فقه
العبادات على المذهب الحنبلي كتاب الزكاة
(1/345)
الباب الأول
(1/347)
تعريف الزكاة:
لغة التطهير والنماء، قال تعالى: {قد أفلح من زكاها} (1) أي طهرّها من
الأدناس، ويقال زكا الزرع إذا نما وزاد.
شرعاً: حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص.
حكمها: الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وهي فرض عين على كل توفرت فيه
شروط وجوبها، وتجب على الفور.
__________
(1) الشمس: 9.
(1/347)
دليل فرضيتها:
من الكتاب: قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (1) ، وقوله عز وجل:
(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) (2) .
ومن السنة: حديث: (بني الإسلام على خمس ... وإيتاء الزكاة) .
وقد أجمعت الأمة على أنها ركن من أركان الإسلام. وفرضت في السنة الثانية من
الهجرة.
__________
(1) البقرة: 43.
(2) المعارج: 24.
(1/347)
حكم مانع الزكاة:
أ- من أنكر وجوب الزكاة فقد كفر (إلا إن كان جاهلاً معذوراً كأن كان جديد
العهد بالإسلام فيعرّف بذلك ولا يحكم بكفره) وحكمه حكم المرتد. [ص:348]
ب- من منعها رغم اعتقاده بوجوبها أخذها الإِمام منه وعزّره، فإن لم يستطع
الإِمام أخذها منه استتابه ثلاثاً فإن تاب وأخرج ترك وإلا قتل وأُخذت من
تركته. وإن لم يكن أخذها بالقتال قاتله الإِمام، لما روى أبو هريرة رضي
الله عنه قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (والله لو منعوني عناقاً (1) ،
كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها) (2) .
شروط وجوب الزكاة:
-1- الإسلام: فلا تجب على الكافر الأصلي ولا المرتد.
-2- الحرية: فلا تجب على العبد ولا المكاتب. أما إن ملك المعتق بعضه بجزئه
الحر نصاباً لزمه زكاته.
-3- تمام الملك، الملك التام هو أن يكون المال بيده لا يتعلق به حق للغير،
ويتصرف فيه على حسب اختياره وفوائده له لا لغيره. وعليه لا تجب الزكاة:
-1ً- في الدين على المكاتب
لنقصان الملك فيه وعدم استقراره فإن المكاتب بملك تعجيز نفسه
-2ً- في المال الموقوف لأنه
لا مالك معين له.
-3ً- في حصة المضارب من
الريح قبل القسمة لأنه لا يملكها بعينها.
-4- في المال المتعذر كالدين على مفلس أو على جاحد ولا بينة للدائن به،
والمغضوب، والضال الذي لا يرجى وجوده لأن ملكه فيه غير تام لأنه غير مقدور
عليه. أما من له دين على مليء، أو مال يمكن استخلاصه كالمجمود الذي له
بينه، والمغضوب الذي يتمكن من أخذه فهذا عليه زكاته إذا قبضه لما مضى.
وكذا صداق المرأة حكمه حكم الدين ولو قبل الدخول، فإن كان الزوج مليئاً أو
غير جاحد وجبت فيه الزكاة، لا يلزمها الإخراج حتى تقبضه فتؤدي [ص:349] عما
مضى من السنوات، أما إن كان الزوج معسراً ويتعسر عليه الدفع، أو جاحداً ولا
بينة لها فلا تجب فيه الزكاة.
أما ما سقط من الصداق قبل قبضه بطلاق الزوج قبل الدخول مثلاً فليس فيه
القسم الساقط زكاة، وكذلك كل دين سقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه أو تلفه
فليس فيه زكاة.
فإذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو أبرأ الغريم غريمه من دينه، فعليها
زكاة الصداق أو الدين عن الأعوام الماضية لأنهما يكونان كمن تملك ماله ثم
انصرف فيه.
-4- ملك النصاب: فتجب الزكاة على من ملك نصاباً خالياً من دين، أما من ملك
نصاباً وعليه دين يستغرقه أو ينقصه فلا زكاة فيه سواء كان الدين حالاً أو
مؤجلاً، وسواء كان من الأموال الباطلة مثل الدراهم والدنانير وعروض التجارة
أو من الأموال الظاهرة كالمواشي والزروع والثمار، لما روى البيهقي أن عثمان
بن عفان رضي الله عنه قال بمحضر من الصحابة: (هذا شهر زكاتكم. فمن كان منكم
عليه دين فليقض دينه حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة) (3) . رواه أبو
عبيد في الأموال ولم ينكر فكان إجماعاً. ومن مات وعليه دين وزكاة لا تتسع
تركته لها قسمت بينهما بحصصهما، لأنهما تساويا في الوجوب فيتساويا في
القضاء.
-5- مضي الحول لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (من استفاد مالاً، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه)
(4) . ورفقاً بالمالك ليتكامل النماء فيواسي منه، فإن استفاد مالاً بإرث أو
هبة فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، إلا نتاج السائمة وربح التجارة ولو
لم يبلغ نصاباً فإن حولهما حولّ أصلهما فيجب ضمها إلى ما عنده إن كان
نصاباً، ولا يعتبر الحول في الخارج من [ص:350] الأرض. وإن لم يكن الأصل
نصاباً فحول الجميع من كمال النصاب، فلو ملك خمساً وثلاثين شاة فنتجت شيئاً
فشيئاً فحولها من حين بلوغها أربعين. وكذلك لو ملك ثمانية عشر مثقالاً
وربحت شيئاً فشيئاً فحولها منذ بلغت العشرين. ولا يبني الوارث على حول
الموروث، فإن ورث أربعين شاة في ربيع وكان بدء حولها عند مورثها في محرم
فإن حولها عند الوارث يبدأ في ربيع من حين دخولها ملكه.
وإن هلك النصاب أو واحد منه أثناء الحول أو باعه انقطع الحول، فإذا ولدت له
أخرى مكانها أوردت إليه استأنف الحول سواء ردت إليه ببيع جديد أو إقالة ما
لم يكن قاصداً الفرار من الزكاة فلا تسقط. أما إن نتجت واحدة أولاً ثم هلكت
واحد لم ينقطع الحول لأن النصاب لم ينقص، وكذلك إن أبدل نصاباً بجنسه لم
ينقطع الحول.
ولا يشترط لوجوب الزكاة البلوغ والعقل، لأن الزكاة تتعلق بالمال فتجب في
مال الصبي والمجنون، ويخاطب بها وليهما ويخرجها عنهما، لما روى عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: (ألا مَن
وَلى يتيماً له مالٌ فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) (5) . وأن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ابتغوا بأموال اليتامى لا تستهلكها
الزكاة) (6) .
ولا يشترط في وجوبها أيضاً إمكان الأداء، لما روى علي رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) (7)
. فيدل بمفهومه على وجوبها فيه عند تمام الحول، فلو تلف النصاب بعد تمام
الحول ضَمِن الزكاة ولم تسقط عنه سواء كان مفرطاً أو لم يفرط في التلف،
لأنه مال وجب بالذمة فلا يسقط بتلف النصاب كالدين كما أنه لا تسقط الزكاة
بموت من تجب عليه لأنه حق واجب تصح الوصية به فلا يسقط بالموت كدين الآدمي.
[ص:351]
__________
(1) العناق: الأنثى من أولاد المعز.
(2) البخاري: ج-2/ كتاب الزكاة باب 39/1388.
(3) البيهقي: ج-4 /ص 148.
(4) الترمذي: ج-3 / كتاب الزكاة باب 10/631.
(5) الترمذي: ج-3 / كتاب الزكاة باب 15/641.
(6) الدارقطني: ج-2 /ص 111.
(7) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 4/1573.
(1/347)
الباب الثاني (محال
الزكاة)
(1/351)
محال الزكاة خمسة:
-1- المواشي.
-2- الزروع والثمار.
-3- الذهب والثمار.
-4- المعدن.
-5- عروض التجارة.
أولاً: زكاة المواشي
شروط وجوب الزكاة فيها:
يجب أن تتوفر فيها بالإضافة إلى الشروط العامة ثلاثة شروط هي:
-1- أن تكون من بهيمة الأنعام سواء أكانت أهلية أو وحشية، لكثرة نمائها
ودرها ونفعها. ولا زكاة في غيرها كالخيل والبغال والحمير والرقيق، لحديث
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على
المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) (1) .
-2- أن تكون سائمة أي راعية معظم الحول، فلا زكاة في المعلوفة، لحديث أنس
بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب لهم: (في صدقة الغنم
في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة ... ) (2) ، فهذا يدل على نفي الزكاة
عن غير السائمة. [ص:352]
-3- أن تكون متخذة للدر والنسل لا للعمل، فإن كانت للعمل فلا زكاة فيها.
__________
(1) مسلم: ج-2/ كتاب الزكاة باب 1/8.
(2) النسائي: ج-5 /ص 17.
(1/351)
مقدار نصابها:
أ- من الابل خمس وتعتبر النجاتي (الجمل الذي له سنامان) نوع من الابل وتضم
إليها.
ب- ومن البقر ثلاثون وتعتبر الجواميس نوع من البقر وتضم إليها.
حـ- ومن الغنم أربعون ويعتبر الضأن والمعز جنساً واحداً ويضم بعضه إلى بعض.
إذا كان لرجل سائمة عجلان فأكثر بينهما مسافة قصر فلكل محل حكم نفسه، فإذا
كان له شياه بمحال متباعدة في كل محل أربعون فعليه شياه بعدد المحال، ولا
شيء عليه إن لم يجتمع له في كل محل أربعون مالم يكن خلطة. أما إن كان له
بمحال ليس بينها مسافة قصر ضم بعضها إلى بعض وكانت زكائها كزكاة المختلطة.
مقدار الزكاة:
أ- زكاة الابل:
-1- من (5 - 24) : في كل خمسة شاة إما جذعة ضأن (1) أو ثنية معز (2) .
-2- من (25 - 35) : بنت مخاض (لها سنة ودخلت في الثنانية) سالمة من العيوب،
فإن لم تكن فإبن لبون (له سنتان ودخل في الثالثة) ، فإن لم يجده وجب عليه
شراء بنت مخاض، فإن لم يجد جاز له اخراج حقَّه لأنها أعلى.
-3- من (36 - 45) : بنت لبون أثنى وهي ماله سنتان.
-4- من (46 - 60) : حقة (لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة) .
-5- من (61 - 75) : جذعة وهي التي ألقت سناً لها أربع سنين ودخلت في
الخامسة) . [ص:353]
-6- من (76 - 90) : بنت لبون.
-7- من (91 - 120) : حقتان.
-8- في الـ (121) ثلاث بنات لبون.
-9- من (122 - 199) : في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ففي الـ
(130) حقة وبنتا لبون.
-10- في الـ (200) أربع حقق أو خمس بنات لبون.
__________
(1) جدعة ضأن: بلغت سنة أشهر.
(2) أتمت السنة الأولى ودخلت في الثانية
(1/352)
ب- زكاة البقر:
- في الثلاثين: تبيع أو تبيعة (لها سنة ودخلت في الثانية) .
- في الأربعين مسنّة (لها سنتان ودخلت في الثالثة) ولا يجزء الذكر.
فإذا زادت على ذلك ففي كل تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنّة، ففي الستين
تبيعان أو تبيعتان، وفي السبعين مسنة وتبيع أو تبيعة، وفي الثمانين
مسنّتان، وفي التسعين ثلاث أتبعة، وفي المائة مسنة وتبيعان أو تبعتان، وفي
مائة وعشرة مسنتان وتبيع، وفي مائة وعشرين تجب أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات.
وهكذا وما بين الفريضتين معفو عنه ولا زكاة فيه.
جـ- زكاة الغنم:
من (40-120) : شاة (جذعة ضأن أي لها ستة أشهر، أو ثنية معز لها سنة ودخلت
في الثانية) .
ومن (121-200) : شاتان.
ومن (201-399) : ثلاث شياه.
ومن (400 فما فوق) : في كل مائة شاة، وما بين الفريضتين معفو عنهولا زكاة
فيه. [ص:354]
ماهية الزكاة المأخوذة:
لا يجزئ في الزكاة إخراج هرمة، ولا معيبة، ولا تيس لقوله تعالى: (ولا
تيمموا الخبيث منه تنفقون) (1) .
-2- ولا يجزئ في الزكاة إخراج الربى، وهي التي تربّى في البيت للبنها، ولا
الماخض وهي الحامل ولا التي طرقها الفحل لأن الغالب أنها حامل، ولا الأكولة
وهي السمينة، ولا فحل الماشية المعد لضرابها، ولا حزرات المال وهي خياره
تحزره العين لحسنه لقول النبي لحسنه صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه
لما بعثه إلى اليمن: (.. فإياك وكرائم أموالهم) (2)) إلا إن تبرع المالك
بدفع شيء من هذا أو أخرج بأعلى من جنسه.
-3- ولا يجزئ إخراج القيمة في شيء من الزكاة الواجبة، لما روى معاذ رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وقال له: (خذ
الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر) (3) .
__________
(1) البقرة: 266.
(2) مسلم: ج-1 /كتاب الإيمان باب 7/29.
(3) ابن ماجة: ج-1 /كتاب الزكاة باب 16/1814.
(1/353)
الخلطة في الزكاة:
الخلطة في السائمة هو أن يخلط شخصان أو أكثر من أهل الزكاة مواشيهما مع
بعضهما حولاً كاملاً بشرط أن يكون مجموعهما نصاباً فأكثر.
أقسامها اثنان:
أ- خلطة أعيان بأن يملكا مالاً مشاعاً يرثانه أو يشتريانه أو غير ذلك.
ب- خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما متميزاً فيخلطاه. [ص:355]
حكمها:
الخلطة في الزكاة هي أن يجعل المالين كالمال الواحد ضمن شروط معينة، فإذا
كان لإنسان شاة ولآخر تسعة وثلاثون فعليهما شاة، أو كان لأربعين رجلاً
أربعون شاة لكل واحد شاة واشتركوا حولاً تاماً فعليهم شاة على حسب ملكهم.
وإذا كان لثلاثة أشخاص مائة وعشرون لكل واحد أربعون ولم يثبت لأحدهم حكم
الانفراد في الحول فعلى الجميع شاة واحدة أثلاثاً في حين يلزمهم مع عدم
الخلطة ثلاث شياه.
شروط الخلطة:
-1- أن تكون في السائمة ولا تؤثر الخلطة في غيرها.
-2- أن يكون الخليطان من أهل الزكاة، فإن كان أحدهما مكاتباً أو ذمياً فلا
أثر لخلطته أنه لا زكاة في ماله.
-3- أن يختلطا في نصاب فإن اختلطا فيما دونه مثل أن يختلطا في ثلاثين لم
تؤثر الخلطة سواء كان لهما مال سواه أو لم يكن.
-4- أن تختلط الماشية في ستة أشياء: المسرح (1) ، والمشرب، والمحلب (2) ،
والمراح (3) ، والراعي، والفحل، لما روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين
مجتمع خشية الصدقة) (4) وفي رواية: (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق،
والخليطان ما اجتمع على الحوض والراعي والفحل) (5) .
-5- أن يختلطا في جميع الحول، فإن كان مال كل واحد منهما منفرداً فخلطاه
زكيله في الحول الأول زكاة الانفراد وفيما بعده زكاة الخلطة، فإن اتفق
حولاهما مثل [ص-355] أن يملك كل واحد منهما أربعين في أول المحرم وخلطاهما
في صفر أخرجا إذا تم حولهما الأول شاتين وإذا تم الثاني فعليهما شاة واحدة.
فإن اختلف حولهما فمن أحدهما أربعون في محرم ومن الآخر أربعون في صفر
وخلطاهما في ربيع أخرجا شاتين للحول الأول كلّ في جحوله: الأول في محرم
والآخر في صفر، فإذا تم الحول الثاني فعلى الأول نصف شاة أي في محرم للسنة
الثانية زكاة خلطة وعلى الثاني عند تمام حوله الثاني في صفر نصف شاة زكاة
خلطة لأن الثمانين الشركة تجب فيه شاة واحدة.
وإن باع أحدهما غنمه بغنم صاحبه وأبقياهما على الخلطة لم ينقطع حولهما ولم
تزل خلطتهما، وكذا إن باع البعض بالبعض من غير إفراد قل المبيع أو كثر.
أما إن أفرداها ثم تبايعا ثم خلطاها وطال زمان الإِفراد بطل حكم الخلطة.
وإن أفردا بعض النصاب تبايعا وكان الباقي على الخلطة نصاباً لم تنقطع
الخلطة لأنها باقية في نصاب، أما إن بقي أقل من نصاب فحكمها حكم إفراد جميع
المال. [ص:357]
__________
(1) المسرح: المرعى الذي ترعى فيه الماشية.
(2) المحلب: المكان الذي تحلب فيه الماشية.
(3) المراح: المكان الذي تروح إليه الماشية.
(4) الدارقطني: ج-2/ ص 105.
(5) الدارقطني: ج-2/ ص 105.
(1/354)
ثانياً: زكاة الزروع والثمار
دليل فرضيتها: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم
ومما أخرجنا لكم من الأرض) (1) .
شروط وجوبها: بالإضافة إلى الشروط العامة لوجوب الزكاة (ما عدا مرور الحول)
خمسة شروط خاصة بها:
-1- أن يكون حباً أو تمراً، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في حب ولا تمر صدقة، حتى يبلغ خمسة أوسقٍ،
ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة. ولا فيما دون خمس أواقٍ صدقة) (2) . وهذا
يدل على وجوب الزكاة في الحب والثمر وانتفائهما عن غيرهما.
-2- أن يكون قليلاً لتقديره بالأوسق.
-3- أن يكون مما يدخر، فتجب الزكاة في جميع الحبوب المكيلة المقتات منها
والقطاني (الفول، الحمص العدس ... ) والبذور وحب القطن ونحوها، وتجب في
التمر والزبيب واللوز والفستق والعناب لاجتماع هذه الأوصاف الثلاثة فيها.
ولا زكاة في سائر الفواكه كالجوز والتفاح والأجاص والتين لعدم الكيل فيها
وعدم الادخار في بعضها، لما روى البيهقي (أن عامل عمر رضي الله عنه كتب
إليه أن قبله حيطاناً فيها كروم وفيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من
الكروم أضعافاً. فكتب إليه يستأمره في العشر، فكتب إليه عمر أنه ليس عليها
عشر قال هي من العضاه كلها فليس عليها عشر (3)) . [ص:358] ولا زكاة في
الزيتون والرمان والورق والزهر، أما قوله تعالى: (والزيتون والرمان
متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) (4) قيل
لم يرد بهذه الآية
زكاة لأنها مكية نزلت قبل وجوب الزكاة.
-4- أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة فيه وإن لم يزرعه، فتجب
الزكاة فيما نبت بنفسه مما يزرعه الآدمي كمن سقط له حب في أرضه فنبت وفعل
الزرع ليس شرطاً. ولا زكاة فيما يكتسبه اللقاط، أو يأخذه أجرة لحصاده
ونحوه، ولا فيما يجنيه من المباح كالبطم والزعبل وبزر قطون.
ومن استأجر أرضاً أو استعارها فالزكاة عليه فيما زرع لأن الزرع ونفع الأرض
له دون المالك كما لو كانت الأرض موقوفة له فعليه زكاة ما ينبت.
-5- أن تكون نصاباً من جنس واحد، فلا يُضم جنس إلى آخر كأن يضم القمح إلى
الشعير، بخلاف الأنواع فإنها تُّضم بعضها إلى بعض ويخرج من كل نوع بقسطه،
فإن شق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها أخذ من الوسط، وإن أخرج رب المال الجيد
عن الرديء جاز وله ثواب الفضل.
__________
(1) البقرة: 267.
(2) مسلم: ج-2/ كتاب الزكاة /5.
(3) البيهقي: ج-4/ ص 125، والعضاه: المقطوع.
(4) الأنعام: 141.
(1/357)
مقدار النصاب:
خمسة أوسق (1) من الحب المصفى من التبن، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)
(2) ، وتضم أنوع الجنس بعضها إلى بعض ليكمل النصاب فيضم العَلَس إلى الحنطة
والسلت إلى الشعير لأنهما نوعا جنس واحد. ويضم زرع العام الواحد بعضه إلى
بعض سواء اتفق وقت اطلاعه وإدراكه أو اختلف، فلو حصدت الذرة ثم نبتت مرة
[ص:359] أخرى يضم أحدهما إلى الآخر لأنه زرع عام واحد. ولا يضم جنس إلى
غيره لأنهما جنسان مختلفان.
__________
(1) الوسق يساوي ستين صاعاً، فالنصاب يساوي (300) صاعاً، ووزن الصاع عند
الحنابلة (1728) غرام أي النصاب يساوي (300 x 1728)
غراماً أي 518. 4 كيلو غراماً.
(2) مسلم: ج-2/ كتاب الزكاة /3.
(1/358)
مقدار زكاة الزروع والثمار:
ما سقي بماء السماء والعيون والأنهار (أي بدون كلفة) فزكاته العشر وذلك
لخفة مؤنته.
-2- ما سقي بدولاب، يديره حيوان أو آدمي، أو بنضح، أو بماء اشتراه فزكاته
نصف العشر لارتفاع مؤنته، لحديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً (1) ، العشر،
وما سقي بالنضح نصف العشر) (2) .
-3- فيما سقي نصفه بغير كلفة ونصفه بكلفة ففيه ثلاثة أرباع العشر، لأن
النصف الأول فيه العشر والنصف الثاني فيه نصف العشر فالزكاة هي مجموعهما.
وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر بالأكثر، وإن اختلف الساعي ورب المال
في قدر السقي فالقول قول رب المال من غير يمين لأن الناس لا يستحلفون على
صدقاتهم.
__________
(1) ما سقي بماء السيل، وسمي عثرياً لأنهم كانوا يضعون في مجرى الماء
عاثوراً فيصطدم به الماء فيتراد نحو مجرى الأرض المراد سقيها.
(2) البخاري: ج-2/ كتاب الزكاة باب 54/1412.
(1/359)
متى تجب الزكاة:
تجب الزكاة عند بدو صلاح الزروع باشتداد الحب، لأنه حينئذ طعام، وهو قبل
ذلك بقل، كما تجب عند حلول طعم الحلو أو التلون في التمر والعنب، وهو قبل
ذلك بلح وحصرم، وبدو صلاح بعضه كبدو صلاح كله. [ص:360] فإن تلف الحب أو
الثمر قبل بدو الصلاح فلا شيء فيه لأنه تلف قبل الوجوب، وإن تلف بعد وجوب
الزكاة وقبل حفظها في بيدرها بغير تفريط، فلا ضمان عليه سواء خرصت أو لم
تخرص لأنها في حكم ما لم تثبت اليد عليه، أما إن تلفت بعد جعلها في بيدرها
فيضمنها. ويجوز لرب المال بعد وجوب الزكاة عليها البيع، لأن الزكاة ترتبت
في ذمته فلا يمنع من التصرف في ماله، ويجب عليه اخراج زكاته دون المشتري
كما لو لم يبعه.
متى يجب إخراجها:
يجب إخراج الزكاة من الحبوب بعد التصفية، ومن الثمار بعد الجفاف، لأنه وقت
الكمال وحالة الادّخار، وإن كانت ثمراً يستحب للإمام أن يبعث من يخرص
الثمار عند بدو الصلاح، لما روى عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: (أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يُخرص العنب كما يُخرص النخل وتؤخذ زكاته
زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً) (1) . ويخرص الرطب والعنب دون غيرهما،
لأن الحاجة داعية إلى أكلهما رطبين، وخرصهما ممكن لظهور ثمرتهما. فيطوف
الخارص بكل شجرة، ويقدر ثمرها رطباً ثم يابساً مفرقاً بين الأنواع
المختلفة، ثم يُعَرِّف المالكَ قد الزكاة، ويخيره بين حفظها إلى الجذاذ
وبين التصرف فيها وضمان حق الفقراء، فإن اختار حفظها فعليه زكاة ما يؤخذ
منها قلَّ أو كثر لأن الفقراء شركاؤه فليس له أكثر من حقهم فيها، وإن اختار
التصرف ضَمن حصة الفقراء بالخرص، ويتخير الساعي بين مقاسمة رب المال الثمرة
قبل الجذاذ بالخرص ويأخذ نصيبه شجرات منفردة وبين مقاسمة رب المال الثمرة
بعد جذها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين بيعها للمالك أو لغيره قبل
الجذاذ وبعده ويقسم ثمنها في الفقراء، فإن أتلفها رب المال فعليه قيمتها.
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 13/1603.
(1/359)
شروط الخارص:
يشترط في الخارص أن يكون ذكراً، مسلماً، أميناً، غير متهم، ذا خبرة،
[ص:361] ويصح أن يكون الخارص هو المالك نفسه إذا توفرت فيه الشروط
المذكورة، ويجزئ خارص واحد. والحكمة من الخرص هي معرفة القدر الذي وجبت فيه
الزكاة، والتوسيع على المالك إذ يتناول بعد الخرص من زرعه ما يشاء، وحفظ حق
الفقراء من الزكاة.
وعلى الخارص أن يترك من الخرص الثلث أو الربع توسعة على رب المال، لحاجته
إلى الأكل منها والإطعام، ولأنه قد يتساقط منها، وينتابها الطير والمارة،
لما روي عن سهل بن أبي حثمة قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إذا خرصتم فجذُّوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا أو تجذُّوا الثلث فدعوا
الربع) (1) ، فإن لم يترك الخارص شيئاً فيجوز الأكل بقدر ذلك ولا يُحتسب
عليه.
فإذا احتيج إلى قطع الثمرة قبل كما لها لخوف العطش أو غيره، أو لتحسين بقية
الثمرة، جاز ذلك لأن العشر وجب مواساةً فلا يكلف منه ما يهلك أصل المال.
__________
(1) أبو داود: ج-2/ الزكاة باب 14/1605.
(1/360)
حالة اجتماع العشر والخراج:
يجتمع العشر والخراج في كل أرض فُتحت عنوة (1) ، الخراج نقد في رقبتها
والعشر في غلتها. ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية ولا عشر عليهم في
الخارج منها لأنهم من غير أهل الزكاة، ولكن يكره للمسلم أن يبيعها لهم لئلا
يفضي إلى اسقاط الزكاة.
__________
(1) الأرض: أرضان صلح وعنوة، فأما المصلح فهو كل أرض صولح أهلها عليها
لتكون ملكاً لهم ويؤدون عليها خراجاً، وهذا الخراج كالجزية متى أسلموا سقط
عنهم، ولهم بيعها وهبتها ورهنها، ولا شيء إلا الزكاة فهي واجبة على كل
مسلم، وأما الأرض التي فتحت عنوة فهي وقف على المسلمين ويضرب عليها خراج
معلوم لا يسقط إذا أسلم أهلها وعليهم العشر عن غلتها.
(1/361)
زكاة العسل:
تجب الزكاة في العسل، لما روى الأثرم قال: "سئل أبو عبد الله: أنت [ص:362]
تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال: نعم، أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر، قد
أخذ عمر منهم الزكاة. قلت: ذلك على أنهم يطوعون، قال: لا بل أخذ منهم. "
وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ
في زمانه من قرب العسل (من كل عشر قرب قربة) (1) .
نصابه: مائة وستون رطلاً عراقية، وهي عشر أفراق كل فَرَق: ستة عشر رطلاً
عراقياً (2) ، لما روى الجوزجاني عن عمر رضي الله عنه (أن أناساً سألوه
فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لنا وادياً باليمن فيه خلايا
من نحل، وإنا نجد ناساً يسرقونها. فقال عمر: إن رأيتم صدقتها من كل عشرة
أفراق فَرَقاً حمينها لكم) .
والفَرَق: مكيال معروف بالمدينة، فحمل كلام عمر رضي الله عنه على المتعارف
ببلده أَولى. [ص:363]
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 12/1601.
(2) الرطل العراقي يساوي 4/7 128 الدرهم.
(1/361)
ثالثاً: زكاة الذهب والفضة
دليل فرضيتها: قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في
سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (1) .
نصابها الورِق (الفضة) مائتا درهم، والذهب عشرون مثقالاً (2) ، وما زاد
فبحسبانه، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمس أواق من الوَرِق صدقة) (3) . وعن علي رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال
عليها الحول ففيها خمسة دراهم، [ص:364] وليس عليك شيء - يعني في الذهب -
حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول
ففيها نصف دينار) (4) .
ويُضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب وإن كانا جنسين لأن مقصدهما
وزكاتهما متفقة فهما كنوعي جنس، ويكمل نوع بنوع آخر من جنس واحد ويؤخذ من
كل نوع بالقسط إن سهل وإلا أخذ من الوسط. ولا زكاة في المغشوش من الذهب أو
الفضة حتى يبلغ خالصه نصاباً وعنها يخرج الواجب إما خالصاً وإما مغشوشاً
خالصه بقدر الواجب.
وأما الفلوس فتجب الزكاة في قيمتها كعروض التجارة، وتضم العروض التجارية
إلى كل منهما في تكميل النصاب.
__________
(1) التوبة: 34.
(2) المثقال يساوي (3. 60) غراماً فالنصاب يساوي (20*3. 60) أي (72)
غراماً، وهو يعادل 10/11 10 ليرة رشادية، لأن وزن الذهب الصافي فيها (6. 6)
غرام فلنصاب منها يعادل 72/6. 6 = 10/11 10 ليرة. أو يعادل النصاب 9/11 9
ليرة إنكليزية (أو سعودية) ، لأن وزن الذهب الصافي فيها (7. 34) غرام
فالنصاب منها يعادل 72/7. 34 أي 9/11 9 ليرة.
ويعادل النصاب 1/3 13 ليرة سورية ذهبية، لأن وزن الذهب الصافي فيها (5. 4)
غرام فالنصاب منها يساوي 72/5. 4 ويساوي 1/3 13 ليرة.
ويعادل النصاب 74/79 10 ليرة حميدية، لأن وزن الذهب الصافي فيها (6. 5)
غرام، فالنصاب منها 72/6. 5 = 74/79 10 كما يعادل النصاب 28/31 12 ليرة
تونسية أو فرنسية ذهبية، لأن زن الذهب الصافي فيها (5. 58) غرام فالنصاب
72/5. 58=28/31 12.
(3) مسلم: ج-2/ كتاب الزكاة /6.
(4) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 4/1573.
(1/363)
مقدار الزكاة:
ربع العشر، لما ورد في الكتاب الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه لأنس رضي
الله عنه، وعليه خاتم رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم: فإذا فيه: (وفي
الرقة ربع العشر) (1) والرقة الدراهم المضروبة، فيجب في المائتين خمس دراهم
وفي العشرين مثقالاً نصف مثقال.
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 4/1567.
(1/364)
زكاة الجواهر: لا زكاة في الجواهر واللآلي،
لأنها معدة للاستعمال، ما لم تكن عروضاً تجارية.
زكاة الحلي:
أ- الحلي المباح: لا زكاة في الحلي المباح كحلية النساء وخاتم الرجل من
الفضة إن كان معداً للاستعمال لا للتجارة ولا للكري (1) ، لما روي عن بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (ليس في الحلي زكاة) (2) ولا فرق بين
كثير الحلي وقليله، فإن كسر الحلي كسراً يمنع لبسه وترك وحال عليه الحول
ففيه زكاة. [ص:365]
ويباح للرجل من الفضة الخاتم، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (اتخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق) (3) . والأولى أن جعله في
يساره ويكره بسبابة ووسطى، ويكره أن يكتب عليه ذكر الله قرآناً كان أو
غيره. ويباح له أيضاً قبيعة السيف وهي ما يجعل على طرف القبضة لما روي عن
أنس رضي الله عنه قال: (كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة)
(4) .
كما يباح له حلية المنطقة وهي ما يشد به الوسط ونحوها كحلية الجوشن والخوذة
والخف وحمائل السيف لأن ذلك يساوي المنطقة معنى فوجب أن يساويها حكماً، وقد
اتخذ الصحابة مناطق محلاة بالفضة، ولأنه يسير تابع، ولا يباح غير ذلك
كتحلية المراكب ولباس الخيل كاللجم وتحلية الدواة والمقلمة والمشط والمكحلة
والميل والمرآة والقنديل.
أما من الذهب فيباح للرجل قبيعة السيف أيضاً لأن عمر رضي الله عنه كان له
سيف فيه سبائك من ذهب، وعثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار من ذهب ذكر ذلك
أحمد وقيده باليسير. وكذلك يباح له ما دعمت إليه الضرورة كأنف ورباط أسنان،
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن (عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم الكلاب
فاتخذ، أنفاً من فضة فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ
أنفاً من ذهب) (5) .
ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه ولو كثر كالطوق والخلخال
والسوار والقرط والتاج وما أشبه ذلك، لما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حرم لبس الحرير والذهب على ذكور
أمتي وأحل لإناثهم) (6) . [ص:366]
ب- الحلي الحرّم: تجب الزكاة في الحلي المحرم، فمن ملك مصنوعاً من الذهب
والفضة محرّماً كالأواني وخاتم الرجل من الذهب أو غيره ففيه الزكاة. فإن
كان محرم الاستعمال معداً للتجارة وجبت الزكاة في قيمته كالعروض، وإن لم
يكن معداً للتجارة فزكاته على حسب وزنه ولو زادت قيمته لأنها حصلت بواسطة
صنعه محرمة يجب إتلافها شرعاً فلم تعتبر. أما في الصناعة المباحة كحلي
التجارة أو ما أعد للادّخار فعليه أن يزكي باعتبار قيمته لأنه لو أخرج قدر
ربع عشره وزناً فاتت قيمة الصنعة المباحة شرعاً على الفقراء وهو ممتنع.
[ص:367]
__________
(1) إن نوى بالحلي المباح للتجارة أو الكري انعقد عليه حول الزكاة من حين
نوى.
(2) الترمذي: ج-3/ كتاب الزكاة باب 12/636.
(3) البيهقي: ج-4/ ص 142.
(4) البيهقي: ج-4/ ص 143.
(5) البيهقي: ج-4/ ص 140.
(6) الترمذي: ج-4/ كتاب الزكاة باب 1/1720.
(1/364)
رابعاً زكاة المعدن
تعريف المعدن: المعدن هو ما استخرج من الأرض مما خلق فيها من غير جنسها
سواء كان جامداً كالذهب والفضة والحديد والبلور والعقيق والكبريت وأشباهها
أو مائعاً كالزرنيخ والنفط ونحوها.
دليلها: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما
أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} (1) .
__________
(1) البقرة: 267.
(1/367)
شروط وجوب زكاة المعدن:
يشترط بالإضافة إلى الشرائط العامة ما يلي:
-1- كمال النصاب بعد التصفية وهو مائتا درهم من الورق أو عشرون مثقالاً من
الذهب أو ما قيمته ذلك من غيرهما، لحديث جابر رضي الله عنه المتقدم ليس
فيما دون خمس أواق من الورِق صدقة) .
-2- أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة، فلا تجب على كافر أو ذميّ أو
مديون.
-3- استخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك إهمال،
فإن أخرج ما دون النصاب ثم ترك ترك إهمال ثم أخرج ما دون النصاب فلا زكاة
عليه في الإِثنين ولو كان مجموعهما نصاباً لفوات الشرط، أما إن كان أحدهما
يبلغ النصاب والآخر لم يبلغه أخرج زكاة الأول ولا شيء عليه في الثاني. أما
ترك العمل للنوم، أو لعذر من مرض، أو لإِصلاح الأداة، أو إباق عبد، أو
للاستراحة فلا يقطع حكم العمل وحكمه متصل. [ص:368]
ويعتبر النصاب في كل جنس منفرداً، والأولى ضم الأجناس من المعدن الواحد إلى
بعضها لتكميل النصاب لأنها تتعلق بالقيمة. ولا يحتسب بما أنفقه على المعدن
في إخراجه وتصفيته لأنه كمؤن الحصاد والزراعة.
ولا يشترط مرور الحول في وجوب زكاة المعدن.
مقدار الزكاة: ربع العشر سواء كان المعدن ذهباً، أو فضة، أو غيره، جامداً،
أو مائعاً، وما زاد على النصاب فبحسبانه لأنه مما يتجزأ. فإن كان المعدن
مستخرجاً من أرض مملوكة فهو لمالكها لا للمستخرج. وإن كان المعدن في أرض
مباحة غير مملوكة فالمُستخرج منها لمن استخرجه وتجب عليه فيه الزكاة ربع
العشر.
ويجوز بيع تراب معادن الذهب والفضة بغير جنسه، وزكاته تكون على البائع.
متى تجب زكاة المعدن: تجب زكاة المعدن بعد ظهوره، ولا يجب إخراجها إلا بعد
السبك والتصفية.
زكاة ما استخرج من البحر: لا تجب الزكاة فيما استخرج من البحر كاللؤلؤ
والمرجان والسمك والعنبر ولو بلغ نصاباً.
زكاة الركاز:
الركاز هو مال الكفار المدفون في الأرض، أو هو دفين الجاهلية، وكان عليه أو
على شيء منه علامة كفر كأسمائهم أو صورهم. ويجب فيه الخمس.
أما إن كان دفين إسلام بأن كان عليه شيء من القرآن، أو اسم من أسماء ملوك
المسلمين فيُرد إلى مالكه إن عُلم، لأنه مال مسلم، ومال المسلم لا يملك
بالاستيلاء عليه، وإن لم يعلم مالكه فهو لقطة. وكذلك إن كان على بعضه علائم
إسلام وعلى بعضه علائم كفر فهو لقطة أيضاً، وما لا علامة عليه فهو مال مسلم
تغليباً لحكم الإسلام. [ص:369]
ويشترط لوجوب زكاة الركاز بلوغ النصاب ولا يشترط مرور الحول.
حالات مختلفة في ملكية الركاز:
-1- إن وجد الركاز في أرض موات فهو لواجده.
-2- إن وجد في ملك آدمي معصوم ففيه روايتان، إحداهما: لواجده إن لم يدعه
المالك وهو معتمد، والثانية: للمالك إن اعترف به فإن لم يعترف فهو لمن
قبله.
-3- إن وجد في أرض حرب فهو لواجده إن قدر عليه بنفسه وإن لم يقدر عليه إلا
ببجماعة المسلمين فهو غنيمة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (العَجْمَاء (1) جُبَار (2) ، والبئر جبار،
والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس) (3) . [ص:370]
__________
(1) العجماء: هي البهيمة، سميت عجماء لأنها لا تتكلم.
(2) جبار: هدر.
(3) البخاري: ج-2/ كتاب الزكاة باب 65/1428.
(1/367)
خامساً: زكاة التجارة
تعريف عروض التجارة: هي ما يعد للبيع والشراء لأجل الربح، وسمي عرضاً لأنه
يعرض ثم يزول ويفنى.
دليل فرضيتها: ما روي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أما بعد، فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد
للبيع) (1) .
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 2/1562.
(1/370)
كيفية حساب الزكاة:
تقوّم العروض التجارية بما فيها من نماء وربح إذا حال الحول عليه، وأوله من
حين بلوغ القيمة نصاباً بأحد النقدين ذهباً أو فضة (ولا عبرة للنقد المشترى
بها) .
ويكمل النصاب التجارة بالأثمان لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة لأنها من
جنس واحد فعندها يخرج ربع العشر من قيمتها لا من أعيانها.
مقدارها: ربع العشر وما زاد على النصاب فبحسبانه، وتُخرج ذهباً أو ورِقاً
لأنهما جميعاً قيمة:
شروط وجوبها:
يشترط بالإضافة للشروط العامة ما يلي:
-1- نية التجارة: عند كل تصرف، بدليل الحديث: (من الذي نعد للبيع) وفي جميع
الحول.
-2- أن يملك العروض بفعله كالشراء ونحوه مقروناً بنية التجارة، بخلاف
الإِرث فإنه لم يكن بفعله. ولا يشترط أن تملك العروض بعرض فإن ملكه بهبة أو
غنيمة [ص:371] صح لأنه بفعله. فإذا لم ينو عند التملك ووى بعده لم تجب
الزكاة فيه، أما إن نوى بتملكه التجارة ثم نواه للقنية لم يصر لها حتى
يبيعه.
-3- أن تبلغ قيمة العروض نصاباً من أقل الثمنين قيمة ولا يعتد بما اشتراه
به، وإن كانت العروض أثماناً (أي نقود أخرى كأموال الصيارفة) قوّمها
كالسلع. وإذا اشترى نصاباً للتجارة بنصاب آخر لم ينقطع الحول لأن القيمة
واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول، وكذلك لو
باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان لم ينقطع الحول، أما لو اشترى نصاباً
للتجارة بنصاب سائمة أو العكس انقطع الحول لأنهما مختلفان.
-4- حولان الحول، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (من استفاد مالاً، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند
ربه) (1) ، ويشترط وجوب النصاب في جميع الحول، فلو اشترى لتجارة عروضاً لا
تبلغ نصاباً ثم بلغته انعقد الحول من حين صار نصاباً، وإن ملك نصاباً فنقص
أثناء الحول انقطع الحول فإن عاد فنما حتى بلغ النصاب استأنف الحول، وإن
ملك في أوقات مختلفة فلكل نصابٍ حول ولا يضم نصاب إلى نصاب، وإن لم يكمل
النصاب إلا بالثاني فحولهما منذ ملك الثاني وإن لم يكمل إلا بالثالث فحول
الجميع من حين ملك النصاب.
__________
(1) الترمذي: ج-3/ كتاب الزكاة باب 10/631.
(1/370)
حالة اجتماع زكاة تجارة وزكاة عين:
وذلك إذا كان عرض التجارة مما تجب الزكاة في عينه، كالنعم السائمة والزروع
وفي ذلك تفصيل:
-1- إذا ملك التجارة سائمة فحال الحول، والسوم ونية التجارة موجودان، فبلغ
المال نصاب أحدهما دون الآخر كخمس من الإِبل لا تبلغ قيمتها مائتي [ص:372]
درهم، أو أربع إِبل بلغت قيمتها مائتي درهم، وجبت زكاة ما كمل نصابه.
-2- إذا وجد نصاباً كخمس إبل قيمتها مائتا درهم وجبت زكاة التجارة وحدها
لأنها أحظ للفقراء وسواء تم حولهما جميعاً أو تقدم أحدهما.
-3- إذا اجتمعت زكاة تجارة مع زكاة زروع أو ثمار كتجارة أرض مع زروعهما أو
تجارة أشجار نخيل مع ثمارها ففيها قولان، الأول: تُقدم زكاة التجارة،
والثاني: يزكي الاثنين: زكاة الأرض والزروع أو زكاة عروض النخيل والثمر.
زكاة مال المضاربة:
إذا حال الحول على مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته من
الربح، لأن حول الربح حول الأصل، وله إخراجها من مال ويحسبها من نصيبه
لأنها واجبة عليه وهو المعتمد، ويحتمل أن تحتسب من الربح لأنها مؤنة المال.
وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه بإخراج الزكاة وأخرجا معاً الزكاة ضمن
كل واحد منهما نصيب صاحبه، وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب
الأول علم بإخراجه أو لم يعلم.
(1/371)
الباب الثالث (زكاة
الفطر)
(1/373)
الغرض منها: جبر الخلل الواقع في الصوم،
كما يجبر سجود السهو الخلل الواقع في الصلاة، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي
الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة
للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة
مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) (1) .
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 17/1609.
(1/373)
حكمها:
هي فرض، بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فرض زكاة الفطر، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد،
ذكر أو أنثى، من المسلمين) (1) ، وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم
(أنه فرض صدقة الفطر صاعاً من شعير أو تمر، على الصغير والكبير والحر
والمملوك) (2) .
شروط وجوبها:
-1- الإسلام: فلا فطرة على الكافر الأصلي. أما المرتد ففطرته موقوتة، إن
عاد إلى الإسلام وجبت عليه، وإلا فلا، وكذلك فطرة على المرتد مؤنته.
-2- إدراك جزء من رمضان وجزء من شوال أي إدراك غروب شمس ليلة العيد، فمن
مات بعد غروب شمس ليلة العيد وجب إخراج زكاة الفطر عنه بخلاف من مات قبل
الغروب. ومن ولد له ولد قبل غروب شمس ليلة العيد وجبت عليه فطرته بخلاف من
ولد بعد الغروب. (لكن يسن إخراجها عن الجنين) . [ص-374]
-3- وجود الفضل عن مؤنته ومؤنة عياله في يوم العيد وليلته، وتشمل المؤنة
القوت والمسكن وخادماً يحتاج إليه، وثوباً وقميصاً وسراويل وعمامة تليق به،
وما يحتاج إليه من زيادة لبرد أو تجميل.
ولا يشترط لزكاة الفطر أن تكون فاصلة عن دينه، إلا إذا كان يطلب به في
الحال فيُقدم وفاء الدين عليها، ومن أعسر وقت وجوبها فلا زكاة عليه ولو
أيسر بعده..
ولا يشترط لوجوبها العقل ولا البلوغ ولا الغنى (أي أن يكون مالكاً نصاباً)
، لما روى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي صُعْير عن أبيه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (صاع من بر أو قمح على كل اثنين صغير أو كبير حر
أو عبد ذكر أو أنثى، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله تعالى
عليه أكثر مما أعطى. زاد سليمان في حديثه: غني أو فقير) (3) .
__________
(1) البخاري: ج-2/ كتاب الزكاة باب 2/1433.
(2) أبو داود: ج-2/ الزكاة باب 19/1613.
(3) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 20/1619.
(1/373)
على من تجب زكاة الفطر:
تجب الزكاة على الشخص نفسه، وعمن تلزمه نفقته من المسلمين، إذ المعروف في
قواعد الفقه أن: كل من تلزمه من المسلمين، تلزمه فطرته، لحديث ابن عمر رضي
الله عنهما: المتقدم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر،
صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من
المسلمين) . فتجب على الرجل فطرة زوجته ولو كانت موسرة (1) ، وعبده، وزوجة
عبده، أما من نصفه حر ففطرته عليه وعلى سيده.
- ومن تكفل بمؤنة شخص فلا تلزمه فطرته لأنه لا تلزمه نفقته.
- ومن وجبت فطرته على غيره فأخرجها عن نفسه بغير إذنه أجزأته، لأنه المخاطب
بها ابتداء والغير متحمل. [ص:375]
__________
(1) إما إن كان الزوج معسراً والزوجة موسرة فعلى قول الإِمام أحمد تجب
عليها.
(1/373)
مقدار زكاة الفطر:
يجب على كل شخص إخراج صاعاً من بر أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط (1) ،
ويجزئ الدقيق إن كان يساوي الحب في الوزن، فإن لم يجد أحد هذه الأنواع أخرج
ما يقوم مقامه من كل ما يصلح قوتاً من ذرة أو أرز أو عدس أو نحوه ذلك، ولا
يجزئ الخبز لأنه خارج عن الكيل والادّخار، كما لا يجزئ إخراج حب معيب، أو
مسوس، أو قديم تغير طعمه، لقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) (2)
. ولا يجزئ إخراج قيمة الصاع نقداً.
__________
(1) لبن مجفف.
(2) البقرة: 267.
(1/375)
مصرف زكاة الفطر:
مصرفها مصرف زكاة المال لأنها زكاة مثلها، ويجوز أن يُعطي الجماعة فطرتهم
لواحد كما يجوز دفع زكاة ما لهم إليه.
وقت وجوبها: تجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة العيد.
وقت أدائها:
-1ً- وقت الجواز: يجوز
إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان
يؤديها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تعجيلها لأكثر من ذلك لأن الغرض
منها إغناء الفقير يوم العيد، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغنوهم عن الطواف في هذا اليوم) (1) .
-2ً- وقت مسنون: قبل صلاة
العيد لكف المحتاجين عن السؤال يوم العيد.
-3ً- وقت مكروه: فيكره
تأخيرها إلى آخر يوم العيد.
-4ً- وقت محرّم: ويحرم
تأخيرها عن يوم العيد بلا عذر (2) . وإذا فات يوم العيد لزمه القضاء.
[ص:376]
__________
(1) الدارقطني: ج-2 /ص 153.
(2) العذر: هو غياب ماله أو غياب المستحقين في ذلك الوقت.
(1/375)
الباب الرابع (أداء
الزكاة)
(1/376)
دافع الزكاة:
تدفع الزكاة من قبل مالك المال من نفسه، أو يدفعها عنه وكيله، أو يقوم إمام
المسلمين أو نائبه بتوزيعها بعد جمعها من دافعي الزكاة، وإن طلبها الإِمام،
ولو جائراً، عن مال ظاهر، كالماشية، والزروع والثمار، والمعدن، فيجب أداؤها
له وتجزئ عنه.
وتجب النية في أدائها من قبل المالك عند دفعها إلى الفقير أو إلى الوكيل،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية) ، ولأنها عبادة.
ويجب على الإِمام أن يبعث السعاة لقبض الصدقات لأن النبي صلى الله عليه
وسلم والخلفاء من بعد كانوا يفعلونه.
شروط الساعي:
أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً، ولا يشترط كونه فقيراً لأن ما يعطاه منها
أجرة فأشبه أجرة حملها، ولا حراً ولا فقيهاً. أما كونه مسلماً فهو شرط على
إحدى الروايتين، لأن الكفر ينافي الأمانة، ولأن عمر رضي الله عنه قال: (لا
تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى) .
ويجب أن يبعث لأخذ العشر في وقت إخراجه، وإن بعث لقبض غيره بعث في أول
المحرم لأنه أول السنة.
ويستحب للساعي إذا أعطي أن يدعو لصاحب المال لقوله تعالى: (خذ من أموالهم
صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) (1) ، [ص:377] وروى
عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم، إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: اللهم صلِّ عليهم، فأتاه أبي أبو أوفى
بصدقته فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى) (2) . كما يستحب له أن يقول:
"آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهوراً". أما المعطي
فيستحب له أن يقول: "اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً".
- وإن دفع زكاة ماله إلى الإِمام برئ منها بكل ولو أخذها الإِمام قهراً.
ولا يجوز إخراج الزكاة من قبل الزوجة أو أحد الأقارب عن الزوج من المال
الذي أخذ منه، لأنه لابد من نية صاحب المال أو موكله، وكذا لا يجوز إخراجها
من ماله المودع كأمانة ما لم يأذن الزوج بذلك.
ويجب أن يقصد بالنية معنى قوله: هذه زكاتي، أو فرض صدقة مالي. فإن نوى صدقة
مطلقة لم تجزئه، لأن الصدقة نفل فلا تنصرف إلى الفرض إلا بتعيين ولو تصدق
صدقة بجميع ماله تطوعاً لم يجزئه لأنه لم ينوِ الفرض.
ولا يجب تعيين المال المزكى عنه، فإن كان له نصابان فأخرج الفرض عن أحدهما
بعينه أجزأه، ولأن التعيين لا يضر، وإن أطلق على أحدهما أجزأه.
__________
(1) مسلم: ج-2/ كتاب الزكاة باب 53/176.
(1/376)
وقت تأديتها:
يجوز تعجيل الزكاة في أثناء الحول، قبل تمامه، بشرط أن يكون النصاب كاملاً،
لما روى علي رضي الله عنه (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في
تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك) (1) ، ويجوز تعجيل الزكاة لحولين
فأقل، لما روى علي رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
عمر - رضي الله عنه - ساعياً - ومنع العباس صدقته وأنه ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم ما صنع العباس فقال: أما [ص:378] علمت يا عمر أن عم الرجل صنو
أبيه إنا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين) (1) ولكن التعجل غير
مستحب.
- وإذا عجل الزكاة فلم تتغير الحال وقعت موقعها وأجزأته. وإن ملك نصاباً
فعجل زكاته وحال الحول وهو ناقص مقدار ما عجلها أجزأته، وإن تغيرت الحال
للآخذ فمات أو غني أو ارتد فإن الزكاة تجزئ عن مالكها وليس له ارتجاعها.
وإن كان الآخذ غنياً حين الأخذ ثم افتقر في آخر الحول لم تجزئه لأنه لم
يعطها لمستحقها. وإن تغير حال رب المال بموته أو ردته أو تلف النصاب أو
بعضه أو بيعه أو حالهما معاً تجزئ وليس له ارتجاعها.
- وإن مات المالك فحسبها الوارث عن زكاته لم تجزئه، لأنها عجلت قبل ملكه.
- ولا يجوز تعجيل زكاة المعدن والركاز قبل إخراجه، أما تعجيل زكاة الزروع
والثمار ففيها قولان.
- وإن أخذ الإِمام الزكاة وهلكت بيده لم يضمنها لأن يده كيد الفقير وله
ولاية عليه.
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 21/1624.
(2) البيهقي: ج-3 /ص 111.
(1/377)
مكان تأدية الزكاة:
لا يجوز نقل الزكاة من محل وجوبها إلى مسافة القصر فأكثر ولو كان ذلك بغية
إعطائها لقرابته، ما لم يستغن أهل بلده فيجوز نقلها، لقول النبي صلى الله
عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: (فأخبرهم أن الله قد فرض
عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم) (1) وهذا يختص بفقراء
بلدتهم. فإن خالف ونقلها أجزأته لأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ منه ولكنه
يأثم.
ويستحب تفرقة الزكاة في بلد وجوبها ثم في الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان
دون مسافة القصر، وإذ نقلها إلى بلد بعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة
فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر. [ص:379]
فإن كان الرجل في بلد وماله في بلد آخر زكّاه في بلد المال، فإن كان
متفرقاً زكى كل مال حيث هو.
وإن كان غائباً عن بلده وأهله والمال معه فالأسهل أن يزكي بعضه في هذا
البلد وبعضه في البلد الآخر، وإن كان ماله تجارة يسافر به يزكيه في الموضع
الذي أكثر مقامه فيه كما قال الإِمام أحمد، وإن كان ماله في بادية فرّق
زكاته في أقرب البلاد إليها.
أما زكاة الفطر فيجب تأديتها في مكان وجوبها عليه.
الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم: هم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله: {إنما
الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب،
والغارمين وفي سبيل الله، وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} (1)
وإنما تفيد الحصر فلا تصرف إلى غير من ذكر. ولا يجب تعميمهم بها، وإن تولى
الرجل إخراجها بنفسه سقط العامل عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لمعاذ رضي الله عنه في الحديث المتقدم: (أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ
من؟ أغنيائهم فترد على فقرائهم) أمر بردها في صنف واحد، وروى قبيصة بن
مُخَارِق الهلالي قال: تحملت حَمَاَلَة. فأتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم أسأله فيها. فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة. فنأمر لك بها ... ) (2)
وهو صنف واحد.
-1- العاملين عليها: إذا تولى الإِمام القسمة بدأ بالساعي فيعطيه عمالته
لأنه يأخذ عوضاً فكان حقه آكد ممن يأخذه مواساة. وللإمام أن يعين أجرة
الساعي قبل بعثه من غير شرط، فإن عين له أجرة دفعها إليه وإلا دفع إليه
أجرة مثله. والعامل عليها يشمل جامع الزكاة (الساعي) والكاتب والقاسم
والحاشر (الذي يجمع المواشي) - والسائق والراعي والحافظ والحمال والكيال
والعداد ونحو ذلك. فيعطون جميعهم من الزكاة ولو كانو أغنياء لأن ذلك على
سبيل الأجرة. [ص:380]
-2- الفراء والمساكين:
الفقير: هو من لا مال له أصلاً، ولا كسي من حلال. أو له مال أو كسب دون أن
يكفيه أي من ذلك، بأن كان أقل من نصف الكفاية. وهو أسوأ حالاً من المسكين
لأن الله تعالى بدأ به والله تعالى يبدأ بالأهم، ولأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر) (3)
، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم أحيني مسكيناً وأمتني
مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين) (4) .
أما المسكين: فهو من له مال أو كسب، أو كلاهما معاً، مما يكفي معظم
حاجياته.. وهكذا يكون المسكين أحسن حالاً من الفقير، ولأن الله تعالى وصفهم
في القرآن فقال عز من قائل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر}
(5) أي لهم سفينة يعملون فيها.
ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته مما لا تجب فيه الزكاة كالعقار
فليس بغني، وكذلك من ملك عقاراً يستغله أو ضيعة لا تكفيه يأخذ من الزكاة،
ومن ملك نصاباً زكوياً لا تتم به الكفاية كمن ملك أربعين شاة أو ضيعة لا
تكفيه فيعطى من الزكاة. وإن ملك من الأثمان ولو خمسين درهماً أو قيمتها من
الذهب لا تقوم بكفايته فليس بغني ويجوز دفع الصدقة له. وأما من تحصل له
الكفاية على الدوام من كسب أو تجارة أو أجر أو عقار أو نحو ذلك فلا يجوز
دفع الزكاة له.
-3- المؤلفة قلوبهم: هم السادة المطاعون في عشائرهم وهم قسمان: كفار
ومسلمون. [ص:281]
-1ً- الكفار ممن يرجى
إسلامهم أو يخاف شرهم: يجوز دفع الزكاة لهم، لما روي عن صفوان بن أمية أنه
قال: (أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الخلق
إلَّي: فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي) (6) .
-2ً- المسلمون وهم أربعة
أقسام:
أ- من أسلم وله شرف في قومه ويرجى بإعطائه من الزكاة إسلام غيره من الكفار،
فيعطى ولو كان قوي الإيمان.
ب- ضعيف الإيمان الذي أسلم حديثاً، فيعطى منها ليقوى إيمانه.
جـ- مسلم قوي الإيمان إذا أعطي قاتل ودافع عن المسلمين وكفانا شر من وراءه
من الكفار.
د- مسلم إذا أعطي جبى الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف أن لا يجيبها،
فيعطى من الزكاة.
فكل هؤلاء يجوز الدفع لهم من الزكاة لقدر ما يحصل به التأليف عند الحاجة
فقط، وترك عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم إعطاءهم لعدم الحاجة إليه في
خلافتهم لا لسقوط سهمه.
-4- الرقاب: هم المكاتبون (7) ، ولا يصدقون إلا ببينة، فيعطون م يعينهم على
العتق إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم (أقساطهم) . ولا يزاد المكاتب على ما
يوفي كتابته، ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتفسخ
كتابته.
ويجوز أن يشترى من الزكاة رقبة لا تعتق عليه فيعتقها، ويجوز أن يفك منها
أسيراً مسلماً لأنه رقبة من الأسر، ولا يجوز أن يعتق قنه أو مكاتبه عنها،
لأن أداء زكاة كل مال تكون من جنسه وهذا ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه.
[ص:382]
-5- الغارمون: وأقسامهم:
-1ً- مدين لتسكين فتنة بين
طائفتين، في قتيل لم يظهر قاتله، فيقضى دينه من سهم الغارمين، سواء كان
غنياً أو فقيراً.
-2ً- من استدان في مصلحة
نفسه أو عياله، وصرف ذلك في مباح، أو في معصية ثم تاب، فإنه يعطى من مال
الزكاة.
- يجوز للرجل دفع زكاته إلى مدينه، فإن رد المدين إلى المدائن دينه جاز
أخذه للدائن بشرط أن لا يكون الدائن أعطاه الزكاة بقصد رد الدين له. أما من
سقط دينه عن مدينة فَحَسبه الدائن من زكاته فلا تعتبر.
-6- في سبيل الله: هم الغزاة الذكور المتطوعون بالجهاد، وليس لهم نصيب من
المخصصات للغزاة في الدولة، فيعطون من الزكاة ولو كانوا أغنياء، إعانة لهم
على الغزو، ويجب على كل منهم أن يرد ما أخذه إن لم يغز، وكذا ما فضل بعد
الغزو.
ويجوز أن يعطى الفقير من الزكاة ما يؤدي به فرض حج أو عمرة لأن الحج من
السبيل.
-7- ابن السبيل: هو من ينشئ سفراً من بلد الزكاة، أو يكون مجتازاً لها،
فهذا يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده أو ماله بشرط كونه محتاجاً عندئذ،
وبشرط ألا يكون عاصياً في سفره، فلو سافر لمعصية لم يعط، وكذا الهائم في
سفره دون هدف، فإنه لا يعطى أيضاً.
أما من أراد أن ينشئ سفراً من بلده وليس معه ما يكفيه فيعطى لفقره لا
لسفره.
ولا يجوز أن يدفع إلى واحد من هذه الأصناف أكثر مما تندفع به حاجته، فلا
يزاد الفقير والمسكين على ما يغنيهما، ولا العامل على أجرته، ولا المؤلفة
قلوبهم على ما يحصل به التأليف، ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما،
ولا الغازي على ما يحتاج إليه لغزوه، ولا ابن السبيل على ما يوصله لبلده،
لأن الدفع لحاجة [ص:383] فيجب أن يُتقيد بها. وإن اجتمع في واحد سببان
كالغارم والفقير دفع إليه بهما، لأن كل واحد منهما سبب للأخذ، فوجب أن يثبت
حكمه حيث وجد.
__________
(1) التوبة: 60.
(2) مسلم: ج-2/ كتاب الزكاة باب 36/109.
(3) مسند الإِمام أحمد: ج-5 /ص 36.
(4) ابن ماجة: ج-2/ كتاب الزهد باب 7/4126.
(5) الكهف: 79.
(6) الترمذي: ج-3/ كتاب الزكاة باب 30/666.
(7) المكاتب: عبد اشترى نفسه من سيدة بأقساط.
(1/378)
من لا يجوز دفع الزكاة إليهم: ستة أصناف
هم:
-1- الكافر: لا يجوز الدفع إليه لغير التألف لقوله صلى الله عليه وسلم
لمعاذ رضي الله عنه: (زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم)
-2- العبد غير المكاتب، لأنه غني بسيده.
-3- بنو هاشم، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد المطلب بن
ربيعة: (إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل
محمد) (1) ، ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لابني عمه: (لا يحل لكما أهل البيت من الصدقات شيء، ولا غسالة
أيدي الناس، إن لكم في خمس الخمس لما يكفيكم) (2) .
وكذا تحرم الزكاة على بني عبد المطلب (على إحدى الروايتين) ، لما رواه جبير
بن المطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بنو هاشم والمطلب
شيء واحد) (3) ، ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فأشبهوا بني هاشم.
ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه إلى الهاشمي حلَّ له أخذه، لما روى أنس
رضي الله عنه قال: أهدت بريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحماً تُصدق به
عليها. فقال: (هو له صدقة. ولنا هدية) (4) .
-4- موالي بن هاشم: وهم مُعتَقوهم، لأنهم منهم، لحديث أنس بن مالك رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مولى القوم من أنفسهم) (5) .
[ص:384]
-5- الغني بمال أو كسب، فلا تحل له الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
( ... لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) (6) ، ولما روى عطاء بن يسار أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ
في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل
كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني) (7) .
وضابط الغنى في الكسب أو الصناعة أو الأجرة أو نحوها: الكفاية على الدوام،
وضابط الغنى في المال: ملك خمسين درهماً فضة أو قيمتها من الذهب لكل فرد من
أفراد الأسرة، لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو خموشاً
أو كدوحاً في وجهه، قيل يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو
قيمتها من الذهب) (8) . ومن ملك عروضاً تكثر قيمتها لا تقوم بكفايته جاز له
الأخذ من مال الزكاة.
وإذا كان للمرأة زوج غني فهي غنية بزوجها فلا تدفع لها الزكاة، أما إن لم
ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع إليها كمن له عقار يستغني بأجرته ثم تعطلت
منفعة العقار.
-6- من تلزم المزكي نفقته، فلا يدفع زكاته إليه باسم الفقراء والمساكين،
كالزوجة والوالدين وإن علو والأولاد وإن سفلوا (الوارث منهم وغيره أي والدا
الأب ووالدا الأم وأولاد الابن وأولاد البنت) . لكن يجوز دفع الزكاة إلى من
تلزم الزكي نفقته باسم الغزاة أو الغارمين أو العاملين أو المؤلفة قلوبهم.
أما الوارث غير العمودي نسبة (أي لا من الأصول ولا من الفروع) كالأخ والأخت
فيجوز دفع الزكاة له على قول أكثر أهل العلم، وكذلك القريب الذي [ص:385] لا
يرث، كأن كان محجوباً كالأخوين المحجوبين بالابن، أو لبعد قرابته، يجوز
الدفع إليه كالغريب.
وإن كان شخصان يرث أحدهما صاحبه دون الآخر، كالعمة مع ابن أخيها، فللمورث
دفع زكاتها إلى الوارث لأنه لا يرثه. أي تعطي العمة ابن أخيها زكاتها، فإذا
ملكها ثم مات ابن الأخ فإن عمته لا ترثه ولا ترجع زكاتها إليها.
- وفي دفع الوارث زكاته إلى مورثه روايتان.
- ولا يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى زوجها على المعتمد، لأنها تعود إليها
بإنفاقه عليها.
- ويجوز لكل واحد من هذه الأصناف الأخذ من صدقة التطوع.
- ولا يجوز صرف الزكاة إلى بناء المساجد والقناطر وتكفين الموتى ووقف
المصاحف وغيرها من جهات الخير، لأن الله تعالى حصرها في الأصناف الثمانية.
[ص:386]
__________
(1) مسلم: ج-2 /كتاب الزكاة باب 51/168.
(2) رواه الطبراني، مجمع الزوائد ج-3 /ص 91.
(3) البيهقي: ج-2 /ص 149.
(4) مسلم: ج-2 /كتاب الزكاة باب 52/170.
(5) البخاري: ج-6/ كتاب الفرائض باب 23/6380.
(6) أبو داود: ج-3/ كتاب الزكاة باب 23/1633.
(7) أبو داود: ج-3/ الزكاة باب 24/1635.
(8) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الزكاة باب 26/1840.
(1/383)
الباب الخامس (صدقة
التطوع)
(1/386)
حكمها: مستحبة في جميع أوقات السنة، ولكن
يضاعف أجرها في الأماكن الشريفة وفي الأزمنة الشريفة.
دليلها:
من القرآن: قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له
أضعافاً كثيرة} (1) .
ومن السنة ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب. إلا أخذها الله بيمينه. فيربيها كما
يربي أحدكم فَلُوَّهُ أو قَلُوصَه (2) . حتى يكون مثل الجبل، أو أعظم) (3)
، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن
الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عن ميتة السوء) (4) .
__________
(1) البقرة: 245.
(2) قلوصة: هي الناقة الفتية، ولا يطلق على الذكر.
(3) مسلم: ج-2 /كتاب الزكاة باب 19/64.
(4) الترمذي: ج-3/ كتاب الزكاة باب 28/664.
(1/386)
ما يستحب لصدقة التطوع:
-1ً- أن يكون سراً: بدليل
قوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو
خير لكم ويكفر عنكم سيئاتكم والله بما تعملون خبير) (1) . [ص:387]
-2ً- أن تكون على ذي رحم،
بدليل قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة) (2) ، وحديث
سلمان بن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين
صدقة. وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة) (3) ، وعن زينب امرأة ابن مسعود
رضي الله عنهما قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزي عني أن
أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري من صدقة؟ قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (نعم لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة) (4) .
-3ً- أن يختص بها من اشتدت
حاجته، بدليل قوله تعالى: (أو مسكيناً ذا متربة) (5) .
-4ً- وأفضل الصدقات ما كان
في سبيل الله، لأن ثوابها يضاعف إلى سبعمائة ضعف، لقوله تعالى: {مثل الذين
ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبيتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة
حبة} (6) .
__________
(1) البقرة: 271.
(2) البلد: 14 - 15.
(3) الترمذي: ج-3/ الزكاة باب 26/ 658.
(4) البخاري: ج-2/ كتاب الزكاة باب 47/1397.
(5) البلد: 16.
(6) البقرة: 261.
(1/386)
ما لا يجوز من الصدقة:
-1ً- أن يتصدق صدقة تمنعه
من قضاء دينه، لأن قضاء الدين واجب.
-2ً- أن تتقدم على نفقة
عياله، لأن نفقتهم واجبة، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) (1) ،
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة،
فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار، فقال: تصدق به على نفسك. قال: عندي
آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال عندي آخر، قال: تصدق به على [ص:388] زوجتك
- أو قال زوجك - قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك. قال: عندي آخر،
قال: أنت أبصر) (2) .
فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل، لقوله تعالى: ويؤثرون على أنفسهم
ولو كانت بهم خصاصة) (3) ، ولحديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم: (أفضل الصدقة جهد من مقل أو سر إلى فقير) (4) .
ويكره لمن لا صبر له على ضيق العيش أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة.
[ص:389]
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 45/1692.
(2) أبو داود: ج-2/ كتاب الزكاة باب 45/1691.
(3) الحشر: 9.
(4) مسند الإِمام أحمد: ج-5 /ص 178
(1/387)
|