شرح
الزركشي على مختصر الخرقي [باب الغصب]
الغصب محرم بالإجماع، وقد دل عليه قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ
تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وقَوْله تَعَالَى:
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا
إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] الآية.
2085 - وعن السائب بن يزيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا،
ولا لاعبا، وإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها عليه» . رواه أحمد، وأبو
داود، والترمذي.
وهو في اللغة: أخذ الشيء ظلما. قاله الجوهري، وابن سيدة، وغيرهما.
وفي الاصطلاح قال أبو محمد في المقنع: أنه الاستيلاء على مال الغير قهرا
بغير حق. فالاستيلاء يستدعي القهر والغلبة، فإذا قوله:
(4/167)
«قهرا» زيادة في الحد، ولهذا أسقطه في
المغني، لكن فيه زيادة إيضاح، يخرج بذلك المال المسروق، والمنتهب،
والمختلس، لأنه لم يأخذه على وجه القهر.
وقوله: بغير حق. يخرج الاستيلاء بحق، كاستيلاء الولي على مال الصبي،
والحاكم على مال المفلس، ونحو ذلك.
وهو غير جامع، لخروج ما عدا المال من الحقوق؛ كالكلب، وخمر الذمي، ونحو
ذلك، ثم إنه عرف «غير» بالألف واللام، والمشهور عدم تعريفها بهما، ولهذا لم
يعرفها في المغني.
وقال أبو البركات: هو الاستيلاء على مال الغير ظلما. ويرد عليه ما ورد على
الأول، وأنه غير مانع، لدخول السرقة، والانتهاب، ونحو ذلك - كالاختلاس -
فيه، والله أعلم.
[تصرفات الغاصب في المغصوب]
قال: ومن غصب أرضا فغرسها أخذ بقلع غرسه،
(4/168)
وأجرتها إلى وقت تسليمها، ومقدار نقصانها،
إن كان نقصها الغرس.
ش: يصح غصب العقار على المذهب المعروف المشهور، حتى إن القاضي وعامة أصحابه
لم يذكروا في المسألة خلافا، مع أن القاضي ذكر رواية ابن منصور، واستشكلها.
2086 - وذلك لما روي عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوق يوم القيامة
من سبع أرضين» . متفق عليه. وفي لفظ لأحمد: «من سرق» .
2087 - وعن الأشعث بن قيس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا من كندة
ورجلا من حضرموت اختصما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في أرض باليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله أرضي اغتصبها هذا وأبوه. فقال
الكندي: يا رسول الله أرضي ورثتها من أبي. فقال الحضرمي: استحلفه يا رسول
الله أنه ما يعلم أنها أرضي وأرض والدي، اغتصبها أبوه، فتهيأ الكندي
لليمين، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه لا
يقتطع عبد - أو رجل - مالا بيمينه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم» . فقال
الكندي: هي أرضه وأرض والده» . رواه أحمد.
(4/169)
ونقل عنه ابن منصور ما يدل على أن العقار
لا يضمن بالغصب، إذ الغصب إثبات اليد على المال عدوانا، على وجه تزول به يد
المالك، ولا يوجد ذلك في العقار، وفائدة الخلاف أنها لو غرقت بماء السماء
ونحو ذلك، أو كان فيها بناء فانهدم، ضمن على الأول دون الثاني، ولو غصبها
غاصب آخر، فهدم بناءها، أو نقل ترابها، فللمالك تضمين من شاء منهما على
الأول، وعلى الثاني يضمن الثاني فقط، لوجود النقل والهدم منه. إذا تقرر هذا
فإذا غصب أرضا فغرسها، فإنه يؤخذ بقلع غرسه.
2088 - لما روى عروة بن الزبير، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «من أحيا أرضا فهي له، وليس لعرق ظالم حق» . قال: ولقد
أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث «أن رجلين اختصما إلى رسول الله
(4/170)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن
يخرج نخله منها، قال: فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس، وإنها لنخل
عم» . رواه أبو داود، والدارقطني، قال أحمد: العم الطوال. ويؤخذ بأجرتها
إلى وقت تسليمها، وكذلك كل ما له أجر، بناء على أن منافع المغصوب مضمونة،
إذ هي بمنزلة الأموال؛ ولهذا قلنا - على المشهور -: يجبر المفلس المحترف
على إيجار نفسه لوفاء دينه، وسواء انتفع أو لم ينتفع، لتلفها تحت يده
العادية.
ويؤخذ أيضا بنقص الأرض إن نقصها الغرس، وكذا لو نقصت بغيره، وكذلك الحكم في
كل عين مغصوبة، على
(4/171)
الغاصب ضمان نقصها، كما يضمن جملتها،
والنقص هو نقص القيمة في جميع الأعيان، اختاره الشيخان. (وعنه) - وهو
المشهور عنه -: أن في عين الدابة ربع قيمتها.
2089 - واعتمد في ذلك على ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه
كتب إلى شريح - وقد كتب إليه يسأله عن عين الدابة -: إنا كنا ننزلها بمنزلة
الآدمي، إلا أنا أجمع رأينا أن فيها ربع الثمن. وهذا إجماع، وهو اختيار
القاضي في التعليق، والشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، ثم الشيخان، وأبو
الخطاب في الهداية والقاضي في روايتيه، جعلوا الخلاف في عين الدابة من
الخيل، والبغال، والحمير، ونصوص أحمد على ذلك، والقاضي في تعليقه وفي
جامعه، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، وصاحب التلخيص، والمستوعب، وأبو
محمد في الكافي، خصوا الخلاف بعين الفرس.
(وعنه) : أن الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف، [وتفرد أبو محمد في
المقنع عن الأصحاب، فخرج أنه يضمن بأكثر الأمرين من النقص أو مما يضمن به
في
(4/172)
الإتلاف] ، وتحرير ذلك يحتاج إلى طول.
والله أعلم.
قال: وإن كان زرعها فأدركها ربها والزرع قائم، كان الزرع لصاحب الأرض،
وعليه النفقة، وإن استحقت بعد أخذ الغاصب الزرع لزمته أجرة الأرض.
ش: إذا غصب أرضا فزرعها فإن أدركها ربها والزرع قائم، كان الزرع له وعليه
النفقة، على ظاهر كلام أحمد - في عامة نصوصه - والخرقي، والشيرازي، وابن
أبي موسى فيما أظن.
2090 - لما روى رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له
من الزرع شيء، وله نفقته» . رواه الخمسة إلا النسائي، وقال البخاري: هو
حديث حسن. وعليه اعتمد أحمد، فقال في رواية
(4/173)
علي بن سعيد: آخذ به. وفي رواية حرب: أذهب
إليه. وقال القاضي، وعامة أصحابه، والشيخان: يخير مالك الأرض بين تركه إلى
الحصاد بالأجرة، وبين أخذه بالنفقة، نظرا إلى رب الأرض، وحملا على الغاصب،
إذ لو كلف الأخذ بالقيمة ربما شق ذلك عليه، وحكى أبو الخطاب احتمالا بأن
الزرع للغاصب، لأنه نماء ملكه، وعليه الأجرة.
ولا نزاع أن رب الأرض لا يجبر الغاصب على قلع الزرع. ثم هل النفقة قيمته -
وهي التي صححها القاضي في التعليق، قياسا على ما إذا أتلفه - أو نفقته من
البذر والمؤونة - وهو ظاهر كلام الخرقي لظاهر الحديث؟ فيه روايتان.
وقال ابن الزاغوني: أصلهما هل يضمن ولد المغرور بمثله
(4/174)
أو بقيمته؟ وإن أدركها ربها بعد أخذ الغاصب
الزرع فقد استقر ملك الغاصب عليه، لأنه نماء ملكه، فيكون له على القاعدة،
وإنما خرجنا عن ذلك في الزرع للحديث، وبعد الأخذ لا يشمله الحديث، لأنه
إنما يكون زرعا ما دام قائما، وعليه الأجرة، ونقص الأرض إن كانت نقصت، لما
تقدم.
ويدخل في عموم كلام الخرقي الزرع الذي يجز مرة بعد أخرى، كالنعنع ونحوه،
وهو أحد احتمالي أبي محمد.
والاحتمال الثاني: أن حكمه حكم الغراس، والله أعلم.
[الزيادة والنقصان في قيمة المغصوب]
قال: ومن غصب عبدا أو أمة وقيمته مائة، فزاد في بدنه، أو بتعليمه، حتى صارت
قيمته مائتين، ثم نقص بنقصان بدنه، أو نسيان ما علم، حتى صارت قيمته مائة،
أخذه سيده من الغاصب، وأخذ مائة.
ش: خلاصته أن زوائد العين المغصوبة مضمونة على الغاصب، سواء كان ذلك ذاتا؛
كالسمن، أو معنى؛ كتعلم صناعة، ونحو ذلك، لأنها تحدث على ملك مالك العين،
وقد تحصلت تحت يد الغاصب، فلزمه ضمانها كالأصل، فإذا غصب عبدا قيمته مائة،
فسمن أو تعلم صناعة، فصارت قيمته مائتين، ثم عاد كما كان، بأن
(4/175)
هزل أو نسي الصناعة، فإنه يجب على الغاصب
رده، ورد مائة في مقابلة ما ذهب من السمن أو الصناعة، والله أعلم.
[وطء الجارية المغصوبة]
قال: ومن غصب جارية فوطئها وأولدها، لزمه الحد، وأخذها سيدها وأولادها،
ومهر مثلها.
ش: إذا غصب جارية فوطئها لزمه الحد، لأنه زان، إذ لا شبهة له في ذلك، ثم
إذا قدر عليها سيدها أخذها، لأنها عين ملكه، وأخذ أولادها، لأنهم نماء
ملكه، ولا يلحق نسبهم بالواطئ لأنه زان، وأخذ مهر مثلها لأنه بدل منفعة.
(وعنه) : لا مهر للثيب، وهو بعيد، ولا لمطاوعة وهو جيد، «لنهيه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مهر البغي» ، والأول المذهب، لأن الحق
للسيد، فلا يسقط بمطاوعتها، فإذا كانت بكرا فعليه أرش بكارتها على الصحيح،
ولو اعتقد الغاصب حل الوطء، ومثله يجهل ذلك، لقرب عهده بالإسلام، ونحو
(4/176)
ذلك، فالحكم كذلك، إلا أنه لا حد عليه،
وأولاده أحرار يفديهم كما سيأتي، والله أعلم.
قال: وإن كان الغاصب باعها فوطئها المشتري، وأولدها وهو لا يعلم، ردت
الجارية إلى سيدها، ومهر مثلها، وفدى أولاده بمثلهم، وهم أحرار، ورجع بذلك
كله على الغاصب.
ش: إذا باع الغاصب الجارية المغصوبة، فإن البيع فاسد على المذهب، وقيل عنه:
يقف على الإجازة، وقيل عنه: يصح مطلقا، والتفريع على الأول، فنقول: لا يخلو
المشتري إما أن يكون عالما بالغصب أو غير عالم، والمرجع في ذلك إليه، لأن
ذلك مما يخفى، فإن كان عالما؛ فحكمه حكم الغاصب على ما تقدم، وإن لم يكن
عالما؛ فإن الجارية ترد إلى مالكها، لأنها مال غيره في يده، وقد قال -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» ، ويرد
مهر مثلها، لأنه في مقابلة منفعتها غير المأذون فيها، وإن كان المشتري قد
أولدها؛ فإن ولده حر، لاحق نسبه به، لمكان الشبهة، وعليه فداؤه على المذهب،
لأنه فوت رقه على سيده، باعتقاده
(4/177)
حل الوطء، وعنه لا فداء عليه، لانعقاده
حرا، ويفديه بمثله يوم الوضع على مختار القاضي، والشريف، وأبي الخطاب،
والشيخين، وغير واحد، لأنه أول أوقات الإمكان، وقيل: يوم المحاكمة. وهو
ظاهر إطلاق أحمد في رواية ابن منصور، وجعفر بن محمد، ثم هل يفديه بمثله -
وهو مختار الخرقي، والقاضي، وعامة أصحابه - أو بقيمته - وهو مختار أبي
محمد، وصاحب التلخيص، أو يخير، وهو مختار أبي بكر في المقنع؟ على ثلاث
روايات، وأصل الاختلاف اختلاف الصحابة، وهل المعتبر المثل في الصفات تقريبا
- وهو ظاهر كلام الخرقي وأحمد - أو المثل في القيمة وهو اختيار عبد العزيز؟
فيه وجهان.
(4/178)
ويرجع المشتري على الغاصب بقيمة الولد،
لأنه دخل على أنه غير مضمون عليه، ولا إتلاف من جهته، وهل يرجع بالمهر؟ فيه
روايتان؛ (إحداهما) وهي اختيار الخرقي والقاضي، وعامة أصحابه: نعم.
2091 - تبعا لقضاء عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإنه قضى بالرجوع، ولما
تقدم.
(والثانية) وهي اختيار أبي بكر: لا، اتباعا لقضاء علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، فإنه قضى بعدم الرجوع، ولأنه غرم ما استوفى بدله، فلم يرجع به،
كما لو تلفت الجارية أو أجزاؤها، والله أعلم.
[هلاك الشيء المغصوب]
قال: ومن غصب شيئا ولم يقدر على رده لزم الغاصب القيمة، فإن قدر عليه رده،
وأخذ القيمة.
(4/179)
ش: من غصب شيئا فعجز عن رده؛ كعبد أبق، أو
فرس شرد، ونحو ذلك، لزمته قيمته، لأنه تعذر رده، أشبه ما لو تلف، ويملكها
المغصوب منه، قاله أبو محمد.
وقال القاضي في التعليق: لا يملكها، وإنما يباح له الانتفاع بها، بإزاء ما
فاته من منافع العين المغصوبة، ولا نزاع أن الغاصب لا يملك العين المغصوبة،
فإذا قدر عليها بعد أداء القيمة ردها على المغصوب منه، لبقائها على ملكه،
وأخذ القيمة، لأن دفع القيمة كان لتعذر العين، وقد زال التعذر، ولئلا يجتمع
البدل والمبدل لشخص واحد، والله أعلم.
قال: ولو غصبها حاملا فولدت في يده، ثم مات الولد، أخذها سيدها، وقيمة
ولدها أكثر ما كانت قيمته.
ش: إذا غصب حاملا، أو حائلا فحملت عنده، فإن الولد مضمون عليه، إذ الولد
إما مودع في الأم، وإما كأجزائها، وفي كلا الموضعين يجب الضمان، إذ
الاستيلاء على الظرف وعلى الجملة استيلاء على المظروف وعلى الجزء.
إذا تقرر هذا فإذا ولدت في يده؛ فلا يخلو إما أن تلده حيا أو ميتا، فإن
ولدته ميتا وكان قد غصبها حاملا، فلا
(4/180)
شيء عليه، لأنه لا يعلم حياته حين
استيلائه، وإن كان قد غصبها حائلا فحملت، ثم أسقطته ميتا، فكذلك عند القاضي
أبي يعلى، وعند ابنه أبي الحسين يضمنه بقيمته لو كان حيا.
قال أبو محمد: والأولى إن شاء الله أن يضمنه بعشر قيمة أمه، وإن ولدته حيا
وجب رده مع أمه على مالكها، مع أرش نقص الولادة إن كان ثم نقص، فلما مات
الولد رد الأم ورد قيمة الولد لما تقدم، ثم إن كانت قيمته لا تختلف من يوم
الولادة إلى يوم التلف ردها، وإن اختلفت فإن كان لمعنى فيه من كبر، وسمن،
وهزال، وتعلم صناعة، ونحو ذلك؛ فالواجب القيمة الزائدة، لأنه مغصوب في تلك
الحال، فإذا نقص البعض؛ ضمن النقص، وإن كان الاختلاف لتغير الأسعار؛ لم
يضمنه، نص عليه، واختاره الأصحاب، حتى إن القاضي قال: لم أجد عن أحمد رواية
بالضمان، ونقل عنه ابن أبي موسى - وناهيك به - رواية بالضمان لذلك، وعليها
حمل القاضي كلام الخرقي هنا.
فعلى المذهب يضمن المغصوب بقيمته يوم تلفه، على المشهور والمختار أيضا عند
الأصحاب: إذ قبل التلف الواجب رد العين، وإنما ثبتت القيمة حين التلف. ونقل
عنه ابن مشيش: يضمنه بقيمته يوم غصبه، وكذلك نقل عنه ابن
(4/181)
منصور، إلا أنه عاوده في ذلك فجبن عنه،
تنزيلا لزوال يده منزلة تلف العين، وحكم بقية المتقومات كذلك، أما المثلي
فيضمن بمثله، فإن تعذر المثل فبقيمته يوم إعوازه على المذهب، والله أعلم.
قال: وإذا كانت للمغصوب أجرة، فعلى الغاصب رده وأجرة مثله مدة مقامه في
يده.
ش: يجب رد المغصوب ما دام باقيا، لما تقدم من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» وقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ومن أخذ عصا أخيه فليردها» ، ويجب الرد وإن
تضرر بذلك، كأن بعده، أو بنى عليه، ونحو ذلك، لأنه الذي أدخل الضرر على
نفسه، وإذا رده فإن كانت له أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يديه،
على المنصوص والمختار للأصحاب، وسواء استوفى المنافع، أو لم يستوفها؛ لأن
المنافع مال فوجب ضمانه كالعين، ونقل عنه محمد بن
(4/182)
الحكم التوقف في ذلك، إلا أن الخلال قال:
هذا قول قديم، لأن ابن الحكم مات قبل أبي عبد الله بنحو من عشرين سنة.
واستدل لذلك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج
بالضمان» وحمل على الأعيان، والله أعلم.
قال: ومن أتلف لذمي خمرا أو خنزيرا فلا غرم عليه، وينهى عن التعرض لهم فيما
لا يظهرونه.
ش: من أتلف - من مسلم أو ذمي - خمرا أو خنزيرا لذمي، فإنه لا غرم عليه.
2092 - لما في الصحيحين عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ألا إن
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم بيع الخمر، والميتة،
والخنزير، والأصنام» . وما حرم بيعه لا لحرمته لم تجب قيمته
(4/183)
كالميتة.
وخرج أبو الخطاب - وتبعه أبو البركات - رواية بضمان خمر الذمي على الذمي،
بناء على أنها مال، وعلى كل حال فينهى عن التعرض لهم فيما لا يظهرونه، لأن
عقد الذمة اقتضى تركهم وما هم عليه، ما لم يضر المسلمين، والوفاء بالعهد
واجب، أما إن أظهروا ذلك فإنه يتعرض لهم، ويمنعون منه، لمخالفتهم الشرط،
والله أعلم.
(4/184)
|