عمدة الفقه

كتاب البيوع
مدخل
...
كتاب البيوع
قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] والبيع معاوضة المال بالمال.
ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وقال: "من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان" 1.
ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة ولا بيع معلوم كالذي تحمل أمته أو شجرته أو مجهول كالحمل والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته ولا معجوز عن تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والسمك في الماء ولا بيع المغصوب إلا لغاضبه أو من يقدر على أخذه منه ولا بيع غير معين كعبد من عبيده أو شاة من قطيعه إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز2 من صبرة3.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5480"، ومسلم "1574"، من حديث ابن عمر.
2 القفيز مكيال يساوي 12 صاعاً. انظر: الزاهر ص306.
3 الصبرة: الطعام المجتمع في مكان واحد، وجمعها صبر، سميت بذلك لإفراغ بعضها على البعض. انظر: الدر النقي ص461.

(1/53)


فصل [في البيوع المنهى عنها]*
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة4، وهي أن يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، وعن المنابذة5، وهي أن يقول: أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا، وعن بيع الحصاة6 وهو: أن يقول: ارم الحصاة، فأي ثوب وقعت عليه فهو
ـــــــ
* ما بين المعقوفتين زيادة من المحقق للإيضاح.
4 أخرجه البخاري "2146"، ومسلم "1511"، من حديث أبي هريرة.
5 تقديم تخريجه في الحديث السابق.
6 أخرجه مسلم "1513"، من حديث أبي هريرة.

(1/53)


بيع الرجل عن بيع أخيه، وعن بيع حاضر لباد وهو :أن يكون له سمسارا وعن النجش1 وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وعن بيعتين في بيعة2 وهو أن يقول بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة أو يقول بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا وقال: "لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق" 3 وقال: "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" 4
ـــــــ
1 ورد النهي عن ذلك أحاديث كثيرة منها: ما أخرجه البخاري "2150"، ومسلم "1515"، عن أبي هريرة مرفوعاً، بلفظ: "لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد.." .
2 أخرجه الترمذي "1231"، والنسائي "4636"، من حديث أبي هريرة.
قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
3 أخرجه البخاري "2165"، ومسلم "1526"، من حديث ابن عمر.
4 أخرجه البخاري: "2126"، ومسلم "1526"، من حديث ابن عمر.

(1/54)


باب الربا
عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى" 1
ولا يجوز بيع مطعوم مكيل أو موزون بجنسه إلا مثلا بمثل ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناولا موزون كيلا وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يدا بيد ولم يجز النسأ فيه ولا التفرق قبل القبض إلا في لثمن بالمثمن.
وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد إلا أن يكونا من أصلين مختلفين فإن فروع الأجناس أجناس وإن اتفقت أسماؤها كالأدقة والأدهان.
ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه ولا خالصة بمشوبة ولا نيئة بمطبوخة.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة2 وهو شراء التمر بالتمر في رءوس النخل ورخص في بيع العرايا3 فيما دون خمسة أوسق أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1587".
2 أخرجه البخاري"2172"، ومسلم "1543"، من حديث ابن عمر.
3 أخرجه البخاري "2190"، ومسلم "1541"، من حديث أبي هريرة.

(1/54)


باب بيع الأصول والثمار
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع" 1 وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره باديا فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع وإن كان يجز مرة بعد مرة أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2379"، ومسلم "1543"، من حديث ابن عمر.

(1/55)


فصل [في بيع الثمار وصلاحها]
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها1 ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟" 2 وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر والعنب أن يتموه وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2194"، ومسلم "1534"، من حديث ابن عمر.
2 أخرجه مسلم "1554"، من حديث جابر بن عبد الله.

(1/55)


باب الخيار
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه.
وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيبا لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له لأن الخراج بالضمان.
وإن تلفت السلعة أو عتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيا أمسكها وإن سخطها ردها وصواعا من تمر" 1 فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها وكذلك كل مدلس لا يعلم
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2148"، ومسلم "1515"

(1/55)


باب السلم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: "من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم" 1
ويصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بها وذكر قدره بما يقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو عد وجعل له أجلا معلوما وأعطاه الثمن قبل تفرقهما.
ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة وإن شاء اسلم ثمنا واحدا في شيئين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره.
ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا الحوالة به وتجوز الإقالة2 فيه أو في بعضه لأنها فسخ.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2239"، ومسلم "1604"
2 الإقالة: فسخ البيع بين البائع والمشتري. انظر: الزاهر ص318.

(1/56)


باب القرض وغيره
عن أبي رافع: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه
ـــــــ
5 البكر: الفتي من الإبل. انظر المصباح المنير: "بكر"

(1/56)


باب أحكام الدين
من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله ولم يحجر عليه من أجله ولم يحل بتفليسه ولا بموته إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل.
وإن أراد سفرا يحل قبل مدته أو الغزو تطوعا فلغريمه منعه إلا أن يوثق بذلك.
وإن كان الدين حالا على معسر وجب انظاره فإن ادعى الإعسار حلف وخلى سبيله إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة فإن كان موسرا لزمه وفاؤه فإن أبى حبس حتى يوفيه فإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم فإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله ولم يقبل إقراره عليه.
ويتولى الحاكم قضاء دينه ويبدأ بمن له أرش جناية من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من أرشها أو قيمة الجاني ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه وله أسوة الغرماء1 في بقية دينه ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه ولم يزد زيادة متصلة ولم يأخذ من ثمنه شيئا فله أخذه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره" 2 ويقسم الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم وينفق على المفلس وعلى من
ـــــــ
1 أسوة الغرماء: أي مثلهم. انظر: الدر النقي ص492.
2 أخرجه البخاري "2402"، ومسلم "1559"، من حديث أبي هريرة.

(1/57)


تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة فإن وجب له حق بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا.

(1/58)


باب الحوالة والضمان
ومن أحيل بدينه على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" 1.
وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما ولصاحبه مطالبة من شاء منهما فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل وإن استوفى من الضامن رجع عليه.
ومن تكفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه فإن مات برئ كفيله.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2287"، ومسلم "1564"، من حديث أبي هريرة.

(1/58)


باب الرهن
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه وما لا فلا ولا يلزم بالقبض إلا بالقبض وهو نقله إن كان منقولا والتخلية فيما سواه وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى ولا ينتفع المرتهن بشيء منه إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بمقدار العلف وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه لكن يكون الراهن رهنا معه وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات.
وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهنا مكانه وإن جنى عليه غيره فهو الخصم الراهن فيه زانه فيه وما قبض بسببه فهو رهن وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته فإن فداه فهو رهن بحاله.
وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع وأوفى الحق من ثمنه وباقيه للراهن وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه وأبى الضمين أن يضمن خير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين.

(1/58)


باب الصلح
ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز ما لم

(1/58)


باب الوكالة
وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها وجنونه والحجر عليه لسفه وكذلك في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة.
وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظا أو عرفا وليس له توكيل غيره ولا الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن موكله وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز وإلا لزم من اشتراه.
والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد والقول قوله في الرد والتلف ونفي التعدي وإذا قضي الدين بغير بينة ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل.
ويجوز التوكيل بجعل وبغيره فلو قال بع هذا بعشرة فما زاد فلك صح.

(1/59)


باب الشركة
وهي على أربعة أضرب:
شركة العنان: وهي أن يشتركا بماليهما وبدنيهما.
وشركة الوجوه: وهي أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما.
والمضاربة: وهي أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالا يتجر فيه ويشتركان في ربحه.
وشركة الأبدان: وهي أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء1.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "3388"، والنسائي "4701"، وابن ماجه "2288".

(1/59)


باب المساقاة والمزارعة
تجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم والمزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما أو من أحدهما لقول ابن عمر عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وثمر1 وفي لفظ على أن يعمروها من أموالهم.
وعلى العامل ما جرت العادة بعمله ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2329"، ومسلم "1551" "1".
ولفظ: "على أن يعتملوها من أموالهم" أخرجه مسلم "1551" "5".

(1/60)


باب إحياء الموات
وهي الأرض الداثرة التي لا يعرف لها مالك فمن أحياها ملكها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" 1 وإحياؤها عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها كالتحويط عليها وسوق الماء إليها إن أرادها للزرع وقلع أشجارها وأحجارها المانعة من غرسها وزرعها.
وإن حفر فيها بئرا فوصل إلى الماء ملك حريمه2 وهو خمسون ذراعا من كل جانب إن كانت عادية وحريم البئر البديء3 خمسة وعشرون ذراعا.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "3073"، من حديث سعيد بن زيد، والترمذي "379"، من حديث جابر بن عبد الله.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
2 حريم البئر: ما حولها من مرافقها وحقوقها. انظر: الدر النقي ص547.
3 البئر البديء: البئر التي حفرت في الإسلام حديثة، والعادية: البئر القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر. انظر: لسان العرب: "بدأ"، والدر النقي ص546.

(1/60)


باب الجعالة
وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا فمن فعل ذلك استحق الجعل لما روى أبو سعيد إن قوما لدغ رجل منهم فأتوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هل فيكم من راق فقالوا لا حتى تجعلوا لنا شيئا فجعلوا لهم قطيعا من الغنم فجعل رجل منهم يقرأ بفاتحة الكتاب ويرقي ويتفل حتى برأ فاخذوا الغنم وسألوا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وما يدريكم أنها رقية خذوا واضربوا لي معكم بسهم" 1 ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5007"، ومسلم "2201".

(1/61)


باب اللقطة
وهي على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به من غير تعريف لقول جابر رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به1.
الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل ونحوهما فلا يجوز أخذها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال: "مالك ولها دعها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها" 2 ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه ولم يبرأ منه إلا بدفعه إلى نائب الأمام.
الثالث: ما تكثر قيمته من الأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع فيجوز أخذه ويجب تعريفه حولا في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة وإن لم يعرف فهو كسائر ماله ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه أو مثله إن كان قد هلك وإن كان حيوانا يحتاج إلى مؤنة أو شيئا يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه ثم يعرفه لما روي عن زيد بن خالد قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال: "أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1717".
قال المنذري: في إسناده المغيرة بن زياد وقد تكلم فيه غير واحد.
2 أخرجه البخاري "91"، ومسلم "1722"، من حديث زيد بن خالد الجهني.

(1/61)


سنة فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه" وسأله عن الشاة فقال: "خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" 1 وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه في الحديث السابق. والوكاء: الخيط الذي يشد به الوعاء. والعفاص: الوعاء تكون فيه النفقة جلداً كان أو غيره، ويطلق أيضاً على الجلد الذي يكون على رأس القارورة. انظر: شرح مسلم للنووي12/21.

(1/62)


فصل في اللقيط
هو الطفل المنبوذ وهو محكوم بحريته وإسلامه وما وجد عنده من المال فهو له وولايته لملتقطه إذا كان مسلما عدلا ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه وما خلفه فهو فيء ومن ادعى نسبه ألحق به إلا إن كان كافرا ألحق به نسبا لا دينا ولم يسلم إليه.

(1/62)


باب السبق
تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها ولا تجوز بجعل إلا في الخيل والإبل والسهام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" 1 فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز وهو للسباق منهما وإن كان من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معا أحرز سبقه ولا شيء له سواه وإن سبق الآخر أخذه وإن أخرجا جميعا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رميهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن من أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد امن أن يسبق فهو قمار" 2 فإن سبقهما أحرز سبقيهما وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه ولا بد من تحديد المسافة وبيان الغاية وقدر الإصابة وصفتها وعدد الرشق وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "2574"، والترمذي "1700"، والنسائي "3616"، وابن ماجه "2878"، من حديث أبي هريرة. قال الترمذي: هو حديث حسن.
قال في "العدة" ص 623: والمراد بالحافر: الخيل خاصة، وبالخف الإبل، وبالنصل السهام.
2 أخرجه أبو داود "2579"، وابن ماجه "2876"، من حديث أبي هريرة. انظر بيان الوهم والإيهام 3/480، وتلخيص الحبير 4/163.

(1/62)


باب الوديعة
وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى.
وإن لم يحفظها في حرز مثلها أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازها فيه أو تصرف فيها لنفسه أو خلطها بما لا تتميز منه أو أخرجها لينفقها ثم ردها أو كسر ختم كيسها أو جحدها ثم أقر بها أو امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها وإن قال ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه.
وإن قال مالك عندي شيء ثم ادعى ردها أو تلفها قبل.
والعارية مضمونة وإن يتعد فيها المستعير.

(1/63)