شرح شروط
الصلاة وأركانها وواجباتها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ص -4-
شروط الصلاة
الشروط جمع شرط، والشرط
هو الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود،
والمعنى أنه يلزم من كون الإنسان غير متطهر ألا تصح له
صلاة، لأن شرط الصلاة الطهارة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ". رواه البخاري (6954) ومسلم (537) عن أبي هريرة.
وقد يتوضأ الإنسان ثم يحدث دون أن يصلي صلاة بذلك الوضوء،
فلا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة.
قوله: "الشرط
الأول: الإسلام، وضده الكفر، والكافر عمله
مردود ولو عمل أي عمل، والدليل قوله تعالى:
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ
اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ
أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ
خَالِدُونَ} [التوبة:17]، وقوله:
{وَقَدِمْنَا
ص -5-
إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً
مَنْثُوراً}
[الفرقان: 23]
كل عمل يتقرب به إلى الله في هذه الأمة لا ينفع صاحبه إلاّ
إذا كان مسبوقاً بشهادة ألا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول
الله، ومبنياً عليهما، فلابد من إخلاص العمل لله وهو مقتضى
شهادة ألا إله إلا الله، ولابد من متابعة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وكل عمل يعمله الكافر فإنه لا ينفعه عند
الله عزّ وجلّ، لفقده شرط الإسلام، وقد استدل الشيخ رحمه
الله لرد أعمال الكفار وعدم قبولها منهم بالآيتين من سورة
التوبة وسورة الفرقان، لأن آية التوبة ختمت ببيان حبوط
أعمال الكفار، وآية الفرقان بيّنت أن أعمالهم لا عبرة بها،
وأنها مثل الهباء المنثور أي بطلت واضمحلت.
قوله: [الثاني:
العقل، وضده الجنون، والمجنون مرفوع
ص -6-
عنه القلم حتى يفيق، والدليل حديث: "رفع القلم عن ثلاثة، النائم حتى
يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ" ].
لابد للمصلي في صلاته أن يكون حاضر العقل ليس فاقداً له
بجنون أو سكر، لأن المجنون مرفوع عنه القلم غير مكلف،
والسكران أفقد نفسه عقله فألحقها بالمجانين، فلا يعقل
صلاته، وقد استدل الشيخ رحمه الله بحديث
"رفع القلم عن ثلاثة" وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود (4398) والنسائي (3432) وابن ماجه
(2041) من حديث عائشة رضي الله عنها، وانظر إرواء الغليل
للألباني (297).
قوله: [الثالث:
التمييز، وضده الصغر، وحدّه سبع سنين، ثم يؤمر بالصلاة
لقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع،
واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع" ].
ص -7-
إذا بلغ الصغير سن التمييز وهو سبع سنين أمر بالصلاة ليس
على سبيل الإيجاب، لأن الوجوب إنما يكون بعد البلوغ، وأمره
بالصلاة في هذه السن ليتعود على الصلاة والاتيان بها على
الوجه المشروع، وإذا بلغ عشر سنين تأكّد أمره بها وأدّب
على ذلك بالضرب غير المبرح لقوله صلى الله عليه وسلم:
"مروا أبناءكم
بالصلاة لسبع"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد (6756) (6689) وأبو داود (495) من حديث
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وأخرجه أبو داود (494)
من حديث سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه وانظر إرواء
الغليل (247).
قوله:
[الشرط
الرابع: رفع الحدث، وهو الوضوء المعروف،
وموجبه الحدث].
الحدث: هو كل خارج من السبيلين وكذا أي ناقض للوضوء،
والحدث هو الذي يوجب الوضوء،
ص -8-
والحدث
حدثان: حدث أكبر وهو ما يوجب الغسل وهو الجنابة والحيض
والنفاس، وحدث أصغر وهو ما يوجب الوضوء، ورفع الحدث يكون
بالغُسل و الوضوء لمن وجد الماء أو قدر على استعماله، فإذا
لم يوجد الماء أو وجد ولكن لم يُقدر على استعماله انتُقل
إلى رفع كل من الحدث الأكبر والأصغر بالتيمم، وإذا تيمم
للحدث الأكبر ثم وجد الماء اغتسل لقوله صلى الله عليه
وسلم:
"إن الصعيد
الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد
الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير". أخرجه
الترمذي (124) وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه، وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح، وانظر إرواء الغليل (153)، وإذا
اغتسل من عليه حدث أكبر ونوى رفع الحدث الأكبر والأصغر
ارتفعا، أما إذا أفاض الماء على جسده في غسل الجمعة أو
التبرد ونوى رفع الحدث الأصغر فإنه لا يرتفع، لأن هذا
الاغتسال ليس فيه رفع حدث. |