فقه
العبادات على المذهب الحنبلي الباب الخامس
(1/474)
الفصل الأول
(1/474)
أوجه تأدية الحج
أوجه تأدية الحج ثلاثة هي:
-1- التمتع.
-2- الإفراد.
-3- القران.
-1- التمتع: وهو أن يحرم بعمرة من ميقات بلده في أشهر الحج، فإذا فرغ منها
أحرم بالحج من مكة في عامه، وعليه دم، لأنه في التمتع يفوت الإِحرام بالحج
من ميقات بلده، ولأنه يتمتع بمحظورات الإِحرام ما بين العمرة والحج. قال
تعالى: (فمن تمتع بلعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) (1) .
-2- الإِفراد: وهو أن يحرم بالحج مفرداً من ميقات بلده ثم يحرم بعمرة بعد
فراغه من الحج.
-3- القران: وهو أن يحرم بهما معاً، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها
الإِحرام بالحج قبل الطواف إن لم يكن معه هدي، فإن كان معه هدي فيجوز ولو
بعد السعي لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم عام حجة الوداع، فهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: من كان معه هديٌ فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما
جميعاً) (2) . ويجب على القرن دم، لأن القران نع من التمتع فيدخل في عموم
الآية: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) ، ولأن ترفه بترك أحد السفرين، ولفوات
أعمال العمرة كلها لأنها تندمج بأفعال الحج. [ص:475]
وتجزئ عمرة القارن وعمرة المفرد من أدنى الحل عن عمرة الإِسلام.
وأفضل هذه الوجوه على الترتيب:
-1ً- التمتع: لما روى جابر
رضي الله عنه (أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه، وقد
أهلوا بالحج مفرداً فقال لهم أحِلّوا من إحرامكم، بطواف بالبيت وبين الصفا
والمروة، وقصِّروا، ثم أقيموا حلالاً، حتى إذا كان يم التروية فأهلوا
بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة. فقالوا: كيف نجعلها متعة، وقد سمينا
الحج؟ فقال: افعلو ما أمرتكم، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم،
ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله. ففعلوا) (3) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو
استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولَحَلَلْت مع الناس حين حلوا)
(4) . فيدل هذا على فضيلة التمتع.
ويستحب للقارن ولمفرد إذا لم يكن معهما هدي أن يفسخا نيتهما بالحج وينويا
عمرة مفردة ليصيرا متمتعين لحديث جابر رضي الله عنه المتقدم. وقال سلمة ابن
شبيب لأحمد بن حنبل رضي الله عنه: "يا أبا عبد الله كل شيء منك حسن جميل
إلا خلة واحدة تقول بفسخ الحج. فقال أحمد: قد كنت أرى لك عقلاً، عندي
ثمانية عشر حديثاً صحاحاً جياداً كلها في فسخ الحج، أتركها لقولك:
-1ً- أما من ساق الهدي فليس
له ذلك للحديث المتقدم ولقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي
محله} (5) .
-2ً- الإفراد بعد التمتع،
لأنه يأتي بنسكين كاملي، والقارن يقتصر على عمل الحج فقط. [ص:476]
-3ً- القران.
حكم تغيير نية الإِحرام:
-1- لا يصح للمفرد أن يدخل على الحج عمرة ولا يصبح قارناً، لأن إحرامه بها
لا يزيده عملاً على ما لزمه بإحرام الحج لا يغير ترتيبه.
-2- يجوز للمتمتع (6) أن يدخل الحج على العمرة، ويصبح قارناً، ولو لم يكن
هناك عذر بشرط أن لا يكون طاف طواف العمرة، إلا إن كان معه هدي فله ذلك ولو
كان طاف وسعى لأن من سق هدياً لا يجوز له التحلل حتى ينحر هديه، فلا يتحلل
بطواف ويتعين عليه إدخال الحج على العمرة ويصير قارناً.
-3- يجوز للمفرد أن يفسخ حجه، ويتحلل بعمرة، ويصبح متمتعاً، بل إن ذلك
مستحب له لحديث جابر رضي الله عنه المتقدم.
-4- ويستحب للقارن أن يفسخ حجه، ويتحلل بعمرة إن لم يكن وقف بعرفة، ويصبح
متمتعاً، ولو طاف وسعى إن لم يسق معه هدي، وإلا فليس له أن يحل من إحرامه
بالحج ويجعله عمرة، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما قدم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى، فإنه لا يحلُّ من شيء
حَرُمَ منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت وبالصفا
والمروة وليقصرِّ ولْيَحْلِلْ ثم لْيُهِلَّ بالحج ولْيُهْدِ. فمن لم يجد
هدياً، فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) (7) .
__________
(1) البقرة: 196.
(2) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 17/111.
(3) البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 33/ 1493.
(4) البخاري: ج-2/ كتاب التمني باب 3/ 6802.
(5) البقرة: 196.
(7) مثال عن العذر: إذا حاضت المتمتعة قبل طواف العمرة وخشيت فوت الحج
أحرمت بالحج مع العمرة وصارت قارنة.
(8) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 14/174.
(1/474)
شروط تحقق الدم على المتمتع والقارن:
-1- شروط تحقق وجوب الدم على المتمتع:
-1ً- أن لا يكون من حاضري
المسجد الحرام، لقوله تعالى: {ذلك لمن لم [ص:477] يكن أهله حاضري المسجد
الحرام} (1) . وحاضرو المسجد الحرام هم أهل الحرم ومَن بينهم وبينه دون
مسافة القصر.
-2ً- أن يكون معتمراً في
أشهر الحج، فلو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وحل منها في أشهره لم يكن
متمتعاً.
-3ً- أن يحج من عامه الذي
اعتمر فيه.
-4ً- أن لا يسافر بين
العمرة والحج مسافة قصر فأكثر.
-5ً- أن لا يحل من عمرته
قبل إحرامه بالحج.
-6ً- أن ينوي التمتع في
ابتداء العمرة أو أثنائها، فلا تكفي نية العمرة فقط بل لا بد من ملاحظة
الحج.
-2- شروط تحقق الدم على القارن: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام.
ماهية الدم الواجب في المتمتع والقران: شاة، أو سبع بدنة، فإن نحر بدنة أو
ذبح بقرة فقد زاد خيراً.
وقت وجوبه: ذا أحرم بالحج (2) ، لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج
فما استيسر من الهدي} (3) . وقال القاضي: يجب الدم إذا وقف بعرفة.
وقت ذبحه: المعتمد في المذهب أنه لا يجزئ ذبح ما وجب على المتمتع والقارن
قبل يوم النحر، فإن فعل فعليه دم آخر ويمتد إلى ثاني أيام التشريق، وفي
رواية ثانية: يجوز النحر قبل إحرامه بالحج ولكن بعد إحرامه بالعمرة (4) ،
ولا يجوز تقديم النحر قبل الإِحرام بالعمرة لأنه تقديم له على سببه (5)
(الإِحرام بالحج والعمرة) فأشبه تقديم الزكاة على النصاب. [ص:478]
وأفضل وقت للذبح يوم النحر.
ما يقوم مقام الفدي في حال فقده:
من لم يجد الهدي لفقده، ولعدم القدرة على شرائه في موضعه، فعليه صم ثلاثة
أيام في الحج وسبعة إذا رجع، لقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في
الحج وسبعة إذا رجعتم} (6) . إذن الفدية بالصيام على الترتيب لا التخيير،
أي في حال فقد الهدي ينتقل إلى الصوم، فإن دخل في الصوم ثم قدر على الهدي
لم يلزمه الانتقال إليه.
__________
(1) و (3) البقرة: 196.
(2) عند الشافعي وأبو حنيفة والإِمام أحمد رضي الله عنهم.
(4) أي يجوز تقديم وقت الذبح على وقت وجوبه لأنه وُجد سببه وهو الإِحرام
بالعمرة.
(5) قال الإمام أحمد: إن قدم مكة قبل العشر ومعه هدي نحره عن عمرته لئلا
يضيع أو يموت أو يسرق، فإن قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى.
(6) البقرة: 196.
(1/476)
وقت الصوم:
-1- صوم ثلاثة أيام: له وقتان.
آ- وقت استحباب: يستحب أن يكون آخرها قبل يوم عرفة ليحصل صومها أو بعض
صومها بعد إحرامه بالحج.
ب- وقت جواز: يجوز صومها بعد إحرامه بالعمرة، أم قوله تعالى: (فصيام ثلاثة
أيام في الحج) أي في قت الحج أي في أشهره.
ولا يجوز الصوم قبل الإحرام بالعمرة.
-2- وقت اختيار: إذا رجع إلى أهله، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما في
الحديث المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن لم يجد هدياً فليصم
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) .
ب- وقت جواز: يجوز صومها بعد أيام التشريق، أي يجوز صومها في مكة أو في
طريقه إلى بلده. ولا يجب التتابع في كليهما لأن الأمر بالصوم مطلق كقضاء
رمضان. [ص:479]
فإن لم يصم ثلاثة أيام قبل يوم النحر صام أيام منى على إحدى الروايتين، لما
روي عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا: (لم يرخص في أيام التشريق أن
يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) (1) ، وعلى الرواية الثانية لا يصومها، لما روي
عن نبيشة الهُذَليِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق
أيام أكل وشرب) (2) ويصوم بعد ذلك عشرة أيام. [ص:480]
__________
(1) البخاري: ج-2/ كتاب الصوم باب 67/ 1894.
(2) مسلم: ج-2/ كتاب الصيام باب 23/144.
(1/478)
الفصل الثاني
(1/480)
التحلل من الإِحرام
للحج تحللان:
-1- التحلل الأول: يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهي: رمي جمرة العقبة، والحلق،
وطواف الإفاضة. إما أن يرمي ويحلق أو يطوف ويحلق.
-2- التحلل الثاني: يحصل بفعل الثالث منها.
هذا إذا كان سعى سعي الحج بعد طواف القدوم، أما إن لم يسع فعليه أن يسعى
بعد طواف الزيارة ويتوقف تحلله على السعي.
فإن تحلل التحلل الأول بالطواف والحلق توقف تحلله الثاني على الرمي، فإن
فات وقت الرمي ولم يرم سقط عنه وتحلل التحلل الثاني بسقوطه.
ويحل بالتحلل الأول كل محظورات الإحرام، إلا النكاح وعقده، والمباشرة
بشهوة، والوطء. ويحل بالتحلل الثاني ما تبقى منها، وهي كل ما يتعلق
بالعلاقة بالنساء. والدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان
عليكم حراماً إلا النساء، حتى تطوفوا بالبيت) (1) . [ص:481]
__________
(1) البيهقي: ج-5/ 136.
(1/480)
الفصل الثالث
(1/481)
إفساد الحج
لا يفسد الحج إلا بالوطء في الفرج قبل التحلل الأول، سواء كان الوطء في
القبل أو الدبر من آدمي أو بهيمة، ولو بغير إنزال، وسواء كان الواطئ عامداً
أو ناسياً، عالماً أو جاهلاً. (وكذا يفسد حج المرأة ولو كانت مستكرهة أو
نائمة) .
أما الوطء في غير الفرج (ومثلها المباشرة بشهوة) فلا يفسد الحج، ولكن إن
أنزل فعليه بدنة، وإن لم ينزل فعليه شاة.
وكذلك النظر لا يفسد الحج، وإن أنزل فعليه شاة، أما إن أنزل لتكرر النظر
فعليه بدنة، فإن لم ينزل فليس عليه شيء.
أم الفكر فلا يفسد الحج ولا شيء عليه أنزل أو لم ينزل، لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل
تجاوز لأمتي عما حدثت بنفسها ما لم تعمل أو تكلِّم به) (1) .
ما يترتب على من فسد حجه:
-1- المضي بالنسك الفاسد، لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} .
-2- ذبح بدنة على الواطىء، وكذا على المرأة الموطوءة إن كانت مطاوعة له أو
هي المتسببة، أما إن كانت مكرهة أو نائمة فلا بدنة عليها.
-3- القضاء على الفور: أي الحج في العام الثاني.
ويشترط لهما الإِحرام من نفس الميقات الذي أحرما منه بالنسك الفاسد، أو ما
يوازيه إن سلكا طريقاً غيره.
ويسن أن يتفرقا في حجة القاء، أي أن لا يركبا معاً على دابة واحدة، وأن لا
يجلسا معاً في خيمة واحدة (وإن كانت المرأة مطاوعة في الجماع فعيه نفقة
[ص:482] القضاء) بدليل الحديث الذي رواه البيهقي (أن رجل من جذام جامع
امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما:
اقضيا نسككما، وأهديا هدياً، ثم ارجعا، حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما
فيه ما أصبتما فتفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، وعليكما حجة أخرى،
فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه فأحرما وأتما نسككما
وأهديا) (2) .
أما الوطء في الفرج بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني، ولو كان الوطء
بعد الرمي وقبل الحلق، فلا يفسد الحج، ولكن عليه أن يخرج إلى الحل فيحرم
لطواف الزيارة بإحرام صحيح وعليه دم أيضاً.
فإن طاف للزيارة ولم يرم ثم وطئ لا يلزمه إحرام من الحل لأن الحج قد تمت
أركانه كلها والرمي ليس بركن وعليه دم. [ص:483]
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الإِيمان باب 58/202.
(2) البيهقي: ج-5/ ص 167.
(1/481)
الفصل الرابع
(1/483)
فوات الحج
يفوت الحج بفوات الوقوف بعرفة، سوء كان من فاته معذوراً أم لا. ويكون
الفوات بطلوع فجر يوم النحر قبل حضوره عرفة، لم روى ابن عباس رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن فاته عرفات فقد فاته
الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل) (1) .
أما إن أخطأ الناس جميعهم فوقفوا في غير يوم عرفة (اليوم الثامن أو العاشر)
أجزأهم ذلك. وإن وقع لنفر منهم لم يجزئهم لأنه تفريط منهم، وقد روي أن عمر
رضي الله عنه قال لهبار بن الأسود: "ما حسبك؟ " قال: كنت أحسب أن اليوم
عرفة، فلم يعذر بذلك.
ما يترتب على من فاته الحج:
-1ً- أن يتحلل بعمرة (أي
يطوف ويسعى بإحرامه ثم يتحلل) .
-2ً- القاء على الفور ولو
كان الحج نفلاً لأن بالشروع فيه التزمه، بدليل قوله تعالى: {وأتموا الحج
والعمرة لله} .
-3ً- نحر هدي في حجة
القضاء، لما روى الأسود قال: (سألت عمر رضي الله عنه عنرجل فاته الحج، قال:
يهل بعمرة، وعليه الحج من قابل، ويهريق دماً) (2) . [ص:484]
__________
(1) الدارقطني: ج-2/ ص-241.
(2) البيهقي: ج-5/ ص-175.
(1/483)
الفصل الخامس
(1/484)
الإِحصار
تعريف الإِحصار:
لغة: المنع.
وشرعاً: منع المحرم من إتمام ما يوجبه الإِحرام قبل أداء ركن النسك.
والإحصار نوعان:
أولاً: الإحصار العام:
-1- الإحصار عن الدخول إلى الحرم:
آ- إذا منع المحرم من دخول الحرم من قبل عدو للمسلمين لا يصل إليه إلا بعد
الفوات، لم يجز له التحلل بل يجب عليه المضي والتحلل بعمرة.
ب- إن لم يجد طريقاً آخر لا من قريب ولا من بعيد فعليه التحلل بذبح هدي ومن
ثم بالحلق، لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} (1) ، ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم حصره العدو بالحديبية فتحلل وذبح الهدي حيث
أُحصر. ويجب أن ينوي بذبحه التحلل به ثم الحلق، لما روى عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه سلم معتمرين، فحال كفار
قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه وحلق رأسه) (2) .
فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثم يحل، فإن نوى التحلل قبله فلا يحل بل
يبقى على إحرامه.
هذا، ولا قضاء على من أحصر، فإن قيل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى عمرة
الحديبية وسميت الثانية عمرة القضية، فإن الذين صُدوا في الحديبية كانوا
ألفاً وأربعمائة والذين اعتمروا في القضاء كانوا نفراً يسيراً ولم يأمر
الباقين بالقضاء. [ص:485]
فإن لم يحل المحصر حتى زال الحصر فلا يجوز له التحلل، لأنه زال العذر ولو
بعد الفوات، وعليه أن يمضي ويتحلل بعمرة وعليه هدي للفوات لا للحصر.
__________
(1) البقرة: 196.
(2) البخاري: ج-2/ الإحصار وجزاء الصيد باب 4/1717.
(1/484)
-2- الإحصار عن عرفة فقط:
ومن صد عن عرفة وتمكن من البيت فله أن يتحلل بعمرة، لأن له ذلك من غير حصر
فمعه أولى وليس عليه دم.
ثانياً: الإحصار الخاص:
مثل من أحصر بمرض، أو بفقد نفقة، حبسه سلطان أو غريم ظلماً أو بحق لا يقدر
على إيفائه. أو العبد إذا منعه سيده، أو الزوجة منعها زوجها، أو بعدم
اهتدائه إلى الطريق، فهو كالإحصار العام في جواز التحلل لعموم الآية، ولأنه
روي عن الحجاج بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كُسِرَ
وعرِجَ فقد حَلْ، وعليه حجة أخرى) (1) ، ولأنه محصر فأشبه من حصره العدو
على إحدى الروايتين. والرواية الثانية: ليس له التحلل حتى يقدر على البيت
الحرام وهو المعتمد، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا حصر إلا
من حبسه عدو فيحل بعمرة، وليس عليه حج لا عمرة) (2) ، لأنه لا يستفيد
بالتحلل انتقالاً من حال إلى حال أحسن منها. فإن فاته الحج تحلل بعمرة ولا
ينحر هدياً كان معه إلا بالحرم.
أما من شرط في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك ولا
شيء عليه، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن ضباعة بنت الزبير بن عبد
المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة ثقيلة، وإني
أريد الحج فما تأمرني؟ قال: أهلِّي بالحج، واشترطي أن محلِّي حيث تحسبني)
(3) . فالشرط يفيد إباحة التحلل عند المرض فإن لم يشترط لم يجز له التحلل
حال المرض. [ص:486]
__________
(1) الترمذي: ج-3/ كتاب الحج باب 96/940.
(2) فتح الباري: ج-4/ ص-3.
(3) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 15/106.
(1/485)
الفصل السادس
(1/486)
فدية محظورات الإِحرام
-1- فدية الحلق: وتشمل إزالة الشعر بالقطع والنتف والنورة وغيرها، سواء
لعذر أو غيره، وسواء كان الفاعل عامداً أم جاهلاً أم ناسياً.
ماهيتها:
-1ً- ففي حلق جميع الشعرة
أو بعضها، أي إما قص أو نتف، مد من طعام.
-2ً- وفي الشعرتين مدان.
-3ً- وفي الثلاث كحلق الرأس
كله إما ذبح شاة أو إطعام ثلاث أصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام
ثلاثة أيام، لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك} (1) .
أي أن الدم الواجب فيها على التخيير والتقدير فهو مخير بين الصوم أو الصدقة
أو الذبح ولا تعديل بينها، لما روى كعب بن عجرة رضي الله عنه، (أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية. فقال له: آذاك هوامُّ رأسك؟
قال: نعم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: احلق رأسك ثم اذبح شاة نسكاً.
أو صم ثلاثة أيام. أو أطعم ثلاثة آصُعٍ من تمر، على ستة مساكين) (2) . ومن
أبيح له الحلق لعذر فهو مخير في الفدية قبله أو بعده كما هو مخير في كفارة
اليمين قبل الحنث وبعده.
ولا تتكرر فدية الحلق بتكرره ما لم يكفر عن الحلق الأول قبل فعل الثاني،
فإن كفر عن الأول ثم حلق ثانياً فعليه فدية ثانية أيضاً.
-2- فدية تقليم الأظافر: هي نفس فدية الحلق، ففي الظفر كالشعرة وفي الظفرين
كالشعرتين وهكذا ... [ص:487]
-3- فدية اللبس والتطيب: ومن لبس أو غطى رأسه أو تطيب عامداً (أما إن كان
ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه) فعليه فدية مثل فدية حلق رأسه. وإن تعدد
اللبس فعليه فدية واحدة، كأن يلبس العمامة والقميص والسراويل. أما إن لبس
وتطيب وحلق وقلّم فعليه لكل فعل فدية.
وإن تكرر فعل المحظور من جنس واحد قبل أن يكفر عن الأول فعليه فدية واحدة،
أما إن كفّر عن الأول ثم فعل المحظور نفسه فعيه فدية ثانية وهكذا.
-4- جزاء الصيد: يجب الجزاء في الصيد على المحرم وصيد الحلال في الحرم،
لقوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم} (3) .
ويستوي فيها العمل والجهل.
__________
(1) البقرة: 196.
(2) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 10/84.
(3) المائدة: 95.
(1/486)
أقسام الصيد:
الصيد على ضربين:
-1- صيد له مثله من النعم:
آ- قضت به الصحبة فيجب فيه مثله من النعم، في الضبع كبش، وفي الأرنب عناق،
وفي الضب جدي، وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الظبية شاة.
ب- ما لم تقض به الصحابة فيرجع في تقديره إلى قول عدلين من أهل الخبرة،
لقوله تعالى: {يحكم به ذو عدل منكم} (1) ، يجوز أن يكون أحدهما هو القاتل.
ففي كبير الصيد كبير مثله، وفي صغيره صغير مثله، وفي كل واحد من الصحيح
والمعيب مثله.
وإن فدى الذكر بالأنثى جاز لأنها أفضل، أما العكس ففيه روايتان والمعتمد أن
يجزى فداء أنثى بذكر أيضاً.
وأن جنى على ما خض فأتلف جنينها ففيه ما نقصها كما لو جرحها. [ص:488]
-2- صيد ليس له مثله من النعم: يقوّم كالطير وشبهه من صغار الصيد ففيه
قيمته، إلا الحمام فإن فيه شاة لأن عمر وعثمان وابن عمر رضوان الله عليهم
قضوا في حمام الحرم بشاة.
ماهية فدية الصيد:
من وجب عليه جزاء الصيد فهو مخير بين إخراج المثل أو تقويم المثل ويشتري
بقيمته طعاماً ويتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوماً، لقوله تعالى: {فجزاء مثل
ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام
مساكين أو عدل ذلك صياماً} (2) . أي أن الدم المتوجب عليه على التخيير
والتعديل. [ص:489]
__________
(1) و (2) المائدة: 95.
(1/487)
|