فقه العبادات على المذهب الحنبلي

الباب الرابع

(1/175)


الفصل الأول

(1/175)


أركان الصلاة
تعريفها: الفرض والركن مترادفان ومعناهما: أجزاء الصلاة التي لا تتحقق الصلاة إلا بها ولا توجد إلا بها بحيث إذا فقد منها جزء فلا يقال لها صلاة. والفرض هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
وفرائض الصلاة هي:
أولاً: تكبيرة الإحرام:
دليلها: حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) (1) ، وما ورد في حديث المسيء صلاته: (إذا أقمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) (2) .
صيغتها: " الله أكبر " ولا يجزىء غير ذلك من الذكر، ولا يضر إذا أضاف صفة من صفات الله بعد أكبر كأن يقول: الله أكبر كبيرا ولكن يكره، أما إذا فصل بين الله وأكبر ولو بصفة واحدة بطلت تحريمته) (3) . ولا يجزئه قوله: الله أكبر، ولا التكبير بغير العربية، فإذا لم يحسن العربية لزمه تعلمها، فإن خشي خروج الوقت كبر بلغته، لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه، وقيل لا يكبر بغير العربية لأنه ذكر تنعقد به الصلاة فلا يجوز التعبير عنه بغير العربية، فيكون حكمه كحكم الأخرس. وإن عجز عن نطق بعض الحروف أتى بما يمكنه، وإن كان أخرس حرك لسانه. وعن الإمام أحمد أنه لا يلزم للأخرس أن يحرك لسانه، لأن التحريك للنطق فطالما أنه عجز عن النطق فيسقط عنه التحريك.
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الطهارة باب 31/61.
(2) البخاري: ج-1/كتاب صفة الصلاة باب 39/760.
(3) بخلاف السادة الشافعية فقد أجازوا الفصل ولو بصفتين.

(1/175)


شروطها:
-
1ً- ترتيب اللفظ فلا بد من تقديم الجلالة على أكبر.
-
2ً- أن يقولها قائماً، فإن ابتدأها في غير القيام وقعت الصلاة نفلاً.
-
3ً- عدم مد همزة "الله" أو إضافة ألف على "أكبر" فتصبح أكبار، ولا مانع من مد لام الجلالة.
-
4ً- أن لا يشبع هاء الله حتى يتولد منها واو، فإن فعل ذلك بطلت صلاته.
-
5ً- أن لا يحذف هاء "الله".
-
6ً- أن لا يأتي بواو بين الكلمتين بأن يقول: الله وأكبر، فإن فعل ذلك لم تصح تكبيرته.
-
7ً- أن لا يفصل بين الكلمتين بسكوت يسع كلاماً ولو يسيراً.
-
8ً- أن يكون مستقبلاً القبلة.
-
9ً- أن يكون بالعربية للقادر.
-
10ً- أن يسمع نفسه جميع حروفها. [ص:177]
-11- دخول وقت الصلاة المفروضة وإباحة النافلة.
-12- وقوع تكبيرة المأموم بعد تكبيرة الإمام.
-13- الجهر بها إن كان إماماً بالقدر الذي يسمع به من خلفه، وإن لم يكن إماماً فبالقدر. الذي يسمع به نفسه كالقراءة.
-14- ستر العورة والطهارة.
ثانياً: القيام:
وهو متعين في الفرض لا في النفل للقادر عليه ولو مستنداً إلى شيء ولو بأجرة يقدر عليها.
دليله: قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) (1) وما روى عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإ لم تستطع فعلى جنب) (2) .
أما غير القادر على القيام لعجز أو خوف أو زيادة مرض أو لمداواة أو لقصر سقف لعاجز عن الخروج، فيصلي قاعداً متربعاً ندباً ويثني رجليه في ركوعه وسجوده كمتنفل، وكذلك يقعد المأموم خلف إمامه القاعد (بشرط أن يكون مرضه قابل للزوال) ، فإن لم يستطيع القعود أو شق عليه فيصلي على جنبه والجنب الأيمن أفضل، فإن لم يستطع فيصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة. أما إن كان مستطيعاً الصلاة على جنبه وصلى على ظهره فمكروه. ومن قدر أن يقوم بالصلاة منفرداً ولم يمكنه ذلك مع الجماعة إلا قاعداً فيصلي منفرداً، لأن القيام ركن بخلاف الجماعة.
ويشترط في القيام أن ينصب فقرات ظهره، فإن وقف مائلاً أو منحنياً قليلاً أجزأه، ولا يضر خفض رأسه على هيئة الإطراق. [ص:178]
__________
(1) البقرة: 238.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب التقصير الصلاة باب 19/1066.

(1/175)


ما يستحب في القيام:
-
1ً- يستحب القيام إلى المكتوبة عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة"، لأنه دعاء إلى القيام فاستحب المبادرة إليه.
-
2ً- يستحب للإمام تسوية الصفوف لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذ بيمينه - يعني عوداً في المحراب - ثم التفت فقال: اعتدلوا، سووا صفوفكم ثم أخذ بيساره فقال: اعتدلوا، سووا صفوفكم) (1) .
ويكره القيام على رجل واحدة.
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 94/670.

(1/178)


ثالثاً: قراءة الفاتحة:
وهي ركن في حق الإمام والمنفرد، لما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) (1) . وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة، لما روى قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ويسمعنا الآية أحياناً. ويقرأ في الركعتين الأُخْرَيَيْنِ بفاتحة الكتاب) (2) . أما بالنسبة للمأموم فلا تجب عليه قراءة الفاتحة إذا كان الإمام يقرأ جهراً لقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) (3) ، ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما لي أُنازع القرآن. قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) (4) ، ولأنه لو وجبت عليه قراءتها لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان. ويسن للمأموم قراءة الفاتحة في حال سكوت الإمام في الصلاة الجهرية أو في حالة الصلاة السرية، لأن [ص:179] مفهوم قوله في الحديث: (فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه) أنهم يقرؤون في غيره.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 13/723.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 34/155.
(3) الأعراف: 204.
(4) مسند الإمام أحمد ج-2/ ص 240.

(1/178)


شروط قراءتها:
-
1ً- أن تقرأ مرتبة متوالية، فإن قطع قراءتها بذكر أو سكوت طويل عمداً أعادها، وإلا أتمها لأن الموالاة لا تفوت بذلك، وإن نوى قطعها لا تنقطع لأن القراءة باللسان فلا تنقطع بالنية.
-
2ً- أن يراعي تشديداتها الـ (11) ، ولا تعد تشديدات البسملة لأنها ليست من الفاتحة بدليل ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال الرحمن الرحيم. قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي ... ) (1) فلو كانت "بسم الله الرحمن الرحيم آية" لعدها وبدأ بها. فإن أخل بتشديدة أو بحرف لم تصح، وإن ترك التشديد أو كلمة أو حرفاً سهواً لم تحسب الركعة وقامت التي بعدها مقامها. ويلزم الجاهل تعلمها فإن ضاق الوقت عن تعلمها لزمه قراءة قدرها من غيرها في عدة الحروف، فإن لم يعرف إلا آية من الفاتحة كررها بقدر الفاتحة، فإن لم يحسن إلا بعض الآية لم يكرره وعدل إلى غيره.
-
3ً- أن لا تقرأ إلا بالعربية، فإذا لم يحسن العربية لم يجزئه أن يترجمها إلى لغته، لأن الله تعالى جعل القرآن عربياً، ويلزمه أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، لما روي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني منه، قال: قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله [ص:180] إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (2) ، ولأنه ركن في الصلاة فقام مقامه غيره عند العجز عنه كالقيام، فإن لم يحسن فلا بعض ذلك قرأ بقدره، فإن لم يحسن شيئاً وقف بقدر القراءة.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 11/38.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 139/832.

(1/179)


رابعاً: الركوع:
دليله: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) (1) .
أقله: أن ينحني المكلف بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه، أما قدر ما يجزئ القاعد منه فهو مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض.
أكمله: أن يمد المصلي ظهره مستوياً، ويجعل رأسه على مستوى ظهره، ويضع كفيه على ركبتيه قابضاً بهما مفرجتي الأصابع، وأن يجافي يديه عن جنبيه كما سيرد تفصيل ذلك في السنن.
__________
(1) الحج: 77.

(1/180)


خامساً: الرفع من الركوع:
وهو أن يفارق القدر المجزئ منه، بحيث لا تصل يداه إلى ركبتيه. ويشترط أن لا يقصد من رفعه منه غيره، فلو فزع من شيء ورفع لم يجزئه فيرجع إلى الركوع ثم يرفع.
سادساً: الاعتدال:
وهو أن يستوي قائماً بحيث يرجع كل عضو إلى موضعه، ولا تبطل الصلاة إن طال الاعتدال، ودليل فرضيته قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (ثم ارفع حتى تعتدل قائماً) (1) ، ولحديث أبي حميد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يقرّ كل عظم إلى موضعه) (2) . [ص:181]
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 39/760.
(2) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 72/1060.

(1/180)


سابعاً: السجود مرتين:
دليله: قوله تعالى: (اركعوا واسجدوا) (1) ، وحديث المسيء صلاته: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً) (2) .
ويجب السجود على سبعة أعظم، الجبهة والكفين والركبتين والقدمين، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة -وأشار بيده على أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر) (3) ، وفي الأنف روايتان، الأولى: لا يجب السجود عليه، والثانية: يجب لإشارة النبي صلى الله عليه وسلم على أنفه وهو المعتمد.
أقله: وضع جزء من كل عضو من الأعظم المذكورة على الأرض مع التحامل على الجبهة (أي وضع ثقله عليها، ولا تجب مباشرة المصلي شيئاً من هذه الأعضاء الأرض إلا الجبهة فإن فيها روايتان، إحداهما: تجب لما روى خباب رضي الله عنه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه حر الرمضاء فلم يشكونا) (4) ، والثانية: لا تجب مباشرة الجبهة الأرض وهو ظاهر المذهب، لما روى أنس رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فس شدة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا لم يمكِّن [ص:182] جبهته من الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه) (5) أي يجوز السجود على شيء يتحرك بحركته إذ وجد عذر كحر أو برد، ويكره إن لم يكن هناك عذر. ويشترط أن يكون موضع الجبهة مرتفع عن موضع الركبتين في السجود والإرتفاع المبطل للصلاة هو ما يخرج المصلي عن هيئة الصلاة.
أكمله: تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده، ويسن فيه الترتيب بأن يضع الركبتين ثم الكفين ثم الوجه كما سيرد تفصيل ذلك في السنن.
ومن عجز عن الركوع والسجود يومئ لهما ما أمكنه، ويجعل السجود أخفض من الركوع. فإن عجز عن جميع الأركان (قيام وركوع وسجود ... ) أومأ بطرفه واستحضر الفعل بقلبه عند إيمائه له. وكذتا يستحضر القول عند إيمائه له إن عجز أي القول بلسانه كأسير يخشى أن يعلم الأعداء بصلاته. ولا تسقط الصلاة عن المريض ما دام عقله ثابتاً لقدرته على أن ينوي بقلبه مع الإيماء بطرفه.
__________
(1) الحج: 77.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 39/760. وحديث المسيء صلاته هذا حديث هام لما اشتمل عليه من أحكام كثيرة في شأن الصلاة، وسنورده هنا بتمامه لتكرار الاستشهاد به، وهو: عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي عليه السلام فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلم على النبي فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثاً. فقال: والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني. قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم أفعل ذلك في صلاتك كلها) .
(3) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 50/779.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 33/190.
(5) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 33/191.

(1/181)


ثامناً: الرفع من السجود:
وهو أن تفارق جبهته الأرض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) .
تاسعاً: الجلسة بين السجدتين:
وهو الاعتدال بأن يجلس مستوياً بعد السجود بحيث كل عضو إلى أصله للحديث: (ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) وكيف ما جلس أجزأه لكنيسن الافتراش. [ص:183]
عاشراً: الاطمئنان:
وهو سكون الأعضاء وإن قلَّ بقدر الإتيان بالواجب في كل ركن، ودليله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (ثم ارجع حتى تطمئن راكعاً ... ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) .
حادي عشر: التشهد الأخير:
ودليله: ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله قبل عباده. السلام على فلان وفلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله) (1) فدل هذا على أنه فرض، وروي عنه أيضاً قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن، قال: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) (2) قال الترمذي: هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فاختاره أحمد لذلك، وإن اختار تشهد ابن عباس وغيره جاز نص عليه.
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 182/968.
(2) مسند الإمام أحمد ج-1 /ص 414.

(1/182)


ثاني عشر: الصلاة على النبي بعد التشهد الأخير:
دليل فرضيتها: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) (1) ، وحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ( ... خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك. فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد. كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد. كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد [ص:184] مجيد) (2) . قال بعض أصحابنا: تجب الصلاة على هذه الصفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، وكيفما أتى بها أجزأته لأنها رويت بألفاظ مختلفة.
__________
(1) الأحزاب: 56.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 17/66.

(1/183)


ثالث عشر: الجلوس الأخير للتشهد وللتسليمتين: فلو تشهد غير جالس أو سلم إحدى التسليمتين جالس والأخرى غير جالس لم تصح الصلاة.
رابع عشر: التسليمتان:
ودليل الفرضية خبر مسلم المتقدم: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) ، ولأن التسليم أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالأول فيقول: السلام عليكم ورحمة الله ويسلم تسلمتين، عن جابر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما يكفي أحدكم أو أحدهم، أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله) (1) .
أما في سجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة فيسلم تسليمة واحدة. ويأتي بالسلام مرتباً فإن نكسه فقال: عليك السلام، أو نكس التشهد لم يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله مرتباً، ولأنه ذكر يؤتى به في أحد طرفي الصلاة فاعتبر ترتيبه كالتكبير.
__________
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 189/999.

(1/184)


خامس عشر: الترتيب:
أي ترتيب الأركان كما ذكرناها فلو سجد قبل الركوع عمداً بطلت صلاته، أما لو سجد سهواً لزمه الرجوع للقيام.

(1/184)


الفصل الثاني

(1/185)


واجبات الصلاة
الواجب في الصلاة أقل من الفرض، وهو ما تبطل الصلاة بتركه عمداً مع العلم، ولا تبطل بتركه سهواً أو جهلاً، فإن تركه سهواً وجب عليه أن يسجد للسهو، وإذا ذكر الواجب في غير محله لم يجزئه كأن كبر قبل الهوي للسجود.
أولاً: تكبيرات الانتقال:
دليلها ما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول سمع الله لمن حمد حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس) (1) ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (2) ، ولأن الهوي إلى الركوع والهوي إلى السجود والرفع منه أفعال فلم تخلُ من ذكر واجب كالقيام. أما المسبوق إذا كبر تكبيرة الإحرام ولحق بالإمام راكعاً فتكبيرته هذه تجزئه عن تكبيرة الانتقال إلى الركوع لكن يسن له أن يكبرها. [ص:186]
ثانياً: قول "سبحان ربي العظيم" مرة في الركوع و "سبحان ربي الأعلى" مرة في السجود، لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه (أنه لما نزل قوله تعالى: "فسبح باسم ربك العظيم" قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل قوله تعالى: "سبح اسم ربك الأعلى" قال: اجعلوها في سجودكم" (3) ، ولأنه فعل في الصلاة فلم يخلُ من ذكر واجب كالقيام.
ثالثاً: قول "سمع الله لمن حمده" للإمام والمنفرد و "ربنا ولك الحمد" بالنسبة للمأموم، وذلك حال الرفع من الركوع، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" (4) .
رابعاً: قول "ربنا ولك الحمد" بالنسبة للإمام والمنفرد في الاعتدال.
خامساً: قول "ربِّ اغفر لي" مرة بالجلسة بين السجدتين لما روى حذيفة رضي الله عنه (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين رب اغفر لي) (5) .
سادساً: التشهد الأول (ويسقط عن المأموم إذا قام إمامه إلى الثالثة سهواً لمتابعته) فقط دون الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الركعتين الأويين في الصلاة التي أكثر من اثنتين.
سابعاً: الجلوس للتشهد الأول، لما روى أبو عبيدة عن أبيه رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف (6) . قال: قلنا: حتى يقوم قال: حتى يقوم) (7) لشدة تخفيفه، ثم ينهض مكبراً كنهوضه من السجود ويصلي الثالثة والرابعة كالأوليين إلا في الجهرية فلا يجهر ولا يزيد على فاتحة الكتاب. [ص:187]
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 35/756.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب الأذان باب 18/605.
(3) الدرمي: ج-1/ ص 299.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 18/71.
(5) الدرمي: ج-1/ ص 304. مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 17/65.
(6) الرضف: الحجارة المحامة.
(7) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 188/995.

(1/185)


الفصل الثالث

(1/187)


سنن الصلاة
السنن والمندوبات والمستحبات والتطوع كلها كلمات مترادفات، وتعني ما يثاب المكلف على فعله ولا يؤاخذ على تركه. وإذا تركت ولو عمداً لا تبطل الصلاة، أما سهواً فيباح السجود لسهوه عنها.
أنواع السنن:
السنن ثلاث: قولية وفعلية وقلبية (ما يتعلق بالقلب) .
-1- السنن القولية:
أولاً: الاستفتاح سراً: وردت في دعاء الاستفتاح صيغ عدة اختار أحمد رضي الله عنه ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك. وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) (1) ، ولو استفتح المكلف بغير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان حسناً، مثل ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هُنيَّة قبل أن يقرأ، فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) (2) .
ومن نسي الاستفتاح وشرع بالتعوذ سقط الاستفتاح فلا يرجع إليه. [ص:188]
__________
(1) الترمذي: ج-2/ كتاب الصلاة باب 179/242.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 27/147.

(1/187)


ثانياً: التعوذ سراً في بداية الركعة الأولى فيقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قبل القراء لقوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (1) ولقوله تعالى: (فاستعذ بالله وهو السميع العليم) (2) وهذا متضمن للزيارة، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) (3) . ومن نسي التعوذ وشرع بالبسملة سقط عنه التعوذ ولا رجوع إليه، ولكن له أن يأتي به في الركعة الثانية.
__________
(1) النحل: 98.
(2) فصلت: 36.
(3) مسند الإمام أحمد: ج-3 /ص 50.

(1/188)


ثالثاً: البسملة سراً: لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) (1) والمعتمد في المذهب أنها ليست من الفاتحة.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 13/50.

(1/188)


رابعاً: قول "آمين جهْراً في الصلاة الجهرية وسراً في الصلاة السرية بعد الانتهاء من الفاتحة، لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال: آمين، ومدَّ بها صوته) (1) . ويؤمن المأمومون على تأمين إمامهم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا، يقول: لا تُبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا، وإذا قال: ولا الضالين، فقولوا آمين ... ) (2) ، وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) (3) ويجهر المأمومون بها لما روى عطاءأن الزبير رضي الله عنه كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد لَلَجَّة (4) . فإن نسيه الإمام جهر به المأموم، فإن لم يذكره حتى شرع في القراءة لم يأت به لأنه [ص:189] سنة فات محلها. ويجوز مد ألف "آمين" أو قصرها لكن إن شدد الميم لم يجزئه لأنه يغير معناها.
__________
(1) الترمذي: ج-2/كتاب الصلاة باب 184/248.
(2) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 20/87.
(3) الترمذي: ج-2/كتاب الصلاة باب 185/250.
(4) رواه الشافعي في مسنده. واللجة: الصوت.

(1/188)


خامساً: قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة أو آية لها معنى مستقل غير مرتبط بما قبله ولا بعده، فلا يكفي أن يقول: (مد هامتان) (1) مثلاً. وهذا للإمام والمنفرد والمأموم إذا لم يسمع قراءة الإمام.
ويسن إن كان منفرداً القراءة من طول المفصل في صلاة الصبح ومن قصار المفصل في المغرب وفي سائرهن من أوساطه، لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ب ق القرآن المجيد ... ) (2) وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، ونحوهما من السور) (3) وعنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه إذا دحضت (4) الشمس صلى الظهر وقرأ بنحوٍ من الليل إذا يغشى والعصر كذلك، والصلوات -كذلك - إلا الصبح فإنه كان يطليها) (5) . ويجزئ بما قرأ فاتحة الكتاب.
ويستحب أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة، لما روى أبو قتادة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأُولَيَينِ من صلاة الظهر، بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطوِّل في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية) (6) . ولا يزيد على أم الكتاب في الأخيرتين من الرباعية ولا الثالثة من المغرب لهذا الحديث.
أما إن كان إماماً فعليه أن يخفف الصلاة بتخفيف القراءة. [ص:190]
سادساً: يسن للإمام الجهر في الصبح والأوليين من المغرب
والعشاء والإِسرار فيما وراء ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. ولا يسن الجهر لغير الإمام لأنه لا يقصد إسماع غيره، وإن جهر المنفرد فلا بأس لأنه لا ينازع غيره، وكذا القائم لقضاء ما فاته من الجماعة. وإن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر، وكذا إن فاتته صلاة نهار قضاها ليلاً لم يجهر لأنها صلاة نهار، أما إن فاتته صلاة ليل وقضاها ليلاً في جماعة جهر.
__________
(1) ابن ماجة: ج-1/كتاب إقامة الصلاة باب 21/890.

(1/189)


سابعاً: الزيادة في تسبيحات الركوع والسجود على الواحدة، فأدنى الكمال ثلاث لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثاً فإذا فعل فقد تم ركوعه، وإذا سجد أحدكم فليقل في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثاً فإذا فعل ذلك فقد تم سجوده وذلك أدناه) (1) وإن اقتصر على واحدة أجزأه، لأنه ذكر مكرر فتجزيء المرة الواحدة. ولا يزيد على سبع مرات.
ثامناً: أن يقول الإمام والمنفرد بعد قولهما "سمع الله لمن حمد": "ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد "، لما روى ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال: سمع الله لمن حمد. اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) (2) . ولا يستحب للمأموم الزيادة على " ربنا ولك الحمد " لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( ... وإذا قال سمع الله لمن حمد فقولوا: ربنا ولك الحمد) (3) . [ص:191]
__________
(1) مسلم: ج-2/كتاب الصلاة باب 40/202.
(2) مسلم: كتاب الصلاة باب 19/77.

(1/190)


تاسعاً: أن يزيد على سؤال المغفرة فيقولها ثلاثاً وهو الكمال فيها. ويستحب أن يقول ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي، وارحمني واجبرني واهدني وارزقني) (1) .
__________
(1) الترمذي: ج-2/الصلاة باب 211/284.

(1/191)


عاشراً: يستحب أن يتعوز من أربع بعد التشهد الأخير، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا والممات. وشر المسيح الدجال) (1) وعنه أيضاً برواية مسلم: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم. ومن عذاب القبر. ومن فتنة المحيا والممات. ومن شر المسيح الدجال) (2) .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فأغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) (3) .
ولا يجوز أن يدعو في الصلاة بدعاء دنيوي يشبه كلام الآدميين لحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) (4) .
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 25/131.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 25/128.
(3) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 65/799.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 7/33.

(1/191)


حادي عشر: يستحب أن يجهر بالتسليمة الأولى أكثر من الثانية، وحمل الإمام أحمد حديث عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه) (1) على أنه كان يجهز بواحدة. ويستحب أن لا يمد السلام [ص:192] لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حذف السلام سنة) (2) قال ابن المبارك: معناه لا يمده مداً.
__________
(1) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 29/919.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 192/1004.

(1/191)


ثاني عشر: يستحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة ودعاؤه واستغفاره لما روى المغيرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لما روت عائشة رضي الله عنها لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (1) ، وروى ثوبان رضي الله عنه أنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام) (2) .
ويكره للإمام إطالة الجلوس في مكانه مستقبل القبلة، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) (3) فإن أحب قام وإن شاء القعود انحرف عن قبلته لما روى سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان النبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة، أقبل علينا بوجهه) (4) ، وينصرف حيث شاء عن يمين أو شمال، وإذا كان هناك نساء فيستحب أن يخرجن قبل الإمام والرجال لقول أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قُمْنَ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله. فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال) (5) . كما لا يستحب أن يخرج المأمومون قبل الإمام لحديث أنس رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم. فلما قضى [ص:193] الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: (أيها الناس إني إمامكم. فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود. ولا بالقيام ولا بالانصراف ... ) (6) .
كما يكره للإمام التطوع في موضع صلاة مكتوبة، نص عليه الإمام أحمد وقال: كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله) زاد في حديث عماد: في الصلاة يعني في السُّبْحة (7) ، ويُذكر عنه أيضاً رفعه (لا يتطوع الإمام في مكانه) (8) . أما المأموم فله أن يتطوع في موضع صلاته.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 71/808.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 26/135.
(3) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 224/298.
(4) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 71/809.
(5) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 79/828.
(6) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 25/112.
(7) أبو داود: مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 194/1006.
(8) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 73.

(1/192)


ثالث عشر: دعاء القنوت:
لا يسن القنوت قي صلاة الفرض إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة، فللإمام القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد يقنت بعد الركوع) (1) . وعن أنس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو إلى أحياء من أحياء العرب ثم تركه) (2) .
ويقول في قنوته نحواً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر رضي الله عنه. كان عمر رضي الله عنه يقول في القنوت: (اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم وأنزل بهمبأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ... ) (3) . [ص:194]
__________
(1) البيهقي: ج-2/ص 197.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 54/304.
(3) البيهقي: ج-2/ص 210.

(1/193)


-2ً-السنن الفعلية:
-
1ً- يستحب أن يرفع يديه ممدودتي الأصابع مضموماً بعضها إلى بعض حتى يحاذي بهما منكبيه أو فروع أذنيه في تكبيرة الإحرام والهوي للركوع والرفع منه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمد، ولا يفعل ذلك في السجود) (1) . ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه، فإن لم يرفعهما حتى كبر لم يرفعهما، وإن عجز عن رفع إحدى اليدين رفع الأخرى لقوله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (2) .
-
2ً- وضع يده اليمنى على اليسرى تحت السرة، لما روى قبيصة بن هُلْبٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنا فيأخذ شماله بيمينه) (3) .
-
3ً- يستحب أن يجعل نظره إلى موضع سجوده لأنه أجمع للمصلي وأكف لنظره.
-
4ً- يستحب أن يضع كفيه على ركبتيه في الركوع قابضاً لهما، وأن يسوي ظهره مع رأسه، ويجافي يديه على جنبيه، لما روى أبو حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ... وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره) (4) ، وفي لفظ له: (فركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنعه (5)) (6) ، وعن سالم البراد قال: أتانا عقبة بن عمرو، أبا مسعود، فقلنا: [ص:195] حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بين أيدينا في المسجد فكبر، فلما ركع كبر ووضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، ثم جافى مرفقيه، ثم قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) (7) .
-
5ً- البداءة بوضع الركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف في السجود، وإذا رفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) (8) . ويستحب أن يجافي عضديه عن جبنيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، لما روى عبيد الله بن عبد الله بن الأقرم الخزاعي عن أبيه قال: (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، قال: كنت أنظر إلى عُفْرَتَيْ إبطيه إذا سجد، أي بياضه) (9) ، ووصف البراء رضي الله عنه سجود النبي صلى الله عليه وسلم: (فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسجد) (10) ، كما يستحب أن يضم أن يضم أصابع يديه بعضها إلى بعض، ويضعها على الأرض حذو منكبيه، ويرفع مرفقيه، ويكون على أطراف أصابع قدميه ويثنيهما نحو القبلة، لما روى أبو حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: ( ... فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة..) (11) ، وعن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب) (12) .
-
6ً- الجلوس مفترشاً في كل القعود عدا القعود الأخير في الصلاة غير الثنائية (أي الصلاة الثنائية قعودها الأخير افتراش أيضاً) . والافتراش: هو أن يجلس [ص:196] المصلى على رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان ... ) (13) ويسن أن يثني أصابع رجله اليمنى ويوجهها نحو القبلة. ويكره الإقعاع: وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، هذه هي عقبة الشيطان المنهي عنه في الحديث المتقدم عن عائشة رضي الله عنها.
-
7ً- يستحب أن يضع المصلي يديه على فخذيه في الجلوس الأول والأخير، ويجعل اليسرى مبسوطة الأصابع مضمومة مستقبلاً بأطرافها القبلة أو يلفها ركبته، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى عاقداً الوسطى مع الإبهام عقد ثلاث وخمسين، ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى، ويقبض الخنصر والبنصر، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى. ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى. وعقد ثلاثاً وخمسين. وأشار بالسبابة) (14) .
-
8ً- ويستحب التورك في القعود الأخير إن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية، وهو أن يجلس متوركاً على شقه الأيسر، ويجعل باطن قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى، ويخرجها من جهة يمينه وينصب قدمه اليمنى، لما ورد في حديث آبي حميد رضي الله عنه في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: ( ... فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة، قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، قعد على مقعدته) (15) .
-
9ً- يستحب أن يلتفت عن يمينه فيقول: " السلام عليكم ورحمة الله " ويلتفت عن يساره كذلك،
لما روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة [ص:197] الله) (16) ، وأن يكون التفاته في الثانية أو في. قال ابن عقيل: يبتدئ بقوله: " السلام عليكم " إلى القبلة ثم يلتفت قائلاً: "ورحمة الله " عن يمينه ويساره لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه) (17) معناه ابتداء السلام.
-
10ً- تمكين أعضاء السجود من الأرض ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين.
-11- يستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة يقرأ فيها من خلفه الفاتحة، لما روى سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: حفظت سكتتين في الصلاة: سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب) (18) . قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب. إذا افتتح الصلاة وإذا قال: " ولا الضالين ".
-12- ويستحب للمكلف أن يصلي إلى سترة ويدنو منها، لما روى أبو سعيد رضي الله عنه: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة، وليْدنُ منها) (19) ،
وما روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار (20) ممرُّ الشاة) (21) .
وقدر السترة: مثل مؤخرة الرحل، وذلك قدر الذراع أو عظم الذراع، لما روى طلحة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فَلْيُصَلِّ ولا يبالِ من مرَّ وراء ذلك) (22) . [ص:198]
ويجوز أن يستتر بعصا أو بحيوان، لما روى ابن عمر رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَركز (23) - وقال أبو بكر يَغرز العنزة (24) ويصلي عليها) (25) وعنه أيضاً
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته وهو يصلي إليها) (26) . وقال نافع: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سترة قال: ولني ظهرك، فإن لم يجد سترة خط خطاً، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطاً ثم لا يضره ما مر أمامه) (27) ، ولا يصمد أمام الخط بل ينحرف عنه يسيراً، لحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمداً) (28) .
وتعد سترة لمن خلفه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 3/703.
(2) البخاري: ج-6 / كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب 2/6858.
(3) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 187/252.
(4) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 61/794، وهصر: أمال مع استقامة من غير تقوس.
(5) لم يصوب رأسه: لم يبالغ في خفضه وتنكيسه. ولم يقنعه: لم يرفعه.
(6) مسند الإمام أحمد: ج-5/424.
(7) المستدرك: ج-1/224.
(8) الترمذي: ج-1/ الصلاة باب 199/268.
(9) الترمذي: ج-1/ الصلاة باب 204/274.
(10) أبو داود: ج-1/ الصلاة باب 158/896
(11) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 61/794.
(12) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 205/275.
(13) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 46/240.
(14) مسلم: ج-1/كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 21/115.
(15) البخاري: ج-1/كتاب صفة الصلاة باب 61/794.
(16) الترمذي: ج-1/ الصلاة باب 221/295.
(17) ابن ماجة: ج-1/كتاب إقامة الصلاة باب 29/919.
(18) مسند الإمام أحمد: ج-5/ص-21.
(19) أبو داود: ج-1/كتاب الصلاة باب 108/698.
(20) الجدار: المراد به جدار المسجد النبوي مما يلي القبلة.
(21) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 49/262.
(22) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 47/241.
(23) يركز ويغرز كلاهما بمعنى، وهو إثبات الشيء بالأرض.
(24) العنزة: كنصف الرمح.
(25) مسلم: ج-1/ الصلاة باب 47/246.
(26) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 47/247.
(27) أبو داود: ج-1/كتاب الصلاة باب 103/689.
(28) أبو داود: ج-1/كتاب الصلاة باب 105/693.

(1/194)


حكم المرور بين يدي المصلي:
يحرم المرور بين يدي المصلي، لما روى أبو جهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن
يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) (1) ، فإذا أراد المرور دون السترة دفعه المصلي إلا أن يغلبه أو يحوجه إلى عمل كثير، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحدأن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) (2) . [ص:199] أما المرور من وراء السترة فلا باس به، فإن صلى إلى غير سترة ومر أحد من بين يديه أي قريب منه فحكمه حكم من مر بينه وبين لسترة (أي يحرم) .
ويقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد، لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان) (3) .
السترة في الحرم: لا حاجة في الحرم إلى سترة، ولا يضره من مر بين يديه، وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يصلي والطواف بينه ويين القبلة، وتمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدميها:
-
3ً- السنن القلبية:
-1- الخشوع: وهو حضور القلب وسكون الجوارح مع حسن الإنصات والفهم عن الله.
-2- أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، وإن لم ينوِ لم تبطل صلاته، لأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها، ولأنها عبادة فلا تجب النية للخروج منها كسائر العبادات. وإن نوى بسلامه السلام على الحفظة والمصلين معه فلا بأس، لما رُوي قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض) (4) . [ص:200]
__________
(1) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 48/261.
(2) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 48/259.
(3) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 50/265.
(4) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 30/922.

(1/198)


الفصل الرابع

(1/200)


مكروهات الصلاة
الكراهة عند السادة الحنابلة تنزيهية. والمكروهات في الصلاة هي:
-1- الاقتصار على الفاتحة فيما تسن فيه السورة بعدها.
-2- تكرار الفاتحة.
-3- حمد المصلي إذا عطس أو وجد ما يسره، كما يكره استرجاعه (قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون) إذا وجد ما يغمه.
-4- الالتفات لغير حاجة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) (1) . ولا تبطل الصلاة بالتفاته ما لم يستدار بجملته أو يستدبر الكعبة.
-5- رفع البصر إلى السماء، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام، يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم. فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) (2) .
-6- حمل مُشْغِل له عن الصلاة لأنه يُذهِب الخشوع.
-7- العبث باللحية، وافترش الذراعين في السجود. [ص:201]
-8- أن يصلي واضعاً يده عى خاصرته.
-9- كف الشعر أو الثياب أو تشمير الكمين، للحديث المتقدم ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر) . كما يكره أن يكون شعره معقوصاً أو مكتوفاً (أي مضفوراً) لحديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره) (3) .
-10- تشبيك الأصابع، لما روي كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه) (4) . كما تكره فرقعة الأصابع لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفقع أصابعك وأنت في الصلاة" (5) .
-11- التروح بمروحة ونحوها لأنه من العبث، إلا لحاجة كغم شديد. أما المراوحة بأن يرتاح على رجل دون أخرى فمكروهة إذا كثرت.
-12- الاعتماد على اليد في الجلوس، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد بن حنبل: أن يجلس الرجل في الصلاة، وهو معتمد على يده) (6) .
-13- مسح الحصى لحديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الرحمة تُواجهه فلا يمسح الحصى) (7) . [ص:202]
-14- الإكثار من مسح الجبهة، لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته) (8) .
-15- النظر إلى ما يلهيه، لما روت عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصه لها أعلام وقال: شغلتني أعلام هذه، فاذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنْبِجانِيَّةٍ) (9) .
-16- أن يصلي وبين يديه ما يلهيه، لحديث أنس رضي الله عنه قال: كان قرام لعائشة، سترت به جانب بيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أميطي عنا قرامك هذا، فإنه تصاويره لا تزال تعرض في صلاتي) (10) .
-17- استقبال صورة منصوبة لأنه يشبه سجود الكفار لها، ويكره أن يصلى إلى جدار فيه صور وتماثيل لما فيه من الشبه بعبادة الأوثان والأصنام، وظاهره أن ذلك يكره ولو كانت الصورة والتماثيل صغيرة لا تبدو للناظر إليها. ولا تكره الصلاة إلى صورة غير منصوبة، ولا السجود على صورة، وكذا لا تكره الصلاة إذا كانت خلفه أوفوق رأسه صورة أو عن أحد جانبيه. ويكره استقبال وجه آدمي أو نائم أو حيوان أونار في الصلاة.
-18- كثرة التميّل لقول عطاء: إني لأحب أن يُقل في الصلاة التحريك وأن يعتدل قائماً على قدميه، إلا أن يكون إنساناً كبيراً لا يستطيع ذلك. وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك. أما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلا بدم من توكئ على هذا الطرف مرة وعلى هذا مرة. [ص:203]
-19- تغميض العينين، نص عليه الإمام أحمد وقال: إنه من فعل اليهود.
-20- التمطي لأن ذلك يذهب الخشوع.
-21- الصلاة إلى القبر في غير المقبرة (أما في المقبرة فلا تصح الصلاة) .
-22- فتح الفم ووضع شيء فيه.
-23- الصلاة خلف صف فيه فرجة ومعه آخرين، أما إن كان يصلي وحده فصلاته باطلة.
-24- الإقعاء في الجلوس، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفعت رأسك من السجود فلا تُقع كما يقع الكلب. ضع أليتيك بين قدميك وألزق ظاهر قدميك بالأرض) (11) .
-25- أن يبتدئ الصلاة وهو حاقن (12) أو حاقب (13) أو تائق للطعام، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان) (14) . [ص:204]
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 11/718، والاختلاس: الأخذ بسرعة، على غفلة.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 10/717.
(3) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 67/1042.
(4) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 42/967.
(5) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 43/965.
(6) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 187/992.
(7) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 175/945.
(8) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 43/964.
(9) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 15/61، والخميصة: كساء مربع من صوف.
(10) البخاري: ج-1/ كتاب الصلاة في الثياب باب 14/367، والقرام: ستر رقيق من صوف، ذو ألوان ونقوش.
(11) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 22/896.
(12) الحاقن: محتبس البول.
(13) الحاقب: محتبس الغائط.
(14) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 16/67.

(1/200)


الفصل الخامس

(1/204)


مبطلات الصلاة
-1- طروء نجاسة غير معفو عنها ولم تزل في الحال.
-2- استدبار القبلة.
-3- تعمد كشف العورة بخلاف ما لو كشفت بفعل الريح وسترها في الحال
-4- طروء ناقض من نواقض الوضوء: فمن أحدث عمداً بطلت صلاته، وكذا إذا سبقه الحدث، أو طرء عليه ما يفسد طهارته كظهور قدم الماسح من الخف أو انقضاء مدة المسح بطلت صلاته.
-5- العمل الكثير المتوالي من غير جنس الصلاة، كفتح باب، ومشي، ولف عمامة، عمداً أو سهواً أو جهلاً لغير ضرورة. فإن كان لضرورة كهرب من عدو وخوف أو سيل أو سبع فلا تبطل به.
أما الحركات التي لا تبطل بها الصلاة فهي:
-
1ً- عدّ الآي والتسبيح.
-
2ً- قتل الحية والعقرب والقملة، ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة.
-
3ً- إن تثاءب في الصلاة استحب له أن يكظم، فإن لم يقدر وضع يده على فيه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن احدكم إذا قال ها ضحك [ص:205] الشيطان) (1) ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب) (2) .
-
4ً- إن بده البصاق بصق عن يساره أو تحت قدمه، فإن كان في المسجد بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامه في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال: ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره. تحت قدمه. فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض) (3) .
-
5ً- إن سلم على المصلي أحد ردَّ عليه بالإشارة، لما روي عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فبعثني في حاجة فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه على غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد عليّ. فلما انصرف قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي) (4) . وفي رواية أبو داود: (فكلمته، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته فقال لي بيده هكذا) (5) ، وعن صهيب رضي الله عنه أنه قال: (مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه، فرد إشارة) (6) .
-6- الاستناد قوياً لغير عذر.
-7- رجوعه عالماً ذاكراً للتشهد الأول بعد القيام والشروع في القراءة لأنه تلبس بركن مقصود.
-8- زيادة ركن فعلي عمداً كقيام وركوع وسجود. [ص:206]
-9- تقديم بعض الأركان على بعض عمداً.
-10- السلام قبل إتمام الصلاة عمداً.
-11- اللحن في قراءة الفاتحة نما بغير المعنى عمداً مثلاً (أنعمتُ بدلاً من أنعمتَ) .
-12- فسخ النية أثناء الصلاة، لأن النية شرط في جميعها وقد قطعها فتبطل صلاته.
-13- التردد في فسخ النية لأن التردد يبطل استدامة النية.
-14- إدامة الشك في النية لأن أثناء أداء ركن من أركان الصلاة.
-15- الشك في أداء تكبيرة الإحرام، فمن شك هل كبر للإحرام أم لا بطلت صلاته.
-16- الدعاء بملاذّ الدنيا.
-17- الإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
-18- القهقهة.
-19- الكلام ولو سهواً أو عمداً أو جهلاً، إلا إذا كان نائماً وهو قائم أو وهو جالس.
-20- تقدم المأموم على إمامه في صلاة الجماعة (الاعتبار للعقب) .
-21- تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه إلا إذا صلى محدثاً ناسياً حدثه ونحوه.
-22- تبطل صلاة المأموم بسلامه قبل إمامه عمداً أو سهواً. ولم يعده بعده. [ص:207]
-23- الأكل والشرب سوى اليسير عرفاً لساه وجاهل (أما ما علق بين الأسنان وابتلعه بلا مضغ فلا يبطل) .
-24- التنحخ بلا حاجة. والانتحاب بلا خشية، أو النفح، فبان منه حرفان. أما إذا غلبه سعال أو عطاس أو تثائب فلا تبطل وإن بان منه حرفان.
-25- مرور كلب أسود بهيم لا لون فيه سوى السواد بين يدي المصلي في ثلاثة أذرع فما دونها

(1/204)