عمدة
الفقه كتاب القضاء
مدخل
...
كتاب القضاء
وهو فرض كفاية يلزم الإمام نصب من يكتفى به في
القضاء ويجب على من يصلح له إذا طلب منه ولم
يوجد غيره الإجابة إليه وإن وجد غيره فالأفضل
تركه ومن شروطه أن يكون رجلا حرا مسلما سميعا
بصيرا متكلما عدلا عالما.
ولا يجوز له أن يقبل رشوة ولا هدية ممن لم يكن
يهديه إليه ولا الحكم قبل معرفة الحق فإن أشكل
عليه شاور فيه أهل العلم والأمانة ولا يحكم
وهو غضبان ولا في حال يمنع استيفاء الرأي ولا
يتخذ في مجلس الحكم بوابا.
ويجب العدل بين الخصمين في الدخول عليه
والمجلس والخطاب.
(1/147)
باب صفة الحكم
إذا جلس إليه الخصمان فادعى أحدهما على الآخر
لم تسمع الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم به
المدعى عليه فإذا كان دينا ذكر قدره وجنسه وإن
كان عقارا ذكر موضعه وحده وإن كان عينا حاضرة
عينها وإن كانت غائبة ذكر جنسها وقيمتها ثم
يقول لخصمه ما تقول؟ فإن اقر حكم المدعي وإن
أنكر لم يخل من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تكون في يد أحدهما فيقول للمدعي ألك
بينة فإن قال نعم وأقامها حكم له بها وإن لم
تكن له بينة قال فلك يمينه فإن طلبها استحلفه
وبرئ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو
يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال
وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه" 1 وإن
نكل عن اليمين وردها على المدعي استحلفه وحكم
له وإن نكل أيضا صرفهما وإن كان لكل واحد منهم
بينه حكم بها للمدعي فإن اقر صاحب اليد لغيره
صار المقر له الخصم فيها وقام مقام صاحب اليد
فيما ذكرنا.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "4552"، ومسلم "1711"، من
حديث ابن عباس.
(1/147)
الثاني: أن
تكون في يديهما فإن كانت لأحدهما بينة حكم له
بها وإن لم يكن لواحد منهما بينة أو لهما
بينتان قسمت بينهما وحلف كل واحد منهما على
النصف المحكوم له به وإن ادعاها أحدهما وادعى
الآخر نصفها ولا بينة قسمت بينهما واليمين على
مدعي النصف وإن كانت لهما بينتان حكم بها
لمدعي الكل.
الثالث: أن تكون في يد غيرهما وإن اقر لأحدهما
أو لغيرهما صار المقر له صاحب اليد وإن اقر
لهما صارت كالتي في يديهما وإن قال لا أعرف
صاحبها منهما ولأحدهما بينة فهي له أو لكل
منهما بينة إستهما على اليمين فمن خرج سهمه
حلف وأخذها.
(1/148)
باب في تعارض الدعاوى
إذا تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ
بكمه فهو للابسه.
وإن تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليه حمل
فهي له.
وإن تنازعا أرضا فيها شجر أو بناء أو زرع
لأحدهما فهي له.
وإن تنازع صانعان في قماش دكان فآلت كل صناعة
لصاحبها.
وإن تنازع الزوجان في قماش البيت فللزوج ما
يصلح للرجال وللمرأة ما يصلح للنساء وما يصلح
لهما بينهما.
وإن تنازعا حائطا معقودا ببنائهما أو محلولا
منها فهو بينها وإن كان معقودا ببناء أحدهما
وحده فهو له.
وإن تنازع صاحب العلو والسفل في السقف الذي
بينهما أو تنازع صاحب الأرض والنهر في الحائط
الذي بينهما أو تنازعا قميصا أحدهما آخذ بكمه
وباقيه مع الآخر فهو بينهما.
وإن تنازع مسلم وكافر في ميت يزعم كل واحد أنه
مات على دينه فإن عرف أصل دينه حمل عليه وإن
لم يعرف أصل دينه فالميراث للمسلم وإن كانت
لهما بينتان فكذلك وإن كانت لأحدهما بينة حكم
له بها.
وإن ادعى كل واحد من الشريكين في العبد أن
شريكه أعتق نصيبه وهما موسران عتق كله ولا
ولاء لهما عليه وإن كان أحدهما موسرا والآخر
معسرا عتق نصيب الموسر وحده وإن كانا معسرين
لم يعتق منه شيء وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه
عتق حينئذ ولم يسر إلى باقيه ولا ولاء عليه
وإن ادعى كل واحد من الموسرين أنه أعتقه
تحالفا وكان ولاؤه بينهما.
(1/148)
وإن قال رجل
لعبده إن برئت من مرضي هذا فأنت حر وإن قتلت
فأنت حر فادعى العبد برءه أو قتله وأنكرت
الورثة فالقول قولهم وإن أقام كل واحد منهم
بينة بقوله عتق العبد لأن بينته تشهد بزيادة.
ولو مات رجل وخلف ابنين وعبدين متساويي القيمة
لا مال له سواهما فأقر الابنان أنه أعتق
أحدهما في مرض موته عتق منه ثلثاه إن لم يجيزا
عتقه كله وإن قال أحدهما أبي أعتق هذا وقال
الآخر بل هذا عتق ثلث كل واحد منهما وكان لكل
ابن سدس الذي اعترف بعتقه ونصف الآخر وإن قال
الثاني أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما أقرع
بينهما وقامت القرعة مقام تعيينه.
(1/149)
باب حكم كتاب القاضي
يجوز الحكم على الغائب إذا كانت للمدعي بينة
ومتى حكم على الغائب ثم كتب بحكمه إلى قاضي
بلد الغائب لزم قبوله وأخذ المحكوم عليه به
ولا يثبت إلا بشاهدين عدلين يقولان قرأه علينا
أو قرئ عليه بحضرتنا فقال اشهدا علي أن هذا
كتابي إلى فلان أو إلى من يصل إليه من قضاة
المسلمين وحكامهم.
فإن مات المكتوب إليه أو عزل فوصل إلى غيره
عمل به وإن مات الكاتب أو عزل بعد حكمه جاز
قبول كتابه ويقبل كتاب القاضي في كل حق إلا
الحدود والقصاص.
(1/149)
باب القسمة
وهي نوعان:
الأول: قسمة إجبار وهي ما يمكن قسمته من غير
ضرر ولا رد عوض إذا طلب أحد الشريكين قسمة
فأبى الآخر أجبره الحاكم عليه إذا ثبت عنده
ملكهما ببينة فإن أقر به لم يجبر الممتنع عليه
وإن طلباها في هذه الحال قسمت بينهما وأثبت في
القضية أن قسمة كان عن إقرار لا عن بينة.
والثاني: قسمة التراضي وهي قسمة ما فيه ضرر
بأن لا ينتفع أحدهما بنصيبه فيما هو له أو لا
يمكن تعديله إلا برد عوض من أحدهما فلا إجبار
فيها.
(1/149)
|