاما؟ قال «يغتسل» : وعن الرجل يرى أنه قد احتلم، ولا يجد البلل؟ قال:
«لا غسل عليه» فقالت أم سلمة: يا رسول الله فالمرأة ترى ذلك أعليها غسل؟
قال: «نعم، إنما النساء شقائق الرجال» رواه أبو داود والترمذي، أما إن وجد
بللا، وشك هل هو مني أم لا؟ فإن وجد سبب المني - وهو الاحتلام أنيط الحكم
عليه وعمل به، وإن وجد سبب المذي - وهو الملاعبة ونحوها، أو كانت به إبردة
تعلق الحكم
(1/277)
بذلك، وعمل عليه وإن لم يوجد واحد منهما
فهل يحكم بأنه مني - وهو المشهور وبه قطع بعضهم، لظاهر حديث عائشة،
ولانتفاء سبب صالح لغيره، أو للمذي لأن الأصل عدم وجوب الغسل، وإلى هذا ميل
أبي محمد؟ فيه روايتان، فعلى الأول: يتوضأ مرتبا متواليا، ويغسل يديه وثوبه
احتياطا، وعلى الثاني: يستحب [الغسل احتياطا] .
وقد شمل كلام الخرقي - إذا جعل الألف واللام للجنس - إذا وطئ دون الفرج،
فدب منيه فدخل فرج المرأة ثم خرج، أو وطئ في الفرج، ثم خرج منيه من فرجها
بعد غسلها، أو خرج ما استدخلته [من مني] بقطنة، ولم يخرج منيها، وهو وجيه
في الكل، والمنصوص المقطوع به عدم الغسل على المرأة والحال هذه، ولا نزاع
فيما نعلمه أن الغسل لا يجب بخروج المني من غير مخرجه، وإن وجد شرطه.
(تنبيه) : قد تقدم بيان الخذف والفضخ، «وتربت يداك» أي افتقرت، في الصحاح:
ترب الشيء. بالكسر إذا أصاب التراب، ومنه ترب الرجل. إذا افتقر، كأنه لصق
بالتراب، وأترب، إذا استغنى، كأنه صار ماله - من الكثرة - بقدر التراب،
وتأول مالك، وعيسى بن دينار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الحديث على
الاستغناء والمقام يأباه.
(1/278)
وقال الأصمعي: معناه الحظ على تعلم مثل
هذا، كما يقال: أنج ثكلتك أمك. وذهب أبو عبيد والمحققون إلى أن هذا اللفظ
وشبهه يجري على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء، فينظر في القول وقائله، فإن
كان وليا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن، ولقد أحسن
بعضهم في قوله: قد يوحش اللفظ وكله ود، ويكره الشيء وما من فعله بد، هذه
العرب تقول: لا أبا لك للشيء إذا أهم، وقاتلك الله. لا يريدون به الذم،
وويل أمه. للأمر إذا تم.
176 - ثم على تقدير كونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد بذلك
أصله من الدعاء عليها فهو لها قربة ورحمة، كما جاء في الحديث.
«والمني» مشدد، وفعله رباعي على الأشهر، وبهما جاء القرآن، قال سبحانه:
{مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37] وقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا
تُمْنُونَ} [الواقعة: 58]
(1/279)
وحكي فيه التخفيف على وزن العمي، وفعله
«منى» بالتخفيف، «ومنى» بالتشديد، وسمى بذلك لأنه يمنى أي يصب «والمذي»
مخفف بمعجمة، على الأفصح فيهما، وحكي فيه التشديد والإهمال، ومن يحذف لامه
كيد، وقالوا في فعله: مذي وأمذى ومذى. بالتشديد، «وشقائق» . جمع شقيقة،
تأنيث: شقيق، وهو المثل والنظير، كأنه اشتق هو ونظيره من شيء واحد، فهذا شق
وهذا شق، ومنه قيل للأخ شقيق، والله أعلم.
[التقاء الختانين من موجبات الغسل]
قال: والتقاء الختانين.
ش: الختانان واحدهما ختان، والختان في الأصل قطع جلدة حشفة الذكر، وفي
المرأة: قطع بعض جلدة عالية مشرفة على محل الإيلاج، ثم عبر بذلك عن موضع
الختن، والتقاؤهما تقابلهما وتحاذيهما، ولما كان الموجب هو التقاء الختانين
لا المس، وكان ذلك لا ينفك عن تغييب الحشفة أو قدرها، جعل ذلك هو الضابط،
فقال الفقهاء، تغييب الحشفة.
177 - إذا عرف هذا فالأصل في وجوب الغسل بذلك في الجملة ما روى أبو هريرة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أنه قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها - وفي لفظ - ثم اجتهد - فقد
وجب الغسل» متفق عليه.
(1/280)
وفي لفظ لأحمد ومسلم: «وإن لم ينزل» .
178 - وعن أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: اختلف في ذلك
رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدافق،
أو من الماء. وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل. قال: فقلت أنا
أشفيكم. فقمت فاستأذنت على عائشة فأذنت لي، فقلت لها: إني أريد أن أسألك عن
شيء، وأنا أستحييك. فقالت: لا تستحي أن تسألني عن ما كنت سائلا عنه أمك.
فإنما أنا أمك. قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس
الختان الختان، فقد وجب الغسل» رواه أحمد ومسلم.
(1/281)
179 - «وعن رافع بن خديج قال: ناداني النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم
أنزل، فاغتسلت وخرجت، فأخبرته فقال: «لا عليك، الماء من الماء» قال رافع:
ثم أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغسل» ، رواه
أحمد، وبهذا يعلم نسخ ما تقدم من قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إنما الماء من الماء» ونحوه، وقد صرح بذلك رافع بن خديج [كما
تقدم] .
180 - وكذلك سهل بن سعد فقال: حدثني أبي أن الفتيا التي كانوا يفتون: «إن
الماء من الماء» رخصة رخصها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد ذلك، رواه أبو داود، وفي لفظ: ثم
أمرنا. وصرح بذلك جماعة من العلماء، ويعلم وهم من ظن أنها تخصيص عموم مفهوم
«إنما الماء من الماء» حذارا من النسخ، إذ ذاك إنما يتمشى له قبل العمل،
أما بعد العمل فيتعين النسخ، ورد قول من قال: إنه من باب تعليق
(1/282)
الحكم على المظنة، بعد تعليقه على الجملة
لخفائها، إذ لا ريب أن الإنزال ليس بخاف.
181 - ثم في سنن أبي داود من حديث أبي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم
أمرنا بالغسل، ونهى عن ذلك. فذكر أن السبب قلة الثياب.
182 - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يؤول: «إنما الماء من الماء»
على الحلم في المنام، من غير رؤية ماء، لكن عامة الصحابة على خلاف ذلك.
إذا تقرر هذا فاعلم أنا قد أنطنا الحكم بتغييب الحشفة في الفرج أو قدرها،
ولا بد من كونهما أصليين، فلو أولج الخنثى المشكل حشفته، ولم ينزل في فرج
أصلي، أو أولج غير الخنثى ذكره في قبل الخنثى، فلا غسل على واحد منهما،
لاحتمال كون الحشفة أو القبل خلقة زائدة.
ثم بعد ذلك هو شامل لكل واطئ وموطوءة، ولو مع إكراه ونوم، أو كانت المرأة
ميتة، نص عليه، أو كانا غير بالغين، نص عليه أيضا، واستدل على أنه لا يشترط
البلوغ باغتسال عائشة.
(1/283)
183 - وفي مسلم عنها «أن رجلا سأل رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل -
وعائشة جالسة - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل» وعن القاضي منع الوجوب مع الصغر، نظرا
إلى عدم تكليف الصغير، وكأن الخلاف لفظي، إذ مراد القاضي - والله أعلم -
بعدم الوجوب انتفاء تحتم الغسل على الصغير، وإلزامه بذلك، ومراد أحمد -
والله أعلم - بالوجوب اشتراطه للصلاة ونحوها، لا التأثيم بالتأخير، وهذا
متعين، إذ التكاليف الخطابية لا تتعلق بغير بالغ، والصلاة ونحوها لا تصح
بلا طهارة، وقد أشار القاضي إلى ذلك في تعليقه فقال: إن الصبي والمجنون إذا
أولجا في الفرج وجب الغسل عليهما بعد البلوغ والإفاقة، إذا أراد الصلاة،
فإن ماتا قبل وجوب الصلاة عليهما وجب غسلهما، وكان عن الجنابة والموت.
إذا عرف هذا فشرط تعلق الغسل بغير البالغ أن تكون ممن يوطأ مثلها على ظاهر
كلام أحمد في رواية ابن إبراهيم، قال - وقد سئل عن الجارية متى يجب عليها
الغسل؟ . قال -: إذا كان مثلها يوطأ. وأصرح منه ما حكي عنه أنه قال: إذا
(1/284)
وطئ جارية لا يوطأ مثلها فلا غسل عليه،
حذارا من أن تكون جنابة، وصرح بذلك ابن عقيل، وصاحب التلخيص فيه، أبو
البركات في الشرح، والسامري مقيدا الجارية ببنت تسع سنين، والغلام بابن
عشر، وظاهر إطلاق كثيرين عدم الاشتراط، ومن ثم أورده ابن حمدان مذهبا.
وشامل أيضا للوطء في كل فرج أصلي كما تقدم وإن كان دبرا، أو لميتة، وحيوان
بهيم، حتى السمكة، ذكرها القاضي في التعليق.
(تنبيه) : «شعبها الأربع» بين رجليها وشفريها، الخطابي: أسكتيها وفخذيها.
عياض: نواحي الفرج. وقيل: رجليها ويديها. «وجهدها» قيل: أتعبها. وقيل: بلغ
جهده منها. وهو يوافق رواية: «ثم اجتهد» والجهد الطاقة والإشارة بذلك -
والله أعلم - إلى الحركة، ويمكن صورة العمل، وهو قريب من قول الخطابي:
حفرها. قال: والجهد اسم من أسماء النكاح، وعلى هذا معناه: ثم نكحها. و «على
الخبير سقطت» . أي صادفت مخبرا يخبرك بحقيقة ما سألت عنه، حاذقا فيه و
«يكسل» مضارع أكسل. إذا جامع ولم ينزل. والله أعلم.
[إسلام الكافر من موجبات الغسل]
قال: وإذا أسلم الكافر.
ش: هذا هو المنصوص المختار لعامة الأصحاب.
(1/285)
184 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أن ثمامة بن أثال أسلم فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل» رواه أحمد.
185 - وفي الصحيحين أنه اغتسل، وليس فيه أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، وفي البخاري أنه اغتسل قبل الإسلام، وإذا
الحديثان لم يتواردا على محل واحد، فاغتساله كان قبل إسلامه، وأمر النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك كان بعد الإسلام.
186 - «وعن قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يغتسل بماء وسدر» . رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وحسنه
الترمذي، ولأنه لا يسلم غالبا من جنابة، فأقيمت المظنة مقام الحقيقة
كالنوم، وتردد أبو بكر فوافق الأصحاب في التنبيه، وخالفهم في غيره فقال:
يستحب، ولا يجب، وأغرب أبو محمد في الكافي، فحكى ذلك رواية.
(1/286)
187 - لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لم يأمر به في حديث معاذ، ولو وجب لأمر به، إذ هو أول الواجبات
بعد الإسلام، ولأن ذلك يقع كثيرا، وتتوفر الدواعي على نقله، فلو وقع
لاستفاض، وحديث أبي هريرة في إسناده مقال [ما] ، على أنه قد يحمل على
الاستحباب، وكذلك حديث قيس، وقرينته ذكر السدر فيه، جمعا بين الأدلة
(ويجاب) بأنه إنما ذكر في حديث معاذ أصول العبادات لا شرائطها، ولا نسلم
عدم استفاضة ذلك، بل قضية ثمامة تقتضي استفاضته، وظاهر
(1/287)
الأمر الوجوب (فعلى الأول) إذا أجنب في حال
كفره ثم أسلم تداخلا، وأنيط الحكم بغسل الإسلام، وعلى قول أبي بكر: يجب
عليه الغسل للجنابة وإن اغتسل في كفره، لعدم صحة نيته.
وقد شمل كلام الخرقي المرتد، ومن لم يوجد منه جنابة، وهو الأعرف فيهما، ومن
اغتسل في حال كفره، وهو كذلك، وقد قيد ابن حمدان المسألة بالبالغ،
والأكثرون أطلقوا، لكن قد يؤخذ من تعليلهم ما قاله، وقد يوجه الإطلاق بأن
المذهب صحة إسلام من لم يبلغ، ومقتضى كلامهم أن الغسل والحال هذه شرط لصحة
الصلاة، كما صرح به أبو بكر في التنبيه، وإذا يصير بمنزلة وطء الصبي،
والتحقيق تعلق الغسل به كما تقدم، والله أعلم.
[الطهر من الحيض والنفاس من موجبات الغسل]
قال: والطهر من الحيض والنفاس.
ش: لا خلاف في وجوب الاغتسال بذلك في الجملة، لإشارة النص وهو قوله سبحانه
وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا
تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] أي اغتسلن، أوقف سبحانه حق الزوج
من الوطء على الاغتسال، فدل على وجوبه.
188 - وقد صرح بذلك المبين لكتاب ربه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فقال لفاطمة بنت أبي حبيش وقد سألته عن استحاضتها، فقال: «ذلك عرق
(1/288)
وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي
الصلاة، وإذا ذهبت فاغتسلي وصلي» رواه البخاري.
189 - وقال لأم حبيبة - وسألته أيضا عن ذلك - فقال لها - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هذا عرق، فاغتسلي وصلي» رواه مسلم، والبخاري ولفظه:
«ثم اغتسلي وصلي» ودم النفاس هو دم حيض يجتمع ثم يخرج.
وظاهر كلام الخرقي أن الغسل إنما يجب بالانقطاع، وهو أحد الوجهين وظاهر
الأحاديث، (والثاني) - وصححه أبو البركات وغيره - يجب بالخروج، إناطة للحكم
بسببه، لكن الانقطاع شرط لصحته اتفاقا، وفائدة الوجهين إذا استشهدت الحائض،
فعلى قول الخرقي لا تغسل، إذ الانقطاع الشرعي الموجب للغسل لم يوجد، وعلى
قول غيره تغسل للوجوب بالخروج، وقد حصل الانقطاع حسا، فأشبه ما لو طهرت في
أثناء عادتها، وقال أبو محمد: لا يجب على الوجهين، لأن الطهر شرط في صحة
الغسل، أو في السبب الموجب له [ولم يوجد] .
(1/289)
وقد ينبني أيضا على قول الخرقي [أنه لا
يجب] ، بل ولا يصح غسل ميتة مع قيام حيض ونفاس، وإن لم تكن شهيدة، وهو قويل
في المذهب، لكن لا بد أن يلحظ فيه أن غسلها للجنابة قبل انقطاع دمها لا
يصح، لقيام الحدث، كما هو رأي ابن عقيل في التذكرة، وإذا لا يصح غسل الموت
لقيام الحدث كالجنابة، وإذا لم يصح لم يجب، حذارا من تكليف ما لا يطاق،
والمذهب صحة غسلها لها قبل ذلك، فينتفي هذا البناء.
واعلم أن ظاهر ترجمة الخرقي أولا يقتضي أنه لا يجب الغسل بغير تلك الخمسة
المذكورة، لأنه قال: والموجب للغسل خروج المني. إلى آخره، وظاهره حصر
الوجوب في هذه الخمسة دون غيرها.
فلا يجب بولادة عرية عن دم، وهو أحد الوجهين أو الروايتين، على ما في
الكافي، واختيار الشيخين، لعدم المقتضي لذلك، وهو النفاس أو المني،
(والثاني) - واختاره ابن أبي موسى، وابن عقيل في التذكرة، وابن البنا،
وغيرهم، يجب قياما للمظنة مقام الحقيقة، ولأنه مني منعقد، ورد بخروج
العلقة، فإنها لا توجب الغسل بلا
(1/290)
نزاع، وينبني على التعليلين الفطر بذلك،
وتحريم الوطء قبل الاغتسال، فمن علل بالأول يلزمه ذلك، لا من علل بالثاني
اهـ.
ولا يجب أيضا بغسل ميت، بل يستحب، (وعنه) : يجب من تغسيل الكافر.
190 - لما روي «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه لما مات أبو طالب
أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن عمك الشيخ
الضال قد مات. قال: «اذهب فوار أباك، ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني» فواريته
فجئته فأمرني فاغتسلت فدعا لي» . رواه أبو داود والنسائي، وقد يجب مطلقا.
(1/291)
191 - لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من غسل
ميتا فليغتسل» رواه أبو داود، والمذهب الأول بلا ريب، نظرا للأصل، وحملا
لما تقدم على الاستحباب، لعموم «حديث صفوان: أمرنا رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة.
» 192 - وفي مالك في الموطأ أن أسماء غسلت أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- حين توفي، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة، وإن
هذا يوم شديد البرد، فهل علي من غسل؟ فقالوا: لا. على أنه ليس في حديث علي
أنه غسله، مع أن الأحاديث لم تثبت، قاله أحمد وغيره،
(1/292)
ومن ثم قال ابن عقيل: ظاهر كلام أحمد عدم
الاستحباب رأسا. اهـ.
ولا يجب أيضا على من أفاق من إغماء أو جنون لم يتيقن معه حلم، وإن وجد بلة
على المعروف من الروايتين، لأنه معنى يزيل العقل فلا يوجب الغسل كالنوم،
ولأنه مع عدم البلة يبعد احتمال الجنابة، ومع وجودها يحتمل أن ذلك لغير
شهوة، ويحتمل أنه [حصل] عن المرض المزيل للعقل، فلا يجب الغسل مع الشك،
(والثانية) : يجب وإن لم يجد بلة.
193 - لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل من الإغماء،
وفعله على وجه القربة دليل على الوجوب، وتوسط أبو الخطاب فأوجبه مع البلة
كالنائم.
ولا يجب أيضا على من أراد الجمعة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ويرد على حصر الخرقي [الموت] فإنه موجب في الجملة بلا نزاع. والله أعلم.
(1/293)
[غمس الحائض
والجنب والمشرك أيديهم في الماء]
قال: والحائض، والجنب، والمشرك إذا غمسوا أيديهم في الماء فهو طاهر
ش: لا إشكال أن مجرد غمس الحائض أو الجنب يده أو غيرها من أعضائه في الماء
لا يزيل طهارته، لطهارة بدنيهما.
194 - لما في الصحيحين «عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب،
قال: فانخنست منه. الحديث إلى قوله: «سبحان الله إن المؤمن لا ينجس» .
» 195 - ولمسلم من حديث حذيفة نحوه.
196 - «وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أشرب وأنا حائض،
فأناوله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيضع فاه على موضع
فيها» . رواه مسلم وغيره، أما لو غمس الجنب أو الحائض الذي انقطع حيضها يده
في الإناء قاصدا رفع الحدث عنها والماء قليل، فإن طهوريته تزول على المذهب
المنصوص، ولم يرتفع حدثه على المعروف، وهل زوالها بأول جزء لاقاه، أو بأول
جزء انفصل عنه؟ فيه وجهان، أشهرهما الثاني، وإن نويا الاغتراف
(1/294)
فهو باق على طهوريته، وإن غمسا بعد نية
الاغتسال ذاهلين عن نية الاغتراف، وعن رفع الحدث عن اليد بالوضع فروايتان.
أنصهما عن الإمام، وأصحهما عند عامة الأصحاب: زوال طهوريته، لحصول الغمس
بعد نية رفع الحدث.
197 - وفي سنن سعيد عن ابن عمر: من اغترف من ماء وهو جنب فما بقي فهو نجس.
(والثانية) - وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي البركات - بقاء طهوريته.
198 - لأن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إنه يتناوله تناولا
ولأنه لما قصد بأخذه استعماله خارج الإناء فقد صرف عنه النية، هذا هو
التحقيق في التقسيم، وظاهر ما في المغني عن بعض الأصحاب أنه قال بالمنع
أيضا فيما إذا نويا الاغتراف، وفيه نظر، ولو وضع الجنب رجله بعد نية الغسل
أثر على الأصح، قاله ابن تميم، وعاكسه ابن حمدان فقال: إنه طاهر في الأصح،
ولأبي محمد في المغني في إلحاق الرجل باليد منعا وتسليما.
(1/295)
وقد دخل في كلام الخرقي - بطريق التنبيه -
المحدث إذا غمس يده في الإناء أنه لا يؤثر، وهو كذلك، [إلا إذا اغترف بعد
نية الطهارة، وبعد غسل وجهه، قاصدا لرفع الحدث عنها بالغمس، فإن طهوريته
تزول، كما في الجنب، وكذا إن] ذهل عن رفع الحدث عنها والحال ما تقدم، على
قويل، والمذهب عدم تأثير ذلك، بخلاف الجنب على الأشهر كما تقدم، نظرا إلى
أن الوضوء يتكرر، فلو أثر لشق، بخلاف الجنب.
199 - ثم إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغترف في الوضوء
بعد غسل وجهه، كما ثبت في الصحيح، ولم يثبت أنه في الجنابة اغترف إلا بعد
غسل يديه، إذا عرف حكم الحائض والجنب، فحكم المشرك أنه إن كان ممن تحل
ذبيحته، ولم يتظاهر بشرب الخمر، وأكل الخنزير، ونحو ذلك، فإن غمسه لا يؤثر
شيئا.
200 - لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من مزادة
مشركة، وأضافه يهودي بخبز شعير، وإهالة سنخة، ولأن الكفر في قلبه لا يؤثر
في
(1/296)
بدنه، وقوله سبحانه: {إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ليس المراد به - والله أعلم - النجاسة
الحقيقية على الأشهر الأعرف، بل الاستقذار، وفاقا لأبي عبيدة والزجاج.
201 - وعن قتادة: قيل لهم ذلك لأنهم يجنبون ولا يغتسلون، ويحدثون ولا
يتوضئون. ومن هذه حاله جدير بأن يوصف بالتنجيس، ويمنع من قربان مسجد له على
غيره شرف وتعظيم.
وإن كان ممن لا تحل ذبيحته، أو ممن يتظاهر بأكل الخنزير، ونحو ذلك فيخرج في
نجاسة الماء بغمسه روايتان، بناء على الروايتين فيما استعملوه هؤلاء من
آنيتهم، هل تباح
(1/297)
مطلقا، أو لا تباح إلا بعد غسل، وأصلهما
يعارض الأصل والغالب.
(تنبيهات) : [أحدها] مراد الخرقي بالطاهر الطاهر غير المقيد، المذكور في
صدر كتاب الطهارة. (الثاني) : «انخنست» [من] . انفعلت، مطاوع خنس، من
(الخنوس) وهو التأخر والاختفاء، ومنه سميت الكواكب الخمسة - زحل، والمشتري،
والمريخ، والزهرة، وعطارد - الخنس. في قوله سبحانه: {فَلَا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ} [التكوير: 15] على قول بعضهم، لأنها تتأخر في رجوعها، بينا
تراها في مكان من السماء، حتى تراها راجعة إلى وراء جهتها التي كانت تسير
إليها، وقيل: الخنس النجوم كلها، لاختفائها نهارا.
(الثالث) : المزادة بفتح الميم، التي يسميها الناس الراوية، والسطيحة أصغر
منها، «وإهالة سنخة» شحم متغير. والله أعلم.
[وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة]
قال: ولا يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت بالماء.
(1/298)
ش: معنى الخلوة أن لا يستعمل الرجل الماء
معها، في إحدى الروايتين، لعموم حديث الحكم الآتي، خرج منه حالة الاستعمال.
202 - لحديث «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كنت أغتسل أنا ورسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد، تختلف أيدينا فيه من
الجنابة» . فما عداه على المنع. (والثانية) : - وهي المختارة – أن لا
يشاهدها حال طهارتها رجل مسلم.
203 - لأن في الصحيح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ
بفضل وضوء ميمونة بعد فراغها» ، فيحمل على أنه كان شاهدها وقضية النهي على
عدمها، جمعا بين الدليلين، وعلى هذه إن شاهدها صبي مميز، أو امرأة، أو كافر
فهل يخرج عن أن تكون خالية به، كما في خلوة النكاح؟ وهو اختيار الشريف،
والشيرازي، أو لا يخرج إلا بالرجل المسلم، لأن الحكم يختص به؟ وهو اختيار
القاضي في المجرد، فيه وجهان، وألحق السامري المجنون بالصبي ونحوه.
إذا عرف [هذا] فحيث حكم بخلوتها بالماء فهو باق على طهوريته، يجوز لها
الطهارة به، على المعروف المشهور، حتى
(1/299)
قال أبو البركات: [إنه] لا خلاف في ذلك،
وفي خصال ابن البنا، والمذهب لابن عبدوس: أنه طاهر غير مطهر. وحكى صاحب
التلخيص، وابن حمدان المسألة على روايتين، ولقد أبعد السامري حيث اقتضى
كلامه الجزم بطهارته، مع حكايته الخلاف في طهارة الرجل به: والعمل على
القول بطهوريته، وإذا يجوز لها بلا ريب الطهارة به، وكذلك لامرأة أخرى على
الأعرف.
وهل يجوز للرجل الوضوء به؟ فيه روايتان (أشهرهما) - وهي اختيار الخرقي،
وجمهور الأصحاب -: لا يجوز نص عليه.
204 - لما روى الحكم بن عمرو الغفاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور
المرأة. وفي رواية: وضوء المرأة» . رواه الخمسة، وحسنه الترمذي.
(1/300)
205 - وعن عبد الله بن سرجس، عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، رواه البيهقي في السنن.
206 - وقال أحمد: أكثر أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقولون: إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه. وهو أمر لا يقتضيه
القياس، فالظاهر أنهم قالوه عن توقيف، (والثانية) - واختارها أبو الخطاب،
وابن عقيل وإليها ميل المجد في المنتقى -: يجوز مع الكراهة.
(1/301)
207 - لما روى عمرو بن دينار قال: علمي،
والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني، أن ابن عباس أخبره «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل بفضل ميمونة» . رواه
مسلم.
208 - وعن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «اغتسل بعض أزواج النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جفنة، فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت: يا رسول الله إني كنت
جنبا. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الماء لا
يجنب» رواه أحمد وأبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه هو وابن خزيمة،
والحاكم، وابن حبان، لكن أحمد قال: أتقيه لحال سماك، ليس أحد يرويه غيره،
وحديث الحكم قيل عن البخاري أنه قال:
(1/302)
ليس بصحيح. وعنه في حديث ابن سرجس أنه قال:
قد أخطأ من رفعه.
ولمن نصر الأول أن يقول: حديث ابن عباس الأول لم يجزم عنه أبو الشعثاء،
والثاني - وهو حديث سماك - قد تقدمت الإشارة من أحمد على تضعيفه، ويؤيد ذلك
اختلاف ألفاظه، فرواه الثوري وقال فيه: «إن الماء لا ينجس» ثم لو صحا حملا
على عدم الخلوة، جمعا بين الدليلين، ثم على تقدير التعارض يرجح الأول بأنه
حاظر، ثم ناقل عن الأصل، إذ الأصل الحل اهـ.
والخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص المنع بالوضوء تبعا للحديث، وغيره ممن
علمت من الأصحاب يسوي بين الحدثين بمعنى أن لا فارق، فهو في معنى المنصوص،
ولهم في إلحاق طهارة الخبث
(1/303)
بذلك وجهان، (الإلحاق) اختيار القاضي، وأبي
البركات، وحكاه الشيرازي عن الأصحاب ما عدا ابن أبي موسى، إذ كل مائع لا
يزيل الحدث لا يزيل النجاسة. (وعدمه) اختيار ابن أبي موسى، وأبي محمد، وأبي
البركات في المحرر، اقتصارا على مورد النص، وقوله: لا يتوضأ الرجل. يخرجها
وامرأة سواها وقد تقدم. وكذا الخنثى لعدم تحقق ذكوريته، وقد يخرج الصبي وهو
مقتضى تعليل أبي البركات.
وقوله: بفضل. ربما أشعر بقلة الباقي، فلو كان ما خلت به كثيرا لم تؤثر
خلوتها، وهذا هو المذهب، إذ النجاسة لا تؤثر في الكثير، فهذا أولى وأحرى.
وطرد ابن عقيل الحكم في اليسير والكثير، نظرا للتعبد به.
وقوله: «بفضل» وهو يشمل المستحب، وهو أحد الوجهين، (ويخرج) منه ما خلت به
لإزالة النجاسة، وهو أحد الوجهين أيضا، وبه قطع ابن عبدوس، إذ الطهارة
تنصرف إلى طهارة الحدث، (والثاني) - وصححه أبو البركات -: حكمه حكم ما خلت
به لطهارة حدث، نظرا لعموم: نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة.
(ويخرج) منه أيضا ما خلت به لرفع طهارة كبرى، والأصحاب على التسوية بينهما
كما تقدم، ولفظ الحديث يشهد لذلك أيضا، (ويخرج) منه أيضا ما خلت به للتبريد
(1/304)
والتنظيف، وهو واضح لأن ذلك ليس بطهارة،
وكذلك ما خلت به للشرب، نعم هل يكره؟ .
209 - لأن في بعض ألفاظ الحكم بن عمرو: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن سؤر المرأة» ، أو لا يكره، وهو اختيار أبي
البركات، لأن اللفظ المشتهر «وضوء المرأة، أو طهور المرأة» ؟ على روايتين،
وظاهر كلام ابن تميم حكايتهما في الجواز وعدمه.
وقول الخرقي: المرأة. يشمل الكافرة، وهو أحد الوجهين، ويخرج الرجل وهو
واضح، وكذلك الخنثى، إذ المانع الأنوثية [ولم تتحقق] ، وقد يخرج الصغيرة،
ويحتمل: إن صحت طهارتها وجهان، (التأثير) لأنها من أهل الطهارة، والحديث
خرج على الغالب (وعدمه) اعتمادا على الحديث.
(تنبيه) : لم يتعرض الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعكس هذه المسألة، وهو فضل
ما خلى به الرجل للنساء، وقوة كلامه يعطي أن ذلك لا يؤثر منعا، ونص أحمد
على ذلك في رواية الجماعة، لمفهوم حديث الحكم، وعن بعض الأصحاب أنه منعهن
من ذلك.
(1/305)
210 - لما روى حميد الحميري قال: لقيت رجلا صحب النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع سنين، كما صحبه أبو هريرة، قال: «نهى رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو
يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعا» . رواه أحمد، وأبو داود،
والنسائي، وصححه الحميدي، وقال البيهقي: رجاله كلهم ثقات. والرجل المبهم
قيل: إنه الحكم، وقيل: إنه عبد الله بن سرجس، وقيل: ابن مغفل. والله أعلم.
قال: |