شرح الزركشي على مختصر الخرقي

 [باب أجل العنين والخصي غير المجبوب]
ش: العنين العاجز عند الوطء، وربما اشتهاه ولا يمكنه، مشتق من عن الشيء، إذا عرض، وقيل: الذي له ذكر لا ينتشر، والخصي من قطعت خصيتاه، وفي معناه الموجوء، وهو المرضوض والمسلول وهو الذي سلت بيضتاه، أما المجبوب فهو الذي قطع ذكره، وقد تقدم حكمه.

قال: وإذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها أجل سنة منذ ترافعه إلى الحاكم فإن لم يصبها فيها خيرت في المقام معه أو فراقه، فإن اختارت فراقه كان ذلك فسخا بلا طلاق.
ش: إذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إلى جماعها، فإن اعترف الزوج بذلك أجل سنة على المذهب المنصوص، والمختار لعامة الأصحاب.
2604 - لما روي عن سعيد بن المسيب عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أجل العنين سنة.
2605 - وعن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يؤجل سنة، فإن أتاها وإلا فرق بينهما. رواهما الدارقطني.

(5/261)


2606 - وعن المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: العنين يؤجل سنة، ولأن عجزه عن الوصول إليها يحتمل أن يكون لمرض، فيضرب له سنة، لتمر عليه الفصول الأربعة، فإن كان من يبس زال في زمن الرطوبة، وإن كان من رطوبة زال في زمن الحرارة، وإن كان من انحراف مزاج زال في زمن الاعتدال، فإذا مضت الفصول ولم يزل علم أنه خلقة وجبلة، واختار أبو بكر وأبو البركات أنه لا يؤجل، ويفسخ في الحال، كالجب، ولأن المقتضي للفسخ قد وجد، وزواله محتمل، والأصل والظاهر عدمه، وإن لم يعترف الزوج بذلك، ولم يدع وطأ فهل القول قوله، قاله أبو الخطاب في

(5/262)


الهداية، والقاضي في التعليق وفي غيره، لأنه منكر، لا سيما وقد عضده أن الأصل السلامة، أو القول قولها، فيؤجل بمجرد دعواها، وهو ظاهر قول الخرقي، ووقع للقاضي في التعليق في موضع آخر لأن الأصل عدم الوطء أو القول قوله إن كانت ثيبا، وإن كانت بكرا أجل بقولها، وهو الذي جزم به في المغني، لاعتضاد عدم الوطء بالبكارة، على ثلاثة أقوال، وعلى الأول يحلف على الصحيح من الوجهين، فإن نكل قضي عليه وأجل، وقيل: لا يحلف كمدعي الطلاق انتهى. وحيث أجل فإن ابتداء التأجيل من حين رفعته إلى الحاكم، لأنها مدة مختلف فيها، فاحتيج في ضربها إلى الحاكم، بخلاف مدة الإيلاء، ثم إن أصابها في المدة المضروبة فقد تبينا أن لا عنة، وإن لم يصبها فيها خيرت بين المقام معه وبين فراقه، لقضاء الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بذلك، وكما لو امتنع الوطء من جهتها برتق ونحوه، لا يقال: الوطء حق للرجل دون المرأة، لأنا نقول: بل هو حق لهما، بدليل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ؛ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ومن الإمساك بالمعروف الجماع.

(5/263)


2607 - ولا يرد حديث امرأة رفاعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث أخبرت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعنة زوجها، ولم يجعل لها الفسخ، لأن ابن عبد البر قال: صح أن ذلك كان بعد طلاقه، فلا معنى لثبوت الفسخ لها على أنا لا نسلم عنته، بل كان ضعيف الجماع، ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حتى تذوقي عسيلته» ، وذوق العسيلة موقوف على إمكان الجماع، انتهى، ومن اختارت الفراق رجع إلى الحاكم، للاختلاف فيه، فإما أن يفسخ باختيارها، وإما أن يرده إليها، فتفسخ، ويقع الفراق فسخا لا طلاقا.
وقول الخرقي: والخصي، ظاهره أن حكمه حكم العنين، وكذا ترجم القاضي في الجامع، فيجري فيه ما تقدم، قال أبو محمد: وقد قيل: إن وطأه أكثر من وطء غيره، وقوله: غير

(5/264)


المجبوب. مقتضاه أن المجبوب لا يثبت فيه هذا الحكم، وقد تقدم له أن المجبوب يثبت لامرأته الفسخ في الحال، لكن قال أبو محمد في المغني: إذا بقي من ذكر المجبوب ما يمكن الوطء به، الأولى ضرب المدة، وبعده أبو العباس، بأنه لا يتجدد له قدرة لم تكن، بخلاف العنين، والله أعلم.

قال: فإن قال: قد علمت أني عنين قبل أن أنكحها. فإن أقرت أو ثبت ما قال ببينة، فلا يؤجل، وهي امرأته.
ش: إذا ادعت المرأة عنة الرجل، فادعى أنها علمت ذلك قبل أن ينكحها، فإن أنكرت فالقول قولها مع يمينها، إذ الأصل عدم علمها، ويؤجل، وإن أقرت بذلك، أو أنكرت فأقام بينة بما ادعاه، فلا يؤجل، وهي امرأته، لا سبيل لها إلى فسخ العقد بحال، لأنها دخلت على بصيرة، أشبه ما لو علمته مجبوبا ونحو ذلك، والله أعلم.

قال: وإن علمت أنه عنين بعد الدخول، فسكتت عن المطالبة، ثم طالبت بعد، فلها ذلك، ويؤجل سنة من يوم ترافعه.
ش: لأن نفس السكوت لا يدل على الرضى، وقد أخذ من هذا القاضي، وأبو محمد أن الخيار في العيوب على التراخي، وهو اختيار القاضي في الجامع، وأبي الخطاب في الهداية، والشيخين وغيرهم، لأنه لدفع ضرر متحقق، فكان على التراخي،

(5/265)


كخيار القصاص، وحد القذف، وعكسه خيار الشفعة والمجبرة، فإن ضرره غير متحقق، وقال القاضي في المجرد، وابن عقيل، وابن البنا في الخصال: إنه على الفور، لأنه لدفع ضرر، أشبه خيار الشفعة، قال ابن عقيل: ومعناه أن المطالبة بحق الفسخ تكون على الفور، فمتى أخر ما لم تجر العادة به بطل، لأن الفسخ على الفور، وعلى الأول لا يسقط الخيار إلا بما يدل على الرضى من قول، أو استمتاع أو تمكين منه، ونحو ذلك، ولا يعتبر التصريح بالرضا، لأن الدال على الشيء قائم مقامه، ومنزل منزلته، واستثنى من ذلك أبو البركات خيار العنة، لا يسقط إلا بالقول، لا يسقط بالتمكين من الاستمتاع ونحوه، إذ عنته إنما تعلم بعجزه عن الوطء، وذلك لا بد فيه من التمكين من الوطء، وقال أبو العباس: إنه لم يجد هذه التفرقة لغيره، وجعل أنه متى أمكنته في حال لها الفسخ سقط خيارها، وحيث لم يثبت لها الفسخ، وإن ثبت العيب لا عبرة بتمكينها، ولا فرق في ذلك بين العنة وغيرها، والله أعلم.

قال: فإن قالت في وقت من الأوقات: قد رضيت به عنينا. لم تكن لها المطالبة بعد.
ش: إذا قالت المرأة في وقت من الأوقات - قبل العقد أو بعده، وقبل التأجيل أو بعده، وقبل مضي الأجل أو بعد مضيه -: قد رضيت به عنينا، سقط خيارها، ولم يكن لها المطالبة بعد،

(5/266)


وذلك لأنها صرحت برضاها به معيبا، أشبه ما لو رضيت به مجبوبا ونحوه، ومن هنا والله أعلم أخذ أبو البركات أن خيار العنة لا يسقط إلا بالقول، والله أعلم.

قال: وإن اعترفت أنه قد وصل إليها مرة، بطل أن يكون عنينا.
ش: كذا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وغيره، ولا نزاع في ذلك، إذا كان الوصول في الفرج في هذا النكاح، لتحقق قدرته على الوطء، أما لو كان الوصول في الدبر، أو في نكاح سابق، فوجهان (أحدهما) يزول، ويحتمله إطلاق الخرقي، وهو مقتضى قول أبي بكر، لقوله: إن العنين يختبر بتزويج امرأة من بيت المال، وذلك لأن العنة خلقة وجبلة، فلا تختلف باختلاف الأوقات والمحال (والثاني) وهو اختيار القاضي، وأبي الخطاب وأبي محمد وغيرهم، لا يزول، إذ الفسخ ثبت لها دفعا للضرر الحاصل لها بعدم وطئها في هذا النكاح في محل الوطء، فلا يزول بغير ذلك، لبقاء الضرر، ولعل هذين الوجهين مبنيان على تصور طريان العنة، وقد وقع للقاضي وابن عقيل أنها لا تطرأ، وكلامهما هنا يدل على طريانها، وقال ابن حمدان: إنه الأصح.
وعموم كلام الخرقي يقتضي أن عنته تزول بالوصول إليها، وإن كان محرما، كما إذا وطئها، وهي حائض أو نفساء ونحو ذلك، وهو الصحيح من الوجهين، لتحقق قدرته على الوطء، والوجه

(5/267)


الآخر: لا تزول، كما لا تحصل به الإباحة للزوج الأول، ولو كان التحريم لأمر خارجي عن المحل، كما لو وطئها وهو في المسجد، أو وهو مانع لصداقها زالت به العنة قولا واحدا ذكره القاضي، وعكسه لو وطئها في حال الردة، لا تزول به العنة، ذكره القاضي في الجامع محل وفاق مع الشافعية.
(تنبيه) والوطء الذي يخرج به من العنة في حق سليم الذكر غيبوبة الحشفة في الفرج، كسائر أحكام الوطء، وقيل يشترط إيلاج جميعه، إذ الحشفة قد تدخل بمعالجة، فلا يعلم دخولها باعتماد من الذكر، وفي حق مقطوع الذكر بقدر الحشفة، كما لو كان سليما، وقيل لا بد هنا من تغييب الباقي، قاله القاضي في الجامع، إذ لا حد هنا يعتبر، والله أعلم.

قال: وإن جب قبل الحلول كان لها الخيار في وقتها.
ش: يعني إذا أجلناه فجب ذكره قبل الحول، فلها الخيار في الحال، لأنه قد تحقق عجزه عن الوطء والحال هذه، فلا حاجة إلى انتظار الحول، وقد تقدم أن القاضي وغيره أخذوا من هذا ثبوت الخيار

(5/268)


بالعيب الحادث، قال أبو محمد: ويحتمل أن ثبوت الفسخ هنا بالجب الحادث لتضمنه مقصود العنة في العجز عن الوطء، بخلاف غيره من العيوب، والله أعلم.

قال: وإن زعم أنه قد وصل إليها، وقالت: أنا عذراء أريت النساء الثقات، فإن شهدت بما قالت أجل سنة.
ش: يعني إذا أنكر العنة، وادعى أنه وصل إليها، وقالت: أنا عذراء. فإنها ترى النساء، فإن شهدن بما قالت فالقول قولها، فيؤجل، لأنه قد ظهر كذب دعواه، وهل تجب عليها اليمين إن قال: أزلت بكارتها ثم عادت؟ فيه احتمالان، (أحدهما) - وبه قطع القاضي، وأبو الخطاب في الهداية، وأبو البركات وغيرهم - تجب، لأن ما ادعاه محتمل، (والثاني) - ويحتمله كلام الخرقي، وابن أبي موسى -: لا تجب، لأن ما يبعد جدا لا التفات إليه كاحتمال كذب البينة، وإن شهدت بزوال عذرتها فالقول قول الزوج، لتبين كذبها، فلا يؤجل، ولا يمين، حذارا من مخالفة الأصل، وهو وجوب اليمين مع البينة إلا إن قالت: زالت بغير ما ادعاه.
وقول الخرقي: أريت النساء. المراد به الجنس، إذ يكتفى بامرأة في رواية مشهورة، وفي أخرى بامرأتين، والله أعلم.

(5/269)


قال: وإن كانت ثيبا وادعى أنه يصل إليها، أخلي معها، وقيل له: أخرج ماءك على شيء. فإن ادعت أنه ليس بمني، جعل على النار، فإن ذاب فهو مني، وبطل قولها، وقد روي عن أبي عبد الله قول آخر أن القول قوله مع يمينه.
ش: (الأول) رواه مهنا، وأبو داود، وأبو الحرث وغيرهم، واختاره القاضي، والشريف، وأبو الخطاب في خلافاتهم، والشيرازي، إذ بذلك يظهر صدقه أو صدقها، إذ الغالب أن العنين لا ينزل، فمع الإنزال يغلب على الظن كذبها، فيكون

(5/270)


القول قوله، ومع عدم الإنزال يظهر صدقها، فيكون القول قولها، ومع الإنزال إذا أنكرت أنه مني يختبر بجعله على النار، فإن ذاب فهو مني، إذ ذلك من علاماته، وإن يبس وتجمع فهو بياض بيض (والثاني) نقله ابن منصور، واختاره أبو محمد، والقاضي في روايتيه، لأنها تدعي عليه ما يقتضي فسخ العقد، والأصل عدمه، وبقاء النكاح، وتجب عليه اليمين على الصحيح.
2608 - لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولكن اليمين على المدعي عليه» ، قال القاضي: ويتخرج أن لا يمين، بناء على إنكار الطلاق (وعنه رواية ثالثة) نقلها ابن منصور أيضا: القول قولها، إذ الأصل عدم الوطء، وتجب عليها اليمين على الصحيح أيضا، لما تقدم، وقيل: لا، بناء على أن لا استحلاف في غير المال.
واعلم أن هذه الرواية الأخيرة خصها أبو البركات بما إذا ادعى الوطء بعد ما ثبتت عنته وأجل، لأنه انضم إلى عدم الوطء وجود ما يقتضي الفسخ، وجعل على هذه الرواية إذا ادعى الوطء ابتداء، وأنكر العنة القول قوله مع يمينه، وأطلقها جمهور الأصحاب، ولفظها يشهد لهم، قال: إذا ادعت المرأة أن زوجها لا يصل إليها استحلفت انتهى، وقال أبو بكر في التنبيه: يزوج امرأة من بيت المال، قال القاضي: لها دين، وقال أبو

(5/271)


محمد: لها حظ من الجمال: فإن ذكرت أنه قربها كذبت الأولى، وخيرت الثانية في الإقامة والفراق، ويكون الصداق من بيت المال، وإن كذبته فرق بينه وبين الأولى، وكان الصداق عليه في ماله.
2608 - م - واعتمد في ذلك على ما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت أنه لا يصل إليها زوجها، فكتب إلى معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فكتب إليه أن زوجه امرأة ذات جمال، يذكر عنها الصلاح، وسق إليها المهر من بيت المال، فإن أصابها فقد كذبت، وإن لم يصبها فقد صدقت، ففعل سمرة ذلك، فجاءت المرأة فقالت: ليس عنده شيء. ففرق بينهما، والله أعلم.

[نكاح الخنثى المشكل]
قال: وإذا قال الخنثى المشكل: أنا رجل. لم يمنع من نكاح النساء، ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد، وكذلك لو سبق فقال: أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا.
ش: يرجع إلى الخنثى المشكل في التزويج، فإذا قال: أنا رجل. كان له نكاح النساء، وإن قال: أنا امرأة، كان له نكاح الرجال، على قول الخرقي، واختاره القاضي في الروايتين، لأن الله سبحانه أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى، وميلها إليه، وهذا الميل في النفس لا يطلع عليه غيره، فرجع فيه إليه، لتعذر معرفته من غيره، كما يرجع إلى المرأة في حيضها

(5/272)


وعدتها، ومنصوص أحمد في رواية الميموني أنه لا يزوج ولا يتزوج حتى يتبين أمره، واختاره أبو بكر، وابن عقيل، لأنه مشكوك في حله للرجال والنساء، فلم يحل نكاحه حتى يتبين أمره، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية، ولا تفريع على هذا أما على قول الخرقي فلو رجع عن قوله الأول، بأن قال: أنا رجل، ثم قال: أنا امرأة، أو بالعكس، فلا يخلو إما أن يكون متزوجا أو غير متزوج، فإن كان غير متزوج منع من نكاح الرجال والنساء، على ظاهر كلام أبي محمد في الكافي، واختاره أبو البركات، لأنه بإقراره مثلا أنه رجل أقر بتحريم الرجال عليه، ثم بقوله ثانيا: إنه امرأة أقر بتحريم النساء عليه.
وظاهر كلام الخرقي والأصحاب أن له نكاح ما أبيح له أولا، ولا يعول على قوله بعد، وإن كان متزوجا انفسخ نكاحه من المرأة، لأن النكاح حق للرجل، وقد أقر بما يبطله، أشبه ما لو قال: هي أختي من الرضاع ولا ينفسخ نكاحه من الرجل، لأن النكاح والحال هذه حق عليه، فلا يقبل قوله في إسقاط حق الغير، قال ذلك الشيخان، وقال القاضي: إذا تزوج امرأة ثم عاد، أو بالعكس لم يقبل، ويجري الحكم في النكاح على القول

(5/273)


الأول، وعلله بأنه يتهم في رفع فراش الرجل إذا عاد فقال: أنا رجل، ويتهم في قصد فسخ النكاح، ليسقط عنه مهر المرأة إذا عاد فقال: أنا امرأة. وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب، وابن عقيل انتهى، وفي نكاحه لما يستقبل ما تقدم من قول الأصحاب، وقول أبي البركات والله أعلم.

[ما يحصل به الإحصان الذي يجب به الرجم]
قال: وإذا أصاب الرجل، أو أصيبت المرأة بعد الحرية والبلوغ بنكاح صحيح، وليس واحد منهما بزائل العقل، رجما إذا زنيا.
ش: ذكر الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا ما يحصل به الإحصان الذي يجب به الرجم بالزنا، وهو الإصابة، كأن يطأ الرجل المرأة في القبل، أو توطأ المرأة كذلك.
2609 - لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثيب بالثيب الجلد والرجم» والثيابة إنما تحصل بالوطء في القبل، ويشترط في هذه الإصابة شروط (أحدها) أن تغيب الحشفة أو قدرها، إذ الأحكام إنما تترتب على ذلك، ولا تكفي الخلوة بلا خلاف، قاله أبو محمد (الثاني) أن يكون بعد الحرية والعقل، لأن الإحصان كمال، فيشترط أن يكون في حال الكمال، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل على الثيب الرجم، فلو حصل الإحصان بذلك لجاز رجم العبد

(5/274)


والمجنون، ولا يجوز (الثالث) أن يكون بعد البلوغ على الصحيح المعروف لما تقدم، وعن ابن أبي موسى: يتحصن البالغ بوطء المراهقة، وتتحصن البالغة بوطء المراهق، لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه (الرابع) أن يكون بنكاح، فلا إحصان لواطئ بشبهة، أو ملك يمين ونحو ذلك إجماعا، إذ النعمة إنما تكمل بالوطء بذلك، ويشترط في النكاح أن يكون صحيحا، إذ الفاسد ليس بنكاح شرعي.
(تنبيه) يشترط أن تكون الموطوءة مثل الواطئ في الكمال، فيطأ الحر المكلف حرة مكلفة فلو وطئ الحر المكلف بنكاح صحيح رقيقة أو مجنونة فلا إحصان لهما، والله أعلم.

قال: والكافر والمسلم الحران فيما وصفت سواء.
ش: يعني أنه لا يشترط للإحصان الإسلام، بل يحصل الإحصان للذميين، كما يحصل للمسلمين، بالشروط السابقة.
2610 - لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم اليهوديين اللذين زنيا، اقتداء بقول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فدل على أنهما قد أحصنا، فتحصن الذمية زوجها المسلم، كما تحصن الذمي، على

(5/275)


المذهب المشهور لما تقدم، (وعنه) لا تحصنه، لأنها أنقص منه، فأشبهت الرقيقة.
(تنبيه) كثير من الأصحاب يفرض المسألة في الذمي، وبعضهم زاد معه المستأمن، وهو واضح، لأن له ذمة، وكلام الخرقي يشمل كل كافر، وتبعه على ذلك أبو البركات، ولعله أمشى على قولهم أن حكم نكاح الكفار حكم نكاح المسلمين، وقال ابن حمدان: والمجوسي لا يتحصن بوطء ذات رحمه المحرم. والله أعلم.

(5/276)


كتاب الصداق ش: الصداق العوض الواجب في عقد النكاح أو ما قام مقامه، فالواجب يشمل المسمى ومهر المثل، إن لم يكن مسمى، وما قام مقام النكاح، ليدخل وطء الشبهة، وله ثمانية أسماء (الصداق) ، (والنحلة) ، قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] (والأجر) (والفريضة) ، قال الله سبحانه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] .
2611 - (والمهر) قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها» .
2612 - (والعلائق) يروى «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أدوا العلائق؟» قالوا: يا رسول الله وما العلائق؟ قال: «ما يرضى به الأهلون»

(5/277)


(والعقر) بضم العين، وسكون القاف.
2613 - قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لها عقر نسائها. (والحباء) ممدودا بكسر الحاء، قال الشاعر:
أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الحباء من أدم
والأصل في مشروعيته الإجماع، وقد دل عليه ما تقدم من

(5/278)


الآيتين، وقَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] الآية.
2614 - وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع من زعفران، فقال: «مهيم؟» فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، قال: «ما أصدقتها؟» قال: وزن نواة من ذهب» . رواه الجماعة.
(تنبيه) : (ردع) فتح الراء، وسكون الدال المهملتين، أي لطخ وأثر لم يعمه كله، وروي: درع (ومهيم) بفتح الميم كلمة يمانية، أي ما هذا وما شأنك؟ (ووزن نواة) اسم لما زنته خمسة دراهم، ذهبا كان أو فضة، كالأوقية للأربعين على الأشهر، وقيل: كانت قدر نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم ونصف، وقيل ثلاثة دراهم وربع، وقيل: ربع دينار. والله أعلم.

(5/279)


[مقدار الصداق وما يشترط فيه]
قال: وإذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو صغيرة عقد عليها أبوها بأي صداق اتفقوا عليه فهو جائز، إذا كان شيئا له نصف يحصل.
ش: وضع هذه المسألة أن الصداق يجوز بما اتفقوا عليه من قليل أو كثير، ولا يتقدر أقله بعشرة دراهم ولا غيرها، ولا أكثره، (أما الأول) فلما تقدم من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولظاهر قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] والدرهم والدرهمان مال، فيدخل في الآية الكريمة.
2615 - وعن عامر بن ربيعة أن «امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أرضيت من نفسك بنعلين؟» قالت: نعم. فأجازه رسول الله» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواه أحمد وابن ماجه، والترمذي وصححه.

(5/280)


2616 - وعن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل» رواه أبو داود وغيره.
2617 - وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي أراد أن يتزوج الموهوبة: «التمس ولو خاتما من حديد» ، ومعلوم أن الخاتم الحديد لا يساوي عشرة دراهم، وحمله على خاتم من حديد صيني يساويها، حمل للفظ على معناه النادر دون المعتاد، لا سيما والتنكير في مثل هذا المقام للتقليل، لكن الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشترط أن يكون له نصف يحصل، فلا يجوز على فلس ونحوه، حذارا من أن

(5/281)


يبتغي بغير مال، كما إذا طلقها قبل الدخول، وتبعه على ذلك ابن عقيل في الفصول، وأبو محمد، وفسره بنصف يتمول عادة، وليس في كلام أحمد هذا الشرط، وكذا كثير من أصحابه، حتى بالغ ابن عقيل في ضمن كلام له، فجوز الصداق بالحبة والتمرة التي ينتبذ مثلها ولا يعرف.
وأما (الثاني) فلظاهر قول الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] الآية.
2618 - قال أبو صالح: القنطار مائة رطل، وهو عرف الناس اليوم.
2619 - وقال أبو سعيد الخدري: ملء مسك ثور ذهبا.
2620 - وعن مجاهد: سبعون ألف مثقال.

(5/282)


2621 - وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أصدق أم كلثوم ابنة علي أربعين ألفا، رواه أبو حفص، مع أن هذا إجماع حكاه ابن عبد البر وغيره، لكن الأولى تقليل المهر وتخفيفه.
2622 - لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة» رواه أحمد.
2623 - وعن أبي العجفاء، قال: لا تغالوا بصدق النساء، فإنه لو

(5/283)


كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. رواه الخمسة، وصححه الترمذي. وكماله عشرة دراهم، على ظاهر كلام القاضي أبي يعلى الصغير، خروجا من الخلاف، واتفق الكل على أن المستحب أن لا يزيد على صداق أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبناته، تأسيا به، وطلبا لبركته والاقتداء به، وهو من أربع مائة درهم إلى خمس مائة، لما تقدم عن عمر.
2624 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كم كان صداق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدري ما

(5/284)


النش؟ قلت: لا. قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم، هذا صداق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأزواجه. رواه مسلم، وكلام أحمد في رواية حنبل يقتضي أنه بلغه أن صداق بنات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعمائة درهم.
وقد تضمن كلام الخرقي أن من شرط صحة التسمية الرضى ممن هو معتبر منه، ولا نزاع في ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] .
2625 - ويروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «العلائق ما تراضى عليه الأهلون» ثم إن كان العاقد الأب وهي صغيرة فالرضى منوط به، وإن كانت بالغة رشيدة اعتبر رضاها، نعم للأب أن يزوجها بدون صداق مثلها، كما تقدم في أول كتاب النكاح، والله أعلم.

(5/285)


(تنبيه) وجوب المهر في ابتداء النكاح هل هو حق لله تعالى أو للآدمي؟ فيه وجهان: (أحدهما) : أنه حق للآدمي، قاله القاضي في التعليق، في ضمن مسألة أقل الصداق، وفي تزويج الدنيء بغير مهر، وفي فساد المهر، وهو قول كثير من أصحابه في الخلاف، وبنوا عليه تزويج عبده من أمته ولا مهر، وذلك لأنه يسقط بالعفو بعد وجوبه، ولو كان حقا لله تعالى لما سقط. (والثاني) : أنه حق لله تعالى، قاله القاضي أبو يعلى الصغير، وابن عقيل في موضع، وهو قياس المنصوص في وجوب المهر فيما إذا زوج عبده من أمته، وذلك لأنه يجب مهر المثل للمفوضة، وإن رضيت بسقوطه، وهذا هو مأخذ المفوضة عند القاضي أبي يعلى الصغير، والقاضي يجيب عن ذلك بأنه إسقاط للحق قبل وجوبه فلذلك لم يسقط، والله أعلم.

قال: وإذا أصدقها عبدا بعينه، فوجدت به عيبا فردته به كان لها عليه قيمته.
ش: إذا أصدقها عبدا بعينه - كأن قال: تزوجتك على هذا العبد، فوجدت به عيبا، فإن لها رده وإن كان العيب يسيرا، بلا نزاع بين أصحابنا فيما نعلم، كالمبيع المعيب، فإذا ردته فلها قيمته صحيحا، لأنها قد رضيت ببذل نفسها بذلك، لا بما دونه، ولو كان الصداق مثليا والحال هذه، فردته فلها مثله،

(5/286)


فإن اختارت الإمساك وأخذ الأرش كان لها ذلك على المشهور، كالمبيع المعيب، ونقل عنه مهنا ما يدل على أنه لا أرش مع الإمساك، وأظن هذا أصل الرواية المذكورة في البيع، ولعله ظاهر كلام الخرقي هنا، وذلك لأن الأرش زيادة في الصداق لم يلتزمها الزوج، ولا رضي بها، والأرش هنا والله أعلم قيمة الجزء الفائت، ولو كان الصداق على عبد في الذمة، فسلمه لها فوجدت به عيبا، فالواجب إبداله لا أرش ولا قيمة، لأنا قد تبينا أنه قد سلم غير الواجب عليه، فالواجب باق في ذمته، فيجب دفعه، ووقع لأبي محمد في عوض الكتابة إذا بان معيبا أنه يخير بين الرد، والإمساك مع الأرش، وعوض الكتابة إنما يكون في الذمة، وهو سهو، والله أعلم.

قال: وكذلك إن خرج حرا أو استحق، سواء سلمه إليها أو لم يسلمه.
ش: كذلك إذا تزوجها على عبد بعينه فخرج حرا، أو استحق بأن بان غصبا ونحو ذلك، فإن لها قيمته، لأنه قد تعذر تسليمه، فوجب الرجوع إلى بدله، إذ البدل يقوم مقام المبدل عند تعذره، وتعتبر القيمة يوم التزويج، قاله القاضي في التعليق.

(5/287)


وقد تضمن كلام الخرقي صحة النكاح، ولا نزاع في ذلك، وتضمن كلام الخرقي أيضا وكلام الأصحاب والإمام أنها إذا ردت الصداق بالعيب في المسألة السابقة، أو خرج حرا أو مغصوبا أنها لا ترجع في مقابله وهو نفسها، فيفسخ النكاح، ولا يجب لها بدل ذلك، وهو مهر المثل، وعلل بأنها رضيت بما سمي لها، فلا ترجع إلا إلى بدله، وقد يقال: إن قاعدة المعاوضات خلاف هذا، لأنها متى فسخت في الثمن وتعذر الرجوع في العين المبيعة، فإنها ترجع ببدلها، لا ببدل الثمن، وذلك كما إذا بيع عبد بثوب بشرط الخيار ثلاثا فأعتق المشتري العبد أو تلف، وفسخ البائع البيع في الثوب، على إحدى الروايتين، فإنه يرجع ببدل العبد، لا بقيمة الثوب، وقياس هذا هنا أنه يرجع بمهر المثل، وقد يجاب عن هذا بأن ثم إنما وجب بدل العبد، لا بدل الثوب، لأن العقد انفسخ، ومع الانفساخ يرجع كل واحد منهما إلى ما خرج عنه، وقد تعذر الرجوع في العبد، فيرجع ببدله لمكان العذر، وليس هنا كذلك، إذ العقد لا ينفسخ بذلك، لأنه لا يفسد بفساد الصداق، ولا بعدمه، فبكونه معيبا أولى، وغايته أنه قد عدم الصداق في العقد، وذلك لا يفسده، وأبو العباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بعض قواعده ينازع في هذا الأصل، ويختار أن للمرأة الفسخ، كما للبائع والمؤجر الفسخ مع العيب، والرجوع في العين المبيعة والمؤجرة، والجامع أنه عقد

(5/288)


معاوضة، بل هنا أولى، إذ المال والمنفعة يجوز بذلهما بغير عوض، أما النكاح فلا يجوز إلا بصداق، ولأن للمرأة الفسخ إذا ظهر الزوج معسرا قبل الدخول، كما لو ظهر معسرا بالثمن، فلها الفسخ إذا بان عيبه، أو ظهر معيبا بل أولى، ألا ترى أن العيب يثبت الفسخ في المبيع بالإجماع، وفي الإفلاس بالثمن بعد القبض نزاع، والبدل يقوم مقام المبدل في الاتلافات لتعذر الأصل، أما في العقود فالمقصود العين، فإذا لم تحصل فات الرضى المشروط، والقول بأن الصداق تابع لا مقصود لا يجدي، فإن الله سبحانه عظم شأن الصداق في كتابه، وأمر بإيتائه، وعلق الحل عليه، ونهى عن أخذ شيء منه إلا عند تعدي الحدود، فشأنه أعظم من شأن الثمن والأجرة، والوفاء به أوجب.
2626 - قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» والله أعلم.

قال: وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبدا بعينه، فلم يبع، أو طلب به أكثر من قيمته، أو لم يقدر عليه فلها قيمته.

(5/289)


ش: هذا منصوص أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الأثرم، وقاله القاضي، وأبو محمد وغيرهما، (وهو دال بتضمنه) على أن التسمية صحيحة إذا، غايته وقصاراه أنه أصدقها ملك الغير، وذلك لا يمنع الصحة، كما لو تزوجها على عبد فخرج حرا، ولأن هذا غرر يسير فيحتمل، إذ المعاوضة في الصداق ليست بمحضة، إذ المقصود الأعظم إنما هو الوصل والاستمتاع، ومقتضى كلام أبي بكر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هذه التسمية لا تصح، قال في مقنعه: النكاح كالبيع، لا يصح إلا على معلوم كالبيع، وذلك، لأنه عقد معاوضة، فأشبه البيع، (ودل بمنطوقه) على أنه متى لم يبع العبد سيده أو طلب فيه أكثر من قيمته، أو لم يقدر عليه لإباقه أو غير ذلك أن لها قيمته، لما تقدم في التي قبلها، وفيه البحث السابق في وجوب مهر المثل، وفي فسخ النكاح، وقد يقال في الزيادة اليسيرة غير المجحفة: يلزم الشراء كما في نظائره.
ومقتضى كلام الخرقي أنه لو قدر على الشراء فبذل القيمة لم يلزمها القبول، وهو اختيار أبي محمد، وقيل: يلزمها، ولعله بناء على ما إذا أصدقها عبدا موصوفا وجاءها بقيمته، والله أعلم.

قال: وإذا تزوجها على خمر أو ما أشبهه من المحرم وهما مسلمان ثبت النكاح، وكان لها مهر المثل أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول.

(5/290)


ش: إذا تزوجها على خمر أو ما أشبهه من المحرم، كالخنزير والميتة، والحال أنهما مسلمان، فالنكاح صحيح ثابت، على المشهور من الروايتين، والمختار لجمهور الأصحاب، الخرقي وابن حامد والقاضي، والشريف وأبي الخطاب، وابن عقيل وأبي محمد وغيرهم، حتى بالغ القاضي وأبو محمد فحملا الثانية على الاستحباب، وذلك لإطلاق «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» ظاهره الصحة وإن كان المهر فاسدا، ولأن فساده لا يزيد على عدمه، ولو عدم صح النكاح، فكذلك إذا فسد، ولأن النكاح قد يخلو عن مهر، بدليل تزويج عبده من أمته، على اختيار القاضي، وكثير من أصحابه، وتزويج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإذا انفرد عنه صح وإن فسد الصداق كالعقدين، (والرواية الثانية) : لا يصح، اختاره الخلال وصاحبه، والجوزجاني، لظاهر قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فجعل سبحانه الحل بالمال، وما ذكر ليس بمال، ولأن النكاح لا بد فيه من مهر، وما رضيا به لا يصح مهرا، وما جعله الشارع وهو مهر المثل لم يرضيا به، حيث سميا مهرا، وإذا يبطل، وتزويجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خصائصه، وتزويج عبده من أمته ممنوع، على

(5/291)


المنصوص، ولا تفريع على هذه الرواية، أما على الأولى فيجب لها مهر المثل، لتعذر المسمى، والرجوع في البضع، وإذا ينزل منزلة التالف، فتجب قيمته، وهو مهر المثل، كالمبيع المقبوض بعقد فاسد، وخرج ابن أبي موسى قولا أنه يجب مثل المثلي، وقيمة غيره، بناء على ما إذا جهلا ذلك، ونظرا إلى أن الرضى شيء رضي ببدله، وهذا اختيار أبي العباس، وظاهر إطلاق أحمد في رواية الأثرم إذا تزوج على شيء بعينه، فطلب ذلك الشيء فلم يقدر عليه، إما مملوك فأعتقوه أو رفعوا في ثمنه، وبلغوا به، فلها قيمته، فقيل له: ولا يكون لها صداق مثلها؟ فقال: كيف وقد تزوجت على شيء بعينه، إنما ذلك إذا تزوجها على حكمها فاختلفا؟ انتهى، ولو طلقها والحال هذه قبل الدخول وجب نصف مهر المثل لا المتعة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، والخلاف فيه.
وقول الخرقي: وهما مسلمان. يحترز به عما إذا كانا كافرين، وقد تقدم له ذلك في نكاح أهل الشرك، وقوله: على خمر أو ما أشبهه من المحرم. يحتمل: وما أشبه الخمر من محرم تحريمه لحق الله تعالى، كالخنزير والحر، فيخرج ما إذا كان تحريمه لحق الآدمي، كالمال المغصوب ونحوه، فإنه يصح بلا نزاع، وهذا اختيار

(5/292)


الشيخين، وبالغ أبو محمد فحكى الاتفاق عليه، ويحتمل: وما أشبه الخمر في التحريم، فيدخل ما تقدم، وبهذا صرح أبو بكر في التنبيه، وابن أبي موسى، وابن عقيل، وأبو الخطاب وغيرهم، وهو مقتضى نص أحمد الذي أخذ منه البطلان في الأصل، ومما يتبع أن الصداق لو فسد بجهالة أو عدم لا يفسد النكاح، وهو المعروف، حتى قال جماعة: رواية واحد، وشذ الشاشي في الحلية فحكى عن أحمد أن النكاح يفسد بجهالة العوض، وهو مقتضى إطلاق أبي عبد الله ابن تيمية، حيث قال: فإن فسد الصداق لم يؤثر في النكاح، على المشهور من الروايتين.
(تنبيه) محل الخلاف فيما إذا علما بذلك، أما إن جهلاه فإن النكاح يصح، قاله ابن أبي موسى والقاضي، والشيخان وغيرهم، والله أعلم.

قال: وإن تزوجها على ألف لها، وألف لأبيها، كان ذلك جائزا، فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين، ولم يكن على الأب شيء مما أخذ.
ش: إذا تزوجها على ألف لها، وألف لأبيها، جاز ذلك، ولزم الشرط والعقد، نص على هذا أحمد، معللا بأن له أن يأخذ من

(5/293)


مال ابنه ما شاء، وهو المذهب عند الأصحاب، القاضي، وابن عقيل، وأبي الخطاب، والشيخين وغير واحد، وذلك لقصة شعيب - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فشرط الصداق رعي غنمه، وذلك شرط لنفسه، وإذا جاز اشتراط كل الصداق فبعضه أولى، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد نسخه.
2627 - وأيضا عموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» .
2628 - «المسلمون عند شروطهم» .
2629 - ثم يستدل على صحة هذا الشرط بخصوصه بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنت ومالك لأبيك» وإنما يكون الابن لأبيه بمعنى أن منفعته

(5/294)


له، ومن له المنفعة له أن يستوفيها بنفسه وبغيره، والقول بأن المال لا يتبعه حتى يقبضه، يجاب عنه بأن ثبوت الولاية هنا على الأبضاع بمنزلة القبض، وحكى أبو عبد الله ابن تيمية رواية أخرى: يبطل الشرط، وتصح التسمية، وقيل: يبطل ويجب مهر المثل.
وعلى المذهب إذا قبضا الألفين ووجد الطلاق قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين، إذ الطلاق قبل الدخول يوجب ذلك ولا شيء على الأب للزوج، لأنه إنما أخذ من مال ابنته، ولا للبنت إذ ما انتفع به من مال ولده لا يضمنه.
ومقتضى كلام الخرقي أن غير الأب ليس له ذلك، وهو صحيح، فلا يصح اشتراطه، ويكون الجميع لها على المذهب، وقيل: تبطل التسمية، ويجب لها مهر المثل، وعموم كلام غيره يقتضي أنه يصح اشتراط الأب في جميع أحوال البنت، وظاهر إطلاقه أنه لا يشترط لجواز اشتراط الأب فيما تقدم أن لا يكون الأخذ مجحفا بمال ابنته، وهو ظاهر إطلاق أحمد، والقاضي في

(5/295)


تعليقه، وأبي الخطاب وطائفة، وشرط ذلك القاضي في المجرد، وابن عقيل وأبو محمد في المغني، وأشار أبو العباس إلى ضعف ذلك، بأنه لا يتصور الإجحاف، لعدم ملكها له، وعلى ما في المجرد ومتابعيه إذا لم يوجد الشرط حكم الأب إذا حكم الأجنبي.
(تنبيهان) أحدهما: حكم اشتراط الأب للكل حكم اشتراطه للبعض، قاله القاضي وغيره، فلو وجد الطلاق والحال هذه قبل الدخول وبعد القبض، رجع عليها بنصف المسمى إذ أخذ الأب إنما هو من مالها، قاله القاضي، ولأبي محمد احتمال أنه يرجع على الأب بنصف ما أخذ، وهكذا الخلاف لو ارتدت في مسألة الخرقي، هل يرجع على الأب بألف أو عليها بالمجموع؟ على القولين.
الثاني: يملك الأب ما اشترطه بنفس العقد، كما تملك هي، حتى لو مات قبل القبض ورث عنه، لكن يقدر فيه الانتقال إلى الزوجة أولا، ثم الانتقال إليه كأعتق عبدك عن كفارتي، ذكر ذلك ابن عقيل في العمد، وعند القاضي وأبي محمد إنما يملك ذلك بالقبض مع النية وضعف بأنه يلزم منه بطلان خصيصة هذه المسألة، ويتفرع من هذا على قول أبي محمد لو وجد الطلاق قبل القبض، فللأب أن يأخذ من الألف التي استقرت ما شاء،

(5/296)


والقاضي يجعل الألف بينهما نصفين، كجملة الصداق، والله أعلم.

قال: وإذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر، ثم طلقها قبل الدخول، فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، أو تدفع إليه نصفه زائدا، إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا، فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه.
ش: اعلم أنه قبل الخوض في كلام الخرقي نشير إلى قواعد: (أحدها) : أن المذهب المنصوص المعروف المجزوم به عند الأكثرين أن المرأة تملك الصداق جميعه بالعقد.
2630 - لظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قصة الموهوبة: «إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك» وأيضا قول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وظاهره الأمر بإيتاء الجميع ولأنه عقد يملك به المعوض بالعقد، فملك به العوض كاملا كالبيع.
وحكى القاضي وطائفة من متابعيه رواية أنها لا تملك إلا نصفه، وأخذها القاضي في تعليقه وغيره من رواية ابن منصور وقيل له: سئل سفيان عن رجل تزوج امرأة على خادم، ثم زوجها غلامه فولدت أولادا فطلق امرأته قبل الدخول، فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها، قال أحمد: جيد. قال القاضي: وظاهر هذا أنه

(5/297)


لم يحكم لها بملك جميعه، لأنه جعل لها نصف النماء، ولا تفريع على هذه الرواية، مع أن أبا البركات لم يعرج عليها، بل ظاهر كلامه إجراؤها على ظاهرها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(القاعدة الثانية) : إذا زادت العين المصدقة فلا يخلو إما أن تكون الزيادة متصلة، كالسمن وتعلم صناعة، أو منفصلة كالولد والكسب، فإن كانت متصلة فالمرأة مخيرة بين دفع النصف زائدا، فيكون ذلك إسقاطا لحقها من الزيادة، ويلزم الزوج القبول، لحصول حقه مع زيادة لا تضر ولا تتميز، وبين دفع نصف القيمة إذ الزيادة لها، لأنها نماء ملكها، فلا يلزمها بذلها، وإذا تعذر دفع الأصل فيصار إلى القيمة، وخرج أبو البركات رواية بوجوب دفع النصف بزيادته، من الرواية الآتية في الزيادة المنفصلة، وهو واضح، وقد يقال: إنه قياس البيع ونحوه، وقد أولع الفقهاء بقولهم: إن الزيادة المتصلة تتبع في الفسوخ والعقود، وقد فرق أبو محمد بين هذا والبيع بأن سبب الفسخ ثم العيب، وهو سابق على الزيادة، وسبب تنصف المهر الطلاق، وهو حادث بعد الزيادة، وبأن الزوج ثبت حقه في نصف المفروض دون العين، ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها، بخلاف المبيع المعيب، والمفروض لم يكن زائدا،

(5/298)


فلم يتعلق حقه به، والمبيع تعلق حقه بعينه، فتبعته زيادته، ويعترض على الأول بأنه لا أثر لتقدم السبب، إذ الفسخ للعقد من حينه على المذهب، فهو كالطلاق رفع للنكاح من حينه، وعلى الثاني بأن نصف المفروض هو نصف عين ما أصدقها، فحقه في الحقيقة تعلق بنصف العين، وكونه إذا وجدها ناقصة له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها ممنوع، بل الرجوع في ذلك وأخذ الأرش على ما سيأتي، وقد يفرق بأن في البيع لما اختار المشتري الفسخ، من غير أن يمكنه أخذ الزيادة، فقد رضي بإسقاطها، بخلاف هنا، فإن الفسخ جاء للمرأة بغير اختيارها، فلا يجب عليها بذل ملكها بغير رضاها، وقد يعترض على هذا بما إذا كان الفسخ من جهتها.
واعلم أن محل التخيير إذا كانت المرأة جائزة التبرع في مالها، فإن لم تكن كالصغيرة والسفيهة والمفلسة تعين للزوج نصف القيمة، يشارك في الفلس الغرماء، لامتناع التبرع من جهتها.
وإن كانت الزيادة منفصلة - كالولد الحادث بعد النكاح، والثمرة ونحو ذلك - فالزيادة للمرأة، وللزوج نصف الأصل، لأنها نماء ملكها، ولأن الله سبحانه وتعالى إنما جعل للزوج نصف المفروض، والنماء ليس مفروضا، وحكى أبو البركات رواية أن الزوج يرجع بنصف الزيادة، وكأنه أخذها من رواية ابن منصور المتقدمة، وقد تعلل بأن الطلاق رفع للعقد من أصله تقديرا،

(5/299)


وليس بشيء، ولعل الرواية التي في البيع أخذت من هنا، وفي هذه الرواية بحث ليس هذا موضعه، وبالجملة أبو محمد يستثني من النماء المنفصل ولد الأمة، فلا يجوز للزوج الرجوع في نصف الأمة، حذارا من التفريق في بعض الزمان، وظاهر كلام جماعة من الأصحاب وصرح به القاضي في التعليق عدم الاستثناء.
(القاعدة الثالثة) : إذا نقص الصداق بعد القبض، ثم طلقت قبل الدخول فإن الزوج يخير بين أخذه ناقصا، وبين أخذ نصف قيمته، لأنه إن اختار أخذه فقد رضي بإسقاط حقه، وله ذلك، وإن اختار نصف القيمة فله ذلك، لأن في قبوله ناقصا ضرر عليه، وإنه منفي شرعا، وإذا اختار أخذ النصف ناقصا فهل له أرش النقص - وهو مختار القاضي في تعليقه، كالمبيع المعيب، أو لا أرش له كواجد متاعه عند المفلس، وهو اختيار الأكثرين؟ فيه قولان.
إذا تقرر هذا فقول الخرقي: إذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر، ثم طلقها قبل الدخول، فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، أو تدفع إليه نصفه زائدا. مبني على أنها ملكت الصداق بالعقد، وإذا الزيادة حدثت على ملكها،

(5/300)


فتخير بين دفع النصف زائدا وبين دفع نصف قيمته، لكن متى تعتبر القيمة؟ اعتبرها الخرقي - وتبعه أبو محمد في الكافي والمغني، وابن حمدان وأطلقوا - بيوم العقد، وحرر ذلك أبو البركات فجعل ذلك في المتميز إذا قلنا على المذهب يضمنه بالعقد، وعلى هذا يحمل قولهم، إذ الزيادة في غير المتميز صورة نادرة، ولذلك علل أبو محمد بأن ضمان النقص عليها، فعلم أن كلامه في المتميز، وجعل غير المتميز أو المتميز إذا قيل ضمانه على الزوج الواجب قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفاته من يوم العقد إلى يوم القبض، لأن ما نقص بعد العقد والحال هذه فهو على الزوج، وما زاد فهو لها، ثم إن أبا البركات أوجب القيمة يوم الفرقة بصفته وقت العقد، لأنه وقت الاستحقاق، وكلام الخرقي يقتضي وجوب القيمة يوم العقد بصفته إذ ذاك، ولأبي البركات تحرير آخر، وهو أن الواجب قيمة النصف، لأن الله سبحانه جعل له نصف المفروض، وإذا تعذر رجع في بدله، وهو نصف قيمته، والخرقي وجماعة جعلوا الواجب نصف القيمة. انتهى.
وقوله: إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا، فيكون له نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه، مبني على القاعدة الثالثة، وهي ما إذا تعيب

(5/301)


الصداق، فإذا كان العبد يصلح صغيرا لشيء لا يصلح له كبيرا، كما إذا كان يقبل تعليم صناعة ونحوها وبالكبر امتنع ذلك منه، فإنه قد تعيب فيخير الزوج بين أخذ نصف قيمته، وبين أخذ ما بذلته له من نصفه، واعتبر الخرقي أيضا القيمة بيوم العقد، واعتبرها القاضي بيوم القبض، وفصل أبو البركات التفصيل السابق، فكأنه حمل كلام القاضي على غير المتميز، وكلام الخرقي يقتضي أن المرأة لها الامتناع من بذل النصف والحال هذه، ولم أره لغيره ولا قاعدة المذهب تقتضيه، إذ الواجد متاعه معيبا عند المفلس له الرجوع فيه، ولا يتوقف ذلك على رضى الغرماء مع أنه إنما جاز له الانتقال إلى القيمة دفعا للضرر عنه، فإذا رضي بالضرر فحقه في العين بحاله، والله أعلم.

[حكم الاختلاف في مقدار الصداق]
قال: ولو اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره، ولا بينة على مبلغه، كان القول قولها ما لم يجاوز مهر مثلها.
ش: هذا إحدى الروايات، واختيار عامة الأصحاب، الخرقي، والقاضي، والشريف، وأبي الخطاب، وابن عقيل، والشيرازي، وغيرهم، لأن القول قول من الظاهر في جنبته، والظاهر والحال هذه في جنبة المرأة، لأن الظاهر وقوع النكاح على مهر المثل، وعلى هذه لو ادعت هي أكثر من مهر المثل، وادعى الزوج مهر المثل أو أزيد منه وأنقص منها، فالقول قوله، ولم يذكر أحمد اليمين،

(5/302)


فخرج أصحابه في وجوبها وجهين، بناء على أنه دعوى فيما يتعلق بالنكاح، مع كونه مالا، فمن نظر إلى المال أوجب اليمين، ومن نظر إلى أن النكاح غير مال لم يوجبها، وهذا قول القاضي أظنه في المجرد، والأول اختيار أبي الخطاب في الهداية وأبي محمد، وبه قطع أبو الخطاب والشريف في خلافيهما، ولو كان دعوى الزوج أقل من مهر المثل، ودعواها أكثر من مهر المثل، رد إليه وهل تجب اليمين إن أوجبناها فيما تقدم؟ ظاهر كلام الأكثرين لا، وكذلك قال أبو محمد، ولم يذكر أصحابنا يمينا.
قلت: وقد صرح بذلك أبو الخطاب في خلافه الصغير، وهو مقتضى ما حكاه عن شيخه في الهداية، وذلك لأن اليمين على حسب الدعوى، وكل منهما لا يستحق ما ادعاه، فلا يحلف عليه، وقال في المغني والأولى أن يتحالفا، وكذلك قال في الكافي: ينبغي أن يحلف الزوج على نفي الزائد عن مهر المثل، وتحلف هي على إثبات ما نقص منه، وهذا مقتضى قول أبي الخطاب في الهداية. (والرواية الثانية) : القول قول الزوج مع يمينه، لأنه منكر، فيدخل في عموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «واليمين على من أنكر» . (والرواية الثالثة) - حكاها

(5/303)


الشيرازي - يتحالفان، لأنه اختلاف في عوض، بمستحق عقد ولا بينة، فيسوغ التحالف كالمتبايعين.
وقول الخرقي: بعد العقد. للتنصيص على مخالفة مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إن التخالف إن كان قبل الدخول تحالفا وتفاسخا، وبعده القول قول الزوج، وقوله: في قدره، احترازا مما إذا اختلفا في عينه، كما إذا قال: أصدقتك هذا العبد. قالت: بل هذه الأمة. والحكم فيه أنه على الخلاف السابق، إلا أن الواجب القيمة، لا شيء من المعينين، على أحد الوجهين، وهو مقتضى احتراز الخرقي، وأورده أبو البركات مذهبا، لأنه إن أخذ بقول الزوج فيلزم من إيجاب معينه أن يدخل في ملكها ما لم تدعه، وإن أخذ بقولها فإنما قبل قولها في المهر لموافقة الظاهر، وذلك أجنبي عن التعيين. (والثاني) : إن كان معين المرأة أعلى قيمة وهو كمهر المثل أو أقل، وأخذنا بقولها أعطيته، لأنه لما قبل قولها في القدر تبعه التعيين، والله أعلم.

(5/304)


قال: وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول أيضا قولها قبل الدخول وبعده ما ادعت مهر مثلها إلا أن يأتي ببينة ببراءته منه.
ش: لأنها منكرة، والأصل معها، والقول قول المنكر، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولكن اليمين على المدعى عليه» ، والقول قول مدعي الأصل، وقول الخرقي: قبل الدخول وبعده، احترازا من قول مالك والفقهاء السبعة: إن كان بعد الدخول فالقول قول الزوج، وقوله: ما ادعت مهر مثلها. بناء على ما تقدم له، والله أعلم.

[الحكم لو تزوجها بغير صداق]
قال: وإذا تزوجها بغير صداق لم يكن لها عليه إذا طلقها قبل الدخول إلا المتعة.
ش: قد تقدم للخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا تزوجها على محرم كالخمر ونحوه، ثم طلقها قبل الدخول أن لها عليه نصف المهر، وقال: فيما إذا فقد الصداق أن لها عليه المتعة فقط، وهذا إحدى الروايات عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختيار أبي محمد، والشيرازي،

(5/305)


لقول الله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] نفى سبحانه الجناح من جهة الفرض عن التي لم تمس إلا أن يفرض لها فريضة، وأوجب لها المتعة، ثم أوجب بعد للمفروض لها نصف المفروض، وإطلاق الآيتين يشمل من فرض لها مطلقا، إلا أنه لما لم يمكن إعطاء نصف المفروض في التسمية الفاسدة، وجب نصف بدله، وهو نصف مهر المثل. (والرواية الثانية) لا يجب إلا المتعة في الصورتين، وهو اختيار الشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، وأبي البركات، إذ التسمية الفاسدة وجودها كالعدم، فهي كمن لم يفرض لها، فلا يجب لها إلا المتعة لما تقدم. (والرواية الثالثة) : وهي أضعفها يجب نصف مهر المثل فيهما، وظاهر الآي يخالف ذلك.
(تنبيهان) . أحدهما اختلف العلماء في تقدير الآية الكريمة السابقة، فمنهم من قدر (تفرضوا) معطوفا على المجزوم، أي: ما لم تمسوهن أو ما لم تفرضوا لهن. واستشكل بأنه يصير معناه: لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء في مدة انتفاء أحد هذين الأمرين، مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس، لزم مهر المثل، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمى، ومنهم من قدره منصوبا بأن مضمرة، وأو بمعنى (إلا) أي ما لم تمسوهن إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو: إلى أن تفرضوا لهن

(5/306)


فريضة، وهذا قول الزمخشري وهو جيد، ومنهم من جعل (أو) بمعنى الواو، أي ما لم تمسوهن وتفرضوا، وهذا أيضا في المعنى صحيح. (الثاني) تخصيص الخرقي هذه بوجوب المتعة ظاهره أنه لا متعة لغيرها، وهو المشهور عن أحمد والمختار للأصحاب من الروايات، لأن الله سبحانه قسم النساء قسمين، فجعل للتي لم يفرض لها ولم يسم المتعة، وجعل للمفروض لها نصف المفروض، وظاهره أنه لا زيادة لها على ذلك لعموم {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: 241] أو تحمل هذه الآية على الاستحباب، وكذلك قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أمتعكن) ونقل عنه حنبل، لكل مطلقة متاع، للآيتين الكريمتين، وإليها ميل أبي بكر، وقال: العمل عليها عندي. لولا تواتر الروايات عنه بخلافها، والله أعلم.

قال: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، فأعلاه خادم، وأدناه كسوة يجوز لها أن تصلي فيها، إلا أن يشاء أن يزيدها، أو تشاء هي أن تنقصه.
ش: متى تراضيا في المتعة على شيء اتبع ما تراضيا عليه إذا كانا من أهل التراضي، إذ الحق لهما لا يعدوهما، وإن تنازعا رجع الأمر إلى الحاكم، فيعتبر حال الزوج، فيجعل على الموسع قدر

(5/307)


سعته، وعلى المقتر قدر قتره، للآية الكريمة، ثم المشهور والمختار من الروايات للخرقي، والقاضي، وجماعة من أصحابه أنها مقدرة الأعلى والأدنى، فأعلاها خادم، وأدناها كسوة يجزئها أن تصلي فيها.
2631 - لأن ابن عباس ترجمان القرآن قال: أعلى المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة. رواه أبو حفص بإسناده.
2632 - وعن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه طلق امرأته تماضر الكلبية فحممها بجارية سوداء يعني متعها. وإنما اشترطنا في الكسوة أن تجزئ في الصلاة حملا على الكسوة الواجبة بمطلق الشرع، وهي الكسوة في الكفارة (والرواية الثانية) يرجع إلى اجتهاد الحاكم في ذلك، لأن التقدير من الشرع، ولم يرد. (والرواية الثالثة) وهي أضعفها هي متاع بقدر نصف مهر

(5/308)


المثل، لأنها بدل عنه، ولا تليق هذه الرواية بمذهب أحمد، لأنه تنتفي فائدة اعتبار الموسع والمقتر ولا تبقى فائدة في إيجاب نصف مهر المثل أو المتعة إلا غايته أن ثم الواجب من النقدين، وهنا الواجب متاع، وهذه الرواية أخذها القاضي في روايتيه من رواية الميموني، وسأله كم المتاع؟ فقال: على قدر الجدة، وعلى من قال تمتع بمثل نصف صداق المثل، لأنه لو كان فرض لها صداقا كان لها نصف الصداق. قال القاضي: وظاهر هذا أنها غير مقدرة، وأنها معتبرة بيساره وإعساره، وقد حكى قول غيره أن قدرها نصف مهر المثل ولم ينكره، وظاهر هذا أنه مذهب له انتهى، وهذا في غاية التهافت، لأنه إنما حكى مذهب غيره بعد أن حكى مذهبه، وإنما نقول على قول أنه إذا حكى عن غيره قولا يكون مذهبا له، إذا لم يبين في تلك الحكاية مذهبه، ثم يلزم من هذا أن يكون قال قولين مختلفين في وقت واحد، والله سبحانه أعلم.

قال: وإن طالبته قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك.
ش: إذا طالبته المرأة التي لم يفرض لها قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك، لأن حقها ثبت بالعقد، إذ النكاح لا يخلو

(5/309)


من مهر، وظاهر كلام الخرقي أن هذه المطالبة عند الحاكم، لأنه الذي إليه الإجبار، وإذا يفرض مهر المثل، لأنه بدل البضع فيقدر به كالسلعة إذا تلفت، فلو كانت المطالبة بغير حضرة الحاكم جاز ما اتفقا عليه، إذ الحق لهما لا يعدوهما، والله أعلم.

قال: فإن فرض لها مهر مثلها لم يكن لها غيره، وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيت به.
ش: قوله: فرض. يحتمل أنه مبني للمفعول، والضمير راجع إلى الحاكم، ويرشحه أنه ساق ذلك بعد الإجبار؛ والإجبار مختص بالحاكم، ويحتمل أنه مبني للفاعل، والضمير راجع إلى الزوج، ويرجحه أن الضمير في قوله: وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيت به له، لأن الحاكم لا يفرض إلا مهر المثل، فعلى الثاني: متى فرض لها الزوج مهر المثل لم يكن لها غيره، لأنه الذي وجب لها بالعقد، وكذلك إن فرض لها أزيد منه بطريق الأولى، لكن قال أبو محمد: ولا يستقر لها ما لم ترض به، وفائدة عدم استقراره أنه لو مات قبل الدخول كانت باقية على عدم الفرض، فتجب لها المتعة، وإن فرض لها أقل من مهر المثل فرضيت وهي ممن يعتبر رضاها فلا شيء لها غيره، لأن الحق لها، وإن لم ترض رفع الأمر إلى الحاكم، وعلى الاحتمال الأول - وكذلك قد يجري على الثاني - إذا طلقت قبل الدخول لم يكن لها على ظاهر كلام الخرقي إلا نصف ما فرض لها، وهو إحدى الروايتين، اعتبارا بحالها الراهنة، وهي إذا مفروض لها، فتدخل تحت قوله

(5/310)


سبحانه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (والرواية الثانية) : يسقط ما فرض لها، وتجب لها المتعة، نظرا إلى حالها في حال الابتداء، والله أعلم.

قال: ولو مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه، وكان لها مهر نسائها.
ش: قيد الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الحكم بقبل الإصابة وقبل الفرض، لأن ذلك محل التردد والخلاف، ولا نزاع في الإرث، لعموم قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] الآية، وهذه زوجة بلا ريب، وأما تكميل المهر فهو المذهب بلا ريب.
2633 - لما «روي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها صداق مثلها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بروع بنت واشق - امرأة منا مثل ما قضيت. ففرح بها ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . رواه الخمسة، وصححه جماعة منهم الترمذي، وهذا لفظه. (وعن

(5/311)


أحمد رواية أخرى) : لا يجب لها إلا نصف مهر المثل، قياسا لفرقة الموت على الطلاق، وهو باطل بالنص، وبأن الموت يتم به النكاح، ولذلك وجبت العدة به قبل الدخول، وكمل به المسمى، بخلاف الطلاق فيهما، انتهى، وإذا أوجبنا المهر فإن الواجب مهر نسائها كما في الحديث، أي أقاربها، ثم هل يعتبر جميع أقاربها من قبل الأب والأم، كأختها وعمتها، وبنت أخيها، وكأمها وخالتها، وهو اختيار أبي بكر وأبي الخطاب، والشريف في خلافيهما، والشيرازي، لعموم الحديث، أو لا يعتبر إلا نساء العصبات كأختها ونحوها وهو اختيار أبي محمد قال: لأن في بعض الروايات: مهر نساء قومها، ولأن الشرف معتبر في المهر، وشرف المرأة بنسبها، وذلك بالأب لا بالأم؟ على

(5/312)


روايتين، قال أبو محمد: وينبغي أن يعتبر الأقرب فالأقرب من نساء العصبات، فتقدم أخواتها، ثم عماتها، وعلى ذلك وتعتبر المساواة في العقل والدين، والجمال، وكل ما يختلف به المهر، حتى لو كان عادتهم التأجيل فرض مؤجلا في أحد الوجهين، وفي الآخر: لا يفرض إلا حالا، لئلا يخالف نظائره، وهو أبدال المتلفات، والله أعلم.

[ما يترتب على خلوة الزوجين بعد العقد]
قال: وإذا خلا بها بعد العقد فقال: لم أطأها، وصدقته لم يلتفت إلى قولهما، وكان حكمهما حكم الدخول في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا، أو في الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان.
ش: الخلوة بالمرأة بعد العقد في الجملة حكمها حكم الدخول في استقرار المهر وإن لم يطأ، على المذهب المعروف بلا ريب.
2634 - لما روى الإمام أحمد بسنده عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا، وأرخى سترا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة.
2635 - ورواه أيضا عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو مشهور عنهما،

(5/313)


وكذلك عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عليها العدة، ولها الصداق، وهذه قضايا اشتهرت ولم ينقل إنكارها فكانت حجة، (وقيل عن أحمد) رواية أخرى أن المهر لا يتقرر إلا بالوطء.
2636 - ويحكى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لقوله سبحانه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] والمطلقة قبل الدخول وقبل الوطء لم تمس، ومثله قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]

(5/314)


الآية، وأيضا قَوْله تَعَالَى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] علل سبحانه منع الأخذ بالإفضاء، والإفضاء الجماع، والمعلل بوصف عدم عند عدمه، وأجيب بالطعن فيما روي عن ابن عباس وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال أحمد في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يرويه ليث وليس بالقوي، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث، وحنظلة أقوى من ليث، وقال ابن المنذر في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - منقطع، وأما آيتا المس فيحتمل أن المراد بالمس حقيقته وكنى به عن سببه وهو الخلوة، ويحتمل أن المراد به حقيقته أو الجماع، وغايته أنه يدل على أنه قبل المسيس لا يتكمل المهر، ولا تجب العدة، وهو شامل للخلوة ولغيرها،

(5/315)


خرج منه الخلوة بقضاء الصحابة، وأما آية الإفضاء فلا نسلم أن المراد بالإفضاء الجماع، بل المراد الخلوة، نظرا إلى حقيقته، إذ هو مأخوذ من الفضاء وهو المكان الخالي، وكذلك يحكى عن الفراء أن المراد بالإفضاء الخلوة، ولو سلم أن ذلك كناية عن الوطء فإن المراد - والله أعلم - التشنيع والمبالغة في الانتهاء عن الأخذ في مثل هذه الحال أي كيف تأخذونه وقد حصل مباضعتكم لأزواجكم، ومثل ذلك يتعجب منه، وينكره أهل المروءات.
إذا تقرر هذا فقول الخرقي: وإذا خلا بها. معنى الخلوة أن يخلو بها بحيث لا يحضرهما مميز مسلم، ولو أنه أعمى أو نائم، قاله ابن حمدان في رعايتيه، وقوله: بعد العقد. يشمل العقد الصحيح والفاسد، وهو منصوص أحمد، ومختار عامة أصحابه، لعموم قضاء الصحابة، ولأن الابتذال يحصل بالخلوة في العقد الفاسد، كما في الصحيح، وخالفهم أبو محمد فاختار عدم الوجوب في النكاح الفاسد، نظرا إلى أن العقد ليس بموجب، وإنما الموجب الوطء ولا وطء.
وقوله: فقال: لم أطأها. وصدقته لم يلتفت إلى قولهما،

(5/316)


دفعا لوهم من يتوهم أن الحق لها فيسقط برضاها، وذلك لأن الخلوة يتعلق بها أيضا حق لله تعالى كالعدة ونحوها، ثم قضاء الصحابة مطلق، ونقل عنه ابن بختان إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل الصداق، وعليها العدة، إذ الصداق محض حقها.
وقوله: وكان حكمهما حكم الدخول، في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا، أو في الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان. يعني في استقرار المهر كما تقدم، ووجوب العدة لقضاء الصحابة، وفي تحريم أختها، وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها، قياسا على ما تقدم، لوجود مظنة الوطء، وفي ثبوت الرجعة له عليها في العدة، وإن ادعى أنه ما وطئها، على المنصوص والمختار للعامة، لعموم: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] ولم يثبت أبو بكر الرجعة بالخلوة، وفي نشر حرمة المصاهرة، وهو إحدى الروايتين، والمشهور خلافها، حملا لدخوله في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] على الوطء.
واستثنى الخرقي الرجوع إلى المطلق ثلاثا.

(5/317)


2637 - لحديث امرأة رفاعة القرظي: «لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك» ، واستثنى أيضا الإحصان، فلا يثبت بها، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الثيب بالثيب» والثيوبة لا تحصل إلا بالوطء، ثم الحد يدرأ بالشبهة وكأن مراد الخرقي بقوله: حكمهما حكم الدخول، يعني فيما يتعلق بالنكاح، فلا يرد عليه الغسل، فإنه لا يجب بها، ولا الخروج من الفيئة لأنه من باب الأيمان، والذي حلف عليه الوطء ولم يوجد، ولا تفسد بها العبادات، ولا تجب بها الكفارات حيث وجبت، نعم قد يرد عليه ما إذا خلا بها بعد ضرب المدة في العنة، فإنه لا يخرج من العنة، وبالوطء يخرج.
(تنبيه) : الخلوة المعتبرة هي خلوة من يطأ مثله، بمن يوطأ مثلها، مع علم الزوج بها كما نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج امرأة فأدخلت عليه، فأرخى الستر، وأغلق الباب، فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق، وقد أهمل أبو البركات هذا الشرط، ولو خلا بشرطه فمنعته الوطء لم يتقرر الصداق، والله أعلم.

قال: وسواء خلا بها وهما محرمان أو صائمان، أو حائض، أو سالمان من هذه الأشياء.
ش: يعني أنه لا يشترط للخلوة خلوها من مانع، ومثل الخرقي

(5/318)


بالمانع الشرعي، وقد اختلفت الرواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة (فعنه) فيها روايتان، إحداهما كما قال الخرقي، وهو مختار أصحابه في الجملة، لعموم قضاء الصحابة.
2638 - وعن عمر في العنين يؤجل سنة، فإن هو غشيها وإلا أخذت الصداق كاملا، وفرق بينهما، وعليها العدة (وعنه) لا يكمل بها الصداق، لأن المانع إن كان من جهتها فلم يتمكن من تسليمها، فأشبه ما لو منعته من نفسها، وإن كان من جهته فمظنة الوطء منتفية، واعلم أن الأصحاب قد اختلفت طرقهم في هذه المسألة، بعد اتفاقهم فيما علمت أن المذهب الأول، (فمن زاعم) أن الروايتين في المانع سواء كان من جهته أو من جهتها، شرعيا كان كما تقدم، أو حسيا كالجب والرتق، وهذه طريقة أبي الخطاب في خلافه الصغير، وأبي البركات، (ومن زاعم) أن محلهما فيما إذا كان المانع من جهتها، أما إن كان من جهته فإن الصداق يتقرر بلا خلاف، وهذه طريقة القاضي في الجامع، والشريف في خلافه، (ومن زاعم) أن محلهما فيما إذا منع الوطء ودواعيه، كالإحرام والصيام، أما إن منع الوطء، فقط كالحيض والرتق فيتقرر الصداق، وهذه طريقة القاضي في المجرد فيما أظن وأبي علي ابن البنا، (ومن زاعم) أن محلهما في

(5/319)


المانع الشرعي، أما المانع الحسي فيتقرر معه الصداق، وهذه طريقة القاضي في الروايتين، وهي قريبة من التي قبلها، ويقرب من ذلك طريقة أبي محمد في المغني، أن المسألة على ثلاث روايات، الثالثة إذا كان المانع متأكدا كالإحرام والصيام لم يكمل الصداق، وإلا كمل.
(تنبيه) : لم يجر أبو البركات الخلاف في العدة، بل خصه بالصداق، وأجراه أبو محمد فيها والله أعلم.

[العفو عن الصداق أو الإبراء منه]
قال: والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفى لصاحبه عما وجب له من المهر - وهو جائز الأمر في ماله - برئ منه صاحبه.
ش: اختلفت الرواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذي بيده عقدة النكاح (فعنه) ما يدل على أنه الزوج، وعليه أصحابه، الخرقي، وأبو حفص، والقاضي، وأصحابه، لأن الذي بيده عقدة النكاح بعد الزواج هو الزوج، لأنه الذي يملك الطلاق، ثم العفو إذا أطلق إنما ينصرف إلى عفو الإنسان عما يملكه، والولي لا يملك من المهر شيئا.

(5/320)


2639 - وروى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ولي العقدة الزوج» .
ونقل عنه ابن منصور: إذا طلق امرأته وهي بكر، قبل أن يدخل بها، فعفى أبوها عن زوجها عن نصف الصداق، فما أرى عفوه إلا جائزا، فأخذ من ذلك القاضي وغيره أنه بيده عقدة النكاح أي أنه الولي لأنه الذي عقد عقدة النكاح، بعد الطلاق، والآية مسوقة في ذلك، وإرادة الزوج بذلك مجاز باعتبار ما كان، والأصل الحقيقة، والدليل على أن العقد هو العقدة قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وأيضا العفو حقيقة عن شيء وجب، وذلك واضح في الزوجة والولي، لأنهما اللذان يجب لهما المهر، إذ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أي فعليكم نصف ما فرض، أو

(5/321)


فالواجب نصف {مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أي النساء بلا نزاع {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وهو الولي عما وجب له من القبض، وتسمية الزوج عافيا للمشاكلة مجاز، وعلى تقدير أنه ساق إليها المهر الأصل عدمه، ولأن الله سبحانه خاطب الأزواج مواجهة بقوله: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] ثم أتى بضمير الغيبة بقوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فالظاهر أن الضمير لغيره، ولأن الله سبحانه بدأ بعفو الزوجة، وختم بعفو الزوج، فلو حمل (أو يعفو) على الزوج كان تكرارا، وهذا أظهر دليلا.
فعلى الأولى أيهما عفى لصاحبه عما وجب له من المهر - وهو جائز التبرع في ماله برئ منه، وعلى الثانية من شرط الولي (أن يكون) أبا، لكمال شفقته، وعدم تهمته، ولهذا قلنا: له أن يزوجها بدون مهرها، (وأن تكون) بكرا على ظاهر كلام أحمد، وصرح به غيره لملك إجبارها وقبض مهرها في رواية، وغفل أبو محمد في المقنع عن هذا الشرط تبعا لأبي الخطاب، (وأن تكون) مطلقة قبل الدخول، فلا يصح عفوه قبل الطلاق ولا بعد الدخول، لأن الآية وردت في ذلك.
(قلت) : وفي معنى المطلقة قبل الدخول كل مفارقة تنصف مهرها، وحكى ابن حمدان قولا أن للأب العفو بعد الدخول، ما لم تلد، أو تبقى في بيتها سنة، بناء، والله أعلم على بقاء الحجر عليها، واشترط أبو الخطاب وابن البنا، وأبو محمد في كتبه مع

(5/322)


ذلك أن تكون صغيرة أو مجنونة، لأنها إذا الذي يملك عقدة نكاحها مطلقا، وظاهر كلام أحمد والقاضي عدم الاشتراط، وهو الذي أورده أبو البركات مذهبا، ولا يشترط كون الصداق دينا، على ظاهر كلام أحمد والجمهور، وقيل بلى، حكاه ابن حمدان، نعم يشترط أن لا يكون مقبوضا، وهذا مفهوم من كلامهم، لأنه يكون هبة لا عفوا.
(تنبيه) : على هذه الرواية لو زوج ابنه الطفل أو المجنون وأقبض مهره، ثم رجع إليه بردة أو رضاع قبل الدخول، لم يجز عفوه عنه رواية واحدة، وكأن الفرق أن الأب أكسب البنت المهر، بالتزويج، فكان له العفو، بخلاف الصغير، فإنه لم يكسبه شيئا، بل المهر رجع إليه بالفرقة، والله أعلم.

قال: وليس عليه دفع نفقة زوجته إذا كان مثلها لا يوطأ، أو منع منها بغير عذر، فإن كان المنع من قبله لزمته النفقة.
ش: ليس على الزوج نفقة الزوجة إذا كان مثلها لا يوطأ، إذ النفقة في مقابلة الاستمتاع، ولهذا سقطت بالنشوز، وهذه يتعذر الاستمتاع بها شرعا، وكذلك ليس عليه نفقتها إذا كان مثلها يوطأ ومنعت نفسها، أو منعها أولياؤها بغير عذر، لأنها إذا ناشز، أو في معناها لمنعها من تسليم الواجب عليها، وتجب عليه النفقة إن كان المنع من قبله، لأن الواجب عليها قد فعلته.
وقول الخرقي: إذا كان مثلها لا يوطأ، يحترز به عما إذا كان

(5/323)


مثلها يوطأ فإن النفقة تجب، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في النفقات، وقوله: أو منع منها بغير عذر، يحترز عما إذا منع منها لعذر، كما إذا امتنعت حتى تقبض صداقها الحال حين العقد، أو حين الامتناع على وجه، فإن النفقة تجب لها، لأن المنع في الحقيقة من جهته، وقد صرح بذلك حيث قال: فإن كان المنع من قبله لزمته النفقة، ويحتمل أن يريد بالمنع من قبله المنع بالاستمتاع، بأن يكون صغيرا أو مجنونا ونحو ذلك، والأول أظهر، والله أعلم.

[الحكم لو تزوجها على صداقين سرا وعلانية]
قال: وإذا تزوجها على صداقين سرا وعلانية، أخذ بالعلانية، وإن كان السر قد انعقد النكاح به.
ش: إذا تزوج المرأة في السر بمهر، ثم عقد عليها في العلانية بأزيد منه، لزم مهر العلانية، على ما قاله الخرقي، ونص عليه أحمد، لأن الزوج وجد منه بذل الزائد بعد عقد السر، فلزمه، كما لو زادها في صداقها، وقال القاضي: الواجب المهر الذي انعقد به النكاح، سرا كان أو علانية، لأنه هو الذي ثبت به النكاح، والعلانية ليس بعقد حقيقة، إنما هو عقد صورة، والزيادة فيه غير مقصودة، وحمل القاضي كلام أحمد والخرقي على أن المرأة لم

(5/324)


تقر بنكاح السر، وإذا القول قولها، لأن الأصل عدم نكاح السر.
(تنبيه) : قد حملنا كلام الخرقي على ما إذا كان العلانية أزيد وهو متأخر، بناء على الغالب وكلام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - جرى على ذلك، قال في رواية ابن منصور: إذا تزوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا مهرا ينبغي لهم أن يفوا، ويؤخذ بالعلانية، ولو كان العلانية أزيد وهو متقدم، فهنا يرتفع الخلاف، ويؤخذ بالعلانية قولا واحدا ولو كان أقل وهو متأخر أخذ بالسر، على مقتضى ما تقدم بلا ريب لأنه قد وجب بالعقد، ولا مقتضى للإسقاط، ولو كان أقل مع تقدمه، فمقتضى ما تقدم أن يجري فيه القولان السابقان، والله أعلم.

[حكم نماء المهر والتصرف فيه]
قال: وإذا أصدقها غنما بعينها فتوالدت، ثم طلقها قبل الدخول، كانت أولادها لها، ويرجع عليها بنصف الأمهات، إلا أن تكون الولادة نقصتها، فيكون مخيرا بين أن يأخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها، أو يأخذ نصفها ناقصة.
ش: قد تقدم الكلام على هذا عند قوله: إذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر. والخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين ثم الزيادة المتصلة، وهنا الزيادة المنفصلة، وقد تقدم الكلام على النوعين بما يغني عن إعادته، وقوله: بعينها. يحترز عن المبهمة، فإن التسمية إذا فاسدة، والله أعلم.

(5/325)


قال: وإذا أصدقها أرضا فبنتها دارا، أو ثوبا فصبغته، ثم طلقها قبل الدخول، رجع عليها بنصف قيمته وقت ما أصدقها، إلا أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء أو الصبغ، فيكون له النصف، أو تشاء هي أن تعطيه نصفه زائدا فلا يكون له غيره.
ش: إذا طلق المرأة قبل الدخول، وقد وصلت العين المصدقة بملكها كما مثل الخرقي، فإنها لا تجبر على زوال ذلك، لأنها وضعته بحق، ويكون للزوج نصف القيمة، لتعذر الرجوع في نصف العين إلا بضرر يلحقها، والضرر منفي شرعا، فإن اختار الزوج أن يدفع إليها نصف قيمة البناء أو الصبغ، ويكون له نصف المجموع فله ذلك، عند أبي محمد تبعا للخرقي، لزوال الضرر عن المرأة، وصار هذا كالشفيع إذا أخذ بالشفعة بعد غرس المشتري أو بنائه، وبذل قيمة ذلك، فإن المشتري يلزمه القبول، وقال القاضي: ليس له إلا القيمة، وحمل كلام الخرقي على التراضي، حذارا من إجبار المرأة على المعاوضة على ملكها بغير رضاها انتهى، فلو بذلت المرأة النصف بزيادته لزم الزوج قبوله، لأنه حقه وزيادة.
قلت: وقد يتخرج عدم اللزوم بما إذا وهب الغاصب تزويق الدار ونحوها للمغصوب منه، وهو أظهر في البناء، والله سبحانه أعلم.

(5/326)