شرح كتاب
آداب المشي إلى الصلاة أو العبادات باب صلاة التطوع
(قال أبو العباس) ، (التطوع تكمل به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن
أتمها) ، (وفيه حديث مرفوع) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة التطوع
يعني النوافل بعد الفرائض. النوافل مشروعة لما فيها من الفضل، ولما فيها من
ترقيع الخلل.
(قال أبو العباس) ابن تيمية، وكنايته تقي الدين، وكنيته شيخ الإسلام، وهو
مات ولم يتزوج لأجل ما شغل به في صغره بالتعلم، ثم بعدها تصدى حبس ونوظر
ونصر. ومن عناية الله له أن أيد الله ما نشره في آخر الزمن: (التطوع تكمل
به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن أتمها) . (وفيه حديث مرفوع) "أول ما
يحاسب عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمها كتبت له تامة، وإن لك
تكن تامة قال الله تعالى لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون
به فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ لأعمال على حسب ذلك" أخرجه الحاكم.
(1/84)
(وكذلك الزكاة وبقية الأعمال) ، (وأفضل
التطوع الجهاد) ، (ثم توابعه من نفقة فيه وغيرها) ، (ثم) ، (تعلم العلم
وتعليمه) ، (قال أبو الدرداء: العالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائر الناس
همج لا خير فيهم. وعن أحمد طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وكذلك الزكاة وبقية الأعمال) مثل ذلك ما تقدم. والتطوعات على مراتب في
الآكدية. (وأفضل التطوع الجهاد) وفيه الحديث: "وذروة سنامه الجهاد في سبيل
الله: ويصدق على قتال الكفار. وهو مشتق من "جاهد" أي بالغ في قتال عدوه.
فدل على أن الجهاد أفضل.
والجهاد أنواع: أحدها: بالنفس. والثاني: باللسان. ستة أشياء1. وجهاد النفس
من أقسام الجهاد. والجهاد كالصلاة فيه انقسام إلى فريضة، وتطوع. والكلام
هنا في التطوع لا في الفريضة. (ثم توابعه من نفقة فيه وغيرها) فالأول
الجهاد بالبدن وبعده النفقة فيه، وهما أفضل الجهاد بماله وبدنه، وإذا ضم
إلى ماله لسانه كان أكمل الجهاد.
(ثم) بعد الجهاد، (تعلم العلم وتعليمه) بل هو من الجهاد، بل هو من حياة
الإسلام والمسلمين، بل هو الهدى ودين الحق الذي بعث به النبي صلى الله عليه
وسلم. (قال أبو الدرداء: العالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائر الناس همج
لا خير فيهم. وعن أحمد طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته)
__________
1 قلت: وفي الاختيارات: منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، والدعوة الحجة
واللسان، والرأي والتدبير، والصناعة. اهـ. والسادس بالمال.
(1/85)
(وقال أحمد: تذاكر بعض ليلة أحب إليّ من
إحيائها) ، (وقال: يجب أن يطلب الرجل من العلم ما يقوم به دينه) ، (قيل له:
مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله: صلاته، وصومه، ونحو ذلك) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن أحمد روايتان. إحداهما: أن أفضل الأعمال الجهاد، ثم العلم. والرواية
الأخرى: أن العلم أفضل مطلقاً بالقيد وهو أن يعرف الهدى فيعمل به ويعلمه
الغير فيعملوا به طلباً لوجه الله. وقد يجمع بين الروايتين أنه بعض الأحيان
أفضل، وهذا أفضل بعض الأحيان. ويأتي عنه أن التطوعات تكون أفضل في بعض
الأحيان وبعض الأشخاص والأزمان، كما جاء في النصوص: أن الأعمال تتفاضل،
فعند زهد الناس فيه وكثرة الباطل يكون العلم أفضل من غيره. وفي حالة أخرى:
إذا خشي من مهاجمة العدو وجب قتاله في زمن قليل ويدفع صار أفضل. ثم هذا
التفضيل أنت عارف أنه في تطوع العلم. أما العلم الذي هو فرض ما دخل في هذا:
(وقال أحمد: تذاكر بعض ليلة أحب إليّ من إحيائها) يعني: قليل من ليللة في
العلم الشرعي لا سيما علم التوحيد والعقائد "أحب إليّ من إحيائها" فهذا
يؤخذ منه تقديم البحث فيه على نوافل الصلاة. (وقال) أحمد: (يجب أن يطلب
الرجل من العلم ما يقوم به دينه) هذا بيَّن أن التعلم والتعليم الذي تقدم
الكلام فيه أنه العلم الذي هو تطوع. أما الفرض فهو فرض. (قيل له) ثم قيل
لأحمد: (مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله: صلاته، وصومه، ونحو ذلك) يعني
مثل معرفته عقيدته وتوحيده وما افترض عليه صلاته وصومه –فصلاته بكل حال،
(1/86)
(ثم) ، (الصلاة) ، (لحديث: استقيموا) ،
(ولن تحصوا) ، (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) ، (ثم بعد ذلك ما يتعدى
نفعه من عيادة مريض) ، (أو قضاء حاجة مسلم) ، (أو إصلاح بين الناس) ،
(لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير أعمالكم وبأفضل من درجة الصوم
والصلاة؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" صححه الترمذي) ،
(وقال أحمد: إتباع الجنازة أفضل من الصلاة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصيامه كذلك، والزكاة إن كان عنده مال وجب، وإلا فلا. والحج إن كان
مستطيعاً وجب عليه.
(ثم) بعدما تقدم في الآكدية (الصلاة) تطوعات الصلاة (لحديث: استقيموا)
بالثبات على الحق الذي عرف وعمل به فلا يلوي عنه يمنة ولا يسرة، (ولن
تحصوا) هذا مثل حديث: "كل أمتي خطاء وخير الخطائين التوابون". فالمعنى: لن
تقوموا بكل ما أمرتم (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) هذا الشاهد منه: أن
كل ما دل عليه أنه بعد المذكورات مع أن ظاهره أنه آكد التطوعات.
(ثم بعد ذلك ما يتعدى نفعه من عيادة مريض) وهي من حقوق المسلم على المسلم،
(أو قضاء حاجة مسلم) "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" وقال:
"تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق"، (أو إصلاح بين الناس؛ لقوله صلى الله عليه
وسلم: "ألا أخبركم بخير أعمالكم وبأفضل من درجة الصوم والصلاة؟ إصلاح ذات
البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" صححه الترمذي) ظاهر معناه (وقال
أحمد: إتباع الجنازة أفضل من الصلاة) وهو من حقوق المسلم على المسلم، ومما
يتعدى نفعه أيضاً.
(1/87)
(وما يتعدى نفعه يتفاوت) ، (فصدقة على قريب
محتاج أفضل من عتق) ، (وهو أفضل من صدقة على أجنبي) ، (إلا زمن) ، (مجاعة)
، (ثم حج) ، (وعن أنس مرفوعاً: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى
يرجع" قال الترمذي: حسين غريب) ، (قال الشيخ: تعلم العلم وتعليمه يدخل في
الجهاد وأنه نوع منه) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وما يتعدى نفعه يتفاوت) بالكيفية والكمية وبالأحوال والأشخاص (فصدقة على
قريب محتاج أفضل من عتق) فيها صدقة وصلة، وذلك أنه في تلك الحال في حاجة:
فتدفع إليه، وتزول حاجته وفاقته خير من إنقاذ هذا من الرق، فهو في الحالة
الراهنة مضطر، وهذا ألم الرق أسهل عليه من ألم الجوع على هذا. (وهو) أي
العتق، (أفضل من صدقة على أجنبي) لعظم نفعه بتخليصه من أسر الرق وأكبر. رجح
الأول ما اجتمع فيه أنه محتاج قريب (إلا زمن) غلاء و (مجاعة) فالصدقة
مطلقاً أفضل لدعاء الحاجة إليها إذاً، هذا مستثنى.
(ثم حج) بعدما تقدم (وعن أنس مرفوعاً: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل
الله حتى يرجع" قال الترمذي: حسين غريب) فهذا يؤخذ منه أن طلب العلم مرتبته
فوق مرتبة الجهاد، وأنه لا يقدم تطوع الجهاد على طلب العلم أنه في سبيل
الله وجهاد.
(قال الشيخ: تعلم العلم وتعليمه يدخل في الجهاد وأنه نوع منه) وذلك أن
الجهاد دفع باطل وسعي في دفعه. ومن ذلك فشو العلم ووجوده في الناس، وهو مما
يضر فقده. والجهاد بعضه بالسنان،
(1/88)
(وقال) ، (استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة
ليلاً ونهاراً أفضل من الجهاد الذي لم يذهب فيه نفسه وماله) ، (وعن أحمد:
ليس يشبه الحج شيء) ، (للتعب الذي فيه، ولتلك المشاعر، وفيه مشهد ليس في
الإسلام مثله) ، (عشية عرفة) ، (وفيه إنهاك المال والبدن) ، (وعن أبي أمامة
أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: "عليك
بالصوم فإنه لا مثل له" رواه أحمد وغيره بسند حسن) ، (وقال الشيخ: قد يكون
كل واحد أفضل في حال) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبعضه بالألسن والذب والحط. (وقال) الشيخ (استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة
ليلاً ونهاراً أفضل من الجهاد الذي لم يذهب فيه نفسه وماله) للحديث في ذلك.
(وعن أحمد: ليس يشبه الحج شيء) هذه رواية تقتضي تقديم الحج على غيره وأنه
أفضل حتى من الجهاد، (للتعب الذي فيه، ولتلك المشاعر، وفيه مشهد ليس في
الإسلام مثله) مجمع لم يوجد في الإسلام مثله (عشية عرفة) ... وفضلها معلوم
(وفيه إنهاك المال والبدن) ظاهر (وعن أبي أمامة أن رجلاً سأل النبي صلى
الله عليه وسلم " أي الأعمال أفضل؟ قال: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له" رواه
أحمد وغيره بسند حسن) هذا ظاهره أن تطوع الصوم أفضل من جميع التطوعات فهو
من صيغ العموم فإنه يفيد أن لا شيء مثله ولا شيء فوقه. وجاء ما تقدم أن
هناك ما هو أفضل منه فالجمع ما يأتي.
(وقال الشيخ: قد يكون كل واحد أفضل في حال) يعني: الجمع بينه وبين ما تقدم
وما يشبهه في بعض الأحاديث تقديم هذا على هذا-
(1/89)
(لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه
بحسب الحاجة والمصلحة) ، (ومثله قول أحمد: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله) ،
(ورجح أحمد فضيلة الفكر على الصلاة والصدقة) ، (فقد يتوجه منه أن عمل القلب
أفضل من عمل الجوارح) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجمع- أنها تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، فقد يكون هذا الشخص أفضل منه
من هذا الشخص، وهذا يعرف بالتأمل، وهو يختلف بهذه الأمور، (لفعل النبي صلى
الله عليه وسلم وخلفائه بحسب الحاجة والمصلحة) النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه لم يكونوا مديمين على هذا وحده؛ بل تارة هذا، وتارة هذا. فتارة
يقومون بالجهاد. وتارة مقيم عند الوالد. فهو لا يجزم أن واحداً أفضل في كل
حال وفي كل زمان ومكان ومن كل أحد وبهذا تجتمع الأحاديث وتتحد دلالتها.
(ومثله قول أحمد: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله) هذا يؤيد ما تقدم أن
أفضلية الأعمال الواحد ليس مطلقاً، بل المراد أنه يخص حاله هو. فقول أحمد
يدل على أنه ينظر ما كان أشد تقوية للإيمان في القلب وتثبيتاً له أنه أولى
من الذي لا يحضره إلا بكسل. فصار هنا شيئان: تفضيل ذات، وتفضيل نسبة. فيكون
أفضل بالنسبة إلى كذا وكذا.
(ورجح أحمد فضيلة الفكر على الصلاة والصدقة) وذلك أن في الفكر الصحيح في
آيات الله الكونية ونعمه لتشكر مما يقوي التوحيد واليقين ما هو معروف. فمن
انفتح له هذا الباب على وحيه صار على أبواب من الخير كثيرة وانفتح عليه
أعمال القلوب. رجح ذلك على الصلاة، والصدقة (فقد يتوجه منه أن عمل القلب
أفضل من عمل الجوارح) وهو كذلك؛ فإن أعمال القلوب تستغني عن أعمال الجوارح،
(1/90)
(وأن مراد الأصحاب أعمال الجوارح) ،
(ويؤيده) ، (حديث: أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله) ،
(وحديت: أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله) ، (وآكد التطوعات
الكسوف) ، (ثم الوتر) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبالعكس أعمال الجوارح لو خلت من النية لم يثب عليها بحال، (وأن مراد
الأصحاب أعمال الجوارح) ومراد الأصحاب عمل الجوارح، وهذا صحيح. (ويؤيده)
يدل عليه، (حديث: أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله) فهو
دال على أن أعمال القلوب أفضل من أعمال الجوارح (وحديت: أوثق عرى الإيمان
أن تحب في الله وتبغض في الله) وهذا الحديث.
(وآكد التطوعات الكسوف) 1 صلاة الكسوف. وبعض ذهب إلى الوجوب؛ لكنها سنة
مؤكدة بمرة. والنبي صلى الله عليه وسلم لما وقع الكسوف خرج فزعاً يجر رداءه
خشي أن تكون الساعة، وقال: "فأفزعوا إلى الصلاة" وهي مشروعة لها جماعة.
وجنس ما تشرع له الجماعة آكد مما لا تشرع له. وما تقدم من فزعه وقوله:
"فافزعوا" دال على أنها آكد من الاستسقاء.
ثم بعد الكسوف الاستسقاء2، ثم بعد الاستسقاء التراويح.
(ثم الوتر) هذا ترتيبها في الأفضلية، لكون المذكورات تشرع لها الجماعة،
وغيرها لا تشرع إلا تبعاً. وإن كان أحد القولين في الوتر أنه فرض على النبي
صلى الله عليه وسلم، فالوتر لا يترك سفراً ولا حضراً.
__________
1 وتأتي أحكامه في بابه.
2 وتأتي أحكامه في بابه أيضاً.
(1/91)
(ثم سنة الفجر) ، (ثم سنة المغرب) ، (ثم
بقية الرواتب) ، (ووقت صلاة الوتر بعد العشاء إلى طلوع الفجر) ، (والأفضل
آخر الليل لمن وثق بقيامه) ، (وإلا أوتر قبل أن يرقد) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ثم سنة الفجر) وفي الحديث "ركعتان الفجر خير من الدنيا وما فيها" رواه
مسلم.
(ثم سنة المغرب) لقول ابن عمر "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين
بعد المغرب في بيته".
(ثم بقية الرواتب) ثم بعد ذلك بقية الرواتب العشر. وكان النبي صلى الله
عليه وسلم يحافظ عليهن، ويأتي تفصيلهن.
صلاة الوتر
(ووقت صلاة الوتر بعد العشاء إلى طلوع الفجر) لحديث: "إن الله أمدكم بصلاة
خير لكم من حمر النعم. قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الوتر ما بين صلاة
العشاء إلى طلوع الفجر". وفي حديث عائشة: "فانتهى وتره إلى السحر" فهذا كله
وقت الوتر من حين تنقضي العشاء سواء قدمت جمع تقديم أو أخرت، فإن ابتداءه
من العشاء إلى الفجر، فإذا طلع الفجر خرج وقت الوتر.
(والأفضل آخر الليل لمن وثق بقيامه) والأفضل الوتر آخر الليل، لحديث عائشة
المشار إليه "فانتهى وتره إلى السحر" يعني كان آخر الأمر أنه لا يوتر إلا
في السحر، وهو آخر الليل، فهذا أفضل؛ ولأنه وقت النزول الإلهي، لحديث أبي
هريرة: "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر،
فيقول" الحديث؛ ولكونه أفضل لغير ذلك؛ فإن كل وقت فاضل آخره أفضل من أوله.
وهذا في حق الذي يثق (وإلا أوتر قبل أن يرقد) يوتر أول الليل، لحديث أبي
هريرة الذي
(1/92)
(وأقله ركعة) ، (وأكثره إحدى عشرة) ،
(والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بركعة) ، (وإن فعل غير ذلك مما صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه: "وأن أوتر قبل أن أنام " وذلك أنه يسمر في درس العلم ويخشى أن لا يقوم
آخر الليل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فالذي لا يثق ينبغي في
حقه أن يوتر أوله مخافة أن يفوته آخره.
(وأقله ركعة) فمن أوتر بواحدة فقد أوتر. وهذا أدنى الوتر وأقله. له أقل،
وكمال، وأدنى كمال. فأقله واحدة (وأكثره إحدى عشرة) لحديث عائشة وغيره فإن
فيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على
إحدى عشرة ركعة" الحديث.
(والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بركعة) لحديث: "صلاة الليل مثنى
مثنى" فهو عام الوتر وغيره، ولحديث ابن عباس لما بات مع النبي صلى الله
عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فذكر فيما رواه: "أنه صلى
الله عليه وسلم صلى اثنتين، ثم اثنتين" الحديث. فإن فيه ألفاظ. المقصود أنه
يسلم من كل اثنتين، ثم تفرد الأخيرة بسلام وحدها. (وإن فعل غير ذلك مما صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن) ولكن أحسنه ما تقدم. أما لو صلى خمساً
جميعاً أو سبعاً أو تسعاً ونحو ذلك كما ورد فحسن، فإنه ورد في الوتر ووصل
الوتر وفصله كيفيات عديدة؛ فكل كيفية صنع مثل ما شرع فهو جائز، وأحسنه ما
تقدم. وهذا ليس اختلاف تضاد؛ بل اختلاف تنوع؛ فإن اختلاف التضاد هو
المذموم؛ والتنوع من يسر الشريعة وسماحتها فإنها جاءت بألوان.
(1/93)
(وأدنى الكمال ثلاث) ، (ويجوز بسلام واحد)
، (ويجوز كالمغرب) ، (والسنن الراتبة عشر) ، (وفعلها في البيت أفضل) ، (وهي
ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء،
وركعتا الفجر) ، (ويخفف ركعتي الفجر) ، (و) ، (يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص،
أو يقرأ في الأولى بقوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْنَا} الآية، التي في سورة البقرة،
وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وأدنى الكمال ثلاث) يصلي اثنين، ثم يأتي بواحدة ويسلم، (ويجوز بسلام واحد)
لكن الأفضل الأول (ويجوز كالمغرب) بأن يصلي اثنتين ثم يجلس ثم يأتي
بالأخرى.
(والسنن الراتبة عشر) لما تقدم (وفعلها في البيت أفضل) (وهي ركعتان قبل
الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتا
الفجر) لحديث: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".
الرواتب:
وجاء أيضاً في بعض الأحاديث زيادة ركعتين قبل الظهر فذهب بعض إلى أنهما
ليسا براتبة، وهي مؤكدة.
(ويخفف ركعتي الفجر) هذا من سننها أن يخفف، وفي حديث عائشة: "حتى أني
أقول.. أقرأ بأم الكتاب" (و) ثبت أنه كان (يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص، أو
يقرأ في الأولى بقوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْنَا} الآية، التي في سورة البقرة، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ
(1/94)
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية) ، (وله فعلها راكباً) ، (ولا سنة للجمعة
قبلها) ، (وبعدها ركعتان، أو أربع) ، (وتجزىء السنة عن تحية المسجد) ،
(ويسن له الفصل بين الفرض والسنة بكلام أو قيام، لحديث معاوية) ، (ومن فاته
شيء منها استحب له قضاؤه) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية) كلُّ
سنة، وثبت.
(وله فعلها راكباً) له فعل الرتبة راكباً.
(ولا سنة للجمعة قبلها) بل محل التطوع والإكثار منه غير حد. أما أن هناك حد
عليه دليل فلا (وبعدها ركعتان، أو أربع) ركعتان في بيته كما في حديث ابن
عمر، أو أربع في المسجد.
(وتجزىء السنة عن تحية المسجد) الراتبة إذا فعلها في المسجد أجزأته عن تحية
المسجد.
(ويسن له الفصل بين الفرض والسنة بكلام أو قيام، لحديث معاوية) وهو أن يقوم
إلى محل يمينه أو يساره أو قدام. ويكفي الفصل بالكلام. وإن كان من حين صلى
الفريضة قال: الله أكبر قام وصلى من دون كلام ولا قام من محله إلى آخر فهذا
منهي عنه. وإن كان فصل بكلام ولو بذكر كان فاصلاً؛ لا يشترط أن يكون
أجنبياً من الذكر أو الصلاة فهذا يصلح أن يكون فاصلاً بينهما، وإلا فليس
متعبداً أن يكلم الذي إلى جنبه. المنهي عنه قول: الله أكبر وهو في مكانه لم
يتكلم.
(ومن فاته شيء منها استحب له قضاؤه) جاءت السنة بقضاء بعض
(1/95)
(ويستحب أن يتنفل بين الأذان والإقامة) ،
(والتراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، (وفعلها جماعة أفضل،
ويجهر الإمام بالقراءة لنقل الخلف عن السلف) ، (ويسلم من كل ركعتين لحديث:
" صلاة الليل مثنى مثنى") ، (ووقتها بعد العشاء وسنتها قبل الوتر إلى طلوع
الفجر، ويوتر بعدها) ، (فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده، لقوله صلى الله
عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرواتب؛ فإنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين التي بعد الظهر لما شغل
عنها بعد العصر، ةصلى ركعتي الفجر بعدها، وقيس الباقي على ذلك.
(ويستحب أن يتنفل بين الأذان والإقامة) لحديث: "بين كل أذانين صلاة".
التراويح:
(والتراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم) التراويح من أنواع
التطوع سميت "صلاة التراويح" لكونهم يصلون أربعاً ثم يستريحون، يفصلون بين
كل أربع براحة، فسميت تراويح. فهي سنة (وفعلها جماعة أفضل، ويجهر الإمام
بالقراءة لنقل الخلف عن السلف) الخلف توارثوه عن الصحابة إلى وقتنا هذا.
(ويسلم من كل ركعتين لحديث: "صلاة الليل مثنى مثنى") ولحديث ابن عباس
المتقدم لما بات عند خالته ميمونة (ووقتها بعد العشاء وسنتها قبل الوتر إلى
طلوع الفجر، ويوتر بعدها) بعدما يفرغ من صلاة العشاء وراتبتها هو ابتداء من
أوله. وأما ابتداؤه من آخره هو التراويح، فوقت الوتر هو وقت التراويح (فإن
كان له تهجد جعل الوتر بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم
بالليل وتراً") فمن
(1/96)
(فإن أحب من له تهجد متابعة الإمام قام إذا
سلم الإمام فجاء بركعة) ، (لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الإمام
حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" صححه الترمذي) ، (ويستحب حفظ القرآن إجماعاً)
، (وهو أفضل من سائر الذكر) ، (ويجب منه ما يجب في الصلاة) ، (ويبدأ
الصبيَّ وليُّه به قبل العلم) ، (إلا أن يعسر) ، (ويسن ختمه في كل أسبوع)
(وفيما دونه أحياناً) ، (ويحرم تأخير القراءة إن خاف نسيانه) ، (ويتعوذ قبل
القراءة) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان له نهجد يسلم بعد التراويح فلا يأتي بالوتر، (فإن أحب من له تهجد
متابعة الإمام قام إذا سلم الإمام فجاء بركعة) تشفع له ذلك ثم يوتر (لقوله
صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" صححه
الترمذي) هذه فائدة متابعة الإمام في التراويح.
(ويستحب حفظ القرآن إجماعاً) يجب حفظ الفاتحة (وهو أفضل من سائر الذكر) هو
أفضل من التسبيح إلى آخر الأذكار الأخرى كما في حديث: "وما تقرب العباد إلى
الله بأفضل مما خرج منه" (ويجب منه ما يجب في الصلاة) وهو الفاتحة فقط
(ويبدأ الصبيَّ وليُّه به قبل العلم) حتى أنه قبل معرفة الواجبات عليه،
(إلا أن يعسر) عليه حفظه (ويسن ختمه في كل أسبوع) لحديث أوس ابن أوس: "كيف
تحزبون القرآن" (وفيما دونه أحياناً) خصوصاً في رمضان، ويكره تأخير ختمه
أكثر من شهر.
(ويحرم تأخير القراءة إن خاف نسيانه) جاء الوعيد على ذلك في بعض الأحاديث،
(ويتعوذ قبل القراءة) للآية الكريمة: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [16/ 98]
(1/97)
(ويحرص على الإخلاص ودفع ما يضاده) ،
(ويختم في الشتاء أول الليل، وفي الصيف أول النهار) ، (قال طلحة بن مصرف:
أدركت أهل الخير من هذه الأمة يستحبون ذلك، يقولون: إذا ختم أول النهار صلت
عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح.
رواه الدارمي عن سعد بن أبي وقاص. إسناده حسن) (ويحسن صوته بالقرآن) ،
(ويرتله) ، (ويقرأ بحزن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويحرص على الإخلاص ودفع ما يضاده) الإخلاص هو أساس العمل وضده الرياء.
(ويختم في الشتاء أول الليل، وفي الصيف أول النهار) قال طلحة بن مصرف:
أدركت أهل الخير من هذه الأمة يستحبون ذلك، يقولون: إذا ختم أول النهار صلت
عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح،
رواه الدارمي عن سعد بن أبي وقاص. إسناده صحيح. هذا دليل الاستحباب كثرة
الصلاة عليه حسب طول الزمن (ويحسن صوته بالقرآن) لحديث: "ما أذن الله لشيء
ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به" و "ليس منا من لم يتغن
بالقرآن" وقال لأبي موسى لما سمع صوته: "لقد أعطي هذا مزماراً من مزامير
داود" المقصود أنه مشروع تحسين الصوت بالقرآن.
(ويرتله) يقرؤه على تمهل ليكون عوناً على فهم القرآن وتدبره ووصفت عائشة
رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم1 (ويقرأ بحزن
__________
1 فقالت: كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أكول منها. وفي صحيح
البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كانت
مداً، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد
الرحيم". وسئلت أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان
يقطع قراءته آية آية. {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .. الخ".
(1/98)
وتدبر) ، (ويسأل الله تعالى عند آية
الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب) ، (ولا يجهر بين مصلين أو نيام أو تالين
جهراً يؤذيهم) ، (ولا بأس بالقراءة قائماً وقاعداً ومضطجعاً وراكباً
وماشياً) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتدبر) وتفهم لمعاني القرآن يكون قلبه مستحضراً لمعاني القرآن، ويكون بتخشع
وجزن، وذلك لأن القرآن له معان عديدة: منها نصوص خوف، ومنها نصوص رجاء،
ومنها نصوص تعظيم الله عز وجل. فالخوف ظاهر، وذكر الله ظاهر الخشية أن لا
يقوم بحقيقة التعظيم، ولا حقيقة الرجا، فلا ينبغي أن يكون ضاحكاً أو لاهياً
ولا مشغول القلب؛ فإن هذا في الحقيقة ما قرأ القراءة التي تنبغي.
(ويسأل الله تعالى عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب) مندوب في حق
القارئ أن يسأل الله عندما تمر به آية الرحمة ويستعيذ عندما تمر به آية
العذاب. لحديث حذيفة: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة –إلى أن
قال- إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ".
(ولا يجهر بين مصلين أو نيام أو تالين جهراً يؤذيهم) كان عند مصلين فلا
ينبغي أن يجهر جهراً بحيث يؤذيهم لتشويشه عليهم، ولا بين نيام لإيقاظه
إياهم به.
وإذا كان بين تالين يتلون فلا يجهر بحيث يؤذيهم *.
(ولا بأس بالقراءة قائماً وقاعداً ومضطجعاً وراكباً وماشياً) 1.
__________
* قلت: أما أن لا يسمع صوت من أي واحد من أهل المسجد –كما هو موجود في بعض
البلاد- فليس مراداً هنا لأنه قيده هنا بخشية الإيذاء والتشويش.
1 لحديث عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض
وثمَّ يقرأ القرآن" متفق عليه. ونقله ابن منصور وغيره. الفروع جـ 1/ 551.
(1/99)
(ولا تكره في الطريق ولا مع حدث أصغر) ،
(وتكره في المواضع القذرة) ، (ويستحب الاجتماع لها والاستماع للقاريء) ،
(ولا يتحدث عندها بما لا فائدة فيه) ، (وكره أحمد السرعة في القراءة) ،
(وكره قراءة الألحان وهو الذي يشبه الغناء) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا تكره في الطريق1 ولا مع حدث أصغر)
(وتكره في المواضع القذرة) تكريماً للقرآن.
(ويستحب الاجتماع لها3 والاستماع للقاريء)
(ولا يتحدث عندها بما لا فائدة فيه)
(وكره أحمد السرعة في القراءة)
(وكره قراءة الألحان وهو الذي يشبه الغناء)
__________
1 لما روي عن إبراهيم التيمي قال: كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في
الطريق.
2 ور مع حدث أصغر بخلاف الحدث الأكبر.
3 لكن ينبغي أن يكون أحياناً لا سنة راتبة (مجموع الفتاوى جـ 22 ص 520،
522، فروع جـ 1/ 554، 555) .
4 لأنه يشارك القارئ.
5 لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
وَأَنْصِتُوا} الآية ولأنه إعراض عن الاستماع الذي يترتب عليه الأجر بما لا
طائل تحته.
6 وتأوله القاضي إذا لم يبين الحروف، وتركها أكمل لما تقدم من استحباب
الترتيل والتفكر.
7 وقال هو بدعة، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في أشراط الساعة:
"أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم
غناءً" قال: في مجموع الفتاوى: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" وقد فسره الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما
بأنه من الصوت، فيحسنه بصوته ويترنم به دون التلحين المكروه –إلى أن قال-
فمن لم يترنم بالقرآن ترنم بالشعر (جـ 11 ص 532، 533) .
(1/100)
(ولا يكره الترجيع) ، (ومن قال في القرآن
برأيه فليتبوأ مقعده من النار وأخطأ ولو أصاب) ، (ولا يجوز للمحدث مس
المصحف) ، (وله حمله بعلاقة) ، (أو في خُرْج فيه متاع) ، (وفي كمه) ، (وله
تصفحه) ، (بعود ونحوه) ، (وله مس تفسير وكتب فيها قرآن) ، (ويجوز للمحدث
كتابته من غير مس) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يكره الترجيع) 1.
(ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وأخطأ ولو أصاب) 2.
(ولا يجوز للمحدث مس المصحف) المحدث حدثاً أكبر أو أصغر لا يجوز له مسه،
(وله حمله بعلاقة) أو في شيء آخر ساتر.
(أو في خُرْج فيه متاع) يجوز (وفي كمه) كذلك (وله تصفحه) يعني تتبعه (بعود
ونحوه) ونحو ذلك (وله مس تفسير وكتب فيها قرآن) لا بأس أن يمسها المحدث
مطلقاً. (ويجوز للمحدث كتابته من غير مس) يجوز للمحدث كتابة القرآن من غير
مس للمكتوب.
__________
1 الترجيع هو الترديد في الصوت كما رجع يوم الفتح في قراءته {إِنَّا
فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} . وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه: إ، إ،
إ، ثلاث مرات، ذكره البخاري (الهدي النبوي ج1/134-تفسير ابن كثير ج4 فضائل
القرآن ص47) .
2 لا يجوز التفسير بالرأي لقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ
مَا لا تَعْلَمُونَ} ولما روي عن ابن عباس مرفوعاً: "من قال في القرآن
برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار" وروي سعيد بسنده عن الصديق:
أي سماء تظلني أو أي أرض تقلني أو أين أذهب أو كيف أصنع إذا قلت في كتاب
الله بغير ما أراده الله (شرح المنتهى ص 242 مطبعة دار الفكر) .
(1/101)
(وأخذ الأجرة على نسخه) ، (ويجوز كسيه
الحرير) ، (ولا يجوز استدباره أو مد الرجل إليه ونحو ذلك مما فيه ترك
تعظيمه) ، (ويكره تحليته بذهب أو فضة) ، (وكتابة الأعشار، وأسماء السور،
وعدد الآيات، وغير ذلك مما لم يكن على عهد الصحابة) ، (ويحرم أن يكتب
القرآن أو شيء فيه ذكر الله بغير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وأخذ الأجرة على نسخه) 1 (ويجوز كسيه الحرير) 2 ... (ولا يجوز استدباره أو
مد الرجل إليه ونحو ذلك مما فيه ترك تعظيمه) ، (ويكره تحليته بذهب أو فضة)
3 واستدل على ما عدن تحريم تمويه كتابة المصحف وتهيبه بحديث: "أنه أُتي
النبي صلى الله عليه وسلم بطشت ذهب فيه حكمة وعلم"4.
(وكتابة الأعشار، وأسماء السور، وعدد الآيات، وغير ذلك مما لم يكن على عهد
الصحابة) 5 6 (ويحرم أن يكتب القرآن أو شيء فيه ذكر الله بغير طاهر) يحرم
كتابته بنجاسة فإنه من أعظم أنواع الاستهانة
__________
1 كما جاز أخذ الأجرة على الرقية "إن أحق ما أخذتم عليه الرقية كلام الله".
2 نص عليه أحمد. وفي ذلك تعظيم له كلبسه في الحرب. (الآداب الشرعية ج
2/333) .
3 قدمه ابن تميم وابن حمدان. وعنه: لا يكره. (الآداب الشرعية ج 2/333) .
4 في حديث الإسراء الطويل.
عارضة: تحبب إلى الناس، لكن لا بالباطل بل بالحق (شيخنا) .
5 فإنهم رضي الله عنهم والعلماء بعدهم أمروا بتجريد القرآن وأن لا يكتب في
المصحف غير القرآن، فلا يكتب أسماء السور ولا التخميس ولا التعشير ولا آمين
ولا غير ذلك ... لأنه ليس من القرآن (مجموع الفتاوى ج13/105) .
6 الصحابة كتبوا المصاحف بغير شكل ولا نقط لأنهم لا يلحنون، ولما حدث اللحن
في زمن التابعين صار بعضهم يشكل المصاحف وينقطها. وإن كتبت بنقط وشكل أو
بدونها جاز. (مجموع الفتاوى ج12/586) .
(1/102)
طاهر) ، (فإن كتب به أو عليه وجب غسله) ،
(وإن بلي المصحف أو اندرس دفن) ، (لأن عثمان رضي الله عنه دفن المصاحف بين
القبر والمنبر) ، (وتستحب النوافل إلا أوقات النهي)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالقرآن. وإذا كان لا يمس بعضو نجس فبطريق الأولى أن لا يكتب بنجس. "أو شيء
فيه ذكر الله" وكذلك الذي فيه من ذكر شيء من أسمائه فإنه يكره. (فإن كتب به
أو عليه وجب غسله) يحرم أن يكتب في شيء طاهر بنجاسة أو يكتب بشيء طاهر لكن
في محل نجس، ويجب غسله في الصورتين، إكراماً للقرآن من كونه بنجاسة، أو في
نجاسة. (وإن بلي المصحف أو اندرس دفن) يعني إذا بقي لا ينتفع به فيدفن
إكراماً له وصيانة لئلا يبقى عرضة للأنواع الأخرى غير ذلك، وأن لا يقلب كما
يقلب المتاع المتروك، (لأن عثمان رضي الله عنه دفن المصاحف بين القبر
والمنبر) عثمان حفر لها ودفنها عند المنبر لما جمع المصاحف على مصحف واحد.
وبعض ذهب إلى أنه يحرق. وهذا سائغ ومن إكرامه لئلا يبقى بقاءً غير مكرم.
النوافل المطلقة:
(وتستحب النوافل إلا أوقات النهي) وهي خمسة من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع
الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، ومن صلاة
العصر إلى غروبها، وإذا شرعت في الغروب حتى يتم. فالنوافل المطلقة لا تحد
بوقت ولا بعدد ولا بمكان ولا تقيد بحال، سواء حاضر أو مسافر إلا في أوقات
النهي. والمطلقة في مقابلها المقيدة، فالمقيد إما بعدد، أو بوقت، أو بصلاة،
فهذا معروف: كصلاة الضحى مقيد بالوقت المعروف، والرواتب مقيدة بعدد
(1/103)
(وصلاة الليل مرغب فيها وهي أفضل من صلاة
النهار) ، (وبعد النوم أفضل) ، (لأن الناشئة لا تكون إلا بعده) ، (فإذا
استيقظ ذكر الله تعالى) ، (وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك
وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، (الحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر،
ولا حول ولا قوة إلا بالله) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبصلاة قبلها أو بعدها على حسب ما هو معروف في الأحاديث. وكالوتر ونحو ذلك،
وتحية المسجد، وركعتي الوضوء، والاستسقاء؛ فإن هذه مقيدة بأحوالها وقيودها.
وأما المطلقة فكما تقدم كون الإنسان يجد في نفسه نشاطاً فهي جائزة فيما عدا
الأوقات المنهي عنها.
(وصلاة الليل مرغب فيها وهي أفضل من صلاة النهار) وذلك لحضور القلب فيها،
وبعده عن الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، وفي الحديث: "وصلاة الرجل في جوف
الليل مشهودة" فإنه أحرى أن يتواطأ قلبه ولسانه على الصلاة وما ينبغي فيها.
وفي النهار الإنسان بعرضة الأشغال والأمور الأخرى (وبعد النوم أفضل) إذا
كانت بعد رقدة فإنها أفضل (لأن الناشئة لا تكون إلا بعده) للآية الكريمة:
{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} .
(فإذا استيقظ ذكر الله تعالى) ليكون مستفتح أول نهاره بالذكر، (وقال: لا
إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ليكون
أول ما ينطق به التوحيد، كأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلا
آخره. أو يقول الأذكار الواردة، ومنها: (الحمد لله، وسبحان الله، والله
أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) فإذا قال: الحمد لله وسبحان الله إلى
آخره، فإنه قد أتى بخير الكلام
(1/104)
(ثم إن قال: اللهم اغفر لي أو دعا أستجيب
له) ، (فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) ، (ثم يقول: الحمد لله الذي أحياني بعدما
أماتني وإليه النشور) ، (لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، سبحانك، أستغفرك
لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي
من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، الحمد لله الذي رد عليّ روحي) ، (وعافاني في
جسدي وأذن لي بذكره) ، (ثم يستاك) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الكلام سبحان الله والحمد، ولا
إله إلا الله، والله أكبر" (ثم إن قال: اللهم اغفر لي أو دعا أستجيب له)
لما ورد في الحديث الذي رواه البخاري والترمذي وأبو داود (فإن توضأ وصلى
قبلت صلاته) كذلك ورد في الحديث المذكور، (ثم يقول: الحمد لله الذي أحياني
بعدما أماتني وإليه النشور) هو البعث، فإن النوم هو الموتة الصغرى، (لا إله
إلا أنت، وحدك لا شريك لك، سبحانك، أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم
زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب، الحمد لله الذي رد عليّ روحي) يعني حياتي (وعافاني في جسدي وأذن لي
بذكره) هذا من بقية الذكر الذي يقوله عند الانتباه.
(ثم يستاك) فهو مشروع هنا لحديث حذيفة فهو أحد ما يتأكد فيه السواك، فإنه
يتأكد في مواطن: أحدها هذا، وذلك أن من حكمة شرعية السواك تطييب رائحة
الفم، ومن المعلوم أنه ليس نظيفاً في هذه الحال، فيكون متأكداً.
(1/105)
(فإذا قام إلى الصلاة إن شاء استفتح
باستفتاح المكتوبة) ، (وإن شاء بغيره كقوله: "اللهم لك الحمد أنت نور
السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك
الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق،
والنبيون حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك
أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما
أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فإذا قام إلى الصلاة إن شاء استفتح باستفتاح المكتوبة) "سبحانك اللهم
وبحمدك" إلى آخره. والاستفتاحات عديدة. ويناسب أن يأتي باستفتاح مناسب
للصلاة في الطول والقصر، فإن كانت طويلة طول، فإنه معلوم أن صلاته صلى الله
عليه وسلم بالليل تختلف عن صلاته بالنهار. هذه الجمل "سبحانك اللهم" إلى
آخره اشتملت على الوحيد، والثناء على الله، فهو يقتضي إثبات أنواع التوحيد
الثلاثة، والثناء عليه بهن.
(وإن شاء بغيره كقوله: "اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن،
ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك
الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة
حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك
حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به
مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا
(1/106)
أنت ولا قوة إلا بك) ، (وإن شاء قال:
"اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب
والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه
من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم") ، (ويسن أن يستفتح
تهجده بركعتين خفيفتين) ، (وأن يكون له تطوع يداوم عليه وإذا فاته قضاه) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنت ولا قوة إلا بك) هذا استفتاح ابن عباس وهو أطولها أو من أطولها.
(وإن شاء قال: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض،
عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني
لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم") ثبت ذلك
في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الليل يقول ذلك. فإن
شاء استفتح بحديث ابن عباس، أو بهذا، أو بما في حديث علي: "وجهت وجهي للذي
فطر السموات والأرض" وهو من الطويلة، وإن شاء بغير ذلك.
(ويسن أن يستفتح تهجده بركعتين خفيفتين) للحديث الوارد في ذلك حديث أبي
هريرة.
(وأن يكون له تطوع يداوم عليه وإذا فاته قضاه) يستحب أن يكون التهجد يداوم
عليه، ويجعل له مقداراً يراتب عليه كل ليلة، وهذا دأب الصالحين وصفتهم كونه
يدام عليه ولا يخل به حتى إذا فاته قضاه.
(1/107)
(ويستحب أن يقول عند الصباح والمساء ما
ورد) ، (وكذلك عند النوم والانتباه) ، (ودخول المنزل والخروج منه) ، (وغير
ذلك)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويستحب أن يقول عند الصباح والمساء ما ورد) 1.
(وكذلك عند النوم والانتباه) 2.
(ودخول المنزل والخروج منه) 3.
(وغير ذلك) كالأدعية والأذكار المشروعة في ابتداء الشراب والأكل والفراغ
منهما وعند رؤية البلدة أو القفول منها وهند الأذان
__________
1 ومما ورد هذه الأذكار: "سبحان الله وبحمده مائة مرة"، حين يصبح وحين يسمى
"أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير
ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من
الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب القبر" وإذا أصبح قال
مثل ذلك أيضاً: "أصبحنا وأصبح الملك لله" الخ. "اللهم أنت ربي لا إله إلا
أنت أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما
صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت"، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين ثلاث مرات"، "اللهم بك أصبحنا
وبك أمسينا" وانظر لبقية الأدعية العامة والخاصة (تحفة الأخيار ببيان جملة
نافعة مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار. تأليف سماحة الشيخ
عبد العزيز بن باز، وقد اقتصر على ما صحت به الأخبار عن النبي صلى الله
عليه وسلم وسردها هنا يطول (ص 17-42) .
2 "اللهم باسمك أموت وأحيا" يقوله إذا أخذ مضجعه. وإذا استيقظ قال: " الحمد
لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور" رواه البخاري.
كان صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة يجمع كفيه ثم ينفث فيهما
فيقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ} ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، ثم يمسح بهما ما استطاع من
جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
3 " اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا وبسم الله
خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله" أخرجه أبو داود بإسناد
حسن.
(1/108)
(والتطوع في البيت أفضل) ، (وكذا الإسرار
به إن كان مما لا تشرع له الجماعة) ، (ولا بأس بالتطوع جماعة إذا لم يتخذ
عادة) ، (ويستحب الاستغفار بالسحر والإكثار منه) ، (ومن فاته تهجده قضاه
قبل الظهر) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبعده1.
(والتطوع في البيت أفضل) لحديث: "صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة"
فهو مفيد شرعية صلاة الرجل في بيته. (وكذا الإسرار به إن كان مما لا تشرع
له الجماعة) أما علم الناس به إذا كان جماعة فهو أفضل. وما لا تشرع فالتخفي
فيه أفضل. وصلاة الفرض في الجماعة سنة، وليست سنة فقط فإنه لا يقرُّ أحد
على الصلاة في بيته، هذا هو دين المسلمين، وخلافه خلاف السنة والصدر
الصالح، وفي الحديث: "إنكم لو صليتم في بيوتكم لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم
سنة نبيكم لضللتم" الحديث. أما ما تشرع له الجماعة من النوافل فالمسجد أفضل
مع المسلمين في الجماعة كالكسوف والاستسقاء.
(ولا بأس بالتطوع جماعة إذا لم يتخذ عادة) التطوع المطلق الذي لا تشرع له
الجماعة يجوز فعله جماعة بشرط أن لا يكثر، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم فعل بعض الصلوات في جماعة، كما في حديث أم سلمة، والظاهر أنه معه من
صلى في البيت. فالمقصود أن المسألة معلومة.
(ويستحب الاستغفار بالسحر والإكثار منه) لقوله تعالى:
{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [3/17] ، (ومن فاته تهجده قضاه قبل
الظهر)
__________
1 انظر: "التحفة" لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز طبعة دار العاصمة.
(1/109)
(ولا يصح التطوع من مضطجع) ، (وتسن صلاة
الضحى) ، (ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال) ، (وفعلها إذا اشتد
الحر أفضل) ، (وهي ركعتان) ، (وإن زاد فحسن) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو
ذكره" (ولا يصح التطوع من مضطجع) 1.
صلاة الضحى
(وتسن صلاة الضحى) صلاة الضحى سنة، والأحاديث بها معروفة كثيرة.
(ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال) لها وقت في الأول، والآخر.
فإذا ارتفعت الشمس قدر رمح فهو أوله، وآخره إلى قبل الزوال بقليل. أما قبل
الطلوع فمنهي عنها في هذا الوقت، وكذا عند قيامها منهي عنه، فما بين
الطرفين هو الوقت. (وفعلها إذا اشتد الحر أفضل) يعني إذا ارتفع الضحى أولى
وأفضل، لحديث: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" وارماضها هو أن تلجأ إلى
الظل. (وهي ركعتان) لحديث أبي هريرة: "وركعتي الضحى" وأما غيرها فليس فيه
إلا أحاديث فيها ذكر أعداد، (وإن زاد فحسن) لحديث أم هانئ2 فقوله: "وإن زاد
فحسن" ظاهر هذه العبارة أنه إذا زاد على ذلك حتى عشر فحسن.
__________
1 وفاقاً لأبي حنيفة ومالك. ونقل ابن هانئ صحته اختاره بعضهم وفاقاً
للشافعي رواه الترمذي عن الحسن. (الروع ج1 ص 565) .
2 لأنها روت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات يوم الفتح ضحى
(فروع ج1/567) .
(1/110)
(وتسن صلاة الاستخارة إذا هم بأمر) ،
(فيركع ركعتين) ، (من غير الفريضة) ، (ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك،
وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا
أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه بعينه) ،
(خير لي في ديني ودنياي فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم
أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني
عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به) ، (ثم) ، (يستشير) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صلاة الاستخارة
(وتسن صلاة الاستخارة إذا هم بأمر) ولا ترجح تركه ولا فعله (فيركع ركعتين)
يصلي صلاة الاستخارة (من غير الفريضة) يعني مستقلة. ومفهومه أنه لو صلى
راتبة أنه يكفي إذا نوى صلاة الاستخارة هذا معنى غير المكتوبة (ثم يقول:
اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك
تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن
هذا الأمر ويسميه بعينه) إن كان تزويجاً فيسميه، وإن كان سفراً فيسميه..
الخ. (خير لي في ديني ودنياي فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت
تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني
واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به) هذا دعاء الاستخارة.
(ثم) بعد الاستخارة (يستشير) ولا يستشير عدواً، ولا جاهلاً، بل
(1/111)
(ولا يكون وقت الاستخارة عازماً على الفعل
أو الترك) ، (وتسن تحية المسجد) ، (وسنة الوضوء) ، (وسجدة التلاوة سنة
مؤكدة، وليست بواجبة) ، (لقول عمر: من سجد فقد أصاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من اجتمع فيه الخبرة والمعرفة، والمودة (ولا يكون وقت الاستخارة عازماً على
الفعل أو الترك) فإنه إذا كان كذلك لم يبق محل للاستخارة.
(وتسن تحية المسجد) بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، ومن دليلها حديث
أبي قتادة: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" محلها قبل
أن يجلس، وإن جلس ولو عمداً ولم يطل فالسنة بحالها. ومن مزيد تأكدها أنها
تفعل حال الخطبة، فإنه مأمور في الأحاديث أن يصلي قبل أن يجلس.
(وسنة الوضوء) تسن سنة الوضوء، وهي من السنن إذا غسل غسول الصلاة، يسن
لحديث بلال؛ فإن بلالاً قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما عملك؟ فإني
لاأراني أدخل الجنة فأسمع الخشفة فأنظر إلا رأيتك، فقال: إني ما توضأت إلا
صليت به ركعتين" فهو دليل على شرعية صلاة الوضوء، وأنه إذا توضأ يصلي به
ركعتين نافلة، وكذلك كونه إذا ذهب صلى الله عليه وسلم ذهب معه بإداوة من
ماء وعنزة.
(وسجدة التلاوة سنة مؤكدة، وليست بواجبة) ذهب بعض إلى أنها واجبة، وذهب
الجمهور إلى الندب، وهي عديدة: سبعة عشر سجدة. أولها في "سورة الأعراف"
وآخرها في "سورة العلق " وهي معلومات معروفات (لقول عمر رضي الله عنه: من
سجد فقد أصاب،
(1/112)
ومن لم يسجد فلا إثم عليه رواه مالك في
الموطأ) ، (وتسن للمستمع) ، (ولا يسجد السامع) ، (والراكب يومىء بسجوده حيث
كان وجهه) ، (لما روي عن الصحابة، وقال ابن مسعود للقارىء وهو غلام: اسجد
فإنك إمامنا) ، (وتستحب سجدة الشكر عند نعمة ظاهرة عامة أو أمر يخصه) ،
(ويقول إذا رأى مبتلى في دينه أو بدنه: الحمد لله الذي عافاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن لم يسجد فلا إثم عليه رواه مالك في الموطأ) قول عمر يستدل به على عدم
الوجوب. (وتسن للمستمع) كما تسن للتالي فله أجر الاستماع، كما أن القراءة
لها أشد، فكذلك الاستماع؛ بخلاف الذي سمع سمعاً من دون استماع (ولا يسجد
السامع) الذي لم ينصت بل سمع اتفاقاً (والراكب يومىء بسجوده حيث كان وجهه)
غير الراكب يسجد بالأرض، والذي على راحلته يسجد بحسب راحلته كالمتنفل
عليها. (لما روي عن الصحابة، وقال ابن مسعود للقارىء وهو غلام: اسجد فإنك
إمامنا) قول ابن مسعود هذا أفاد أنه معلوم عنده شرعية سجود التلاوة، وأنه
مشروع في حق التالي والمستمع، وأنه في حكم الصلاة من بعض الوجوه من جهة
الإمام. ومفيد بمفهومه أنه لو لم يسجد التالي لم يسجد المستمع. بعض أهل
العلم يرى أنه يسجد ولو بلا وضوء.
(وتستحب سجدة الشكر عند نعمة ظاهرة عامة أو أمر يخصه) لنعمة دينية أو
دنيوية، لما بشر أن لمن صلى على نبيه صلى الله عليه وسلم عشراً سجد، وكذا
لما جاءه خبر إسلام أهل اليمن.
(ويقول إذا رأى مبتلى في دينه أو بدنه: الحمد لله الذي عافاني
(1/113)
مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق
تفضيلا) ، (وأوقات النهي) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا) مندوب لذلك، هذا من شكر
نعمة الله على العبد بأن سلم الله من البلاء. شكر النعمة هو الاعتراف بها
في الباطن، والتحدث بها، وصرفها في مرضاة مسديها. وحق النعمة الشكر.
والنعمة: إما سلام من محذور، أو حصول مطلوب مرغوب. وإذا كان مبتلى في دينه
فينبغي الجهر به، فيسمعه لعله أن يرتدع وينزجر ولا مضرة. وإن كان المصلحة
عدم الجهر فلا يجهر مثل مسألة إنكار المنكر، وأنتم تعرفون أنه يقام على
مفسدة قليلة مخافة الوقوع في مفسدة أكثر. وإن كان في بدنه فيقول فيما بينه
وبين نفسه.
س: يتوضأ ويسجد سجود الشكر؟
جـ: الذي يفهم من الأحاديث أنه يتيمم ويسجد، كما فعل صلى الله عليه وسلم
لما أخبر كما تقدم فالذي يقول: إنه يتوضأ يقيم دليلاً، وهي مسألة معروفة.
وقريب منه: التكبير، والتسليم منها. فمن يقول: إنه صلاة. فهو مفتقر له. ومن
لا يقول ويمانع أكثر ممن أوجب الوضوء. ومسألة التكبير والسلام أفضل في
الشكر، وهي صالحة هنا أيضاً.
س: هل السجدة عن قيام؟
جـ: قد يستدل بقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} [17/109] خر سقط، فهو عن
قيام أتم سقوطاً، وإن كان عن جلوس سقوط نسبي، سقط من الجلوس إلى السجود.
(وأوقات النهي) التي نهي عن الصلاة فيها إلا ما استثنى:
(1/114)
(خمسة) ، (بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)
، (وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح) ، (وعند قيامها حتى تزول) ، (وبعد صلاة
العصر حتى تدنو من الغروب) ، (وبعد ذلك حتى تغرب) ، (ويجوز قضاء الفرائض
فيها، وفعل النذورات) ، (وتفعل صلاة الجنازة في الوقتين الطويلين) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(خمسة) ويقال: ثلاثة إن جعل قبل الطلوع وبعده واحد. والذي بعد العصر واحد.
فهو اصطلاح. فالحاصل أنه من حين يطلع الفجر لا يتطوع إلى أن ترتفع الشمس
قدر رمح. وما قبل الفجر بعضهم يعده سادساً وبعضهم لا يعده لأنها تفعل فيه
الراتبة. فالذي هو وقت النهي بكل حال هو (بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) ،
(وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح) في نظر الرائي. الرمح المتوسط؛ فإن من
الرماح ما هو معروف الطول، ومنها ما هو معروف القصر. والمعروف عند أهل
العلم أن الاعتبار بالمتوسط (وعند قيامها حتى تزول) وهذا الوقت قصير بالمرة
(وبعد صلاة العصر حتى تدنو من الغروب) وفي بعض روايات الحديث حتى تتضيف
(وبعد ذلك حتى تغرب) إذا اقتربت إلى الغروب. ويجمعها أنها كلها أوقات نهي،
ويفرقها أن بعضها يفعل فيها بعض، فإن النهي في الثلاثة أبلغ هذا مأخوذ من
الأحاديث، (ويجوز قضاء الفرائض فيها، وفعل النذورات) وركعتي الطواف وإعادة
جماعة إذا أقيمت وهو في المسجد. ومن فائدة التقسيم تفعل الصلاة الفرض قضاء
الخ (وتفعل صلاة الجنازة في الوقتين الطويلين) ما بعد الفجر إلى طلوع
الشمس، ما بعد العصر إلى الغروب؛ بخلاف ما بعد طلوعها وعند قيامها وتضيفها
لا يصلي على الجنازة.
(1/115)
|