فقه
العبادات على المذهب الحنبلي كتاب الطهارة
(1/32)
الباب الأول (تعريف
الطهارة)
(1/35)
الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار
سواء كانت حسية أو معنوية.
شرعاً: رفع الحدث (أي زوال الوصف الحاصل بالبدن والمانع من الصلاة والطواف
ومس المصحف) أو زوال الخبث (أي إزالة النجاسة الطارئة على محل طاهر إما
بفعل الفاعل كالغسل أو زال بنفسه كانقلاب الخمر خلاً) أو رفع حكم الحدث أو
حكم الخبث (كالتيمم عن حدث أو خبث) وهو المنع من الصلاة.
دليلها:
قوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} (1) .
أقسام الطهارة:
الطهارة قسمان:
آ - الطهارة من الحدث.
ب - طهارة من الخبث.
أما الحدث فهو عبارة عن صفة حكمية قائمة بجميع البدن أو ببعض أعضائه.
والطهارة منه معناها رفع هذا الوصف.
والخبث: هو العين المستقذرة شرعاً. والطهارة منه معناها النظافة من النجاسة
التي أصابت الأعيان الطاهرة. [ص:36]
__________
(1) البقرة: 222.
(1/35)
المياه
أقسامها:
أولاً: الماء الطهور (الطاهر المطهِّر)
تعريفه: هو الطاهر بنفسه المطهر لغيره وإذا تنجس لا يطهره غيره من
المائعات. وهو كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض سواء كان عذباً أو
مالحاً أو بارداً أو ساخناً، ولم تتغير أحد أوصافه الثلاثة: اللون أو الطعم
أو الريح بشيء من الأشياء بحيث يقيد به بل باقٍ على خلقته التي خلق عليها،
ولم يكن مستعملاً بفرض الطهارة.
دليله: قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) (1) وحديث أبو
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (اللهم اغسل خطاياي
بالماء والثلج والبرد) (2) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى عليه وسلم فقال: يا
رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به
عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى عليه وسلم (هو الطهور
ماؤه، الحل ميتته) (3) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قيل لرسول الله صلى عليه وسلم أنتوضأ
من بئر بضاعة؟ - وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء) (4) . [ص:37]
__________
(1) الأنفال: 11.
(2) البخاري: ج-1 / كتاب صفة الصلاة باب 9/ -711.
(3) الترمذي: ج 1/ الطهارة باب 52/ -69.
(4) أبو داود: ج-1 /كتاب الطهارة باب 34/66.
(1/36)
أنواعه وحكم استعماله:
آ- مباح الاستعمال كماء البحر والآبار والأنهار والعيون وهو:
-1ً- يرفع الأصغر والأكبر.
إلا الطهور القليل الباقي بعد خلوة الأنثى المكلفة (بالغة عاقلة) به ولو
كانت كافرة دون أن يراها مميز (سواء كان ذكراً أم أنثى حراً أم عبداً)
لطهارة كاملة (أي لم يرها حتى انتهت من طهارتها كاملة) فإنه لا يرفع حدث
الذكر البالغ ولا الخنثى والعلة بذلك تعبدية. إلا أنه يزيل خبث الرجب
والخنثى ويرفع حدث أنثى أخرى. (أما التراب الذي تختلي به الأنثى المكلفة لا
يضر) .
-2ً- تزال النجاسة به.
-3ً- يجوز استعماله في
العادات للنظافة من الأوساخ وللشرب وللطبخ ولسقي الزرع ... إلخ.
ب- مكروه الاستعمال: في الحدث والخبث والعادات إذا وجُد غيره وإلا فلا
كراهة في استعماله وهو:
-1ً- ماء بئر في مقبرة.
-2ً- ماء بئر في أرض
مغصوبة، أو ماء بئر حفر غصباً كأن أرغم الناس على حفر البئر مجاناً، أو
حفرت البئر بأجرة مغصوبة.
-3ً- الماء الشديد السخونة
أو الشديد البرودة شدة لا تضر بالبدن.
-4ً- الماء الذي سخن
بمغصوب.
-5ً- الماء المستعمل في
طهارة مسنونة كتجديد وضوء، أو الغسلة الثانية أو الثالثة، أو غسل الجمعة
لأنه لم يرفع حدث ولم يزل خبث. وعن الإمام أحمد: أنه غير مطهر لأنه استعمل
في طهارة شرعية. [ص:38]
-6ً- الماء الذي يغلب على
الظن تنجسه كالماء المستعمل في غسل كافر لأنه لم يرفع حدث ولم يزل خبث،
وكذا الماء المستعمل في غسل ذمية من حيض أو نفاس لحل وطئها.
-7ً- الماء الذي تغير طعمه
بملح مائي (أما ما تغير طعمه بملح معدني فتُسلب طهوريته) .
-8ً- ماء زمزم إن استعمل في
إزالة خبت تشريفاً له.
-9ً- الماء المسخن بنجاسة
ولو بُرد.
-10ً- الماء المتغير
بمجاورة مالا يختلط به كالدهن والكافور والعود.
حـ- محرم الاستعمال: وهو:
-1ً- الماء الطهور المسروق
أو المنهوب (أخذ أمام صاحبه غصباً) : فإنه لا يرفع حدثاً إذا كان المتطهر
ذاكراً إلا أنه يزيل خبثاً. أما إذا وضع ماء في آنية مغصوبة أو مسروقة فإن
الطهارة تصح به إلا أن استعمال الآنية محرم.
-2ً- الماء المسبل للشرب
فقط: يحرم استعماله إلا أن الطهارة به تصح.
-3ً- الماء الذي يُحتاج له
لدفع عطش حيوان لا يجوز إتلافه شرعاً: يحرم استعماله إلا أن الطهارة به
صحيحة.
أشياء لا تسلب الماء الطهور طهوريته ولا تجعله مكروه الاستعمال وهي:
-1ً- الماء المتغير بسبب ما
في مقره أو ممره من أملاح ومعادن وأشياء أخرى كماء البحر والآبار والعيون
والأنهار.
-2ً- الماء المتغير بسبب
التحلب وورق الشجر ما لم يوضعا عمداً من قبل بالغ عاقل فعندها تسلب
طهوريته.
-3ً- الماء المسخن بالشمس
على أي حال ولو في غناء منطبع في قطر حار. [ص:39]
-4ً- الماء المتغير بطول
مكث أو بالريح من نحو ميتة مجاورة.
-5ً- الماء المتغير بسمك
وجراد أو حيوان لا دم سائل له إن لم يكن من كنف ونحوها لمشقة الاحتراز منه
سواء مات الحيوان أو بقي حياً.
-6ً- إذا خالط الماء ما
يوافقه في الطهورية كالتراب وما كالملح المائي المنعقد بالماء.
ثانياً: الماء الطاهر غير المطهر
تعريفه: هو الماء المستعمل غير المتنجس.
حكمه: لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً إلا أنه يستعمل في العادات (طبخ، شرب،
تنظيف) .
أنواعه:
-1ً- الطهور الذي خالطه شيء
من الطاهرات التي لا يعسر الاحتراز منها، وغيرت أحد أوصافه الثلاثة اللون
أو الطعم أو الريح تغيراً فاحشاً بحيث خرج عن اسم الماء وقيد بالطهر
المخالط له، أو غيرت صفتين أو ثلاث صفات تغيراً يسيرراً، أما إذا غيرت صفة
واحدة تغيراً يسيراً فلا يضر لما روي عن عطاء بن يسار قال: (حدثتني أم هانئ
أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يغتسل قد
سَتَرتْهُ بثوب دونه في قصعة فيها أثر العجين قالت: فصلى الضحى فما أدري كم
صلى حين قضى غُسْله) (1) . وإذا زال التغير من نفسه عاد الماء إلى طهوريته.
وإن كان مع المكلف ماء يكفيه لطهارته أو لا فزاده مائعاً لم يغيره صحت
طهارته به.
-2ً- الماء القليل (دون
القلتين) المستعمل في رفع الحدث فهو طاهر غير مطهر. أما أنه طاهر فلحديث
جابر رضي الله عنه قال: (مرضت مرضاً، فأتاني [ص:40] النبي صلى الله عليه
وسلم يعودني، وأبو بكر، وهما ماشيان، فوجداني أُغمي علي، فتوضأ النبي صلى
الله عليه وسلم ثم صب وضوءه عليَّ فأفقت..) (2) . ولأنه ماء طاهر لم تصبه
نجاسة، وأما أنه غير مطهر فلأنه أزال مانعاً من الصلاة.
-3ً- الماء القليل المستعمل
في إزالة الخبث إن انفصل غير متغيرٍ بعد إزالة النجاسة. ومن قال بوجوب
العدد في الغسلات (قيل سبعاً وقيل ثلاثاً) فالماء المنفصل عن الثوب المتنجس
قبل الغسلة الأخيرة نجس، أما المنفصل في الثوب طاهر أيضاً. وإن انفصل الماء
عن الأرض المتنجسة غير متغير بعد زوال النجاسة فهو طاهر (3)
-4ً- الماء الطهور القليل
الذي انغمست فيه كل يد المسلم، المكلف، النائم ليلاً نوماً ينقص الوضوء قبل
غسلها ثلاثاً، غسل اليدين بعد النوم ثلاثاً واجب للمسلم بشرط النية،
والبسملة في المرة الأولى ولو باتت اليدان مكتوفين أو في جراب، وقد أسقط
ماء غسل اليدين هذا الواجب فهو طاهر غير مطهر فإذا لم تغمس اليد كلها بل
رؤوس الأصابع لا يضر إلا إذا كان ينوي بالغمس غسلها، وأما حصول ذلك مع نوم
النهار والنوم مكناً مقعدته من الأرض فلا يضر، وكذا غمس الكافر يده بالماء
القليل لا يضر لأنه لا يخاطب بفروع الشريعة، ولا يترتب عليه ما هو واجب
للمسلم.
مسألة: إذا تغمس المحدث في ماء يسير ناوياً رفع حدثه صار الماء مستعملاً
ولم يرفع حدثه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه" (4) وفي رواية أخرى
عن: "لا يغتسل أحدكم في [ص:41] الماء الدائم وهو جنب" (5) . والنهي يقتضي
فساد المنهي عنه لأنه بأول جزء انفصل منه صار مستعملاً فلم يرفع حدث سائر
الجسد.
__________
(1) النسائي: ج-1 /ص 202.
(2) البخاري: ج-5/ كتاب المرضى باب 5/5327.
(3) هناك قاعدة: "إذا كان الماء وارداً على النجاسة فالحكم له، وإن كان
موروداً فالحكم لها" أي إذا صببنا ماء على الأرض المتنجسة تطهر الأرض
والماء المنفصل طاهر إن لم يتغير بها. أما إذا مكان الماء موجوداً في إناء
وقعت فيه نجاسة فتنجسه.
(4) مسلم: ج-1 / كتاب الطهارة باب 28/95.
(5) مسلم: ج-1 / كتاب الطهارة باب 29/97.
(1/37)
ثالثاً: الماء المتنجس:
تعريفه: هو الماء الذي خالطته نجاسة وكان قليلاً.
حكمه: لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً ويحرم استعماله في العادات إلا للضرورة
كدفع لقمة غص بها ولا يوجد غيره. ويمكن استعمال الماء النجس في بل التراب
أو الجبس أو نحوه وجعله عجيناً بشرط أن لا يبني به مسجداً أو مصطبة يصلى
عليها وكذلك لا يحل بالانتفاع بأي مائع نجس كالخمر والدم.
كيف ينجس الماء؟
-1ً- الماء القليل: يتنجس
إذا وقعت فيه نجاسة ولو لم تتغير صفة من صفاته ولو كانت النجاسة مما لا
يدركه الطرف أو كانت جامدة لا تسري فيه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب إن
يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" (1) فدل على نجاسته من غير تغير صفة من
صفاته. ولما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث (2) يدل على ما كان دون القلتين ينجس.
-2ً- الماء الكثير: وهو ما
كان قلتين (3) فأكثر، والقلة عبارة عن قربة من قرب الحجاز الكبيرة تسع مائة
رطل، وقدرت القلتان تقريباً بسعة عشر تنكات. [ص:42]
فإذا كان الماء عشر تنكات فأكثر لا ينجس إذا سقطت فيه نجاسة ما لم تُغير
أحد أوصافه الثلاثة ولو تغيراً يسيراً بدليل الحديث المتقدم عن ابن عمر رضي
الله عنهما: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) (4) وما روى أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من
بئر بضاعة؟ - وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: الماء طهور لا ينجسه شيء) (5) . قال أبو داود: قدرت
بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع. وجميع النجاسات سواء إلا بول الآدمي
وعذرته المائعة فإن أكثر الروايات عن الإمام أحمد أنها تنجس الماء الكثير
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولن
أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه" (6) إلا إن بلغ حداً لا يمكن نزحه
بحديث القلتين فيصبح البول كسائر النجاسات.
وإذا وقعت نجاسة في ماء كثير فغيرت بعضه، فالمتغير نجس، أما الذي لم يتغير
فهو طاهر إن بلغ قلتين لأنه ماء كثير، فإن كان دون القلتين فهو نجس لأنه
ماء قليل لاقى ماء نجساً. وإذا كان بين غديرين ساقية فيها ماء يتصل بهما
فهما ماء واحد.
-3ً- الماء الجاري: إذا
تغير بعض جريانه بالنجاسة، فالجرية نجسة، وما قبلها وما بعدها طاهر. أما إن
لم يتغير منه شيء فلا ينجس، لأنه ماء كثير يتصل بعضه ببعض. وقال بعض
المتأخرين: حكم الجرية كحكم مائها، وإن كان قليلاً ينجس بوقوع النجاسة فيه
ولو كانت جامدة ولم تغيره، أما إن كان كثيراً فلا ينجس بمروره على النجاسة
إذا لم يتغير [ص:43].
-4ً- ماء البئر: إن كان
قليلاً ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه، أو سقوط حيوان له دم سائل ومات فيه
سواء وقع من نفسه أو أوقعه أحد، أما إن كان كثيراً فلا ينجس إذا وقعت فيه
النجاسة أو سقط فيه حيوان ومات ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة.
__________
(1) مسلم: ج-1 / كتاب الطهارة باب 27/91.
(2) الترمذي: ج-1 / كتاب الطهارة باب 50/67.
(3) مساحة القلتين مربعاً: ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً أي مكعب طول ضلعه
60 سم تقريباً.
ومساحة القلتين مدوراً: ذراع طولاً وذراعان ونصف عمقاً أي اسطوانة قطرها 48
سم وارتفاعها 120 سم.
(4) الترمذي: ج-1 / الطهارة باب 50/67.
(5) أبو داود: ج-1 / كتاب الطهارة باب 34/66.
(6) مسلم: ج-1 / كتاب الطهارة باب 28/95.
(1/41)
حالة الشك في الماء من أي قسم هو والتحري
فيه:
-1ً- إذا وجد ماء وشك في
نجاسته نقول إنه طاهر سواء كان متغيراً أم لا، لأن الأصل في الأشياء
الطهارة ويحتمل أن يكون تغيره من مكثه.
-2ً- إن تيقن نجاسة الماء
وشك في طهارته فهو نجس لأن الأصل نجاسته.
-3ً- إن علم وقوع النجاسة
في الماء ثم وجده متغيراً تغيراً يجوز أن يكون بسببها فهو نجس.
-4ً- إن أخبره ثقة بنجاسة
الماء فلا يقبل حتى يبين له السبب، فإن عين له السبب لزمه القبول.
كيف يطهر الماء المتنجس؟
أولاً: الماء القليل المتنجس: يطهر بمكاثرته بقلتين طاهرتين، إما إن ينبع
فيه، أو يصب عليه، وسواء كان متغيراً فزال تغيره، أو كان غير متغير باقياً
على حاله.
ولا يطهر بزوال التغير بنفسه كأن يترك الماء القليل المتنجس حتى يعود من
فسه إلى حالته الأولى، لأن العلة مخالطة النجاسة لا التغيير.
ثانياً: الماء المتنجس قلتين فقط: إما بإضافة قلتين طاهريتن، أو بزوال
تغيره بالمكث. [ص:44]
ثالثاً: الماء الكثير المتنجس: يطهر بإحدى الطرق الثلاث:
-1- إما بإضافة قلتين طاهرتين.
-2- أو بزوال التغير بالمكث.
-3- أو بنزح منه والباقي بعد النزح قلتين فأكثر.
أما إذا كان كوثر الماء المتنجس بأقل من قلتين، أو طرح فيه تراب، أو وضع
فيه ساتر كمسك لإزالة التغير، فإنه لا يطهر.
كيف تعود الطهورية للماء المستعمل:
-1- إذا اجتمع ماء مستعمل مع ماء طهور يبلغ قلتين فالكل طاهر مطهر.
-2- إذا اجتمع ماء مستعمل مع ماء طهور أقل من قلتين وكان المستعمل يسيراً
عفي عنه، لأنه لو اجتمع ماء طهور دون قلتين مع مائع آخر طاهر لم يغلب على
أكثر الماء بقي الماء طاهراً مطهراً، فمن باب أولى إذا كان هذا المائع هو
مائع مستعمل. [ص:45]
حكم سؤر الحيوان
أولاً: طاهر:
-1- سؤر الآدمي سواء كان متطهراً أم محدثاً، لما روى أبو هريرة رضي الله
عنه (أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنبٌ.
فانسلَّ فذهب فاغتسل. فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم. فلما جاءه قال: أين
كنت؟ يا أبا هريرة. قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب. فكرهت أن أجالسك
حتى أغتسل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله: إن المؤمن لا
يَنْجُس) (1) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أشرب وأنا حائض، ثم
أناوله النبي صلى الله عليه وسلم. فيضع فاه على موضع فيَّ. فيشرب. وأتعرق
العرق (2) وأنا حائض. ثم أُناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على
موضع فيَّ) (3) .
-2- سؤر ما يؤكل لحمه من الحيوانات.
-3- سؤر ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور (الهر) وما دونه في الخلقة، لما
روت كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنها قالت: أن أبا قتادة دخل عليها،
قالت: فسكبت له وضوءاً، قالت: فجاءت هرة تشرب، فأصغى (4) لها الإناء حتى
شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ قالت: فقلت:
نعم، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجسٍ، وإنما
هي من الطوافين عليكم والطوافات) (5) . فدل الحديث بمنطوقه على طهارة
[ص:46] الهرة، وتعليله طهارة ما دونها لكونه مما يطوف علينا ولا يمكن
التحرز منه كالفأرة ونحوها.
__________
(1) مسلم: ج-1 / كتاب الحيض باب 29.
(2) هو العظم الذي عليه بقية من لحم. ويقال عرقت العظم إذا أخذت منه اللحم
بأسنانك.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 3/14.
(4) أصغى: أمال.
(5) الترمذي: ج-1/الطهارة باب 69/92.
(1/43)
ثانياً: نجس:
-1- سؤر الكلب والخنزير وجميع أجزائهما وما تولد منهما، لحديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم، (طهور إناء أحدكم إذا ولغ
فيه الكلب فيه أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) (1) . والخنزير شر منه
لأنه منصوص على تحريمه.
-2- كل ما تولد من النجاسة كدود الكنف والصراصير.
__________
(1) مسلم: ج-1 / كتاب الطهارة باب 27/91.
(1/46)
ثالثاً: مختلف فيه:
-1- سائر سباع البهائم والطير فيها روايتان: إحداهما نجس، بدليل أن النبي
صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال: (إذا كان الماء
قلتين لم يحمل الخبث) (1) فمفهوم الحديث أنه ينجس إذا لم يبلغهما، ولأنه
يمكن التحرز منه.
والثانية: طاهر بدليل ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة. تردها السباع والكلاب
والحُمُر. وعن الطهارة منها؟ فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر (2)
طهور) (3) .
-2- الحمار الأهلي والبغل فيهما روايتان: إحداهما: نجس لحديث ابن عمر رضي
الله عنهما قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم
خيبر) (4) ، وفي رواية عن أنس رضي الله عنه (إن الله ورسوله ينهيانكم عن
لحوم الحمر الأهلية فإنها [ص:47] رجس (5) . والثانية: طاهر بدليل ما روى
جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أنتوضأ بما أفضلت
الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها) (6)
-3- الجّلالة: فيها روايتان: إحداهما: نجس لما روى ابن عمر رضي الله عنهما
قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الجّلالة وألبانها) (7) ،
ولأنها تنجست النجاسة والريق لا يطهر. الثانية: أنه طاهر لأن الضبع والهر
يأكلان النجاسة وهما طاهران.
وحكم أجزاء الحيوان من شعره وريشه وجلده حكم سؤره، فإذا وقع الحيوان في
الماء وخرج حياً فحكم الماء حكم سؤره.
مسألة: إذا أكلت الهرة نجاسة ثم غابت ثم عادت وشربت من ماء، فهذا الماء لا
ينجس. أما إن شربت قبل أن تغيب فسؤرها نجس لوجود أثر النجاسة فالماء ينجس.
[ص:48]
__________
(1) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 50/67.
(2) ما بقي.
(3) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الطهارة باب 76/519.
(4) البخاري: ج-5/ كتاب الذبائح والصيد باب 28/5202.
(5) البخاري: ج-5/ الذبائح والصيد باب 28/5208.
(6) البيهقي: ج-1 /ص 249.
(7) ابن ماجة: ج-2/ كتاب الذبائح باب 11/3189.
(1/46)
الباب الثاني
(الأعيان الطاهرة والأعيان النجسة)
(1/48)
أولاً: الأعيان الطاهرة:
-1ً- الإنسان سواء كان حياً
أم ميتاً بدليل قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) (1) .
-2ً- جميع أجزاء الأرض
ومعادنها كالذهب والفضة والنحاس والحديد.
-3ً- جميع أنواع النباتات
ولو كانت مخدَّرة (كالحشيشة والأفيون وجوزة الطيب) أو سامة. وهناك قول ثاني
أن المسكر منها نجس.
-4ً- الحيوانات التي يؤكل
لحمها مهما كان حجمها والحيوانات التي لا يؤكل لحمها إذا كانت بقدر الهرة
فما دون في الخلقة كالنمس والنسناس ابن عرس والقنفذ والحية والفأرة والهرة
ما لم تكن متولدة من نجاسة.
-5ً- مني الآدمي (2) إن خرج
من طريقه المعتاد دفقاً بلذة بعد استكمال تسع سنين للأنثى وعشر سنين للذكر
ولو خرج على شكل دم لما روى علقمة بن الأسود (أن رجلاً نزل بعائشة رضي الله
عنه فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: [ص:49] إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل
مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فركاً فيصلي فيه) (3) . ولأنه بدء خلق الآدمي (وعن الإمام أحمد
أنه نجس ويكفي فرك يابسه ويعفى عن يسيره) ، وكذا مني الحيوان الذي يؤكل
لحمه طاهر.
-6ً- البلغم: ولو أزرق
والصفراء والنخامة سواء خرجت من رأس أو صدر لما روى أبو هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره.
تحت قدمه. فإن لم يجد فليقل هكذا. ووصف القاسم. فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه
على بعض) (4) .
-7ً- البصاق واللعاب والعرق
والمخاط والدمع سواء كانت من بني آدم أو من حيوان يؤكل لحمه أو حيوان طاهر
لا يؤكل لحمه.
-8ً- مأكول اللحم المذكى
ذكاة شرعية.
-9ً- مرارة الحيوان المأكول
اللحم بعد تذكيته ذكاة شرعية وكذا جلدة المرارة لأنها جزء من الحيوان
المذكى فهي تابعة له في طهارته.
-10ً- بول وروث وقيء ومذي
وودي ومني ولبن وبيض ما يؤكل لحمه كلها طاهرة إذا كان علفها طاهراً لحديث
جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، فتوضأ. وإن شئت، فلا توضأ. قال: أتوضأ
من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل. قال: أصلي في مرابض الغنم؟
قال: نعم ... ) (5) . وعن أنس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يصلي في مرابض الغنم، قبل أن يُبنى المسجد) (6) [ص:50] وعنه أيضاً
قال: (قدم أناس من عُكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله
عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا..) (7) .
أما ما كان أكثر علفه نجاسة فلبنه وبوله وبيضه وكذا لحمه نجس، ويمكن تطهيره
بحبس الحيوان ثلاثة أيام ولا يطعم خلالها إلا طاهراً فبعد ذلك تصبح كل هذه
طاهرة.
-11- كل مالا تحله الحياة (شعر، صوف، وبر، ريش) من حيوان طاهر حي أو ميت
فهو طاهر سواء كان منفصلاً أم متصلاً ولا ينجس بالموت لأنه لا تحله الحياة.
قال تعالى: (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين) (8)
فهذا دليل على طهارتها. أما أن كان من ميتة حيوان نجس فهو نجس.
-12- ميتة الحيوان البري الذي لا دم سائل له بشرط عدم تولدها من نجاسة كدود
الجرح.
-13- ميتة الحيوان البحري باستثناء التمساح والضفدع والحية فإنها نجسة.
__________
(1) الإسراء: 70.
(2) هو من الرجل عند الاعتدال مزاجه أبيض غليظ ومن المرأة أصفر رقيق.
(3) مسلم: ج-1/كتاب الطهارة باب 32/105.
(4) مسلم: ج-1/كتاب المساجد ومواضع باب 13/53.
(5) مسلم: ج-1/كتاب الحيض باب 25/97.
(6) مسلم: ج-1/كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 1/10.
(7) البخاري: ج-1 /كتاب الوضوء باب 66/231.
(8) النحل: 80.
(1/48)
ثانياً: النجاسات:
تعريف النجاسة أو الخبث:
النجاسة لغة: كل شيء مستقذر حسياً كان أو معنوياً فيقال للآثام وإن كانت
معنوية وفعلها نَجَس. قال تعالى: (إنما المشركون نجس) (1) .
وشرعاً: العين المستقذرة.
أقسام النجاسة: للنجاسة قسمان الأول: النجاسة الحكمية: وهي الطائرة على محل
طاهر قبل طروها. [ص:51]
والثاني: النجاسة الحقيقية: وهي عين النَجَس.
والأعيان النجسة هي:
-1ً- بول الآدمي: بدليل
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على
قبرين. فقال: أما إنهما ليعذبان. وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان يمشي
بالنميمة. وأما الآخر فكان لا يستتر (2) من بوله) (3) .
-2ً-العذرة: وإن لم تتغير
عن حاله الطعام ولو كان الآدمي صغيراً لم يتناول الطعام.
-3ً-الوادي: وهو ماء أبيض
ثخين يخرج عقب البول فحكمه حكم البول
-4ً- المذي: وهو ماء رقيق
يخرج من القبل عند الملاعبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي
الله عنه، وقد سأله عن المذي: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك
للصلاة) (4) فهو أشبه البول. (وعن الإمام أحمد: أنه كالمني لأنه يخرج
بشهوة) .
-5ً- رطوبة فرج المرأة:
وفيها روايتان: إحداهما: أنها نجسة، لأنها بلل يخرج من الفرج ولا يُخلق منه
ولد، فأشبه المذي، والثاني: أنها طاهرة، وهي التي عليها أكثر الأصحاب.
-6ً- القيء والقلس: لأنه
طعام استحال بالخوف إلى فساد أشبه بالغائط.
-7ً- الدم بجميع أنواعه لما
روت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال: اقرصيه [ص:52]
واغسليه وصلي فيه) (5) ولقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) (6) . إلا
الكبد والطحال فإنهما طاهران، وكذا دم السمك والقمل والبرغوث.... فكلها
طاهرة، وما بقي من الدم في لحم المذكاة أو عروقها معفو عنه ولو علت حمرة
الدم القدر، لأنه لا يمكن التحرز منه فيعفى عنه.
-8ً- العلقة: لأنها دم خارج
من الفرج. (وعن الإمام: أنها طاهرة لأنها بدء خلق الآدمي) .
-9ً- القيح: وهو دم استحال
إلى نتن وفساد، وكذا الصديد وهو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم وما يسيل من
القروح ونحوها.
-10ً- الخمر: لقوله تعالى:
(إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رج من عمل الشيطان فاجتنبوه) (7)
-11- النبيذ وكل مسكر مائع سواء كان مأخوذاً من عصير العنب أو كان نقيع
زبيب أو تمر أو غير ذلك، لأن الله تعالى قد سمى الخمر رجساً والرجس في
العرف النجس ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله
عنهما: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) (8) .
ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه بالخمر، أما الحشيشة المسكرة ففيها قولان:
الأول: هي نجسة سواء أميعت أم لا، والثاني: هي طاهرة إلا إذا أميعت.
-12- بخار النجاسة ودخانها إن اجتمع منهما شيء ولاقى جسماً صقيلاً فصار
ماءٌ فهو نجس، أما ما أصاب الإنسان من دخان النجاسة وغبارها فلم يجتمع منه
شيء ولا ظهرت صفته فهو معفو عنه لعدم إمكان التحرز منه. [ص:53]
-13- الطيور والبهائم وسائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها والتي هي مما فوق
الهرة بالخلقة مثل السبع، العقاب، الصقر، الحدأة، البومة وما يأكل منها
الجيف كالنسر والرخم والعقعق وغراب بَيْن، والفيل والبغل والخنزير والكلب
والحمار والسبع والأسد والنمر والذئب والفهد وابن آوى والدب والقرد، وما
تولد من حيوان مأكول اللحم وحيوان غير مأكول اللحم.
-14- فضلة ما لا يؤكل لحمه إذا كان له دم يسيل من بول ورجيع (الروث،
والعذرة) وبيض ولبن ومني ولو كان طاهراً قبل الموت كالفأرة، أما ما لا دم
له يسيل فإن ميتته طاهرة.
-15- ميتتة الحيوان البري إذا كان له دم يسيل سواء كان في حال الحياة
طاهراً أم نجساً والدليل قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) (9) ، بخلاف ميتة
الآدمي وأجزائه وأبعاضه فحكمها حكم جملته لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن لا ينجس) (10) وبخلاف ميتة
الحيوان البحري فإنها طاهرة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) (11) كالسمك وسائر
حيوانات البحر مما لا يعيش إلا في الماء، أما الضفادع والسلاطعين فهي
برمائية وعيشتها ليست في البحر فيحرم. أكلها وميتتها نجسة. وأما الجراد وما
لا دم سائل له كالعقرب والخنفساء والبق والقمل والبراغيث والعنكبوت
والصرصار فكلها طاهرة إذا لم تكن متولدة من نجاسة مثل الكنف لما روى أبو
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب
في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر
داء) (12) .
-16- جلود الميتة: ولا تطهر بالدباغة في ظاهر المذهب لقوله تعالى: [ص:54]
(حرمت عليكم الميتة) (14) والجلد جزء منها ولحديث عبد الله بن عكيم (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا
من الميتة بإهاب ولا عصب) (15) .
-17- كل ما يرشح من الكلب والخنزير من لعاب ومخاط وعرق ودمع.
-18- كل ما تحله الحياة من أجزاء الميتة: عظمها وقرنها وظفرها وحافرها، لأن
ما تحله الحياة يحله الموت فينجسه والله تعالى قال: (حرمت عليكم الميتة)
ودليل الحياة الإحساس والألم.
-19- كل ما يخرج من الميتة نحو دم، ومخاط، ولبن، وأنفحة، (وعن الإمام أحمد:
الأنفحة طاهرة، لأن الصحابة رضوان الله عليهم أكلوا من حين المجوس، وهو
يصنع من الأنفحة، وذبائحهم ميتة) ، وبيض الميتة إن لم يصلب قشرة، أما إن
كان صلب القشرة وهو من حيوان يؤكل لحمه فطاهر، وكذا البيض الفاسد وهو ما
اختلط صفاره ببياضه مع التعفن، فهو طاهر.
-20- كل ذبح لا يفيد إباحة اللحم (يحرم أكله) يكون مذبوحه نجس كذبح المجوسي
والمرتد، والذبح المتروك التسمية عليه عمداً، وذبح المحرم للصيد وذبح
الحيوان غير مأكول اللحم.
__________
(1) التوبة: 28.
(2) أي لا يتجنبه ويتحرز منه.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 34/111.
(4) أبو داود: ج-1 /كتاب الطهارة باب 83/206.
(5) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الطهارة باب 118/629.
(6) المائدة: 3.
(7) المائدة: 90.
(8) مسلم: ج-3/ كتاب الأشربة باب 7/75.
(9) المائدة: 3.
(10) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 29.
(11) الترمذي ج-1/الطهارة باب 52/69.
(12) البخاري: ج-5/ كتاب الطب باب 57/5445.
(13) المائدة: 3.
(14) أبو داود: ج-4 /كتاب اللباس باب 42/4128.
(1/50)
النجاسات المعفو عنها:
-1ً- أثر النجاسة بعد غسلها
كأن يبقى لونها أو ريحها لمشقة إزالته، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه
(أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنه
ليس لي ثواب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه ثم صلي
فيه. فقالت: فإن للم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) (1) .
[ص:55]
-2ً- يسير الدم والقيح
والصديد في غير المائعات والمطعوم لأنه لا يمكن التحرز منه، بشرط أن يكون
من حيوان طاهر حال حياته أو من إنسان لا يخلوا من حبة وبئر وقد روي عن
جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم الصلاة مع الدم ولم يعرف لهم مخالف.
وحد اليسير: ما لا ينقص مثله الوضوء، وهو ما يعده الإنسان في نفسه يسيراً،
فلو أصاب الدم ثوبا في مواضع فإنه يضم بعضه إلى بعض، فإن كان المجموع
يسيراً غفي عنه وإلا فلا، ولو كان مما لا يدرك الطرف كأن تحمله رجل ذبابة
فيقع فيها فإنها تنجس.
-3ً- ريق البغل والحمار
وعرقهما وسباع البهائم وجوارح الطير وبول الخفاش، فيها روايتان: إحداهما:
يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه، لأنه لا يكاد يسلم مقتني هذه الحيوانات من
بللها فعفي عن يسيرها كالدم.
-4ً- المذي: وفيه روايتان
إحداهما: يعفى عن يسيره، لأن المذي يكثر من الشباب.
-5ً- النبيذ: فيه روايتان
إحداهما: يعفى عن يسيره لوقوع الخلاف فيه.
-6ً- النجاسة التي تصيب عين
الإنسان ويتضرر بغسلها.
-7ً- يسير طين الشارع إن
تحققت نجاسته بما خالطه من النجاسة، أما إن ظنت نجاسته فطاهر.
-8ً- يسير سلس البول بعد
كمال التحفظ لمشقة التحرز. [ص:56]
-9ً- أثر الاستجمار بمحله
بعد الإنقاء واستيفاء العدد المطلوب في الاستجمار.
-10ً- دخان النجاسة وغبارها
ما لم تظهر له صفة.
التطهير من النجاسات:
أولاً: تطهير الأرض المتنجسة ونحوها من الصخور والأحواض الكبيرة أو الصغيرة
الداخلة في البناء، فإنها تطهر بصب الماء عليها بكثرة ولو من مطر أو سيل
حتى تزول عين النجاسة وريحها ولونها وطعمها لما روى أنس رضي الله عنه (أن
أعرابياً قام إلى ناحية في المسجد. فبال فيها. فصاح به الناس. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما أفرغ أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بِذَنوب (1) فصب على بوله) (2) . ولا تطهر الأرض المتنجسة بالشمس ولا
بالريح ولا بالجفاف.
ثانياً: تطهير الآبار: تطهر أرض البئر إن كانت نجسة بنبع الماء فيها.
ثالثاً: تطهير الثياب والأواني وما يماثلها من الأشياء: في تطهيرها من
النجاسة روايتان:
الأولى: يجزئ مكاثرتها بالماء حتى تذهب عين النجاسة ولونها وريحها وطعمها
من غير عدد، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما روته عن أسماء رضي الله
عنها- قال في دم الحيض: (اغسليه وصلي فيه) (3) ولم يذكر عدداً، وروى ابن
عمر رضي الله عنهما قال: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار.
والغسل من البول سبع مرار. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى
جعلت الصلاة خمساً والغسل من الجنابة مرة والغسل من البول مرة) (4) .
[ص:57]
والثانية هي القول المعتمد في المذهب. أنه يجب في التطهير عدد معين في
الغسلات وهو سبع مرات.
ويشترط في تطهير المتنجس الذي تشرب النجاسة أن يعصره كل مرة خارج الماء أن
أمكن عصره، وعصر كل شيء بحسبه، ويكتفى بعصر الثوب بالقدر الذي لا يفسده،
وإن كان بساطاً ثقيلاً فعصره بتقليبه ودقه حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء.
أما الأواني تطهير بمرور الماء عليها وانفصالها عنها سبع مرات (وقيل ثلاث،
واجتهد المتأخرين يكفي الغسل ثلاثاً إذا كانت عين النجاسة مزالة) .
فإن بقي بعد الغسل المطلوب (كل مرة مع الفرك والعصر) لون أو ريح أو بقيا
معاً فإنه لا يضر (أي يعتبر طاهراً) ، أما إن بقي الطعام فإنه يضر (أي يبقى
نجساً) إلا أنه يعفى عنه لأن بقاء الطعم دليل على بقاء عين النجاسة لا
أثرها.
وإذا خفي موضع النجاسة في ثوب أو بدن غسل كل محل احتمل إصابته بالنجاسة حتى
يتيقن غسلها، فإن لم يعلم جهتها من البدن أو الثوب غسله جميعاً. أما إذا
وقعت النجاسة في أرض حرش واسعة أو في صحراء وجهل المكان فإنه لا يجب غسل
جميعه ويصلي فيها بلا تحرٍ.
رابعاً: التطهير من نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما: إذا تنجس شيء،
بملاقاة الكلب، غير الأرض يجب غسله سبعاً إحداهن بالتراب سواء كان من ولوغه
أو غيره لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم:
طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب إن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" (5)
. وعن الإمام أحمد: يغسله سبع مرات ثم يعفره بواحدة بدليل قوله صلى الله
عليه وسلم فيما رواه ابن المغفل عنه: (إذا [ص:58] ولغ الكلب في الإناء
فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) (6) . والأولى جعل التراب في
الأولى للخبر وليكن الماء بعده.
وأما الدليل على نجاسة الخنزير فبالقياس على الكلب لأنه أسوأ حالاً منه لنص
الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه.
خامساً: التطهير من المذي: هناك روايتان في التطهير منه إحداهما: يجزئ نضحه
لما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت
أكثر منه الغسل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته عنه فقال:
إنما يجزئك من ذلك الوضوء. فقلت يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه قال:
يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه) (7) .
والثانية: يجب غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه
بقوله: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة) (8) ، ولأنه نجاسة
من كبير أشبه بالبول.
سادساً: التطهير من بول الغلام الذي لم يطعم الطعام ومن قيئه: يطهر بالنضح
الذي يغمره بالماء وإن لم ينفصل لما روي عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها
(أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يأكل الطعام، فوضعته
في حجره، فبال: فلم يزد على أن نضح بالماء) (9) . أما التطهير من بول
الجارية فلا يجزئ إلا الغسل لحديث خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول
الغلام) (10) .
سابعاً: تطهير محل الاستنجاء إذا استجمر: هناك روايتان: إحداهما يطهر
بالاستجمار لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان [ص:59] يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة) (11) فهذا
دليل على أن غيرهما يطهر به المحل، وسئل الإمام أحمد عن المستجمر يعرق في
سراويله فقال: لا بأس به. وأما الثانية: فلا يطهر المحل.
ثامناً تطهير أسفل الخف والحذاء إذا أصابه نجاسة: هناك ثلاث روايات:
الأولى: يجزئ دلكه بالأرض لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب) (12) . والثانية:
يجب غسله لأنه ملبوس فلا يجوز فيه المسح كظاهره، وهذه الرواية هي المعتمد.
أما الثالثة: فيجب غسله من البول والعذرة لفحشها ويجزئ دلكه من غيرهما.
تاسعاً: المائعات المتنجسة كالسمن والزيت والعسل لا تقبل التطهير.
عاشراً: الجامدات التي تشربت النجاسة كاللحم إذا طبخ أو سلق بنجاسة لا تقبل
التطهير، أما البيض المسلوق بنجاسة فإنه يقبل التطهير لصلابة قشرته المانعة
من تسرب النجاسة.
__________
(1) الذنوب هو الدلو المملوءة ماء.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 30/99.
(3) تقدّم عند ابن ماجة.
(4) مسند الإمام أحمد ج-2/ص 109.
(5) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 27/91.
(6) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 27/93.
(7) الترمذي: ج-1/ كتاب الطهارة باب 84/115.
(8) تقدّم عند أبي داود.
(9) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 31/103.
(10) النسائي: ج-1/ص 158.
(11) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 4/8. والرمة هي العظم المتفتت.
(12) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 141/386.
(1/54)
الأعيان النجسة المتحولة إلى طاهرة:
-1ً- الخمرة إن انقلبت خلاً
بنفسها طهرت، لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زال ذلك، ولو كان سبب التخلل
نقلها من الظل إلى الشمس أو بالعكس. أما إن خُللت عمداً فلا تطهر لما روي
(أن أبا طلحة رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا
خمراً قال: أهرقها قال: أفلا أجعلها خلاً. قال: لا) (1) فلو جاز [ص:60]
-2ً- المسك المنفصل من
الغزال الحي طاهر، وكذا جلدته طاهرة، لأن أصله دم نجس استحال إلى طاهر.
__________
(1) أبو داوود: ج-1/ كتاب الأشربة باب 3/3675.
(1/59)
أشياء لا تطهر النجاسات:
-1ً- الدباغة: لا تطهر جلود
الميتة بالدباغة، وإنما إذا دُبغت أُبيح استعمالها في المواد الجافة لقوله
تعالى: (حرمت عليكم الميتة) والجلد جزء منها، ولحديث أبي داود المتقدم: (لا
تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) . وعن الإمام أحمد: يطهر بالدباغة جلد ما
كان طاهراً حال الحياة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (تُصدق على
مولاة لميمونة بشاة فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا
أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ فقالوا: إنها ميتة. فقال: إنما حرم
أكلها) (1) . أما ما كان نجساً وهو حي فلا يطهر جلده بالدباغة عن المقدام
بن معدي كرب رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الحرير والذهب وعن مياثر النمور) (2) ، ولأن أثر الدبغ يكون في إزالة
النجاسة الحادثة بالموت فبعد الدبغ يعود كما كان حكمه قبل الموت.
-2ً- الاستحالة: لا تطهر،
فالدود المتولد من النجاسة، وكذا الصرصار المتولد من الكنف كلها نجسة، لأن
نجاستها لعينها بخلاف الخمرة، فإن نجاستها لمعنى فيها زال بالانقلاب إلى
خل.
-3ً- النار: لا تطهر
النجاسة، فلو عرضت نجاسة على النار حتى احترقت وصارت رماداً، فالرماد
والدخان نجسان.
-4ً- الشمس والريح والجفاف:
لا تطهر الأرض ولا الأشياء المتنجسة.
الانتفاع بالنجاسات: لا يجوز الانتفاع بأي مائع نجس كالخمر والدم، وكذا لا
يحل الانتفاع بالجامدات النجسة كالخنزير والزبل النجس، كما لا يحل الانتفاع
بالميتة ولا بدهنها. أما دهن الحيوان الحي الطاهر كالسمن الذي سقطت فيه
نجاسة فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل كأن يستضاء به في غير المسجد.
[ص:61]
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 27/100.
(2) مسند الإمام أحمد ج-4/ص 132.
(1/60)
مُلحقات السواك وبعض السنن
حكمه:
-1- السواك:
-1ً- سنة مؤكدة:
-1- عند كل صلاة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) (1) .
-2- عند الانتباه من النوم: لما روى حذيفة رضي الله عنه قال: (كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يَشُوصُ (2) فَاهُ بالسواك) (3)
.
-3- عند تغير رائحة الفم إما بأكل ذي ريح أو من خواء المعدة من الطعام.
-4- عند الوضوء.
-5- عند قراءة القرآن.
-6- عند دخول المسجد.
-7- عند اصفرار الأسنان.
-2ً- سنة: في كل الأوقات
وإذا دخل بيته لما روى شريح بن هانئ قال: (سألت عائشة رضي الله عنها قلت:
بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك)
(4) . [ص:62]
-3ً- مكروه: للصائم بعد
الزوال سواء كان السواك بعود رطب أو يابس، لأنه يزيل خلوف فم الصائم وهي
أطيب عند الله من ريح المسك، ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعاً. أما السواك
للصائم فبل الزوال فهو مسنون بعود يابس ومباح بعود رطب.
آلة الاستياك: عود لين ويفضل عود الأراك اتباعاً للسنة. فإن استاك بخرقة أو
بأصبعه لم يصب السنة. ويكره الاستياك بعود الريحان أو الرمان أو نحو ذلك
مما يضر باللثة.
كيفية الاستياك: يندب الاستياك باليد اليسرى، وأن يبدأ من جانب فمه الأيمن
من ثناياه إلى أضراسه، وأن يستاك عرضاً بالنسبة للأسنان طولاً بالنسبة
للثة.
فوائد السواك: مُرْضِ لله لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (5) ، مذكر بالشهادة عند
الموت، مهضم للطعام، مغٍذ للجائع.
-2- السنن الأخرى:
تقليم الأظافر، قص الشارب، نتف الإبط، حلق العانة لما روى أبو هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الفطرة خمس - أو خمس من الفطرة
-: الختان والاستحداد وتقليم الأظافر ونتف الأبط وقص الشارب) (6) .
الختان: وهو واجب عند البلوغ، فإن كبر وخاف على نفسه من الختان سقط عنه هذا
الواجب، والأفضل أن يختن المولود يوم الـ (21) وإلا ترك حتى يشتد عوده.
والختان من ملة سيدنا إبراهيم عليه السلام وقد ختن نفسه قال تعالى: (ثم
أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) (7) .
ويسن الاكتحال والتطيب والنظر في المرآة ويقول: اللهم كما أحسنت خَلقي فحسن
خُلقي وحرم وجهي على النار. [ص:63]
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 15/42.
(2) الشوص: دلك الأسنان عرضاً بالسواك.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 15/46.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 15/44.
(5) البخاري: ج-2/ كتاب الصوم باب 27.
(6) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 16/49.
(7) النحل: 123.
(1/61)
الباب الثالث (أحكام
التخلي)
(1/63)
أولاً: المستحبات:
-1- يستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يقول عند الدخول: "بسم الله، اللهم إني
أعوذ بك من الخُبُث والخبائث"، لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا
دخل الكنيف أن يقول: بسم الله (1) . وروي عن أنس رضي الله عنه قال: (كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث
والخبائث) (2) .
وأن يقول عند الخروج: "غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"، لما
روت عائشة رضي الله عنهُا (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من
الخلاء قال: غفرانك (3) وعن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) (4) .
-2- يستحب أن يقدم رجله اليسرى في الدخول على اليمنى، وأن يقدم رجله اليمنى
على اليسرى في الخروج، لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه. [ص:64]
-3- يستحب أن يرفع ما عليه ذكر الله غير قرآن فيحرم إدخاله صيانة له، وعن
الإمام: إذا كان ما عليه ذكر الله دراهماً فلا بأس، أما الخاتم الذي عليه
ذكر الله فيجعله في بطن كفه إذا أراد دخول الخلاء.
-4- يستحب إذا كان في الفضاء، أن يبتعد عن الناس، ويستتر عن أعينهم، لحديث
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الغائط
فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره ... ) (5) .
-5- يستحب أن يرتد لبوله مكاناً رخواً لئلا يترشش عليه.
-6- يستحب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روى ابن عمر رضي الله
عنهما (أن النبي صَلى الله عَليه وسَلم كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى
يدنو من الأرض) (6) .
-7- يستحب أن يبول قاعداً لأنه أستر له وأبعد من أن يترشش عليه.
-8- يستحب أن يتوكأ في جلوسه على الرجل اليسرى لأنه أسهل لخروج الخارج.
-9- يستحب أن يتنحنح ليخرج ما بقي.
-10- يستحب أن يلبس النعلين ويغطي رأسه، لما روى البيهقي عن حبيب بن صالح
قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء لبس حذاءه وغطى
رأسه) (7) .
__________
(1) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الطهارة باب 9/297.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب الوضوء باب 9/142.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 17/30.
(4) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الطهارة باب 10/301.
(5) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 19/35.
(6) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 6/14.
(7) البيهقي: ج-1/ ص-96.
(1/63)
ثانياً: المحرمات:
-1- يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الفضاء لغائط أبو بول بلا ساتر
لحديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم
الغائط فلا تستقبلوا القبلة [ص:65] ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن
شرقوا أو غربوا) (1) . ويجزئ الاستتار بدابة، أو جبل، أو جدار، ولو أرخى
ثوبه حصل به الستر.
وفي البنيان روايتان: إحداهما لا يجوز لعموم النهي، والثانية يجوز.
وعن مروان الأصفر أنه قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس
يبول إليها فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما
نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس (2) .
-2- يحرم البول والتغوط بين قبور المسلمين وعليها.
-3- يحرم البول والتغوط في طريق مسلوك، لحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في
الموارد، وقارعة الطريق، والظل) (3) .
-4- يحرم البول والتغوط في ظل نافع ومثله مشمس زمن الشتاء، كما يحرم في
متحدث الناس إلا أن يكون حديثهم غيبة أو نميمة.
-5- يحرم قضاء الحاجة تحت الشجرة مثمرة يؤكل ثمرها أو لا، لأنه يفسدها
وتعافها النفس.
-6- يحرم اللبث في الخلاء فوق قدر الحاجة، لأن ذلك يدمي الكبد، ويأخذ منه
الباسور.
-7- يحرم التغوط في الماء الراكد والجاري سواء كان قليلاً أم كثيراً، إلا
ماء البحر فإنه لا يحرم فيه ذلك. (أما البول فإنه يكره في الماء الراكد
والجاري) .
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 16/29.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 4/11.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 14/26.
(1/64)
ثالثاً: المكروهات:
-1- يكره أن يستقبل الشمس والقمر تكريماً لهما.
-2- يكره أن يستقبل الريح بالبول لئلا يرتد عليه فيتنجس. [ص:66]
-3- يكره أم يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سَرجِس (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الحجر) (1) ، لأنه لا يأمن أن يكون
مسكناً للجان، أو فيه دابة تلسعه.
-4- يكره البول في المغتسل، لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه (أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا يبولن أحدكم في مستحمه، ثم يتوضأ فيه، فإن عامة
الوسواس منه) (2) . قال الإمام أحمد رضي الله عنه: إن صب عليه الماء فجرى
في البلوعة فذهب فلا بأس.
-5- يكره الكلام أو السلام أو ذكر الله تعالى باللسان روى ابن عمر رضي الله
عنهما (أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه
حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر)
(3) .
-6- يكره البول في الإناء لغير الحاجة.
-7- يكره البول في النار لأنه يورث السقم.
-8- يكره البول في الرماد.
-9- يكره البول قائماً، إلا إن أمن التلويث، وأمن أن لا ينظر إليه أحد.
-10- يكره الاستجمار باليمين والاستعانة بها لحديث أبي قتادة رضي الله عنه
قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُمسِكن أحدكم ذكره بيمينه وهو
يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) (4) .
-11- يكره البول في الماء الراكد والجاري. [ص:67]
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 16/29.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 15/27.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 8/17.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 18/63.
(1/65)
الاستنجاء
الاستنجاء: هو عبارة عن إزالة الخارج من أحد السبيلين عن المحل الذي خرج
منه، إما بالماء، وإما بالأحجار ونحوها.
وسمي استنجاء، لأن الاستنجاء مأخوذ من نجوت الشجرة إذا قطعتها فهو يقطع
الخبث من على المحل. والأصل فيه أن يكون بالماء.
ويسمى استطابة، لأن النفس تطيب وتستريح بإزالة الخبث.
ويسمى الاستجمار (مأخوذ من الجمار وهي الحصى الصغار) إذا كانت إزالة الخارج
بالأحجار.
حكم الاستنجاء:
واجب من كل خارج نجس ورطب، ولو نادراً من أحد السبيلين، سواء كان معتاداً،
أو غير معتاد كدم وودي ومذي، إلا إذا كان النجس الخارج جافاً لم يلوث
المحل، كالبعر الناشف والحصاة، أو كان طاهراً كالمني والريح.
وأدلة وجوب ذلك ما روي عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاءً وكنت
استحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته. فأمرت المقداد بن
الأسود فسأله فقال: يغسل ذكره ويتوضأ) (1) . وحديث المعذبين في القبر،
وحديث عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ذهب
أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار) (2) . [ص:68]
__________
(1) مسلم: ج-1 كتاب الحيض باب 4/17.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 21/40.
(1/67)
واجباته:
الاستبراء أي انقطاع الخارج قبل الاستنجاء حتى يغلب على الظن أنه لم يبق في
المحل شيء فالذي يريد الاستجاء يلزمه الاستبراء بحيث لا يجوز له أن يتوضأ
وهو يشك في انقطاع بوله، فإن توضأ في حالة الشك ونزلت منه قطرة منالبول، لم
يجزئه وضوءه، وإنما يجب عليه أن يخرج ما عساه أن يكون موجوداً؛ كأن يقوم،
أو يمشي خطوات، أو يأتي بحركة من الحركات المعتادة له حتى يغلب على ظنه أنه
لم يبق في المحل شيء.
وسيلة الاستنجاء:
إن تعدّت النجاسة المخرج بما لم تجر العادة به كالصفحتين ومعظم الحشفة لم
يجزئه الماء، لأن ذلك نادر فلم يجز فيه المسح. وإن لم تتجاوز النجاسة قدر
الحاجة فيجوز الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجر، نادراً كان الخارج أو
معتاداً، والأفضل اجمع بين الماء والحجر، فيبداً بالحجر أولاً ثم الماء،
فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (مُرن أزواجكن أن يغسلوا عنهم أثر
الغائط والبول فإني استحييهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)
(1) .
فإن اقتصر على أحدهما فيفضل الماء، لأنه يزيل عين النجاسة وأثرها ويطهر
المحل، أما الحجر فلا يزيل إلا عينها، ولما روي عن أنس رضي الله عنه (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ومعه غلام معه ميضأة، وهو أصغرنا،
فوضعها عند السدرة، فقضى حاجته، فخرج علينا وقد استنجى بالماء) (2) .
[ص:69]
__________
(1) البيهقي: 1/ص 106.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 23/43.
(1/68)
شروط صحة الاستجمار بالحجر:
-1ً- أن يكون الحجر منقياً:
أي أن لا يبقى أثر من النجاسة إلا أثر لا يزيله إلا الماء، فلا يصح
الاستجمار بالأملس كزجاج ونحوه، ولا بالفحم الرخو.
-2ً- أن يكون جامداً فلا
يصح بالمائع ولا بالطين.
-3ً- أن يكون طاهراً لما
روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم
الغائط، فأمرني بأن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالثة فلم
أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: هذا ركس)
(1) . ولأن الاستجمار بالنجس يكسب المحل نجاسة لأنه رطب، ولا يجزئه
الاستجمار بعده بطاهر لأن المحلَّ صار نجساً بنجاسة واردة عليه فلزم غسله.
-4ً- أن لا يكون محترم
شرعاً، كقرطاس ذكر فيه اسم الله تعالى، أو كتب فيه حديث، أو علم شرعي، وأن
لا يكون جزء حيوان: كيده، أو ذنب بهيمة، أو صوفها المتصل بها لأنه ذو حرمة.
وأن لا يكون محرم الاستعمال كالذهب والفضة. فإن استجمر بها نُهي عنه فإنه
لا يصح، لأن الاستجمار رخصة والرخصة لا تستباح بالمحرم كسائر الرخص.
-5ً- أن يكون غير مطعوم ولو
كان مطعوم جن أو حيوان، كالعظام وطعام الآدمي، لما روى مسعود رضي الله عنه
قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام،
فإنه زاد إخوانكم من الجن) (2) علل النهي بأنه زاد للجن فزادنا أولى.
-6ً- أن يكون المسح ثلاثاً
مع الإنقاء لقول سلمان رضي الله عنه: (لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، [ص:70] أو أن
نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم) (3) . ولحديث
طاووس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم ليستطبّ بثلاثة أحجار أو ثلاثة
حثيات من التراب) (4) ، فإن كان الحجر كبيراً فمسح به ثلاث مسحات أجزأه.
-7ً- أن لا يكون المخرج
متنجساً بغير الخارج منه.
-8ً- أن لا تتجاوز النجاسة
موضع العادة، فإن تجاوزته تعين الماء.
-9ً- أن لا يجف الخارج قبل
الاستجمار وإلا تعين الماء.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب الوضوء باب 21/155.
(2) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 14/18.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 17/57. والرجيع: الرَوث.
(4) الدارقطني: ج-1/ص 57.
(1/69)
كيفية الاستجمار:
يصح الاستجمار بأية كيفية، إلا أن المستحب أن يمر حجراً من مقدم صفحته
اليمنى إلى مؤخرها، ثم يمره على صفحته اليسرى حتى يرجع به إلى الموضع الذي
بدأ منه، ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك، ثم يمر الثالث على
المسربة والصفحتين، لما روى سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار، حجرين للصفحتين وحجر للمسربة
(1) .
ويستحب قبل ذلك أن يضع الذكر إصبع يده اليسرى الوسطى تحت الذكر والإبهام
فوقه ويمرر بهما إلى رأسه ثلاثاً وينتزه ثلاثاً، لما روى عيسى بن يزداد
اليماني، عن أبيه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بال أحدكم
فلينتر ذكره ثلاث مرات) (2) ، ويبدأ بالقبل لينظفه لئلا تنجس يده عند تنظيف
الدبر، والمرأة مخيرة بأيهما شاءت لعدم ذلك. فإن لم ينق المحل بالمسحات
الثلاث زاد حتى ينقى، ليحصل مقصود الاستجمار، وسن قطع ما زاد على الثلاث
على وتر، فإن أنقى بالرابعة زاد خامسة. أما إن كان الاستنجاء بالماء فيكون
الإنقاء بعود المحل كما كان قبل خروج الخارج، وظنه كافٍ، ولا بد من غسله
سبعاً. [ص:71]
__________
(1) الدارقطني: ج-1 /ص 56.
(2) ابن ماجة: ج-1 /كتاب الطهارة باب 19/326.
(1/70)
الباب الرابع
(الوضوء)
(1/71)
تعريفه:
الوضوء لغة: الحسن والنظافة.
وشرعاً: استعمال الماء في أعضاء مخصوصة بكيفية مخصوصة.
دليل مشروعيته:
قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (1) .
حكم الوضوء:
آ- فرض:
-1ً- للصلاة وما جانسها
سواء كانت فرضاً أم نفلاً لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تُقبل صلاةٌ بغير طهور ولا صدقة من
غُلول (2)) . وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: (لا تقبل صلاة أحدكم، إذا أحدث، حتى يتوضأ) (3) .
-2ً- للطواف فرضاً كان أم
واجباً أم نفلاً لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن [ص:72] النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن
تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير) (4) .
-3- لمس المصحف: بعضه أو كله أو حواشيه بدليل قوله تعالى: (لا يمسه إلا
المطهرون) (5) .
وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (أن لا يمسَّ القرآن إلا
طاهر) (6) ، فلا يجوز مسه ببشرته بدون حائل حتى لا يجوز مس الورق الأبيض
المتصل به ولو كان الماس غير مكلف (7) (من التمييز إلى البلوغ) إلا بطهارة
كاملة، إلا أن الصبي غير المكلف لا يجب عليه الوضوء، إنما يجب على وليه أن
لا يمكنه من مس المصحف أو مس ما كتب على اللوح من القرآن إلا بعد أن يأمره
بالوضوء. أما مس المصحف بحائل لغير المتوضئ، فلا مانع كأن كان بغلاف منفصل
عنه، أو كيس، أو لف بورقة، أو وضع في صندوق مع أمتعته ولو كان القصد حمل
المصحف. وكذا لا مانع من اتخاذ المصحف حرزاً لكن بشرط أن يستر بشيء طاهر،
كأن يلف بخرقة طاهرة ونحوها، كما يجوز تقليب ورقة بعود، وحمل تفسيره، وحمل
منسوخ التلاوة ولو كان الحكم باقياً، ومس المأثور عن الله تعالى كالأحاديث
القدسية والتوراة والإنجيل، ومس كتاب الفقه أو رسالة كتب فيها شيء من
القرآن والدليل على ذلك (أن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى
قيصر في رسالته: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم") (8) .
__________
(1) المائدة: 6.
(2) مسلم ج-1/ كتاب الطهارة باب 2.
(3) مسلم ج-1/ كتاب الطهارة باب 2/2.
(4) الترمذي ج-3/ كتاب الحج باب 112/960.
(5) الواقعة: 79.
(6) شرح الزرقاني على الموطأ: حديث 297 ص-106.
(7) هناك رواية بجواز مس الصغير اللوح الذي كتب عليه القرآن، لأن حاجته
ماسة ولا تحتفظ طهارته.
(8) البخاري: ج-3/ كتاب الجهاد باب 101/2782.
(1/71)
ب- مستحب:
-1ً- لمن كان متوضئاً، وسبق
له أن صلى بوضوئه، أي يستحب تجديد الوضوء لكل صلاة طلباً للفضل، وقد ورد
(أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح [ص:73] بوضوء واحد،
ومسح على خفيه، فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه. قال:
عمداً صنعته يا عمر) (1) وذلك ليبين الجواز.
-2ً- لمن أدراد القراءة أو
الذكر أو الأذان أو النوم، ولرفع الغضب، وللجلوس بالمسجد، ولتدريس علم
وللأكل.
__________
(1) مسلم ج-1/ كتاب الطهارة باب 25/86.
(1/72)
شروط صحة الوضوء:
-1ً- دخول الوقت على من
حدثه دائم لصلاة الفرض.
-2ً- انقطاع ما ينافي
الوضوء أثناء الوضوء: فلو غسل وجهه ويديه مثلاً ثم أحدث فعليه أن يعيد
الوضوء من أوله، إلا إذا كان المتوضئ من أصحاب الأعذار، كأن كان مصاباً
بسلس البول الدائم ونزلت منه قطرة أو قطرات أثناء الوضوء فإنه لا يجب عليه
إعادة الوضوء، أما إن لم يكن سلسه دائماً فإنه يتحرى الوقت الذي ينضبط فيه
ويتوضأ.
-3ً- الإسلام.
-4ً- التمييز: وقد قدر بسبع
سنوات.
-5ً- العقل: فلا يصح من
المجنون ولا من المعتوه.
-6ً- إزالة ما يمنع وصول
الماء إلى البشرة من شمع وعجين ونحوهما.
-7ً- أن تكون الطهارة بماء
طهور ومباح، فإن توضأ بماء مغصوب لم يصح وضوءه.
-8ً- أن يتقدم الاستنجاء أو
الاستجمار على الوضوء، فلا يصح الوضوء بغير ذلك.
-9ً- النية: وهي شرط لصحة
الطهارة من الأحداث كلها. [ص:74]
دليلها: ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى) (1) ، ولأن الوضوء عبادة
محضة فلا يصح بدون نية كالصلاة محلها: القلب، ويسن لفظها باللسان.
وتجب عند التسمية، لأن التسمية أول واجبات الوضوء، ويستحب تقديمها على غسل
اليدين إن وجد قبل التسمية، لتشمل الفروض والسنن، كما يستحب استدامتها في
سائر الوضوء.
تعريفها: هي قصد رفع الحدث.
كيفيتها:
آ- للسليم: قصد رفع الحدث، أو قصد الطهارة.
ب- لدائم الحدث: قصد استباحة ما تجب له الطهارة، كاستباحة الصلاة أو الطواف
أو مس المصحف دون ذكر الفريضة أو ما يسن له الطهارة. ويستطيع بوضوئه أن
يؤدي اكثر من فرض طيلة وقت الصلاة حتى يخرج، أي إذا توضأ مثلاًٍ لصلاة
الظهر ونوافله وفرائض أخرى بوضوء واحد حتى يخرج وقت الظهر.
ولا يرتفع الحدث بنية تجديد الوضوء المسنون إذا كان ذاكراً لحدثه، بل عليه
أن ينوي الوضوء لرفع الحدث، أما إذا كان ناسياً لحدثه وتوضأ بنية تجديد
الوضوء المسنون، فإن هذا الوضوء يرفع حدثه المنسي. ويرتفع الحدث إذا نوى
تجب له الطهارة كالصلاة، أو نوى ما تسن له كالقراءة والجلوس بالمسجد، ورفع
الغضب والأكل، فإذا نوى شيئاً من ذلك ارتفع حدثه، وله أن يصلي بهذا الوضوء.
وكذلك إن نوى بوضوئه صلاة معينة ارتفع الحدث مطلقاً وصلى بوضوئه ما شاء أما
إن نوى وضوءاً، أو أطلق، أو غسل أعضائه ليزيل عنها النجاسة، أو ليعلم غيره،
أو للتبرد، فلا يجزئه، لأن الوضوء تارة يكون عادة وتارة يكون عبادة فلا بد
من تمييزه بالنية. [ص:75]
__________
(1) مسلم: ج-3/ كتاب الإمارات باب 45/155.
(1/73)
حالة الشك بالنية:
إن الشك بالنية أثناء الوضوء استأنف الوضوء، أما إن الشك بالنية بعد
الانتهاء من الوضوء فلا يضر، وكذا لو شك في غسل عضو أثناء الوضوء استأنف،
أما بعد انتهاء الوضوء فلا يضر.
فرائض الوضوء
هناك فرق بين الفرض والشرط هو: أن الفرض مرادف للركن، وهو ما كان من حقيقة
الشيء، أما الشرط فهو ما توقف عليه وجود الشيء ولم يكن من حقيقته.
وفرائض الوضوء هي:
أولاً: غسل الوجه: ودليل فرضيته قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) (1) ، والسنن المتظاهرة، والإجماع. وحد الوجه:
من منابت شعر رأس المعتاد إلى منتهى آخر الذقن لمن ليست له لحية وإلى آخر
شعر اللحية لمن له لحية، وما بين شحمتي الأذنين عرضاً. وإن كان شعر الوجه
كثيفاً يكتفى بغسله، وإن كان خفيفاً يغسل الشعر والبشرة. ويستحب تخليل
الشعر الكثيف، أما الشعر المسترسل من اللحية عن حد الوجه ففيه روايتان.
إحداهما: لا يجب غسله، والثانية: يجب لأنه نابت في بشرة الوجه. ويدخل في
الوجه العِذار (2) والعارض والصدغ. ويستحب أن يزيد في ماء الوجه لأن فيه
غضوناً وشعراً وأن يمسح مآقيه.
ويدخل في غسل الوجه فرض ضمني، وهو المضمضة والاستنشاق فهما واجبان في
الطهارتين الكبرى والصغرى على اعتبار أنهما داخلان في حد الوجه. [ص:76]
ثانياً: غسل اليدين مع المرفقين: ودليل فرضيته قول تعالى: (وأيديكم إلى
المرافق) (3) ، وحديث جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه) (4) ولأن (إلى) في الآية بمعنى (مع)
كقوله تعالى: (من أنصاري إلى الله (5) أي مع الله وكذلك قوله تعالى: (ولا
تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) (6) أي مع أموالكم ز ويجب غسل تكاميش الأصابع
وما تحت الأظافر إن طالت، ويعفى عن وسخ الأظافر إن كان يسيراً، ويجب غسل
الأصبع الزائدة واليد الزائدة إذا كان أصلها في محل الفرض، وإن كان أقطع
اليد غسل ما بقي من الفرض، وإن لم يبق من اليد شيء سقط الغسل.
ثالثاً: مسح الرأس: لقوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} (7) . ويجب مسح الرأس
كله من منابت الشعر المعتاد إلى نقرة القفا، لأن الباء (برؤوسكم) زائدة.
ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ولا يجزئ عن مسح الرأس سواء رده
فعقصه على رأسه أو لم يرده، ولو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة دون الظاهر
لم يجزئه، لأن الحكم يتعلق بالشعر، ولو مسح رأسه ثم حَلَقه لا يجب عليه
إعادة مسحه.
وظاهر قول الإمام أحمد رضي الله عنه: أن المرأة يجزئها مسح بعض الرأس بدليل
ما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ
فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين) (8) وأن السيدة عائشة رضي الله
عنها كانت تمسح مقدم رأسها. والمستحب أن يمر بيديه من مقدم رأسه إلى قفاه
ثم يعدهما، لأن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال في صفة وضوئه صلى الله
عليه وسلم: (ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح [ص:77] برأسه. فأقبل بيديه وأدبر)
(9) ولا يستحب التكرار، لأن أكثر من وصف وضوءَهُ صلى الله عليه وسلم ذكر
أنه مسح مرة واحدة. وعن الإِمام أحمد: يستحب التكرار لما روى ابن عمر رضي
الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ومن توضأ ثلاثاً فذلك
وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي) (10) .
وهناك فرض ضمني في مسح الرأس وهو مسح الأذنين، فهما يعتبران من الرأس لحديث
شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه، وذكر وضوء النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين، قال: وقال:
الأذنان من الرأس) (11) لكن يستحب إفرادهما بماء جديد، لأنهما كالعضو
المنفرد، وإنما هما من الرأس على وجه التبع. ويستحب أن يُدخِل سباحتيه في
أذنيه ويجعل إبهاميه لظاهرهما.
رابعاً: غسل الرجلين مع الكعبين: ودليل فرضيته قوله تعالى: (وأرجلكم إلى
الكعبين) (12) ولا يجزئ مسح الرجلين لما روى عمر رضي الله عنه (أن رجلاً
توضأ فترك موضع ظُفر على قدمه اليمنى فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: ارجع فأحسن وضوءك. فرجع ثم صلى) (13) .
ومن كان أقطع اليدين وقدر على أن يستأجر من يوضأه بأجر المثل لزمه ذلك كما
لزمه شراء الماء.
خامساً: الترتيب: ودليله أن الله تعالى أدخل ممسوحاً بين مغسولات، ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنْقَل عن الوضوء إلا مرتباً. فإن نكس أعضاء
الوضوء لم يصح وضوءه. وترتيب أعضاء الوضوء يكون على الشكل التالي:
-1ً- النية (شرط) .
-2ً- التسمية (واجب) .
[ص:78]
-3ً- غسل الكفين ثلاثاً
(سنة ما لم يكن مستيقظاً من النوم فهو واجب) .
-4ً- المضمضة والاستنشاق
(فرض عملي ضمني) .
-5ً- غسل الوجه (فرض) .
-6ً- غسل اليدين مع
المرفقين (فرض) .
-7ً- مسح كل الرأس (فرض) .
-8ً- مسح الأذنين (فرض عملي
ضمني) .
-9ً- غسل الرجلين مع
الكعبين (فرض) .
سادساً: الموالاة بين غسل الأعضاء: وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي
قبله لأنه صح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى الله عليه
وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره
النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة) (14) . فلو لم تجب
الموالاة لأجزأه غسلها، ولأنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه والى
بين غسل أعضاء الوضوء.
وعكس الموالاة التفريق: وهو أن يؤخر غسل عضو حتى يمضي زمن ينشف فيه الذي
قبله في الزمان المعتدل، أما إن أخر غسل عضو لأمرٍ في الطهارة من إزالة
وسخٍ أو دلك عضوٍ لم يقدح في طهارته.
__________
(1) المائدة: 6.
(2) الشعر المحاذي للأذنين.
(3) المائدة 6.
(4) البيهقي: ج-1/ص 56.
(5) آل عمران: 52.
(6) النساء: 2.
(7) المائدة: 6.
(8) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 23/83.
(9) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 7/18.
(10) مسند الإمام أحمد: ج-2/ص 98.
(11) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة 50/134.
(12) المائدة: 6.
(13) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 10/31.
(14) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 67/175.
(1/75)
واجبات الوضوء:
للوضوء واجب واحد، وهو التسمية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر
اسم الله تعالى عليه) (1) ، وتسقط سهواً لحديث ابن عباس رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم [ص:79] قال: إنَّ الله وضع عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه) (2) ، وإن ذكرها في أثنائه ابتدأ من الأول،
وقيل يأتي بها حيث ذكرها.
ومحلها: اللسان، وموضعها بعد النية ليكون مسمياً على جميع وضوئه.
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 48/101.
(2) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الطلاق باب 16/2045.
(1/78)
سنن الوضوء:
تعريف السنة: هي ما يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها، ولها مترادفات وهي
المندوب والمستحب.
وسنن الوضوء ثمانية عشر:
-1ً- استقبال القبلة.
-2ً- السواك عند المضمضة.
-3ً- غسل الكفين ثلاثاً لما
روى حُمران مولى عثمان أنه (رأى عثمان رضي الله عنه دعا بإناء فأفرغ على
كفيه ثلاث مرار فغسلهما ... ) (1) ، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء
ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.
-4ً- تقديم المضمضة
والاستنشاق على غسل الوجه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
-5ً- المبالغة بالمضمضة
والاستنشاق لغير الصائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة:
(أسبغ الوضوء. وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)
(2) .
وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطاً (3) ،
وفي المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم ولا يجعله وجوراً (4) .
-6ً- المبالغة في سائر
الأعضاء. [ص:80]
-7ً- الزيادة في ماء الوجه
لغسل أساريره ودواخله وخوارجه وشعوره ومسح مآقيه.
-8ً- تخليل اللحية الكثة.
-9ً- تخليل أصابع اليدين
والرجلين إذا وصل الماء في الغسل إليها بدون دلك وإن كان التخليل واجباً
بدليل ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك) (5) . وتخليل أصابع الرجلين
يكون بخنصر اليد اليسرى من باطن القدم إلى الأعلى، ويبدأ بخنصر الرجل
اليمنى وينتهي بخنصر الرجل اليسرى، أما أصابع اليدين فتتخلل إحداهما
بالأخرى.
-10ً- تجديد الماء لمسح
الأذنين بعد مسح الرأس.
-11- التيامن لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله، في نعليه وترجله وطهوره) (6) .
-12- إطالة الغرة والتحجيل: أي مجاوزة القدر الواجب في الغسل، لما روى أبو
هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم الغُرُّ المحجلون
يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غُرَّته وتحجيلَه) (7)
.
-13- تثليث الغسل: فالمرة الأولى فرض، والغسلة الثانية والثالثة سنة إن عمت
الأولى.
-14- استصحاب النية بالقلب إلى آخر الوضوء.
-15- الإتيان بالنية عند غسل الكفين إلى الكوعين (الرسغين)
-16- التلفظ بالنية سراً، بحيث يحرك بها لسانه وشفتيه، ويُسمِع نفسه دون
غيره، وأن لا يستعين بغيره فيه.
-17- أن يتولى وضوءه بنفسه من غير معونة أحد، ولكن تباح المعونة كتقريب
الماء وحمله وصبه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول [ص:81] الله
صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا، وغلام نحوي، إداوةً من ماء،
وعنزة فيستنجي بالماء) (8) وعن المغيرة بنشعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع
النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير فقال لي: أمعك ماء؟ قلت: نعم،
فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه من
الإداوة فغسل وجهه ... ) (9) وذكر بقية الوضوء، ولكن الأفضل ترك الاستعانة
وترك التنشيف من البلل.
-18- أن يقول عند فراغه من الوضوء رافعاً بصره إلى السماء: أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، واجعلني من عبادك الصالحين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. ودليل
ذلك حديث عقبة بن عامر وفيه قول عمر رضي الله عنه قال: يعني رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (ما منكم أحد يتوضأ فيُبْلغُ - أو فيسبغ - الوضوء ثم يقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت أبواب الجنة
الثمانية يدخل من أيها شاء) (10) .
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 3/4.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 55/142.
(3) السعوط: النشوق، أي لا يبالغ حتى يصل إلى حلقه.
(4) الوجور: أصله قطرة بالأذن، أي لا يبالغ حتى يصل من الفم إلى الأذن.
(5) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 30/39.
(6) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 19/67.
(7) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 12/34.
(8) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 21/70.
(9) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 22/79.
(10) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 6/17.
(1/79)
كيفية الوضوء:
ينوي المتوضأ رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو الوضوء للصلاة.
ثم يسمي فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم يغسل كفيه ثلاث مرات.
ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات.
ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس المعتاد وإلى الذقن مع ما استرسل من شعر
اللحية، ولا يجزئ غسل ظاهر شعر اللحية إلا إذا كان كثيفة لا يصف [ص:82]
البشرة، أما إذا كان خفيفاً فيغسله وما تحته، ومن الأذن إلى الأذن، ويغسل
ما فيه من شعر خفيف يصف البشرة كعذار (1) وعارض (2) وأهداب عين وشارب
وعنفقة (3) لأنها من الوجه، ولا يغسل الصُدغ (4) ولا التحذيف (5) ولا
النزعتان (6) لأنها من الرأس.
ثم يغسل يديه مع مرفقيه وأظفاره ثلاث مرات، ولا يضر وسخ يسير تحت ظفره،
وكذلك يغسل ما كان زائداً في محل الفرض كيد أو أُصبع زائدة.
ثم يمسح كل رأسه بالماء، فيمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى
الموضع الذي بدأ منه مرة واحدة، وبعد ذلك يمسح أذنيه مرة واحدة فيدخل
سباحتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما وكيف ما مسح أجزأ.
ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثاً، أما الأقطع فيغسل بقية الفروض، فإن قطع
من مفصل المرفق غسل رأس العضد منه، وإن قطع من مفصل الكعب فيغسل طرف ساقه.
ثم يرفع نظره إلى السماء ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أو غير ذلك مما ورد.
__________
(1) العذار: الشعر النابت على العظم الناتئ المحاذي لصماخ الأذن.
(2) العارض: ما نبت على الخد واللحيين.
(3) العنفقة: الشعر النابت تحت الشفة السفلى.
(4) الصدغ: الشعر الذي بعد انتهاء اللعذار يحاذي رأس الأذن وينزل عنه
قليلاً.
(5) التحذيف: الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزعة
ومنتهى العذار.
(6) النزعتان: ما انحسر عنه الشعر من جانبي الرأس.
(1/81)
المسح على الخفين
تعريف المسح:
المسح لغة: إمرار اليد على الشيء.
وشرعاً: أن يصيب البلل خفاً مخصوصاً في زمن مخصوص. [ص:83]
تعريف الخف:
ما يلبسه الإنسان في قدمي رجليه إلى الكعبين سواء كان مصنوعاً من الجلد أو
من الصوف أو من الشعر أو الوبر أو الكتان أو اللباد، ويقال له الجرموقان
(1) .
حكم المسح على الخفين: رخصة في الوضوء دون الغسل، لما روي عن جرير رضي الله
عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ، ومسح على خفيه)
(2) ، ولما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام وليالهن
إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم) (3) .
والمسح على الخف أفضل من غسل الرجلين، لأن الله تعالى يحب لعباده أن يأخذوا
برخصه.
أما في الغسل فلا رخصة فيه للمسح على الخف، لأن الغسل يقل فلا تدعو الحاجة
للمسح عليه.
__________
(1) هي جوارب لكنها من الأسفل وعند الأصابع والعقد من جلد.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 22/72.
(3) الترمذي: ج-1/ كتاب الطهارة باب 71/96.
(1/82)
شروط جواز المسح على الخفين:
-1ً- أن يكونا ساترين لمحل
الفرض في الوضوء (القدم مع الكعبين) ، لأن حكم ما استتر المسح وحكم ما ظهر
الغسل ولا سبيل إلى الجمع بينهما فغلب الغسل كما لو خرجت إحدى الرجلين فإن
كانت فوهة الخف واسعة بحيث يُرى منها بعض القدم فلا يصح المسح عليه، وكذا
إن كان الخف رقيقاً يصف لون البشرة من خلاله لم يجز المسح عليه. أما إن كان
فيه شق مستطيل منضم لا يظهر القدم منه جاز المسح عليه، وكذلك إذا ثقب من
أسفل القدم وكان مشدوداً لا يُظهر شيئاً من القدم إن مشى جاز المسح لأنه
كالمخيط [ص:84]
-2ً- إمكان متابعة المشي
فيهما المشي المعتاد عرفاً، فإن كان يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز
المسح عليه سواء كان مصنوعاً من الجلد أو اللباد أو الخشب.
-3ً- لبسهما على طهارة
كاملة، بمعنى أن يتوضأ أولاً وضوءاً كاملاً، ثم يلبسهما بدليل ماروي عن
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في
سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما)
(1) .
فإن غسل إحدى رجليه وأدخلها في الخف ثم غسل الأخرى فأدخلها لم يجز المسح،
لأنه لبس الأولى قبل كمال الطهارة (وعن الإمام يجوز لأنه أحدث بعد كمال
الطهارة واللبس كما عند الحنفية) . وإن تطهر ولبس خفيه إلا أنه أحدث قبل أن
تصل القدم إلى موضعها لم يجز المسح.
وإن لبست المستحاضة أو من به ثلاث بول خفاً على طهارتهما فلهما المسح (نص
عليه) ، لأن طهارتهما كاملة في حقهما، فإن عوفي لم يجز المسح لأن طهارتهما
صارت ناقصة في حقهما فأشبهت التيمم.
وإن لبس خفاً على طهارة ثم لبس فوقه آخر قبل أن يحدث فالحكم للأعلى منهما
سواء كان الأول صحيحاً أو مخرَّقاً، وإن لبس الثاني بعد الحدث لم يجز المسح
عليه لأنه لبس على غير طهارة، وإن مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح
عليه لأن المسح لم يزل الحدث عن الرجل.
-4ً- أن تكون الطهارة قبل
لبسهما بالماء، فلا يصح أن يلبسهما بعد التيمم سواء كان تيممه لفقد الماء
أو المرض أو نحو ذلك، لأن التيممَ طهارةٌ لا ترفع حدثاً.
-5ً- ثبوتهما على القدم
ومحل الفرض بنفسهما أو بنعلين فإذا خلع النعل خلع الخفان لا بربطهما ولا
بشدهما، فإن شد على رجليه لفائف لم يجز المسح عليهما لأنها لا تثبت بنفسها
وإنما تثبت بشدها. [ص:85]
-6ً- أن يكونا مباحين سواء
كان هناك ضرورة للبسهما أم لا، فلا يصح المسح على الخفين المغصوبين أو
المصنوعين من الحرير لرجل لأنه معصية فلا تستباح به الرخصة.
-7ً- طهارة عينهما، فإن كان
الخف نجساً وخاف نزعه لحصول ضرر للرجل تيمم وعليه إعادة، أما إذا كان الخف
متنجساً صح لمسح عليه بشرطين: الأول: أن تكون النجاسة إلا بنزعه، أو كان
قادراً على إزالة النجاسة وهو لابسه لكن لم يجد ما يزيلها به، فإنه يصح
المسح عليه الصلاة حال الضرورة، ولكنه يعيد الصلاة فقط ويستبيح بهذا المسح
مس مصحف ونحو صلاة كطواف.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب الوضوء باب 48/203.
(1/83)
مدة المسح:
يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر لما روى شريح بن هانئ، أنهم
سألوا علياً رضي الله عنه عن المسح على الخفين فقال: (جعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم) (1) .
ويشترط في السفر الذي يجيز مسح ثلاثة أيام بلياليها أن يكون سفراً قصر
مباح، أما إن كان سفر معصية أو سفر غير قصر فتكون مدته يوماً وليلة.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 24/85.
(1/85)
بدء المدة:
تبدأ المدة من أول حدث بعد لبسهما على طهارة، لأنها عبادة مؤقتة اعتبر أول
وقت من حين جواز فعلها كالصلاة. وفي رواية أخرى تبدأ المدة من أول مسح، لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون الثلاثة
كلها يمسح فيها والمعتمد الأول. [ص:86]
مسألة: إن أحدث في الحضر ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر، لأنه بدأ
العبادة بالسفر، أما إن مسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم
مسح مقيم، لأنها عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر، فإذا كان أحد طرفيها
بالحضر غُلِّب حكم الحضر كالصلاة، وإن شك هل بدأ المسح بالحضر أو بالسفر
بنى على أنه مسح في الحضر، لأن الأصل الغسل والمسح رخصة
كيفية المسح:
المقدار المفروض مسحه: مسح أكثر ظاهر أعلى الخف، لما روى المغيرة بن شعبة
رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على
ظاهرهما) (1) .
أما المسنون فهو أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم خف رجله اليمنى، وأن يضع
أصابع يده اليسرى على مقدم رجله اليسرى، ثم يمر بهما إلى الساق فوق الكعبين
مفرقاً بين أصابع يديه قليلا بحيث يكون المسح عليهما خطوطاً. ولا يندب مسح
أسفل الخف لما روي عن علي رضي الله عنه، قال: (لو كان الدين بالرأي لكان
أسفل الخف أوْلى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمسح على ظاهر خفيه) (2) . وإن مسح بإصبع أو أصبعين أجزأه إن كرر المسح حتى
يصبح كالمسح بأصابعه خطوطاً.
__________
(1) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 73/98.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 63/162.
(1/85)
مبطلات المسح على الخفين:
-1ً- انقضاء مدة المسح.
-2ً- طروء موجب على موجبات
المسح.
-3ً- خلع خفيه أو أحدهما
بعد المسح، أو خروج بعض القدم إلى ساق الخف، أو خلع الأعلى، وبقاء الذي
تحته. [ص:87]
-4ً- حدوث خرق في الخف يظهر
منه بعض القدم ولو كان يسيراً ولو من موضع خرزه إلا إذا انضم بالمشي لحصول
ستر محل الغسل المفروض.
فإذا طرأ إحدى هذه المبطلات بطلت طهارة القدمين وبالتالي تبطل طهارته
جميعها، لأن الطهارة لا تتبعض.
مكروهات المسح على الخفين:
-1ً- يكره الزيادة على
المرة الواحدة.
-2ً- يكره غسل الخفين بدل
مسحهما إذا نوى الغسل رفع الحدث، أما إن نوى به النظافة فقط، أو إزالة ما
عليهما من نجاسة من غير أن ينوي رفع الحدث، فإنه لا يجزئ عن المسح وعليه أن
يمسح الخفين بعد ذلك بالغسل.
المسح على الجوارب:
يصح المسح على الجوربين بدليل ما روى المغيرة رضي الله عنه قال: (توضأ
النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين والنعلين) (1) ، وقال الإمام
أحمد رضي الله عنه في المسح على الجوربين أنه يذكر عن سبعة أو ثمانية من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة
المشي فيه فهو أشبه بالخف.
__________
(1) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 74/99.
(1/86)
شروط جواز المسح على الجوربين:
هي نفس شروط جواز المسح على الخفين بالإضافة إلى كونهما لا يصفان القدم
ولون البشرة من تحتهما، ولا يشترط فيهما أن يكونا ما نعين لنفوذ الماء.
[ص:88]
المسح على العمامة:
يجوز المسح على العمامة بدليل ما روى المغيرة رضي الله عنه قال: (توضأ
النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة) (1) ، وعن عمرو بن
أمية الضميري رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على
عمامته (2)) ، وعن عمر رضي الله عنه قال: (من لم يطهره المسح على العمامة
فلا طهره الله) ، ولأن الرأس عضو سقط فرضه بالتيمم فجاز المسح على حائله
كالقدمين.
شروطها:
-1ً- أن تكون ساترة لجميع
الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه فيعفى عنه.
-2ً- أن يكون لها ذؤابة، أو
تكون محنكة يدار منها تحت الحنك كور، لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه
عمائم أهل الذمة ولا مشقة في نزعها.
-3ً- أن يكون لبسها كمال
الطهارة، وأن تكون مباحة.
-4ً- أن تكون على ذكر، فلا
يصح أن تمسح المرأة على العمامة.
__________
(1) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 75/100.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب الوضوء باب 47/202.
(1/87)
المقدار المسموح:
أكثرها، وفي رواية يلزمه استيعابها، وإن ظهرت ناصيته لزمه مسحها ثم إتمام
المسح على العمامة، وفي رواية ثانية لا يلزمه مسح ناصيته، لأنه فرض تعلق
بالعمامة. فإن خلعها لزمه مسح رأسه ثم غسل رجليه لتحقيق الترتيب إذ تبطل
الطهارة بنزعها. ولو انتقض من العمامة كور (دائرة واحدة منها) ففيه
روايتان: إحداهما: يبطل المسح لأنه ذهب المسموح، والأخرى: لا يبطل لأن
العمامة باقية. [ص:89]
ولا يجوز المسح على الطاقية ولا القلنسوات، لأنه لا مشقة في نزعها، أما خمر
النساء فيجوز المسح عليها إذا كانت مدارة تحت حلوقهن، لأن أم سلمة كانت
تمسح على خمارها.
المسح على الجبيرة والجروح:
تعريف الجبيرة: هي الرباط الذي يربط به العضو المريض، ولا يشترط أن يكون
مشدوداً بأعواد من خشب أو جريد، كما لا يشترط أن يكون العضو مكسوراً بل أن
يكون مريضاً سواء كان مكسوراً أو مرضوضاً أو به آلام روماتيزمية أو نحو
ذلك. أو هي الدواء الذي يوضع فوق العضو ويخاف الضرر من نزعه.
دليل جواز المسح على الجبيرة: ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه
قال: (انكسرت إحدى زندي فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على
الجبائر) (1) ، ولأنه ملبوس يشق نزعه.
__________
(1) ابن ماجه: ج-1/ كتاب الطهارة باب 134/657.
(1/88)
كيفية المسح وحكم الطهارة:
-1ً- إذا وضعها على طهارة
وبقدر الحاجة: غسل الصحيح ومسح عليها وأجزأه ذلك دون تيمم (1) .
-2ً- إذا وضعها على طهارة
وزادت عن قدر الحاجة: غسل الصحيح وتيمم عما تحتها ومسح عليها وأجزأه ذلك
(2) .
-3ً- إذا وضعها على غير
طهارة وخاف من نزعها ضرراً، أو كان الجرح مكشوفاً: وجب عليه غسل الصحيح
وتيمم عما تحتها ولا مسح عليها (3) . [ص:90]
أما حكم الطهارة مع المسح أو التيمم، فهي صحيحة ولا إعادة للصلاة، لما روى
عمران بن الحصين رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً
معتزلاً لم يصلِّ في القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم فقال: يا
رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك) (4) . وفي
رواية أخرى تجب إعادة الصلاة مع التيمم، لأنه صلى بنجاسة ولكن المعتمد
الأول.
__________
(1) أي صارت كالخف موضوعة على طهارة فوجب مسحها.
(2) أي يغسل الصحيح ويمسح على الجبيرة بمقدار الجرحثم يتيمم عما تحت
الجبيرة الزائدة عن مقدار الجرح.
(3) أي هنا كالمريض العاجز عن استعمال الماء بالغسل أو المسح لذا وجب
التيمم ولا إعادة للصلاة.
(4) البيهقي: ج-1/ص 216 ورواه البخاري.
(1/89)
شروط المسح على الجبيرة:
-1ً- أن يكون غسل العضو
المريض ضاراً به كزيادة ألم أو تأخر شفاء.
-2ً- تعميم الجبيرة بالمسح
بأن يغسل الجسم السليم من العضو ثم يمسح عن الجزء المريض جميعه.
الفرق بين المسح على الخفين والمسح على الجيرة:
-1ً- يجب مسح جميعها لأنه
مسح للضرورة أشبه بالتيمم، ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف.
-2ً- لا تحدد مدة للمسح
لأنه جاز بالضرورة فيبقى ببقائه.
-3ً - أنها تجوز بالطهارة
الكبرى، لأنه مسح أجيز للضرورة.
-4ً - تقدم الطهارة لها،
فيها روايتان: إحداهما: يشترط تقدم الطهارة، والثانية: لا يشترط.
-5ً-وضع الجبيرة مخصوص بحال
الضرورة، أما الخفان فيلبسان بضرورة أو بغير ضرورة [ص:91]
مسألة في كيفية طهارة لابس الجبيرة إن كانت في رأسه:
أ- إن عمت الجراحة كل الرأس: مسح على العصابة التي عليها وعممها بالمسح،
وتيمم إن شدها على غير طهارة.
ب- إن لم تعلم الجراحة الرأس: مسح على الصحيح من الرأس وأكمل على العصابة،
لأنها تنوب عن الرأس في المريض.
نواقض الوضوء:
تعريف النواقض: النواقض جمع ناقضة أو ناقض، يقال: نقضت الشيء إذا أفسدته.
ونواقض الوضوء هي:
-1ً- خروج شيء من أحد
السبيلين قليلاً كان أو كثيراً، طاهراً (مثل الولد) أو غير طاهر (كالبول)
قال تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) (1) ، معتاداً أو غير معتاد
(كالحصى والدودة، ودم الاستحاضة) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (جاءت
فاطمة بنت أبي جُحش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر خبرها. وقال: ثم
اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة، وصلي) (2) ، وسواء كان جامداً أو سائلاً أو
ريحاً.
-2ً- زوال العقل، بجنون، أو
برسام (يقع بالساعة) قليلاً كان أو كثيراً، أو بسكر، أو بإغماء، أو بنوم
عميق يمنع معرفة الأشياء لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) (3) ، لأنه مظنة
الحدث فقام مقامه، سواء نام مضطجعاً أو متكئاً أو معتمداً على شيء أو
راكعاً أو ساجداً فإنه ينقض الوضوء قليله وكثيره، أما إذا كان جالساً غير
معتمد على شيء ممكناً مقعدته من الأرض فلا ينقض قليله لما [ص:92] روى أنس
رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء
الآخرة حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون) (4) .
-3ً- لمس بشرة الذكر الأنثى
أو الأنثى الذكر بدون حائل وبشهوة ولا ينقض لغيرها، لأن اللمس ليس بحدث
إنما هو داعٍ إلى الحدث، ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة، والحية أو الميتة،
والشابة أو العجوز، وذوات المحارم وغيرهن لعموم الأدلة.
أما الملموس فلا ينتقض وضوؤه ولو وجد شهوة، لأن النقض يختص باللامس وأما من
لمس عضواً مقطوعاً، أو مس غلاماً، أو بهيمة، أو مست امرأة امرأة، أو رجل
رجلاً، ولو كان أمرداً، أو خنثى خنثى لم ينقض وضوؤه ولو وجد اللامس لذة،
لأنه ليس محلاً لشهوة الآخر شرعاً.
-4ً- مس فرج الآدمي ذكراً
كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً من نفسه أو لغيره باليد بدون حائل، واليد
تشمل حتى الكوع، ولا فرق بين ظهر الكف وبطنه وحرفه لحديث أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفضى بيده إلى فرجه
ليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة) (5) ، وحديث بُسْرة بنت صفوان أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ) (6) .
ولا ينقض المس بالظفر ولا مس الذكر المقطوع ولا مس العانة والأنثيين، لأن
تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه.
-5ً- خروج النجاسة من سائر
البدن:
آ- إن كان بولاً أو غائطا ينقض الوضوء قليله وكثيره، سواء كان من تحت
المعدة أو من فوقها، وسواء كان السبيلان مفتوحين [ص:93] أو مسدودين. ولو
انسد المخرج وانفتح غيره فأحكام المخرج باقية (ينقضان الوضوء بمسهما) .
ب- إن كان الخارج غير البول والغائط كالدم والقيء فلا ينتقض الوضوء، إلا
إذا كان فاحشاً في نفس المتوضئ فإنه ينقض، أما إن كان قليلاً فلا ينقض.
قاعدة: اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره حرج والحرج منفي. قال ابن عباس
رضي الله عنهما في الدم: إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة، قال ابن عقيل:
يعتبر الفاحش في نفوس أوساط الناس لا المبتذلين ولا الموسوسين، وعن الإمام
أحمد: أن الكثير شبر بشبر.
-6ً- أكل لحم الجزور
بدليلما روى جابر بن سمر رضي الله عنه (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، فتوضأ. وإن شئت، فلا توضأ.
قال: أتوضأ من لحوم الإبل قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل) (7) ، ولا فرق بين
قليله وكثيره، ونيئه ومطبوخه لعموم الحديث. وعن الإمام أحمد رضي الله عنه:
من أكل وصلى ولم يتوضأ، وكان يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء
منه فعليه الإعادة، أما إن كان جاهلاً فلا إعادة عليه.
ولا ينقض الوضوء بتناول بقية أجزاء الإبل كالكبد والطحال واللبن والكرش على
المعتمد من المذهب، لأن الأخبار الصحيحة إنما وردت في اللحم، كذا لا ينقض
الوضوء بأكل ما غيّرته النار لما روى جابر رضي الله عنه قال: (كان آخر
الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيّرت النار) (8)
.
-7ً- الردّة عن الإسلام:
وهو أن ينطق كلمة الكفر، أو يعتقدها، أو يشك شكاً يخرجه عن الإسلام فينقض
وضوءه، قال تعالى: {لئن أشركت ليحبطن [ص:94] عملك} (9) ، وقال ابن عباس رضي
الله عنها: "الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان" فيدخل في عموم قوله عليه
الصلاة والسلام فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (لا تقبل صلاة
أحدكم، إذا أحدث، حتى يتوضأ) (10) .
-8ً- غسل الميت: أي من باشر
الميت بيده، أما من صب عليه الماء فلا يجب عليه الوضوء لأن ابن عمر وابن
عباس رضي الله عنهم كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء، ولا فرق في ذلك بين
غسل المسلم والكافر أو الصغير والكبير. وعن الإمام أحمد: أن الوضوء مستحب
غير واجب، فإنه قال: أحب إلي أن أتوضأ، وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت
بكونه لحديث موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه والوضوء كذلك، ولأنه ليس
بمنصوص عليه والأول هو المذهب. [ص:95]
__________
(1) المائدة: 6.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 113/298.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 80/203.
(4) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 80/200.
(5) البيهقي: ج-1 /ص 133.
(6) النسائي: ج-1 /ص 100.
(7) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 25/97.
(8) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 75/192.
(9) الزمر: 65.
(10) مسلم: ج-1/ كتاب الطهارة باب 2/2.
(1/90)
الباب الخامس
(الغسل)
(1/95)
تعريف الغُسل:
لغة: الفعل الذي يقع من الإنسان من إراقة الماء على بدنه ودلكه.
شرعاً: استعمال الماء الطهور في جميع البدن على وجه مخصوص.
والأصل في شرعيته قوله تعالى: (وإن كنتم جنباً فاطهروا) (1) .
__________
(1) المائدة: 6.
(1/95)
موجبات الغسل:
أولاً: نزول المني يقظة بلذة ولو بغير جماع كنظر أو تفكير أو ملاعبة.
وصفاته: أن يخرج بدفق وتشتد الشهوة عند خروجه ويفتر البدن بعده. ومني الرجل
أبيض ثخين، ومني المرأة أصفر رقيق لحديث أم سليم عن النبي صلى الله عليه
وسلم: (إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر) (1) ، أما إن خرج
بغير لذة كمرض أو ألم أو بسبب ضربة شديدة على صلبه فلا يجب الغسل، ولا يخرج
بالمرض إلا رقيقاً. وإن جامع واكسل (2) فاغتسل ثم أنزل بلا لذة لم يجب
الغسل لأنها جنابة واحدة فلا توجب غسلين.
ثانياً نزول المني في حالة النوم ويعبر عنه بالاحتلام أو في حالة الإغماء،
فمن احتلم ثم استيقظ من نومه فوجد بللاً في ثيابه أو على بدنه فإنه يجب
عليه أن [ص:96] يغتسل، وإن احتلم ولم يجد بللاً فلا غسل عليه، وإن وجد
بللاً ولم يذكر احتلاماً فعليه الغسل لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:
(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد بللاً ولا يذكر احتلاماً،
قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل، قال لا غُسل عليه)
(3) ، والمرأة كالرجل في ذلك بدليل حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (جاءت
أم سليم رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله!
إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة غُسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء) (4) .
أما خروج المذي والودي فلا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، لما روى سهل بن
حنيف رضي الله عنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الغسل،
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته عنه فقال: إنما يجزئك من
ذلك الوضوء) (5) ، ولما روى علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاءً وكنت
أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد فسأله
فقال: يغسل ذكره ويتوضأ) (6) .
حالة الاشتباه بالخارج هل هو مذي أم مني؟
آ- يقظة: الذي يخرج منه مذي، لأن الني لا يشبه بغيره في اليقظة لأنه يخرج
دفقاً وبشهوة.
ب- نوماً: إن كان نومه عقيب شهوة (مداعبة أو تذكر ... ) فهو مذي لأن هذا
سببهُ، وإن لم يكن كذلك فهو مني بناء على حديث السيدة عائشة رضي الله عنها
المتقدم في الذي يجد بللاً، ولأن خروج المني في النوم معتاد وغيره نادر.
ثالثاً: انتقال المني من مقره (الصلب عند الرجل والترائب عند المرأة) ، فإن
أحس الرجل بانفصال المني من صلبه وأحست المرأة بانفصال المني من ترائبها
ولو لم [ص:97] يصل المني إلى ظاهر القُبل كأن أمسك ذكره فإنه يوجب الغسل،
فإن اغتسل وذهب منه المني بعد الغسل بلا لذة فلا غسل عليه، لأنه جنابة
واحدة فلا يجب به غسلان.
رابعاً: التقاء الختانين بلا حائل بمقدار ما تغيب الحشفة أو بقدرها ولو لم
يُنزل، لما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سأل عائشة رضي الله
عنها عما يوجب الغسل قالت: على الخبير سقطت. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل) (7) ،
أو إيلاج الحشفة في فرج أصلي ولو دبراً ولو لميت أو بهيمة (أما الفرج غير
الأصلي مثل قبل الخنثى المشكل فلا غسل عليه) . وإن مات شهيدا وعليه جنابة
غسّل، فإن اغتسل ثم نزل المني بعد الغسل وجب عليه غسل جديد إن نزل بلذة،
أما إن نزل بدون لذة فلا غسل عليه بل ينقض الوضوء فقط. وكذلك المرأة إن نزل
منيُّها بلذة بعد الغسل فعليها غسل جديد، أما إن كان الخارج منها منيُّ
الرجل أو منيها ولكن بلا لذة فلا غسل عليها.
خامساً: إسلام الكافر ولو مرتداً سواء كان وجد في كفره ما يوجب الغسل أم
لا، وسواء اغتسل قبل إسلامه أم لا، لما روى قيس بن عاصم قال: (أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر) (8) ، وفي
رواية أنه لا غسل عليه، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذاً رضي
الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك تأتي قوماً من
أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم
أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) (9)
ولم يأمرهم بالغسل ولو أمر لنقل نقلاً متواتراً. والرواية الأولى هي
المذهب.
سادساً: الموت، والعلة هنا تعبدية، ويستثنى من ذلك الشهيد والمقتول ظلماً.
[ص:98]
سابعاً: الحيض أو النفاس (وهو الدم الخارج عقب الولادة) ، ويشترط لصحة
الغسل انقطاعهما. أما الولادة العارية عن الدم فلا غسل عليها، وعن الإمام
أحمد: يجب الغسل، لأنه لا تكاد تعرى من نفاس موجب فكانت مظنة له فأقيمت
مقامه.
ولا يجب الغسل من تغسيل الميت ولا من إفاقة المجنون أو المغمى عليه.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 7/30.
(2) ضعف عن الجماع.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 95/236.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 7/32.
(5) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 84/115.
(6) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 4/17.
(7) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 22/88.
(8) أبو داود: ج-1/?? كتاب الطهارة باب 131/29.
(9) مسلم: ج-1/ كتاب الإيمان باب 7/29.
(1/95)
ما يستحب للجنب لتخفيف الجنابة:
-1- أن يتوضأ إذا أراد أن ينام، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما (أن عمر
رضي الله عنه قال: يا رسول الله أيرقُدُ أحدنا وهو جنب؟ قال نعم إذا توضأ)
(1) .
-2- أن يتوضأ إذا أراد أن يأكل.
-3- أن يغسل فرجه ويتوضأ إذا أراد معاودة الجماع.
أما الحائض فلا يستحب لها ذلك لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها ولا يصلح منها.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 6/23.
(1/98)
شروط الغسل:
-1- انقطاع ما يوجبه.
-2- النية: أن ينوي رفع الحث الأكبر أو الغسل للصلاة.
-3- الإسلام.
-4- العقل.
-5- التمييز.
-6- أن يكون الغسل بماء طهور مباح.
-7- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة. [ص:99]
فرائض الغسل:
تعميم البدن بالماء بما فيه الفم والأنف وكذا ما يظهر من فرج المرأة عند
القرفصاء لقضاء الحاجة، كما يجب غسل ما تحت خاتم ونحوه.
ويجب نقض ضفائر الرجل في الغسل، أما المرأة فيجب عليها أن تنقضها في الغسل
من الحيض والنفاس وأما في الجنابة فلا يجب نقضها إن كان الماء يصل إلى أصول
الشعر، لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله إني امرأة
أشد ضفر رأسي فأنْقُضُه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على
رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضن عليه الماء فتطهرين) (1) .
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 12/58.
(1/98)
واجبات الغسل:
للغسل واجب واحد وهو التسمية، وتسقط سهواً أو جهلاً. ولا يجب في الغسل
الترتيب، لأن الله تعالى قال: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} (1) فلم يقدم بعض
البدن على بعض.
__________
(1) المائدة: 6.
(1/99)
سنن الغسل:
-1- غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما إلى الإناء.
-2- إزالة الأذى عن الجسم وغسل الفرج وما يليه.
-3- الوضوء قبله، فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما قوله تعالى:
(وإن كنتم جنباً فاطهروا) ولم يأمر بالوضوء معه، ولأنهما عبادتان صغرى
وكبرى من جنس واحد فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية. وعن
الإمام أحمد: لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ. [ص:100]
-4- التيامن: تقديم غسل الشق الأيمن على الأيسر.
-5- الموالاة: وهو أن لا يجف بعض أعضائه قبل غسل الباقي.
-6- الدلك: وهو إمرار اليد على الجسد.
-7- إعادة غسل الرجلين بمكان آخر.
-8- أن يكون الوضوء بمد والغسل بصاع.
-9- تثليث غسل الأعضاء.
كيفية الغسل كاملاً:
-1- النية
-2- التسمية.
-3- غسل اليدين ثلاثاً قبل وضعهما في الإناء.
-4- إزالة الأذى وغسل الفرج.
-5- يتوضأ وضوءه للصلاة.
-6- يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بهن أصول شعره ويخلله بيده، ثم يفيض
الماء على سائر بدنه متيامناً، ثم يدلك بدنه بيده.
لما روت السيدة عائشة رضي الله عنها في صفة غسله عليه الصلاة والسلام.
قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ
فيغسل يديه. ثم يفرغ بيمينه على شماله. فيغسل فرجه. ثم يتوضأ وضوءه للصلاة.
ثم يأخذ الماء. فيدخل أصابعه في أصول الشعر. حتى إذا رأى أن قد استبرأ (1)
، حفن على رأسه ثلاث حَفَناتٍ. ثم أفاض على سائر جسده. ثم غسل رجليه) (2) .
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءاً
لجنابة، فأكفأ بيمينه على يساره مرتين أو ثلاثاً، ثم غسل فرجه، ثم ضرب يده
بالأرض أو الحائط، [ص:101] مرتين أو ثلاثاً، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه
وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء، ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه قالت:
فأتيته بخرقة فلم يُرِدْها) (3) .
أما غسل الحيض فيزيد على غسل الجنابة بأن يستحب للمرأة أن تأخذ شيئاً من
المسك أو الطيب فتتبع به أثر الدم ليزيل فورته، لما روت عائشة رضي الله
عنها، قالت: سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تغتسل من حيضتها؟
قال فذكرت أنه علمها كيف تغتسل. ثم تأخذ فِرْصَةً من مِسْكٍ (4)
فَتَطَهَّرُ بها. قالت: قالت كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها. سبحان الله!
واستتر قال قالت عائشة: واجتذبتها إليَّ. وعرفت ما أراد النبي صلى الله
عليه وسلم. فقلت: تَتَبَّعي بها أثر الدم (5) .
__________
(1) استبرأ: أي أوصل البلل إلى جميعه.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 9/35.
(3) البخاري: ج-1/ كتاب الغسل باب 16/270.
(4) فرصة من مسك: قطعة قطن أو خرقة تستعملها المرأة في مسح دم الحيض.
والمعنى تأخذ فرصة مطيبة من مسك.
(5) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 13/60.
(1/99)
حكم الماء المختلى به:
يجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا من إناء واحد، لحديث عائشة رضي الله عنها
قالت: (كنت أغتسل أن ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف
أيدينا فيه من الجنابة) (1) ، أما الماء الذي تختلي به المرأة فلا يجوز
للرجل أن يتطهر به، لما روى الحكم بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم
(نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة) (2) .
ومعنى الخلوة بالماء: أن لا يشاهدها إنسان تخرج عن الخلوة في النكاح، وذكر
القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل. وإنما تؤثر خلوتها
بالماء اليسير، لأن النجاسة لا تؤثر في الماء الكثير. والمنع من تطهر الرجل
به تعبدي.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 10/45.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 40/82.
(1/101)
مكروهات الغسل:
-1- يكره ترك سنة من سنن الغسل. [ص:102]
-2- يكره الإسراف في الصب.
-3- تكره إراقة ماء الوضوء والغسل في مكان يداس فيه كالطريق تنزيهاً للماء
لأنه أثر عبادة.
-4- يكره للرجل الغسل في الحمام إن خيف الوقوع في المحرّم، أما إن أمن
الوقوع في المحرّم بأن يسلم من النظر إلى عورات الناس ومسها ويسلم من نظرهم
إلى عورته ومسها، فيباح له الغسل في الحمام.
أما المرأة فيباح لها الغسل في الحمام بشروط:
-1- الأمن من الوقوع في محرّم.
-2- أن يوجد لها عذر من حيض، أو نفاس، أو جنابة، أو مرض، أو حاجة إلى
الغسل، ولم تستطيع الغسل في بيتها، فإن كان لديها في بيتها حمام فيحرم
عليها.
-5- يكره الغسل عرياناً وإن لم يره أحد.
ومن آدب دخول الحمام نذكر:
-1- أن يقدم رجله اليسار في الدخول.
-2- أن يغسل قدميه وإبطيه بماء بارد عند الدخول، وهو الأولى.
-3- أن يقلل الالتفات.
-4- أن لا يطيل المقام إلا بقدر الحاجة.
-5- أن يغسل قدميه عند الخروج بماء بارد فإنه يذهب الصداع.
-6- تكره القراءة فيه وكذا السلام.
-7- يحرم أن يغتسل عرياناً بين الناس.
ما يحرم بالحدث الأكبر:
-1- يحرم بالحدث الأكبر كل ما يحرم بالحدث الأصغر، وهو الصلاة والسجود
[ص:103] للتلاوة أو الشكر وكذلك الطواف ومس المصحف لقوله تعالى: (لا يمسه
إلا المطهرون) (1)
-2- قراءة القرآن آية فصاعداً لما روي عن علي رضي الله عنه قال: (إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا
اللحم ولم يكن يحجُبُهُ - أو قال يحْجُزُهُ - عن القرآن شيء ليس الجنابة)
(2) أما في بعض الآية روايتان: إحداهما: يحرم قراءتها لحديث عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقرأ الحائض ولا
الجنب شيئاً من القرآن) (3) ، والأخرى: يجوز، لأن الجنب لا يُمنع من قول
بسم الله، الحمد لله وذلك بعض آية. ويمكن التهجية والذكر والقراءة التي لا
تجزئ في الصلاة لإسرارها وكذا قراءة آيات الذكر كالبسملة والأدعية.
-3- يحرم اللبث في المسجد ولو كان مصلى عيد، قال تعالى: (ولا جنباً إلا
عابري سبيل حتى تغتسلوا) (4) . قال صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة رضي
الله عنها: (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) (5) . أما العبور فلا مانع
لقوله تعالى: (إلا عابري سبيل) ، ولما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخُمْرَةَ (6) من المسجد. قالت
فقلت: إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في يدك) (7) . وقال البعض: إذا توضأ
الجنب حل له اللبث في المسجد، لأن الصحابة رضوان الله عليهم كان أحدهم إذا
أراد أن يتحدث في المسجد وهو جنب توضأ ثم دخل المسجد فجلس فيه. [ص:104]
__________
(1) الواقعة: 79.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 91/229.
(3) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 98/131.
(4) النساء: 43.
(5) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 93/232.
(6) الخمرة: قال الخطابي: هي السجادة التي يسجد عليها المصلي، وسميت خمرة
لأنها تخمر الوجه، أي تغطيه.
(7) مسلم: ج-1 /كتاب الحيض باب 3/11.
(1/101)
الأغسال المسنونة:
-1- غسل الجمعة لمن يريد حضورها وصلاتها ولو كان مسافراً أو عبداً، وأول
وقته من طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة فإن اغتسل بعدها فلا يجزئ، لحديث ابن
عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا
أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل) (1) ، وإن اغتسل ثم أحدث فعندها يكفيه
الوضوء وغسله يجزئ. كما يجزء الغسل الواجب عن غسل الجمعة.
-2- الغسل من تغسيل الميت مسلماً كان أو كافراً.
-3- الغسل لصلاة يومي العيدين لحاضرها إن أراد صلاتها. فهو للصلاة لا
لليوم، وأول وقته من الفجر وقيل من قبله إلى الصلاة.
-4- الغسل لصلاة الكسوفين.
-5- الغسل لصلاة الاستسقاء.
-6- الغسل لجنون (مرض يسلب به العقل) .
-7- الغسل لإغماء (ما يكون العقل به مغلوباً وهو فوق النوم) .
-8- غسل المستحاضة لكل وقت صلاة.
-9- الغسل عند الإحرام بالحج أو بالعمرة أو بهما معاً حتى لحائض ونفساء.
-10- الغسل لدخول مكة ولو لحائض، كما يسن لمن كان بالحرم كالذي بمنى وأوراد
أن يدخل مكة.
-11- لدخول حرم مكة.
-12- للوقوف بعرفة.
-13- لطواف الإفاضة.
-14- لطواف الوداع.
-15- للوقوف بمزدلفة.
-16- لرمي الجمار. [ص:105]
-17- للسعي.
-18- لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الشيخ تقي الدين: نص
أحمد على استحبابه الغسل لدخول المدينة.
وفي حالة الضرورة أو فقد الماء يتيمم عن الأغسال المذكورة كلها، كما يستحب
التيمم لما يُسن له الوضوء كقراءة القرآن والذكر إن تعذر الوضوء كما في
حالة المريض والجريح والعاجز. [ص:106]
__________
(1) مسلم: ج-2 /كتاب الجمعة رقم 1.
(1/104)
الباب السادس
(التيمم)
(1/106)
تعريفه التيمم:
التيمم لغة: القصد.
وشرعاً: استعمال تراب مخصوص في أعضاء مخصوصة من شخص مخصوص في وقت مخصوص.
دليله:
القرآن والسنة والإجماع.
من القرآن: قوله تعالى: (وإن كنتم جُنباً فاطهروا. وإن كنتم مرضى أو على
سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماء فتيمموا
صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) (1) .
ومن السنة: ما روى عمران بن حصين رضي الله عنه: (كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في سفر ... وفيه: فصلى الناس، فلما انفتل من صلاته، إذا هو برجل
معتزل لم يصل مع القوم، قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال:
أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك فلما حضر الماء أعطى
النبي صلى الله عليه وسلم الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: اذهب
فأفرغه على نفسك) (2) .
والتيمم من خصائص هذه الأمة لم يجعله الله طهور لغيرها. [ص:107]
__________
(1) المائدة: 6.
(2) البخاري: ج-1/كتاب التيمم باب 7/341.
(1/106)
ماهيته:
هو طهارة بالتراب تقم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله، سواء
كانت الطهارة من الحدث الأصغر الأكبر أو من الخبث عن البدن، إلا أنها إذا
كانت من الحدث الأصغر فينبغي مراعاة الترتيب، فمثلاً إن أراد التيمم عن عضو
جريح من أعضاء الوضوء تيمم عنه في وقت غسله فيما لو كان صحيحاً، أما إذا
كانت الطهارة من الحدث الأكبر تيمم عن العضو الجريح قبل الغسل أو بعده،
لأنه لا ترتيب في الطهارة الكبرى.
ويجوز التيمم للنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن بمسح رطبها وحك يابسها
لزوماً، ولا فرق في كون النجاسة على عضو صحيح أو جريح، فإن تيمم لها قبل
تخفيفها لم يصح. ودليل جواز التيمم للنجاسة على البدن هو أن طهارة البدن
مشروطة للصلاة فجاز التيمم عنها كطهارة الحدث.
وفي وجوب إعادة الصلاة التي تيمم لها عن النجاسة روايتان: إحداهما: لا تجب
الإعادة لأنه صلى بنجاسة.
ولا يجوز التيمم عن النجاسة بغير البدن.
شروط جواز صحة التيمم:
أولاً: العجز عن استعمال الماء: وهنا حالتان:
أ- فقد الماء.
ب- الخوف على نفسه من استعمال الماء.
أ- فقد الماء:
دليله: قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وحديث أبي ذر رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم
يجد ماء عشر سنين، فإذا وجد الماء، فليمسه بشرته، فإن ذلك خير) (1) .
حالات فقد الماء:
إن انقطع عنه الماء إما بحبس الماء عنه، أو بحبسه عن الماء، كأن يقطع العدو
الماء عن البلد، أو يعجز عن تناول الماء من البئر أو من غيره ولو بفم، تيمم
وصلى ولا إعادة عليه.
أو إن كان مسافراً ووصل إلى بلد لم يجد فيها الماء، أو كان معه ماء يحتاج
إلى شربه للعطش أو لشرب رفيقه أو بهائمه، أو كان بينه وبين الماء سبع أو
عدو يخاف على نفسه أو ماله إن تركه وذهب لجلب الماء، ففي كل هذه الحالات
جاز له التيمم سواء كان مسافراً أو مقيماً وسواء كان السفر قصيراً أو
طويلاً.
وإن وجد ماء لا يكفي لطهارته إذا كان محدثاً حدثاً أصغر أو أكبر استعماله
فيما يكفي وجوباً وتيمم عن الباقي من أعضائه، ولا يصح تيممه قبل استعماله
(كما لو كان بعض بدنه صحيحاً وبعضه جريحاً فإنه يلزمه غسل الصحيح والتيمم
عن الجريح) لقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (2)
وحديث (فإذا وجد الماء، فليمسه بشرته) .
وإذا وجد مريد التيمم تراباً قليلاً لا يكفيه لتيممه استعمله وصلى ثم يعيد
الصلاة إن وجد ما يكفي من ماء أو تراب.
وكذا إن وصل المسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت عن طهارته به. أو علم أن نوبة
استسقائه منه لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت أو دخول وقت الضرورة، عدل
[ص-109] إلى التيمم لأنه غير قادر على استعمال الماء في الوقت فأشبه العادم
له. أما غير المسافر فلا يعدل إلى التيمم ولو فاته الوقت لتشاغله بتحصيله
أو استسقائه، لأن الله تعالى قال: {فلم تجدوا ماء} وهذا واجد له، حتى ولو
خاف فوات الجنازة، أما عند الإمام أحمد رضي الله عنه فيجوز لأنه لا يمكن
استدراكها.
ومن أرق الماء، أو مر به وأمكنه الوضوء منه، وهو يعلم أنه لا يجد غيره في
الوقت، ولم يتوضأ، أو باعه، أو وهبه، وقد دخل الوقت ولم يترك منه شيئاً
يتطهر به، فقد حرم عليك ذلك، ولم يصح البيع ولا الهبة لتعلق حق الله تعالى
به كالأضحية المعينة، ثم إن لم يجد غيره تيمم وصلى وليس عليه إعادة لعدم
القدرة على الماء.
وإذا اجتمع الحدث الحدث ونجاسة خبث على البدن والثوب، وكان معه ماء لا يكفي
للجميع، فإنه يغسل ثوبه (لأنه لا يصح التيمم عن نجاسته) بشرط سبع مرات وإلا
فهو كعدمه، ثم إن فضل شيء من الماء غسل النجاسة من على بدنه، ثم إن فضل شيء
تطهر به وإلا تيمم وجوباً، أما إذا كانت النجاسة في أعضاء الوضوء فيبدأ
بالوضوء، لأن ماء الوضوء يرفع الحدث ويزيل الخبث.
__________
(1) الترمذي: ج-1/الطهارة باب 92/124.
(2) البخاري: ج-6/ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب 2/6858.
(1/107)
ب- الخوف على نفسه من استعمال الماء:
وأسباب هذا الخوف هي:
-1- المرض: كجروح أو قروح أو حمى، فيجوز للمكلف التيمم إذا خاف أن يؤدي
استعمال الماء إلى تلف عضو أو زيادة مرض أو تباطؤ شفاء أو حدوث شين فاحش في
جسمه، والدليل قوله تعالى: (وإن كنتم جُنباً فاطهروا. وإن كنتم مرضى أو على
سفر) (1) وقوله أيضاً: (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ولكن
يريد ليطهركم) (2) . [ص:110] وإن كان بعض بدنه صحيحاً وبعضه جريحاً غسل
الصحيح وتيمم للجريح جنباً كان أو محدثاً حدثاً أصغر، لما روى جابر رضي
الله عنه قال: (خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم،
فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة
وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه
وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء
العِيّ السؤال، إنما كان يكفي أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها
ويغسل سائر جسده) (3) . وليس عليه إعادة الصلاة في جميع الأحوال حتى ولو
كان الجرح في أعضاء التيمم.
-2- شدة البرد: والدليل ما روى عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (احتلمت في
ليلة باردة، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت
بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو صليت
بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله
يقول: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" (4) . فضحك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً) (5) ، ولأن خاف على نفسه أشبه بالمريض.
ولا إعادة عليه إن كان مسافراً، أما إن كان في حاضراً ففي لزوم الإعادة
روايتان، إحداهما: لا تلزمه الإعادة، والثانية: تلزمه الإعادة، وهي الرواية
المعتمدة، لأنه ليس بمريض ولا مسافر فلا يدخل في عموم الآية، ولأن الحضر
مظنه إسخان الماء، فالعجز عن التسخين عذر غير متصل، وإن قدر على تسخين
الماء لزمه كما يلزمه شراء الماء.
ثانياً: طلب الماء:
يجب على فاقد الماء طلبه بدليل قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) ولا يتحقق عدم
الوجود إلا بعد الطلب، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح تيممه، ولأنه بدل فلا يجوز
العدول إليه قبل طلب المبدل. [ص:111]
__________
(1) و (2) المائدة: 6.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 127/336.
(4) النساء: 29.
(5) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 126/334.
(1/107)
كيفية الطلب:
-1- أن ينظر يمنة ويسرة وأمامه ووراءه، فإن كان بين يديه حائل من ربوة أو
حائط علاه ونظر حوله، وإن رأى خضرة أو سواها استبرأها.
-2- إن كان معه رفيق سأله فإن بدله له لزمه قبوله.
-3- إن وجد ماء يباع بثمن المثل أو بزيادة غير مجحفة وهو واجد للثمن غير
محتاج إليه لزمه
شراؤه.
-4- إن علم بماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أوفوت رفقة أو
فوت الوقت.
فإن تيمم ثم رأى ركباً أوشيئاً يدل على الماء كسراب ظنه ماء قبل الدخول
بالصلاة لزمه الطلب لأنه وجد دليل الماء وبطل تيممه لأن من شروط التيمم
الطلب، أما لو وجد الدليل وهو بالصلاة لم تبطل، لأنه شرع فيها بطهارة
متيقنة فلا يبطلها بالشك، وإن علم أو ظن وجود الماء آخر الوقت فيسن له أن
ينتظر إلى آخر الوقت المختار، لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
(إذا أجنب الرجل السفر نلوم (1) ما بينه وبين آخر الوقت، فإن يجد الماء
تيمم وصلى (2)) ، ولأن الطهارة بالماء فريضة والصلاة بأول الوقت فضيلة
فانتظار الفريضة أولى. أما إن يئس من وجود الماء استحب له أن يتيمم ويصلي
بوقت الفضيلة ومتى صلى صحت صلاته ولا إعادة عليه ولو وجد الماء في الوقت،
لما روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خرج رجلان في
سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً، فصليا، ثم وجدا
الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يُعد الآخر، ثم أتيا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال الذي لم يعد أصبت السنة
وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضء وأعاد: لك الأجر مرتين) (3) . وإن [ص:112]
علم في رحله ماء ونسيه فعليه إعادة، لأنها طهارة واجبة فلا تسقط بالنسيان،
وكذا إن وجد بقربه بئراً أو غديراً علامته ظاهرة أعاد لأنه مفرط في بالطلب،
وإن كانت علامته خفية لم يعد لعدم تفريطه.
__________
(1) أي يتأنى ما بينه وبين آخر الوقت ويُلام إذا عجل وصلى.
(2) البيهقي: ج-1 /ص 233.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 128/338.
(1/111)
ثالثاً: دخول الوقت:
أي دخول وقت الصلاة التي يريد صلاتها من فرض أو نافلة، لأنه قبل الوقت
مستغن عن التيمم، فلا يصح التيمم لصلاة قبل دخول وقتها، لأنه بدخول وقتها
يبطل تيممه، ولا يصح التيمم لنافلة في وقت منهي عن فعلها فيه إلا ركعتي
الطواف فيصح التيمم لها في أي وقت.
ويستبيح المكلف بالتيمم لمكتوبة في وقتها أن يصلي ما شاء من الفرائض أداء
وقضاء ومن النوافل ما شاء قبلها وبعدها إلى أن يخرج وقتها.
رابعاً التيمم بتراب:
دليله: قوله تعالى: (فتيمموا صعيداً طيباً) (1) ، قال ابن عباس رضي الله
عنهما الصعيد: هو التراب الحرث، والطيب: الطاهر، وروى علي بن أبي طالب رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت ما لم يعط أحد من
الأنبياء فقلنا يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض
وسميت أحمد وجعل التراب لي طهوراً وجعلت أمت خير الأمم (2)) ، فلو كان غيره
طهوراً ذكره فيما منّ الله به عليه. وعن الإمام أحمد رضي الله عنه يجوز
التيمم بالرمل والسبخة (3) ، لما روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً، لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر،
وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) (4) . [ص:113]
شروط التراب:
-1- أن يكون التراب مباحاً فلا يصح بمغصوب.
-2- أن يكون التراب طاهراً.
-3- أن يكون له غبار يعلق على اليد، لأن ما لا غبار له لا يمسح شيء منه.
وإن ضرب بيده على أي شيء طاهر له غبار (صخرة، حائط، لباد) أبيح له التيمم
به، لأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه، لحديث ابن عمر (أن النبي
صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه على الحائط فمسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى
فمسح ذراعيه) (5) .
ولا بأس أن يتيمم جماعة موضع واحد كما يتوضؤون من حوض واحد.
-4- أن يكون التراب غير محترق، فلا يصح التيمم بما دق من الخزف لأنه ليس
بتراب.
وإن خالط التراب جصٌ أو دقيق فحكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات (أي إذا
غلبت الطاهرات على التراب لم يصح، وإن غلب التراب على الطاهرات صح التيمم
به) ، وإن خالطه ما لا يعلق باليد كالرمل والحصى فيصح التيمم به لأنه لا
يمنع من وصول الغبار إلى اليد.
__________
(1) المائدة: 6.
(2) مسند الإمام أحمد: ج-1 /ص 98.
(3) السبخة: طين جاف لا يزرع لصلابته.
(4) البخاري: ج-1/ كتاب التيمم رقم 328.
(5) الدارقطني: ج-1 /ص 177.
(1/112)
خامساً: النية:
أي أن ينوي استباحة مالا يباح إلا به، فإن نوى استباحة فرض صلاة مكتوبة
استباح كل شيء معها لأنه تابع لها، وإن نوى استباحة الصلاة أو استباحة نفل
يبح له الفرض ويباح له ما دون ذلك بما فيها صلاة الجنازة إن لم تكن متعينة
عليه، أما إن كانت متعينة عليه، كأن لم يوجد أحد يصلي على هذه الجنازة إلا
هو، فيصبح حكمها فرضاً وعندها لا يستطيع صلاتها بنية استباحة الصلاة أو
استباحة [ص:114] نفل بل لا بد من ذكر استباحة فرض الصلاة. وإن نوى استباحة
تلاوة القرآن لم تبح له الصلاة بكل أنواعها، لأنها أعلى من التلاوة. وإن
نوى بالتيمم رفع الحدث لم يجزئه، لأن التيمم لا يرفع حدثاً، وعن الإمام
أحمد: أنه يرفع حدثاً فعندها يكون حكمه حكم الوضوء بنيته. وأما إن نوى
بتيممه استباحة شيء يشترط له الطهارة استباحة واستباح مثله وما دونه،
وترتيب هذه الأشياء كما يلي: فرض عين (الصلاة المكتوبة وطواف الإفاضة)
فالنذر ففرض الكفاية فنافلة الصلاة والطواف فمس المصحف فالتلاوة فالمكث في
المسجد.
سادساً: الإسلام.
سابعاً: العقل.
ثامناً: التمييز.
تاسعاً: الاستنجاء أو الاستجمار المستوفيان للشروط.
أركان التيمم:
أولاً: تعيين النية لما يتيمم له هل هو الحدث الموجب للغسل أو الوضوء أو من
نجاسة فيقول: نويت التيمم لاستباحة فرض الصلاة عن الحدث الأكبر أو الأصغر
أو النجاسة، فإن نوى التيمم عن الحدث الأصغر ونسي الجنابة لم يجزئه، أو نسي
الحدث وتيمم. عن الجنابة لم يجزئه والأفضل أن يقول: نويت التيمم لاستباحة
فرض الصلاة من الحدث الأكبر والأصغر.
محلها: لا يشترط فيها مقارنة عند وضع يده على ما يتيمم به بل يصح تقدمها عن
المسح بزمن يسير.
ثانياً: مسح جميع الوجه بباطن أصابع كفيه بيده واحده أو أصبع، ويدخل في
الوجه اللحية ولو طالت، وكذا الوترة (1) ، وما غار من الأجفان، وما بين
[ص:115] العذار، وكذا ما تحت الوتد من البياض الذي بين الأذن والعذر. ولا
يتتبع ما غار من بدنه، ولا ما تحت شعره ولو خفيفاً، ولا داخل الأنف والفم.
ثالثاً: مسح ظاهر اليدين إلى الكوعين بباطن راحتيه، ويجب أن ينزع ما ستر
شيئاً منها كالخاتم، والدليل على ذلك أن الله تعالى إذا علق حكماً بمطلق
اليدين لم يدخل فيه الذراع كقطع يد السارق في قوله تعالى: {والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما} (2) . ويصح أن يمرّ العضوَ الواجب مسحه على
التراب فيمسحه به، أو ينصبه للريح أي يعرضه للريح والتراب ثم يمسحه، أما إن
سفته الريح من غير قصد فلا يجزئ.
ودليل مسح الوجه واليدين إلى الكوعين ما روي عن عمار رضي الله عنه أنه قال:
(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت
في الصعيد كما تمرَّغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك
له فقال: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة
واحدة. ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه) (3) .
رابعاً: الترتيب: وهو مسح الوجه أولاً ثم اليدين لحدث أصغر، لأن التيمم
مبني على طهارة الماء وهو فرض في الوضوء دون ما سواه.
خامساً: الموالاة بين مسح الوجه ومسح اليدين إذا كان التيمم عن الوضوء،
وكذا الموالاة بين التيمم ومتابعة الوضوء في الطهارة الصغرى إذا كان التيمم
عن عضو جريح، فإذا جعل فاصل بين التيمم ومتابعة الوضوء بطل التيمم.
__________
(1) وهي الحاجز بين طاقتي الأنف.
(2) المائدة: 38.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 28/110.
(1/113)
واجبات التيمم:
للتيمم واجب واحد هو التسمية ولو كان التيمم عن نجاسة ببدنه، وتسقط التسمية
بالسهو والجهل، ويبطل التيمم بتركها عمداً. [ص:116]
سنن التيمم:
-1- يسن أن يضرب على التراب ضربتين، ضربة للوجه وضربة لليدين.
-2- يستحب أن يمسح اليدين إلى المرفقين خروجاً من خلاف من أوجبه.
-3- أن يغرق الأصابع عند الضرب ليدخل التراب فيما بينها.
-4- أن ينفض التراب إن كان كثيراً قبل المسح.
-5- أن يمسح إحدى راحتيه بالأخرى وأن يخلل بين الأصابع.
-6- أن يأتي بالشهادتين مع ما بعدهما كما في الوضوء. ويجوز أن ييممه غيره
كما يجوز أن يوضئه غيره.
كيفية التيمم:
-1- ينوي استباحة ما يتيمم له (فرض صلاة، طواف ... ) مع تعيين الحدث الذي
يتيمم عنه، كأن يقول نويت التيمم عن الحدث الأكبر أو الحدث الأصغر أوعن
العضو الجريح لاستباحة فرض الصلاة.
-2- التسمية.
-3- يضرب التراب بيديه مفرجة الأصابع، فإذا كان التراب ناعماً ووضع يديه
وضعاًعلى التراب دون ضرب فعلق التراب بيديه أجزأه، والأحوط أن تكون ضربتان
ضربة لمسح وجهه وضربة لمسح يديه إلى المرفقين بعد نزع الخاتم ونحوه يمسح
بالضربة الأولى وجهه وبالثانية يديه، فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور
أصابع يده اليمنى ويمرها على ظهر الكف، فإذا بلغ الكوع قبض أطراف أصابعه
على حرف الذراع وأمرها إلى مرفقه، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها
عليه ويرفع إبهامه، فإذا بلغ الكوع أمرّ الإبهام على ظهر إبهام يده اليمنى،
ثم يمسح بيده اليمنى يده اليسرى مثل ذلك، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى
ويخلل بين أصابعهما.
أما إذا كانت ضربة واحدة مسح بباطن أصابع يديه ووجهه وبباطن الكفين ظهر
الكفين إلى الكوع. [ص:117] مبطلات التيمم:
أولاً: يبطل التيمم بجميع مبطلات الطهارة التي تيمم عنها لأنه بدل عنها،
فإن كان تيممه عن الوضوء بطل تيممه بأحد نواقض الوضوء، وإن كان تيممه عن
غسل بطل تيممه بطروء موجب من موجبات الغسل، أما إن كان تيممه عن وضوء وغسل
بطل تيممه بناقض من نواقض الوضوء ولم يَعُدْ محدثاً حدثاً أكبر.
ثانياً: القدرة على استعمال الماء سواء وجده أثناء الصلاة أو قبلها لحديث
أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصعيد
الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته
فإن ذلك خير) (1) دل بمفهومه أن الصعيد ليس بطهوره عند وجود الماء، ودل
بمنطوقه على وجوب استعماله عند وجوده، فعلى هذا إن وجده وهو في الصلاة خرج
وتوضأ واغتسل إن كان جنباً واستقبل الصلاة كما لو أحدث أثنائها. أما إن وجد
الماء أو قدر على استعماله بعد الصلاة فلا إعادة عليه ولو لم يخرج الوقت،
والطواف كالصلاة.
ثالثاً: خروج الوقت يبطل التيمم بكل أنواعه، لأنها طهارة عذر وضرورة فتقدرت
بالوقت كطهارة المستحاضة، فإن خرج الوقت وهو في الصلاة بطل تيممه كما لو
أحدث أثناء الصلاة.
رابعاً: ذكر بعض السادة الحنابلة أن التيمم يبطل فيما لو خلع خفيه أو
عمامته، لأنهما من مبطلات الوضوء لكن الأرجح أن لا يبطل، لأن التيمم طهارة
لم يمسح على الخفين أو العمامة فيها فلا تبطل بخلعها.
__________
(1) الترمذي: ج-1 / الطهارة باب 92/124.
(1/115)
فاقد الطهورين:
إذا عدم المكلف الماء والتراب، أو عجز عن استعمالهما لمرض شديد، أو حبس في
مكان ليس فيه ما يصح به التيمم أو الوضوء، فإنه يجب عليه أن يصلي في
[ص:118] الوقت بدون وضوء وبدون تيمم، لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة،
فتعذرها لا يبيح ترك الصلاة، كالسترة، واستقبال القبلة، ويصلي صلاة حقيقية
ولا يعيد تلك الصلاة (وفي رواية أخرى: تلزمه الإعادة، لأن عدم الماء
والتراب عذر نادر غير متصل أشبه نسيان الطهارة) إلا إنه يجب عليه أن يقتصر
في صلاته على الفرائض والشروط التي لا تصح الصلاة إلا بها.
(1/117)
الباب السابع (الحيض
والاستحاضة والنفاس)
(1/119)
الحيض:
تعريفه: الحيض لغة السيلان.
وفي اصطلاح الفقهاء: دم جبلة، يخرج من رحم المرأة مع الصحة، من غير سبب
ولادة أو، في أوقات معلومة.
والحامل لا تحيض، فإن رأت دماً فهو دم فساد، بخلاف الشافعية والمالكية،
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
- أنه قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ الحامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى
تحيض حيضة) (1) أي تعلم براءتها من الحمل بالحيضة، فدل على أن الحيضة لا
تجتمع مع الحمل.
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب النكاح باب 45/2157.
(1/119)
سن الحيض: أقل سن تحيض به المرأة تسع سنين
لقول عائشة رضي الله عنها: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة". وأكثر
سن تحيض به خمسون عاماً، فإن رأت دم بعده فهو دم فاسد، لأن السيدة عائشة
رضي الله عنها قالت: "إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض"،
ولقولها أيضاً: "لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد الخمسين".
مدة الحيض:
أقله: يوم وليلة بشرط أن يكون الدم نازلاً كالمعتاد في زمن الحيض بحيث لو
وضعت قطنة لتلوثت بالدم، والمراد باليوم والليلة (24) ساعة فلكية، فلو رأت
الدم وانقطع قبل مضي هذه المدة لا تعتبر المرأة حائضاً (أما عند الإمام
أحمد أقله يوم فلو انقطع الدم لأقل منه فهو فساد) . [ص:120]
أكثره: خمسة عشر يوماً مع لياليها، فإذا رأت الدم بعد ذلك فإنه ليس بحيض.
ولا عبرة في هذا التقدير بعادة المرأة، فلو اعتادت تحيض ثلاثة أيام أو
أربعة أيام أو خمسة أيام ثم تغيرت عادتها فرأت الدم بعد هذه المدة فإنها
تعتبر حائضاً إلى خمسة عشر يوم.
غالبه: ستة أو سبعة أيام، لما روته حمنة بنت جحش رضي الله عنها في حديث لها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: إنما هي ركضة من الشيطان فتحيّضي
ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت
واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة، وصومي وصلي فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي
كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن أو طهرهن) (1)
مدة الطهر: أقل مدة الطهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوماً (2) ، لما روي عن علي
رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في الشهر. فقال لشريح قل
فيها. فقال: "إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدون أنها حاضت في شهر ثلاث مرات
تترك الصلاة فيها وإلا هي كاذبة" فقال علي رضي الله عنه: "قالون" يعني
جيداً وهذا اتفاق بينهما. ولا يمكن ذلك إلا إذا كان الطهر ثلاثة عشر يوماً.
أما أكثر مدة الطهر بين حيضتين فلا حد له لأن من النساء من تطهر شهور أو
سنة ومنهن من لا تحيض أبداً. أما غالب الطهر هو أربعة وعشرون يوماً أو
ثلاثة وعشرون يوماً.
__________
(1) الترمذي: ج-1/ كتاب الطهارة باب 95/128.
(2) سواء كان الطهر واقعاً بين دمي حيض أو بين دمي حيض ونفاس.
(1/119)
ما يحرم بالحيض:
-1ً- الصلاة: عائشة رضي
الله عنها قالت عن فاطمة بنت أبي حبيش قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله إني لا أطهر.. فقال صلى الله عليه وسلم: ... فإذا أقبلت
الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" (1) . [ص:121]
-2ً- الصيام: لما روى أبو
سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (أليس
إذا حاضت -يعني المرأة- لم تصل ولم تصم) (2) .
-3ً- الطواف: لقوله صلى
الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في الحج: (افعلي ما يفعل
الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) (3) .
-4ً- قراءة القرآن: لحديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقرأ
الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) (4)
-5- مس المصحف: لقوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) (5) ، ولقوله صلى الله
عليه وسلم لعمرو بن حزم: (أن لا يمسَّ القرآنَ إلا طاهرٌ) (6) .
-6ً- اللبث في المسجد:
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة رضي الله عنها: (فإني لا أحل
المسجد لحائض ولا لجنب) (7) . أما المرور فجائز إن أمنت تلويثه.
-7ً- يحرم الوطء في الفرج
لقوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (8) أما
الاستمتاع بها في غير الفرج فلا يحرم، لما روى أنس رضي الله عنه قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء غير النكاح) (9) ، وعن عائشة رضي
الله عنها قالت: (كانت إحدانا، إذا كانت حائضاً، أمرها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فتأتزر بإزار، ثم يباشرها) (10) ، ولأن الوطء حُرِّم للأذى فاختص
بمحله، فإذا كان الوطء قبل انقطاع الدم فعليه دينار أو نصف دينار إن قدر
وإلا سقطت عنه الكفارة، ووجبت عليه التوبة سواء كان الوطء بأول الحيض أو
بآخره، وسواء كان الواطئ مكرهاً أو جاهلاً الحيض أو التحريم ناسياً. ومحل
ذلك إذا لم يترتب [ص:122] عليه مرض أو أذى شديداً وإلا كان حراماً حرمة
مغلظة بالإجماع. كما يحرم على المرأة أن تمكن الواطئ من وطئها في الفرج
فإذا طاوعته على ذلك فعليها كفارة مثل ما على الرجل.
-8ً- يحرم إيقاع الطلاق،
فإن طلقها فهو طلاق بدعة لما فيه من تطويل العدة، إلا أنه يقع ويؤمر
بمراجعتها إن كانت لها رجعة.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب الحيض باب 8/300.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب الحيض باب 6/298.
(3) البخاري: ج-1/ كتاب الحيض باب 7/299.
(4) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 98/131.
(5) الواقعة: 79.
(6) شرح الرزقاني على الموطأ: ص-106.
(7) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 93/232.
(8) البقرة: 222.
(9) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 3/16.
(10) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض /1.
(1/120)
الأحكام المتعلقة بالحيض:
-1- سقوط وجوب قضاء الصلاة دون الصيام، لما روي عن معاذة، قالت: سألت عائشة
رضي الله عنها فقلت: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت:
أحرُوريَّة أنت؟ قلت لست بحرورية. ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر
بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) (1) .
-2- منع صحة الطهارة، لأنه حدث يوجب الطهارة فاستمراره يمنع صحتها.
-3- وجوب الغسل عند انقطاعه والنقاء منه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم ... فقال لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي)
(2) .
-4- وجوب الاعتداد به، فلا تنقضي العدة في حق المطلقة وأشباهها إلا به،
لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (3) .
-5- حصول البلوغ به لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار) (4) . [ص:123]
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الحيض باب 15/69.
(2) مسلم: ج-1/ الحيض باب 14/65.
(3) البقرة: 228.
(4) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الطهارة باب 132/655.
(1/122)
الأحكام المتعلقة بانقطاع الحيض وقبل
الطهارة:
إذا انقطع الحيض ولم تغتسل المرأة زالت أربعة أحكام متعلقة فيه وهي:
-1- سقوط فرض الصلاة.
-2- منع صحة الطهارة.
-3- تحريم الصيام.
-4- تحريم الطلاق.
أما باقي المحرمات فتبقى حتى تغتسل. وتحريم الوطء باقٍ لأن الله تعالى قال:
{ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن} (1) قال مجاهد: حتى يغتسلن.
فإن لم تجد الماء تيممت وحل وطؤها لأن التيمم قائم مقام الغسل، وكذا إن
تيممت للصلاة حل وطؤها. وإن كان الوطء قبل طهرها فعليه كفارة نصف دينار،
لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في الرجل
يقع على امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بنصف دينار) (2) . أما إن كان الوطء
بعد انقطاع الدم وقبل الطهر فلا كفارة فيه.
__________
(1) البقرة: 222.
(2) الترمذي: ج 1 / الطهارة باب 103 / 139.
(1/123)
مدة حيض المبتدئة:
إذا رأت المرأة الدم في سن تحيض لمثله النساء (تسع فما فوق) فتترك الصلاة
والصوم، لأن دم الحيض وعادة جبلة وعادة ودم الفساد عارض لمرض ونحو والأصل
عدمه، فإن انقطع لدون يوم وليلة فهو دم فساد، وإن بلغ ذلك تركت الصلاة
والصوم يوماً وليلة، فإن انقطع لذلك اغتسلت وصلت وكان ذلك حيضها، وإن واجبة
بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تسقط العبادة بالشك. فإن انقطع
دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت غسلاً ثانياً ثم تفعل ذلك في شهرين
[ص:124] آخرين. فإن كان في أشهر كلها مدته واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت
إليه وعملت على أساسه، وأعادت ما صامت من فرض فيه لأنه تبين أنها صامت في
حيضها.
المبتدئة المميزة:
أي التي دمها متميز فبعضه أسود وبعضه أحمر. فإن عبر دمها أكثر الحيض فهو
استحاضة، فتنظر في دمها، فإن كان بعضه أسود ثخيناً منتناً وبعضه رقيقاً
أحمر، وكان الأسود لا يزيد على اكثر الحيض ولا ينقص عن أقله، فهذه مدة
حيضها زمن الدم الأسود فتجلسه، فإذا خلفته بدم أحمر رقيق فهي مستحاضة تغتسل
للحيض وتتوضأ للصلاة وتصلي، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة
بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني امرأة
أستحاض فلا أَطْهُر أفأدع الصلاة؟ فقال: لا. إنما ذلك عِرْق وليس بالحيضة.
فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة. وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) (1) ،
وفي رواية عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله
عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يُعْرَف - أو يُعْرِف - أي يعطي
رائحة، فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي، فإنما هو عرق) (2) .
__________
(1) مسلم: / ج 1 / كتاب الحيض باب 14 / 62، يعني بإقباله: سواده ونتنه
وبغباره: رقته وحمرته.
(2) النسائي: ج 1 / ص 250.
(1/123)
المعتادة:
كل ما تراه المرأة أثناء عادتها من دم أو صفرة أو كدرة أو غيرها فهو حيض،
لقول عائشة رضي الله عنها: (لا تعجلن حتى تَرَيْنَ القصَّة البيضاء) (1) .
قال مالك وأحمد رضي الله عنهما: هي ماء أبيض يتبع الحيضة.
__________
(1) البخاري: ج 1 / كتاب الحيض باب 19.
(1/124)
تغير العادة: هناك حالات:
أولاً: نقيت المرأة قبل انتهاء عادتها: تغتسل وتصلي، لقول ابن عباس رضي
الله عنهما: (لا يحل لها ما رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل) (1) وهناك
حالتان:
أ- عاودها الدم في عادتها: هو حيض ومع ذلك لا تعيد ما صامته أثناء طهرها.
ب- عاودها الدم في عادتها:
-1- وعبر أكثر الحيض: فهو استحاضة.
-2- ولم يعبر اكثر الحيض ولكنه تكرر ثلاثاً: فهو حيض، وإلا فلا لأنه لم
يصادف عادة فلا يكون حيضاً بغير تكرار.
ثانياً: رأت الدم في غير عادتها قبلها أو بعدها مع بقاء عادتها أو طهرها
فيه: لا تترك الصلاة والصوم حتى يتكرر ثلاثاً. وعن الإمام أحمد: أنها تصير
إليه من غير تكرار، واختاره جمع وعليه العمل ولا يسع النساء العمل بغيره.
وقيل هو الصواب: إذ يصعب على النساء التقيد بالتكرار.
ثالثاً: أن ينضم إلى العادة ما يزيد بمجموعة عن أكثر الحيض: وهناك حالتان:
آ- ذاكرة لعادتها: إما غير مميزة فتجلس قدر عادتها ثم تغتسل بعدها وتصلي
وتصوم، لقوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: (امكثي قدر ما كانت تحبسك
حيضتك ثم اغتسلي وصلي) (2) .
أو مميزة: ففيها روايتان: إحداهما: تعمل بالعادة وهو المعتمد، والثانية
تعمل بالتمييز.
ب- ناسية لعادتها: إن كانت مميزة فتعمل بالتمييز، أو كانت غير مميزة:
[ص:126]
-1ً- المتحيرة: وهي الناسية
لوقت العادة ولعددها فهذه تتحيض في كل شهر ستة أيام أو سبعة (وعن الإمام
أنها ترد إلى عادة النساء) تترك خلالها الصلاة والصيام بالاجتهاد في العدد
بين الست والسبع.
-2ً- تعلم عددها وتنسى
وقتها: فتجلس قدر أيامها من أول كل شهر على أحد الوجهين، وعلى الوجه الآخر
تجلسه بالتحري.
-3ً- تذكر وقتها وتنسى
عددها: فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحير. فتجلس في موضع حيضها من أوله
غالب الحيض ستاً أو سبعاً بالتحري إن اتسع له شهرها في كأن يكون شهرها
عشرين فتجلس في أوله ستاً أو سبعاً ثم تغتسل وتصلي بقية العشرين.
__________
(1) المحلى لابن حزم: ج-2 /ص 269.
(2) مسلم: ج-1 / كتاب الحيض باب 14/65.
(1/124)
أنوع العادة: متفقة ومختلفة.
-1ً- المتفقة: أن تكون
أياماً متساوية، مثل من تحيض خمسة أيام من كل شهر.
-2ً- المختلفة: مثل من تحيض
في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم تعود إلى الثلاثة.
التلفيق:
إذا رأت المرأة يوماً دماً ويوماً طهراً فإنها تغتسل وتصلي في زمن الطهر،
لقول ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم: (لا يحل لها إذا رأت الطهر ساعة إلا
أن تغتسل) . ثم إذا انقطع الدم لخمسة عشر فما دون فجميعه حيض وتغتسل عقب كل
يوم وتصلي في الطهر. وإن عبر الخمسة عشر فهي مستحاضة ترد إلى عادتها، فإن
كانت عادتها سبعة أيام متوالية جلست ما وافقها من الدم فيكون حيضها منه
ثلاثة أيام أو أربعة أيام. وإن كانت ناسية جلست سبعة أيام.
مسائل:
-1ً- إذا رأت الدم (3)
أيام، وطهرت بعدها (12) يوماً، ثم رأت الدم (3) أيام، فالمجموع ويساوي (18)
يوماً زاد على أكثر الحيض، فيعتبر [ص:127] مجموع الـ (3) أيام مع الـ (12)
يوماً وهو خمسة عشر يوماً حيض، والدم الثاني استحاضة لأنه جاوز الخمسة عشر
فلا يحسب من الحيض، وما بيته وبين الدم الأول أقل من الطهر فهو ليس بحيضة
ثانية.
-2ً- رأت الدم (3) أيام،
وطهرت بعدها (13) يوماً، ثم رأت الدم (3) أيام، فالمجموع (19) زاد على أكثر
الحيض، فنقول أن المجموع (3) و (13) يساوي (16) فلا يمكن أن يكون الدم
الثاني من الحيض الأول لتجاوز المجموع الخمسة عشر يوماً وهي أكثر مدة
الحيض، ويمكن أن يكون حيضة ثانية لأنه بينه وبين الدم الأول (13) يوماً وهي
أقل مدة الطهر، هذا فيما إذا تكرر ذلك أكثره من مرة، فيكون تبين أن طهرها
(13) يوماً دائماً.
-3ً- رأت الدم يومين، وطهرت
بعدها عشرة أيام، ثم رأت الدم ثلاثة أيام، فالمجموع خمسة عشر لم يزد على
أكثر الحيض، فيعتبر عندئذ المجموع كله حيض فيما إذا تكرر أكثر من مرة.
الاستحاضة:
الاستحاضة هي دم ليس بحيض ولا نفاس، فكل ما زاد عن أكثر الحيض، أو نقص عن
أقله، أو سال قبل سن الحيض فهو استحاضة. وهو دم فساد ناتج عن مرض.
حكم المستحاضة:
حكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها، لأنها نجاسة غير معتادة أشبه
بثلث البول. فإن اختلط حيضها باستحاضتها فعليها الغسل عند قطع الحيض، ومتى
أرادت الصلاة غسلت فرجها وما أصابها من الدم، حتى إذا استنقأت عصبت فرجها،
واستوفقت بالشد والتلجم، ثم توضأت ونوت فرائض الوضوء لاستباحة فرض الصلاة،
(حكم وضوئها كحكم التيمم) ، وصلت، لحديث حمنة بنت جحش قالت: (قلت يا رسول
الله إني استحاض حيضاً كثيرة [ص:128] شديدة فما تأمرني فيها، قد منعتني
الصيام والصلاة؟ قال: أنِعتُ لك الكُرْسف فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من
ذلك. قال: فتلجمي. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوباً. قالت: هو أكثر
من ذلك إنما أثج ثجاً. ثم قال: إنما هي ركضة من الشيطان) (1) .
وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أن امرأة كانت تُهراق الدماء
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفت لها أم سلمة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: لتنظُر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من
الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا
خلَّفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر لثوب ثم لتصلِّ فيه) (2) . وإن خرج الدم
بعد الوضوء فلا شيء عليها لأنه لا يمكن التحرز منه فسقط، وتصلي بطهارتها ما
شاءت من الفرائض والنوافل قبل الفريضة وبعدها حتى يخرج الوقت فتبطل به
طهارتها وتستأنف الطهارة لصلاة أخرى، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت
فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: (واغتسلي ثم
توضئي لكل صلاة، وصلي) (3) . فهي طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم،
ولو توضأت قبل دخول الوقت فيبطل وضوؤها بدخوله كما في التيمم. فإن انقطع
الدم بعد الوضوء وكانت عادتها انقطاعه وقتاً لا يتسع للصلاة لم يؤثر
انقطاعه في طهارتها، لأنه وقت لا تتمكن من أداء الصلاة فيه في طهارة كاملة
وإن لم تكن لها عادة أو كانت عادتها انقطاعه مدة طويلة لزمها استئناف
الوضوء، وإن كانت في الصلاة بطلت.
وحكم من به سلس بول، أو مذي، أو ريح، أو جرح لا يرقأ دمه، حكمها في ذلك إلا
أن ما لا يمكن عصبه يتركه كما هو ويصلي فقد صلى عمر رضي الله عنه وجرحه
يعثف دماً
__________
(1) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 95/128.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 108/274.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 113/298.
(1/126)
ما يسن للمستحاضة:
-1ً- لا توطأ المستحاضة إلى
لضرورة لأنه أذى في الفرج، وإن خاف على نفسه العند أبيح له الوطء، وفي
رواية يحل له، والفرق بين الوطء في الاستحاضة وبين الوطء في الحيض هو أن
الوطء في الحيض ربما يتعدى ضرره إلى الولد فإنه قيل قد يأتي الولد مجذوماً،
بخلاف الوطء في الاستحاضة.
-2ً- يستحب لها الغسل لكل
صلاة، لما روت عائشة رضي الله عنها (أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها
استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة) (1)
، وعن حنا بنت جحش قالت: كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم استفتيه وأخبره ... قال: فإن قويت على أن تؤخري الظهر
وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين، وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم
تؤخرين المغرب، وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين فافعلي،
وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي، وصومي إن قويتي على ذلك) (2) .
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 111/292.
(2) الترمذي: ج-1/ الطهارة باب 95/128.
(1/128)
النفاس:
تعريفه: هو الدم الخارج عقب الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة (مع وجود
أمارة كالطلق) لأن سبب خروجه الولادة، أما إن خرج قبل ذلك فهو دم فساد لأن
الحامل لا تحيض. ولا يعتبر الدم الخارج عقب الولادة نفاساً إلا بوضع ما
تبين فيه خلق إنسان، وأقل ما يتبن فيه خلق إنسان واحد وثمانون يوماً، فلو
وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها فلا يثبت لها حكم النفاس، وكذا إذا وضعت
كتلة ليس فيها خلق شيء (حمل عنقودي) فلا نفاس لها. أما السقط فقيل فيه:
وسقطٌ لأربعة أشهر كالمولود حياً يغسل ويكفن ويُصلى عليه وبالتالي يثبت لها
حكم النفاس. [ص:130]
حكمه: حكم الحيض تماماً فيما يحرم ويجب ويسقط به، لأنه دم حيض متجمع احتبس
لأجل الحمل.
أكثره: أربعون يوماً لما روت أم سلمة رضي الله عنها، (كانت النفساء على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً، أو أربعين
ليلة) (1) فإذا رأت الدم بعد الأربعين فهو دم فساد، وإن صادف عادة الحيض
فهو حيض.
أقله: ليس لأقله حد، ففي أي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي. ويستحب
لزوجها الإمساك عن وطئها حتى تتم الأربعين. فإن عاودها الدم في مدة النفاس
فهو مشكوك فيه لذا تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطاً، لأن الصوم واجب بيقين
فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه، ويجب قضاؤه لأنه ثابت بيقين فلا يسقط بفعل
مشكوك فيه. ويفارق الحيضُ المشكوك فيه النفاسَ لكثرة الحيض وتكرره ومشقة
إيجاب القضاء فيه.
تعقيب:
يجوز للرجل أن يشرب دواء غير محرم ليمنع الجماع، ويجوز للمرأة شرب دواء
لإلقاء النطفة وحصول الحيض، أو شرب دواء لقطع الحيض إن أمنت الضرر. ولا
يجوز لأحد أن يسقيها بغير علمها ما يقطع حيضها لإسقاط حقها من النسل، أما
شرب ما يمنع الحمل مطلقاً فلا يجوز. [ص:131]
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 121/311.
(1/128)
|