مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه

كتاب1 الجهاد2
__________
1 هذا العنوان من النسخة الظاهرية، وسقط من العمرية. والكتاب مصدر، سمّي به المكتوب، كالخلق بمعنى المخلوق. يقال: كتبت كتاباً، والكتب الجمع.. ومنه كتبت الكتاب، أي جمعت فيه الحروف والمعاني المحتاج إليها.
وفي الاصطلاح: اسم لجنس من الأحكام ونحوها، تشتمل على أنواع مختلفة: كالطهارة مشتملة على المياه، والوضوء، والغسل، والتيمم، وإزالة النجاسة، وغيرها. وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا كتاب الجهاد الجامع لأحكامه.
انظر: الصحاح للجوهري1/208، والمصباح المنير2/524، والمطلع على أبواب المقنع ص5.
2 الجهاد مصدر جاهد جهاداً ومجاهدة، وجاهد: فاعل، من جهد. ومادة "جهد" تأتي لمعانٍ كثيرة في اللغة منها: الطاقة، والمشقة، ومادة جهد حيث وجدت ففيه معنى المبالغة.
الصحاح للجوهري 2/260، ومختار الصحاح ص114، ولسان العرب لابن منظور 3/133 وما بعده، وتاج العروس2/329، والمطلع على أبواب المقنع ص209.
وفي الشرع عرّف بتعريفين:
1- تعريف عام، يشمل كلّ ما يبذله المسلم من جهد يرضي به الله تعالى. وممن عرّفه بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:
"الجهاد: هو بذل الوسع، وهو القدرة في حصول محبوب الحقّ، ودفع ما يكرهه الحقّ. " وقال في موضع آخر:
"الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبّه الله، من الإيمان والعمل الصالح، وفي دفع ما يبغضه الله، من الكفر والفسوق والعصيان. "
2- وتعريف خاص وهو: أنّ الجهاد عبارة عن قتال الكفّار خاصّة. وعرّفه الجرجاني بقوله: "هو الدعاء إلى الدين الحق. "
وتعريف شيخ الإسلام أشمل، حيث جمع كل أنواع الجهاد التي يجب على المسلم أن يحققها في نفسه وفي غيره.
انظر: مجموع الفتاوى 10/191-192، والعبودية ص51، والجهاد في سبيل الله، حقيقته وغايته، للدكتور عبد الله أحمد القادري 1/49-50، والمبدع 3/307، وغاية المنتهى 1/441، ومطالب أولي النهى 2/497، وكشاف القناع3/32 والتعريفات ص80.

(8/3837)


[2746-] قال: قلت1-[لأبي عبد الله] 2- أحمد بن محمد بن حنبل3 [رضي الله عنه] : قول النبي صلى الله عليه [وسلم] : "الخيل معقود في نواصيها4 الخير إلى يوم القيامة؟ "5
__________
1 القائل هو إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، أبو يعقوب التميمي المروزي، راوي المسائل عن الإمام أحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى.
2 هذه العبارة وضعت بين معقوفتين لأنها سقطت من الظاهرية وانفردت بها العمرية، وما تنفرد به النسخة العمرية فإني أضعه بين معقوفتين دون التعليق عليه، وإذا انفردت به النسخة الظاهرية فإني أنبّه على ذلك.
3 في العمرية بحذف عبارة: (لأحمد بن محمد بن حنبل) .
4 الناصية واحدة النواصي، ونصوته قبضت على ناصيته، والمراد بالناصية في الحديث: الشعر المسترسل على الجبهة. الصحاح للجوهري 6/2510، مختار الصحاح للرازي 664، وفتح الباري 6/55.
5 ونصّ الحديث: عن عروة البارقي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة": الأجر والمغنم. رواه البخاري في صحيحه برقم: 2852، فتح الباري 6/56، كتاب الجهاد، باب الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
ومسلم في صحيحه 3/1493، كتاب الإمارة، باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، حديث رقم: (1872) ، كلاهما من طريق زكريا عن عامر عن عروة البارقي

(8/3838)


قال: يقول: الجهاد إلى يوم القيامة.1
قال إسحاق:2 [رضي الله عنه] إنما قال3 ذلك تحريضاً4 على
__________
1 نقل الترمذي قول الإمام أحمد فقال:
قال أحمد بن حنبل: "وفقه هذا الحديث أنّ الجهاد مع كل إمام إلى يوم القيامة."
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفيه -أي الحديث- بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون.
وهو مثل الحديث الآخر "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق" الحديث، سنن الترمذي 4/203، وفتح الباري 6/56، وطرح التثريب في شرح التقريب 7/234.
2 هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو محمد بن راهويه المروزي.
3 في العمرية بحذف لفظ (قال) .
4 التحريض على الشيء هو الحثّ عليه.
والتحريض على القتال: هو الحثّ والإحماء عليه.
مختار الصحاح ص130، القاموس المحيط 2/327 والمصباح المنير 1/130.
وقد حثّ الله تعالى على رباط الخيل، فقال عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} الآية، سورة الأنفال، آية رقم: (60) .
وروى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله تصديقاً بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (2853) ، فتح الباري 6/57، كتاب الجهاد، باب من احتبس فرساً في سبيل الله، من طريق طلحة بن أبي سعيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه

(8/3839)


ارتباط الخيل. وقد فسر ذلك الشعبي فقال: [الخير] 1 الأجر والمغنم.2
والنبي صلى الله عليه وسلم لوى ناصية فرسه بيده تعظيماً للخيل.3
وقوله: الجهاد ماض4 إلى يوم القيامة كما قال.
__________
1 في الظاهرية بلفظ (الخيل) وأثبتت كلمة (الخير) من العمرية.
2 قول الشعبي: لم أعثر عليه فيما رجعت إليه من الكتب.
3 عن جرير بن عبد الله. قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بإصبعه، وهو يقول: الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة"، الأجر والمغنم.
رواه الإمام مسلم في صحيحه 3/1493، كتاب الإمارة، باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة حديث رقم: 1872 من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير بن عبد الله.
4 في العمرية بحذف كلمة (ماض) .

(8/3840)


[2747-] قلت: الرهان1؟
قال2: إذا جعل معهما فرس محلل3 ليس4 بدونهما.
قال: المحلل لا يكون بدونهما5 في الجري والقوة.
وإن سبق كان له السبق [منهما] ، وإن سبق لم يكن عليه
__________
1 في العمرية بلفظ قلت: في الرهان بإضافة (في) .
والرهان: المسابقة على الخيل وغير ذلك، ويطلق على المسابقة على الخيل أكثر.
تاج العروس9/222، لسان العرب13/188.
2 في العمرية سقط لفظ (قال) .
3 المحلل: اسم فاعل من حلل الشيء: جعله حلالاً لأنه حلل الجعل بدخوله بينهما.
والفرس الثالث الذي يدخل بين الفرسين يسمى المحلل. وصورة الرهان والمسابقة في الخيل: أن يتسابق الرجلان بفرسيهما، فيعمدا إلى فرس ثالث كفء لفرسيهما يدخلانه بينهما، ويتواضعا على مال معلوم يكون للسابق منهما، فمن سبق أحرز سبقه، وأخذ سبق صاحبه، ولم يكن على المحلل شيء، فإن سبقهما المحلل أحرز السبقين معاً. وإنما يحتاج إلى المحلل فيما كان الرهن دائراً بين اثنين، فأما إذا سبق الأخير الخيل وجعل للسابق منهما جعلاً، أو قال رجل لصاحبه: إن سبقت فلاناً فلك عشر دراهم، فهذا جائز من غير محلل.
المطلع على أبواب المقنع ص 268، والصحاح للجوهري 4/1675، والمصباح المنير1/147، ومعالم السنن للخطابي المطبوع مع مختصر أبي داود 3/401، والمغني 8/658، والفروسية لابن القيم ص72، وتكملة المجموع للمطيعي 14/41.
4 في العمرية سقط لفظ (ليس) .
5 في الظاهرية بلفظ (دونهما) .

(8/3841)


شيء.1
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 قال الخرقي رحمه الله:
"إن أخرجا جميعاً لم يجز، إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما، أو بعيره بعيريهما، أو رميه رمييهما. فإن سبقهما أحرز سبقيهما، وإن كان السابق أحدهما، أحرز سبقه، وأخذ سبق صاحبه، فكان كسائر ماله، ولم يأخذ من المحلل شيئاً".
وذكر المرداوي أن هذا المذهب، وعليه الأصحاب.
ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله: جواز السبق من غير محلل. وعلل ذلك، بأن عدم المحلل أَوْلى وأقرب إلى العدل من كون السبق من أحدهما، وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما، وهو بيان عجز الآخر. وأن الميسر والقمار منه لم يحرم لمجرد المخاطرة، بل لأنه أكل للمال بالباطل، أو للمخاطرة المتضمنة له.
مختصر الخرقي ص214، المقنع2/222، والإنصاف6/93، وحاشية المقنع التي وجدت بخط الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله2/222.
2 ذكر ابن المنذر المسألة وقول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله فقال: وقد اختلفوا في هذا الباب.
وقال أحمد وإسحاق في المحلل: "لا يكون بدونهما في الجري والقوة، إن سبق كان له السبق منهما، وإن سبق لم يكن عليه شيء".
الأوسط3/34، وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني8/658، والفروسية لابن القيم ص72.
واستدل على ذلك بما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدخل فرساً بين فرسين" - "يعني وهو لا يؤمن أن يسبق" "فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار".
رواه أبو داود في سننه 3/30 كتاب الجهاد، باب في المحلل، برقم 2579.
قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب قال: وهذا مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب نفسه.
وهكذا رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري عنه عن سعيد بن المسيب مثل: الليث بن سعد، وعقيل، ويونس، ومالك بن أنس وذكره في الموطأ، عن سعيد بن المسيب نفسه، ورفعه سفيان بن حسين الواسطي، وهو ضعيف.
الفروسية لابن القيم ص42، تهذيب سنن أبي داود3/400

(8/3842)


[2748-] [قال] : قلت: الطعام يحمل من أرض العدو؟
قال: أعجب إلي1 أن ينظر2 إلى قيمته فيلقيه في المغنم3
__________
1 هذا اصطلاح للإمام أحمد رحمه الله، والمراد به أنه يستحب أن يعرف قيمة ما أخذ، فيرجعه إلى المغنم.
[] راجع: الفروع 1/67، والمسودة لآل تيمية ص 529-530، والإنصاف 12/249، ومفاتيح الفقه الحنبلي 2/21.
2 في العمرية سقطت كلمة "ينظر".
3 الطعام إن كان كثيراً فلا خلاف أنه يرد في المغنم، لأن ما كان مباحاً له في دار الحرب، فإذا أخذه على وجه يفضل منه كثير إلى دار الإسلام، فقد أخذ ما لا يحتاج إليه، فيلزمه رده، لأن الأصل تحريمه لكونه مشتركاً بين الغانمين كسائر المال، إنما أبيح منه ما دعت الحاجة إليه، فما زاد يبقى على أصل التحريم.
أما الطعام اليسير إذا فضل معه، ففيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله:
إحداهما: "إن فضل معه شيء من الطعام وأراد الرجوع من الغزو، وجب رده في المغنم، ولو باعه رد ثمنه".
وهذا هو المذهب، اختاره أبو بكر الخلال، وأبو بكر عبد العزيز، والقاضي.
الثانية: "إن فضل معه طعام يسير كالطبخة والطبختين من اللحم، والعليفة والعليفتين من الشعير، لا بأس به، لأن اليسير مما تجري فيه المسامحة، نص الإمام أحمد على المقدار في رواية أبي طالب.
[] المغني 8/442-443، والإنصاف 4/154، والفروع 6/235، والمبدع 3/352، والمقنع 1/498، والكافي 4/287، والروايتين والوجهين لوحة رقم 183.
قال ابن هانئ: سئل- أي الإمام أحمد - عن رجل: يفضل معه الخبز إلى منزله، فينظر كيف يباع في السوق فيلقي ثمنه في المقسم، أيكره ذلك؟ قال: أرجو أن لا يضيق على الناس، قدر هذا يأكله ولا يطرح ثمنه في المقسم. مسائل ابن هانئ 2/114 برقم 1664.

(8/3843)


وأهل الشام1
__________
1 قال ابن القيم: وكان من المفتين بالشام أبو إدريس الخولاني، وشرحبيل بن السمط، وعبد الله بن أبي زكريا الخزاعي، وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي، وحيان بن أمية، وسليمان بن حبيب المحاربي، والحارث بن عمير الزبيدي، وخالد بن معدان، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وجبير بن نفير.
ثم كان بعدهم عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، ورجاء بن حيوة، وكان عبد الملك بن مروان يعد في المفتين قبل أن يلي ما ولي، وحدير بن كريب.
ثم كان بعدهم يحيى بن حمزة القاضي، وأبو عمرو، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وإسماعيل بن أبي [] [] المهاجر، وسليمان بن موسى الأموي، وسعد بن عبد العزيز، وذكر غير هؤلاء. إعلام الموقعين 1/26-27.

(8/3844)


يرخصون فيه.1
قال إسحاق: كما قال.
[2749-] قلت: لكم من فرس يسهم2؟
__________
1 نقل ابن قدامة نحو هذا القول عن الإمام أحمد فقال: "قال أحمد: أهل الشام يتساهلون في هذا". المغني 8/443.
ونقل الإمام الشافعي رحمه الله عن الأوزاعي قوله:
"كان المسلمون يخرجون من أرض الحرب بفضل العلف والطعام إلى دار الإسلام، ويقدمون به على أهلهم، وبالقديد، ويهدي بعض إلى بعض، ولا ينكره إمام، ولا يعيبه عالم. وإن كان أحد منهم باع شيئاً منه قبل أن تقسم الغنائم، ألقى ثمنه في الغنيمة، وإن باعه بعد القسمة يتصدق به عن ذلك الجيش".
الأم 8/345، وراجع الرد على سير الأوزاعي لأبي يوسف الأنصاري ص 47، وشرح صحيح مسلم للنووي 12/102، وشرح السنة للبغوي 11/123، والكافي4/287، والمبدع3/352، ومعالم السنن للخطابي 4/35.
قال ابن المنذر: قد وردت الأحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول، واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام، وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه. فتح الباري 6/256.
2 السهم: هو النصيب المحكم، والجمع أسهم وسهام وسهمان -بالضم- الصحاح للجوهري 5/1956، ولسان العرب 12/308، والمصباح المنير 1/293.

(8/3845)


قال: لا يسهم لأكثر من فرسين أربعة أسهم1.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 قال الخرقي: "لا يسهم لأكثر من فرسين".
وقال ابن قدامة: "يعني إذا كان مع الرجل خيل، أسهم لفرسين أربعة أسهم، ولصاحبهما سهم، ولم يزد على ذلك".
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به الأكثر. وقيل يسهم لثلاثة، جزم به في التبصرة، والإسهام لفرسين أو ثلاثة من مفردات المذهب.
مختصر الخرقي ص 201، والمغني 8/407، والإنصاف 4/174.
وراجع الكافي 4/299، والفروع 6/232، والمبدع 3/368، والمذهب الأحمد لابن الجوزي ص 205.
قال ابن حجر رحمه الله: "قال الليث، وأبو يوسف وأحمد، وإسحاق: يسهم لفرسين لا لأكثر، وفي ذلك حديث أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبي عمرة، قال: "أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لفرسي أربعة أسهم، ولي سهماً، فأخذت خمسة أسهم".
قال القرطبي: "ولم يقل أحد إنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغاً ما بلغت، ولصاحبه سهم، أي غير سهمي الفرس."
فتح الباري 6/68، وسنن الدارقطني 4/104، والجامع لأحكام القرآن 8/16.
2 نقل قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله كل من ابن حجر في فتح الباري 6/68 والعيني في عمدة القاري 14/156.

(8/3846)


[2750-] قلت: أهل الذمة1 يغزون مع المسلمين [أ] يسهم لهم؟
قال: الغالب على أن لا يستعان بمشرك.2
__________
1 الذمة في اللغة: الأمان والعهد، وأهل الذمة: هم المعاهدون من النصارى واليهود وغيرهم ممن يقيم في دار الإسلام.
مختار الصحاح للرازي ص 223، والقاموس المحيط4/115، والسير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني 1/168.
ومعنى عقد الذمة: هو إقرار بعض الكفار على كفره، بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة.
المبدع3/404، وكشاف القناع3/116.
2 نقل الخلال نص هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في كتابه أحكام الملل، كتاب السير، لوحة رقم 98.
وسأل ابن هانئ الإمام أحمد عن القوم من أهل الذمة يغزون مع المسلمين، هل يضرب لهم بسهم؟ وكيف إن كانوا مستأمنين هل لهم سهم؟ قال: من شهد الوقعة منهم أسهم له.
مسائل ابن هانئ 2/111 برقم 1649.
قال ابن قدامة: ولا يستعان بمشرك، وبهذا قال ابن المنذر، والجوزجاني، وجماعة من أهل العلم.
وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي يدل عليه أيضاً عند الحاجة …
ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة به، لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى.
المغني 8/414، والفروع 6/205، والإنصاف 4/180، والمحرر 2/171.
وإذا غزا الكافر مع المسلمين من غير إذن الأمير فلا سهم له، لأنه ممن يستحق المنع من الغزو، فأشبه المخذل، وإن غزا بإذنه ففي الإسهام له روايتان:
إحداهما: لا سهم له، لأنه من غير أهل الجهاد، فلم يسهم له كالعبد، فعلى هذا يرضخ له كالعبد.
والثانية: يسهم له كالمسلم.
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليها أكثر الأصحاب.
المغني 8/414، والكافي 4/302، والإنصاف4/171، والمبدع3/366

(8/3847)


قال إسحاق: لا يستعان بمشرك، فإن غزوا أو غزي بهم، أسهم خيولهم1 بسهمان المسلمين2 ويسهمون أيضاً3.
[2751-] قلت: النبي صلى الله عليه وسلم نفل4، إذا
__________
1 في الظاهرية بلفظ (سهمان) .
2 في الظاهرية بلفظ (للمسلمين) .
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 8/414.
4 النفل لغة: الغنيمة والهبة، ونقل الإمام الجند، جعل لهم ما غنموا، والنافلة: الغنيمة والعطية.
وقال ابن منظور: "وجماع معنى النفل والنافلة: ما كان زيادة على الأصل". القاموس المحيط 4/59، ولسان العرب11/671، ومختار الصحاح ص674، والمصباح المنير 2/619.
وفي الشرع: النفل زيادة تزاد على سهم الغازي … لغنائه وبأسه وبلائه، أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش.
راجع المغني 8/378، والكافي 4/289، وبدائع الصنائع 7/115، وتكملة المجموع 18/129.

(8/3848)


فصل1 بالربع بعد الخمس، وإذا قفل الثلث بعد الخمس؟ 2
قال: يخرج الخمس ثم ينفل مما بقي، ولا يجاوز هذا، يبعث الإمام سرية فيقول لهم: ما أصبتم فلكم الربع أو الثلث بعد الخمس3.
__________
1 في (ظ) (قفل) .
2 الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 4/160.
وأبو داود في سننه 3/80 كتاب الجهاد، باب فيمن قال: الخمس قبل النفل، حديث 2748.
والترمذي في سننه 4/130 كتاب السير، باب في النفل حديث 1561 عن عبادة بن الصامت، والدارمي في سننه 2/229 كتاب السير، باب في أن ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث.
قال الترمذي: حديث عبادة حديث حسن. سنن الترمذي 4/130.
3 نقل الترمذي نص هذه الرواية عن الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله في سننه 4/131.
ونقل ابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في مسائله عنه 2/150 برقم 1621.
قال ابن قدامة: "إن الأمير إذا دخل دار الحرب غازياً، بعث سرية بين يديه تغير على العدو، ويجعل لهم الربع بعد الخمس، فإذا قفل بعث سرية تغير، ويجعل لهم الثلث بعد الخمس، فما قدمت به السرية خمسه، ثم أعطى السرية ما جعل لها، ثم قسم الباقي في الجيش والسرية معه. الكافي 4/289.
وراجع: المحرر 2/176، ومجموع الفتاوى 20/507 و 28/271.
قال المرداوي: "الصحيح من المذهب: أن السرية لا تستحق النفل المذكور إلا بشرط نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب. وعنه: تستحقه من غير شرط.
الإنصاف 4/146، وراجع: الكافي 4/290.
وإنما زيد في الرجعة على البدأة في النفل لمشقتها، فإن الجيش في البدأة ردء للسرية تابع لها، والعدو خائف، وربما كان غاراً، وفي الرجعة لا ردء للسرية؛ لأن الجيش ينصرف عنهم والعدو مستيقظ والمجاهدون مشتاقون إلى أهليهم.
المغني 8/381، والمبدع 3/342.
قال في المغني: ولا يجوز أن ينفل أكثر من الثلث. نص عليه أحمد وقال في الإنصاف: ويحرم تجاوز الثلث في هذا، وفي النفل مطلقاً على الصحيح من المذهب، وعنه: يحرم بلا شرط فقط.
المغني 8/380، والإنصاف 4/146.

(8/3849)


قال إسحاق: كما قال1.
[2752-] قلت2: لا ينفل إلا في خمس الخمس؟
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في سنن الترمذي 4/131.
2 هذه المسألة. انفردت بنقلها العمرية.

(8/3850)


قال: هذا يريد أن النفل من الخمس1، وهذا الحديث على ما
__________
1 نقل عبد الله في مسائله عن أبيه قال: سألت أبي عن النفل يكون من جميع الغنيمة أو من خمس الإمام؟
فقال أبي: يكون النفل بعد الخمس.
ونقل صالح رواية نحو رواية عبد الله.
وقال ابن هانئ: تعجب أبو عبد الله من قول سعيد بن المسيب: لا نفل إلا من الخمس.
وقال: مثل سعيد بن المسيب وعلمه، كيف ذهب عليه هذا؟
[] مسائل عبد الله ص 257 برقم 952، ومسائل صالح 11-12، ومسائل ابن هانئ 2/106برقم 1626، والمغني 8/385.
ونقل المرداوي في المسألة روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله:
إحداهما: أن النفل يكون إخراجه بعد إخراج خمس الغنيمة، فيكون من أربعة أخماسهما، وهو الصحيح، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وبه قال إسحاق.
والثانية: أن النفل من أصل الغنيمة، ذكره في الرعايتين والحاويين، وعبر عنها المرداوي بصيغة التمريض "قيل".
[] الإنصاف 4/170، والمغني 8/384-385، والمبدع 3/365.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال العلماء: إن النفل يكون من الخمس. وقال بعضهم: إنه يكون من خمس الخمس، لئلا يفضل بعض الغانمين على بعض. والصحيح أنه يجوز من أربعة الأخماس وإن كان فيه تفضيل بعضهم على بعض، لمصلحة دينية، لا لهوى النفس، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة. وهذا قول فقهاء الشام، وأبي حنيفة، وأحمد، وغيرهم.
مجموع الفتاوى 28/271.
وراجع: الخراج وصناعة الكتابة لقدامة بن جعفر ص 237.

(8/3851)


قال ابن المسيب. النفل من الخمس.1
قال إسحاق: كما قال2.
[2753-] قلت: من3 قال لا نفل في أول شيء يصاب من المغانم؟ 4
__________
1 هو قوله: "ما كانوا ينفلون إلا من الخمس". كتاب الأموال لأبي عبيد ص 400.
ورواه عبد الرزاق في المصنف 5/192 كتاب الجهاد، باب لا نفل إلا من الخمس، ولا نفل في الذهب والفضة من طريق الثوري عن يحيى بن سعيد برقم 9342.
قال الخطابي: "كان ابن المسيب يقول: إنما ينفل الإمام من الخمس، يعني سهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خمس الخمس من الغنيمة". معالم السنن 4/55.
وانظر قول سعيد بن المسيب رحمه الله في سنن الترمذي 4/131، وشرح السنة للبغوي 11/113، وشرح صحيح مسلم للنووي 12/55، والمحلى 7/341، والسنن الكبرى للبيهقي 6/314، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 124، ودلائل الأحكام ليوسف التميمي 5/601.
2 نقل الترمذي قول الإمام إسحاق رحمه الله في سننه 4/131.
وذكر ابن قدامة عنه قولاً يوافق القول الراجح للإمام أحمد رحمه الله.
انظر المغني 8/385.
3 في العمرية بلفظ "ومن قال"، بإضافة واو قبل من.
4 قال النووي: قال الأوزاعي وجماعة من الشاميين: لا ينفل في أول الغنيمة، ولا ينفل ذهباً ولا فضة.
وقال أبو عبيد: وبعضهم يسنده إلى عمر، وبه يفتي الأوزاعي، ولست أدري ما وجه هذا؟ وقد سألتهم عنه هناك- أو من سألت منهم- فلم أجد عندهم فيه أكثر من اتباع أشياخهم.
وأما أنا فأحسبهم ذهبوا إلى أنهم لا يدرون، لعلهم لا يغنمون بعد الغنيمة الأولى شيئاً، فأحبوا الأسوة بينهم لكيلا يرجع أهل العسكر مخفقين.
وأما الآثار… عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فليس فيها شيء مخصوص، وكذلك يروى عن التابعين بعدهم مجملاً أيضاً.
[] شرح صحيح مسلم للنووي 12/56-57، والأموال ص 398-399.
وراجع فتح الباري 6/241، وفقه الأوزاعي للجبوري 2/465.

(8/3852)


قال: هذا لا أعرفه، النفل يكون في كل شيء.1
قال إسحاق: كما قال.
[2754-] قلت: المتاع يصيبه العدو، ثم يفيئه الله -عز وجل- على المسلمين؟
قال: يرد على صاحبه ما لم يقسم2، واحتج بحديث
__________
1 قال ابن قدامة: إن النفل لا يختص بنوع من المال، وذكر الخلال أنه لا نفل في الدراهم والدنانير. المغني 8/382.
2 نقل ابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله قال: إذا أخذ الكفار أموال المسلمين ثم قهرهم المسلمون فأخذوها منهم، فإن أدركها صاحبها قبل قسمها ردت إليه بغير شيء، فإذا قسم فهو أحق بالثمن. راجع: مسائل ابن هانئ 2/124.
قال الخرقي: وما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين وعبيدهم فأدركه صاحبه قبل القسمة، فهو أحق به.
[] مختصر الخرقي: 202-203، والكافي 4/296، وراجع: المقنع 1/499، والمحرر 2/173، والإنصاف 4/157، والمبدع 3/354، والتنقيح المشبع: 116.

(8/3853)


العضباء1 حيث أخذها النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة2 فإذا قسم فقد
__________
1 العضباء: الناقة المشقوقة الأذن، ومن آذان الخيل التي جاوز القطع ربعها، والمراد بها هنا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن عضباء وإنما لقبت بهذا.
وقال صاحب المصباح المنير: وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم تلقب العضباء لنجابتها لا لشق أذنها. القاموس المحيط 1/105، ومختار الصحاح: 438، والمصباح المنير 2/414.
2 والحديث أخرجه الإمام مسلم بإسناده عن عمران بن حصين قال: "كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، قال: يا محمد، فأتاه، فقال: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ فقال (إعظاماً لذلك) "أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف". ثم انصرف عنه، فناداه. فقال: يا محمد يا محمد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رقيقاً فرجع إليه فقال: "ما شأنك؟ " قال: إني مسلم، قال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كل الفلاح" ثم انصرف، فناداه. فقال: يا محمد يا محمد. فأتاه فقال: "ماشأنك؟ " قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فأسقني. قال: "هذه هذه حاجتك"، ففدى بالرجلين".
قال: وأسرت امرأة من الأنصار. وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه، حتى تنتهي إلى العضباء، فلم ترغ، قال: وناقة منوقة، فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت، ونذروا بها فطلبوها، فأعجزتهم، قال: ونذرت لله، إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له.
فقال: "سبحان الله بئسما جزتها، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها؟ لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد".
[] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه3/1262-1263 كتاب النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد برقم1641.
ووجه الحجة في الحديث: أنه لو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله وأبطل نذرها، فدل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئاً من أموال المسلمين بالغلبة والاستيلاء عليها.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: هذا الحديث يدل على أن العدو قد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الأنصارية انفلتت من أسراهم عليها بعد إحرازهموها، ورأت أنها لها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته.
ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية الناقة بأن تكون ملكتها بأنها أخذتها ...
فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئاً على المسلمين. الأم4/254، والتحقيق على مسائل التعليق3/150.
ومما يدل على ما استنبط من هذا الحديث ما أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ذهب فرس له فأخذه العدو، فظهر عليه المسلمون، فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبق عبد له فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبيصلى الله عليه وسلم ".
أخرج الإمام البخاري في صحيحه برقم3067، فتح الباري6/182 كتاب الجهاد، باب إذا غنم المشركون مال المسلم، ثم وجده المسلم، من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.

(8/3854)


ذهب إلا بالثمن.1
قال إسحاق: كما قال.2
[2755-] قلت: الحر يسبيه العدو ثم يبتاعه المسلم؟
قال: عليه ما اشتراه به آذنه أو لم يؤذنه3، هو عندي سواء.4
__________
1 إذا أدرك متاعه بعد أن قسم ففيه روايتان:
إحداهما: أن صاحبه أحق به بالثمن الذي حسب به على من أخذه، وكذلك إن بيع ثم قسم ثمنه، فهو أحق به بالثمن، وهذا المذهب. قال في المحرر: وهو المشهور عنه.
والثانية: أنه إذا قسم فلا حق له فيه بحال، نصّ عليه في رواية أبي داود وغيره.
المغني 8/131، والمحرر 2/174، والإنصاف 4/157، وكشاف القناع 3/78، والتنقيح المشبع: 116، ومسائل أبي داود: 243.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المحلى لابن حزم 7/303.
3 في العمرية: فهو.
4 نقل عبد الله نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في مسائله عنه ص258 برقم 957.
قال الخرقي: إذا اشترى المسلم أسيراً من أيدي العدو، لزم الأسير أن يؤدي إلى المشتري ما اشتراه به. مختصر الخرقي: 203.
قال ابن قدامة: لا يخلو هذا من حالين:
أحدهما: أن يشتريه بإذنه، فهذا يلزمه أن يؤدي إلى المشتري ما أداه فيه بغير خلاف نعلمه.
والثاني: أن يشتريه بغير إذنه، فيلزم الأسير الثمن أيضاً عند أحمد.
المغني 8/443، ومطالب أولي النهى 2/548، ومنتهى الإرادات 2/111.

(8/3856)


قال إسحاق: كما قال.
[2756-] قلت1: [هل] يبيت2 العدو ليلاً؟
قال: نعم.3
__________
1 هذه المسألة مؤخرة عن هذا الترتيب في العمرية، والمسألة التالية مقدمة عليها.
2 تبييت العدو: هو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة، وهو البيات، ومنه الحديث "إذا بيتم فقولوا: حم لا ينصرون" وكل من أدركه الليل فقد بات، نام أو لم ينم.
النهاية لابن الأثير1/170 مادة "بيت"، والصحاح للجوهري1/244، وتاج العروس للزبيدي1/531.
3 يجوز تبييت الكفار وهو كبسهم ليلاً وقتلهم وهم غارون، قال أحمد: لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلا البيات. قال: ولا نعلم أحداً كره بيات العدو.
قال في المقنع: ويجوز تبييت الكفار.
قال المرداوي: بلا نزاع، ولو قتل فيه صبي أو امرأة أو غيرهما ممن يحرم قتلهم إذا لم يقصدهم.
المغني 8/449، والكافي2/268، والمحرر2/172، والمبدع3/319، وكشاف القناع3/47، والمقنع1/486، والإنصاف4/126، ومطالب أولي النهى2/516.

(8/3857)


قال إسحاق: نعم1 شديداً.2
[2757-] قلت: المسلم يسبيه العدو فيقتل هناك مسلماً أو يزني؟
قال: ما أعلمه إلا3 يقام عليه إذا خرج.4
__________
1 في العمرية سقطت كلمة "نعم".
2 نقل الترمذي هذه الرواية عن الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله فقال: وقد رخص قوم من أهل العلم في الغارة بالليل وأن يبيتوا، وكرهه بعضهم، وقال أحمد وإسحاق: لا بأس أن يبيت العدو ليلاً. سنن الترمذي4/122.
3 في ع (إلا) ساقطة.
4 نقل هذه الرواية ابن ملفح فقال: نقل صالح وابن منصور: إن زنى الأسير أو قتل مسلماً، ما أعلمه إلا أن يقام عليه الحد إذا رجع.
كما نقل هذه الرواية المرداوي في الإنصاف.
المبدع9/59، والإنصاف10/169.
إذا قتل المسلم المسلم في دار الحرب فلا يخلو: إما أن يكون عالماً بإسلامه، أو غير عالم بإسلامه.
أ- فإذا قتل في دار الحرب مسلماً يعتقده كافراً، أو رمى إلى صف الكفار فأصاب فيهم مسلماً فقتله، فللإمام أحمد فيه روايتان:
إحداهما: أن عليه الكفارة ولا تجب عليه الدية، وهذا المذهب دليله قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} سورة النساء جزء من آية رقم: (92) .
والثانية: تجب عليه الدية.
المغني 8/94، والإنصاف 4/129، 9/447، ومسائل ابن هانئ 2/86، والكافي 4/143.
ب- وإذا قتله عالماً بإسلامه عامداً لقتله، ففيه روايتان أيضاً:
إحداهما: أنه لا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الإسلام، بل متى قتل في دار الحرب مسلماً عامداً عالماً بإسلامه فعليه القود، سواء كان هاجر، أو لم يهاجر.
والثانية: حكي عن الإمام أحمد فيما لو قتل رجل أسيراً مسلماً في دار الحرب، لم يضمنه إلا بالدية، عمداً قتله أو خطأ.
وتترجح الرواية الأولى بما يأتي:-
- أن دار الحرب لا تسقط عن المسلمين فرضاً، كما لا تسقط عنهم صوماً، ولا صلاة، ولا زكاة. فالحدود فرض عليهم فلا تسقط باختلاف الديار.
- دخول هذه الحالة في عموم الآيات والأخبار الواردة في القتل العمد وجزائه.
- ولأنه قتل من يكافئه عمداً ظلماً، فوجب عليه القود، كما لو قتله في دار الإسلام.
- ولأن كل دار يجب فيها القصاص، إذا كان فيها إمام يجب وإن لم يكن فيها إمام كدار الإسلام.
المغني 7/648، والكافي4/7، والأم4/248.

(8/3858)


قال إسحاق: كما قال.1
[2758-] قلت: هل تقام الحدود في الجيش؟
قال: لا، حتى يخرجوا من بلادهم.2
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد وإسحاق في المسألة فقال: وقال أحمد بن حنبل في المسلم يسبيه العدو فيقتل هناك مسلماً أو يزني، قال: ما أعلم إلا يقام عليه إذا خرج. وكذلك قال إسحاق. الأوسط 3/6.
2 قال الخرقي: "ولا يقام الحد على مسلم في أرض العدو".
مختصر الخرقي ص 205.
قال ابن قدامة معلقاً عليه: "وجملته أن من أتى حداً من الغزاة أو ما يوجب قصاصاً في أرض الحرب، لم يقع عليه [] حتى يقفل، فيقام عليه حده". المغني 8/473-474.
قال المرداوي: وهو صحيح، وهو من مفردات المذهب، وكذلك لو أتى بما يوجب قصاصاً.
وظاهر كلامهم: أنه لو أتى بشيء من ذلك في الثغور، أنه يقام عليه فيه، وهو صحيح صرح به الأصحاب.
وعلل في المبدع ذلك بقوله، لأنه ربما يحمله على الغضب على أن يدخل -والعياذ بالله- في الكفر.
[] الإنصاف 10/169، والمبدع9/59، والمقنع 3/450-452.

(8/3860)


قال إسحاق: إذا كان الإمام يرى إقامة ذلك [أ] حسن.1
[2759-] قلت: هل يقتل الرجل أسير2 غيره؟
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى، فقال: قال أحمد في إقامة الحدود في الجيش، قال: لا، حتى يخرجوا من بلادهم. قال إسحاق: إذا كان الإمام يرى إقامة ذلك أحسن. الأوسط 3/6.
ونقل في المغني، والمبدع، وحاشية المقنع، قول الإمام إسحاق رحمه الله مطابقاً لقول الإمام أحمد.
المغني 8/474، والمبدع 9/59، وحاشية المقنع3/451.
وروى عبد الرزاق مثل هذا القول عن عمر بن الخطاب، وأبي مسعود، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم، والحسن البصري رحمه الله.
[] مصنف عبد الرزاق 5/197-198.
2 يقال أسر قتبه: إذا شد بالإسار، وهو القد، ومنه سمي الأسير وكانوا يشدونه بالقد، فسمي كل أخيذ أسيراً، وإن لم يشد به.
الصحاح للجوهري 2/578، والنهاية لابن الأثير 1/48، ومختار الصحاح للرازي ص 16.
والأسرى في اصطلاح الفقهاء: هم الرجال المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأسرهم أحياء، والأسر قد يكون بغير قتال، مثل أن تلقي السفينة شخصاً من الكفار إلى ساحل بلاد المسلمين، أو يضل أحدهم الطريق، أو يؤخذ بحيلة.
الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ص 141، والسياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 124.

(8/3861)


قال: لا. إلا أن يشاء الوالي، ليكون ذلك نكاية في العدو1.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 أشار إلى هذه الرواية ابن قدامة حين قال:
"وقد روي عن أحمد كلام يدل على إباحة قتله- أي الأسير - فإنه قال: "لا يقتل أسير غيره إلا أن يشاء الوالي" فمفهومه: أن له قتل أسيره بغير إذن الوالي".
المغني 8/377.
قال البهوتي: "ويحرم عليه قتل أسير غيره قبل أن يأتي الإمام ليرى فيه رأيه، لأنه افتيات على الإمام، إلا أن يصير الأسير في حالة يجوز فيها قتله لمن أسره بأن يمتنع من السير، ولا يمكن إكراهه بضرب أو غيره، أو يهرب ونحوه …
فإن قتل أسيره، أو قتل أسير غيره قبل أن يصير في حالة يجوز فيها قتله، وكان الأسير المقتول رجلاً، فقد أساء القاتل لافتياته على الإمام، ولا شيء عليه. نص عليه…
وإن كان الأسير صغيراً، أو امرأة، ولو راهبة عاقبه الأمير لافتياته، وغرمه قيمة غنيمته، لأنه صار رقيقاً بنفس [] السبي، بخلاف الحر المقاتل. كشاف القناع 3/51-52.
وراجع: المغني 8/377 وما بعده، والمقنع 1/488، والإنصاف 4/130، والمبدع 3/324، والمحرر 2/172، والفروع 6/212.
وعن يحيي بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتعاطين أحدكم أسير صاحبه إذا أخذه فيقتله".
سنن سعيد بن منصور 2/296 كتاب الجهاد، باب قتل الأسارى والنهي عن المثلة.
ومسند الإمام أحمد 5/18 من طريق سمرة بن جندب.
قال الهيثمي: فيه إسحاق بن ثعلبة، وهو ضعيف، كذا في مجمع الزوائد 5/333.

(8/3862)


[2760-] قلت: تكره1 قتل المشرك صبراً2؟
قال: لا، إلا إذا كان في ذلك تهييب للعدو.
قال إسحاق: أما الصبر على وجه المثلة3 فلا.
__________
1 في العمرية سقطت لفظة "تكره".
2 يقال صبر الإنسان غيره على القتل: أن يحبس، ويرمى حتى يموت، وقد قتله صبراً، أو صبر عليه، ورجل صبورة، مصبور للقتل.
قال ابن الأثير: والقتل صبراً: هو أن يمسك شيء من ذوات الروح حياً، ثم يرمى بشيء حتى يموت.
القاموس المحيط 2/66، والمصباح المنير 1/331، والنهاية لابن الأثير 3/8، والصحاح للجوهري 2/706، [] [] وعون المعبود 7/349-351.
3 والمثلة: تعذيب المقتول بقطع أعضائه، وتشويه خلقه، قبل أن يُقتل، أو بعده، وذلك مثل أن يجدع أنفه، أو أذنه، أو يفقأ عينيه، أو ما أشبه ذلك من أعضائه.
معالم السنن 4/12، وسبل السلام 4/46.
وقال في المصباح المنير: مثلت بالقتيل من باب قتل، وضرب، إذا جدعته، وظهرت آثار فعلك عليه تنكيلاً، والتشديد مبالغة، والاسم المثلة وزن غرفة- والمثلة بفتح الميم وضم الثاء: العقوبة.
المصباح المنير 2/564.
والنهي عن المثلة إذا لم يكن الكافر فعل مثل ذلك بالمقتول المسلم، فإن مثل بالمقتول، جاز أن يمثل به، ولذلك قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدي العرنيين وأرجلهم وسمر أعينهم، وكانوا فعلوا ذلك برعاء الرسولصلى الله عليه وسلم. وكذلك هذا في القصاص بين المسلمين إذا كان القاتل قطع أعضاء المقتول وعذبه قبل القتل، فإنه يعاقب بمثله، وقد قال تعالى: {مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} سورة البقرة آية (194) .
وانظر معالم السنن للخطاببي 4/12، وراجع الجامع لأحكام القرآن 2/358.
وحديث العرنيين أخرجه البخاري في صحيحه برقم 233، فتح الباري 1/335 كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها.
قال شيخ الإسلام ابن تيميمة رحمه الله:
أما التمثيل فلا يجوز إلا على وجه القصاص، وقد قال عمران بن حصين رضي الله عنهما: "ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: خطبة إلا أمرنا بالصدقة، ونهانا عن المثلة. حتى الكفار، إذا قتلناهم، فإنا لا نمثل بهم بعد القتل، ولا نجدع آذانهم، وأنوفهم، ولا نبقر بطونهم، إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا، فنفعل بهم مثل ما فعلوا، والترك أفضل، كما قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا [] [] صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ إلا بالله} " سورة النحل آية (126-127) .
مجموع الفتاوى 28/314 وما بعده.
وحديث عمران بن حصين رواه أبو داود في سننه 3/53 كتاب الجهاد، باب في النهي عن المثلة رقم 2667.

(8/3863)


[2761-] قلت: يكره التحريق بأرض العدو؟
قال: قد يكون في مواضع لا يجدون منه بداً، فأما بالعبث1 فلا يحرق.2
__________
1 في الظاهرية بلفظ "العبث".
2 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد وإسحاق الترمذي في سننه فقال: قال أحمد: قد تكون في مواضع لا يجدون منه بداً، فأما بالعبث فلا تحرق، وقال إسحاق: التحريق سنة إذا كان أنكى فيهم.
سنن الترمذي 4/122.
وسأل ابن هانئ الإمام أحمد عن التحريق فقال: إذا هم حرقوا، فليحرق عليهم، واذهب إلى حديث أبي بكر الصديق- رحمه الله - وحديث أسامة: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أغير على ابني، وقال أبو بكر: لا تحرق نخلاً ". مسائل ابن هانئ 2/116 برقم 1675.
وانظر حديث أسامة رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد 5/209، وسنن سعيد بن منصور 2/248 برقم 2641، وسنن أبي داود 3/38 كتاب الجهاد، باب في الحرق في بلاد العدو برقم 2616.
و"أبنى" بضم الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون وآخره ألف مقصورة: موضع من بلاد فلسطين بين عسقلان والرملة، ويقال "يبنى". حاشية سنن أبي داود 3/38.
والشجر والزرع بأرض العدو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
[1-] ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم، أو يستترون به من المسلمين، أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة الطريق، أو تمكن من قتل، أو سد بثق، أو إصلاح طريق، أو ستارة منجنيق، أو غيره، أو يكون يفعلون ذلك بنا، فيفعل بهم ذلك لينتهوا، فهذا يجوز.
[2-] ما يتضرر المسلمون بقطعه، لكونهم ينتفعون ببقائه لعلفتهم، أو يستظلون به، أو يأكلون من ثمره، أو تكون العادة لم تجر بذلك بيننا وبين عدونا فإذا فعلنا بهم فعلوا بنا، فهذا يحرم لما فيه من الإضرار بالمسلمين.
[3-] ما لا ضرر فيه بالمسلمين، ولا نفع سوى غيظ الكفار، والإضرار بهم، ففيه روايتان:
إحداهما: يجوز. وهو المذهب، واختاره أبو الخطاب وغيره.
الثانية: لا يجوز. لأن فيه إتلافاً محضاً، فلم يجز كعقر الحيوان.
[] المغني 8/453-454، والإنصاف 4/127-128، والكافي 2/269، والمقنع 1/486، والمحرر 2/172، والمبدع 3/321، وكشاف القناع 3/49، والتنقيح المشبع ص 114.

(8/3864)


قال إسحاق: التحريق سنة إذا كان ذلك أنكى فيه.1
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 8/454، وسنن الترمذي 4/122، وشرح السنة للبغوي 11/54، وشرح صحيح مسلم للنووي 12/50، وعمدة القاري للعيني 14/270، واختلاف الصحابة والتابعين ورقة 123، ودلائل الأحكام للتميمي 5/ لوحة 585.
والدليل على جواز التحريق وقطع النخيل قوله تعالى:
1 – {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} سورة الحشر آية (5) .
2 - ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حرق النبي صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير".
صحيح البخاري برقم 3021، فتح الباري 6/154، كتاب الجهاد، باب حرق الدور والنخيل.
وصحيح مسلم 3/1365 كتاب الجهاد والسير، باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها، حديث رقم 1746 بأطول مما هنا، كلاهما من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر.
والقول بجواز التحريق والتخريب في بلاد العدو: قول الجمهور، وكرهه الليث وأبو ثور، واحتجا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئاً من ذلك. فتح الباري 6/155.

(8/3866)


[2762-] قلت: هل يسهم للعبد إذا قاتل؟
قال: يرضخ له.1
__________
1 الرضخ: هو العطاء ليس بالكثير، من رضخت له رضخاً.
والرضخ: هو إعطاء قليل من كثير، يعطى لمن ليس له نصيب في المغنم، كالصبي والمرأة.
الصحاح للجوهري 1/422، ولسان العرب 3/19، ومختار الصحاح ص 245، وغاية الإرشاد إلى أحكام الجهاد ص 145 للشيخ فرج محمد غيث.
نقل عبد الله وابن هانئ مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، مسائل عبد الله ص 249 برقم 926، ومسائل [] ابن هانئ 2/112 برقم 1652-1656.
قال الخرقي: "ويرضخ للمرأة والعبد".
وقال ابن قدامة: "ومعناه أنهم يعطون شيئاً من الغنيمة دون السهم، ولا يسهم له سهم كامل، ولا تقدير لما يعطون، بل ذلك إلى اجتهاد الإمام، فإن رأى التسوية بينهم سوى بينهم، وإن رأى التفضيل فضل.
مختصر الخرقي ص 202، والمغني 8/410.
وقال المرداوي: "يرضخ للعبيد والنساء بلا نزاع".
[] الإنصاف 4/171، وراجع: الكافي 4/300-301، والمقنع 1/505، ومطالب أولي النهى 2/555، وشرح منتهى الإرادات 2/114.

(8/3867)


قال إسحاق: كما قال.1
[2763-] قلت: أمان2 المرأة والعبد؟
__________
1 نقل الترمذي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يسهم للمملوك ولكن يرضخ له بشيء. وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. سنن الترمذي 4/127.
كما نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 8/410.
والدليل على أن العبد لا يسهم له، بل يرضخ له، ما روى عمير مولى أبي اللحم قال: "شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بي، فقلدت سيفاً فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع".
قال أبو داود معناه: أنه لم يسهم له.
رواه أبو داود في السنن 3/75 كتاب الجهاد، باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة برقم 2730.
والترمذي في سننه 4/127 كتاب السير، باب هل يسهم للعبد؟ حديث 1557.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 4/127.
وممن روي عنه أنه لا يسهم للعبد، إنما يحذى له من الغنيمة: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعبد الله بن العباس، رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب، والثوري، والليث رحمهم الله.
مصنف عبد الرزاق 5/327 وما بعده، وسنن سعيد بن منصور 2/330، والمحلى 7/332، والمغني 8/410.
2 الأمان لغة: ضد الخوف، وهو مصدر أمن أمنا، وأماناً.
وآمنت الأسير بالمد: أعطيته الأمان، فأمن -بالكسر-.
المطلع على أبواب المقنع ص 220، والمصباح المنير 1/24.
وشرعاً: عقد يفيد ترك القتل والقتال مع الحربيين.
آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص 225، وفقه الأوزاعي ص2/409.

(8/3868)


قال: جائز1 [ع-40/أ] .
قال إسحاق: كما قال. إذا كان على وجه النظر للمسلمين على العدل والسواء2، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعد إجازة
__________
1 الأمان إذا أعطي أهل الحرب حرم قتلهم، ومالهم، والتعرض لهم، ويصح من كل مسلم، بالغ، عاقل، مختار، ذكراً كان، أو أنثى، حراً كان أو عبداً.
قال الخرقي: "ومن أعطاهم الأمان منا رجل أم امرأة، أو عبد، جاز أمانه".
وقال المرداوي: "هذا المذهب مطلقاً نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع بهم أكثرهم، وقال في عيون المسائل وغيرها: يصح منهم، بشرط أن تعرف المصلحة فيه، وقال في الفروع، وذكر غير واحد الإجماع في المرأة بدون هذا الشرط".
مختصر الخرقي ص 201، والمغني 8/396، والإنصاف 4/203، والفروع 6/248، وراجع: الكافي 4/330، والمحرر 2/180، وكشاف القناع 3/104، والتنقيح المشبع ص 119، والإقناع 2/36، وغاية المنتهى 1/273، والتحقيق لابن الجوزي 3/152، والمقنع 1/156، والقواعد والفوائد الأصولية ص 214.
2 في العمرية بلفظ السوية.
ونقل ابن المنذر قول الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة رحمهم الله تعالى، فقال: وكذلك نقول، ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك -منها- إجازة أم هانئ، وزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمضى النبي صلى الله عليه وسلم لهما ذلك…

[] وبهذا قال كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار إلا شيئاً ذكره عبد الملك صاحب مالك. الأوسط 3/2-3.
وانظر قول الإمام إسحاق -رحمه الله- في:
سنن الترمذي 4/142، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/76، وشرح السنة للبغوي 11/90، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم 123.

(8/3869)


زينب1 -رضي الله عنها- زوجها.2
__________
1 وزينب رضي الله عنها هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي أكبر بناته ولدت ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثون سنة، وماتت سنة ثمان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة بنت خويلد. هاجرت زينب بعد بدر، واسم زوجها أبو العاص، وولدت منه غلاماً اسمه علي، فتوفى وقد ناهز الاحتلام، وكان رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح. وولدت له أيضاً بنتاً اسمها أمامة.
أسد الغابة لابن الأثير 5/467.
2 عن أنس بن مالك أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجازت أبا العاص، فأجاز النبيصلى الله عليه وسلم جوارها، وأن أم هانئ بنت أبي طالب، أجارت أخاها عقيلاً، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم جوارها، وقال: يجير على المسلمين أدناهم.
رواه الطبراني في معجمه، من طريق عباد بن كثير، عن عقيل بن خال، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك.
وذكره الزيلعي في نصب الراية 3/396، ولم يذكر درجته.
أما حديث أم هانئ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم 3171، فتح الباري 6/273.

(8/3870)


[2764-] قلت: قال: سمعت سفيان الثوري1 يقول: ليس للذمي ولا للصبي2 أن يؤمن؟ 3
قال أحمد: الذمي ماله ولهذا، وأما الصبي فلا يعقل4.
قال إسحاق: كما قال5
__________
1 في العمرية سقطت لفظة "الثوري".
2 في العمرية بلفظ "ليس لصبي ولا لذمي أن يؤمن" بتقديم الصبي على الذمي.
3 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله في الأوسط 3/3.
4 نقل الخلال رواية ابن منصور هذه في كتابه أحكام أهل الملل، لوحة رقم 98.
ونقل عن صالح نحو هذه الرواية فقال: حدثنا صالح أنه قال لأبيه: قال سفيان: "ليس لذمي أن يؤمن" قال أبي: ماله ولهذا - يعني الذمي-.
قال ابن قدامة: ولا يصح أمان كافر، وإن كان ذمياً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم".
فجعل الذمة للمسلمين، فلا تحصل لغيرهم، ولأنه متهم على الإسلام وأهله، فأشبه الحربي.
المغني 8/398، وراجع الإنصاف 4/203.
5 ذكر ابن المنذر أقوال الأئمة الثلاثة سفيان وأحمد وإسحاق رحمهم الله، ومَن وافقهم فقال:
"أجمع أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم على أن أمان الذمي لا يجوز، كذلك قال الأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي- قال ابن المنذر كذلك نقول…
وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز، وممن حفظت عنه ذلك سفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
الأوسط 3/3.

(8/3871)


[2765-] قلت: هل يتسخر1 المسلم العجمي2 يدله على الطريق؟
قال: إذا اضطروا إليه، لا يجدون منه بداً يتسخرون العلج3.
قال إسحاق: كما قال [ظ-87/أ] .
[2766-] قلت: هل للرباط4 وقت؟
__________
1 يقال سخر تسخيراً: ذلَّله، وكلفه عملاً بلا أجرة، وكذا تسخره وقال ابن الأثير: التسخير بمعنى التكليف، والحمل على الفعل بغير أجرة… من سخره تسخيراً والاسم السخرى بالضم، والسخرة.
القاموس المحيط 2/46، والنهاية لابن الأثير 2/350، ومختار الصحاح 290، والمصباح المنير 1/269.
2 في العمرية بلفظ "قلت يتسخر المسلم الأعجمي".
3 العلج: الرجل من كفار العجم، القوي الضخم منهم، ويعني العرب أيطلق العلج على الكافر مطلقاً، والجمع علوج، وأعلاج.
تاج العروس 2/75، والمصباح المنير 1/425.
قال ابن قدامة: "ولا يستعين بمشرك إلا عند الحاجة إليه".
المقنع 1/492، وراجع: الإنصاف 4/143 وما بعده، والمغني 8/414، والمبدع 3/336.
4 الرباط والمرابطة: ملازمة ثغر العدو، وأصله: أن يربط كل واحد من الفريقين خيله، ثم صار لزوم الثغر رباطاً، وربما سميت الخيل أنفسها رباطاً.
[] لسان العرب 7/302، والقاموس المحيط 2/360، والنهاية لابن الأثير 2/185-186.
وعرّف ابن قدامة الرباط بقوله:
معنى الرباط "الإقامة بالثغر مقوّياً للمسلمين على الكفار".
المغني 8/353، والكافي 4/257.
قال ابن حجر: الرباط بكسر الراء، وبالموحدة الخفيفة: ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار، لحراسة المسلمين منهم. فتح الباري 6/85.

(8/3872)


قال: أربعون يوماً.1
قال إسحاق: كما قال، [هذا] أكثره، والثلاث لمن [لم] يحب أن يبلغ ذلك حسن.2
__________
1 قال الخرقي: "وتمام الرباط أربعون يوماً". مختصر الخرقي ص 198.
وقال في الكافي: وليس لأقله وأكثره حد، وتمامه أربعون يوماً، لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تمام الرباط أربعون يوماً". الكافي 4/258.
وقال المرداوي تعليقاً على قول ابن قدامة: "وتمام الرباط أربعون ليلة، وهو لزوم الثغر للجهاد".
قال: هكذا قاله الإمام أحمد مبهماً، ويستحب ولو ساعة نص عليه.
وقال الآجرى، وأبو الخطاب، وابن الجوزي، وغيرهم: وأقله ساعة.
[] الإنصاف 4/120، وراجع: المحرر 2/170، والفروع 6/195-196، والمبدع 3/312-313، وحاشية الروض المربع 4/259.
2 لعله يشير إلى ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "رباط يوم في سبيل الله أحب إليّ من أن أوفق ليلة القدر في أحد المسجدين: مسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رابط ثلاثة أيام في سبيل الله فقد رابط، ومن رابط أربعين يوماً، فقد استكمل الرباط".
رواه سعيد بن منصور في سننه 2/193 كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الرباط، من طريق عطاء الخرساني عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم 2410.
وممن روي عنه أن تمام الرباط أربعون يوماً: عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنه، وعطاء رحمه الله.
مصنف عبد الرزاق 5/280،وسنن سعيد بن منصور 2/194

(8/3873)


[2767-] قلت: يكره غزو البحر، أن يحمل المسلمون في البحر؟
قال: لا بأس به إن شاء الله [تعالى] 1.
قال إسحاق: [كما قال] إذا كان غزو البحر، واحتاج المسلمون إلى ذلك فغزوه سنة.2
__________
1 قول الإمام: "لا بأس به" من ألفاظ الإباحة.
مفاتيح الفقه الحنبلي 2/25، والإنصاف 12/249.
قال الخرقي: "وغزو البحر أفضل من غزو البر". مختصر الخرقي ص 198.
قال المرداوي: بلا نزاع، وذلك بشرط أن يحفظ المسلمين، ولا يكون أحد منهم مخذلاً، ولا مرجفاً، ونحوهما.
الإنصاف 4/120، وراجع مسائل أبي داود ص 234، والمحرر 2/170، والمقنع 1/485، والمبدع 3/311، وكشاف القناع 3/38.
2 والحجة على جواز ركوب البحر ما رواه الإمام البخاري رحمه الله بإسناده عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: "حدثتني أم حرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً في بيتها، فاستيقظ وهو يضحك، قلت: يا رسول الله ما يضحكك؟ قال: "عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسّرة، فقلت: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم: فقال: أنت منهم. ثم نام فاستيقظ وهو يضحك. فقال مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، قلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فيقول: أنت من الأولين. فتزوج بها عبادة بن الصامت، فخرج بها إلى الغزو، فلما رجعت، قربت دابة لتركبها، فوقعت فاندقت عنقها".
صحيح البخاري برقم 2894، 2895، فتح الباري 6/87 كتاب الجهاد، باب ركوب البحر، من طريق يحيي بن حبان، عن أنس بن مالك.
وقد كره غزو البحر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ركوب البحر إلا لغاز، أو لحاج، أو معتمر. وروي مثل هذا عن مجاهد، ورفعه عبد الله بن عمرو.
وسبب كراهة بعض السلف الصالح ركوب البحر كان خوفاً من أهواله مع قصور خبرتهم عن مجابهة ما يستجد من الأخطار، فيكون راكبه كمن ألقى بنفسه إلى التهلكة، وعلى هذا المعنى تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن ركوبه، وما ورد من السلف الصالح من التحذير منه.
وأما إذا غلبت السلامة، فالبر والبحر سواء، كما صرح بذلك الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله وأجزل له المثوبة.
[] مصنف عبد الرزاق 5/283-284، وسنن سعيد بن منصور 2/186-187، وفتح الباري 6/888.
وقد امتن الله سبحانه وتعالى على عباده بتسخير البحر لهم لتجري فيه سفنهم وليبتغوا من فضله فقال: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الجاثية آية (12) .
وراجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16/160.

(8/3874)


[2768-] قلت: إذا أخذ الرجل من أهل الشرك في أرض الإسلام بغير عهد؟
قال: لا يقبل ذلك منه إذا قال: جئت أستأمن.1
__________
1 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا أسر الرجل منهم في القتال، أو غير القتال، مثل أن تلقيه السفينة إلينا، أو يضل الطريق، أو يؤخذ بحيلة، فإنه يفعل فيه الإمام الأصلح: من قتله، أو استعباده، أو المن عليه أو مفاداته بمال، أو نفسٍ. السياسة الشرعية ص 124.

وقال ابن حجر العسقلاني: في الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان، هل يجوز قتله؟
قال مالك: "يتخير فيه الإمام، وحكمه حكم أهل الحرب".
وقال الأوزاعي، والشافعي: "إن ادعى أنه رسول قبل منه".
وقال أبو حنيفة وأحمد: "لا يقبل ذلك منه، وهو فيء للمسلمين". فتح الباري لابن حجر 6/168.
والذي عليه المذهب: أنه ينظر في الحالة هذه إلى القرائن المحيطة بالواقعة ودلالة الأحوال، فإذا كان له في دار الإسلام قريب أسير وكان معه مال يفادى به الأسير، أو كان تاجراً معه بضاعة يريد بيعها، وكانت العادة دخول التجار منهم إلى بلاد الإسلام، أو كان له قريب يود زيارته، أو كان له مال عند مسلم، فإنه يصدق في هذه الحالات وما شابهها، ويعطى له الأمان لمدة معلومة لقضاء حوائجه.
أما لو دخل حربي إلينا، ومعه سلاح لا يحمل في العادة فادعى أنه جاء مستأمناً، لم يقبل قوله.
راجع: مسائل أبي داود ص 250، والمغني 8/403، والقواعد لابن رجب 323، والفروع 6/250، والمحرر 2/181، وكشاف القناع 3/108، وبدائع الفوائد 4/128.

(8/3876)


قال إسحاق: إذا كان ذلك على وجه فداء الأسارى أو طالباً1 قريبه فإنه يصدق، فإن لم يرد ذلك رد إلى مأمنه2.
[2769-] قلت: "إذا أعطى الرجل الرجل3 في سبيل الله [عز وجل] شيئاً ففضل منه شيء؟ "
قال: إذا غزا فهو له، إلا شيء4 يحبس في السبيل دابة أو سقاء، أو سرجاً، أو نحو ذلك.5
__________
1 في العمرية بلفظ " على وجه فداء أسارى أو طلباً".
2 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد، وإسحاق رحمهم الله تعالى، فقال: قال إسحاق في الرجل يوجد من أهل الشرك في أرض الإسلام بغير عهد: إذا جاء على وجه فداء الأسارى، فإن لم يرد ذلك رد إلى مأمنه … وقال أحمد: إذا أخذ الرجل من أهل الشرك بغير عهد، لا يقبل ذلك منه إذا قال: جئت أستأمن. الأوسط 3/4.
3 في العمرية بلفظ "قلت إذا أعطى رجل رجلاً شيئاً في سبيل الله".
4 في الظاهرية بلفظ "شيئاً".
5 نقل الخلال هذه الرواية بنصها في أحكام أهل الملل، ورقة 61، أن من أُعطي شيئاً من المال يستعين به في الغزو لم يخل، إمَّا أن يُعطى لغزوة بعينها، أو في الغزو مطلقاً.
أ- فإن أعطي لغزوة بعينها، فما فضل بعد الغزو فهو له… لأنه أعطاه على سبيل المعاونة، والنفقة لا على سبيل الإجارة فكان الفاضل له.
ب- وإن أعطاه شيئاً لينفقه في سبيل الله، أو في الغزو مطلقاً، ففضل منه فضل، أنفقه في غزاة أخرى، لأنه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة، فلزمه إنفاق الجميع فيها.
[] المغني 8/370، وراجع مختصر الخرقي 199-120، والفروع 6/200، والقواعد لابن رجب ص 134.
وقال سعيد بن المسيب: "من أعان بشيء في الغزو، فإنه للذي يعطاه إذا بلغ ورأى المغزى".
وروي عن عمر رضي الله عنه قوله: "إذا بلغت وادي القرى فشأنك به، أي تصرف".
[] صحيح البخاري 119- باب الجعائل والحملان في السبيل، فتح الباري 6/123-125، وشرح السنة [11/18،] والمغني 8/370، ومصنف ابن أبي شيبة 12/485-486-487

(8/3877)


قال إسحاق: كما قال1 إذا كان المعطي حمل الذي حمل على الدابة أو وصله بالنفقة صلة.
[2770-] قلت: إذا حمل الرجل على دابة في سبيل الله [عز وجل] أله أن يبيعها؟
__________
1 في العمرية بلفظ "كما قال: قال إذا كان المعطي" بإضافة: "قال" الثانية.

(8/3878)


قال: إذا غزا عليها فله أن يبيعها1، واحتج بحديث عمر رضي الله عنه أنه حمل على فرس في سبيل الله [عز وجل] فرأى صاحبه يبيعه فأراد أن يشتريه.2
__________
1 نقل الخلال هذه الرواية عن الإمام أحمد في أحكام أهل الملل، لوحة رقم 23، ص 57.
ونقل أبو داود نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في مسائله ص 232.
قال الخرقي: وإذا حمل الرجل على دابة، فإذا رجع من الغزو فهي له، إلا أن يقول: هي حبيس فلا يجوز بيعها. مختصر الخرقي ص 200.
وقال ابن قدامة: حمل الرجل على دابة يعني أعطيها ليغزو عليها، فإذا غزا عليها ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه، إلا أن تكون عارية، فتكون لصاحبها، أو حبيساً، فتكون حبيساً بحاله. المغني 8/371.
وقال ابن رجب: إذا أخذ الغازي نفقة، أو فرساً ليغزو عليها، فإنها تجوز، ويكون عقداً جائزاً، وهو إعانة على الجهاد لا استئجار عليه. فإن رجع معه ملكها، ما لم يكن وقفاً أو عارية، نص عليه أحمد، ولا يملكها حتى يغزو. قواعد ابن رجب ص 134.
2 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه"، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك".
رواه البخاري في صحيحه برقم 3002، فتح الباري 6/139 باب إذا حمل على فرس فرآها تباع.
ومسلم في صحيحه 3/1240، كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، برقم 1621.
كلاهما من طريق مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(8/3879)


قال إسحاق: كما قال إذا1 كان حملاناً2 حمله عليه في سبيل الله [عز وجل] لأنه ملكه ذلك3، فأما إذا قال: اغز على هذه الدابة على معنى العارية4، كأنه أقعده ظهره، فلا يحل له أن يبيعه إذا فرغ من غزوه، وكذلك إذا كان حبيساً5.
__________
1 في العمرية بلفظ "فإن كان حملاناً يحمله عليه".
2 الحملان: ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة. القاموس المحيط 3/361.
3 في العمرية بلفظ "لا ملكه ذلك".
4 العارية بتشديد المثناة التحتية وتخفيفها ويقال عارة: وهي مأخوذة من عار الفرس إذا ذهب، لأن العارية تذهب من يد المعير أو من العار، لأنه لا يستعير أحد إلا وبه عار، وحاجة.
وهي في الشرع: عبارة عن إباحة المنافع من دون ملك الغير، لمدة معلومة، بلا عوض.
سبل السلام 3/65، ومواهب الجليل 5/268، وكشاف القناع 4/62.
5 الحبيس: هو الموقوف والوقف: "تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه، بقطع تصرف الواقف، وغيره في رقبته بصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى. كشاف القناع 4/240.
يتبين من تعريف العارية والوقف، أن المستعير والموقوف عليه لا يملك عين المستعار، والموقوف، وإنما يملكون الانتفاع بالمنافع للمدة المعلومة.

(8/3880)


[2771-] قلت: أهل الذمة صالحوا أهل الإسلام على ألف رأس كل سنة فكان يسبي بعضهم بعضاً ويؤدونه؟
قال: لا بأس به يجيء بهم من حيث شاؤوا1.
__________
1 قال ابن هانئ: سئل- الإمام أحمد - عن القوم يصالحون العدو على ألف رأس كل سنة، وهم يغيرون على عدو من ورائهم.
قال: يجيئوا به من حيث شاؤوا، على ما صالحوا عليه.
مسائل ابن هانئ 2/119 مسألة رقم 1688.
وتؤخذ الجزية مما يسر من أمواله، ولا يتعين أخذها من ذهب ولا فضة، نص عليه أحمد. المغني 8/504.
اختلف في حضور الشخص لأداء الجزية بنفسه، هل صفة مستحقة أم مستحبة إلى قولين:
أحدهما: أن حضور الشخص بنفسه صفة مستحقة، فلا يقبل إرسالها مع ذمي آخر، أو استنابة مسلم لتسليمها، بل يحضر الذمي بنفسه ويؤديها وهو قائم، والآخذ جالس، ويمتهنون عند أخذ الجزية.
واستدلوا بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} سورة التوبة آية (29) .
والثاني: أن حضورهم لدفع الجزية صفة مستحبة، وأن المراد من الصغار في الآية: التزامهم الجزية، وجريان أحكامنا عليهم.
المغني 8/538، والمبدع 3/413، والإنصاف 4/229، وكشاف القناع 3/123، ومطالب أولي النهى 2/599، وراجع: الجامع لأحكام القرآن 8/115، وتفسير الفخر للرازي 16/31.

(8/3881)


قال إسحاق: كما قال.
[2772-] قلت: الأجير إذا غزا يسهم له؟
قال: [لم] لا يسهم له1.
__________
1 نقل عبد الله بن الإمام أحمد نحو هذه الرواية عن أبيه في مسائله ص 249 برقم 925.
والأجير إما أن يكون أجيراً على الجهاد، أو أجيراً للخدمة.
والأجير على الجهاد إما أن يكون ممن لا يلزمه الجهاد، كالعبيد والكفار، فإنه يصح إجارته، ويستوفي له الأجرة التي تم التعاقد عليها ولا سهم له على الأظهر.
قال الخرقي: وإذا استأجر الأمير قوماً يغزون مع المسلمين لمنافعهم، لم يسهم لهم، وأعطوا ما استؤجروا به.
وقال القاضي- أبو يعلى-: هذا محمول على استئجار من لا يجب عليه الجهاد كالعبيد، والكفار.
مختصر الخرقي 204، والمغني 8/467، والإنصاف 4/479، والفروع 6/231.
وإما أن يكون ممن يجب عليهم الجهاد، فإنه لا يصح استئجاره، لأن الغزو يتعين عليه بحضوره، ومن تعين عليه الغزو فلا يجوز له أن ينوب عن غيره، كمن وجب عليه الحج، لا يجوز له أن يحج عن غيره بأجرة، حتى يحج عن نفسه. المغني 8/467.
قال المرداوي: إن من يلزمه الجهاد من الرجال الأحرار لا تصح إجارتهم، وهو صحيح وهو المذهب، وعنه: تصح. الإنصاف 4/180.
وأما الأجير للخدمة في الغزو، أو الذي يكري دابة له، ويخرج معها ويشهد الوقعة، فعن الإمام أحمد فيه روايتان:
إحداهما: "لا سهم له" وهو قول إسحاق.
والثانية: "يسهم له إذا شهد القتال مع الناس".
المغني 8/468، والكافي 4/302، والمقنع 1/507، والمحرر 2/177، والفروع 6/431، والإنصاف 4/179-[180،] والمبدع 3/370، ومنتهى الإرادات 1/219، وغاية المنتهى 1/466، وصحيح البخاري باب 120،فتح الباري 6/125.

(8/3882)


قال إسحاق: كلما غزا بأجرة معلومة لم يسهم له1.
__________
1 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله في المسألة كل من:
الخطابي في معالم السنن 3/377، والبغوي في شرح السنة 11/16، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري 6/125، وابن قدامة في المغني 8/468، ومحمد حامد فقي في حاشية المنتقى 2/793، والشوكاني في نيل الأوطار 8/121، والسروي في اختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم 123.
وقد صح أن سلمة بن الأكوع كان أجيراً لطلحة حين أدركه عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس، والراجل.
[] المنتقى 2/793 برقم 4351، ونيل الأوطار 8/120-121، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه لا شيء له غير الأجرة، فقد استأجر يعلى بن منبه أجيراً بثلاثة دنانير، فلما حضر قسمة الغنيمة ذكر أمره للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا، والآخرة، إلا دنانيره التي سمى".
فتح الباري 6/125، والمنتقى 2/792 برقم 4350، ونيل الأوطار 8/120.
وقد جمع بين الحديثين مجد الدين بن تيمية رحمه الله، بأن حمل الحديث الذي يدل أنه أسهم له على الأجير الذي قصد مع الخدمة الجهاد، وحمل حديث يعلى بن منبه على من لا يقصد الجهاد أصلاً.
وقد تبعه الشوكاني فقال في صدر الكلام على الحديثين: والأولى المصير إلى الجمع الذي ذكره المصنف رحمه الله، فمن كان من الأجراء قاصداً للقتال استحق الإسهام مع الغنيمة، ومن لم يقصد فلا يستحق إلا الأجرة المسماة.
المنتقى من أخبار المصطفى 2/793، ونيل الأوطار 8/122.

(8/3883)


[2773-] قلت: هل يدعون قبل القتال.
قال: لا أعرف اليوم أحداً يدعى.1
__________
1 أشار ابن قدامة إلى هذه الرواية فقال: ولا تجب الدعوة، نص عليه أحمد، وقال: إن الدعوة قد بلغت كل أحد، ولا أعرف اليوم أحداً يدعى. الكافي 4/259.
ونقل هذه الرواية الترمذي في سننه فقال: وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ورأوا أن يدعوا قبل القتال، وهو قول إسحاق بن إبراهيم قال: إن تقدم إليهم في الدعوة فحسن، يكون ذلك أهيب. وقال بعض أهل العلم: لا دعوة اليوم، وقال أحمد: لا أعرف اليوم أحداً يدعى. سنن الترمذي 4/120.
وقال الخرقي: "يقاتل أهل الكتاب، والمجوس، ولا يدعون، لأن الدعوة قد بلغتهم.
وقال في المغني: قال أحمد: إن الدعوة قد بلغت، وانتشرت، ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم، وخلف الترك على هذه الصفة، ولم يجز قتالهم قبل الدعوة. مختصر الخرقي ص 199، والمغني 8/361.
وقد قسم القاضي أبو يعلى الفراء المشركين في دار الحرب على ضربين:
أحدهما: من بلغتهم دعوة الإسلام، فامتنعوا منها، وتأبوا عليها، فأمير الجيش مخير في قتالهم، بين أن يبيتهم ليلاً ونهاراً بالقتل، وبين أن يصاففهم للقتال.
والضرب الثاني: من لم تبلغهم الدعوة … فيحرم عليه الإقدام على قتالهم غرةً قبل إظهار الدعوة، وإعلامهم معجزات النبوة.
قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة النحل آية (125) . الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 41.
وقيد ابن القيم رحمه الله وجوبها، واستحبابها، بما إذا قصدهم المسلمون، أما إذا كان الكفار قاصدين، فللمسلمين قتالهم من غير دعوة، دفعاً عن نفوسهم وحريمهم.
الزوائد في فقه الإمام أحمد لمحمد بن عبد الله آل حسين ص 337

(8/3884)


قال إسحاق: إن تقدم إليهم في الدعوة فحسن، يكون ذلك أهيب وأجدر أن يبين لهم إرادة المسلمين في العدل عليهم.1
__________
1 نقل الترمذي هذه الرواية عن الإمام إسحاق رحمه الله في سننه 4/120.
ونقل الخطابي قولاً للإمام إسحاق موافقاً لقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى فقال: وقد اختلف العلماء في ذلك- أي الدعوة قبل القتال -:
فقال مالك بن أنس: "لا يقاتلون حتى يدعوا، أو يؤذنوا".
وقال الحسن البصري: "يجوز أن يقاتلوا قبل أن يدعوا" قد بلغتهم الدعوة، وكذلك قال الثوري وأصحاب الرأي، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق. معالم السنن 3/416.
ومثل هذا القول نقله عنه يوسف التميمي في دلائل الأحكام 5/581، والسروي في اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين لوحة 123.
وأخرج الإمام مسلم عن ابن عون قال: "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إليّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ". قال يحيي: أحسبه قال جويريه (أو قال البتة) ابنة الحارث، وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر، وكان في ذاك الجيش.
رواه الإمام مسلم في صحيحه 3/1356، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير تقدم الإعلام بالإغارة برقم 1730

(8/3885)


[2774-] قلت: إذا أصاب الرجل من المغنم جارية1 معها حلي أو مال؟
قال: يرده2. لحديث النبي – صلى الله عليه [وسلم] : "إذا باع الرجل عبداً3 وله مال فماله للبائع"4
__________
1 في العمرية بلفظ "قلت إذا أصاب الرجل الجارية من المغنم معها حلي أو مال".
2 أشار ابن قدامة إلى هذه الرواية فقال: قال أحمد: في الرجل يشتري الجارية من المغنم معها الحلي في عنقها والثياب: يرد ذلك في المغنم، إلا شيئاً تلبسه من قميص ومقنعة وإزار.
وهو قول حكيم بن حزام، ويزيد بن أبي مالك، وإسحاق، وابن المنذر، ومكحول، ويشبه قول الشافعي.
واحتج إسحاق بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع".
المغني 8/447، وسنن سعيد بن منصور 2/339.
3 كلمة "عبداً" سقطت من العمرية.
4 عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ابتاع نخلاً بعد أن تُؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبداً وله مال، فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع".
الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم 2379، فتح الباري 5/49، كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط، أو نخل.
ومسلم في صحيحه 3/1173، كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر، برقم 1543.

(8/3886)


قال إسحاق: كما قال1.
[2775-] قلت [له] : نهي عن بيع المغانم حتى يعلم ما هي؟
قال2: لأنه لا يدري ما يصيبه، ومثل ذلك سهام القصابين3.
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 8/447.
2 في العمرية بلفظ "قال لا، لأنه لا يدري ما يصيبه".
3 نقل ابن رجب هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: بيع المغانم قبل أن تقسم نص أحمد على كراهته في رواية حرب وغيره، وعلله في رواية صالح، وابن منصور، بأنه لا يدري ما يصيبه، بمعنى أنه مجهول القدر، والعين، وإن كان ملكه ثابتاً عليه ولكن الإمام له أن يخص كل واحد بعين من الأعيان، بخلاف قسمة الميراث. القواعد لابن رجب ص 85.
فإذا قسمت الغنائم في دار الحرب- وعرف كل واحد ماله - جاز لمن أخذ سهمه التصرف فيه بالبيع وغيره. المغني 8/447.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن بيع المغانم حتى تقسم، وعين بيع الثمر حتى تحرز من كل عارض، وأن يصلي الرجل حتى يحتزم".
الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 2/387 واللفظ له.
[] وأبو داود في سننه 3/252-253، كتاب البيوع، في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها برقم 3368.
قال المنذري بعد ذكر الحديث: فيه رجل مجهول. مختصر سنن أبي داود للمنذري 5/42.
وقد خرج الحديث ابن رجب في القواعد، وعدد طرقه، ودرجة كل طريق، وحسن بعض الطرق، وقال في آخره: وهذا في حق آحاد الجيش منهي عنه سواء باعه قبل القبض، أو بعده، لأنه قبل القبض مجهول وبعده تعد غلولاً، فإنه لا يستبد بالقسمة دون الإمام.
وأما الإمام: فإذا رأى المصلحة في بيع شيء من الغنيمة، وقسم ثمنه فله ذلك. قواعد ابن رجب ص 85.

(8/3887)


قال إسحاق: كما قال سواء.
[2776-] قلت: إذا بارز الرجل الرجل فرأى المسلم من صاحبه ضعفاً يعينه؟
قال: لم لا يعينه1؟ أليس أعانوا يوم بدر بعضهم
__________
1 نقل ابن هانئ مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قلت لأبي عبد الله: إذا بارز المسلم المشرك فرأى ضعفاً من صاحبه أيعينه؟ قال: نعم. مسائل ابن هانئ 2/106 برقم 1627.
قال البهوتي: وإن انهزم المسلم تاركاً للقتال، أو أثخن المسلم بالجراح، جاز لكل مسلم دفع عنه، والرمي -أي رمي الكافر وقتله- لأن المسلم إذا صار إلى هذا الحال فقد انقضى قتاله وزال الأمان، وزال القتال، لأن حمزة وعلياً أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة حين أثخن عبيدة. كشاف القناع 3/344.
وإن شرط الكافر ألا يقاتله غير الخارج إليه، أو كان هو العادة فله شرطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم" والعادة بمنزلة الشرط.
المبدع 3/344، وراجع المغني 8/369، والكافي 4/283، والإنصاف 4/147.

(8/3888)


بعضاً1؟
__________
1 عن علي رضي الله عنه قال: "تقدم -يعني عتبة بن ربيعة- وتبعه ابنه وأخوه، فنادى: من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار فقال: من أنتم؟ فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني عمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث" فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت إلى شيبة. واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه. ثم ملنا على الوليد فقتلناه، واحتملنا عبيدة.
[] والحديث رواه أبو داود في سننه 3/52-53، كتاب الجهاد، باب في المبارزة، برقم 2665.
قال ابن حجر بعد ذكر الحديث: وهذا أصح الروايات، لكن الذي في السير من أن الذي بارزه علي هو الوليد هو المشهور، وهو اللائق بالمقام لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة، بخلاف علي والوليد فكانا شابين.
فتح الباري 7/298.
وراجع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام 2/265، ومنتقى النقول ص 266.
وروى الطبراني بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: "أعنت أنا وحمزة عبيدة بن الحارث يوم بدر على الوليد بن عتبة، أظنه قال: فلم يغب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم".
رواه الطبراني في المعجم الكبير 3/164 برقم 2954.
وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري 7/298، وحسن إسناده.
قال الخطابي في فقه الحديث السابق: إن معونة المبارزة جائزة إذا ضعف أو عجز عن قرنه، ألا ترى أن عبيدة لما أثخن، أعانه علي وحمزة في قتل الوليد.
واختلفوا في ذلك:
فرخص فيه الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال الأوزاعي:"لا يعينونه عليه، لأن المبارزة إنما تكون هكذا". معالم السنن 4/11.
وقال يوسف التميمي: إذا بارز مسلمٌ مشركاً وشرط ألا يقاتله غيره، لم يكن لإحدى الطائفتين أن يعين مبارزه ما داما يتقاتلان، فإن ولى الكافر منهزماً أو سار بعد قتل المسلم … فيجوز قتله لأن القتال بينهما قد انقضى، إلا أن يكون قد شرط أن يكون آمناً حتى يرجع إلى الصف، فليس لهم التعرض له، إلا أن يثخن المسلم، أو يريد قتله، فعليهم استنقاذ المسلم من يده من غير أن يقتلوا المشرك. دلائل الأحكام 5/586، وراجع شرح السنة 11/67.

(8/3889)


قال إسحاق: كما قال1.
[2777-] قلت: [هل] يخمس السلب2؟
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: معالم السنن 4/11، وشرح السنة 11/67، وفتح الباري 7/298، ودلائل الأحكام 5/586، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 123.
2 السلب بالتحريك: ما يسلب: أي الشيء الذي يسلبه الإنسان من الغنائم ويستولي عليه، وكل شيء على الإنسان من اللباس، فهو سلب وفي الحديث: "من قتل قتيلاً فله سلبه" كما سيأتي، وهو ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه، مما يكون عليه ومعه من ثياب، وسلاح، ودابة.
لسان العرب 1/471، والنهاية 2/387، وتاج العروس 1/301.
ومعنى تخميس السلب: أن يقسم السلب خمسة أقسام خمسها للإمام، وأربعة أخماسها للقاتل. أحكام الغنيمة والفيء ص 60.

(8/3890)


قال: لا.
قيل: وإن أكثر؟
قال: وإن أكثر، ما سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم خمس السلب1، وقد قال: "من قتل قتيلاً فله سلبه"2.
__________
1 قال ابن قدامة: ولا يخمس السلب، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم "فله سلبه" يتناول جميعه، وقد روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب.
الكافي 4/293، وراجع سنن أبي داود 3/72.
قال البهوتي: وسواء قل السلب أو كثر لما -جاء- من أخذ البراء بن مالك سلب مرزبان الزأرة، وأنه بلغ الثلاثين ألفاً.
كشاف القناع 3/72، وراجع المغني 8/391، والمقنع 1/495، والفروع 6/225، والمبدع 3/345، ومطالب أولي النهى 2/540.
2 في العمرية بلفظ "فسلبه له".
عن قتادة رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين علا رجلاً من المسلمين، فاستدبرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه". فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال: "من قتل قتيلاً له عليه بينه فله سلبه" فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال الثالثة مثله فقمت"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا أبا قتادة؟ " فأقصصت عليه القصة فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلبه عندي، فأرضه عني فقال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق" فأعطاه فابتعت مخرفاً في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام.
صحيح البخاري برقم 3142، فتح الباري 6/247، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلاً فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه.
وصحيح مسلم 3/1370 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل برقم 1751.

(8/3891)


قلت: فإن لم يعطه الإمام؟
قال: [ع-40/ب] كأنه يقول: هو له1.
__________
1 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قد تنازع العلماء في سلب القاتل: هل هي مستحق بالشرع كقول الشافعي؟ أو بالشرط كقول أبي حنيفة ومالك؟ على قولين هما روايتان عن أحمد.
مجموع الفتاوى 20/570، وراجع نصب الراية 3/430.

(8/3892)


قال إسحاق: ذاك إلى الإمام إذا استكثر1 فله أن يفعل ما فعل عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] 2 وهذا معنى حديث
__________
1 نقل الترمذي قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة، فقال بعد روايته لحديث أبي قتادة الآتي ما نصه: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول الأوزاعي، والشافعي، وأحمد. وقال بعض أهل العلم: للإمام أن يخرج من السلب الخمس.
وقال النووي: النفل: أن يقول الإمام من أصاب شيئاً فهو له، ومن قتل قتيلاً فله سلبه، فهو جائز، وليس فيه الخمس.
وقال إسحاق: السلب للقاتل إلا أن يكون شيئاً كثيراً فرأى الإمام أن يخرج منه الخمس، كما فعل عمر بن الخطاب.
[] سنن الترمذي 4/131-132.
وانظر قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في: شرح السنة للبغوي 11/108، وشرح صحيح مسلم للنووي 12/59، والمحلى لابن حزم 7/337، تفسير القرطبي 8/8، والمغني 8/391، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم 144، ودلائل الأحكام 5/599.
2 عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك، أخا أنس بن مالك، بارز مرزبان الزأرة، فطعنه طعنة، فكسر القربوس، وخلصت إليه فقتله، فقوم سلبه ثلاثين ألفاً. فلما صلينا الصبح، غدا علينا عمر فقال لأبي طلحة: إنا كنا لا نخمس الأسلاب، وإن سلب البراء قد بلغ مالاً ولا أرانا إلا خامسيه، فقومنا ثلاثين ألفاً فدفعنا إلى عمر رضي الله تعالى عنه ستة آلاف.
الحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/229، كتاب السير، باب الرجل يقتل قتيلاً في دار الحرب يكون له سلبه أم لا.
وفيه بارز مرزبان الضرارة، وصحح من حاشية إرواء الغليل 5/57، والبيهقي في السنن الكبرى 6/311 كتاب قسمة الفيء والغنيمة، باب ما جاء في تخميس السلب.
وصحح الألباني إسناده في إرواء الغليل 5/57 وما بعده.

(8/3893)


عوف1.2
__________
1 هو عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي، اختلف في كنيته فقيل أبو عبد الرحمن، ويقال أبو حماد، وأول مشاهده خيبر وكانت معه راية أشجع يوم الفتح، وسكن الشام. وكان من الصحابة الشجعان الرؤساء، مات سنة ثلاث وسبعين.
أسد الغابة 4/156، والاستيعاب هامش الإصابة 3/131، وتقريب التهذيب 267، والأعلام 5/96.
2 عن عوف بن مالك قال: قتل رجل من حمير رجلاً من العدو، فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد، وكان والياً عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد: "ما منعك أن تعطيه سلبه؟ " قال: استكثرته يا رسول الله. قال: "ادفعه إليه" فمر خالد بعوف فجر بردائه، ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب فقال: "لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبلاً، أو غنماً فرعاها، ثم تحين سقيها فأوردها حوضاً، فشرعت فيه، فشربت صفوه، وتركت كدره فصفوه لكم، وكدره عليهم". الحديث
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 3/1373 كتاب الجهاد والسير، باب استحاق القاتل السلب برقم 1753، من طريق عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عوف.
والذي يظهر لي- في هذه المسألة - أن السلب يعطى للسالب ولا يخمس لما يأتي:
أولاً: لأن الأحاديث التي استدل بها الإمام إسحاق رحمه الله ومن وافقه ليست نصاً في الموضوع، بل فيها دليل على أن القاتل يستحق السلب، وإن كان كثيراً، وأنه لا يخمس.
ثانياً: ولأن أمير المؤمنين أخبر في حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم بأنهم كانوا لا يخمسون السلب.
ثالثاً: لعل فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عن طيب نفس من البراء، لا أن عمر رضي الله عنه تعمد خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اتباعه هو الواجب.
رابعاً: ولأن حديث عوف بن مالك الأشجعي نص في المسألة.
خامساً: أما رد النبي صلى الله عليه وسلم السلب إلى خالد رضي الله عنه بعد الأمر بإعطائه القاتل، فهو من النكير على عوف رضي الله عنه ردعاً له وزجراً، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة.
أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه بعد ذلك القاتل، وإنما أخره تعزيراً له ولعوف بن مالك لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد رضي الله عنه.
أو أنه أخذه صلى الله عليه وسلم عن طيب نفس من القاتل وجبرا لقلب خالد، لمصلحة في إكرام الأمراء.
فتبين من الأدلة المذكورة آنفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وصدراً من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لم يخمسوا سلباً، واتباع ذلك أولى لما تقدم.
[] راجع معالم السنن 4/45، وشرح السنة 11/110، وشرح صحيح مسلم للنووي 12/64، والمحلى 7/336-338، والمغني 8/392.

(8/3894)


[2778-] قلت1 هل يبارز الرجل الرجل بغير إذن الإمام؟
قال2: لا والله.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 هذه المسألة انفردت بنقلها النسخة العمرية.
2 قال ابن قدامة: وتجوز المبارزة في الحرب …، ولا تجوز إلا بإذن الأمير، لأن أمر القتال موكول إليه، وهو أعلم برجاله، فلا يؤمن مع مخالفته أن يتم ما ينكسر به الجيش. الكافي 4/283.
وقال في المقنع: فإن دعا كافر إلى البراز، استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير. المقنع 1/495.
وعقب عليه المرداوي بقوله: هذا المذهب "أعني تحريم المبارزة بغير إذنه" وهو ظاهر كلامه في المغني، والشرح، بل هو كالصريح ونص عليه. الإنصاف 4/147.
وانظر: المغني 8/367، وكشاف القناع 3/69، والمبدع 3/344.
وبالإضافة إلى شرط إذن الإمام أو أمير الجيش في المبارزة، يشترط في المبارز:
1 - أن يكون ذا نجدة وشجاعة، يعلم من نفسه أن لن يعجز عن مقاومة عدو، فإن كان بخلافه منع.
2 - ألا يكون زعيماً للجيش، يؤثر فقده فيهم، فإن فقد الزعيم المدبر يفضي إلى الهزيمة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أقدم على البراز ثقة بنصر الله تعالى، وإنجاز وعده، وليس ذلك لغيره.
الأحكام السلطانية للفراء ص 43.
3 قال الخطابي: واختلفوا في - المبارزة - إذا لم تكن عن إذن الإمام فكره سفيان الثوري، وأحمد وإسحاق: أن يفعل ذلك إلا عن إذن من الإمام، وحكي ذلك أيضاً عن الأوزاعي.
وقال مالك والشافعي: "لا بأس بها، كانت بإذن الإمام أو بغير إذنه".
[] معالم السنن4/11، وراجع: شرح السنة11-67، ونيل الأوطار8/87

(8/3896)


[2779-] قلت: أهل العهد إذا نقضوا تسبى ذراريهم أم لا؟
قال: كل من ولد له1 بعد النقض يسبون، ومن كان قبل ذلك لا يسبون2.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في العمرية سقط (له) .
2 نقل الخلال هذه الرواية من أولها إلى مكان الإشارة في كتابه أحكام أهل الملل، لوحة رقم99 ص 107.
وذكر عبد الله أنه سأل أباه عن قوم نصارى نقصوا العهد وقاتلوا المسلمين، قال: أرى ألا تقتل الذرية، ولا يسبون، ولكن يقتل رجالهم. مسائل عبد الله ص 256 برقم 95.
قال ابن قدامة: وإن هرب الذمي بأهله، وذريته، أبيح من البالغين منهم ما يباح من أهل الحرب، ولم يبح سبي الذرية، لأن النقض إنما وجد عن البالغين دون الذرية. المغني 8/534
وقال في المقنع: ولا ينتقض عهد نسائه، وأولاده بنقض عهده. المقنع1/534.
وقال المرداوي: هذا المذهب، وسواء لحقوا بدار الحرب أو لا. الإنصاف4/256.
وراجع الكافي4/372، والمحرر2/188، والفروع6/288، والمبدع3/434، والعدة شرح العمدة620، وحاشية روض المربع2/323.

(8/3897)


[2780-] قلت: أمان الأسير وعن رجل من المسلمين في أرض الشرك أمانه أمان؟
قال: كلاهما له أمان1.
قال إسحاق: كما قال. إذا أمنا على عدل وسويه.
[2781-] [قال:] قلت:2 إذا أسر الأسير3 يقتل أو يفادى4 أحب
__________
1 ونحو هذه الرواية عند أبي داود قال: قيل لأحمد وأنا أسمع أمان الأسير؟ قال جائز.
وقال: قلت لأحمد: لو أن أسراء في عمورية نزل بهم المسلمون؟ فقال الأسراء: أنتم آمنون يريدون بذلك القربة إليهم؟ قال: يرحلون عنهم. مسائل أبي داود ص249.
قال ابن قدامة: "ويصح أمان الأسير إذا عقده غير مكره لدخوله في عموم الخبر ولأنه مسلم مكلف مختار فأشبه غير الأسير، وكذلك أمان الأجير، والتاجر في دار الحرب". المغني8/397.
وراجع: الفروع6/249، والكافي4/330، والإنصاف4/203، والمقنع1/516، وكشاف القناع3/105، والقتال في الإسلام ص231.
2 في العمرية بحذف لفظ "قلت".
3 في ظ (إذا أسر الأسير) ساقطة.
4 يقال فداه وفاداه: إذا أعطى فداءه فأنقذه ...
وتفادوا، أي فدى بعضهم بعضاً، وافتدى منه بكذا.
الصحاح للجوهري6/2453.
وقال الفيومي: فداه من الأسر، يفديه، فدى، مقصور، وتفتح الفاء وتكسر إذا استنقذه بمال، واسم ذلك المال الفدية، وهو عوض الأسير، وجمعها فدى وفديات ...
وقال المبرد: المفاداة: أن تدفع رجلا، وتأخذ رجلا، والفدى أن تشتريه، وقيل هما واحد. المصباح المنير2/465.

(8/3898)


إليك؟
قال: إن قدروا أن يفادوا فليس به بأس. وإن قتله فلا1 أعلم به بأساً2.
__________
1 في العمرية بلفظ "فما".
2 نقل هذه الرواية بنصها الترمذي في سننه4/136
ونقل ابن هانئ نحو هذه الرواية، فقال: سئل أبو عبد الله عن البطريق من أهل الشرك يؤخذ، فأحب إليك أن يقتل، أو يفادي بمائة من المسلمين؟
فقال أبو عبد الله: إن رجلاً واحداً من المسلمين خير من الدنيا، وإن فداءهم مما يعجبني. مسائل ابن هانئ2/103.
قال ابن قدامة: إن من أسر من أهل الحرب على ثلاث أضرب:
أحدها: النساء، والصبيان، فلا يجوز قتلهم، ويصيرون رقيقاً للمسلمين بنفس السبي.
الثاني: الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية، فيخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء: القتل، والمن بغير عوض، والمفاداة بهم، واسترقاقهم.
والثالث: الرجال من عبدة الأوثان، وغيرهم ممن لا يقر بالجزية، فيتخير الإمام فيهم بين ثلاثة أشياء: القتل، أو المن، أو المفاداة.
ولا يجوز استرقاقهم. وعن أحمد جواز استرقاقهم.
انظر: المغني 8/372 بتصرف. وراجع: الكافي 4/270، والفروع 6/213، والإنصاف 4/130، وكشاف القناع 3/53 والتحقيق لابن الجوزي 3/151.

(8/3899)


قال إسحاق: الإثخان1 أحب إلي إلا أن يكون معروفاً يطمع به الكثير2.
[2782-] قلت: رجل دخل أرض الحرب بأمان أله أن يشتري من3
__________
1 الإثخان: هو المبالغة في القتل، والإكثار منه.
انظر لسان العرب 13/77، والمصباح المنير 1/80.
2 نقل الترمذي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال:
"قال إسحاق: الإثخان أحب إلي أن يكون معروفاً فأطمع به الكثير. سنن الترمذي 4/136.
وانظر: المغني 8/374، واختلاف الصحابة 123، ودلائل الأحكام للتميمي 5/589.
قال الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} الآية. سورة محمد أو القتال آية (4) .
والآية محكمة غير منسوخة. فالإمام مخير في هذه الأمور، يختار ما فيه نكاية للعدو وحظ للمسلمين.
وهو قول ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، والحسن البصري، وعطاء، ومذهب مالك، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وأبي عبيد، وغيرهم.
انظر الجامع لأحكام القرآن 16/228، ونواسخ القران لابن الجوزي ص 466، والمغني 8/372، ومعالم السنن 4/25، والأم للإمام الشافعي رحمه الله 4/260.
3 سقطت حرف (من) من العمرية.

(8/3900)


أولادهم ونسائهم ويأخذ درهمين1 بدرهم؟
قال: إذا كان بأمان2؟ - كأنه كره هذا كله-
قال إسحاق: لا يحل ذلك أصلاً3، لأن الذي يلي ذلك المسلم لأن الربا حرمه الله [سبحانه وتعالى] على المسلمين.
ولقد رد رسول الله صلى الله عليه [وسلم] ما أربوا في الجاهلية حين أدرك الإسلام.
__________
1 في العمرية بلفظ (الدرهمين) .
2 ونقل عبد الله مثل هذه الرواية فقال: سألت أبي عن رجل دخل أرض العدو بأمان، فسرق منهم مالاً، أو دواباً، أو غير ذلك، قال: إذا كان بأمان لم يسرق، ولم يأخذ من أموالهم شيئاً، ولا يبيع في بلادهم درهماً بدرهمين، لا يربي في بلادهم.
مسائل عبد الله ص 253 برقم 940.
ونقل ابن هانئ رواية نحوها عن الإمام أحمد 2/120 برقم 1696.
قال ابن قدامة: "ويحرم الربا في دار الحرب كتحريمه في دار الإسلام" وبه قال مالك، والأوزاعي، وأبو يوسف، والشافعي، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: لا يجري الربا بين مسلم وحربي في دار الحرب، المغني 4/45.
وقال في موضع آخر: وسائر الآيات، والأخبار الدالة على تحريم الربا عامة تتناول الربا في كل مكان وزمان، وأما خيانتهم فمحرمة، لأنهم أعطوه الأمان مشروطاً بترك خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه وإن لم يكن ذلك مذكوراً في اللفظ، فهو معلوم في المعنى. ولذلك، من جاءنا منهم بأمان، فخاننا كان ناقضاً لعهده.
المغني 8/458، وراجع كشاف القناع 3/108.
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 4/45.

(8/3901)


فأول ربا وضعه ربا العباس [رضي الله عنه] 1.
وكذلك قال الأوزاعي2: وحرمه في أرض الحرب واحتج بهذا، أن ما أدرك الإسلام من الربا موضوع.
وقد فعله في الجاهلية، فكيف يستوسع في الإسلام أن يبتدئه أو يبيع ميتة منهم.
__________
[1] والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 2/886-893، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل.
وموضع الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع. وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله".
صحيح مسلم 2/889.
2 نقل قول الإمام الأوزاعي الإمام أبو يوسف الأنصاري رحمه الله فقال: قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: "الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع من ربا الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك، وكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب، فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم حرم الله عليه دماءهم وأموالهم؟ وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستحل ذلك". الرد على سير الأوزاعي ص 96.
[] وانظر: الأم للشافعي 8/358، والمغني 4/45، وفقه الإمام الأوزاعي للجبوري 2/202-203.

(8/3902)


[2783-] قلت: هل يبيت1 أهل الدار من المشركين فيصاب من نسائهم وأبنائهم؟
قال: أما أن يتعمدوا قتلهم فلا2.
وقال: كان النهي قد كان تقدم من النبي3 صلى الله عيه [وسلم] في ذلك.
[ثم سئل] فقال: إن أهل الدار يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم، فقال: "هم منهم" 4.
__________
1 ومعنى البيات: أن يُغار على الكفار بالليل، بحيث لا يميز بين أفرادهم. فتح الباري 6/147.
2 نقل مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد في تفسيره للحديث: أبو داود فقال: "سمعت أحمد سئل عن حديث الصعب بن جثامة في أهل الدار يبيتون؟ قال: كان النهي قد كان تقدم، ثم سئل عن هذا قال أحمد: كأنهم يصيبون بهم من غير أن يريدوا ".
[] مسائل أبي داود ص236-237.
وانظر: المغني 8/449، والكافي 4/268، والإنصاف 4/126، والمبدع 3/319.
3 في العمرية بلفظ "رسول الله".
4 عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: "مر بى النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء -أو بودان- فسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين، فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: هم منهم. وسمعته يقول: "لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم".
الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه رقم 3012، فتح الباري 6/146، كتاب الجهاد، باب أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري، واللفظ له.
والإمام مسلم في صحيحه 3/1364، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد، برقم 1745 بلفظ أخصر مما هنا.
قال الخطابي: "وفيه بيان أن قتلهم في البيات وفي الحرب، وإن لم يتميزوا من آبائهم، وإذا لم يتوصل إلى الكبار إلا بالإتيان عليهم جائز، وأن النهي منصرف إلى حال التمييز والتفرق".
[] معالم السنن للخطابي 4/14-15، وشرح صحيح مسلم للنووي 12/49.

(8/3903)


قال1 إسحاق: الرخصة في ذلك إذا أراد الإمام الإغارة2 مباح3.
[2784-] قلت: قال: سألت ابن عباس [رضي الله عنهما] قلت: يخرج علينا البعث4 فيخرج من أربعة واحد؟ 5
__________
1 في العمرية بلفظ (فقال) .
2 في العمرية بلفظ (الغارة) .
3 نقل الترمذي قول الإمامين أحمد وإسحاق فقال: ورخص بعض أهل العلم في البيات، وقتل النساء منهم والولدان، وهو قول أحمد وإسحاق، ورخصا في البيات. سنن الترمذي 4/137. وراجع: عمدة القارئ 14/261.
وقد تقدم الكلام عن تبييت العدو في المسألة رقم: (2756) .
4 البعث هم الجنود الموجهون إلى الغزو، وجمعها بعوث.
لسان العرب 2/166.
5 أشار إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما عبد الرزاق في مصنفه 5/231.

(8/3904)


قال: كان يضرب على القبيلة البعث يكونون ألفاً فيضرب على المائة منهم، فيعين الذي يقعد والذي يخرج.1
قال إسحاق: كما قال.
[2785-] قلت: رجل قتله اللصوص، أيغسل2 أم لا؟
قال: كل قتيل يغسل إلا من قتل في المعركة3.
__________
1 قال ابن حجر: قال ابن بطال: "إن أخرج الرجل من ماله شيئاً، فتطوع به، أو أعان الغازي على غزوه بفرس، ونحوها، فلا نزاع فيه، وإنما اختلفوا فيما إذا أجر نفسه أو فرسه في الغزو". فتح الباري 6/124.
2 في العمرية بلفظ "يغسل".
3 من قُتل ظلماً، أو قُتل دون ماله، أو دون نفسه وأهله، ففي غسله روايتان:
إحداهما: لا يلحق بشهيد المعركة، فيغسل، واختار هذه الرواية الخلال.
ووجه هذه الرواية: أن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك، فأشبه المبطون، ولأن هذا لا يكثر القتل فيه، فلم يجز إلحاقه بشهيد المعترك.
والثانية: أنه يلحق بشهيد المعركة، فلا يغسل ولا يصلى عليه.
قال المرداوي: وهو المذهب، اختاره أكثر الأصحاب، لأنه قتل شهيداً أشبه شهيد المعركة.
انظر المغني 2/535، والإنصاف 2/503.
ونقل عبد الله رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، فيها توضيح لهذه الرواية وجمع بين الروايتين السابقتين.
قال: قرأت على أبي: قلت من قتله اللصوص، يُغسل ويصلى عليه؟ قال: "إذا قُتل في المعركة، فهو بمنزلة الشهيد إلا أن يحمل وبه رمق. مسائل عبد الله ص 135 برقم: 500.

(8/3905)


قال إسحاق: كما قال1.
[2786-] قلت: يُكره إخصاء2 الدواب؟
قال: إي لعمري، هي نماء الخلق.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 نقل ابن قدامة عن الإمام إسحاق: أن من قتل دون ماله، أو دون نفسه وأهله… فلا يغسل، ولا يصلى عليه. وهو قول الشعبي والأوزاعي وإسحاق في الغسل، ولعل هذا القول رواية ثانية عنه.
انظر: المغني 2/535. وراجع إسحاق بن راهوية وأثره في الفقه الإسلامي ص 499.
2 قال الجوهري: وخصيت الفحل خصاء ممدود، إذا سللت خصييه. الصحاح 6/2328 مادة خصى.
وقال صاحب المصباح المنير: وخصيت العبد أخصيه خصاء -بالكسر والمد- سللت خصييه فهو خصيّ. وخصيت الفرس قطعت ذكره فهو مخصي، يجوز استعمال فعيل ومفعول فيهما. المصباح المنير 1/171.
3 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد وإسحاق فقال: وقد اختلفوا في إخصاء الدواب، فروينا عن عمر بن الخطاب، أنه نهى عنه. وكان ابن عمر يكره الخصاء، ويقول: هو نماء خلق الله، وكره ذلك عبد الملك بن مروان.
وقال الأوزاعي: كانوا يكرهون خصاء كل شيء له نسل.
وكره ذلك أحمد وإسحاق.
ورخص فيه الحسن البصري، وطاووس، وخصى عروة بغلا له.
وقد رجح ابن المنذر القول الأول، واستدل بحديث ابن عمر الآتي.
انظر: الإشراف 3/195.
وراجع: تفسير القرطبي 5/390 وما بعده، ومصنف ابن أبي شيبة 12/226، ومصنف عبد الرزاق 4/456، والسنن الكبرى 10/24.
وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم، قال ابن عمر: فيها نماء الخلق".
الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/24.
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/2650، وقال: رواه أحمد وفيه عبد الله بن نافع وهو ضعيف.

(8/3906)


[2787-] قلت1: قال: سألت الأوزاعي هل في الذهب2 والفضة نفل؟
قال: لا3.
__________
1 في العمرية بلفظ (قال قلت) .
2 في العمرية بلفظ (هل في الفضة والذهب نفل) .
3 نفل النووي قول الأوزاعي فقال: قال الأوزاعي وجماعة من الشاميين: لا ينفل في أول غنيمة، ولا ينفل ذهباً ولا فضة.
[] شرح النووي على صحيح مسلم 12/56-57.
وراجع قول الأوزاعي في كتاب الأموال لأبي عبيد ص398، وفتح الباري 6/241، والمغني 8/382.

(8/3907)


قال أحمد: ما أدري1.
قال إسحاق: كما قال الأوزاعي.
[2788-] قلت: سئل عن قتل الخنازير وإفساد الخمر وكسر الصليب؟
قال: أكره قتل البهائم، فأما الخمر والصليب فأفسد إن شئت.
قال [الإمام] أحمد: قتل الله-[تعالى]- كل خنزير2.
__________
1 في العمرية بلفظ (لا أدري) .
هذا اللفظ إصطلاح للإمام أحمد رحمه الله.
قال سالم الثقفي: ومما في التوقف عنه إشعار بالإنكار على عمله بقوله فيه "لا أدري" فتوقفه عنه بهذا اللفظ إشعار بالإنكار على عمله، أو القول به بتعبير الأدب في الفتوى. مفاتيح الفقه الحنبلي 2/38
قال ابن قدامة: أنّ النفل لا يختص بنوع من المال، وذكر الخلال: أنه لا نفل في الدراهم والدنانير، وهو قول الأوزاعي، لأن القاتل لا يستحق شيئاً منها، فكذلك هنا. المغني 8/382.
2 قال أبو داود: قلت لأحمد: يصيب الخمر في بلاد الروم بكسر الدنان أو يهريقه؟ قال: أهريقه. مسائل أبي داود ص245.
وقال الشيخ مرعي الحنبلي: ويكسر صليب، ويقتل خنزير، ويصبّ خمر، ولا يكسر إناء به نفع. غاية المنتهى 1/465.
وراجع: الفروع 6/236، والمبدع 3/354، والإنصاف 4/155 والطرق الحكيمة ص272.
نقل ابن قيم الجوزية رحمه الله قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله فقال:
وفي مسائل صالح، قال أبي: يقتل الخنزير، ويفسد الخمر ويكسر الصليب.
وهذا قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وإسحاق بن راهويه، وأهل الظاهر، وطائفة من أهل الحديث، وجماعة من السلف. الطرق الحكمية ص272.

(8/3908)


قال إسحاق: كما قال أحمد، يفعل هذا كله.
[2789-] قلت: سئل عن رجل باع فرسه في أرض العدو بعد ما أصاب عليه غنيمة ثم أصاب1 عليه الآخر بعد غنيمة؟
قال: سهامه فيما2 بينهما.
قلت: فإن كان قد أصاب كل واحد منهما معروفاً بعينه؟
قال: إذا عرف ذلك بعينه كان لكل واحد منهما ما أصاب3.
قال أحمد: ما أحسن ما قال4.
__________
1 في الظاهرية بلفظ "ثم أصاب الآخر عليه بعد غنيمة."
2 في العمرية بلفظ (قال: سهامه فيها بينهما) .
3 نقل ابن حجر قول الأوزاعي فقال: وعن الأوزاعي فيمن وصل إلى موضع القتال فباع فرسه: "يسهم له ولكن يستحق البائع مما غنموا قبل العقد، والمشترى مما بعد وما اشتبه قسم." فتح الباري 6/69.
وانظر: الرد على سير الأوزاعي ص22، والمغني 8/404.
4 قال الخرقي: "ومن دخل إلى أرضهم من الغزاة فارسا، فنفق فرسه قبل إحراز الغنيمة فله سهم راجل، ومن دخل راجلاً، فأحرزت الغنيمة وهو فارس، فله سهم الفارس." المغني 8/403.
وراجع الكافي 4/300، والمقنع 1/506 الإنصاف 4/176، ومطالب أولي النهى 2/559.

(8/3909)


قال إسحاق: كما قال.1
[2790-] قلت: قال الأوزاعي: لا يترك المستأمن2 في دار الإسلام3 إلا أن يسلم أو يؤدي الجزية أو بإذن الإمام؟ 4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق في: المغني 8/404.
2 المستأمن بكسر الميم: هو الطالب للأمان، ويصح بالفتح بمعنى اسم مفعول، والتاء للصيرورة.
المصباح المنير1/34، وأحكام الذميين والمستأمنين لعبد الكريم زيدان ص46.
3 والعبرة بالدار بمن كانت له الولاية والحل والعقد، والتصرف فيه فإن كان ذلك للمسلمين فهي دولة إسلامية -وإن وجد بها كفار-، وإن كان الحل والعقد والتصرف والولاية للكفار، فتعتبر الدولة كافرة وإن كثر فيها المسلمون.
حقيقة الجهاد وغايته في الإسلام لفضيلة شيخنا الدكتور عبد الله أحمد القادري 2/291 -مطبوع على الاستنسل-.
وراجع: السيل الجرار4/575، والجهاد في الإسلام لتوفيق وهبة ص83 وما بعده، والقتال في الإسلام لمحمد ناصر الجعوان ص243.
4 انظر قول الإمام الأوزاعي في المغني 8/400، وفقه الإمام الأوزاعي2/421.

(8/3910)


قال أحمد: إذا أمنه الإمام فهو على أمانه حتى يرده إلى مأمنه1.
قال إسحاق: كما قال الأوزاعي، فإن كان الإمام أمنه إلى وقت وقته نظراً للمسلمين، إما لفداء الأسارى2، أو لعمل من أعمال أهل الإسلام، فللإمام3 ذلك، ويترك إلى الوقت الذي أومن عليه.
__________
1 نقل ابن قدامة هذه الرواية فقال: قال أبو بكر: وهذا ظاهر كلام أحمد لأنه قيل له: قال الأوزاعي: لا يترك المشرك في دار الإسلام إلا أن يسلم، أو يؤدي، فقال أحمد إذا أمنته فهو على ما أمنته. وظاهر هذا أنه خالف قول الأوزاعي.
انظر المغني 8/400.
قال في المحرر: ويجوز الأمان للرسول والمستأمن مدة الهدنة بلا جزية، نص عليه. وقال أبو الخطاب: لا يقيم سنة فأكثر إلا بجزية.
قال القاضي الفراء: ولأهل العهد -إذا دخلوا دار الإسلام- الأمان على نفوسهم، وأموالهم، ولهم أن يقيموا أقل من سنة بغير جزية، ولا يقيمون سنة إلا بجزية، ويلزم الكف عنهم لأهل الذمة، ولا يلزم الدفع عنهم بخلاف أهل الذمة.
انظر: المحرر2/181، والأحكام السلطانية161.
وراجع: المقنع1/518، والإنصاف 4/407، ومطالب أولي النهى 2/578.
2 في العمرية بلفظ (لفداء أسير) .
3 في العمرية بلفظ (ولإمامه ذلك) .

(8/3911)


فإن تم إرادة الإمام فيما حبسه وإلا أجله1 أجلاً بعد أجل حتى يفرغ [ع-41/أ] .
[2791-] قال [الإمام] أحمد: [رضي الله عنه] الغنيمة ما غلب عليه بالسيف2.
والفيء: ما صولحوا عليه.3 وهي الجزية، جزية الرؤوس4 وخراج الأرضين والصدقات.5
__________
1 في العمرية بفظ (وإلا أجله أجلاً حتى يفرغ) .
2 الغنم: الفوز بالشيء من غير مشقه. ويقال غنم الشيء غنماً بالضم، إذا فاز به.
لسان العرب12/445، والمصباح المنير 2/454.
والغنيمة في الاصطلاح: ما أخذ من مال حربي قهراً بقتال، وما ألحق به مما أخذ فدية، أو هدية حربي للأمير، أو بعض قواده، أو الغانمين بدار الحرب.
انظر: شرح منتهى الإرادات 2/110، وغاية المنتهى 1/460 والتنقيح المشبع ص116.
وعرفه في المحرر: الغنيمة: كل مال أخذ من الكفار قهراً بالقتال. المحرر2/173.
وراجع: الفروع 6/222.
3 في العمرية بحذف لفظ (عليه) .
4 في العمرية بلفظ (الرأس) .
5 والفيء في اللغة: مأخوذ من فاء يفيء: إذا رجع.
قال الراغب: الفيء والفيئة الرجوع إلى حالة محمودة، ومنه فاء الظل، والفيء لا يقال إلا للراجع منه.
انظر: المفردات للراغب ص389، والمصباح المنير للفيومي 2/486، والجامع لأحكام القرآن 8/2.

(8/3912)


[و] العشور من الحبوب، والمواشي: الإبل، والبقر، والغنم1، [فـ] كلّ شيء عشرته فهو صدقة.
قال إسحاق: كما قال.
[2792-] قلت: الرجل يوجد معه الغلول2 ما يصنع به؟
قال: يحرق رحله، إلاّ أن يكون مصحفا أو حيواناً.3
__________
1 قال في المصباح المنير (2/574) : الماشية: المال من الإبل والغنم، قاله ابن السكيت وجماعة، وبعضهم يجعل البقر من الماشية.
ونقل هذه الرواية القاضي أبو يعلى في الأحكام السلطانية، ص136.
2 الغلول في اللغة: الخيانة في المغنم خاصّة.
والإغلال: الخيانة في المغانم وغيرها.
قال الزجّاج: غَلّ الرجل، بالفتح، يغُلّ، بالضمّ: إذا خان، لأنّه أَخْذُ شيء في خفاء، وكلّ من خان في شيء في خفاء فقد غلّ يغلّ غلولاً.
[] لسان العرب 14/13-14، مادة: غلل، والمصباح المنير 2/451-452.
والغال في الشرع: الذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة، ولا يطلع الإمام عليه. المغني 8/470.
وعرّفه الخرشي: هو أن يأخذ أحد الغانمين من الغنيمة شيئاً خفيةً بعد حوزها وقبل قسمتها. الخرشي 3/116.
3 نقل الخطابي قول الأوزاعي فقال: "أمّا تأديبه عقوبةً في نفسه على سوء فعله، فلا أعلم بين أهل العلم منه خلافاً، وأمّا عقوبته في ماله، فقد اختلف العلماء في ذلك.
فقال الحسن البصري: "يحرق ماله، إلاّ أن يكون حيواناً، أو مصحفاً".
وقال الأوزاعي: "يحرق متاعه، وكذلك قال أحمد، وإسحاق، ولا يحرق ما غلّ، لأنّه حقّ الغانمين، يردّ عليهم، فإن استهلكه غرم قيمته".
وقال الأوزاعي: "يحرق متاعه الذي غزا به، وسرجه وإكافه، ولا يحرق دابته، ولا نفقته إن كانت معه، ولا سلاحه ولا ثيابه التي عليه." معالم السنن 4/39.
وراجع قوله في: المغني 8/470، سنن الترمذي 4/61، شرح صحيح مسلم للنووي 12/218، سبل السلام 4/52، المنتقى للباجي 4/204، الجامع لأحكام القرآن 4/260، دلائل الأحكام 5/62 وفتح الباري 6/187.
أمّا عدم حرق المصحف، فلحرمته، والحيوان، لأنّه لا يدخل في اسم المتاع المأمور بإحراقه، ولحرمة الحيوان في نفسه، والنهي عن تعذيبه بالنار. أمّا الثياب فلأنّه لا يجوز تركه عرياناً، ولا السلاح لأنّه يحتاج إليه للقتال، ولا نفقته لأنّ ذلك ممّا لا يحرق عادةً. المغني 8/470.

(8/3913)


قلت: ويحرم نصيبه من المغنم.
فلم يعرفه.
قال [الإمام] أحمد: ولا يصلّي عليه الإمام.1
__________
1 قال الخرقي: "ولا يصلّي الإمام على الغالّ، ولا من قتل نفسه."
وقال ابن قدامة: "فهذا لا يصلّي عليه الإمام، ولا على من قتل نفسه متعمّداً، ويصلّي عليه سائر الناس. نصّ عليهما أحمد."
والإمام ها هنا أمير المؤمنين وحده، وعن الإمام أحمد رحمه الله أنّ إمام كلّ قرية واليهم، وأنكر هذا الخلال، وخطّأ ناقلَه.
مختصر الخرقي ص36، المغني 2/556، والكافي 1/265.
وقال في المقنع: "والغالّ من الغنيمة يحرق رحله كلّه، إلاّ المصحف والسلاح والحيوان." المقنع 1/509.
قال المرداوي: "وهذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وهو من مفردات المذهب." الإنصاف 4/185.
وانظر: المغني 8/470، الكافي 4/307 وغاية المنتهى 1/466.
وقد اختار أبو عبد الله ابن قيّم الجوزية، وبعض المتأخّرين من الحنابلة أن تحريق رحل الغالّ من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمّة بحسب المصلحة، وهذا نظير قتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة، فليس بحدّ ولا منسوخ، وإنّما هو تعزير يتعلّق باجتهاد الإمام. وصوّب المرداوي هذا الرأي في الإنصاف. انظر: زاد المعاد 2/66، الإنصاف 4/185، المبدع 3/375، والفروع 6/237.
أمّا هل يحرم الغالّ سهمه؟ ذكر أبو بكر روايتين:
إحداهما: يحرم سهمه، لأنّه قد جاء في الحديث: يحرم سهمه.
والثانية: لا يحرم الغال سهمه، لأنّ سبب الاستحقاق موجود، فيستحقّ سهمه. وصحّح الرواية الثانية المرداوي، وقال إنّه المذهب.
انظر: المغني 8/472، الفروع 6/237، المحرّر 2/178، الإنصاف 4/186، والقواعد لابن رجب ص230.

(8/3914)


قال إسحاق: كما قال، ويمنع سهمه إلاّ أن يرى الإمام

(8/3915)


إعطاءه.1
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: سنن الترمذي 4/61، معالم السنن 4/39، شرح السنة 11/119، الجامع لأحكام القرآن 4/260، المغني 8/470، المنتقى للباجي 3/204، اختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم 125، دلائل الأحكام 5/62، وشرح النووي على صحيح مسلم 12/217، والإجماع لابن المنذر ص26 برقم 237، وفتح الباري 6/186.
واستدلّ القائلون بإحراق رحله بما جاء عن عبد الله بن عمر، عن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه غلّ في سبيل الله فأحرقوا متاعه".
قال صالح: فدخلت على مسلمة ومعه سالم بن عبد الله، فوجد رجلاً قد غلّ، فحدث سالم بهذا الحديث، فأمر به، فأحرق متاعه، فوجد في متاعه مصحف، فقال سالم: بِع هذا، وتصدّق بثمنه.
الحديث رواه الترمذي في سننه 4/61، كتاب الحدود، باب ما جاء في الغالّ ما يصنع به، برقم: 1461، مسند الإمام أحمد 1/22.
والحديث من رواية صالح بن محمد بن زائدة، وقد تكلّم علماء الجرح والتعديل فيه، فقال الإمام البخاري: "إنّما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث.
وقد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال، فلم يأمر فيه بحرق متاعه، وقال إنّ عامّة أصحابه يحتجّون بهذا في الغلول، وهذا باطل، ليس بشيء.
وقال الدارقطني: "أنكر هذا الحديث على صالح بن محمد." قال: "وهذا حديث لم يتابع عليه، ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم."
ورجّح ابن حجر العسقلاني بأنّ الخبر موقوف على عمرو بن شعيب.
انظر: سنن الترمذي 4/61، مختصر سنن لأبي داود للمنذري 4/40، تفسير القرطبي 4/260، العلل المتناهية لابن الجوزي 2/95، والمنتقى للباجي 3/204.

(8/3916)


[2793-] قلت: سئل الأوزاعي عن المدبّر يكون مع سيّده في السرّية،1 فيقتل سيّده أو يموت، هل يسهم له؟
قال: يعتق العبد ويعطى سهمه.2
قال أحمد: إذا شهد الوقعة بعد موت السيّد، وللسيّد [ظ-88/أ] من المال بقدر ما يخرج العبد من ثلثه، فهو حرّ في ثلثه، ويسهم له، فإنّه شهد الوقعة وهو حرّ، وإن لم يخرج، وشهد الوقعة يرضخ له.3
__________
1 السرية: هي: الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، تبعث إلى العدوّ، وجمعها: سرايا، وسريات، مثل: عطية وعطايا وعطيات. وسمّوا بذلك، لأنّهم يكونون خلاصة العسكر، وخيارهم، من الشيء السرّي النفيس. وقيل: سمّوا بذلك لأنّهم ينفّذون سرّاً وخفيةً، وليس بالوجه.
انظر: النهاية لابن الأثير 2/363، والمصباح المنير 1/275، مادة: "سري".
2 قال القاضي أبو يعلى: نقل صالح، قال سئل الأوزاعي عن المدبّر يكون مع سيّده في السرّية، يقتل سيّده، أو يموت، يعتق ويعطى سهمه؟ قال: "إذا شهد الوقعة بعد موت سيّده، وللسيّد من المال بقدر ما يخرج من ثلثه فهو حرّ، ويسهم له."
الروايتين والوجهين، لوحة: 225.
3 المدبّر والمكاتب يرضخ لهم، لأنّهم عبيد، ومن عتق منهم قبل انقضاء الحرب، أسهم لهم، وكذلك إن قتل سيّد المدبّر قبل أن تنقضي الحرب، وهو يخرج من الثلث، عتق وأسهم له. وأمّا من بعضه حرّ، فقال أبو بكر: "يرضخ له بقدر ما فيه من الرقّ، ويسهم له بقدر ما فيه من الحرّية."
المغني 8/412، راجع: الكافي 4/301، والمقنع 1/505.
قال المرداوي: "إن تغيّر أحوالهم بعد تقضي الحرب، وقبل إحراز الغنيمة، فهذه الصورة فيها وجهان:
الأول: أنّه لا يسهم لهم. وهو المذهب …
الثاني: يسهم لهم …
وإن تغير أحوالهم بعد إحراز الغنيمة، فلا يسهم لهم قولاً واحداً."
[] الإنصاف 4/172-173.

(8/3917)


قال إسحاق: كما قال الإمام أحمد.
[2794-] قلت: سئل عن الصبي يولد، والعبد يعتق, والفرس يموت؟
قال: يسهمون.
قيل: فإن كان القاسم قسم بعضها؟
قال: يسهمون مما بقي1
__________
1 نقل الإمام الشافعي رحمه الله قول الإمام الأوزعي رحمه الله فقال: قال: "يسهم لهم - أي الصبيان -، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم بخيبر لصبي من الغنيمة، وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب". الأم 8/343.
وانظر: الرد على سير الأوزاعي ص42.
وقال أبو يوسف رحمه الله: وقال الأوزاعي رحمه الله: "أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء بخيبر، وأخذ المسلمون بذلك بعده". الرد على سير الأوزاعي ص37.
وانظر قول الإمام الأوزاعي في: سنن الترمذي 4/126، ومعالم السنن 4/49، وشرح السنة للبغوي 11/104، ودلائل الأحكام 5/598.

(8/3918)


قال أحمد: الغنيمة لمن شهد الوقعة1
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 هذه العبارة جزء من أثر أورده سعيد بن منصور، عن قيس بن مسلم قال: سمعت طارق ابن شهاب قال: إن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة، فأراد أهل البصرة ألا يقسموا لأهل الكوفة، وكان عمار على أهل الكوفة، فقال رجل من بني عطارد: أيها الأجدع تريد أن تشاركنا في غنائمنا؟ قال: خير أذني سببت كأنها أصيبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: "أن الغنيمة لمن شهد الوقعة".
رواه سعيد ابن منصور في سننه 2/331 – 332، كتاب الجهاد، باب ما جاء فيمن أتى بعد الفتح برقم 2791، من طريق عبد الرحمن بن زياد عن شعبة عن قيس ابن مسلم عن طارق ابن شهاب. وعبد الرزاق في المصنف 5/302 – 303، كتاب الجهاد، باب لمن الغنيمة بلفظ مختصر.
وصحح ابن حجر إسناده في فتح الباري 6/224
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 5/340.
ومثل هذه الرواية نقلها أبو داود عن الإمام أحمد فقال: قلت لأحمد: يغزو بفرس فينفق قبل الغنيمة؟ قال: لا سهم له. وقال قلت لأحمد: إذا أدرب الرجل ثم مات قبل الغنيمة؟ قال: يعجبني أن يسهم لمن شهد الوقعة. مسائل أبي داود ص 240.
وانظر: المغني 8/419، والكافي 4/304، والإنصاف 4/163
2 قال الخطابي: قد ذهب أكثر الفقهاء إلى أن النساء، والعبيد، والصبيان لا يسهم لهم إنما يرضخ لهم، إلا أن الأوزاعي قال: يسهم لهن. معالم السنن 4/49.

(8/3919)


[2795-] قلت: سئل عن رجل نزل على أمير حصن، فأهديت إليه هدية. هل يأكل الذي نزل عليه؟
فكره ذلك.1
قال أحمد: ليس به بأس. 2
__________
1 ذكر ابن القيم رحمه الله قول الإمام الأوزاعي رحمه الله فقال: "وأما حكم هدايا الأئمة بعده - أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال سحنون - من أصحاب مالك رحمه الله: إذا أهدى أمير الروم هدية إلى الإمام فلا بأس بقبولها، وتكون له خاصة".
وقال الأوزاعي: "تكون للمسلمين, ويكافئه بمثلها من بيت المال". زاد المعاد 3/219.
2 للإمام أحمد رحمه الله في الهدايا في دار الحرب ثلاث روايات:
[1-] أن ما أهداه المشركون في دار الحرب لأمير الجيش، أو لبعض قواده فهو غنيمة، لأنه لا يفعل ذلك إلا لخوفه من المسلمين. قال المرداوي: "على الصحيح من المذهب."
[2-] أنه للمهدَى له بكل حال، لأنه خصّ بها، أشبه إذا كان في دار الإسلام.
[3-] وعنه "هو فيء" اختاره القاضي في الأحكام السلطانية.
انظر: المغني 8/495، والفروع 6/233، وتصحيح الفروع المطبوع مع الفروع 6/233 - 234، والقواعد لابن رجب ص 322، قاعدة 150، وزاد المعاد 3/219، والمقنع 1/509، والكافي 4/315، والإنصاف 4/188، والمبدع 3/376.

(8/3920)


قال إسحاق: كما قال أحمد: إذا كان الأمير الذي أهدي إليه1 أذن له في أكله.
[2796-] قلت: سئل عن الدابة إذا أزحفت2 فأخذها رجل فقام3 عليها وقد تركها صاحبها الأول. لمن تكون الدابة؟
قال: لصاحبها الأول. ويرد عليه ما أنفق عليها، وكذلك المتاع يلقيه الرجل فيأخذه الرجل، قال: يعطى كراه، ويرد على صاحبه. 4
قال أحمد: أما المتاع فكذلك هو5 يعطى كراه، ويرد على صاحبه، وأما الدابة فهي لمن أحياها، إذا كان تركها صاحبها
__________
1 في العمرية بلفظ "أهدي له".
2 يقال زحف في المشي يزحف زحفا، وزحفاناً: أعيى، قال أبو زيد: زحف المعيي يزحف زحفاً وزحوفا.
وزحف البعير يزحف زحفا وزحوفا وزحفانا، وأزحف: أعيا فجر فرسه.
وقال صاحب المصباح المنير: "وأزحف بالألف لغة."
انظر: لسان العرب 9/130، والصحاح للجوهري 4/1368، والمصباح المنير 1/252.
3 في العمرية بلفظ (وقام) .
4 انظر قول الإمام الأوزاعي رحمه الله في الإشراف ص 56.
5 في العمرية بلفظ (ويعطي كراه) بحذف (هو) والإتيان بدلها بالواو.

(8/3921)


بمهلكة. 1
قال إسحاق: كما قال أحمد2 لما ذكر عن الشعبي أنه قال ذلك
__________
1 إن ترك إنسان متاعا، فخلصه آخر لم يملكه.
ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها، ملكها......إلا إن تركها ليرجع إليها، أو ضلت منه. والفرق بين لقطة الحيوان، والمتاع في هذه الحالة:
1 - أن التقاط الحيوان في هذه الحالة هو بحكم إحيائها وإنقاذها من الهلاك، فتملك.
والمتاع لا يخشى عليه التلف كالخشية على الحيوان.
2 - ولأن الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى، وتأكله السباع. والمتاع يبقى حتى يرجع إليه صاحبه (إن لم يتعرض له أحد) .
3 - وفي التقاط الحيوان محافظة على حرمة الحيوان، وفي القول بأنها لا تملك تضييع لذلك كله من غير مصلحة تحصل، والمتاع لا حرمة له في نفسه.
انظر المغني 5/744 - 745، والكافي 2/362، ومطالب أولي النهي 4/418.
2 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله تعالى فقال: اختلفوا في الرجل يدع دابته بمكان منقطع من الأرض آيساً منها. فأخذها رجل، وقام عليها حتى صلحت ...
قال أحمد وإسحاق في الدابة: هي لمن أحياها، إذا كان تركها صاحبها بمهلكة. الإشراف ص 576.
وانظر قول الإمامين في: معالم السنن للخطابي 5/178، حيث ذكر هذه الرواية عن الإمامين، واحتجاج إسحاق بحديث الشعبي. وشرح السنة للبغوي 8/321.

(8/3922)


واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. 1
[2797-] قلت: سئل عن الرجل يشتري الطعام والعلف يصاب في أرض العدو2 إذا اضطر إليه كيف يصنع بثمنه؟
قال: [إذا كان اشتراه وقد قسمت المقاسم تصدق بثمنه] 3 على المساكين عن ذلك الجيش، وإذا كانت لم تقسم أداه إلى صاحب المقسم.4
__________
1 الحديث المشار إليه أخرجه أبو داود بإسناده، عن أبان: أن عامرا الشعبي حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها، فسيبوها، فأخذها فأحياها، فهي له".
قال في حديث أبان قال عبيد الله، فقلت: عمن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
سنن أبي داود 3/287 - 288 كتاب البيوع باب فيمن أحيا حسيرا برقم: 3524 من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن موسى عن أبان عن عبيد الله ابن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن الشعبي.
قال المنذري في الحديث: إنه مرسل وفيه: عبيد الله بن حميد، وقد سئل عنه يحيى بن معين، فقال: لا أعرفه، يعني: لا أعرف تحقيق أمره، حكاه ابن أبي حاتم. انظر مختصر سنن أبي داود 5/178.
2 في العمرية (يصاب في أرض الروم) .
3 ما بين القوسين ساقط من الظاهرية.
4 انظر قول الإمام الأوزاعي في الرد على سير الأوزاعي ص 47، والأم 8/345، ومعالم السنن 4/35، وشرح السنة 11/123، وشرح النووي على صحيح مسلم 12/102.

(8/3923)


قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال سواء.1
[2798-] قلت: سئل عن القوم يخرجون عن العسكر2 بإذن، أو بغير إذن يتعلفون3 فيصيبون غنيمة، أو يصيبها بعضهم دون بعض، [أيكون هؤلاء] 4 شركاء فيما أصابوا من النفل؟
قال: من أصاب شيئا5 دون صاحبه أعطى نفله منه6.
__________
1 سبق تحقيق مثل هذه المسألة برقم: (2748) .
2 في العمرية بلفظ (من العسكر) .
3 يقال علفت في الوادي من باب تعب: سرحت، ومعنى يتعلفون يسرحون. المصباح المنير 1/425.
4 في الظاهرية بلفظ (أيكونون شركاء) .
5 في العمرية بلفظ (وإن أصاب من النفل شيئا) .
6 قال الأوزاعي رحمه الله: إذا خرجا بغير إذن الإمام، فإن شاء عاقبهما وحرمهما، وإن شاء عفا عنهما، وخمس ما أصابا ثم قسمه بينهما. وقد كان هرب نفر من أهل المدينة كانوا أسارى في أرض الحرب بطائفة من أموالهم، فنفلهم عمر بن عبد العزيز ما خرجوا بعد الخمس.
الرد على سير الأوزاعي ص 77، وراجع: المغني 8/447.

(8/3924)


قال أحمد: السرايا [ترد على العسكر والعسكر يرد على السرايا] 1.
قال إسحاق: كما قال الأوزاعي: السرايا إنما ترد على العسكر إذا بعث الإمام طليعة، ثم غنم الإمام، أو غنمت الطليعة يرد
__________
1 قال الخرقي: ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت، ويشاركونه فيما غنم، مختصر الخرقي ص 203.
علق ابن قدامة على الجملة السابقة بقوله: وجملته: أن الجيش إذا فصل غازيا، فخرجت منه سرية أو أكثر، فأيهما غنم شاركه الآخر، في قول عامة أهل العلم. منهم مالك، والثوري، والأوزاعي، والليث وحماد، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
المغني 8/442، وراجع: المبدع 3/342.
أما إن دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام، فغنموا غنيمة، ففيه ثلاث روايات:
[1-] أن من دخل دار الحرب بغير إذن الإمام فغنم، فغنيمته فيء. قال في الإنصاف والمبدع: هذا المذهب. وسواء كانوا قليلين أو كثيرين حتى ولو كان واحداً، لأنهم عصاة بفعلهم، وافتياتهم على الإمام لطلب الغنيمة، فناسب حرمانهم.
[2-] وعن الإمام أحمد رحمه الله: أنها لهم بعد الخمس. واختارها القاضي وأصحابه.
3 - وعنه: هي لهم من غير تخميس. لأنه اكتساب مباح من غير جهاد أشبه الاحتطاب.
انظر الإنصاف 4/125، والمبدع 3/350، والمغني 8/388.

(8/3925)


بعضهم على بعض1.
[2799-] قلت سئل عن كلب الصيد يباع في أرض العدو؟
قال: لا يجعل في2 فيء المسلمين ثمن الكلب.3
قلت: الباز؟ 4
قال: يباع.
قال أحمد: أحسن رحمه الله [تعالى] ، الباز لا بأس ببيعه، وهو مثل الحمار يكره لحمه ولا بأس بثمنه. 5
__________
1 انظر المغني 8/442.
2 في العمرية سقط حرف (في) .
3 قال الخطابي: "اختلف الناس في جواز بيع الكلب، فروى عن أبي هريرة أنه قال: "هو من السحت"، وروى مثله عن الحسن، والحكم، والحماد. وإليه ذهب الأوزاعي، والشافعي، وأحمد ابن حنبل.
وقال: أصحاب الرأي: "بيع الكلب جائز".
قال قوم: ما أبيح اقتناؤه من الكلاب فبيعه جائز، وما حرم اقتناؤه منها فبيعه محرم. يحكى ذلك عن عطاء، والنخعي." معالم السنن 5/127.
وراجع: شرح مسلم 10/232 – 233، وعمدة القارئ 11/203، والمجموع 9/228، وفقه الأوزاعي 2/189، وشرح السنة 8/24.
4 الباز والبازي: ضرب من الصقور. القاموس المحيط 4/303.
5 نقل ابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام احمد فقال: قال أبو عبد الله: ليس للكلاب عندي قيمة.
وسئل عن الباز يباع في المقسم: هل يجوز بيعه وفي أهل الثغر من يكرهه؟
قال أبو عبد الله: إذا كان متعلما ألقي ثمنه في المقسم، وإن كان غير متعلم فلا أدري. مسائل ابن هانئ 2/116 برقم1671 - 1672.
قال المرداوي: يدخل في الغنيمة جوارح الصيد كالفهود والبزاة، نقل صالح: لا بأس بثمن البازي. الإنصاف 4/155.
وقال ابن قدامة: وإن أخذوا من الكفار جوارح للصيد: كالفهود والبزاة، فهي غنيمة تقسم، وإن كانت كلابا، لم يجز بيعها، وإن لم يردها أحد من الغانمين، جاز إرسالها أو إعطاؤها غير الغانمين. وإن رغب فيها بعض الغانمين دون بعض دفعت إليه، ولم تحسب عليه، لأنها لا قيمة لها. المغني 8/441.
وراجع: الفروع 6/236، ومطالب أولي النهي 2/560.
وسبق الكلام من بيع الباز والحمار في قسم المعاملات في المسألة رقم: (2216) .

(8/3926)


[قال إسحاق: كل ذلك جائز1 لأن كلب
__________
1 نقل الإمام الترمذي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال بعد أن أورد حديث رافع الذي فيه "وثمن الكلب خبيث"، قال: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، كرهوا ثمن الكلب: وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقد رخص بعض أهل العلم في ثمن كلب الصيد.
سنن الترمذي 3/565، وراجع: شرح السنة للبغوي 8/24.
وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن".
الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم: 2237، فتح الباري 4/426 كتاب البيوع، باب ثمن الكلب.
والإمام مسلم في صحيحه 3/1198، كتاب المساقة، باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن، ومهر البغي والنهي عن بيع النسور برقم: 1567، كلاهما من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود الأنصاري.

(8/3927)


الصيد1 [ع-41/ب] .......] 2.
[2800-] قلت: سئل الإمام يستأجر القوم على سباق الرمك3 إلى مكان بالشام بدنانير معلومة، هل ترى للرجل يؤاجر نفسه فيها على فرس حبيس في جمعها، وحفظها، وسباقها يغدو على ذلك الفرس؟
قال: إن كانت لم تقسم فلا أعلم بذلك بأساً، وإن كانت خمست أو قسمت، استأجر على سباق الخمس، فلا أعلم بذلك بأساً.
__________
1 من هنا إلى نهاية كتاب الجهاد سقط من النسخة العمرية.
2 ما بين القوسين ساقط من النسخة الظاهرية.
3 الرمكة بالتحريك: الفرس، والبرذونة التي تتخذ للنسل، معرب، والجمع رمك، وأرماك جمع الجمع.
قال الجوهري: الرمكة: الأنثى من البراذين، والجمع رماك، ورمكات، وأرماك.
انظر: لسان العرب 10/434، والصحاح للجوهري 4/1588، والقاموس المحيط 3/304، وحياة الحيوان للدميري 1/370.

(8/3928)


فإن كانت قد خمست، فأكره الأجر على شيء منها على فرس حبيس. 1
قال أحمد: أكره هذا كلّه على فرس حبيس.
وأما أن يؤاجر نفسه على دابته، فأرجو ألا يكون به بأس2.
قال إسحاق: كما قال الأوزاعي: هذا في أمر المسلمين عامة، والحبيس للمسلمين عامة.
[2801-] قلت: سئل عن السرية تخرج، وقد نفلت فأخطأ رجل منهم الطريق، أو أزحفت دابته قبل أن يصيبوا شيئاً، أو بعد ما
__________
1 انظر قول الأوزاعي رحمه الله في كتاب الجامع للخلال ص 60، وخلاصة كلام الأوزاعي رحمه الله: أنه يجوز للرجل أن يؤاجر نفسه على فرس حبيس في سباق الخيل في حالتين:
الأولى: أن تكون الخيل التي يسابق عليها لم تقسم ولم تخمس.
الثانية: أن تكون قسمت، ويكون السباق على خيل الخمس، لأنها في الحالتين لا تزال من المصالح العامة.
2 من أول المسألة إلى موضع هذه الرقم نقله الخلال في كتابه الجامع لمسائل الإمام أحمد ص60.
ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد قوله: لا يركب دواب السبيل في حاجة، ويركبها ويستعملها في سبيل الله، ولا يركب في الأمصار والقرى، ولا بأس أن يركبها ويعلفها، وأكره سباق الرمك على الفرس الحبيس. المغني 8/372

(8/3929)


أصابوا، فانصرف الرجل إلى العسكر الأعظم، وغنمت السرية التي كان معها بعد فراقه إياهم غنيمة أيضاً، أيشاركهم فيما أصابوا قبل فراقه إياهم أو بعد.
قال: ما أصابوا قبل أن يصل إلى العسكر الأعظم فهو شريكهم فيه، وليس له فيما أصابوا بعد وصوله إلى العسكر شيء من غنائمهم.1
__________
1 للإمام الأوزاعي رحمه الله في المقاتلة الذين يسهم لهم من الغنيمة روايتان:
إحداهما: يعطى من الغنيمة من شهد الوقعة، ولا يسهم لمن غاب عن القتال لغير الحاجة للإمام وحضر بعض الوقعة.
وكذلك المدد لا يشارك الجيش فيما غنمه، وأخرجه إلى دار الإسلام قبل وصول المدد، إذا لم يلقوا عدوا.
واستدل لهذه الرواية بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "الغنيمة لمن شهد الوقعة".
وسبق تخريج الأثر في المسألة رقم (2794) .
الرواية الثانية: يسهم لكل من خرج قاصداً القتال، وإن لم يشهد الوقعة، كأن بعثه الإمام في حاجة، أو غير ذلك.
انظر: معالم السنن 4/47، عمدة القارئ 15/55، وشرح السنة 11/100، وفقه الأوزاعي 2/439 - 440، ونيل الأمطار 8/120، واختلاف الفقهاء للطبري ص 68، والأم 8/353، وأحكام القرآن للجصاص 3/55 - 95.

(8/3930)


قال أحمد: ليس لهذا الرجل شيء إلا ما شهد معهم.1
قال إسحاق: كما قال الأوزاعي.
[2802-] قلت: سئل عن الإمام يتكارى الرجل على سباق الرمك فيضيع من ذلك، أيضمنه وقد سمى له على ذلك أجراً [ظ-88/ب] ؟
قال: إن كان مغلوباً فلا ضمان عليه.
قال أحمد: مغلوب، وغير مغلوب فلا ضمان عليه.
__________
1 قد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل أن هذه الرواية ليست على إطلاقها.
قال ابن قدامة: سئل الإمام أحمد عن قوم خلفهم الأمير في بلاد العدو، وغزا، وغنم ولم يمر بهم فرجعوا، هل يسهم لهم؟
قال: نعم يسهم لهم، لأن الأمير خلفهم.
قيل له فإن نادى الأمير: من كان ضعيفا فليتخلف، فتخلف قوم فصاروا إلى لؤلؤة، وفيها المسلمون، فأقاموا حتى فصلوا، فقال: إذا كان قد التجؤوا إلى مأمن لهم لم يسهم لهم، ولو تخلفوا، وأقاموا في موضع خوف أسهم لهم.
وقال في قوم خلفهم الأمير وأغار في جلد الخيل، فقال: إن أقاموا في بلد العدو حتى رجع أسهم لهم، وإن رجعوا إلى مأمنهم فلا شيء لهم.
انظر: المغني 8/421، وراجع: الكافي 4/306، والإنصاف 4/164.
ويترجح لدي الإسهام له من الغنيمة، لأن ما وقع له أمر خارج عن إرادته، وقد تفرغ للجهاد واستعد له، وفي فراقه الجيش مخاطرة أعظم من بقائه معهم، فيعطى كما تعطى السرية، إلى أن يصل إلى العسكر الأعظم، فيشاركهم فيما يغنمونه بعد وصوله.

(8/3931)


قال إسحاق: كما قال الأوزاعي.1
[2803-] قلت: سئل عن رجل بارز علجاً ومقود فرس العلج بيده، فقتله الرجل، هل ينفل فرسه؟
قال: لا.
قلت: فإن كان العلج على فرسه هل ينفله؟
قال: نعم.2
__________
1 الأجير على ضربين:
خاص ومشترك.
فالخاص: هو الذي يؤجر نفسه مدة، فلا ضمان عليه فيما يتلف في يده بغير تفريط، مثل أن يأمره بالسقي فيكسر الجرة. أو يكيل شيئاً فيكسر الكيل، أو بالرعي فتهلك الماشية بغير تفريط.
والمشترك: الذي يؤجر نفسه على عمل، فظاهر كلام الخرقي أنه يضمن ما تلف بعمله، ونص عليه أحمد رضي الله عنه في حائك دفع إليه غزل، فأفسد حياكته يضمن. الكافي 2/328.
وراجع: الإنصاف 6/74، والشرح الكبير 6/118.
2 نقل البغوي قول الأوزاعي في السلب فقال:
قال الأوزاعي: له فرسه الذي قاتل عليه، وسلاحه، وسرجه، ومنطقته، وخاتمه، وما كان في سرجه وسلاحه من حلية، ولا يكون له الهميان ولا الدراهم، والدنانير التي لا يتزين بها للحرب، بل هي غنيمة.
انظر: شرح السنة للبغوي 11/108، معالم السنن للخطابي 4/43، والمغني 8/394 - 395، وفقه الإمام الأوزاعي 2/446.

(8/3932)


قال أحمد: جيد.1
__________
1 ونقل ابن هانئ أنه سئل - أي الإمام أحمد - عن رجل بارز علجا بيده - فرسه - فقتله، هل ينفل فرسه؟
قال: لا ينفل، قيل له: فإن كان العلج على فرسه، هل ينفله؟
قال أبو عبد الله: نعم ينفله.
انظر: مسائل ابن هانئ 2/105 برقم: 1623
وقال ابن قدامة: الدابة، وما عليها من سرجها، ولجامها وتجفيفها، وحلية إن كانت عليها، وجميع آلتها: من السلب، لأنه تابع لها، ويستعان به في الحرب، وإنما يكون من السلب إذا كان راكبا عليها، وإن كانت في منزله، أو مع غيره أو منفلتة لم يكن من السلب، كالسلاح الذي ليس معه، وإن كان راكباً عليها فصرعه عنها، أو أشعره عليها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب، وهكذا قول الأوزاعي. المغني 8/395.
أما إذا كان ممسكا بعنانها، غير راكب عليها فعن الإمام أحمد فيها روايتان:
إحداهما: من السلب....، لأنه متمكن من القتال عليها، فأشبهت سيفه أو رمحه في يده.
والثانية: ليست من السلب، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار الخلال لأنه ليس براكب عليها، فأشبه ما لو كانت مع غلامه.
انظر: المغني 8/395 - 396، والإنصاف 4/151، والمبدع 3/349.
وأما إن كان على فرس، وفي يده جنيبة، لم تكن الجنيبة من السلب، لأنه لا يمكنه ركوبهما معاً. المغني 8/396

(8/3933)


قال إسحاق: كما قال.
[2804-] قلت: سئل عن الرجل يدرك العلج فيقول له: قم وألق سلاحك فيفعل؟
قال: يرفع عنه القتل، ويلقى في المقسم.1
قال أحمد: ما أحسن ما قال، كأنه قد أمنه بهذا القول2.
__________
1 نقل ابن المنذر نص هذه الرواية فقال:
وقيل لأحمد بن حنبل: - سئل - الثوري عن الرجل يدرك العلج فيقول له قم ألق سلاحك فيفعل.
قال: يرفع عنه القتل، ويلقى في المغنم.
قال أحمد: ما أحسن ما قال، كأنه أمنه بهذا القول.
قال إسحاق: كما قال.
قال أحمد: كل شيء يرى العلج أنه أمان فهو أمان.
وقال الأوزاعي: إذا قال: قف أو قم، وألق سلاحك، دعي هذا بلسانه أو بالعربية، فلا قتل عليه. الأوسط 3/ 3.
2 نقل أبو داود مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى فقال: قلت لأحمد: الرجل يحمل على العلج فيصيح به بالرومية: قف وألق سلاحك؟ قال: هذا أمان.
مسائل أبي داود ص 249.
وقال المرداوي بعد أن أورد عبارة المقنع: "ومن قال لكافر: قف، وألق سلاحك، فقد أمنه". المقنع 1/517
قال وكذا قوله: قم. وهذا المذهب. وعليه الأصحاب.
الإنصاف 4/205، وانظر المحرر 2/180، والفروع 6/248، والمبدع 3/391.
وممن روي عنه أن هذه الألفاظ وما شابهها من ألفاظ الأمان: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبو موسى الأشعري، وأنس، والزبير بن العوام.
انظر مصنف ابن أبي شيبة 12/455 وما بعدها. وصحيح البخاري 6/274 مع الفتح.

(8/3934)


قال إسحاق: كما قال.1
[2805-] قلت: يفادى2 رأس برؤوس؟
قال: إي لعمري، أليس النبي صلى الله عليه وسلم فادى3 ولكن ما يفادى
__________
1 انظر الأوسط 3/ 3.
2 الفِداء بالكسر والمدّ: فكان الأسير، وفاداه يفاديه مفاداة: إذا أعطي فداءه وأنقذه.
النهاية لابن الأثير 3/421
3 نقل ابن هانئ مثل هذه الرواية عن الإمام احمد رحمه الله فقال:
قيل لأبي عبد الله: هل يفادى رأس برؤوس؟
قال نعم، قد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسائل ابن هانئ 2/104 برقم 1617، وراجع المبدع 3/325، وكشاف القناع 3/53.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين".
الحديث أخرجه الترمذي في السنن 4/135، كتاب السير، باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء، عن عمران، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه في قصة طويلة سبق وأن خرج الحديث في أول كتاب الجهاد مسألة رقم (2754) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.....والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم: أن للإمام أن يمن على من شاء من الأسارى، ويقتل من شاء منهم، ويفدي من شاء. واختار بعد أهل العلم القتل على الفداء. سنن الترمذي 4/136.

(8/3935)


بالأموال لا أعرفه. 1
قال إسحاق: الفداء بالرؤوس أحبّ إلينا، ولو رأس واحد برؤوس، ولكن إن أبوا إلا أن يفادوا بالذهب والفضة، فلا يحل لإمام المسلمين إلا أن يفاديهم، ولو بمال عظيم من بيت مال المسلمين.2
ألا ترى إلى ما أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن فقال في وصيته: واعلموا "أن كل أسير من المسلمين في أيدي المشركين
__________
1 عن الإمام أحمد رحمه الله روايتان في الفداء بالمال: إحداهما: يجوز الفداء بمال على صحيح من المذهب. والثانية: أنه لا يجوز. الإنصاف 4/130.
وراجع: المقنع 2/488 - 489، والمغني 8/445.
وقد تقدم نحو هذه المسألة برقم (2781) .
2 نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال:
ويجب فداء أسرى المسلمين إذا أمكن، وبهذا قال عمر بن عبد العزيز ومالك وإسحاق. المغني 8/445.
ونقل قول الإمام إسحاق: ابن حجر في فتح الباري 6/167، والعيني في عمدة القارئ 14/294.

(8/3936)


فكاكه من بيت مال المسلمين".1
وكذلك فادى عمر بن العزيز رجلا من أهل الحرب بمائة ألف.
وكذلك قال عمر بن عبد العزيز لعامله حين وجّهه في شراء الأسارى لا تدعن أسيرا من المسلمين في أيدي أهل الشرك، ولو بلغ مالا عظيماً، حتى قال في بعض الحديث: ولو أتيت على ما في بيت المال لأنك إنما تشتري الإسلام.
ثم أعطى عمر الذي وجهه ثلاثين دينارا، وقال: هذه من خاصة مالي اشتر به أسيرا.2
__________
1 عن ابن عباس قال: قال عمر: "كل أسير كان في أيدي المشركين من المسلمين ففكاكه من بيت مال المسلمين".
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 12/420، كتاب الجهاد، في فكاك الأسارى على من هو، برقم 15109، والمتقي الهندي في كنز العمال 4/349 من طريق ابن أبي شيبة. وراجع: موسوعة فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ص 76.
2 عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: "لما بعثه عمر بن عبد العزيز بفداء أسارى المسلمين من القسطنطينية قلت له: أرأيت يا أمير المؤمنين إن أبوا أن يفادوا الرجل بالرجل كيف أصنع؟ قال عمر: زدهم قلت: إن أبوا أن يعطوا الرجل بالاثنين؟ قال: فأعطهم ثلاثا، قلت: فإن أبوا إلا أربعا؟ قال: فأعطهم لكل مسلم ما سألوك، فو الله لرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي، إنك ما فديت به مسلما فقد ظفرت، إنك إنما تشتري الإسلام".
أخرجه سعيد منصور في سننه 2/341، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الفداء، من طريق ابن عَيّاش عن عبد الرحمن بن أنعم عن المغيرة بن سلمة عن عبد الرحمن.
وأخرجه أبو عبيد في الأموال ص 196 برقم 339، من طريق صالح بن حبير.

(8/3937)


وفيما قال عمر بن الخطاب: لأن أستنقذ رجلا من المسلمين من أيدي المشركين أحب إليّ من جزيرة العرب، يعني الخراج وفيئهم.1
[2806-] قلت: قال سفيان: رجل جاوز الدروب، (ثم مات فرسه أيسهم له) ؟ 2
قال أحمد لا يعجبني هذا، الغنيمة لمن شهد الوقعة.3
قال إسحاق: كلما لم يكن قاتل عليه فلا سهم له.
__________
1 انظر: كتاب الخراج لأبي يوسف ص 233، وموسوعة فقه عمر بن الحطاب ص 76.
2 كذا في نسخة (ظ) ولعل الصواب (ثم مات فرسه؟ يسهم له) .
3 سبق تحقيق مثل هذه المسألة برقم: (2793) .
وانظر قول الإمام إسحاق: المغني 8/404.
ونقل العيني في عمدة القارئ خلاف ما في هذه المسألة عن الإمام أحمد وإسحاق فقال: واختلف في فرس يموت قبل حضور القتال، فقال الشافعي، وأحمد وإسحاق: يسهم، وأبو ثور: لا يسهم لها. عمدة القارئ 14/156.

(8/3938)


[2807-] قلت: لإسحاق: نادوا في الخيل والرجالة بطرسوس1 فخرجوا إلى الروم فلما تراءى العسكران جميعا بموضع نادوا في الخيل فخرجت سرية2 ثم نادوا الغد خروج السرية في الرجالة اخرجوا واستقبلوا إخوانكم، وأنتم شركاء فيما تجيئون به من الغنائم. فخرجوا ثلاث مائة رجل فاستقبلوا السرية راجعين بالغنائم وجاءهم العدو، فلما رأوا الرجالة أوقفوا فقالت الرجالة على العدو فانهزم العدو، فهل للرجالة نصيب في نفل هؤلاء السرية أصحاب الخيل أم لا؟
__________
1 طرسوس: مدينة تقع الآن في تركيا، كانت من عواصم الروم، فتحها المأمون وفيها دفن عام 218.
انظر مروج الذهب 4/45، والمنجد في الأدب والعلوم ص 319.
2 ومعناه: أن يخرج الجيش فينيخوا بقرب دار العدو، ثم ينفصل منهم سرية فيغنموا، فإنهم يريدون ما غنموه على الذين هم ردء لهم لا ينفردون به.
فأما إذا كان خروج السرية من البلد، فإنهم لا يردون على المقيمين في أوطانهم شيئاً.
معالم السنن 4/59
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: إن جيش المسلمين إذا تسرت منه سرية، فغنمت مالاً، فإن الجيش يشاركها فيما غنمت، لأنها بظهره وقوته تمكنت، لكن تنفل عنه نفلا ...
وكذلك لو غنم الجيش غنيمة شاركته السرية، لأنها في مصلحة الجيش، فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها، فيما لهم وعليهم. مجموع الفتاوى 28/312.
وتقدم نحو هذه المسألة برقم (2798) .

(8/3939)


قال إسحاق: شديدا لما قووا. 1
[2808-] قلت لإسحاق: سرية خيل ورجالة دخلت،2 فلما جاوزوا الدروب باع فارس فرسه من راجل. كم يأخذ الفارس من السهم، وكم يأحذ الراجل من السهم؟
قال إسحاق: كلما اشتري فرس من صاحبه قبل أن يغنم القوم فأصابوا الغنيمة، لم يكن لصاحب الفرس الذي باع من سهم الفرس شيء، سهم الفرس كله لمن اشترى الفرس، هكذا قال الأوزاعي.3
وإنما أخطأ هؤلاء فقالوا: إذا جاوز الدروب فباع فرسه فإن سهم الفرس له، وهو جهل بين.4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 8/442.
2 أي دخلت دار الحرب.
3 قال ابن قدامة: قال أحمد: أنا أرى: أن كل من شهد الوقعة على أي حالة كان يعطى إن كان فارسا ففارس، وإن راجلا فراجل، لأن عمر قال: "الغنيمة لمن شهد الوقعة" وبهذا قال الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، ونحوه قال: ابن عمر. المغني 8/404.
4 أشار بهذه العبارة إلى الأحناف الذين يقولون إنه يسهم لبائع الفرس.
قال الكاساني: واختلف في حال المقاتل من كونه فارساً، أو راجلاً، في أي وقت يعتبر؟ وقت دخوله دار الحرب؟ أم وقت شهود الوقعة؟ فعندنا: يعتبر وقت دخول دار الحرب إذا دخلها على قصد القتال.
وعند الشافعي رحمه الله: يعتبر وقت شهود الوقعة.
حتى إن الغازي إذا دخل دار الحرب فارساً، فمات فرسه، أو نفر أو أخذه العدو فله سهم الفرسان عندنا.....
وإذا دخل راجلاً ثم اشترى فرساً، أو استأجره، أو استعار، أو وهب له، فله سهم الرجال عندنا، لاعتبار وقت الدخول. وعند الشافعي: له سهم الفرسان، لاعتبار وقت الشهود.
وقال الحسن رحمه الله في هذه الصورة: إذا قاتل فارساً فله سهم فارس.
[] بدائع الصنائع 7/126-127.
وقال في الهداية: ولو دخل فارساً، ثم باع فرسه، أو وهب، أو أجر، أو رهن، ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله يستحق سهم الفرسان اعتباراً للمجاوزة.
وفي ظاهر الرواية يستحق سهم الرجالة لأن الإقدام على هذه التصرفات يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارساً. الهداية 2/147.

(8/3940)


كتاب الذبائح
[2809-] [قال] : قلت: لأحمد [رضي الله عنه] : العقيقة 1 عن الغلام والجارية؟
قال: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة. 2
__________
1 قال ابن الأثير: العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود. أصل العق: الشق، والقطع. وقيل للذبيحة عقيقة، لأنها يشق حلقها.
النهاية لابن الأثير 3/276، والمصباح المنير 2/422.
وقال ابن منظور: العقيقة: الشعر الذي يولد به الطفل لأنه يشق الجلد.
وجعل الزمخشري الشعر أصلاً، والشاة المذبوحة مشتقة منه.
انظر لسان العرب 10/257، والفائق في غريب الحديث للزمحشري 3/11، وعون المعبود 8/34.
ومثل قول الزمخشري، نقله أبو عبيد عن الأصمعي.
وأنكر الإمام أحمد تفسير أبي عبيد للعقيقة، وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه.
وصحح ابن عبد البر قول الإمام أحمد، واستشهد له من اللغة.
انظر: تحفة المودود ص 38 - 39، الذبائح في الشريعة الإسلامية ص 281، ومسائل أبي داود ص 256، والمغني 8/644، وغريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام 2/284.
قال ابن القيم: وقال الجوهري: عق عن ولده يعق عقاً، إذا ذبح يوم أسبوعه، كذلك إذا حلق، عقيقة، فجعل العقيقة لأمرين. وهذا أولى. والله أعلم.
تحفة المودود ص 39، وراجع: الصحاح للجوهري 4/1528 مادة "عقق".
2 في العمرية سقط لفظ "شاة".
ونقل مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد: عبد الله في مسائله ص 267 - 268 برقم 991، وصالح في مسائله ص 90، وابن هانئ 2/130 برقم 1736 وأبو داود ص 256
قال الخرقي: والعقيقة سنّة، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة تذبح يوم السابع. مختصر الخرقي ص 214.
قال المرداوي: وهذا بلا نزاع، مع الوجدان، ويستحب أن تكون الشاتان متقاربتين في السن، والشبه، نص عليه. الإنصاف 4/110
وقال ابن مفلح: والعقيقة سنة مؤكدة على الأب، غنياً كان الوالد، أو لا. وعنه: واجبة. اختاره أبو بكر، وأبو إسحاق البرمكي، وأبو الوفاء، عن الغلام شاتان متقاربتان في السن والشبه، نص عليه.
الفروع 3/556، وراجع: المقنع 1/482، وغاية المنتهى 1/437.

(8/3943)


قال إسحاق رضي الله عنه: كما قال. 1
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق في المغني 8/645، وتحفه المودود ص 44.
واستدل القائلون: بأن العقيقة عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة واحدة بما جاء عن يوسف بن ماهك: أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة، فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم: "عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة".
الحديث رواه الترمذي في سننه 4/96 – 97، كتاب الأضاحي، باب ما جاء في العقيقة، حديث رقم 1513 واللفظ له. وقال: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
والإمام أحمد في مسنده 6/31 – 158، مسند عائشة رضي الله عنها.
وابن ماجة في سننه 2/1056، في كتاب الذبائح، باب العقيقة حديث رقم 3163.
قال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم، وعدد طرق الحديث، وذكر درجة كل طريق من الصحة. إرواء الغليل 4/390

(8/3944)


[2810-] قلت: حلق الرأس واللطخ بالدم؟
قال: هذا مكروه، 1 لم يرو إلا في حديث
__________
1 قال ابن قدامة: يكره أن يلطخ رأسه بدم، كره ذلك أحمد، والزهري، ومالك، والشافعي، وابن المنذر. وحكي عن الحسن، وقتادة: أنه مستحب. المغني 8/647
قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن العقيقة تذبح، ويدمى رأس الصبي والجارية؟ قال أبي: لا تدمى. مسائل عبد الله ص 267 برقم 991.
جاء في رواية مهنّا: أنه ذكر للإمام أحمد حديث يزيد المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعق عن الغلام، ولا يمس رأسه بدم". فقال - الإمام أحمد -: ما أظرفه. المبدع 3/302.
ولأنه يتنجس، فلا يستحب لطخه كغيره من النجاسات.
انظر: المبدع 3/302، ومطالب أولي النهى 2/490.
حديث يزيد المزني رواه ابن ماجة في سننه 2/1057، كتاب الذبائح، باب العقيقة برقم 3166، قال محمد فؤاد عبد الباقي نقلاً عن الزوائد: إسناده حسن، لأن يعقوب بن حميد مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين.
قال: وليس ليزيد هذا عند ابن ماجة سوى هذا الحديث، وليس له شيء في بقية الكتب. سنن ابن ماجة 2/1057
قال المرداوي: "يكره لطخ رأس المولود بدم العقيقة على الصحيح من المذهب" ونقل حنبل: هو سنة. الإنصاف 4/112.

(8/3945)


سمرة. 1
__________
1 هو سمرة بنت جندب بن هلال بن جريح بن مرة بن حزم الفزاري حليف الأنصار، صحابي مشهور، ومن القادة الشجعان. سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها، فلما مات زياد أقره معاوية عاماً أو نحوه، ثم عزله، وكان شديداً على الحرورية.
وكان الحسن البصري، وابن سيرين، وفضلاء أهل البصرة يثنون عليه. مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين، حيث سقط في قدرٍ مملوءةٍ ماءً حاراً.
انظر: أسد الغابة 2/354، والإصابة 2/86، وتهذيب التهذيب 4/236، وتقريب التهذيب ص 137، والمعارف ص 305.
والحديث رواه أبو داود بإسناده، عن سمرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويدمى".
فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به؟ قال: إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة، واستقبلت به أوداجها، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق.
رواه أبو داود في سننه 3/106، كتاب الأضاحي، باب في العقيقة برقم 2837 واللفظ له من طريق همام عن قتادة، عن الحسن عن سمرة.
والإمام أحمد في مسنده 5/7 - 8 مسند سمرة بن جندب. ولم يأخذ الإمام أحمد بتدمية رأس المولود يوم العقيقة، لأنه خطأ رواية همام السابقة، ورجح الرواية التي فيها "يحلق رأسه، ويسمى".
وهي الرواية التي ينشرح لها الصدر، لاتفاق أكثر الحفّاظ عليها، ولا سيّما أنّ لها متابعاتٍ، وشواهدَ.
انظر: المبدع 3/302، وإرواء الغليل 4/387، والمجموع 8/448.
وقال أبو داود السجستاني بعد ذكر الحديث: خولف همام في هذا الكلام, وهو وهم من همام، وإنما قالوا: "يسمى" فقال همام: "يدمى"، وليس يؤخذ بهذا. سنن أبي داود 3/106.
وعقب ابن القيم على كلام أبي داود السابق: بأن هماماً لم يهم في هذه اللفظة، فإنه رواها عن قتادة، وهذا مذهبه، فهو - والله أعلم - بريء من عهدتها.
تهذيب سنن أبي داود لابن القيم، المطبوع مع مختصر سنن أبي داود 4/127.
وقد رد الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير تغليط أبي داود لهما. انظر التلخيص الحبير 4/161.

(8/3946)


قال إسحاق: أما حلق الرأس فسنة، وأما الدم: فالزعفران 1
__________
1 لما روى عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: "كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة، ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران".
الحديث أخرجه أبو داود في سننه 3/107، كتاب الأضاحي، باب في العقيقة، حديث رقم 2843، والبيهقي في [] سننه 9/302-303، كتاب الضحايا، باب لا يمسّ الصبي بشيء من دمها. والحاكم في المستدرك 4/238، كتاب الذبائح.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه. مستدرك الحاكم 4/238.
قال الألباني: وافقه الذهبي. وعقب على الحاكم بقوله: إنما هو على شرط مسلم وحده؛ فإنّ الحسين بن واقد لم يخرّج له البخاري إلاّ تعليقاً. وذكر للحديث شاهداً. انظر: إرواءَ الغليل 4/389.

(8/3947)


بدله في الإسلام. 1
[2811-] قلت: متى تذبح العقيقة؟
قال: يوم السابع. 2
قال إسحاق: كما قال: فإن لم يتهيأ فإلى 3 أربع عشرة، فإن لم
__________
1 في العمرية بلفظ "فهو عدوان بدلها الإسلام"، ونقل قول الإمام إسحاق رحمه الله: الخطابي في معالم السنن 4/126، والنووي في المجموع 8/448.
2 نقل أبو داود مثل هذه الرواية فقال: سمعت أحمد قال: العقيقة تذبح يوم السابع. قيل له أيطبخ؟ قال: نعم. قيل: إنه يشتدّ عليهم طبخُه؟ قال: يتحمّلون ذلك.
مسائل أبي داود السجستاني ص 256، وانظر: تحفة المودود، ص 48.
ونقل صالح عن أبيه أنه كان يستحب لمن عقّ عن ولده، أن يذبح عنه يوم السابع، فإن لم يفعل ففي أربع عشر، فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين.
والعقيقة لا يكسر لها عظم، وتفصل جدولا فيؤكل منها ويطعم، وإنّي لأرجو إن استقرض أن يعجل الله له الخلف، لأنه أحيا سنّةً من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، واتّبع ما جاء عنه. مسائل صالح ص 90.
قال ابن قدامة: ويستحب ذبحها يوم السابع. الكافي 1/476.
وقال في المغني: قال أصحابنا: السنة أن تذبح يوم السابع, فإن فات ففي أربع عشرة، فإن فات ففي إحدى وعشرين.
انظر: المغني 8/646، وراجع: الإنصاف 4/110، وتحفة الودود ص 48، وكشاف القناع 3/25، وحاشية روض المربع 4/245.
3 في العمرية بلفظ "فإن لم يتهيأ فله إلى أربع عشرة".

(8/3948)


يتهيأ, فإلى إحدى وعشرين، 1 كل سنة. 2
[2812-] قلت: يذبح الجنب أو يُصْلِي؟ 3
__________
1 نقل النووي قول الإمام إسحاق فقال: مذهبنا أن العقيقة لا تفوت بتأخيرها عن اليوم السابع وبه قال جمهور العلماء منهم عائشة, وعطاء، وإسحاق. وقال مالك: تفوت. انظر: المجموع 8/448، وراجع المغني 8/646.
2 ودليل السّنّيّة: ما روى عطاء عن أم كرز وأبي كرز قالا: نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر، إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزوراً. فقالت عائشة رضي الله عنها: "لا بل السنة أفضل: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة تقطع جدولاً، ولا يكسر لها العظم، فيأكل، ويطعم، ويتصدق، وليكن ذاك يوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين".
[] أخرجه الحاكم في مستدركه 4/238-239، كتاب الذبائح من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أم كرز. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
انظر: مستدرك الحاكم 4/239، وبهامشه تلخيص المستدرك للذهبي 4/239.
قال الألباني: ظاهر الإسناد الصحة، ولكن له عندي علتان:
1 - الانقطاع بين عطاء وأم كرز.
2 - الشذوذ، والإدراج، فقد ثبت الحديث عن عائشة من طريقين، وليس فيهما قوله: "تقطع جدولا". إرواء الغليل 4/396.
3 في الظاهرية بلفظ: (يطلى) .
ومعنى يصلي: يشوي، من صلى اللحم: شواه. لسان العرب 14/467.

(8/3949)


قال: لا بأس بهما [ع-159/ب] . 1
قال إسحاق: كما قال [ظ-89/أ] . 2
[2813-] قلت: ذبيحة الصبي والمرأة من أهل الكتاب؟
قال: لا بأس بهما. 3
__________
1 قال الخرقي: وإن كان جنباً جاز أن يسمي ويذبح. مختصر الخرقي ص 210.
وعلق عليه ابن قدامة بقوله: وذلك أن الجنب تجوز له التسمية، ولا يمنع منها، لأنه إنما يمنع من القرآن لا من الذكر، ولهذا تشرع له التسمية عند اغتساله، وليست الجنابة أعظم من الكفر، والكافر يسمّي ويذبح.
المغني 8/583، وراجع: شرح منتهى الإردات 3/405.
ونقل حنبل: أنّ الجنب لا يذبح. الفروع 6/311، والإنصاف 10/389
2 في العمرية سقطت عبارة: (قال إسحاق كما قال) .
نقل ابن المنذر الاتفاق على حل ذبيحة الجنب، قال: وإذا دل القرآن على حل إباحة ذبيحة الكتابي، مع أنه نجس، فالذي نفت السنة عنه النجاسة أولى. وقال: الحائض كالجنب.
المجموع 9/77، وانظر قول الإمام إسحاق في المغني 8/583.
3 من بداية المسألة إلى قوله لا بأس بهما. "ساقط من العمرية".
نقل الخلال نص هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: حدثنا إسحاق بن منصور، أنه قال لأبي عبد الله ذبيحة المرأة والصبي من أهل الكتاب؟ قال لا بأس بهما. أحكام أهل الملل، ورقة 128.
ونقل عبد الله وابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد، فذكر أنه لا بأس بذبيحة الصبي والمرأة إذا أطاقا، وسميا.
مسائل عبد الله ص 267 رقم 998، ومسائل ابن هانئ 2/131 برقم 1743
قال الخرقي: وذبيحة من أطاق الذبح من المسلمين وأهل الكتاب، حلال إذا سموا أو نسوا التسمية. مختصر الخرقي ص 210.
وقال ابن قدامة: وجملة ذلك: أن كل من أمكنه الذبح من المسلمين، وأهل الكتاب إذا ذبح، حلّ أكل ذبيحته، رجلاً كان أو امرأة، بالغاً أو صبياً، حراً كان أو عبداً. لا نعلم في هذا خلافاً.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه، من أهل العلم، على إباحة ذبيحة المرأة والصبي.
انظر: المغني 8/580 - 581، والإجماع لابن المنذر ص 25، والمذهب الأحمد ص 194، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 35/234، والمجموع 9/79.
وتقدم الكلام على ذبيحة الصبيّ والمرأة في المناسك في المسألة رقم: (1528) .

(8/3950)


قال إسحاق: كما قال إذا عقلا الذبيحة. 1
[2814-] سئل أحمد عن رجل خرج إلى المصلى فوكل بضحيته 2 أن
__________
1 انظر فتح الباري 9/633.
2 الضحية: فيها أربع لغات:
1 - الأضحية بضم الهمزة في الأكثر، وهي في تقدير أفعولة.
2 - وكسرها اتباعا لكسرة الحاء، والجمع أضاحي.
هاتان لغتان بضم الهمزة وكسرها.
والثالثة: ضحية، والجمع: ضحايا.
والرابعة: أضحاة بفتح الهمزة، والجمع أضحى. وضحى تضحية: إذا ذبح الأضحية وقت الضحى، هذا أصله، ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت كان من أيام التشريق.
انظر: الصحاح للجوهري 6/2407، المصباح المنير 358 - 359، والمجموع 8/382 والذبائح في الشريعة الإسلامية ص 208، والمبدع 3/276. قال في المقنع: فإن ذبحها بيده كان أفضل، المقنع 1/475.

(8/3951)


يضحّى عنه إذا صلّى الإمام؟
قال: جائز. 1
[2815-] قلت يذبح 2 الإبل،
__________
1 قال المرداوي: بلا نزاع. ونص عليه، فإن لم يفعل، استحب أن يوكل في الذبح ويشهده. نص عليه.
وقال بعض الأصحاب: إن عجز عن الذبح أمسك بيده السكين حال الإمرار فإن عجز فليشهدها، وإن وكل في الذبح، اعتبرت النية من الموكل إذناً.
الإنصاف 4/83. وانظر: المغني 8/640، والمبدع 3/283، والإقناع 1/403.
قال النووي: أجمعوا على أنّه يجوز أن يستنيب في ذبح أضحيته مسلماً. المجموع 8/407
2 في العمرية تقدمت هذه المسألة المسألة السابقة.
والذبح في اللغة: الشق. المصباح المنير 1/206
وفي الاصطلاح: هو الذكاة وهو: ذبح أو نحر مقدور عليه، مباح أكله من حيوان يعيش في البر، لا جراد ونحوه بقطع حلقوم، ومريء، أو عقر إذا تعذر. التنقيع المشبع ص 286، وانظر: تفسير القرطبي 6/53، وأحكام القرآن لابن العربي 6/541

(8/3952)


وينحر 1 البقر إن شاء؟
قال: كله واحد. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
__________
1 في الظاهرية بلفظ: (ذبح الإبل، ونحر البقر) .
2 ويستحب أن ينحر الإبل قائمة، معقولة يدها اليسرى لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَاف} الحج: 36. ويذبح ما سواه. قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر آية 2 وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} البقرة 67.

فإن ذبح ما ينحر، أو نحر ما يذبح، جاز، لأنه لم يتجاوز محل الذبح.
[] انظر: المغني 8/578، والكافي 1/479-480 والفروع 3/544.
قال في الإنصاف: والمستحب أن ينحر البعير، ويذبح ما سواه. هذا المذهب مطلقاً وعليه الجمهور.
وعن الإمام أحمد: يكره ذبح الإبل.
[] وعنه: لا يؤكل. الإنصاف 10/393-394.
وتقدم نحو هذه المسألة في المناسك برقم: (1478) .
3 ذكر النووي قول الإمام إسحاق ضمن ذكره لمذاهب العلماء، فقال: إن السنة ذبح البقر والغنم، ونحر الإبل، فلو خالف، وذبح الإبل، ونحر البقر والغنم جاز، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء.
قال ابن المنذر: قال بهذا أكثر أهل العلم منهم عطاء، وقتادة، والزهري، والثوري، والليث بن سعد، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور. وقال مالك: إن ذبح البعير من غير ضرورة، أو نحر الشاة من غير ضرورة، كره أكلها، وإن نحر البقر فلا بأس. المجموع 9/90.

(8/3953)


[2816-] قلت إذا ذبح فأبان الرأس؟
قال: لا بأس به. 1
قال إسحاق: كما قال.
[2817-] قلت: دجاجة ذبحت من [قِبَل] قفاها؟ 2
__________
1 نقل عبد الله رواية مثل هذه الرواية عن أبيه فقال: سألت أبي عن الرجل يذبح الذبيحة فيبين رأسها؟ قال: لا بأس.
وسألت أبي عن الرجل إذا ذبح قطع الرأس الذبيحة عامداً؟ قال إذا سبقته السكين، فلا بأس، وأما عمداً، فلا يعجبني. مسائل عبد الله ص 265 برقم 980 – 981.
وللإمام أحمد رحمه الله روايتان: في المسألة ذكرهما المرداوي فقال:
إحداهما: أنه لو أبان الرأس بذبح، لم يحرم على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
الثانية: حكاها أبو بكر رواية: بتحريمه. الإنصاف 10/396، وراجع: المبدع 9/219، والمحرر 2/191.
2 القفا مقصور: مؤخرة العنق، وفي الحديث: يعقد الشيطان على قافية أحدكم، أي على قفاه. ويذكّر ويؤنث، وجمعه على التذكير: أقفية، وعلى التأنيث: أقفاء مثل أرجاء.

(8/3954)


قال: كرهه سعيد ابن المسيب، 1 والشعبي لم ير به بأساً. 2 وقول سعيد أحب إلى أحمد [رضي الله عنه] . 3
__________
1 انظر قول سعيد ابن المسيب رحمه الله في المجموع 9/91، والمغني 8/578.
2 روى عبد الرزاق بإسناده عن الشعبي أنه سئل عن ديك ذبح من قبل قفاه؟ فقال: إن شئت فكل.
وعن جابر قال: سألت الشعبي عن الرجل يذبح الطير من قبل قفاه، فلم ير به بأساً.
الأثران ذكرهما عبد الرزاق في مصنفه 4/490 - 491، كتاب المناسك، باب سنة الذبح برقم: 8592 – 8594.
الأول: من طريق الثوري، عن عبد الله بن أبي السفر، وعن أبي إسحاق عن الشعبي.
والثاني: من طريق معمر عن جابر.
3 روى ابن هانئ مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: سألت أبا عبد الله عن دجاجة ذبحت من قبل قفاها؟ قال كرهه سعيد ابن المسيب، والشعبي لم ير به بأساً. قلت: أيش ترى أنت؟ قال: قول سعيد أحب إليّ من قول الشعبي. مسائل ابن هانئ 2/131 برقم 1739.
وقد فرق الإمام أحمد رحمه الله بين ما إذا قتله من القفا عامداً، أو مخطئاً، ففي رواية الفضل بن زياد قال: سألت أبا عبد الله عمن ذبح في القفا؟ قال: عامداً أو غير عامد؟ قلت: عامداً. قال: لا تؤكل.
يفهم من هذه الرواية أنه إذا كان غير عامد - كأن التوى عليه - فلا بأس بأكله. المغني 8/577.
ويشترط لحل الذبيحة مع الخطأ في هذه الحالة أن يأتي السكين على موضع الذبح، وبها حياة مستقرّة.
قال الخرقي: وإذا ذبحها من قفاها، وهو مخطئ، فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أُكلت. مختصر الخرقي ص 210.
وقال عبد الله: سمعت أبي سئل عن الذبيحة تذبح من قفاها، ولم تجز على الحلقوم والأوداج؟ قال: لا تؤكل حتى يذبحها على الحلقوم والأوداج. مسائل عبد الله ص 263 برقم 977.
وإن ذبحها من القفا عامداً، ففي حله روايتان من الإمام أحمد رحمه الله:
إحداها: تباح إذا أتت السكين على الحلقوم والمريء، بشرط أن تبقى فها حياة مستقرة قبل قطعهما.
قال المرداوي: وهو المذهب. واختاره القاضي، والشيرازي، وغيرهما.
والرواية الثانية: لا تباح.
وعنه ما يدل على إباحته مطلقاً.
انظر الإنصاف 10/395، والمغني 8/578، المبدع 9/221 والمحرر 2/191.

(8/3955)


قال إسحاق: كما قال أحمد. 1
__________
1 ذكر ابن قدامة عن الإمام إسحاق رحمه الله قوله: إن ذبحها من قفاها فإنها لا تؤكل.
المغني 8/578، وانظر: المحلّى 7/441.
وحكى النووي نقلاً عن ابن المنذر قول الإمام إسحاق: بحل المذبوح من قفاه. انظر: المجموع 9/91.
الأصل في الذبح: أن يذبح من الحلقوم، ولا ينبغي أن يذبح من القفا. فإن ذبح، فالذي يظهر رجحانه، جواز الأكل مطلقاً، عامداً، أو غير عامدٍ، إذا أتى الذبح على محله، ولم تمت الدابة قبل ذلك. فإن عرف أنها ماتت قبل وصول السكين إلى محل الذبح من الحلقوم، فلا تحل الذبيحة.

(8/3956)


[2818-] قلت: ذبائح الصابئين؟ 1
قال: أما من ذهب إلى 2 مذهب علي [رضي الله عنه] في ذبائح بني
__________
1 يقال: صبأ من دين يصبأ، مهموز بفتحتين: خرج، فهو صابئ، ثم جعل هذا اللقب علماً على طائفة من الكفار يقال إنها تعبد الكواكب في الباطن، وتنسب إلى النصرانية في الظاهر، وهم صابئة والصابئون، ويدعون أنهم على دين صابئ بن شيث ابن آدم. ويجوز التخفيف فيقال: الصابون، وقرأ به نافع. المصباح المنير 1/332 – 333.
قال ابن القيم رحمه الله: الصابئة أمة فيهم المؤمنون بالله، وأسمائه، وصفاته، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دين الرسل بما وافق عقولهم واستحسنوه فدانوا به، ورضوه لأنفسهم، وعقد أمرهم، أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يوالون أهل ملة، ويعادون أخرى، ولا يتعصبون لملة على ملة، والملل عندهم نوامس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضها بعضاً، بل يؤخذ بمحاسنها، وما تكمل به النفوس، وتتهذب به الأخلاق، ولذلك سموا صابئين، كأنهم صبئوا عن التعبد بكل ملة من الملل والانتساب إليها. ولهذا قال غير واحد من السلف: ليسوا يهوداً، ولا نصارى، ولا مجوساً وهم نوعان:
- صابئة حنفاء.
- وصائبة مشركون.
فالحنفاء هم الناجون منهم، وبينهم مناظرات ورد من بعضهم على بعض، وهم قوم إبراهيم، كما أن اليهود قوم موسى والحنفاء منهم أتباعه. أحكام أهل الذمة 1/94.
2 في الظاهرية بلفظ (على مذهب) .

(8/3957)


تغلب، 1 فإنه يكرهه. 2
قال إسحاق: لا بأس بذبائح الصابئين لأنهم طائفة من أهل
__________
1 هم بنو تغلب بن وائل بن ربيعة بن نزار، من صميم العرب، انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية. وكانوا قبيلة عظيمة لهم شوكة قوية، واستمروا على ذلك حتى جاء الإسلام، فصولحوا على مضاعفة الصدقة عليهم عوضاً [] من الجزية. أحكام أهل الذمة 1/75-76.
والأثر المشار إليه رواه عبد الرزاق بإسناده عن عبيدة السلماني، أن علياً كان يكره ذبيحة نصارى بني تغلب، ويقول: إنهم لا يتمسكون من النصرانية إلاّ بشرب الخمر.
مصنف عبد الرزاق 4/458 - 456، كتاب المناسك، باب ذبيحة أهل الكتاب برقم 8570، واللفظ له. من طريق ابن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي رضي الله عنه.
ورواه الإمام الشافعي رحمه الله في مسنده ص 340، كتاب الصيد والذبائح. والبيهقي في السنن الكبرى 9/284، كتاب الضحايا، باب ذبائح النصارى العرب، كلاهما من طريق الثقفي عن أيوب به.
قال ابن حجر: قد جاء عن علي رضي الله عنه من وجه آخر صحيح، المنع من ذبائح بعض النصارى العرب، أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة، وساق الأثر السابق. فتح الباري 9/637.
2 للإمام أحمد في ذبائح الصابئة روايتان: مأخذهما: هل هم فرقة من النصارى أو لا؟ الإنصاف 10/388، والمبدع 9/216
قال ابن قدامة: والصحيح فيهم - أي الصابئة - أنهم كانوا يوافقون النصارى، أو اليهود في أصل دينهم، ويخالفونهم في فروعه، فهم ممن وافقوه. وإن خالفوهم في أصل الدين فليس هم منهم، والله أعلم. المغني 6/591

(8/3958)


الكتاب. 1
[2819-] وسألت 2 [أحمد] عن ذبائح 3 نصارى بني تغلب؟
فقال: ما أثبته عن علي [رضي الله عنه] لم يزد [هـ] على ذلك. 4
__________
1 نقل النووي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: قال إسحاق بن راهويه: لا بأس بذبائح الصابئين، لأنهم أهل [] [] كتاب. المجموع 9/70-80
2 في الظاهرية بلفظ (سألته) .
3 في العمرية بحذف لفظ (الذبائح) .
4 سبق تخريج قول علي رضي الله عنه في المسألة السابقة، برقم: (2818) ، ونقل هذه الرواية ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة 1/247. اختلفت الرواية عن أبي عبد الله في أكل ذبائح بني تغلب، ونكاح نسائهم.
فعنه: لا يحل ذلك. وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما كره ذبائحهم عطاء، وسعيد بن جبير، ومحمد بن علي، والنخعي.
والرواية الثانية: تحلّ ذبائحهم ونساؤهم، وهذا الصحيح عن الإمام أحمد رواه عنه الجماعة، وكان آخر روايتين عنه.
قال إبراهيم بن الحارث: فكان آخر قوله على أنه لا يرى بذبائحهم بأساً. وهذا قول ابن عباس، وروي نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبه قال الحسن البصري، والنخعي، والشعبي, والزهري، وعطاء الخراساني، والحكم، وحماد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
انظر: المغني 8/517، والكافي 1/478، مجموع الفتاوى 35/220، وأحكام أهل الذمة 1/87، والإنصاف 10/387، والمبدع 9/216، والمجموع 9/78 ومصنف عبد الرزاق 4/486 - 487 والسنن الكبرى 9/284، وفتح الباري 9/636 - 637.
قال المرداوي: أما ذبيحة بني تغلب: فالصحيح من المذهب إباحتها، وعليه الأكثر.
قال ابن منجا: هذا المذهب. الإنصاف 10/387

(8/3959)


قال إسحاق: لا بأس به. 1
[2820-] قلت: ذبيحة المرتد؟ 2
قال: أكرهها. 3
قال إسحاق: إن كان ذهب إلى النصرانية، فذبيحته جائزة. 4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 8/517، والمجموع 9/78
2 قال الرازي: الارتداد: الرجوع، ومنه المرتد، والردّة بالكسر اسم منه: أي الارتداد. مختار الصحاح ص 239. وعرّفه ابن قدامة بقوله: المرتد هو الراجع من دين الإسلام إلى الكفر. المغني 8/123
3 في العمرية بلفظ (أكرهه) .
قال الخرقي: وذبيحة المرتد حرام، وإن كانت ردته إلى دين أهل كتاب. مختصر الخرقي ص189.
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليه الأصحاب. ونقل عبد الله: تحل ذكاة مرتد إلى أحد الكتابين. الإنصاف 10/310، وراجع: المبدع 9/216.
4 نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق فقال: قال إسحاق: إن تدين بدين أهل الكتاب حلت ذبيحته، ويحكى ذلك عن الأوزاعي لأن علياً رضي الله عنه قال: من تولى قوماً فهو منهم. المغني 8/132.
وراجع: الإشراف ورقة 178، كتاب المرتد، والمجموع 9/79، وبداية المجتهد 1/330.

(8/3960)


كذلك قال الأوزاعي 1 خالف هؤلاء 2 واحتج بقول علي
__________
1 ساق أبو يوسف مذهب الأوزاعي في ذبيحة المرتد فقال: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا تؤكل ذبيحة المرتد، وإن كان يهودياً أو نصرانياً، لأنه ليس بمنزلته. لا يترك المرتد حتى يقتل، أو يسلم.
وقال الأوزاعي: معنى قول الفقهاء: إن من تولى قوماً فهو منهم، وكان المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أكلوا ما وجدوا في بيوتهم من اللحم وغيره، ودماؤهم حلال.
وقال أبو يوسف: طعام أهل الكتاب، وأهل الذمة سواء، لا بأس بذبائحهم وطعامهم كله. فأما المرتد فليس يشبه أهل الكتاب في هذا، وإن والاهم.
انظر: الرد على سير الأوزاعي ص 116، والأم للإمام الشافعي رحمه الله 8/364، والمغني 8/132، وفقه الأوزاعي 1/463، والإشراف 178، والمجموع 9/79.
2 يشير إلى الذين قالوا بتحريم ذبيحة المرتد، وإن كانت ردته إلى دين أهل الكتاب وهم الأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأبو ثور، وكرهها الثوري.
انظر: الرد على سير الأوزاعي ص 116، واختلاف الفقهاء للطحاوي1/74، والمنتقى 3/111، بداية المجتهد 1/330، والأم للشافعي 8/364، والمجموع للنووي 9/79، والإشراف 178، والمغني 8/132

(8/3961)


[رضي الله عنه] "من تولى قوماً فهو منهم". 1
[2821-] قلت: تؤكل المصبورة؟ 2
قال: لا. 3 والمجثمة 4 هي المصبورة.
__________
1 انظر قول الإمام علي رضي الله عنه في: المغني 8/132، والرد على سير الأوزاعي ص116، والأم 8/364، وموسوعة فقه علي بن أبي طالب محمد رواس قلعة جي ص 260. أرى ترجيح تحريم ذبيحة المرتد، وإن كانت ردته إلى دين أهل الكتاب وذلك:
1 - لأنه كافر لا يقر على دينه، فلم تحل ذبيحته كالوثني.
2 - ولأنه لا تثبت له أحكام أهل الكتاب إذا تدين بدينهم، فإنه لا يقر بالجزية ولا يسترق، ولا يحل نكاح المرتدة.
3 - أما قول علي رضي الله عنه: "فهو منهم" فلم يرد به أنه منهم في جميع الأحكام، بدليل ما ذكر. ولأنه لم يكن يرى حل ذبائح نصارى بني تغلب، ولا نكاح نسائهم مع توليتهم للنصارى، ودخولهم في دينهم، ومع إقرارهم بما صولحوا عليه فلئلا يعتقد ذلك في المرتدين أولى. المغني 8/132 - 133.
2 المصبورة: "هي المحبوسة على الموت، وكل ذي روح يوثق حتى يقتل، فقد قتل صبرا".
تاج العروس 3/323، والمصباح المنير 1/331، وغريب الحديث لأبي عبيد 1/254
3 أشار ابن قدامة إلى هذه الرواية فقال: قال أحمد: ولا تؤكل المصبورة، ولا المجثمة. وبه قال إسحاق. المغني 8/576.
4 في العمرية بلفظ (المنخنقة) .
المجثمة: هي كل حيوان ينصب، ويرمى ليقتل، إلاّ أنها تكثر في الطير والأرانب، وأشباه ذلك مما يجثم في الأرض، أي يلزمها ويلتصق بها، وجثم الطائر جثوماً، هو بمنزلة البروك للإبل.
النهاية 1/238، وفتح الباري 3/643، والمغني 8/576، وغريب الحديث لأبي عبيد 1/255.

(8/3962)


فأصاب آخر؟
قال: يأكل. 1
قال أحمد: يأكل كليهما. 2
قال إسحاق: كما قال. لو أصاب عشرين لأكلها.
[2823-] قلت: ذبائح نصارى أهل الحرب؟
قال: لا بأس به 3 [وفيه] حديث عبد الله بن
__________
1 انظر قول الإمام الثوري رحمه الله في المغني 8/552، وحاشية المقنع 3/554
2 في الظاهرية بلفظ (كلاهما) .
قال الخرقي: وإذا سمى ورمى صيداً، فأصاب غيره جاز له. وإذا رمى صيداً فقتل جماعة، فكله حلال.
مختصر الخرقي ص 208، وراجع: المقنع 3/554.
قال ابن قدامة: وإن قصد صيداً فأصابه وغيره، حلا جميعاً، والجارح في هذا بمنزلة السهم. نصّ أحمد على هذه المسائل، وهو قول الثوري وقتادة. المغني 8/552
قال المرداوي: بلا نزاع أعلمه، لكن لو أرسل كلبه إلى الصيد فصاد غيره، فالصحيح من المذهب أنه يحل، ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله. الإنصاف 10/435
3 نقل ابن قدامة هذه الرواية عن الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله فقال: سئل أحمد عن ذبائح نصارى أهل الحرب، فقال: "لا بأس بها" حديث عبد الله بن مغفل في الشحم، قال إسحاق: أجاد.
قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
ونقل ابن القيم مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
انظر: المغني 8/568، وأحكام أهل الذمة لابن القيم 1/245. وراجع: المقنع وحاشيته 3/535، والفروع 6/311، والكافي 1/477، والإنصاف 10/386، وكشاف المقنع 6/205.

(8/3964)


مغفل 1 في الشحم. 2
قال إسحاق: 3 كما قال أجاد.
__________
1 هو عبد الله بن مغفل بن عبيد بن نَهْم بفتح النون وسكون الهاء، أبو عبد الرحمن المزني، صحابي، بايع تحت الشجرة، ونزل البصرة. مات سنة سبع وخمسين، وقيل بعد ذلك.
تهذيب التهذيب 6/46، تقريب التهذيب صـ190.
2 عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم، فنزوت لآخذه، فالتفت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحيت منه".
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه رقم: 5508. فتح الباري 9/636، كتاب الذبائح والصيد، باب ذبائح أهل الكتاب، وشحومها من أهل الحرب، وغيرهم.
ومسلم في صحيحه 3/1393، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب برقم: 1772 بلفظ: "أصبت جراباً من شحم يوم خيبر"، قال: "فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئا". قال: "فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسماً." كلاهما من طريق شعبة عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.
قال ابن حجر: وفيه جواز أكل الشحم مما ذبحه أهل الكتاب، ولو كانوا أهل حرب. فتح الباري 9/638.
3 في العمرية: قال أحمد بدل إسحاق، وهذا خطأ، والصواب ما أثبته؛ فقد نقل ابن قدامة وابن القيم رحمهما الله تعالى نص هذه الرواية، وذكرا قول الإمام إسحاق رحمه الله، بالإضافة إلى أنه الموافق لنسق الكتاب وترتيبه.
انظر: المغني 8/568 وأحكام أهل الذمة 1/245 والمحلّى7/456.

(8/3965)


[2824-] قلت: 1 إذا نخع؟ 2
قال: لا بأس بأكله، ولكنّه مكروه يعني [النخع] . 3
قال إسحاق: أكره أكله، 4 لما صح عن عمر، 5
__________
1 في العمرية: هذه المسألة مؤخرة بعد مسألة من هذا الترتيب.
2 يقال: نخعت الشاة نخعاً، إذا جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع، والنخاع: خيط أبيض داخل عظم الرقبة، يمتد إلى الصلب يكون في جوف الفقار.
المصباح المنير 2/596، ومختار الصّحاح صـ651.
3 قال في المقنع: ويكره… أن يكسر عنق الحيوان، أو يسلخه حتّى يبرد، فإن فعل أساء وأُكلت. المقنع 3/542.
قال المرداوي: يعني يكره ذلك. وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
الإنصاف 10/404، وراجع المغني 8/580، والمحرر 2/191، وكشّاف القناع 6/211.
4 انظر قول الإمام إسحاق في: المغني 8/580، والصيد والتذكية ص445، والمجموع 9/91.
5 قول أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ذكره ابن حجر فقال: عن عمر "أنّه نهى عن الفرس في الذبيحة".
وحكي عن أبي عبيدة: أن الفرس هو النخع. فتح الباري 9/641.
وفرس الذبيحة: هو كسر رقبتها قبل أن تبرد، النهاية لابن الأثير 3/428.

(8/3966)


وابن عمر 1 [رضي الله عنه] .
[2825-] قلت: [لأحمد] لحوم 2 الحمر الأهلية؟
قال: منهي مكروه. 3
__________
1 الأثر المروي عن ابن عمر رضي الله عنه أورده البخاري في صحيحه في أثر طويل، أقتصر على ذكر موضع الشاهد منه، وهو قول الإمام البخاري: عن نافع عن ابن عمر نهى عن النخع، يقول يقطع ما دون العظم ثمّ يدع حتّى يموت.
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه 9/640 بترتيب فتح الباري، كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح، من طريق ابن جريج عن عطاء عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[] كما رواه عبد الرزّاق 4/490، كتاب المناسك، باب سنة الذبح برقم: 8589-8591.
وعن مجاهد قال في الشاة إذا نخعت، قال: هو مكروه، ولا بأس بأكلها. المرجع السابق.
قال النووي: وكرهت طائفة الفعل، وأباحت الأكل، وبه قال النخعي والزهري والشافعي، وأحمد وأبو ثور. قال ابن المنذر: بقول هؤلاء أقول، قال: ولا حجة لمن منع أكله بعد الذكاة. المجموع 9/91.
2 في العمرية بحذف كلمة "لحوم".
3 قال في المقنع: والحيوانات مباحة إلاّ الحمر الأهلية، وما له ناب يفرس به كالأسد والنمر والذئب، والفهد والكلب والخنزير، وابن آوى. المقنع 3/525.
وقال في المغني: أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية. قال أحمد: "خمسة عشر من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كرهوها."
قال ابن عبد البرّ: لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها. المغني 8/586. وانظر مختصر الخرقي صـ210، والمحرّر 2/189، والكافي 1/488، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/8، والإنصاف 10/355، وحاشية الروض 7/418، ومطالب أولي النهى 6/312، وكشف المخدرات للبعلي 2/220.
ودليل حرمة لحوم الحمر الأهلية جاء في السنة، فقد روى سالم ونافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر".
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5521، فتح الباري 9/653، كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية.
ومسلم في صحيحه 3/1538، كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية برقم: 561.

(8/3967)


قال إسحاق: كما قال.
[2826-] قلت: 1 نصراني ذبح ولم يسم؟
قال: لا بأس به. 2
__________
1 في العمرية: هذه المسألة مقدمة على المسألتين السابقتين.
2 قال الخرقي: ومن ترك التسمية على صيد عامداً أو ساهياً لم يؤكل، وإن ترك التسمية على الذبيحة عامداً لم تؤكل، وإن تركها ساهياً أُكلت ...
ثمّ قال: والمسلم والكتابيّ في كل ما وصفت سواء.
مختصر الخرقي ص209، وراجع: المغني 8/565، والكافي 1/479، والمبدع 9/224، والإنصاف 10/401، وأحكام أهل الذمّة 1/249 والعدة ص458.

(8/3968)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2827-] قلت: أكل الضبّ 2 والضبع؟ 3
قال: أمّا الضبع، فلا بأس به، 4 والضبّ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق في: المغني 8/565، والمجموع 9/78، ومعالم السنن 4/122.
2 الضّبّ: دوبية من الحشرات… قال عبد القاهر: هي على حدّ فرخ التمساح الصغير، وذنبه كذنبه… ويعيش طويلاً ولا يشرب الماء، بل يكتفي بالنسيم، ويبول في كل أربعين يوماً قطرة، وأسنانه قطعة واحدة معوجة، وإذا فارق جحره لم يعرفه، ويبيض كالطير.
تاج العروس 1/343، وحياة الحيوان 2/78.
3 الضبع… سبع كالذئب إلاّ إذا جرى كأنه أعرج، فلذا سمّي الضبع العرجاء. وهي مولعة بنبش القبور، لكثرة شهوتها للحوم بني آدم، وهي فاسقة لا يمر بها حيوان من نوعها إلاّ علاها، وتضرب العرب بها المثل في الفساد، فإنها إذا وقعت في الغنم عاثت، ولم تكتف بما يكتفي به الذئب، فإذا اجتمع الذئب والضبع في الغنم سلمت، لأن كل واحد منهما يمنع صاحبه.
تاج العروس 5/436، وحياة الحيوان 2/82 في النسخة العمرية: بتقديم الضبع على الضبّ.
4 قال الخرقي: "لا بأس بأكل الضبّ، والضبع". مختصر الخرقي 211.
للإمام أحمد رحمه الله روايتان في حكم أكل الضبع:
إحداهما: أنّه مباح. وهذا المذهب مطلقاً، وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: أنّه غير مباح. ذكرها ابن البنّا.
وقال في الروضة: إن عرف بأكل الميتة.
قال المرداوي: وهو أقرب إلى الصواب.
الإنصاف 10/364، وراجع: الفروع 6/299، وكشّاف القناع 6/192.
والدليل على حلّ أكل الضبع، ما رواه جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: "هو صيد، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم".
الحديث رواه أبو داود في سننه 3/355، كتاب الأطعمة، باب أكل الضبع برقم: 3801.
[] والحاكم في مستدركه 1/452-453، كتاب المناسك. والبيهقي في سننه 5/183، كتاب الحجّ، باب فدية الضبع.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. مستدرك الحاكم 1/452.
وتابعه الألباني في تصحيح الحديث، وقال: إنما هو على شرط مسلم وحده، لأن عبد الرحمن بن أبي عمّار لم يخرج له البخاري. إرواء الغليل 4/242.
وخرّج الترمذي متابعة لهذا الحديث من طريق آخر، ولفظ مغاير للفظه، يؤدي إلى نفس المعنى. عن جابر رضي الله عنه، وقال فيه: إنّه حديث حسن صحيح. وقد ذهب بعض أهل العلم إليه، ولم يروا بأكل الضبع بأساً، وهو قول أحمد وإسحاق. وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث في كراهية أكل الضبع، وليس إسناده بالقوي. سنن الترمذي 4/252.

(8/3969)


أما الضبّ: فإن عبد الله بن الإمام أحمد روى مثل هذه الرواية عن أبيه فيه فقال: سمعت أبي يقول: لا بأس بالضبّ، قد أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسائل عبد الله ص270 برقم: 1006.
قال ابن قدامة رحمه الله: أما الضبّ، فإنه مباح في قول أكثر أهل العلم، منهم عمر بن الخطّاب وابن عبّاس، وأبو سعيد، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم. المغني 7/201.
وذكر ابن مفلح عن ابن هبيرة: أنّ في حكم أكل الضبّ رواية واحدة وهي الحلّ.
المبدع 9/201، وراجع: المحرر 2/189، والفروع 6/299.

(8/3970)


آكله ولا أحرّمه"1
قال إسحاق: كما قال. 2
[2828-] قلت: 3 يؤكل في أوعية 4 المشركين؟
__________
1 ونصّ الحديث المشار إليه عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الضب لست آكله ولا أحرمه".
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5536، فتح الباري 9/662، كتاب الذبائح والصيد، باب الضبّ.
وأخرجه مسلم في صحيحه 3/1541، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضبّ برقم: 1943.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 8/604، وسنن الترمذي 4/252، وحياة الحيوان للدميري 2/82، والمجموع 9/9.
3 هذه المسألة انفردت بها النسخة العمرية.
4 الأوعية: جمع وعاء، وهو ما يوعى فيه شيء، أي يجمع. المصباح المنير 2/666.

(8/3971)


قال: إذا غسلت. 1
قال إسحاق: كما قال. 2
__________
1 للإمام أحمد رحمه الله في حكم استعمال أواني أهل الكتاب روايتان:
إحداهما: يباح أكل طعام أهل الكتاب، وشرابهم، واستعمال أوانيهم، ما لم يعلم نجاستها.
والثانية: أنّه يكره استعمال أواني أهل الكتاب قبل غسلها.
انظر: المغني 1/82، والإنصاف 1/85، والمبدع 1/69.
أما غير أهل الكتاب: وهم المجوس، وعبدة الأوثان، فإنه لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم، لأنّ أوانيهم لا تخلو من أطعمتهم، وذبائحهم ميتة فلا تخلو أوانيهم من وضعها فيها. واختار هذا القول القاضي.
وقال أبو الخطّاب: حكمهم حكم أهل الكتاب، وثيابهم وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال، ما لم يتيقن نجاستها.
المغني 1/83، والإنصاف 1/85، والمبدع 1/69.
قال ابن قدامة بعد ذكر قولي القاضي وأبي الخطّاب السابقين: وظاهر كلام أحمد رحمه الله مثل قول القاضي، فإنه قال في المجوس: لا يؤكل من طعامهم إلاّ الفاكهة، لأن الظاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتهم. ومن يأكل الخنزير من النصارى في موضع يمكنهم أكله، أو يأكل الميتة، أو يذبح بالسنّ والظفر، فحكمه حكم غير أهل الكتاب، لاتفاقهم في نجاسة أطعمتهم. المغني 1/83.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المجموع 1/264، والإشراف لابن المنذر ورقة 199.

(8/3972)


[2829-] قلت: إذا أكل البازي والصقر؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس. 1
قال إسحاق: لا بأس به، لأنّ تعليم الطير أخذه، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذا أمسك البازي فكله"2
__________
1 قال الخرقي: وإذا أرسل البازي أو ما أشبهه فصاد وقتل، أكل وإن أكل من الصيد، لأن تعليمه بأن يأكل. مختصر الخرقي صـ207.
قال ابن قدامة: وجملته أنّه يشترط في الصيد بالبازي ما يشترط في الصيد بالكلب إلاّ ترك الأكل، فلا يشترط، ويباح صيده، وإن أكل منه. وبهذا قال ابن عباس رضي الله عنه، وإليه ذهب النخعي، وحماد، والثوري.
المغني 8/546، وراجع: المقنع 3/553، والكافي 1/483، والإنصاف 10/432، وتفسير القرطبي 6/70.
2 ونصّ الحديث عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي، فقال: "ما أمسك عليك فكل".
رواه الترمذي في سننه 4/66، كتاب الصيد، باب ما جاء في صيد البزاة، برقم: 1467.
ورواه ابن كثير في تفسيره 2/16، من الطريق السابق.
قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلاّ من حديث مجالد عن الشعبي، والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بصيد البزاة، والصقور بأساً.
وقد رخّص بعض أهل العلم في صيد البازي، وإن أكل منه، وقالوا: إنّما تعليمه إجابته، وكرهه بعضهم، والفقهاء أكثرهم قال: تؤكل، وإن أكل منه. سنن الترمذي 4/66.
وحجّة الذين كرهوا صيد البازي إذا أكل منه: ما رواه عدي بن حاتم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما علمت من كلب أو باز، ثمّ أرسلته، وذكرت اسم الله فكل ممّا أمسك عليك. قلت: وإن قتل؟ قال: إذا قتله ولم يأكل منه شيئاً، فإنّما أمسكه عليك.
الحديث رواه أبو داود في سننه 3/109، كتاب الصيد، باب الصيد برقم: 2851.
والبيهقي في سننه 9/238، كتاب الصيد والذبائح، باب البزاة المعلمة، إذا أكلت، من طريق أبي داود به وقالوا: هذا نصّ في تحريم صيد البازي إن أكل منه، وكلّ ذوات المخلب مثله.
نهاية المحتاج 8/115، والمهذب 1/337
قال النووي: هذا الحديث رواه أبو داود، والبيهقي، وغيرهما، ولكنه ضعيف، فإن مجالداً ضعيف باتفاقهم.
قال البيهقي: ذكر البازي في هذه الرواية لم يأت به الحفاظ عن الشعبي، وإنّما أتى به مجالد، والله أعلم.
المجموع 9/96، وسنن البيهقي 9/238، والمغني 8/546.
وإذا أكل الكلب من الصيد، فقد اختلفت الآثار في حكم الصيد. فقد جاء عن عدي ابن حاتم رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنّا قوم نتصيد بهذه الكلاب. فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة، وذكرت اسم الله، فكل ممّا أمسكن عليك، إلاّ أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإنّي أخاف أن يكون إنّما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلب من غيرها فلا تأكل"
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5487، فتح الباري 9/612، كتاب الذبائح والصيد، باب ما جاء في التصيد، واللفظ له.

(8/3973)


ومسلم في صحيحه 3/1529، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلّمة برقم: 1929.
في الحديث تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب منه، ولو كان الكلب معلّماً.
وقد علّل في الحديث بالخوف من أنّه "إنّما أمسك على نفسه"، انظر: فتح الباري 9/601.
وجاء عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب: "إذا أرسلت كلبك، وذكرت اسم الله، فكل، وإن أكل منه، وكلّ ما ردت عليك يداك".
رواه أبو داود في سننه 3/109، كتاب الصيد برقم: 2852 من طريق بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني فقد رتب إباحة الأكل على شيئين فقط هما: الإرسال، وذكر اسم الله تعالى، وبهما يحلّ الصيد، وإن أكل منه الكلب، فاللفظ صريح في الجواز. انظر: أحكام الصيد للدكتور عبد الله بن محمد الطريقي ص125.
قال ابن حجر: لا بأس بسنده. فتح الباري 9/602.
وقال الزيلعي: قال في التنقيح: إسناده حسن. نصب الراية 4/312.
وقال ابن كثير بعد أن ذكر الحديث، وآخر شاهداً له، وساق سندهما، قال: وهذان إسنادان جيّدان. تفسير ابن كثير 2/17.
قال الشوكاني رحمه الله: في إسناده داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط قال أحمد بن عبد الله العجلي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: هو شيخ، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عديّ: لا أرى برواياته بأساً.
قال ابن كثير: وقد طعن في حديث أبي ثعلبة، وأجيب بأنه صحيح لا شك فيه. نيل الأوطار 9/9.
وقال ابن حجر في التقريب: داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط صدوق يخطئ. تقريب التهذيب ص96.
ورواية الصدوق الذي يخطئ لا تقبل إذا انفرد بها، وقد توبع من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، ذكره ابن كثير في تفسيره، وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقاً.
منها للقائلين بالتحريم: حمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا قتله وخلاه، ثم عاد فأكل منه.
ومنها: الترجيح. فرواية عديّ في الصحيحين متّفق على صحتها، ورواية أبي ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها.
وأيضاً فرواية عديّ صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم، وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح، رجعنا إلى الأصل.
ومنها للقائلين بالإباحة: حمل حديث عديّ على كراهة التنزيه، وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز.
فتح الباري 9/602، ونيل الأوطار 9/7.
وحمل بعضهم الجواز على ما إذا طال غياب الرجل عن الصيد، وجاع الكلب، فأكل، فإنه إنما أمسك على صاحبه، وأكله كان طارئاً.
قال ابن كثير في التفسير (2/17) : وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين صحيح. والذي يظهر، أنه إذا دلت القرائن على أن الكلب لا يأكل من الصيد في الأوقات العادية، وأنه إنما أكل لحاجته لطول المدة ونحوها، إن ذلك لا يحرم أكل صيده.
وقوله في الحديث "فإنّي أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" قد يفهم منه هذا المعنى، فإذا كان من عادة الكلب أن يأكل فلا تحلّ، وإن كان من عادته أن لا يأكل، فأكل لما ذكر حل صيده. والله أعلم.
وممن أباح صيد الكلب وإن أكل منه: سلمان الفارسي، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو هريرة، وابن عمر، وهو محكي عن علي وابن عبّاس، واختلف فيه عن عطاء، والحسن البصري، وهو قول الزهري وربيعة ومالك.
وإليه ذهب الإمام الشافعي في القديم، وأومأ إليه في الجديد، وهي رواية مرجوحة عن الإمام أحمد.
[] انظر: تفسير ابن كثير 2/17، والمغني 8/543-544، ومصنّف عبد الرزّاق 4/473-474، ومصنّف ابن [] أبي شيبة 5/357-358، والمحلى 7/471، والمجموع 9/104-107، والكافي لابن عبد البرّ 1/372 والمهذب للشيرازي 1/337.

(8/3974)


[2830-] قلت: ذبيحة الأخرس؟ 1
قال: يشير إلى السماء. 2
__________
1 خرس الإنسان: منع الكلام خلقة، فهو أخرس، والأنثى خرساء، والجمع خرس. المصباح المنير 1/166.
وقال الزبيدي: خرس خرساً، صار أخرس بين الخرس محركة، وهو ذهاب الكلام عياً، أو خلقةً. تاج العروس 4/136 "مادة خرس".
2 قال المرداوي: تباح ذبيحة الأخرس إجماعاً، وقال الأصحاب: يشير عند الذبح إلى السماء، وهو من مفردات المذهب. وظاهر كلام المصنف - ابن قدامة - وغيره أنّه لا بد من الإشارة إلى السماء، لأنّها علم على قصده التسمية.
قال المصنف في المغني: ولو أشار إشارة تدلّ على التسمية، وعلم ذلك، كان كافياً.
قال المرداوي: وهو الصواب.
[] انظر: الإنصاف 10/400، والإجماع لابن المنذر ص25 برقم: 220، والمغني 8/582-583، والمبدع 9/223 ومختصر الخرقي ص210

(8/3977)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2831-] قلت: ألبان الأتن؟ 2
قال: أكرهه شديداً. 3
__________
1 نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة الأخرس، منهم: الليث، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وهو قول الشعبي، وقتادة، والحسن بن صالح.
انظر: المغني 8/582، والمجموع 9/77.
وعن عبد الرزّاق عن الثوري عن جابر قال: سألت الشعبي عن ذبيحة الأخرس فقال: يشير إلى السماء. مصنف عبد الرزّاق 4/485 برقم: 8566.
2 في العمرية بحذف لفظ "الأتن".
3 نقل نحواً من هذه الرواية كلّ من عبد الله، وابن هانئ في مسائلهما عن الإمام أحمد رحمه الله.
مسائل عبد الله صـ434، برقم: 1572، ومسائل ابن هانئ 2/142، برقم: 1803.
قال ابن قدامة: وألبان الحمر محرّمة في قول أكثرهم، ورخّص فيها عطاء، وطاوس والزهري، والأول أصحّ، لأنّ حكم الألبان حكم اللحمان - هكذا في المغني - وقال في موضع آخر: ولا يجوز التداوي بمحرم، ولا بشيء [] فيه محرّم، مثل ألبان الأتن، ولحم شيء من المحرّمات، ولا شرب الخمر للتداوي به. انظر: المغني 1/587-605.

(8/3978)


قال إسحاق: كما قال، إلاّ من ضرورة تنزل بالمسلم: داء يوصف أنّ ذلك دواؤه، فحينئذ يجوز للضرورة، ويغسل فمه للصلاة، كذلك إن أصاب ثوبه فله غسله. 1
[2832-] قلت: الترياق؟ 2
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق ضمن ذكر المذاهب فقال: واختلفوا في شرب ألبان الأتن للعلاج، فروينا عن زاهر بن الأسود أنّه كره ذلك، وكره ذلك الحسن البصري، وابن سيرين، ومجاهد، وأحمد بن حنبل.
وقال سعيد بن جبير: نهي عن لحومها وألبانها، وفي قول الشافعي وأبي ثور: لا يجوز شرب ألبان الأتن. وكره أصحاب الرأي ذلك.
وقال إسحاق: كما قال أحمد، إلاّ من ضرورة تنزل بالمسلم داء يوصف أنّ ذلك دواء، فحينئذ يجوز له للضرورة، ويغسل فمه للصلاة.
ورخّص في ألبان الأتن عطاء وطاوس والزهري.
قال ابن المنذر: القول الأول أصحّ، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وحكم ألبانها حكم لحومها.
الإشراف لابن المنذر ص196، كتاب الأطعمة، وانظر: مصنّف عبد الرزّاق 9/257.
وعن عبد الرزّاق عن ابن أبي يحيى، عن رجل سماه قال: شرب علي بن الحسين ألبان الأتن من مرض كان به. مصنّف عبد الرزّاق 9/257، كتاب الأشربة، باب الرخصة في الضرورة برقم: 17128.
2 قال الزبيدي: الترياق بالكسر: دواء مركب من أجزاء كثيرة، اخترعه ماغنيس الحكيم وتمّمه أندرو ماخس القديم … بزيادة لحوم الأفاعي فيه، وبها كمل الغرض، وهو مسمّى بهذا الاسم، لأنّه نافع من لدغ الهوام، ونافع أيضاً من الأدوية المشروبة السمية، ويقال بالدال أيضاً بدل التاء. تاج العروس 6/302.

(8/3979)


قال: أكرهه، إذا كان على ما يصفون أنّ فيه الحياة. 1
قال إسحاق: كما قال، إلاّ 2 أن تذكى
__________
1 وقال عبد الله: سألت أبي عن أكل الحية والعقرب فقال: قال ابن سيرين: سقى ابن عمر ولده الترياق، ولو علم ما فيه ما سقاه، قال أبي: أكره الحية والعقرب، وذلك أن العقرب لها حمة، والحية لها ناب. مسائل عبد الله ص272 برقم: 1017.
وراجع: مصنّف ابن أبي شيبة 8/77.
وفي حكم أكل الحية وجهان:
أحدهما: يحرم أكل الحية، وهو المذهب.
والثاني: يباح أكلها.
[] انظر: الفروع 6/300، وتصحيح الفروع المطبوع مع الفروع 6/300، والإنصاف 10/365، والمبدع [9/201-202،] والمحرّر 2/189.
قال في المغني: الترياق دواء يتعالج به من السم، ويجعل فيه لحوم الحيات، فلا يباح أكله ولا شربه، لأنّ لحم الحيّة حرام. المغني 8/605.
2 ونقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق فقال: واختلفوا في استعمال الترياق، فكره شربه الحسن البصري وابن سيرين وأحمد، وكما قال أحمد، قال إسحاق، إلاّ أن تذكى الحيات، ورخّص فيه الشعبي. وقال مالك: ما زال الناس يشربونه، فقيل لمالك: أللحية ذكاة لعمل الترياق؟ قال: نعم، لمن ابتغى ذلك منها، إذا أصاب ذلك المذبح. وقد روينا عن ابن عمر أنه أمر بترياق فسقي. الإشراف ص196.

(8/3980)


الحياة. 1
[2833-] قلت: أكل الطحال؟
قال: لا أكره من الطحال شيئاً. 2
__________
1 وصفة ذكاة الحية: أن يمسك برأسها، وذنبها من غير عنف، وتثنى على مسمار مضروب في لوح، ثمّ تضرب بآلة حادّة رزينة عليها وهي ممدودة على خشبة في حد الرقيق من رقبتها، وذنبها من الغليظ الذي وسطها، ويقطع جميع ذلك في فور واحد في ضربة واحدة، فمتى بقيت جلدة يسيرة فسدت، وقتلت بواسطة جريان السمّ من رأسها في جسمها بسبب غضبها، أو ما هو قريب من السمّ من ذنبها في جسمها.
انظر: مواهب الجليل للحطاب 3/230، والصيد والتذكية ص476.
2 أشار ابن قدامة إلى هذه الرواية فقال: قال أحمد: لا بأس به- أي الطحال- ولا أكره منه شيئاً. المغني 8/612.
وفي مسائل عبد الله عن أبيه، قال: سألت أبي عن شيء من الشاة حرام؟ قال: دمها، والطحال لا بأس به. قلت الغدة؟ قال: كرهها النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث مجاهد والأوزاعي عن واحد. مسائل عبد الله صـ272 برقم: 1018.
لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت، والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال".
والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 2/97 مرفوعاً.
[] وأخرجه ابن ماجه في سننه 2/1101-1102، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال عن عبد الله بن عمر مرفوعاً حديث رقم: 3314.
[] والدارقطني في سننه 4/271-272، كتاب الأشربة، وغيرها، باب الصيد والذبائح والأطعمة، وغير ذلك عن ابن عمر مرفوعاً.
وأخرجه الإمام الشافعي في مسنده صـ340، كتاب الصيد والذبائح.
قال ابن حجر بعد ذكر الحديث: أخرجه أحمد، والدارقطني مرفوعاً، وقال: إن الموقوف أصحّ، ورجح البيهقي أيضاً الموقوف، إلاّ أنه قال: إن له حكم الرفع.
فتح الباري 9/621، ونصب الراية 4/202.
والحديث صححه النووي في المجموع 9/69 من لفظ عمر رضي الله عنه قال: إن هذه الصيغة تقتضي رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. وتبعه الألباني في تصحيحه في إرواء الغليل 8/164.
وعن زيد بن ثابت قال: "إنّي لآكل الطحال، وما بي إليه حاجة، إلاّ ليعلم أنه لا بأس به".
وعن عكرمة قال: قال رجل لابن عبّاس آكل الطحال؟ قال: نعم. قال: إن عامتها دم. قال: "إنما حرم الدم المسفوح".
[] انظر: المجموع 8/70 ومصنف عبد الرزّاق 4/536-537.

(8/3981)


قال إسحاق: كما قال.
[2834-] قلت: إذا [شرب] 1 الكلب من الدم ولم يأكل؟
قال: لا بأس به. 2
__________
1 في الظاهرية بلفظ "أكل" ولفظ "شرب" أثبته من العمرية.
2 قال ابن قدامة: فإن شرب دمه، ولم يأكل منه، لم يحرم. نصّ عليه أحمد وبه قال: عطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي وكرهه الشعبي والثوري، لأنه في معنى الأكل.
انظر: المغني 8/544، والكافي 1/484، والإنصاف 10/432 ومنار السبيل 2/430.
وأما إن أكل الكلب من الصيد، فعن الإمام أحمد رحمه الله روايتان:
إحداهما: يحرم الصيد الذي أكل منه الكلب. وهو المذهب.
والثانية: يحلّ مع الكراهة، وعنه يباح.
[] انظر: المغني 8/543، والإنصاف 10/431-432.
وقد سبق ذكر الأدلة في المسألة رقم: (2829) .

(8/3982)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2835-] قلت: إذا أرسل الكلب 2 ولم يسم؟
قال: لا يأكل، 3 [قال] في حديث عدي: فإنّك سمّيت على
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 8/544.
2 في العمرية بلفظ "إذا أرسل كلبه".
3 قال القاضي أبو يعلى الفراء: أما الصيد: فإن التسمية فيه واجبة في العمد والسهو، وإن تركه لم يبح أكله، رواية واحدة نصّ على ذلك في رواية الجماعة…
ونقل جعفر بن محمد… في الرجل يرمي سهمه ولا يسمي فجائز، قيل له: يذبح ولا يسمي، قال: جائز، إذا لم يتعمد. فقيل له: يرسل كلبه فلا يسمي، قال: لا. فظاهر هذا أنه فرّق بين أن يكون الصيد بالسهم فيباح بغير تسمية، وبين أن يكون بجارح فيشترط فيه التسمية. انظر: الروايتين والوجهين، لوحة رقم: 194.
والفرق بين الصيد والذبيحة: أن الذبح وقع في محله، فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد، ولأن في الصيد نصوصاً خاصة، ولأن الذبيحة تكثر ويكثر النسيان فيها.
وعن الإمام أحمد: أن التسمية تسقط مع السهو مطلقاً. قال الخلال: سها حنبل في نقله، وعنه أن التسمية سُنّة.
انظر: المبدع 9/251 وراجع: مختصر الخرقي 209، والمغني 8/540، والكافي 1/482، والإنصاف [10/441-442.

(8/3983)


] كلبك. 1
قال إسحاق: كما قال. 2
[2836-] قلت: صيد الكلب الأسود؟
__________
1 ونصّ الحديث عن الشعبي قال: سمعت عديّ بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: "إذا أصبت بحده فكل، فإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل". فقلت: أرسل كلبي، قال: "إذا أرسلت كلبك، وسمّيت فكل". قلت: فإن أكل؟ قال: "فلا تأكل فإنه لم يمسك عليك، إنما أمسك على نفسه". قلت: أرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر. قال: "لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسم على الآخر".
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5476، فتح الباري 9/603، كتاب الذبائح والصيد، باب صيد المعراض.
[] ومسلم في صحيحه 3/300-1530، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب الصيد بالكلاب المعلمة برقم: 1929.
2 انظر: قول الإمام إسحاق رحمه الله في اختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم: 131 وتفسير القرطبي 7/75.

(8/3984)


قال: ما أعرف أحداً رخّص 1 فيه، إذا كان بهيماً. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
__________
1 في العمرية بلفظ "ترخص".
2 البهيم: الذي لا يخالط لونٌ لونَ سواده. قال أحمد: الذي ليس فيه بياض ولو كان بين عينيه نكتتان تخالفان لونه، لم يخرج بهما عن البهيم.
انظر: المغني 8/547، والإنصاف 10/428، والمطلع على أبواب المقنع صـ386.
أشار إلى هذه الرواية ابن قدامة في المغني، فقال: قال أحمد: ما أعرف أحداً يرخص فيه: يعني من السلف. المغني 8/447.
قال الخرقي: ولا يؤكل ما صيد بالكلب الأسود، إذا كان بهيماً، لأنه شيطان. مختصر الخرقي صـ207.
وقال المرداوي: فلا يباح صيده. نصّ عليه، لأنه شيطان، فهو العلة، والسواد علامة. كما يقال: إذا رأيت صاحب السلاح فاقتله، فإنه مرتد، فالعلة الردة. فالصحيح من المذهب: أن صيده محرّم مطلقاً، وعليه الأصحاب، ونصّ عليه وهو من مفردات المذهب.
ونقل إسماعيل بن سعيد- عن الإمام أحمد- الكراهة.
انظر: الإنصاف 10/428، والمبدع 9/242 وراجع: الكافي 1/483، وكشّاف القناع 6/222.
3 وانظر قول الإمامين أحمد وإسحاق -رحمهما الله تعالى- في: شرح السنة للبغوي 11/212، وإحكام الأحكام 4/194، ومعالم السنن 4/133، والمجموع 9/95، وشرح صحيح مسلم 13/74، والمغني 8/447، وتفسير القرطبي 6/67، والمحلى 7/477، وفتح الباري 9/601، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم: 132.

(8/3985)


[2837-] قلت: من كره كلب 1 اليهودي والنصراني [ع-160/أ] أو كلب المجوسي؟ 2
قال: إذا سمى عليه المسلم وقبل ذلك منه. 3
وكلب 4 اليهودي والنصراني أهون. 5
__________
1 في العمرية بلفظ "قلت من كره كلب المجوس، أو كلب اليهودي والنصراني".
2 وكره مجاهد، والحسن البصري الصيد بكلب اليهودي، والنصراني والمجوس. لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} المائدة آية رقم: (4) .
وقالا: هذا لم يعلمه.
[] انظر: المغني 8/551، ومصنف ابن أبي شيبة 5/361-362.
وممن كره الصيد بكلب المجوس: جابر بن عبد الله، والحسن البصري، وعطاء، ومجاهد، والنخعي، والثوري.
[] انظر: المجموع 9/97، والمغني 8/551، ومصنف ابن أبي شيبة 5/361-362.
3 في العمرية بلفظ "وقبل منه ذلك".
4 في الظاهرية بلفظ "الكالب" بزيادة الألف واللام.
5 نقل عبد الله عن أبيه رواية مثل هذه الرواية فقال: قلت لأبي: فلا يؤكل صيد كلب المجوسي؟ فقال: إذا أرسله المجوسي فلا يؤكل، ولكن إن أرسله مسلم فسمى فأخذ فقتل فلا يكون ذلك له تعليم. مسائل عبد الله صـ264 برقم: 979.
وللإمام أحمد رحمه الله في الصيد بكلب المجوس روايتان:
إحداهما: إن صاد المسلم بكلب المجوس، فقتل حلّ صيده، ولم يكره وهو المذهب.
ووجه هذه الرواية أن الكلب بمنزلة آلة صاد بها المسلم، فحلّ صيده كالقوس، والسهم.
والثانية: أنه لا يباح الصيد بكلب المجوس.
انظر: المغني 8/551، والإنصاف 10/419، والكافي 1/486، والفروع 6/323، والروايتين والوجهين لوحة 192.

(8/3986)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2838-] قلت: صوف الميتة أو الشعر؟
قال: 2 يغسل ولا بأس به. 3
قال إسحاق: كما قال. 4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المجموع 9/97.
2 في العمرية بلفظ "الشعر يغسل ولا بأس به".
[3] نقل عبد الله مثل هذه الرواية عن أبيه في مسائله صـ13-14 برقم: 44.
قال الخرقي: وصوف الميتة، وشعرها طاهر. مختصر الخرقي صـ5.
قال ابن قدامة: يعني شعر ما كان طاهراً في حياته، وصوفه.
وقال المرداوي: وهذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب.
انظر: المغني 1/79، والإنصاف 1/92، وراجع: المقنع 1/26 والمبدع 1/77.
وروي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدلّ على أنه نجس لأنه ينمو من الحيوان، فينجس بموته كأعضائه. انظر المراجع السابقة.
4 نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: وروي- طهارة صوف الميتة، وشعرها- عن الحسن، وابن سيرين، وأصحاب عبد الله. قالوا: إذا غسل. وبه قال: مالك، والليث بن سعد، والأوزاعي، وإسحاق، وابن المنذر، وأصحاب الرأي. المغني 1/79.

(8/3987)


[2839-] قلت: إذا غاب الصيد؟
قال: لا يأكله إذا كان ليلاً، وأما إذا كان بالنهار فلم ير به أثر غيره يأكله. 1
__________
1 ونقل نصّ رواية ابن منصور هذه كل من: صاحب الإنصاف 10/425، وصاحب الفروع 6/326، والقاضي أبو يعلى الفراء في كتابه الروايتين والوجهين، لوحة: 194.
وأشار إلى هذه الرواية: ابن قدامة في المغني 8/553، وابن رجب في القواعد: صـ16.
وذكر القاضي في المسألة ثلاث روايات:
إحداهما: الإباحة على الإطلاق.
والثانية: إن أدركه من يومه أبيح أكله، فإن أدركه من الغد لم يبح.
والثالثة: إن كان قد عقره عقراً، صيره في حكم المذبوح قبل أن يغيب عن عينه أبيح، وإن لم يصيره في حكم المذبوح لم يبح. الروايتين والوجهين لوحة: 194.
قال الخرقي: "وإذا رماه فغاب عن عينه فوجده ميتاً، وسهمه فيه، ولا أثر به لغيره، حلّ أكله". مختصر الخرقي صـ208.
قال المرداوي: هذا المذهب، وقال في المغني: هذا هو المشهور عن الإمام أحمد.
وقال ابن رجب: هذا أصحّ الروايات.
الإنصاف 10/424، والمغني 8/553، والقواعد لابن رجب صـ16.
واستدلّوا للرواية الراجحة عن الإمام أحمد رحمه الله بما رواه عدي بن حاتم رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك وسمّيت فأمسك، وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلاباً لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن، فلا تأكل، فإنك لا تدري أيّها قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلاّ أثر سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5484، فتح الباري 9/610، كتاب الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب عنه يومين، أو ثلاثة، واللفظ له.
ومسلم في صحيحه 3/1531، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة برقم: 1929، غير أنّه قال: "فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلاّ أثر سهمك، فكل إن شئت".
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رميت بسهمك فغاب عنك، فأدركته فكله، ما لم ينتن".
وأخرجه مسلم في صحيحه 3/1532، كتاب الصيد والذبائح، باب إذا غاب عنه الصيد، ثمّ وجده، برقم: 1931 من طريق معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه، عن أبي ثعلبة الخشني.
فهذه أحاديث صحاح، دلّت على جواز الأكل من الصيد الذي غاب مقتله مع ملاحظة أمور ثلاثة وهي:
[1-] التأكّد من أنّ الأثر الذي قتل به الصيد أثر سهمه.
[2-] ألا يجد به أثر غير سهمه، ممّا يحتمل أنّه قتله.

(8/3988)


[3-] ألا يكون الصيد قد أنتن.
انظر: المغني 8/554، ونيل الأوطار 9/12، والذبائح في الشريعة الإسلامية صـ113، وأحكام الصيد صـ188.
ودليل رواية ابن منصور رحمه الله التي نحن بصدد الكلام فيها ما رواه عطاء بن السائب عن عامر أنّ أعرابياً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظبياً فقال: "من أين أصبت هذا؟ " قال: رميته أمس فطلبته، فأعجزني حتّى أدركني المساء، فرجعت، فلمّا أصبحت اتبعت أثره فوجدته في غار، أو في أحجار وهذا مشقصي فيه أعرفه، قال: "بات عنك ليلة، ولا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه، لا حاجة لي فيه".
الحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى 9/241، كتاب الصيد والذبائح، باب الإرسال على الصيد يتوارى عنك ثمّ تجده مقتولاً.
قال البيهقي نقلاً عن الإمام البخاري: بأن الحديث مرسلٌ. سنن البيهقي 9/241.
وقال ابن رجب في المسألة بعد ذكر الروايتين السابقتين: وفيه رواية ثالثة: إن غاب عنه ليلة لم يحل، وإلا حلّ، وفيه حديث مرفوع وفيه ضعف. القواعد لابن رجب صـ16.

(8/3989)


قال إسحاق: كما قال.
[2840-] قلت: شراء جلود الميتة والسباع [والنمور] ؟
قال: كلّ شيء 1 من الميتة أكره التجارة فيه مثل العاج وجلود الميتة والسباع والنمور. 2
__________
1 لفظ "شيء" سقط من العمرية.
2 تقدمت مسألة التجارة في جلود السباع في المعاملات في المسألة رقم: (2215) .
ونقل صالح عن أبيه رواية مثل هذه الرواية صـ 110.
قال ابن قدامة: ولا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدبغ قولاً واحداً، وفي بيعه بعد الدبغ عنه اختلاف. ثمّ قال: والصحيح [] عنه أنّه لا يجوز. وهذا ينبني على الحكم بنجاسة جلود الميتة، وأنّها لا تطهر بالدباغ. المغني 4/287-288.
وللإمام أحمد رحمه الله في طهارة جلود الميتة روايات:
إحداها: أنّ جلود الميتة نجسة، لا تطهر بالدباغ، وهذا المذهب، نصّ عليه الإمام أحمد في رواية الجماعة.
انظر: مسائل عبد الله صـ12، مسألة رقم: 39، والمغني 1/69، والكافي 1/19 والإنصاف 1/86.
وهذه الرواية قد رجع عنها الإمام أحمد رحمه الله، فقد ذكر الترمذي عن أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث، لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم، فقال عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ لهم من جهينة. سنن الترمذي 4/222.
وقد حكى الخلال في كتابه: أنّ أحمد توقف في حديث ابن عكيم لما رأى تزلزل الرواة فيه، وقال بعضهم رجع عنه.
مختصر سنن أبي داود للمنذري 6/69، فتح الباري 9/659. وراجع: الإنصاف 1/86، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 21/102.
والروية الثانية: أنّ الدباغ يطهر إهاب الميتة التي كانت طاهرة حال الحياة، دون غيره.
والرواية الثالثة: أنّ الدباغ يطهر جلد مأكول في حال الحياة.
المغني 1/69، الإنصاف 1/86 والمبدع 1/74.
وكما رجع الإمام أحمد رحمه الله عن حديث عبد الله بن عكيم، فعل مثله صاحبه الإمام إسحاق رحمه الله.
فقد قال أبو الشيخ الحافظ قال: حكي أنّ إسحاق بن راهويه ناظر الشافعي، وأحمد ابن حنبل حاضر، في جلود الميتة إذا دبغت، فقال الشافعي: دباغها طهورها. فقال له إسحاق: ما الدليل؟ فقال: حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "هلاّ انتفعتم بإهابها".
فقال له إسحاق: حديث ابن عكيم كتب إلينا النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، فهذا يشبه أن يكون ناسخاً لحديث ميمونة، لأنّه قبل موته بشهر، فقال الشافعي: هذا كتاب، وذاك سماع. فقال إسحاق: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر فكانت حجّة بينهم عند الله تعالى. فسكت الشافعي. فلمّا سمع ذلك أحمد ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي. انظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار صـ117.

(8/3990)


وبعد عرض الأدلة يتبيّن لي: أنّ الدباغ يطهر جلود الحيوانات التي تطهرها الذكاة، دون غيرها من الحيوانات، وأنّ الدباغ لا يقوم مقام الحياة ليطهر به جلد ما كان طاهراً في الحياة، بل يطهر جلد المأكول دون ما سوى ذلك.
فلذا لا تطهر جلود السباع بالدباغ لما جاء النهي عنه لأنّ حديث: "أيّما إهاب دبغ" عام خصصته أحاديث النهي عن افتراش جلود السباع، وفي هذا الجمع إعمال لجميع الأدلّة، وما كان طاهراً فإنّه يجوز بيعه والانتفاع به، قال المرداوي: ما يطهر بدبغه انتفع به… ويجوز بيعه على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
مجموع الفتاوى 21/605، والإنصاف 1/89.

(8/3991)


قال إسحاق: كما قال، لأنّ ذلك 1 محرّم، كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ثمنه [ظ-89/ب] . 2
__________
1 في العمرية بلفظ "لأنّ كلّ محرم كره رسول الله صلى الله عليه وسلم".
2 يشير إلى حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بمكّة عام الفتح: "إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام". فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس. فقال: "لا، هو حرام". ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إنّ الله لما حرّم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه."
الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم: 2236، فتح الباري 4/424، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام.
ومسلم في صحيحه 3/1207، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام برقم: 1581.
وجاء عند أبي داود من رواية ابن عبّاس إضافة قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه". سنن أبي داود 3/280، كتاب البيوع، باب في ثمن الخمر والميتة برقم: 3488.
[] وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله: في المغني 1/68، والاعتبار 115-117، والمجموع 1/217.

(8/3992)


[2841-] قلت: تطلى السفن بشحم الميتة؟
قال: إذا كان لا يمسه بيده يأخذ بعود. 1
__________
1 أشار إلى هذه الرواية ابن رجب في القواعد فقال: فأما نجسة العين كدهن الميتة، فالمنصوص أنه لا يجوز الانتفاع به، ونقل ابن منصور عن أحمد ما يدلّ على جوازه. القواعد صـ192.
كما أشار إلى هذه الرواية ابن مفلح في الفروع 1/106.
يفهم من عبارة ابن رجب رحمه الله السابقة: أن في المسألة روايتين، وينبغي أن يعرف أن هناك فرقاً بين دهن لاقته النجاسة، وبين نجاسة شحم الميتة.
الأولى: ستأتي إن شاء الله بعد بضع مسائل.
والثانية: وهي شحوم الميتة، وشحم الخنزير، فلا يجوز الانتفاع به باستصباح ولا غيره، ولا أن تطلى به السفن، ولا الجلود؛ لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وذكرته في المسألة السابقة رقم: (2840) .
انظر: الفروع 1/106، وتصحيح الفروع المطبوع مع الفروع 1/106، والمغني 8/610

(8/3993)


قال إسحاق: كما قال، إذا احتيج إليه، فأمّا 1 ما وجد عنه مندوحة، فلا.
[2842-] قلت: سئل عن الجبن إذا اشتراه؟
قال: لا. 2
__________
1 في العمرية بلفظ "وأمّا".
2 للإمام أحمد رحمه الله في الجبن الذي صنعه المجوس، أو المعمول من أنفحة الميتة، روايتان:
إحداهما: أنّه يحلّ هذا الجبن، لأنّ أنفحة الميتة طاهرة على هذا القول، ولأنّ الأنفحة لا تموت بموت البهيمة، وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس، كما قال تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} سورة النحل، آية رقم: 66.
ولهذا: يجوز حمل الصبي الصغير في الصلاة، مع ما في بطنه.
والثانية: أنّ هذا الجبن نجس، لأنّ الأنفحة نجسة، ومن لا تؤكل ذبيحته، فذبيحته كالميتة، وسبب اختلاف الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، اختلاف الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن بعدهم من التابعين.
انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 21/102، وما بعدها، 35/154، وما بعدها.
وقد يقال إنّها ليست طاهرة، ولكنها يسيرة مستهلكة في الجبن، وجرت العادة أن يعفى عن اليسير في الشريعة، وبخاصة إذا استهلك كالحال في النجاسة التي تخالط الماء الكثير.
وسئل الإمام أحمد عن الجبن الذي يصنعه المجوس، فقال: ما أدري إلاّ أنّ أصحّ حديث فيه حديث الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل قال: سئل عمر عن الجبن، وقيل له يعمل فيه الأنفحة الميتة، فقال: "سمّوا أنتم وكلوا".
انظر: المغني 8/612، ومصنّف عبد الرزّاق 4/538، ومطالب أولي النهى 6/325.
والقول بجواز أكل الجبن المعمول بأنفحة الميتة، والذي مال إليه الإمام أحمد رحمه الله، رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: "والأظهر أنّ جبنهم حلال، وأنّ أنفحة الميتة ولبنها طاهر، وذلك لأنّ الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس، وكان هذا شائعاً بينهم، وما ينقل عن بعضهم من كراهة ذلك ففيه نظر. فإنّه من نقل بعض الحجازيين، وأهل العراق كانوا أعلم بهذا، فإنّ المجوس كانوا ببلادهم، ولم يكونوا بأرض الحجاز. ويدلّ على ذلك: أنّ سلمان الفارسي كان نائب عمر بن الخطاب على المدائن، وكان يدعو الفرس إلى الإسلام، وقد ثبت عنه: أنّه سئل عن شيء من السمن والجبن والفراء فقال: "الحلال ما أحلّه الله في كتابه، والحرام ما حرّم الله في كتابه، وما سكت عنه، فهو ممّا عفي عنه".
ومعلوم أنّه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين، وأهل الكتاب، فإنّ هذا أمر بيّن، وإنّما كان السؤال عن جبن [] [] المجوس، فدلّ ذلك على أنّ سلمان يفتي بحلّها. مجموع فتاوى ابن تيمية 21/103-104.
وروي الإباحة في أكل الجبن عن عمر بن الخطّاب، وعلي بن أبي طالب، وعائشة، وأمّ سلمة، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم.
انظر المجموع 9/69، ومصنف عبد الرزّاق 4/538 وما بعدها.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "كلوا من الجبن ما صنعه المسلمون وأهل الكتاب". وعن ابن عمر رضي

(8/3994)


الله عنه مثله.
المجموع 9/69، والسنن الكبرى للبيهقي 10/6.
وتقدم الكلام في أكل الجبن في المناسك في المسألة رقم: (1538) .

(8/3995)


قال إسحاق: كما قال.
[2843-] قلت: المضطر يشرب الخمر إذا عطش؟
قال: ما أعرفه، يقال إنه لا يروي. 1
__________
1 قال عبد الله: قلت لأبي: فخمر يضطر إليها رجل يشربها؟
قال: لا يكون الخمر اضطراراً، إنما الاضطرار إلى الميتة، لأن الخمر يعطش. مسائل عبد الله صـ434 برقم: 1569.
ونقل ابن هانئ مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد في مسائله 2/134 برقم: 1755.
قال ابن قدامة: "وإن شربها لعطش نظرنا، فإن كانت ممزوجة بما يروي من العطش أبيحت، لدفعه عند الضرورة، كما تباح الميتة عند المخمصة، وكإباحتها لدفع الغصة … وإن شربها صرفاً، أو ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش، أو شربها للتداوي لم يبح له ذلك، وعليه الحدّ".
انظر: المغني 8/308 وكشاف القناع 6/117.

(8/3996)


قال إسحاق: كما قال، إلاّ أن يكون في طمع أن يرويه حتّى يجاوز إلى موضع يطمع في الماء. 1
[2844-] قلت: الفأرة تقع في الزيت؟
قال: إن كان 2 جامداً، أخذت وما حولها فألقيت، وإن كان ذائباً لم يأكله. 3
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: قال مالك في الخمر: إذا اضطرّ إليها لا يشربها، وقيل لأحمد بن حنبل: المضطرّ يشرب الخمر؟ قال: يقال: إنّه لا يروي. وبه قال إسحاق، إلاّ أن يكون في طمع أنّه يرويه إلى موضع يطمع في الماء. الإشراف لوحة 3/200.
2 في "ظ" بلفظ "كانت".
3 في العمرية بلفظ "لم يأكله".
نقل عبد الله عن أبيه مثل هذه الرواية في مسألة رقم: 13، صـ6، وإذا وقعت النجاسة في المائع، كالدهن وما أشبهه، فهل ينجس؟ عن الإمام أحمد رحمه الله ثلاث روايات:
إحداها: أن النجاسة إذا وقعت في مائع غير الماء نجسته وإن كثر، وهذا ظاهر المذهب.
والثانية: أنّه لا ينجس إذا كثر.
والثالثة: ما أصله الماء كالخل التمري، يدفع النجاسة عن نفسه إذا كثر، وما ليس أصله الماء لا يدفع عن نفسه.
[] انظر: المغني 8/608-609، والروايتين والوجهين، لوحة 197.
ودليل الرواية الراجحة: ما رواه ابن عبّاس عن ميمونة رضي الله عنها، قالت: سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن فأرة سقطت في سمن، فقال: "ألقوها وما حولها، وكلوه".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5540، فتح الباري 9/668، كتاب الذبائح والصيد، باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب.

(8/3997)


قال إسحاق: كما قال، وإن كان كثيراً، وكذلك السمن والعسل، وما أشبههما. 1
[2845-] قلت: الطافي 2 من السمك وما جزر 3 عنه الماء؟
قال: الطافي لا بأس به، وما جزر عنه الماء أجود. 4
__________
1 أشار ابن حجر إلى قول الإمام إسحاق رحمه الله في المسألة في فتح الباري 9/669.
2 طفا الشيء فوق الماء طَفْواً، وطفُواً على فعول، إذا علا، ولم يرسب. ومنه السمك الطافي، وهو الذي يموت في الماء، ثمّ يعلو فوق وجهه. المصباح المنير 2/374.
3 الجزر ضدّ المدّ: وهو رجوع الماء إلى الخلف.
مختار الصحاح صـ102، والنهاية لابن الأثير 1/268.
4 نقل صالح عن أبيه مثل هذه الرواية فقال: سألته: السمك الطافي؟ قال: ليس به بأس، قال: إنّ أبا بكر أكله. مسائل صالح صـ50.
ونقل مثل هذه الرواية أبو داود السجستاني في مسائله عن الإمام أحمد صـ258.
وأشار إلى هذه الرواية ابن قدامة في المغني 8/572.
السمك وغيره من ذوات الماء التي لا تعيش إلاّ فيه، إذا مات بسبب مثل أن صاده إنسان، أو نبذه البحر، أو جزر عنه، فإن العلماء أجمعوا على إباحته. وكذلك ما حبس في الماء بحظيرة حتّى يموت فلا خلاف فيه أيضاً، وإنّما اختلفوا في الطافي، وليس به بأس.
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، ولو كان طافياً.
وعن الإمام أحمد رواية: أنّه يحرم السمك الطافي.
انظر: المغني 8/572، والإنصاف 10/384، والكافي 1/477، وراجع: مختصر الخرقي صـ209، ومطالب أولي النهى 6/328.

(8/3998)


قال إسحاق: كلاهما 1 يؤكلان، مضت السنة بذلك. 2
__________
1 في العمرية بلفظ "كليهما".
2 وعن عمرو أنّه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: "غزونا جيش الخبط وأمر أبو عبيدة، فجعنا جوعاً شديداً، فألقى البحر حوتاً ميتاً لم يُرَ مثله، يقال له "العنبر"، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظماً من عظامه فمرّ الراكب تحته".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5493، فتح الباري 9/615، كتاب الذبائح والصيد، باب قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر} .
ومسلم في صحيحه 3/1536، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة ميتات البحر برقم: 1935، بأطول ممّا هنا. ومن طريق أحمد بن يونس عن زهير، عن أبي الزبير عن جابر، وطرق أخرى.
والطافي روي فيه عن جابر بن عبد الله قوله: "ما طفا فلا تأكلوه، وما كان على حافته، أو حسر عنه الماء فكلوه".
روي هذا الخبر عن جابر رضي الله عنه من طريقين، ولم يسلم أحد الطريقين من قادح.
ففي أحدهما: إسماعيل بن عيّاش، وهو ضعيف.
والآخر: عن أبي الزبير عن جابر، ولم يذكر أنّه سمعه منه.
وروي مثل قول جابر عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عبّاس رضي الله عنه، والحسن وابن سيرين وجابر بن زيد.
وهي عن علي رضي الله عنه لا تصحّ، لأنّ ابن فضيل لم يسمع من عطاء بن السائب، إلاّ بعد اختلاطه، وهي عن ابن عبّاس من طريق أجلح، وليس بالقوي، لكنه صحيح عن الحسن وابن سيرين وجابر.
[] انظر: المحلّى 7/395-396، ومصنّف ابن أبي شيبة 5/380، والصيد والتذكية صـ81، وتفسير القرطبي 6/318.
وقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه روي عنه مرفوعاً، إلاّ أن أبا داود رحمه الله قال: روى هذا الحديث سفيان الثوري، وأيّوب وحمّاد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر، وقد أسند هذا الحديث أيضاً من وجه ضعيف. انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري 5/325.
وصوب الزيلعي إيقافه على جابر رضي الله عنه في نصب الراية 4/203.
ويستدلّ بجواز أكل السمك الطافي بعموم قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} سورة المائدة آية رقم: (96) .
روي عن ابن عبّاس رضي الله عنه: طعامه ميتته. تفسير القرطبي 6/318.
ولما جاء عن المغيرة بن أبي بردة - وهو من بني عبد الدار- أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته".
الحديث رواه الترمذي في سننه 1/100، أبواب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور حديث رقم: 69، واللفظ

(8/3999)


له.
وأبو داود في سننه 1/21، كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر حديث رقم 83.
والنسائي في سننه 1/50، كتاب الطهارة، باب ماء البحر.
والدارمي في سننه 1/186، كتاب الصلاة والطهارة، باب الوضوء من ماء البحر.
وابن ماجه في سننه 1/136، كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء بماء البحر حديث رقم: 386.
والإمام أحمد في مسنده 2/393.
قال الإمام أحمد رحمه الله في الحديث السابق: "هذا خير من مائة حديث". المغني 8/582.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 1/101.
وقال الترمذي: سألت محمّد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: هو حديث صحيح. مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/81.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وشواهده كثيرة، ولم يخرجاه، ثمّ ذكر الشواهد. المستدرك للحاكم 1/140.
[] وتبعهم الألباني في تصحيح الحديث في إرواء الغليل 1/42-43.
قال الخطابي: وفيه دليل على أنّ السمك الطافي حلال، وأنّه لا فرق بين ما كان موته في الماء، وبين ما كان موته خارج الماء من حيوانه. معالم السنن 1/83.
وقال ابن حزم: لا يطفو الحوت أصلاً إلا حتّى يموت أو يقارب الموت، فإذا مات طفا ضرورة ولا بدّ، فتخصيصهم الطافي بالمنع، وإباحتهم ما مات في الماء تناقض. المحلّى 7/398.

(8/4000)


[2846-] قلت: ذكاة الجراد وما وجد ميتاً؟
قال: ذكاة الجراد أخذه، 1 وأمّا إذا قتله البرد أتوقّاه. 2
__________
1 في العمرية بلفظ "إذا أخذه"، بإضافة "إذا" قبل "أخذه"، والصواب ما أثبته، لأنّه لا يحتاج إلى تقدير، لتمام الجملة بالمبتدأ والخبر، بخلاف ما لو كانت "إذا" موجودة، فإنّها تحتاج إلى تقدير جملة تكون جواباً لها، وما لا يحتاج إلى تقدير أولى ممّا يحتاج إليه.
2 نقل ابن هانئ عن الإمام أحمد رحمه الله مثل هذه الرواية فقال: سألته عن الجراد يوجد في الصحراء، قال: كله، إلاّ أن تعلم أنّ البرد قتله، فلا تأكله. مسائل ابن هانئ 2/134، برقم: 1756.
وللإمام أحمد رحمه الله في ميتة الجراد روايات:
إحداها: يباح أكل الجراد، ولا فرق بين أن يموت بسبب، أو بغير سبب. وهذا المذهب.
والثانية: أنّ الجراد إذا قتله البرد لا يؤكل.
والثالثة: أنّ الجراد لا يؤكل إذا مات بغير سبب.
[] انظر: المغني 8/572، والإنصاف 10/384-385، والكافي 1/477، والفروع 6/309، ومطالب أولي النهى 6/326، والروايتين والوجهين لوحة 196.
ودليل الرواية التي عليها المذهب، ما جاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحلّ لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأمّا الدمان فالكبد والطحال".
وقد سبق تخريج الحديث في مسألة رقم: (2833) ، وبينت هناك أنّ الصحيح وقف الحديث على ابن عمر رضي الله عنه، إلاّ أنّ له حكم الرفع، لأنّ قول الصحابي: "أحلّ لنا"، أو: "حرم علينا" له حكم الرفع؛ لأنّه من المعلوم أنّهم لا يحلّ لهم، ولا يحرم عليهم إلاّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما تقرر ذلك في علوم الحديث.
ودليل رواية ابن منصور رحمه الله: عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وهذه ميتة، ومن جهة المعنى: أنّ هذا من حيوان البرّ فلم يجز أكله بغير ذكاة، أصل ذلك سائر حيوان البرّ.
انظر الروايتين والوجهين لوحة 196، والمنتقى للباجي 3/129.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على إباحة أكل الجراد إذا وجد ميتاً، وانفرد مالك بن أنس، والليث ابن سعد، فحرماه.
الإجماع لابن المنذر صـ78، وراجع: المنتقى للباجي 3/129، وبداية المجتهد 1/325

(8/4002)


قال إسحاق: كما قال، لأنّ البرد إذا مات منه، فقد مات بغير منيته.
[2847-] قلت: نفخ اللحم؟
قال: أكرهه. 1
__________
1 نقل هذه الرواية المرداوي في الإنصاف فقال: نقل ابن منصور عن الإمام أحمد -رحمه الله-: أكره نفخ اللحم. الإنصاف 10/405.
قال ابن قدامة: ويكره النفخ في اللحم الذي يريده للبيع، لما فيه من الغش. المغني 8/580.
وزاد البهوتي قوله: بخلاف ما يذبحه لنفسه، وينفخه، لسهولة السلخ. كشّاف القناع 6/211، وراجع: مطالب أولي النهي 6/336.

(8/4003)


قال إسحاق: كما قال.
[2848-] قلت: تكره الجري؟ 1
قال: لا 2 والله، وكيف لنا بالجري. 3
__________
1 الجري بفتح الجيم، ويقال له الجريث نوع من السمك يشبه الحيات وقيل: سمك لا قشر له، ويقال له أيضاً المرماهي، والسلور مثله، وقيل نوع عريض الوسط دقيق الطرفين.
تاج العروس 10/72، وفتح الباري 9/615، وحياة الحيوان للدميري 1/193.
قال صاحب المنجد: الجري بكسر الجيم وتشديد الراء والياء، أو الجريث، نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحنكليس، ويدعونه في مصر ثعبان الماء، ليس له عظم إلاّ عظم الرأس، والسلسلة. المنجد صـ89، وله صورة في الصفحة المقابلة لصفحة 505 ضمن صور أنواع الأسماك.
2 في العمرية بلفظ: "قلت تكره الجري؟ " قال: لا. كذلك قال إسحاق: كما قال.
3 نقل نصّ المسألة القاضي الفراء في كتابه: المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد -رحمه الله-، لوحة رقم: 3.
ونقلها ابن قدامة دون ذكر راوي المسألة، فقال: قيل لأبي عبد الله: يكره الجري؟ قال: لا. والله وكيف لنا الجري؟ المغني 8/608.
وممن رخص في أكل الجري: علي رضي الله عنه، والحسن، وسئل ابن عبّاس رضي الله عنه عن الجريث فقال: لا بأس به، إنما هو شيء كرهته اليهود.
انظر: المغني 8/608، ومصنف عبد الرزّاق 4/538، وفتح الباري 9/615.
ونقل الدميري عن البغوي قوله: إن الجريث حلال بالاتفاق، وهو قول أبي بكر، وعمر، وابن عبّاس، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم. وبه قال شريح والحسن وعطاء. حياة الحيوان للدميري 1/193.

(8/4004)


قال إسحاق: [كما قال] لا بأس به.
[2849-] قلت: 1 صيد المجوسي في البحر؟
قال: لا باس به. 2
__________
1 هذه المسألة انفردت بنقلها النسخة الظاهرية، وغير موجودة في العمرية.
2 نقل الفراء هذه الرواية في كتابه الروايتين والوجهين، فقال: هل يباح أكل صيد المجوسي من البحر أم لا؟
فنقل حنبل عنه: لا يعجبني أن يؤكل من صيد المجوسي في برّ ولا بحر، فظاهر هذا المنع.
ونقل ابن منصور في المجوسي يصيد السمك في البحر والجراد لا بأس به. انظر الروايتين والوجهين لوحة رقم: 195.
قال الخرقي: ولا يؤكل صيد المجوسي، إلاّ ما كان من حوت، فإنه لا ذكاة له. مختصر الخرقي صـ209.
قال ابن قدامة معلقاً على عبارة الخرقي: "ولا خلاف في إباحة ما صادوه من الحيتان، حكي عن الحسن البصري أنه قال: رأيت سبعين من الصحابة يأكلون صيد المجوسي من الحيتان، لا يختلج في صدورهم شيء من ذلك.
والجراد كالحيتان في ذلك، لأنه لا ذكاة له، ولأنه مباح ميتته فلم يحرم بصيد المجوسي، كالحوت.
المغني 8/571 وراجع: مطالب أولي النهي 6/342.
وعن الإمام أحمد رحمه الله: "أنه يحرم سمك وجراد صاده مجوسي ونحوه". والمذهب الأول. انظر: الإنصاف 10/385.

(8/4005)


قلت: والجراد؟
قال: والجراد كذلك.
قال إسحاق: كما قال. 1
[2850-] قلت: شاة تردت 2 فكسرت فأدركها صاحبها وهي تحرك فذبحها و 3 سال الدمّ ولم تتحرك؟
__________
1 نقل النووي قول الإمام إسحاق فقال: مذهبنا إباحة ما صاده المجوسي من السمك ومات في يده، وهكذا الجراد. فأما السمك فمجمع عليه وأما الجراد فوافقنا عليه الأوزاعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وجمهور العلماء. قال الليث ومالك: "لا يؤكل ما صاده من الجراد بخلاف السمك"، وفرقهما ضعيف. المجموع للنووي 9/73.
2 يقال ردى في البئر: إذا سقط فيها، كتردّى، ومنه المتردية وهي التي تطيح في بئر فتموت.
وقال الليث: التردي التهور في مهواة، وأرداه غيره أسقطه، ورداه تردية مثل ذلك.
تاج العروس 10/147 مادة "ردي"، والمطلع على أبواب المقنع صـ383، والنهاية لابن الأثير 2/216.
3 في العمرية بلفظ "فسال"، واللفظ متقارب.

(8/4006)


قال: هذا أشدّ مما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه. 1
__________
1 الذي روي عن زيد بن ثابت ذكره عبد الرزّاق بإسناده عن أبي مرة مولى عقيل أنه وجد شاة لهم تموت، فذبحها فتحركت، قال: فسألت زيد بن ثابت، فقال: "إن الميتة لتتحرك". قال: وسأل أبا هريرة، فقال: "كلها إذا طرفت عينها، أو تحركت قائمة من قوائمها".
مصنف عبد الرزّاق 4/499، كتاب المناسك، باب الرجل يضع منجله برقم: 8636، واللفظ له.
ومصنف ابن أبي شيبة 5/395، كتاب الصيد، في الذكاة إذا تحرك منها شيء فكل.
والبيهقي في السنن الكبرى 9/250، كتاب الصيد والذبائح، باب ما جاء في البهيمة تريد أن تموت فتذبح.
وابن حزم في المحلى 7/458، كتاب الصيد والتذكية.
ونقل عبد الله نحو هذه الرواية فقال: قال أبي أكتب، وأملى عليّ: "إذا ذكيت ففحصت بذنبها، وطرفت بعينها، وسال دمها، فلا بأس بأكلها". مسائل عبد الله صـ265 برقم:983.
قال في الكافي: المتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، والمريضة إذا أُدرك ذكاؤها، وفيها حياة مستقرة حلت. لقوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة جزء من آية رقم: (3) ] وما لم يبق فيه إلاّ مثل حركة المذبوح لا يباح، لأنه صار في حكم الميت، وكذلك لو ذبحها بعد ذبح الوثني لها لم تبح. الكافي 1/480.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن دابّة ذبحت، فخرج منها دم كثير ولم تتحرك. فأجاب: إذا خرج منها الذي يخرج من الحي المذبوح في العادة هو دم الحي، فإنه يحلّ أكلها في أظهر قولي العلماء.
[] مجموع الفتاوى 35/235. وراجع: المغني 8/583، والمبدع 9/221-222، والإنصاف 10/396-397.

(8/4007)


قال إسحاق: لا بأس بهذا، لأن في قول أبي هريرة، 1 وابن عبّاس 2 [رضي الله عنهما]
__________
1 هو عبد الرحمن بن صخر، الدوسي اليماني. حفظ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الكثير، وعن أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب. وكان من أوعية العلم، ومن كبار أئمّة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع، ولي إمرة المدينة، وناب أيضاً عن مروان في إمرتها. توفّي سنة ثمان وخمسين هجرية.
الإصابة 4/202، وأسد الغابة 5/315، وتذكرة الحفاظ 1/32، وطبقات الحفاظ صـ17.
وتقدم ذكر الأثر المروي عنه في التعليق على قول الإمام أحمد: (هذا أشد مما روي عن زيد بن ثابت) من هذه المسألة.
2 هو عبد الله بن عباس، بن عبد المطلب، أبو العباس الهاشمي، ابن عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء. دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يفقّهه الله في الدين، ويعلّمه التأويل، وهو حَبر هذه الأمّة، وترجمان القرآن، وأحد العبادلة الأربعة. ولد سنة ثلاث قبل الهجرة، وتوفّي بالطائف سنة ثمان وستّين، وصلّى عليه محمّد بن الحنفية وقال: اليوم مات ربّاني هذه الأمّة،.
انظر: الإصابة 2/330، وأسد الغابة 3/192، وتذكرة الحفاظ 1/40، وحلية الأولياء 1/314، وتاريخ بغداد 1/173.
والأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه عبد الرزّاق بإسناده عن أبي طلحة، قال: عدا الذئب على الشاة فأفرى بطنها، فسقط منه شيء على الأرض، فسألت ابن عباس فقال: "انظر إلى ما سقط من الأرض فلا تأكله، وأمره أن يذكيها فيأكلها".
رواه عبد الرزّاق في مصنّفه 4/494، كتاب المناسك، باب ما يقطع من الذبيحة برقم: 8613 من طريق ابن عيينة، عن ركين بن ربيع عن أبي طلحة.

(8/4008)


رخصة. 1
[2851-] قلت: رجل ذبح شاة فتركها ساعة، حتّى إذا ظنّ أنّ نفسها خرجت قطع رأسها، فتحرّكت بعد ذاك؟
__________
1 نقل النووي قول الإمام إسحاق رحمه الله ضمن أقوال العلماء نقلاً عن ابن المنذر فقال: قال ابن المنذر: روينا عن علي رضي الله عنه: "إن أدركها وهي تحرّك يداً أو رجلاً فذكاها حلّت". قال: وروي معنى ذلك عن أبي هريرة، والشعبي والحسن البصري وقتادة، ومالك. وقال الثوري: "إذا خرق السبع بطنها، وفيها الروح فذبحها فهي ذكية". وبه قال أحمد وإسحاق.
[] المجموع 9/92، وراجع مصنّف ابن أبي شيبة 5/395-396.
بهذا يتبيّن: أنّ الشاة المصابة، إذا كانت تعيش زمناً يكون الموت بالذبح أسرع منه، حلّت بالذبح، وأنّها متى كانت لا يتيقّن موتها كالمريضة أنّها متى تحركت، وسال دمها حلّت. والله أعلم. راجع المغني 8/585
أمّا إذا كانت حركتها لا تدلّ على استقرار الحياة فيها، وهي ما تسمّى بحركة المذبوح، فإنّ الذكاة لا تحلّها، لأنّها في حكم الميتة.

(8/4009)


قال: لا بأس به، إذا كان قد 1 أفرى الأوداج. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
[2852-] قلت: أيّ الأسنان يجوز في الضحية من البقر 4 والإبل والغنم؟
قال: لا يجوز في الأضاحي إلاّ الثني 5 فصاعداً من الإبل والبقر
__________
1 في العمرية بحذف لفظ "قد".
2 الذي عليه المذهب: أنه يشترط لحل الذبيحة قطع الحلقوم والمريء، ولا خلاف في أن الأكمل قطع الأربعة: الحلقوم والمريء والودجين فالحلقوم مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، والودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم، لأنه أسرع لخروج روح الحيوان، فيخفف عليه ويخرج من الخلاف فيكون أولى، والأول يجزي، لأنه قطع في محل الذبح ما لا تبقي الحياة مع قطعه، فأشبه ما لو قطع الأربعة.
انظر: الإنصاف 10/392، والمغني 8/575، وتقدم في المسألة رقم: (2816) القول بكراهة إبانة الرأس أثناء الذبح.
3 نقل النووي قول الإمام إسحاق رحمه الله أثناء ذكر المذاهب في المسألة فقال: في مذاهبهم فيما يقطع من الشاة بعد الذكاة قبل أن تبرد: مذهبنا أن الفعل مكروه، والعضو المقطوع حلال، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وأحمد وإسحاق. وكره ذلك عطاء، وقال عمرو بن دينار: ذلك العضو ميتة. المجموع 9/91.
4 في العمرية بلفظ "الإبل والبقر والغنم".
5 الثني في اللغة: الذي يلقي ثنيته، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة، وفي الخفّ في السنة السادسة. تاج العروس 10/62.
قال ابن قدامة: ثني المعز إذا تمت له سنة، ودخل في الثانية، والبقرة إذا صار لها سنتان، ودخلت في الثالثة، والإبل إذا كمل لها خمس سنين، ودخلت في السادسة. المغني 8/623.

(8/4010)


والغنم، إلاّ الجذع من الضأن. 1
قال إسحاق: كما قال سواء.
[2853-] قلت: إذا كان في غير مصر يذبح قبل أن يصلي الإمام؟
قال: لا 2 يعجبني. 3
__________
1 نقل عبد الله نحو هذه الرواية عن أبيه في مسألة صـ267 برقم: 990.
وقال ابن هانئ: سألت أبا عبد الله: هل يجزئ الجذع من المعز؟
فقال: لا يجزئ الجذع من المعز، ولكنه يجزئ من الضأن، إذا كان سميناً وافياً. مسائل ابن هانئ 2/129 برقم: 1731.
قال الخرقي: "ولا يجزئ إلاّ الجذع من الضأن، والثني مما سواه". مختصر الخرقي صـ212.
قال المرداوي: "هذا المذهب مطلقاً نصّ عليه، وعليه الأصحاب".
الإنصاف 4/74، وراجع: الكافي 1/471، والمبدع 3/277، وكشّاف القناع 2/531.
2 في العمرية بلفظ "ما يعجبني".
3 نقل حنبل وحرب: لا يضحي حتى يصلي الإمام في المصر، وينحر لوقت صلاة العيد إذا كانوا في قرية لا يعيد فيها، ولا يجزئ الذبح قبل الصلاة.
فظاهر هذا: أن وقت الذبح يدخل بفعل صلاة العيد في الموضع الذي لا تقام فيه الصلاة، أو يمضي وقت صلاة العيد في الموضع الذي لا يقام فيه الصلاة. انظر: الروايتين والوجهين لوحة 197.
قال المرداوي: "واعلم أنّ الصحيح من المذهب أن وقت الذبح بعد صلاة العيد فقط في حقّ أهل الأمصار، والقرى ممن يصلي."
الإنصاف 4/84، وراجع: المبدع 3/283.
وعن الإمام أحمد رواية ثانية: أن وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد والخطبة. واختار هذه الرواية ابن قدامة في الكافي.
انظر: الإنصاف 4/84، والكافي 1/472، وراجع: مختصر الخرقي صـ213، والمغني 8/636، ومطالب أولي النهى 2/469.
ودليل الرواية التي عليها المذهب ما رواه البراء رضي الله عنه قال سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثمّ نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله، ليس من النسك في شيء. فقال أبو بردة: يا رسول الله، ذبحت قبل أن أصلي، وعندي جذعة خير من مسنة فقال: "اجعلها مكانها، ولن تجزئ- أو توفي- عن أحد بعدك".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 5560، فتح الباري 10/19، كتاب الأضاحي، باب الذبح بعد الصلاة، واللفظ له.
ومسلم في صحيحه 3/1553، كتاب الأضاحي، باب وقتها برقم:1960.

(8/4011)


قال إسحاق: بل يذبحون إذا طلع الفجر، إلاّ أن يكون يصلي فيها إمام. 1
__________
1 قال ابن حجر: قال أحمد وإسحاق: "إذا فرغ الإمام من الصلاة جازت الأضحية". فتح الباري 10/21.
ونقل ابن قدامة عن الإمام إسحاق أنّ شرط جواز التضحية في حقّ أهل المصر صلاة الإمام وخطبته. المغني 8/637.
قال النووي: قال أحمد: لا يجوز -ذبح الأضحية- قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام، وسواء عنده أهل القرى، والأمصار، ونحوه عن الحسن البصري والأوزاعي وإسحاق بن راهويه.
[] انظر المجموع 8/389، وشرح صحيح مسلم للنووي 13/110-111.

(8/4012)


[حدّثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا النضر بن شميل، 1 حدّثنا الأشعث 2 عن الحسن، أنّه كان يكره أن يذبح قبل صلاة الإمام لمصلٍّ أو لغيره.
وسئل الحسن عن رجل صلّى في مسجد الجامع، ثمّ ذبح قبل
__________
1 هو النضر بن شميل المازني، أبو الحسن النحوي، نزيل مرو. ثقة ثبت، مات سنة أربع ومائتين، وله اثنتان وثمانون سنة.
انظر: تهذيب التهذيب 10/437، وتقريب التهذيب صـ357، ووفيات الأعيان 5/397، الكاشف 3/203 وبغية الوعاة صـ404.
2 هو أشعث بن عبد الملك الحمراني - بضمّ المهملة - منسوب إلى حمران مولى عثمان ابن عفّان رضي الله عنه، بصري، يكنّى أبا هانئ، ثقة فقيه. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، وقيل سنة ستّ وأربعين ومائة.
انظر: تهذيب التهذيب 1/357، تقريب التهذيب صـ37، تهذيب الكمال 3/277، الكاشف 1/135 وميزان الاعتدال 1/266.

(8/4013)


صلاة الإمام، قال: يعيد] . 1
[2854-] قلت: يذبح بعد الصلاة والإمام يخطب بمصر؟
قال: حتّى ينصرف الإمام. 2
قال إسحاق: كلّما فرغ الإمام 3 من الخطبة حلّ الذبح. 4
[2855-] قلت: يذبح الشاة عن أهل بيته؟
قال: قد قال 5 ذلك أبو هريرة [رضي الله عنه] ، 6 وحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أمته. 7
__________
1 انظر قول الحسن البصري رحمه الله في: شرح مسلم للنووي 13/111، والمجموع 8/389.
2 في العمرية بحذف "الإمام".
3 في العمرية بلفظ "الأمير".
4 سبق تحقيق هذه المسألة ضمن المسألة السابقة (2853) .
5 في العمرية بلفظ "فعل".
6 عن عكرمة قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه يجيء بالشاة فيقول أهله: وعنا؟ فيقول: وعنكم.
رواه البيهقي في السنن الكبرى 9/269، كتاب الضحايا، باب الرجل يضحي عن نفسه، وعن أهل بيته.
7 عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: "بسم الله والله أكبر هذا عنّي، وعمن لم يضح من أمتي".
رواه أبو داود في سننه 3/99، كتاب الأضاحي، باب في الشاة يضحّى بها عن جماعة برقم: 2810 واللفظ له.
والترمذي في سننه 4/100، كتاب الأضاحي، باب 22 حديث رقم: 1521.
والدارقطني في سننه 4/285، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك برقم: 51.
والحاكم في المستدرك 4/229، كتاب الأضاحي، من الطريق السابق، وذكر عدة أحاديث بطرق أخرى وقال: هذه الأحاديث كلّها صحيحة الأسانيد في الرخصة في الأضحية بالشاة الواحدة عن الجماعة التي لا يحصى عددهم، خلاف من يتوهّم أنّها لا تجزئ إلاّ عن الواحد.
قال الألباني: وأقرّه الذهبي، وهو كما قالا، فإنّ رجاله كلّهم ثقات، وإنّما يخشى من تدليس المطلب، وقد عنعنه في رواية الترمذي وغيره فلعله استغربه من أجلها، لكن قد صرّح بالتحديث في رواية الطحاوي وغيره، فزالت بذلك شبهة تدليسه. إرواء الغليل 4/350.
ونقل عبد الله مثل هذه الرواية عن أبيه في مسائله صـ262 برقم: 971.
وسأله ابن هانئ عن الرجل يضحّي عن أهل بيته؟ قال: لا بأس أن يضحّي بالكبش عن أهل بيته. وذكر الحديث

(8/4014)


السابق. مسائل ابن هانئ 2/130 برقم: 1737.
قال ابن قدامة: ولا بأس أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة أو بقرة، أو بدنة. نصّ عليه أحمد. المغني 8/620.
وقال المرداوي: وتجزئ الشاة عن الواحد بلا نزاع، وتجزئ عن أهل بيته، وعياله على الصحيح من المذهب نصّ عليه. وعليه أكثر الأصحاب، قطع به كثير منهم.
الإنصاف 4/75، وراجع: الفروع 3/541، والمبدع 3/278.

(8/4015)


قال إسحاق: كما قال. 1
2856 - قلت: البقرة عن سبعة من غير أهل البيت؟
قال: أي والله، 2 اشترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا من أهل البيت. 3
__________
1 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله الترمذي فقال بعد ذكر حديث عبد الله بن جابر رضي الله عنه السابق: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجّا بحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه ضحّى بكبش فقال: عمّن لم يضحّ من أمّتي. سنن الترمذي 4/91.
وراجع: المغني 8/620، وأضواء البيان 5/639، واختلاف الصحابة والتابعين وأئمّة المجتهدين، لوحة رقم: 133.
2 قال الخرقي: وتجزئ البدنة عن سبعة، وكذلك البقرة. مختصر الخرقى ص212.
قال ابن قدامة: إذا ثبت هذا: فسواء كان المشتركون من أهل بيت أو لم يكونوا، مفترضين، أو متطوعين، أو كان بعضهم يريد القربة، وبعضهم يريد اللحم، لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه، فلا تضره نية غيره. المغني 8/620.
قال المرداوي: وهذا المذهب. نص عليه. الإنصاف 4/76.
وراجع: المبدع 3/278، والكافي 1/472، وتقدم في المناسك في المسألة رقم: (1499) أن البقرة والبدنة تنحر عن سبعة.
3 يشير إلى ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة.
الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 2/955، كتاب الحج -، باب الاشتراك في الهدي، وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة برقم:1318، من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

(8/4016)


قال إسحاق: لا يعجبني بأن 1 يخرج ذلك إلى غير أهل البيت، لما ذكر عن [أصحاب] النبي صلى عليه وسلم ذلك.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم مجمل، مع أن أولئك مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا 2 يقاسمون اللحم. فلو 3 كان اليوم قوم يفعلون ذلك، وهم غير أهل البيت. لجاز ذلك أيضاً. 4
__________
1 في العمرية بلفظ:" أن".
2 في العمرية بلفظ:" مع أن أولئك مع النبي صلى الله عليه وسلم يقاسمون اللحم ".
3 في العمرية بحذف "الفاء" من " فلو كان".
4 لعله يريد أن يقول: إنهم إذا كانوا يريدون النسك فالاشتراك جائز، وإن كان بعضهم يريد النسك، وبعضهم اللحم لم يجز. وهذا القول يوافق مذهب الحنفية، وقول الإمام مالك. فقد قال: أحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة أن الرجل ينحر عنه وعن أهل بيته البدنة، وتذبح البقرة والشاة الواحدة وهو يملكها ويذبحها عنهم ويشركهم فيها. فأما أن يشتري النفر البدنة أوالبقرة أوالشاة يشتركون فيها في النسك، والضحايا، فيخرج كل إنسان منهم حصة من ثمنها، وتكون له حصة من لحمها، فإن ذلك يكره، وإنما سمعت الحديث أنه لا يشترك في النسك، وإنما يكون عن أهل البيت الواحدة.
انظر: معالم السنن 2/389، والل، باب في شرح الكتاب 1/223، والمنتقى للباجي 3/98.
ونقل ابن حزم عن الإمام إسحاق رحمه الله مثل قول الإمام أحمد رحمه الله فقال: قال سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو سليمان: تجزئ البقرة، أو الناقة عن سبعة فأقل، أجنبيين وغير أجنبيين، يشتركون فيها، ولا تجزئ عن أكثر. المحلّى 7/381.
وتقدم في المناسك في المسألة رقم: (1499) قول إسحاق: إن البدنة والبقرة تنحر عن سبعة وإن نحر البدنة عن عشرة أجزأه.

(8/4017)


[2857-] قلت: كم الأضحى؟ [ثلاثة أيام] .
قال: ثلاثة أيام، يوم النحر، ويومان بعده 1.
قال إسحاق: كما قال.
[2858-] قلت: يذبح في الأيام بالليل؟
__________
1 نقل ابن قدامة مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قال أحمد: أيام النحر ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
المغني 8/638، وراجع: المبدع 3/284.
قال المرداوي تعليقاً على عبارة المقنع: إلى آخر يومين من أيام التشريق. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
الإنصاف 4/86، وراجع: الفروع 3/546.
روي مثل هذا القول عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم.
[] المحلّى 7/377-378، والمجموع 8/390

(8/4018)


إنما قيل يومان بعد [يوم] النحر، لم يقل بالليل. 1
قال إسحاق: كلما كان بعد ليلة الأضحى في الليالي التي ينحر في أيامها فلا بأس. 2
[2859-] قلت: 3 سئل علي رضي الله عنه عن القرن؟
__________
1 للإمام أحمد رحمه الله في الذبح في الأيام بالليل روايتان:
إحداهما: أن الذبح لا يجزئ في ليلتي يومي التشريق. نص عليه في رواية الأثرم، واختارها جماعة منهم الخلال قال: وهي رواية الجماعة. الإنصاف 4/87.
[1-] ووجه هذه الرواية قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} . سورة الحج الآية (28) .
[2-] وما رواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالليل". رواه ابن حزم في المحلى 7/379.
[3-] ولأن الليل تتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب، فلا يفرق طرياً، فيفوت بعض المقصود. المغني 8/639.
والثانية: أن الذبح يجوز ليلاً ويجزئ. وهو صحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب: منهم القاضي أبو يعلي الفراء، وأصحابه.
المغني 8/639، والإنصاف 4/87، والمبدع 3/385، والفروع 3/546.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 8/639، والمجموع 8/391، وتفسير القرطبي12/44.
3 في العمرية بلفظ: " قلت: قول علي رضي الله عنه سئل عن القرن فقال: لا يضرك".

(8/4019)


فقال: لا يضرك.
قال: 1 العرجاء؟
قال: إذا بلغت المنسك 2.
قال: يعني لا بأس [ظ-90/أ] بالمكسورة القرن. 3
وإذا بلغت المنسك.
[قال: إذا بلغت المنحر] . 4
__________
1 في العمرية بلفظ: "قلت: العرجاء"، والصواب ما أثبته، لأنه جزء من الأثر الذي سأذكره في التعليق التالي.
2 عن حجية بن عدي قال: أتى رجل علياً، فسأله عن المكسورة القرن، فقال: " لا يضرك" قال: عرجاء؟ قال: "إذا بلغت المنسك. أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن".
الحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/170، كتاب الصيد والذبائح والأضاحي، باب العيوب التي لا تجوز الهدايا والضحايا إذا كانت بها، من طريق سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي به.
ورواه الترمذي في سننه 4/90، كتاب الأضاحي، باب التضحية بعضباء القرن والأذن- حديث رقم: 1503 من طريق علي بن حجر عن شريك عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي عن عدي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
3 هذا التفسير من قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
[] راجع: الإنصاف 4/78-79، والمغني 8/634، والمبدع 3/279، والفروع 3/542.
4 هذه الجملة التي بين القوسين من قول راوي الكتاب عن الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وهو إسحاق بن منصور الكوسج رحمهم الله تعالى. والجملة انفردت بها النسخ العمرية.

(8/4020)


قال: إذا بلغت المنحر.
قال إسحاق: كما قال. 1
[2860-] قلت: إذا اشترى الضحية 2 صحيحة، فأصابها مرض، أو عور أو كسر؟
قال: يقال إنها تفي. 3
قال إسحاق: كما قال، لأنه اشترى على الصحة، ثم
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في مقادير العيوب التي لا تجوز معها الأضحية، في: معالم السنن للخطابي 4/107.
2 في العمرية بلفظ:" أضحية".
3 نقل صالح نحو هذه الرواية عن أبيه فقال: قلت: الأضحية إذا اشتراها فأعورت، أو عجفت؟ قال: يذبحها تجزيه. مسائل صالح ص151.
قال ابن قدامة: إنه إذا أوجب أضحية صحيحة سليمة من العيوب، ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء، ذبحها وأجزأته. روي هذا عن عطاء والحسن، والنخعي، والزهري، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق.
المغني 8/626، وراجع الإنصاف 4/98، والمبدع 3/292، ومختصر الخرقي ص213.

(8/4021)


أصابها [ذلك] بعد [ذلك] ، فهي وافية عنه. 1
[2861-] قلت: قول علي [رضي الله عنه] لا مقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء ولا خرقاء. 2
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 8/626.
ودليل هذه المسألة: ما رواه محمد بن قرظه، عن أبي سعيد الخدري قال: اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ الإلية، قال: فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ضح به".
الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 3/32.
وابن ماجه في سننه 2/1051، كتاب الأضاحي باب: من اشترى أضحية صحيحة فأصابها عنده شيء برقم: 3146. في الزوائد في إسناده جابر الجعفي، وهو ضعيف قد اتهم.
قال الدميري: قال ابن حزم: هو أثر روي عن جابر الجعفي، وهو كذّاب. انظر: سنن ابن ماجة 2/1051.
2 عن علي رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذنين، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء"، قال زهير: فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء؟ قال: لا، قلت: فما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن. قلت: فما المدابرة؟ قال: يقطع من مؤخرة الأذن. قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن. قلت: فما الخرقاء؟ قال: تخرق أذنها للسمة".
[] رواه أبو داود في سننه 3/97-98، كتاب الأضاحي باب: ما يكره من الضحايا حديث رقم:2804.
والترمذي في سننه 4/86، كتاب الأضاحي باب: ما يكره من الأضاحي برقم: 1498.
والنسائي في سننه 7/217، كتاب الضحايا، باب: ما نهي عنه من الأضاحي.
وابن ماجه في سننه 2/1050، كتاب الأضاحي، باب: ما يكره أن يضحي به، حديث رقم: 3142.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 4/87.

(8/4022)


قال: هذا كله في الأذن. 1
قال إسحاق: كما قال. 2
[2862-] قلت: إن شاء لم يأكل من ضحيته؟
قال: إن شاء، ولكن يستحب أن يأكل. 3
__________
1 قال ابن قدامة رحمه الله: وتكره المعيبة الأذن بخرق، أو شق، أو قطع، لأقل من النصف. المقنع 1/474.
وقال المرداوي: وكذا الأقل من الثلث: وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، ونقله الجماعة في أقل من الثلث، وفي الخرق والشق.
[] الإنصاف 4/79، وراجع: المغني 8/624-625.
2 قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله: إذا كان الثلث فما دونه أجزأ، وإن كان أكثر من الثلث لم يجزه.
معالم السنن 4/107، وراجع: اختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم: 134.
3 قال الخرقي: الاستحباب: أن يأكل ثلث أضحيته، ويتصدق بثلثها، ويهدي ثلثها. ولو أكل أكثر جاز. مختصر الخرقي ص213.
وقال الرحيباني صاحب مطالب أولي النهى: وكان من شعار الصالحين تناول لقمة من نحو كبدها - أي الأضحية - تبركاً، وخروجاً من خلاف من أوجب الأكل.
مطالب أولي النهى 2/474. وراجع: مسائل عبد الله ص262 برقم: 970، والمغني 8/632، والكافي 1/474 والمقنع 1/481، والفروع 3/554، والمبدع 3/296، والإنصاف 4/103.

(8/4023)


قال إسحاق: يستحب أن يأكل من الأضحية أول ذلك من كبدها. 1
__________
1 نقل النووي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: الأكل من أضحية التطوع، وهديته سنة، ليس بواجب، وهذا مذهبنا، ومذهب أبي حنيفة، والجمهور، وأوجبه بعض السلف…
وممن استحب أن يأكل ثلثاً ويتصدق بثلث ويهدي ثلثاً: ابن مسعود وعطاء وأحمد وإسحاق.
المجموع 8/419 وراجع: المغني 8/632.
وفي حديث جابر رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك علياً في هديه قال: ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها".
الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 2/886، كتاب الحج باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم ضمن حديث طويل، وهذا جزء منه. برقم: 1218 والجزء المستدل به يقع في ص892.
ولما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية قال: "ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدّق على السؤال بالثلث"
قال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن.
الحديث أورده ابن قدامة في: الكافي 1/474، وفي: المغني 8/632.
وقال الألباني: "لم أقف على سنده لأنظر فيه، وقد حسن، وما أراه كذلك." وعلق على تحسين أبي موسى الأصفهاني له في، كتاب الوظائف بقوله: لا أدري، أراد بذلك حسن المعنى أم حسن الإسناد؟ والأوّل هو الأقرب. إرواء الغليل 4/374.

(8/4024)


[2863-] قلت: من كره الخصي؟
قال: أرجو ألاّ يكون به بأس. 1
__________
1 قال البهوتي: ويجزئ الخصي التي قطعت خصيتاه أو سلّتا، أو رضّتا، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين موجوءين، والوجاء رضّ الخصيتين. ولأنّ الخصاء إذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويسمن، فإن قطع ذكره مع ذلك - أي مع قطع الخصيتين، أو سلهما، أو رضهما - لم يجز، وهو الخصي المجبوب. نصّ عليه. كشاف القناع 3/6.
قال المرداوي: ولو كان خصياً مجبوباً، فالصحيح من المذهب أنّه لا يجزئ، نصّ عليه.
الإنصاف 4/81. وراجع: المغني 8/625، والكافي 1/474.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجَأَيْن" الحديث.
الحديث رواه أبو داود في سننه 3/95، كتاب الضحايا، واللفظ له، باب ما يستحبّ من الضحايا برقم: 2795.
وابن ماجه في سننه 2/1043، كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم: 3121.
قال المنذري: "في إسناده محمّد بن إسحاق." مختصر سنن أبي داود 4/101.

(8/4025)


قال إسحاق: إنّما يكره 1 أن يخصى في الإسلام، فأمّا إذا أخرجوه من أرض الروم وقد أخصوا فلا بأس أن يشتريه، وشهادته وكلّ أمره إذا كان عدلاً كسائر المسلمين. 2
[2864-] قلت: هل تجز 3 الضحية؟
قال: إذا كان ذلك 4 ضرراً بها فذاك 5 مكروه إلاّ أن 6 يطول
__________
1 في الظاهرية بلفظ "كره".
2 وتقدم تحقيق قول الإمامين، أحمد وإسحاق، في كراهة إخصاء الدواب في المسألة رقم: (896) .
قال القرطبي: "ولم يختلفوا أنّ خصاء بني آدم لا يحلّ ولا يجوز، لأنّه مثلة وتغيير لخلق الله تعالى، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حدّ ولا قود." أحكام القرآن للقرطبي 5/391.
3 في العمرية بلفظ "تجوز" بدل "تجز"، والصواب ما أثبته لموافقة السياق. يقال: جزّ الشعر والحشيش جزاً وجزة حسنة، فهو مجزوز وجزيز: قطعه.
وقال في المصباح المنير: جززت الصوف جزاً من، باب قتل: قطعته. القاموس المحيط 2/169 والمصباح المنير صـ1/99.
4 في العمرية بلفظ "ذاك" بدل "ذلك".
5 في العمرية بحذف لفظ "ذاك"، وجاء بدلها "قال"، والصواب ما أثبته، لأنّه جواب الشرط، ولا داعي لتكرار "قال".
6 في العمرية بلفظ "إلاّ يطول صوفها" بحذف "أن".

(8/4026)


صوفها. 1
قال إسحاق: كما قال، لا ينقصنّ المسلم [شيئاً] منها، صوفاً كان أو غيره، حتّى يدعها بكمالها حسناً جميلاً. 2
[2865-] قلت: الجواميس 3 تجزئ عن سبعة؟
قال: لا أعرف خلاف هذا.
قال الحسن: تذبح عن سبعة. 4
__________
1 قال ابن قدامة: "وأمّا صوفها فإن كان جزه أنفع لها، مثل أن يكون في زمن الربيع تخف بجزه وتسمن، جاز جزه ويتصدّق به، وإن كان لا يضر بها لقرب مدة الذبح، أو كان بقاؤه أنفع لها لكونها يقيها الحرّ والبرد، لم يجز له أخذه، كما أنّه ليس له أخذ بعض أجزائها. المغني 8/630.
2 في الظاهرية بلفظ "جملاً".
3 الجاموس نوع من البقر كأنّه مشتقّ من ذلك لأنّه ليس فيه لين البقر في استعماله في الحرث والزرع والدياسة. معرب كاوميش، وهي فارسية.
لسان العرب 4/122، والمصباح المنير صـ1/108.
4 قال البهوتي: "والجواميس فيهما - أي في الهدي والأضحية - كالبقر في الإجزاء والسن، وإجزاء الواحدة عن سبعة، لأنّها نوع منها." كشاف القناع 2/533.
وقد تقدّم تحقيق حكم الاشتراك في البقرة في المسألة رقم: (2856) .
لم أعثر على قول الحسن البصري رحمه الله فيما رجعت إليه من مراجع، إلاّ أنّ ابن قدامة نقل عنه قوله: "إنّ البدنة تجزئ عن سبعة، وكذلك البقرة." المغني 8/620.

(8/4027)


قال إسحاق: كما قال.
[2866-] قلت: تستبدل الضحية؟
قال: نعم بخير منها. 1
__________
1 نقل عبد الله عن أبيه مثل هذه الرواية فقال: "قلت لأبي: إذا اشترى الرجل الشاة فأراد أن يستبدل ما هو خير منها؟ قال: لا بأس". مسائل عبد الله صـ266، برقم: 970.
ونقل ابن هانئ مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد في مسائله عنه. صـ129، برقم: 1732.
قال الخرقي: "ويجوز أن يبدل الأضحية إذا أوجبها بخير منها." مختصر الخرقي صـ213.
قال ابن قدامة: "هذا المنصوص عن أحمد، وبه قال عطاء، ومجاهد، وعكرمة، ومالك، وأبو حنيفة ومحمّد بن الحسن."
واختار أبو الخطاب أنّه لا يجوز بيعها، ولا إبدالها؛ لأنّ أحمد نصّ في الهدي إذا عطب أنّه يجزئ عنه، وفي الأضحية أنّه إذا هلكت، أو ذبحها فسرقت، لا بدل عليه، ولو كان ملكه ما زال عنها، لزمه بدلها في هذه المسائل.
وقال المرداوي: "والصحيح من المذهب أنّه يجوز له نقل الملك فيه وشراء خير منه. نقله جماعة عن أحمد، وعليه أكثر الأصحاب."
المغني 8/635، الفروع 3/548 والإنصاف 4/89. وراجع: المبدع 3/287 والمحلّى 7/375.

(8/4028)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2867-] قلت: إذا ذبح الرجل أضحيةَ غيره غلط بها، يجزيه وقد ضمن، ولا تجزئ عن الآخر؟
قال أحمد: يترادان اللحم وقد أجزأ عنهما [جميعاً] إذا ذبح هذا أضحية هذا، وهذا أضحية هذا. 2
__________
1 قال النووي رحمه الله: "إنّه إذا نذر هدياً معيّناً سليماً، ثمّ تعيب لا يلزمه إبداله، وبه قال عبد الله بن الزبير، وعطاء، والحسن، والنخعي، والزهري، والثوري، ومالك، وإسحاق." المجموع 8/368.
وراجع: السنن الكبرى للبيهقي 9/289.
واستدلّ القائلون بجواز استبدال الأضحية بخير منها بما روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ساق مائة بدنة في حجّته، وقدم علي رضي الله عنه من اليمن فأشركه فيها. رواه مسلم، وتقدّم تخريجه في المسألة. وقالوا: هذا نوع من الهبة أو البيع.
ولأنّه عدل عن عين وجبت لحق الله تعالى إلى خير منها من جنسها فجاز، كما لو وجبت عليه بنت لبون فأخرج حقّة في الزكاة. المغني 8/636.
2 قال ابن رجب رحمه الله: "إذا عين أضحية فذبحها غيره بغير إذنه، أجزأت عن صاحبها، ولم يضمن الذابح شيئاً. نصّ عليه، لأنّها متعينة الذبح ما لم يبدلها، وإراقة دمها واجب، فالذابح قد عجل الواجب، فوقع موقعه. قواعد ابن رجب صـ222.
وقال الشيخ مرعي بن يوسف رحمه الله: "وإن ذبحها ذابح في وقتها بلا إذن فإن نواها عن نفسه مع علمه أنّها أضحية الغير، أو فرق لحمها لم تجزئ، وضمن ما بين القيمتين إن لم يفرق لحمها، وقيمتها إن فرقه. وإن لم يعلم أجزأت - أي عن صاحبها - لعدم افتقار نيّة الذبح، ولا ضمانَ. فلو ضحّى اثنان، كلّ بأضحية الآخر غلطاً كفتهما، ولا ضمان، وإن بقي اللحم تراداه.
غاية المنتهى 1/433. وراجع: الفروع 3/551 والمغني 8/642.

(8/4029)


قال إسحاق: كما قال أحمد سواء. كذلك قال الحسن 1 وقتادة.
[2868-] قلت: سئل سفيان عن ذبيحة المرتدّ؟ 2
قال: يكرهونها. 3
قال [أحمد] : صدق، لأنّه لا يقرّ على دين.
قال إسحاق: 4 كما قلت أوّلاً.
__________
1 هو: الحسن البصري. ولم أعثر على قوله وقول قتادة رحمهما الله فيما رجعت إليه من المراجع.
2 في العمرية بحذف جملة: "عن ذبيحة المرتدّ".
3 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله في: بداية المجتهد 1/330 والمجموع 9/79.
قد سبق تحقيق مثل هذه المسألة وتوثيق قول الإمامين، أحمد وإسحاق، رحمهما الله، وذكر رأي سفيان الثوري، ومذاهب العلماء في المسألة رقم: (2820) .
وكان السؤال موجّهاً إلى الإمام أحمد رحمه الله، أمّا هنا فإنّ جامع هذه المسائل يعرض رأي سفيان الثوري على الإمام أحمد ليأخذ رأيه فيه.
4 في العمرية بحذف "إسحاق".

(8/4030)


[2869-] قلت: قال: سألت سفيان عن الرجل المسلم يدفع إليه المجوسي الشاة يذبحها لآلهته فيذبحها، ويسمّي أيأكل منه المسلم؟
قال: لا أرى به بأسا.
قال أحمد: صدق. 1
__________
[1] من أول المسألة إلى موضع الرقم، نقله الخلال في كتابه أحكام أهل الملل: ص 167-168.
وأشار ابن قدامة إلى هذه الرواية فقال: فأما ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم فننظر فيه: فإن ذبحه لهم مسلم فهو مباح، نصّ عليه. وقال أحمد وسفيان الثوري في المجوسي يذبح لإلهه، ويدفع الشاة إلى المسلم يذبحها فيسمّي، يجوز الأكل منها. انظر: المغني 8/568.
ونقل مثل هذه الرواية إسماعيل بن سعيد، قال: سألت أحمد عن ما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم. قال: لا بأس به.
[] أحكام أهل الملل صـ165، والمغني 8/568-569.
وقال في المقنع: وإن ذبح لعيده، أو ليتقرّب به إلى شيء مما يعظمونه، لم يحرم. المقنع 3/543.
قال المرداوي: نص عليه وهو المذهب. الإنصاف: 10/408.
ما تقدم رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وله رواية ثانية في المسألة فقد قال عبد الله، قلت لأبي: فرجل يذبح للكوكب؟ قال: لا يعجبني، أكره كل شيء يذبح لغير الله. مسائل عبد الله ص 266 مسألة رقم 985.
وقال حنبل سمعت أبا عبد الله قال: لا يأكل، يعني ما ذبح لأعيادهم وكنائسهم، لأنه أهل لغير الله به. وهو قول ميمون بن مهران ومجاهد وطاوس.
انظر: المغني: 8/569، وأحكام أهل الذمة 1/253.
واختار هذه الرواية القائلة بتحريم ما ذبح لأعيادهم، وآلهتهم الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال ابن عقيل رحمه الله: عندي أنه يكون ميتة، لأنه أهلَّ به لغير الله تعالى.
انظر: الإنصاف: 1/409، والاختيارات الفقهية ص 324، وحاشية المقنع 3/544.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى والموافقة لقول الإمام إسحاق رحمه الله هي الرواية الموافقة للأدلة الشرعية، ولمقتضى الشرع والتي تطمئن إليها نفس المؤمن.
ولا يسع المسلم الذبح على تلك الحالة التي يطلبها منه المجوسي، لما جاء من الآيات والأحاديث الزاجرة عن الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله، وإن ذبحه المسلم على الصفة المذكورة في المسألة، فإنه لا يحل أكله

(8/4031)


قال إسحاق: لا يسع المسلم ذبحها على هذه الحال وأكره أكلها. 1
[2870-] قلت: سئل سفيان عن لحوم الحيات. فكرهها.
فقال الذي سأله: أحلال أم 2 حرام؟
__________
1 انظر رأي الإمام إسحاق رحمه الله تعالى في حكم ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم
في: المجموع 9/78.
2 في الظاهرية بلفظ "أو"، والصواب ما أثبته، لأن "أم" هنا هي المتصلة التي يطلب بها، وبالهمزة قبلها التعيين، وهي تعادل الهمزة في إفادة الاستفهام ولذا سميت معادلة.
انظر: مغنى اللبيب لابن هشام الطبعة الهندية: 1/40.

(8/4032)


قال: مكروه. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم السباع، 1 وهي 2 شر من السباع.
قال أحمد: ما أحسن ما قال.
قال إسحاق: كما قال.
[2871-] قلت: سئل [ع-161/أ] الأوزاعي عن أكل الذبان؟ 3
قال: إن طابت نفسه فليأكلها. 4
__________
1 عن أبي ثعلبة رضى الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع."
أخرجه البخاري في صحيحيه برقم: 5530، فتح الباري: 9/667، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع.
ومسلم في صحيحيه: 3/1533، كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، حديث رقم 1932.
وقد سبق تحقيق مثل هذه المسألة في المسألة رقم: (2832) .
2 في العمرية بلفظ "وهي من شر السباع".
3 في النسخة العمرية بلفظ "الذباب".
4 انظر رأي الأوزاعي في أكل الحشرات في: المغني 8/585، وتفسير القرطبي 7/120، وفقه الإمام الأوزاعي 1/473.
نقل القاضي أبو يعلى نصّ هذه الرواية فقال: نقل إبراهيم وابن منصور في الذ، باب ما أراه حراماً. الروايتين لوحة رقم 199.
وللإمام أحمد في حكم أكل الذ، باب روايتان:
إحداهما: تحرم الذباب، قال المرداوي وهو الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب وجزم به في الكافي وغيره، وصححه في الفروع، والنظم.
والثانية: لا يحرم.
[] انظر: الإنصاف10/359-360، والكافي: 1/490، والفروع: 6/498، والمبدع: 9/197، وكشاف القناع: 6/191، ومطالب أولي النهى: 6/312.

(8/4033)


قال أحمد: لا أراه حراما. 1
قال إسحاق: 2 تركه خير، لأنه ليس من الأشياء التي ينتفع بها.
[2872-] قلت: سئل سفيان عن صيد كلب اليهودي والنصراني فلم ير به بأساً، وكره صيد كلب المجوسي. 3
__________
1 والذي يترجح لي في حكم الذباب، وما ماثله من الحشرات: أنها أقرب إلى الخبائث منها إلى الطيبات، ويضاف إلى ذلك عدم إمكان تذكيتها، فتكون في حكم الميتة، ولأنها ليست جراداً ولا سمكاً لتدخل في الميتة المباحة.
راجع: المحلى: 7/405، والصيد والذبائح ص 90.
2 في العمرية بحذف "إسحاق".
3 عن أبي بكر قال: سمعت وكيعاً يقول: سمعت سفيان يكره صيد كلب المجوسي حتى يأخذ من تعليم المسلم.
الأثر رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/362، كتاب الصيد. في صيد كلب المشرك، والمجوسي، واليهودي، والنصراني.
انظر: المجموع للنووي: 9/97، والمغني: 8/551.

(8/4034)


قال أحمد: إذا كان المسلم يرسله، ويجيبه على ما يريد فما بأس به.
قال إسحاق: كما قال. 1
[2873-] قلت: سئل سفيان عن شاة ميته في ضرعها لبن؟
قال: لا يعجبني لأنه في طرف ميت.
قال أحمد: صدق. 2
قال إسحاق: كما قال.
[2874-] قلت: سئل عن رجل رمى صيداً بسهم مسموم؟
__________
1 قد سبق تحقيق مثل هذه المسألة وتخريج قول الإمامين أحمد وإسحاق في المسألة رقم: (2837) .
2 للإمام أحمد رحمه الله في اللبن الذي في ضرع الميتة روايتان:
إحداهما: أن لبن الميتة نجس، وهو المذهب، وعليه الأصحاب.
والثانية: أنه طاهر مباح، اختار هذه الرواية الشيخ تقي الدين. انظر: المغني: 1/74، والإنصاف: 1/92، والمقنع: [1/25-26،] وحاشية المقنع: 1/26، ومجموع الفتاوى: 21/103.

(8/4035)


قال: إذا رأى أن السم أعان على قتله فلا يأكله. 1
قال أحمد: إذا علم أن السمّ أعان على قتله فلا يأكله. 2
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في العمرية بلفظ "إذا رأى أن سهمه الذي قتله فلا يأكل".
2 نقل المرداوي هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: نقل ابن منصور إذا علم أنه أعان، لم يأكل. الإنصاف: 10/421.
قال الخرقى:"لا يؤكل الصيد إذا رمي بسهم مسموم، وإذا علم أن السم أعان على قتله." مختصر الخرقي ص 211.
قال ابن قدامه: إنما كان كذلك، لأن ما قتله السم محرم، وما قتله السهم وحده مباح. فإذا مات بسبب مبيح ومحرم حرم، كما لو مات برمية مسلم، ومجوسي، أو قتل الصيد كلب معلم، وغيره، أو وجد مع كلبه كلباً لا يعرف حاله. المغني: 8/606.
وقال المرداوي: أما إن علم أن السم لم يعن على قتله، لكون السهم أوحى منه فمباح. الإنصاف: 10/422.
وقال ابن مفلح نقلاً عن الفصول: إذا رمى بسهم مسموم لم يبح، لعل السم أعان عليه.
الفروع: 6/324، وراجع: المقنع: 3/548، والمبدع: 9/237.
الوحا: السرعة، يمد، ويقصر، وموت وحي مثل سريع وزنا ومعنى فعيل بمعنى فاعل، وذكاه وحية: أي سريعة. ويقال: وحيت الذبيحة أَحِيَها من، باب وعد أيضاً ذبحها ذبحاً وحياً. المصباح المنير: 2/652.

(8/4036)


[2875-] قلت: بقرة شربت خمرا ثم ذبحت يؤكل من لحمها؟
قال أحمد: ما يعجبني. 1 ابن عمر [رضي الله عنهما] كره
__________
1 نقل ابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد في مسائله فقال: سألت أبا عبد الله عن بقرة شربت خمراً، أيحل أكلها؟ قال فيه اختلاف، وأرى: أن ينتظر بأكلها أربعين يوماً.
مسائل ابن هانئ: 2/132 برقم: 1745. وراجع: الفروع: 6/300.
وقد تقدم الكلام عن أكل لحوم الجلالة في المناسك في المسألة رقم: (1533) .
وللإمام أحمد رحمه الله في حكم أكل الجلالة روايتان:
إحداها: تحرم الجلالة، وهي التي أكثر علفها النجاسة. وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
والثانية: يكره، ولا يحرم.
الإنصاف 10/366. وراجع: المغني 8/593 والكافي 1/490.
وهذه المسألة ترجع في حكمها إلى اختلاف الأوجه لدى الفقهاء في نجاسة الخمر، والمسكرات.
ونقل شيخ الإسلام هذه الأوجه فقال: وتنازعوا في نجاستها على ثلاثة أوجه في مذهب أحمد وغيره: فقيل: هي نجسة، وقيل: ليست بنجسة، وقيل: رطبها نجس كالخمر، ويابسها ليس بنجس.
والصحيح: أن النجاسة تتناول الجمع، كما تتناول النجاسة جامد الخمر ومائعها.
مجموع الفتاوى: 34/206.
فعلى القول بنجاسة الخمر، فإن الدابة التي شربت الخمر أو تعلف بالمخدرات تأخذ حكم الجلالة.

(8/4037)


الجلالة 1 وكان يحبسها حتى تطيب بطنها. 2
قال إسحاق: لا بأس أن يؤكل لحمها بعد أن يغسل غسلا جيدا. 3
__________
1 الجلة بالفتح: البعرة، وتطلق على العذرة، والجلالة من الأنعام هي التي تأكل العذرة.
قال القاضي: هي التي أكثر علفها النجاسة، فإن كان أكثره الطاهر، فليست جلالة.
انظر: المصباح المنير ص106، والمطلع على أبواب المقنع ص382، والكافي 1/490.
قال النووي: الجلالة: هي التي أكثر أكلها العذرة، من ناقة أو بقرة، أو شاة، أو ديك أو دجاجة. المجموع 9/28.
وسبق تعريفها في المناسك في المسألة رقم 1533، ويتبين لنا من التعريف السابق للجلالة: أن البقرة التي شربت الخمر مرة واحدة، لا يطلق عليها اسم الجلالة، ولا تأخذ حكمها ويكتفى بغسل اللحم. هذا: إذا سلمنا القول بنجاسة الخمر.
2 قال النووي رحمه الله: روي عن ابن عمر رضى الله عنهما قال:"تعلف الجلالة علفا طاهراً، إن كانت ناقة أربعين يوماً، وإن كانت شاة سبعة أيام، وإن كانت دجاجة فثلاثة أيام."
[] المجموع: 9/28، وراجع: مصنف عبد الرزاق: 4/521-522، برقم: 8713-8717، والجامع لأحكام القرآن: 7/122.
3 نقل البغوي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: وكان الحسن لا يرى بأساً بأكل لحوم الجلالة، وهو قول مالك.
وقال إسحاق: لا بأس بأكلها بعد أن تغسل غسلاً جيداً.
شرح السنة: 11/354، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 7/122، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة: 135.

(8/4038)


[2876-] قلت: فأرة 1 وقعت في سمن أو زيت ذائب يحل بيعه أو يستصبح به؟
قال: أما 2 يستصبح به فحديث 3 ابن عمر [رضي الله عنهما] 4
وأما البيع فيأكل ثمن شيء لا يحل [بيعه] .
__________
1 في العمرية بلفظ "فإن " بدل "فأرة".
2 في العمرية بلفظ "إنما" بدل "أما".
3 في العمرية بلفظ "بحديث".
4 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن، أو الودك. فقال:"اطرحوها وما حولها، إن كان جامداً، فقالوا: يا رسول الله فإن كان مائعاً؟ قال:"فانتفعوا به ولا تأكلوه"
الحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى: 9/354، كتاب الضحايا، باب من أباح الاستصباح به، من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال البيهقي: والصحيح عن ابن عمر من قوله موقوفاً عليه غير مرفوع، ثم ساق الأثر التالي: عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في فأرة وقعت في زيت قال:"استصبحوا به، وادهنوا به أدمكم."
رواه البيهقي في السنن الكبرى: 9/354، كتاب الضحايا، باب من أباح الاستصباح به.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ساق الأثر ما نصه: "وهذا السند على شرط الشيخين، إلا أنه موقوف." فتح الباري: 9/670.

(8/4039)


قلت: ما أكثر ما يؤكل ثمن شيء لا يحل.
قال: إن هذا شابه شيئاً 1 من الميتة. 2
قال إسحاق: إن باعه من أهل الكتاب، وبين جاز.
ولا يبيعه [ظ-90/ب] من مسلم، ولو كان هذا من تحريم الله [عز وجل] ما حل بيعه أصلاً.
[2877-] قلت: هل 3 يضحي بالليل؟
__________
1 في العمرية بلفظ "شيء".
2 للإمام أحمد رحمه الله في بيع الأدهان المتنجّسة روايتان:
إحداهما: أنه يحرم بيع الأدهان المتنجسة، كالتي وقعت فيها فأرة وماتت فيه.
قال المرداوي: هذا المذهب مطلقا، وعليه جماهير الأصحاب.
والرواية الثانية: أنه يجوز بيعها لكافر يعلم نجاستها، لأنه يعتقد حل ذلك ويستبيح أكله.
وخرج أبو الخطاب وغيره جواز بيعها حتى لمسلم، من رواية جواز الاستصباح بها.
[] انظر: المغني: 8/610، والإنصاف: 4/281، والمبدع: 4/14-15، والفروع: 4/19، والكافي: 2/9.
وهذه المسألة تتعلق في حكمها بالاختلاف في نجاسة الدهن الذي وقعت فيه فأرة وماتت فيها، وقد سبق بحثها برقم (2844) من هذا البحث فارجع إليه.
3 في العمرية بحذف"هل".

(8/4040)


قال أحمد: كره 1 عامة الناس ذلك. 2
قال إسحاق: إنما ذلك ليلة الأضحى.
[2878-] قلت: سئل سفيان عن شاة خرق بطنها وفيها الروح؟
قال: تذبح، هذه 3 ذكية. 4
__________
1 في العمرية بلفظ"كرهه".
2 في العمرية بحذف"ذلك".
إذا كان المراد من السؤال الذبح ليلة عيد الأضحى، قبل طلوع فجر العاشر من ذي الحجة فإن الفقهاء الأربعة متفقون على أن الأضحية لا تجزئ، والشاة المذبوحة تعتبر شاة لحم.
انظر: بدائع الصنائع: 5/65، والمنتقى للباجي: 3/86، والمجموع للنووي: 8/378، والكافي: 1/472، والمغني: 8/636.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن الضحايا لا يجوز قبل طلوع الفجر من يوم النحر، الإجماع: ص 24.
وأما إذا كان المراد بالليل: الليالي التي ينحر في أيامها، فقد تقدم البحث فيه ضمن المسألة: (2858) .
3 في العمرية بلفظ: "هي".
4 نقل قول سفيان الثوري النووي نقلاً عن ابن المنذر فقال: قال ابن المنذر: روينا عن علي رضي الله عنه: إنْ أدركها وهي تحرّك يداً أو رجلاً، فذكّاها حلّت. قال: وروي معنى ذلك عن أبي هريرة، والشعبي والحسن البصري، وقتادة ومالك، وقال الثوري: إذا خرق السبع بطنها وفيها الروح، فذبحها. فهي ذكية. وبه قال أحمد وإسحاق. المجموع: 9/92.
وقد تقدم مثل هذه المسألة، وتوثيق قول الإمامين: أحمد وإسحاق رحمهما الله وتخريج قول ابن عباس رضي الله عنهما في المسألة رقم (2850) .

(8/4041)


قال أحمد: أرجو ألا يكون به بأس على قول ابن عباس [رضي الله عنهما] .
قال إسحاق: كما قال سفيان.
[2879-] قلت: سئل سفيان عن رجل ذبح، ولم يذكر اسم الله تبارك وتعالى متعمداً؟
قال: ما 1 أرى أن يأكل.
قيل: أرأيت إن كان يرى أنه 2 يجزئ عنه فلم 3 يذكر؟
قال: أرى أن لا يأكل. 4
__________
1 في العمرية بلفظ"قال أرى ألاّ يأكل" بحذف"ما" وزيادة"لا".
2 في الظاهرية بلفظ"أن".
3 في العمرية بلفظ"ما يذكر".
4 نقل الخطابي قول سفيان الثوري ضمن ذكره لأقوال أئمة المذاهب في المسألة فقال: واختلفوا فيمن ترك التسمية على الذبح عامداً أو ساهياً.
فقال الشافعي: "التسمية استحباب، وليس بواجب، وسواء تركها عامداً، أو ساهياً.
وقال الثوري وأهل الرأي وإسحاق: "إن تركها ساهياً حلت، وإن تركها عامداً لم تحل". وقال أبو ثور وداود: "كل من ترك التسمية عامداً كان، أو ساهياً فذبيحته لا تحل"، ومثله عن ابن سيرين، والشعبي. معالم السنن: 4/122.
[] وانظر قوله في: اختلاف الفقهاء لابن نصر المروزي لوحة رقم 76-77 والمغني: 8/565، وتفسير القرطبي: 7/75، وشرح السنة: 11/194.

(8/4042)


قال إسحاق: لا يأكل أصلاً، كل ذبيحة ترك المسلم التسمية عمداً وكذلك الصيد إذا رماه، وإنما أبيح النسيان فقط!
وقوله: تسمية اليهودي والنصراني إنما تأكل ذبيحتهم لما في الكتاب أن ذبائحهم حلال لنا. 1
[2880-] قلت: إذا ذبحت البقرة عن سبعة هل يسمون؟
قال: إن لم يسموا تجزئهم النية. 2
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني: 8/565، وتفسير القرطبي: 7/75، والمجموع: 9/78، وأحكام أهل الذمة لابن القيم: 1/249، ودلائل الأحكام للتميمي 5/621، وشرح السنة 11/194، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم: 131.
والمشهور من مذهب الإمام أحمد: أن التسمية شرط مع الذكر، وتسقط بالسهو. وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه.
وممن أباح ما نسيت التسمية عليه: عطاء، وطاوس، وسعيد بن المسيب والحسن، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، وربيعة.
انظر: المغني: 8/565، وتفسير القرطبي: 7/75، ومصنف عبد الرزاق: 4/479.
2 قال الخرقى: وليس عليه أن يقول عند الذبح عمن، لأن النية تجزئه. مختصر الخرقي ص 213.
قال ابن قدامه معلقاً: لا أعلم خلافا أن النية تجزيء، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن. قال الحسن يقول: بسم الله [] والله أكبر، هذا منك ولك، تقبل من فلان. انظر: المغني: 8/641-642.
والدليل على جواز ذكر اسم المضحىَّ عنه: ما جاء في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا عني وعمن لم يضح من أمتي" وفي بعض الروايات قال: "اللهم نقبل من محمد، وآل محمد، وأمة محمد، ثم ضحى".
انظر: صحيح مسلم: 3/1557 برقم: 1967، وقد تقدم تخريج الحديث في المسألة: (2855) .

(8/4043)


قال إسحاق: كما قال.
[2881-] قلت: الضحية تهلك أو تسرق ثم يبتاع غيرها ثم يجد الأولى؟
قال: إذا أوجبها فهو مثل الهدي، إذا أوجبها، ثم وجد الأولى يذبحهما جميعاً. 1
__________
1 قال ابن قدامه: وإذا وجبت الأضحية بإيجابه لها فضلت، أو سرقت بغير تفريط فيه، فلا ضمان عليه، لأنها أمانة في يده، فإن عادت إليه ذبحها، سواء كان في زمن الذبح، أو فيما بعده. المغني 8/639.
وللإمام أحمد رحمه الله روايتان في رجوع الضال إلى ملكه إذا وجبه ذبح بدله:
إحداهما: ليس له استرجاعه إلى ملكه إذا كان معيناً، لأنه قد تعلق به حق الفقراء، وهذا هو الصحيح من المذهب.
والثانية: له استرجاعه إلى ملكه، فيصنع به ما شاء.
[] انظر: الإنصاف: 4/99-100.
وتقدم الكلام عن الهدي إذا أوجبه رجل فضل فاشترى آخر، ثم وجد الأول في، كتاب المناسك في المسألة رقم: (1553) .

(8/4044)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2882-] قلت: قال سفيان إذا ابتاع الضحية فأصابها عمى أو شيء لا يضره، ولا يضحي ببقر الوحش، ولا حمر 2 الوحش، والجواميس 3 تجزئ عن سبعة. 4
__________
1 انظر قول الإمامين: أحمد وإسحاق في تفسير القرطبي 6/41.
2 في العمرية بحذف عبارة "ولا حمر الوحش."
3 في العمرية بلفظ "وتجزيء الجواميس عن سبعة."
4 انظر قول الإمام سفيان الثوري رحمه الله في الضحية إذا أوجبها صحيحة، ثم حدث بها عيب، في المغني: 8/626.
وسبق توثيق قول الإمام أحمد وإسحاق في مسألة مماثلة برقم: (2860) .
وراجع: المغني 8/626، والإنصاف 4/98.
قال النووي: نقل جماعة إجماع العلماء عن التضحية لا تصح إلا بالإبل أو البقر أو الغنم، فلا يجزئ شيء من الحيوان غير ذلك.
وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح: أنه يجوز أن يضحي ببقر الوحش عن سبعة، والظباء عن واحد، وبه قال داود في بقر الوحش.
المجموع 8/394، وراجع: المغني 8/623.
وتقدم الكلام على الجواميس، وإجزائها عن سبعة في المسألة رقم: (2865) .

(8/4045)


قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كما قال.
[2883-] قلت: حمر الوحش إذا تأهلت؟
قال: هي حمر الوحش أبداً.
قال إسحاق: كما قال. ولكنه 1 إذا ذبح ذبح كالإنسية. 2
[2884-] قلت: قال سفيان: إذا كانت العين فيها بياض ولا يرون به بأساً، إذا كان إنسان 3 العين قائماً، يعني الحدقة سوداء ليس فيها بياض.
قال أحمد: أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم 4 فقال:
__________
1 في الظاهرية بلفظ: "ولكن".
2 قال البغوي: لو استأنس الصيد، وصار مقدوراً عليه، لا يحل إلا بقطع مذبحه باتفاق أهل العلم. شرح السنة: 11/216.
3 في الظاهرية: "لسان".
4 تقدم تخريج الحديث في المسألة:

(8/4046)


"استشرف العين والأذن" 1 - كأنه لم ير ما قال سفيان.
قال إسحاق: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم العين والأذن فما كان [في] سواهما فهو أهون. 2
[2885-] قلت: قال 3 الحسن: الحوار 4 جنين [الناقة] تجزئ عن
__________
1 قال ابن قدامة: ولا يجزئ فيهما- أي في الهدي والأضحية- العوراء البين عورها.
قال المرداوي: بلا نزاع قال الأصحاب: هي التي انخسفت عينها وذهبت، فإن كان بها بياض لا يمنع النظر أجزأت. وإن أذهب الضوء، ففي الإجزاء بها روايتان وقيل وجهان:
أحدهما: لا تجزئ.
والثاني: تجزئ.
قال الزركشي: أشهر الوجهين الإجزاء.
وقال في الرعاية الكبرى: ونصّ أحمد: تجزئ.
قال المرداوي: وهذا المذهب.
المقنع: 1/473، انظر: الإنصاف: 4/77. وراجع: المغني: 8/625.
2 تقدم ذكر قول الإمام إسحاق في مقادير العيوب التي لا تجوز معها الأضحية في المسألة: (2861) .
3 في العمرية بحذف "قال."
4 الحوار بالضم: ولد الناقة، ولا يزال حواراً حتى يفصل، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، وثلاثة أحورة، والكثير حيران وحوران. مختار الصحاح ص 161 مادة "حور".

(8/4047)


إنسان؟ 1
قال أحمد: لم يقل هذا إلا 2 الحسن، يقال 3 لا [ع-161/ب] تجزئ إلا الثني.
قال إسحاق: كما قال.
[2886-] قلت: جلود الأضاحي ما يصنع بها؟
قال: ينتفع بها، ويتصدق بها، وتباع، ويتصدق بثمنها. 4
__________
1 نقل ابن حزم رحمه الله قول الحسن البصري فقال: عن أبي معاذ عن الحسن البصري قال: "يجزئ الحوار عن واحد يعنى الأضحية" - والحوار هو ولد الناقة ساعة تلده- المحلّى: 7/362.
2 في العمرية بحذف حرف الاستثناء "إلا."
3 في الظاهرية بلفظ"يقول". وتقدّم تحديد سنّ الأنعام التي تجزئ في الضحية في المسألة: (2852) .
4 تقدم الكلام عن الانتفاع بمسوك الضحايا وهي الجلود، في المناسك في المسألة رقم: (1483) .
وللإمام أحمد رحمه الله في بيع جلد الأضحية روايات ست:
[1-] يحرم بيع الجلد والجل.
قال المرداوي: على الصحيح من المذهب، وعليه الأكثر.
وقال الزركشي: هذا المذهب بلا ريب.
[2-] وعنه يجوز، ويشتري به آلة البيت، لا مأكولاً.
[3-] وعنه يجوز بيعها، ويشتري بثمنه أضحية.
[4-] وعنه يجوز بيعها، ويتصدق بثمنه.
[5-] وعنه يكره.
[6-] وعنه يجوز بيعها من البدنة، والبقرة، ويتصدق بثمنه دون الشاة.
اختاره الخلال.
[] انظر: الإنصاف: 4/92-93، والمغني: 8/634-635، والقواعد لابن رجب ص 315، والفروع: 3/554.
ودليل الرواية الراجحة: عن عبد الكريم الجزري أن مجاهداً أخبره أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبر أن علياً رضي الله عنه أخبره "أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمره أن يقوم على بدنه، وأن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها، وجلالها، ولا يعطي في جزارتها شيئا"
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (1717) ، فتح الباري: 3/556، كتاب الحجّ، باب يتصدّق بجلود الهدي.
فلو جاز أخذ العوض عنه، لجاز أن يعطي الجازر في أجرته.
[2-] ولأنه إنما أخرج ذلك قربة لله تعالى، فلا يجوز أن يرجع إليه إلا ما رخص فيه، وهو الأكل.
انظر: المغني: 8/635، والمجموع: 8/419.

(8/4048)


قلت: تباع ويتصدق بثمنها؟
قال: نعم حديث ابن عمر [رضى الله عنهما] . 1
__________
1 وأثر ابن عمر رضي الله عنهما هو: عن عقبة بن صهبان قلت لابن عمر: أبيع جلد بقرة ضحيت بها؟ فرخص لي.
الأثر أورده ابن حزم في المحلى، كتاب الأضاحي: 7/385.

(8/4049)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2887-] قلت: هل 2 تمنع النساء من الخروج في العيدين؟
قال: إذا أردن ذلك فلا أحب أن يمنعن. 3
__________
1 قال النووي: مذهبنا: أنه لا يجوز بيع جلد الأضحية، ولا غيره من أجزائها لا بما ينتفع به في البيت، ولا بغيره، وبه قال عطاء والنخعي ومالك، وأحمد وإسحاق. هكذا حكاه عنهم ابن المنذر، ثم حكى عن ابن عمر وأحمد وإسحاق: أنه لا بأس أن يبيع جلد هديه، ويتصدق بثمنه.
المجموع: 8/420، وراجع: المغني: 8/635، وفتح الباري: 3/556.
2 في العمرية سقطت: "هل".
3 نقل ابن هانئ نحو هذه المسألة عن الإمام أحمد رحمه الله في مسائله 1/93، برقم: (468) .
وللإمام أحمد رحمه الله في خروج النساء في العيدين روايات:
[1-] يباح للنساء حضورها.
قال المرداوي: على الصحيح من المذهب.
[2-] يستحب. اختاره ابن حامد والمجد.
[3-] يكره.
[4-] وعنه يكره للشابة دون غيرها.
[] انظر: الإنصاف: 2/427، والفروع: 2/137-138.
قال ابن قدامه: إنما يستحب لهن الخروج غير متطيبات، ولا يلبسنّ ثوبَ شهرةٍ، ولا زينةَ ولا يخرجنّ في ثياب البذلة، ولا يخالطنّ الرجال، بل يكن ناحية منهم. المغني: 2/376.

(8/4050)


قال إسحاق: 1 بل يستحب الخروج بهن في العيدين لما مضت السنة بذلك، 2 ولكن لا يتزين، ولا يتطيبن.
[2888-] قلت: الأكل يوم الفطر قبل الخروج؟
__________
1 في العمرية بلفظ: "قال إسحاق: لا بل يستحب."
2 عن أم عطية قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهنّ في الفطر والأضحى. العواتق، والحيض، وذوات الخدور. فأما الحيض: فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لتُلبسْها أختُها من جلبابها".
الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 2/606، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال برقم: (890) ، واللفظ لمسلم.
وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم 980، فتح الباري 2/469، كتاب العيدين باب: إذا لم يكن لها جل، باب في العيد، كلاهما من طريق حفصة بنت سيرين بأطول مما هنا.
وروي عن أبي بكر، وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا: "حق على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين".
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يخرج من استطاع من أهله في العيدين.
[] انظر: المغني: 8/375-376، وسنن الترمذي: 2/420-421.

(8/4051)


قال: إن أكل في الفطر فلا بأس- كأنه لم يرَ بأساً بالأكل في الأضحى.
قال: أما 1 يوم الفطر يستحب أن يأكل قبل أن يخرج، وأما 2 الأضحى فلا أعرف فيه حديثاً. 3
قال إسحاق: أما الفطر فكما قال.
وأما الأضحى: فإن السنة أن لا يأكل حتى يرجع، 4 فيبدأ
__________
1 في العمرية بحذف لفظ "أما".
2 في العمرية بحذف لفظ: "أما".
3 قال ابن قدامة: السنة: أن يأكل في الفطر قبل الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي. وهذا قول أكثر أهل العلم منهم علي، وابن عباس، ومالك والشافعي وغيرهم لا نعلم فيه خلافاً.
انظر: المغني: 2/371، وراجع: الكافي: 1/231، ومطالب أولي النهى: 2/274، وكشاف القناع: 3/23، والمبدع: 3/296.
والدليل على استح، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج إلى الصلاة ما رواه أنس رضي الله عنه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات".
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم 953، فتح الباري: 2/446، كتاب العيدين، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج.
4 عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي".
الحديث أخرجه الترمذي في سننه 2/426، كتاب أبواب الصلاة، باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج.
والإمام أحمد في مسنده 5/360.
قال الترمذي: حديث بريد بن خصيب الأسلمي حديث غريب. وقال ابن حجر: في إسناده مقال. سنن الترمذي 2/226، انظر: فتح الباري: 2/448.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وثواب بن عتية المهري قليل الحديث ولم يجرح بنوع يسقط به حديثه. المستدرك: 1/294
وقد سبق تحقيق مثل هذه المسألة برقم: (2862) عن حكم الأكل من الضحية.

(8/4052)


فيأكل من كبد أضحيته.
[2889-] قلت لأحمد: 1 إذا صلى بالضعفة في المسجد كيف يصلي بهم؟
قال: ركعتين أرجو أن لا يكون به بأس إذا خطب.
قلت: ويخطب بهم؟
قال: نعم، وإن لم يخطب صلّى أربعا. 2
__________
1 في العمرية سقطت: "لأحمد".
2 السنة في صلاة العيدين: أن تصلّى في الصحراء، ولا يصلّيها في المسجد، وإذا خرج الإمام إلى مصلّى العيد استحبّ له أن يخلف من يصلّي بضعفة الناس في المسجد، كما فعل علي رضي الله عنه.
وللإمام أحمد في عدد الركعات التي يصليها بالضعفة ثلاث روايات:
إحداها: أنه يصلي بهم ركعتين.
والثانية: يصلي بهم أربعاً.
والثالثة: ركعتين إن خطب، وإن لم يخطب فأربع.
والسبب في اختلاف الروايات اختلاف الرواية في صفة صلاة علي وأبي مسعود البدري رضي الله عنهما.
[] انظر: المغني: 2/372-373، والإنصاف: 2/427، والكافي: 1/231-232.

(8/4053)


قال إسحاق: كما قال.
[2890-] قلت: يرفع يديه في كل تكبيرة في 1 العيدين، الإمام 2 وغيره؟
قال: نعم، الإمام وغيره. 3
قال إسحاق: كما قال. 4
__________
1 في العمرية بلفظ: "وفي"، بإضافة الواو.
2 في العمرية بحذف: "الإمام".
[3] نقل أبو داود رحمه الله تعالى نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في مسائله ص 59-60.
قال الخرقي: ويرفع يديه مع كل تكبيرة. مختصر الخرقي: ص 36.
وقال ابن قدامه: وجملته أنه يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيره حسب رفعهما مع تكبيرة الإحرام، وبه قال عطاء، والأزاعي، وأبو حنيفة والشافعي.
المغني: 2/381، وراجع: الكافي: 1/233.
4 نقل البغوي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: ورفع اليدين في تكبيرات العيد سنة عند أكثر أهل العلم.
وهو قول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
انظر: شرح السنة: 4/310، وإسحاق بن راهويه وأثره في الفقه الإسلامي صـ362، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 33.

(8/4054)


[2891-] سئل أحمد 1 عن بعير تردى في بئر، فلم يوصل منه إلا [إلى] الفخذ أو ما دون ذلك القوائم، أيطعن ثم يؤكل؟
قال: كلما قدر [عليه 2 من] المتردية في البئر، فله أن يطعن في ذلك الموضع، 3 ليذكيه 4 سنة مسنونة، فعله النبي صلى الله
__________
1 في العمرية "سئل إسحاق".
2 في الظاهرية "على المتردية".
3 في العمرية بحذف كلمة "الموضع".
4 قال الخرقي: "إذا ند بعير فلم يقدر عليه، فرماه بسهم أو نحوه مما يسيل به دمه فقتله، أكل." مختصر الخرقي ص 209.
وقال ابن قدامه: وكذلك إن تردى في بئر فلم يقدر على تذكيته فجرحه في أي موضع قدر عليه فقتله أكل، إلا أن يكون رأسه في الماء فلا يؤكل، لأن الماء يعين على قتله.
هذا قول أكثر الفقهاء. روي ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم.
[] انظر: المغني: 8/566، والكافي: 1/481، وراجع: المبدع: 9/220، والمحرر: 2/191-192، والمجموع: [9/126،] وشرح مسلم للنووي: 13/126، والمحلى: 7/447، ومصنف عبد الرزاق: 4/467-468، [] [] ومصنف ابن أبي شيبة: 5/385-386.

(8/4055)


عليه وسلم، 1 وأصحاب النبي صلى الله عليه [ظ-91/أ] [وسلم رضي الله عنهم] . 2
__________
1 عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله إنا لاقو العدوّ غداً وليست معنا مدى، فقال: اعجل، أو أَرن، ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكُلْ، ليس السن والظفر وسأحدثك؛ أمّا السن: فعظم، وأما الظفر: فمدى الحبشة"، وأصَبْنا نهبَ إبل وغنم فند منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا".
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه رقم: (5509) ، فتح الباري: 9/638، كتاب الذبائح والصيد، باب ما ند من البهائم، فهو بمنزلة الوحشي.
وأخرجه مسلم في صحيحه 3/1558، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكلّ ما أنهر الدم، إلاّ السنّ والظفر، وسائر العظام برقم: (1968) .
كلاهما من طريق سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب ما ند من البهائم، فهو بمنزلة الوحشي وأجازه ابن مسعود، وقال ابن عباس: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد، وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت عليه فذكه، ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة.
انظر: صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري: 9/638.
2 قد ذكر ابن حجر رحمه الله نص الآثار عن الصحابة المذكورين رضوان الله عليهم في كتابه فتح الباري: [9/638-639.
[]] وراجع: مصنف ابن أبي شيبة: 5/385-386، ومصنف عبد الرزاق: 4/468.

(8/4056)


[2892-] سئل إسحاق عن البعير المغتلم 1 يحمل 2 على الرجل فيضربه بسيفه، أو يطعنه برمحه أو يرميه بسهمه فيقتله على ذلك، أتكره أكله؟
قال: كلما حمل على الرجل فاتقاه، حتى دافعه عن نفسه فصار مطعوناً، فأتى على نفسه، فليس ذلك بذكاة، إنما الذكاة: ما أريد الذكاة، وهذا رجل دافع عن نفسه، لا ينوي شيئاً من الذكاة. 3
__________
1 الغلمة: شدة الشهوة، وغلم غلماً، فهو غلم من باب: تعب إذا اشتدّ شبقه. واغتلم البعير: إذا هاج من شدة شهوة الضراب. قال الأصمعي: لا يقال في غير الإنسان إلا اغتلم. وقد يقال في الإنسان: اغتلم.
[] انظر: المصباح المنير ص 452-453.
2 في العمرية بلفظ "يصول".
3 القصد إلى التذكية شرط لحلّ أكل الذبيحة، وفي الصورة المذكورة في المسألة لم ينو الرجل التذكية، بل كان قصده الدفاع عن نفسه والتخلص من البعير المغتلم قبل أن يلحق به الأذى.
وقال الشيخ مصطفى الرحيباني: من شروط الذكاة: كون الذابح عاقلاً ليصح منه قصد التذكية، فلا يباح ما ذكاه مجنون، أو طفل لم يميز، لأنهما لا قصد لهما، كما لو ضرب إنسان بسيف، فقطع عنق شاة.
مطالب أولي النهى 6/329، وراجع: كشاف القناع: 6/204، والمجموع: 9/74، والصيد والتذكية 478، وأحكام الذبائح في الإسلام ص 91.

(8/4057)


[2893-] سئل إسحاق عن الاشتراك في البدنة لغير أهل البيت إن 1 كانوا رفقة مجتمعين من شتى تجزئ عنهم؟
قال: أرجو أن تجزئ عنهم إذا كانوا في الاجتماع كنحو أهل البيت، لا يريدون مقاسمة اللحم، كما اشترك أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم في البقرة عن السبعة، 2 وكانوا زيادة على ألف، 3 فنرى أن كل من اشترك في بقرة لم يكونوا كلهم من أهل البيت، فإذا كانوا على استيفاء مقاسمة اللحم كرهنا لهم ذلك. 4
__________
1 في العمرية بلفظ: "إذا".
2 في العمرية بلفظ "سبعة"، بحذف الألف واللام.
3 عن جابر بن عبد الله قال: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة".
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه 2/955، كتاب الحج، باب الاشتراك في الهدى وإجزاء البقرة، والبدنة، كل منهما عن سبعة برقم: (1318) . من طريق قتيبه بن سعيد عن مالك، ويحيى بن يحيى عن مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله به.
وقد سبق تخريج الحديث من طريق آخر في المسألة رقم: (2856) .
وخرج بهذا الطريق هنا لموافقة العدد، عدد المسلمين عام الحديبية.
4 في العمرية بعبارة: "كرهنا ذلك لهم".
قال الترمذي بعد ذكر الحديث السابق: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال [] إسحاق: يجزئ أيضاً البعير عن عشرة، واحتج بحديث ابن عباس. انظر: سنن الترمذي: 4/89-90.
وسبق تحقيق نحو هذه المسألة برقم: (2856) وتوثيق قول الإمام إسحاق ومن وافقه، وذكر رواية ثانية عنه.

(8/4058)


[2894-] قال أحمد: أهل القرى لا يضحون حتى يكون أوان انصراف الإمام، أهل القرى والمدائن في هذا قريب.
ما يعجبني قول من يقول: إذا طلع الفجر أو الشمس. 1
[2895-] قال إسحاق: وأما من 2 ذبح الشاة فرمى برأسها.
قال: السنة في ذلك أن تؤكل، قال ذلك علي وابن عباس [رضي الله عنهما] ، وقد أخطأ إن تعمد ذبحها من قبل قفاها، 3 فأما إذا أسرع الذبح، فاطار رأسها فمباح أكله. 4
__________
1 سبق تحقيق مثل هذه المسألة برقم: (2854) .
2 في العمرية بحذف: "من".
3 انظر: المغني: 8/578، والمحلى: 7/441، والمجموع: 9/91.
وسبق تحقيق قول الإمام إسحاق في المسألة برقم: (2816، 2817) .
4 في العمرية بحذف: "فمباح أكله."
روى عبد الرزاق أن علياً قال: الدجاجة إذا انقطع رأسها: ذكاة سريعة إلى آكلها.
مصنف عبد الرزاق 4/491، كتاب المناسك، باب سنة الذبح برقم 8596.
وراجع موسوعة فقه علي رضي الله عنه ص 262.
وانظر قول الإمام إسحاق فيما إذا قطع رأس الذبيحة من القفا في: المجموع 9/91.

(8/4059)


[2896-] قال إسحاق 1 وأما الدجاجة إذا ذبحت فطارت [ثم 2 وقعت في ماء فماتت، فإنها لا تؤكل، لما أعان الماء على قتلها أيضاً] . كما ذكر عن ابن مسعود [رضي الله عنه] في الطائر الذي يقع 3 على جبل، 4 ثم يتردى منه فيموت، أو يقع في ماء فيموت، فذلك مثلهما. 5
__________
1 في العمرية بحذف: "قال إسحاق".
2 ما بين القوسين كتب في العمرية بالحاشية.
3 في الظاهرية بلفظ (وقع) .
4 في العمرية بلفظ: "الجبل".
5 عن ابن مسعود قال: "إذا رمى أحدكم طائراً، وهو على جبل، فمات، فلا يأكلْه فإني أخاف أن يكون قتله ترديه، أو وقع في ماء فمات فلا يأكُلْه، فإني أخاف أن يكون قتله الماء".
رواه عبد الرزاق في مصنفه 4/462، كتاب المناسك، باب ما أعان جارحك أو سهمك، والطائر يقع في الماء برقم: (8462) .
والبيهقي في السنن الكبرى 9/248، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد يرمى فيقع على جبل ثم يتردى منه، أو يقع في الماء.
وراجع: المغني: 8/577.

(8/4060)


[باب] في الأشربة1
[2897-] قلت لأحمد [رضي الله عنه] : قول ابن عمر [رضي الله عنهما] اشرب العصير [ع-162/أ] ما لم يأخذه شيطانه. 2
قال: 3 [فإن] ما بينه وبين ثلاث يشرب، فإذا مضى ثلاثة أيام لا تشرب، وإن غلا قبل ذلك لا يشرب. 4
__________
1 الأشربة في اللغة: جمع شراب، والشراب: ما يشرب من أي نوع كان وعلى أي حال كان. والشراب: اسم لما يشرب من كلّ شيء لا مضغَ فيه.
انظر: تاج العروس 1/312، والقاموس المحيط 1/86.
وفي الاصطلاح: كل شراب مسكر من أي أصل كان، سواء كان من الثمار كالعنب، والرطب، أو الحبوب كالحنطة، والشعير، أو الحيوان كلبن الخيل، وسواء أكان مطبوخا، أو نيئاً.
السياسة الشرعية ص 106، ومغني المحتاج 4/186.
2 عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: اشرب العصير ما لم يأخذه شيطانه. قال: ومتى يأخذه شيطانه؟ قال: بعد ثلاث، أو قال في ثلاث.
رواه عبد الرزاق في مصنفه 9/217، كتاب الأشربة، باب العصير شربه أو بيعه برقم: (16990) ، عن عبد الله بن مرة عنه به.
راجع: المحلى 7/507، والمغني: 8/317، ونيل الأوطار: 6:75.
3 في العمرية بحذف"قال".
4 نقل أبو داود مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: سمعت أحمد سئل عن العصير؟ قال يشربه ثلاثة أيام ما لم يغل، وإن جاز لم يغل لم يشربه، وإن غلي قبل ثلاثة أيام لم يشربه. مسائل أبي داود ص 259.
ونقل نحواً من هذه الرواية النيسابوري عن الإمام أحمد 2/138 برقم 1779.
قال الخرقي: والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام فقد حرم، إلا أن يغلي قبل ذلك فيحرم، وكذلك النبيذ. مختصر الخرقي ص 196.
قال المرداوي: هذا المذهب. نص عليه، وعليه الأصحاب. وبين ذلك في المحرر، والوجيز وغيرهما، فقالوا: بلياليهن.
وقيل: لا يحرم ما لم يغل. اختاره أبو الخطاب.
[] الإنصاف: 10/235، وراجع: المغني: 8/317، والفروع: 6/101-102، ومطالب أولي النهى: 6/214، ومجموع الفتاوى: 21/7.
ودليل هذه المسألة ما رواه أبو عمر البهراني قال: سمعت ابن عباس يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد، والليلة الأخرى، والغد إلى العصر. فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب".
الحديث أخرجه مسلم في صحيحه 3/1589، كتاب الأشربة، باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد، ولم يصر مسكراً برقم 2004. من طريق شعبة عن يحيى بن عبيد أبي عمر البهراني به.

(8/4061)


قال إسحاق: كما قال.
[2898-] سألت أحمد عن الطلاء 1 كيف يطبخ؟
__________
1 الطلاء ككساء: القطران وكل ما يطلى به، وبعض العرب يسمي الخمر الطلاء يريد بذلك تحسين اسمها لأنها الطلاء بعينها وليس بمشهور. والطلاء أيضاً يطلق على خاثر المنصف، وهو ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، ويسميه العجم المينجتج وهو المراد هنا.
انظر: تاج العروس: 10/227، ولسان العرب: 15/11، والقاموس المحيط: 4/359، والنهاية: 3/137، ومختار الصحاح: ص 397، وفقه اللغة وسر العربية: ص 275.

(8/4062)


قال: ترفع رغوته 1 التي ترتفع 2 ثم يأخذ مقداره. 3
قلت: 4 طبخه ساعة، ثم تركه حتى برد قبل أن ينتهي، ثم طبخه؟
قال: لا بأس.
قلت: إنهم يذكرون عن عبد الله ابن المبارك 5 كراهته.
__________
1 الرغوة: الزبد يعلو الشيء عند غليانه، بفتح الراء وضمها. المصباح المنير: 1/232.
2 في العمرية بلفظ: (ترفع) ، والصواب ما أثبته.
3 ولطبخ الطلاء صفة خاصة، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن صفة طبخه أنه يغلى عليه أولاً حتى يذهب وسخه، ثم يغلى عليه بعد ذلك حتى يذهب ثلثاه، فإذا ذهب ثلثاه والوسخ فيه كان الذاهب منه أقل من الثلثين، لأن الوسخ يكون حينئذ من غير الذاهب. مجموع الفتاوى: 34/200.
4 في العمرية بحذف: "قلت"، وفي إثباته زيادة إيضاح.
5 هو عبد الله بن المبارك بن واضح أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم المروزي التركي الأب، الخوارزمي الأم، صاحب التصانيف النافعة والرحلات الشاسعة. جمع بين العلم، والعبادة، والزهد والورع، والجهاد، والتجارة، ودوّن في العلم في الأبواب والفقه وفي الغزو والزهد والرقائق وغير ذلك. ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وتوفي في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة رحمه الله تعالى.
انظر: تهذيب التهذيب: 5/382، وتقريب التهذيب: 187، وتذكرة الحفاظ: 1/274، وحلية الأولياء: 8/162.

(8/4063)


قال: إنه يشرب دون ثلاث، فما بأس بهذا؟
قلت: قالوا أفسده.
فأبى إلا أن لا بأس به دون الثلاث، إلا أن يكون الفساد من قبله. 1
__________
1 هذه العبارة بيان أن الذي يطبخ، إنما هو العصير الطري وقبل أن يتخمر، أما لو صار خمراً فطبخ، فإن الطبخ لا يطهره ولا يحله، لما روي عن أبي ثابت الثعلبي قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فسأله عن العصير، فقال: "اشربه ما كان طريا. قال: إني طبخت شراباً وفي نفسي منه، قال: أكنت شاربه قبل أن تطبخه؟ قال: لا. قال: فإن النار لا تحل شيئا قد حرم.
رواه النسائي في سننه 8/331، كتاب الأشربة، باب ما يجوز شربه من العصير وما لا يجوز.
وصحّح إسناده ابن حجر في فتح الباري 10/64.
وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن شرب الطلاء إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه؟
قال: لا بأس به. قال قيل لأحمد: إنهم يقولون إنه يسكر، قال: لا يسكر. لو كان يسكر ما أحله عمر. انظر: مسائل أبي داود ص 259.
وقال ابن قدامه: وما طبخ من العصير والنبيذ قبل غليانه حتى صار غير مسكر، كالدبس ورُبِّ الخَرُّوب وغيرهما من المربيات والسكَّر، فهو مباح، لأنّ التحريم إنما ثبت في المُسكر، ففيما عداه يبقى على أصل الإباحة. وما أسكر كثيره، فقليله حرام، سواء ذهب منه الثلثان، أو أقل أو أكثر.
المغني: 8/318، وراجع الفروع: 6/102، والإنصاف: 1/235، ومطالب أولي النهى: 6/214، وكشاف القناع: 6/119.

(8/4064)


قال إسحاق: السنة في طبخ العصير أن يوضع القدر على النار، وقد صب العصير فيه، فيغلى عليه، ثم يرفع من النار 1 فترفع رغوته، وما رمى من 2 التراب وغيره، فإذا ألقى ذلك فقد صفا العصير حينئذ، لما ذهب منه ما اختلط به من التراب وشبهه.
فيأخذ مقداره حينئذ حتى يعرف ذهاب الثلثين. ويبقى الثلث الحلال لا بد من طبخه على هذا المثال، لأنه لو صب العصير فيه أولاً، وأخذ المقدار فذهب الثلثان منه، لا يكون ما ذهب قدر ثلثي العصير، لما اختلط به من الغبار وما فيه من الدردي 3 وشبهه، فلذلك لا بدّ من غليانه حتى يرمى ما اختلط مما وضعا
__________
1 في العمرية بحذف الفاء من "فترفع".
2 في العمرية بحذف: "من".
3 الدردي: ما يركد في أسفل كل مائع، كالأشربة، والأدهان. النهاية 2/112.
قال صاحب مختار الصحاح: ودردي الزيت وغيره: ما يبقى أسفله. ص 202.

(8/4065)


به، 1 ثم يؤخذ المقدار وكلما صنع من العصير 2 الفراتج 3 وما أشبهه في الثلاث قبل أن يغلى فلا بأس به، هو 4 مباح للخلق، فإذا مضى الثلاث ولم يغلِ لم ينتفع به أصلاً لما 5 قال ابن عمر [رضي الله عنهما] : يأخذه شيطانه في ثلاث. 6
__________
1 في العمرية بحذف: "به".
2 في العمرية بزيادة: "واو" قبل الفراتج.
3 الفراتج: لم أعثر على معناه.
4 في العمرية بإضافة: "واو" قبل: "هو مباح".
5 في العمرية بحذف: "لما".
6 سبق تخريج أثر ابن عمر رضي الله عنهما في المسألة: (2897) .
واستدل على حل شرب الطلاء بما روي عن عامر بن عبد الله، أنه قال: قرأت، كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى: أما بعد: فإنها قدمت عليّ عيرٌ من الشام تحمل شراباً غليظاً أسود كطلاء الإبل، وإني سألتهم: على كم يطبخونه؟ فأخبروني: أنهم يطبخونه على الثلثين، ذهب ثلثاه الأخبثان، ثلث ببغيه، وثلث بريحه، فمر مَنْ قِبَلَك يشربونه.
رواه النسائي في سننه 8/329، كتاب الأشربه، باب ذكر ما يجوز شربه من الطلاء، وما لا يجوز، وقد أفصح بعض طرق الأثر السابق، بأن المحذور منه السكر، فمتى أسكر لم يحلّ. فتح الباري: 10/63.
وقد جمع ابن حجر طرق الأثر السابق، وقال: هذه أسانيد صحيحة. فتح الباري: 10/63.

(8/4066)


[2899-] قلت: يكره أن يسقى الدواب الخمر؟
قال: أكرهه وأن يداوي الدبر 1 والجرح. 2
قال إسحاق: كما قال.
[2900-] قلت: غبيراء 3 السكركة؟
__________
1 الدبر بالتحريك: الجرح الذي يكون في ظلف الدابة، وقيل: هو أن يقرح خف البعير. لسان العرب: 4/274.
2 ونقل عبد الله نحو هذه الرواية عن أبيه. قال: قرأت على أبي وقال أبي أروه عن عبدة بن سليمان الكلابي قال: حدثنا عبد الله عن نافع أن ابن عمر كان ينهى أن تسقى البهائم الخمر.
وقال: سمعت أبي يقول وكذلك قولي: لا يداوى بها جرح ولا غيره وهي محرمة، وكرهه أبي جداً. مسائل عبد الله [] ص 434 برقم: (300-1571) .
وسبق التحقيق في حكم التداوي بالمحرم في المسألة رقم (2831) وذكر قول ابن قدامه رحمه الله بعدم جواز التداوي بالخمر.
انظر: المغني: 8/605، ومجموع الفتاوى: 24/266.
وراجع قول ابن عمر رضي الله عنهما في مصنف عبد الرزاق: 9/251.
3 في الظاهرية بلفظ: "غبيراء" السكر.
والغبراء، والغبيراء: نبات سهلي، وقيل: الغبراء شجرته، والغبيراء ثمرته.
والغبيراء: السكركة، وهو شراب يعمل من الذرة، يتخذه الحبش، وهو يسكر.
انظر: لسان العرب 5/6، القاموس المحيط 2/99، النهاية 3/338، والمصباح المنير 2/442.

(8/4067)


قال: هو 1 الذي يقال له: المزر 2 نبيذ الشعير والبر.
ويقال له: الجعة. 3
قال إسحاق: كما قال.
[و] قال عبد الرزاق: 4 نحن نقول: المزر.
[2901-] قلت: ما يكره من الظروف 5 المزفت 6
__________
1 في العمرية بحذف لفظ: "هو".
2 قال ابن الأثير: إن المزر نبيذ يتخذ من الذرة، وقيل من الشعير أو الحنطة. النهاية: 4/323.
وراجع: القاموس المحيط: 2/133، ولسان العرب: 5/172.
3 الجعة: هي النبيذ المتخذ من الشعير.
النهاية: 1/277، وفقه اللغة: ص 276.
4 هو عبد الرزّاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، مصنف شهير، عمي في آخر عمره، فتغير، وكان يتشيع، توفي سنة مائتين وإحدى عشرة هجرية، وله خمس وثمانون سنة.
تقريب التهذيب: 213، وتهذيب التهذيب: 6/310.
5 الظرف: الوعاء، والجمع ظروف.
المصباح المنير: 2/384، ومختار الصحاح: ص 403.
6 الزفت بالكسر: القار، والمزفت: المطلي به. القاموس المحيط: 1/148.
وفي النهاية: المزفت: هو الإناء الذي طلي بالزفت، وهو نوع من القار. النهاية: 2/403.

(8/4068)


والحنتم 1 والنقير 2 والدباء؟ 3
قال: الذي ينهى عنها 4 الدباء [ظ-91/ب] والحنتم والنقير، وأحب إلي أن تنقى الأوعية كلها. 5
__________
1 الحنتم: جرار مدهونة خضر، كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها، فقيل للخزف كله حنتم، واحدتها حنتمة. النهاية: 1/448.
2 والنقير: أصل خشبة، ينقر وسطه، ثم ينبذ فيه الثمر، ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا مسكرا، والنهى واقع على ما يعمل فيه لا على اتخاذ النقير، فيكون على حذف المضاف تقديره عن نبيذ النقير وهو فعيل بمعنى مفعول.
النهاية: 5/104، وراجع: الإشراف: 206.
3 الدباء: بضم الدال المهملة وتشديد الباء والمد: هو القرع اليابس وهو من الآنية التي يسرع الشراب في الشدة إذا وضع فيها.
تاج العروس: 1/214، والنهاية: 2/96، والإشراف لوحة: (206) .
وخصت هذه الظروف بالنهي عنها، لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراماً، وتبطل ماليته، فنهي عنه لما فيه من إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه.
ولم ينهَ عن الانتباذ في أسقية الأدم، بل أذن فيها، لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر، بل إذا صار مسكراً شقتها غالباً.
صحيح مسلم بشرح النووي: 13/159، طرح التثريب في شرح التقريب: 8/43، ومجموع الفتاوى: 28/338، وشرح السنة: 11/366.
4 في العمرية بلفظ: "ينهى عنه".
5 وقال أبو داود: قلت لأحمد نبيذ الجر؟ لا يعجبني من الأوعية إلا سقاء يوكأ. مسائل أبي داود ص 258.
وأشار ابن قدامة إلى هذه الرواية فقال: وعن أحمد: أنه كره الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت. المغني: 8/318.
وعن الإمام أحمد رحمه الله: أنه يكره. قال الخلال: عليه العمل. وذكر ابن القيم رحمه الله في الهدي رواية: أنه يحرم.
وعنه: يكره في هذه الأوعية، وفي غيرها، إلا في سقاء يوكي حيث بلغ الشراب، ولا يتركه يتنفس.
والمذهب على جواز الانتباذ في الأوعية كلها.
قال ابن قدامة: ولا يكره الانتباذ في الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت.
قال المرداوي: هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب.
[] انظر: الإنصاف: 10/236-237، والمقنع: 3/479، ومجموع الفتاوى: 34/191، والفروع:6/103، وكشاف القناع: 6/120، ومطالب أولي النهى: 6/216.
نقل البغوي قول الإمامين أحمد وإسحاق ضمن عرضه للمذاهب في المسألة فقال: وقد اختلفوا في الانتباذ في هذه الأوعية: فذهب قوم إلى بقاء الحظر فيها، ويروى ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وإليه ذهب مالك، وأحمد وإسحاق. وذهب آخرون: إلى أن التحريم كان في صدر الإسلام، ثم صار منسوخاً.
انظر: شرح السنة 11/367 وراجع: معالم السنن 5/ 273، والإشراف لابن المنذر لوحة: (205) ، والاعتبار ص 409، وفتح الباري 10/58، ونيل الأوطار 9/70.
والنهي عن هذه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ النهي بعد ذلك.
والمعنى في ذلك: أنه كان العهد في أول الإسلام قريباً بإباحة المسكر، فلمّا طال الزمان، واشتهر تحريم المسكرات، وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك، وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء، بشرط ألا يشربوا مسكراً.
فقد روى عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله رضي الله عنه: "نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكراً".
الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 3/1584، كتاب الأشربة، باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء، والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكراً، برقم 977.

(8/4069)


وقال في طريق آخر عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكراً."
أخرجه مسلم في صحيحه 3/1585، كتاب الأشربة، الباب السابق.
[] انظر: فتح الباري 10/58، وطرح التثريب 8/43-44، والمغني 8/318، والاعتبار ص 410، ونيل الأوطار 9/70، ومسلم بشرح النووي 13/135.

(8/4070)


قال إسحاق: كما قال.
[2902-] قلت: الشرب في قدح مفضض؟
قال: إذا لم يضع فمه على الفضة هو مثل العلم في الثوب. 1
__________
1 نقل هذه الرواية ابن المنذر فقال: وقيل لأحمد بن حنبل: أشرب في قدح مفضض.
قال: إذا لم يضع فاه على الفضة هو مثل العلم في الثوب.
قال إسحاق: كما قال: قد وضع عمر بن عبد العزيز فمه بين ضبتين، وبه قال أبو ثور. الإشراف لوحة: (204) .
قال الخرقي: وإن كان قدح عليه ضبة، فشرب من غير موضع الضبة فلا بأس. مختصر الخرقي ص 197.
قال ابن قدامه: إن الضبة من الفضة تباح بثلاثة شروط:
أحدها: أن تكون يسيرة.
والثاني: أن تكون من الفضة، فأما الذهب فلا يباح، وقليله وكثيره حرام.
والثالث: أن يكون للحاجة، لمصلحة وانتفاع، مثل أن تجعل على شق أو صدع وإن قام غيرها مقامها. المغني 8/322.
وممن رخص في ضبة الفضة: سعيد بن جبير، وميسرة، وزاذان، وطاوس، وأبو ثور، وابن المنذر، وإسحاق وقال: قد وضع عمر بن عبد العزيز فاه بين ضبتين.
المغني 8/322، ومصنف ابن أبي شيبة 8/24.

(8/4071)


قال إسحاق: هو كما قال 1 قد وضع عمر بن عبد العزيز فمه بين ضبتين، وكذلك قول إبراهيم.
[2903-] سئل أحمد عن الخل؟
__________
1 انظر: قول الإمام إسحاق في: المغني 8/332، وفتح الباري 10/101، والإشراف لوحة: (204) ، والمجموع 1/261.
والأثر المروي عن عمر بن عبد العزيز رواه ابن أبي شيبة عن سلمان بن جبيب، وسليمان بن داود قالا: أتينا عمر بن عبد العزيز بشراب في قدح مفضض، فوضع فاه بين الضبتين فشرب، وقال: لا تعيداه عليّ.
مصنف ابن أبي شيبة 8/25، كتاب الأشربة، في الشرب من الإناء المفضض من رخص فيه، برقم: (4200) .

(8/4072)


قال: يصب الخل على العصير حتى يغلبه. 1
قلت لأحمد: العصير إذا غلا شيئاً، ثم جعل في الكامخ 2 وغيره؟
قال: إذا استهلك دون الثلاث فلا بأس به. 3
__________
1 نقل نحو هذه الرواية أبو داود في مسائله فقال: سمعت أحمد سئل عن الخلّ يتّخذ. قال: يصب عليه الخل حتى لا يغلي. قيل: صب عليه الخلّ فغلى. قال: يهراق. مسائل أبي داود ص 259.
2 الكامخ: بفتح الميم وربّما كسرت فارسي معرب: وهو ما يؤتدم به، يقال له المري، ويقال: هو الرديء منه، والجمع كوامخ.
ونطقه بالفارسية: "كمامه"، ومنهم من خصّه بالمخلّلات التي تستعمل لتشهي الطعام.
تاج العروس 1/376، والمصباح المنير 2/540.
3 قال البهوتي: وجعل الإمام أحمد وضع زبيب في جردل كعصير، يعني يحرم إذا غلى أو أتت عليه ثلاثة أيام، خرج به في المستوعب، وأنه إن صب عليه خل أكل ولو بعد الثلاث. كشاف القناع 6/120.
ونقل الخطابي قول الإمام أحمد فقال: قيل لابن المبارك: كيف يتخذ الخل بأن لا يأثم الرجل؟ قال: انظر خلا نقيا فصب على قدر ماء لا يغلبه العصير، فإن غلبه العصير لم يغل. وقال أحمد نحواً من ذلك، وقال: لا يعجبني أن يكون في بيت الرجل المسلم خمر، ولكن يصب على العصير من الخل حتى يتغير. معالم السنن 5/261
أما الخمرة إذا أفسدت فصيرت خلا، لم تزل عن تحريمها وإن قلب الله عينها، فصارت خلا، فهي حلال.
فقال سأل عبد الله أباه عن الخمر يتخذ خلا؟ قال: لا يعجبني، أكرهه، ولا بأس بما أذن الله في فساده.
يقول: إذا جعل رجل خمراً ففسدت هي، فلا بأس بأكل الخل منها، إذا كان فسادها من عند الله. مسائل عبد الله ص 433 برقم: (1567) .
وراجع: المغني 8/319، ومختصر الخرقي ص 196، وكشاف الفتاع 6/120، والقواعد لابن رجب ص 230.

(8/4073)


[2904-] قلت لأحمد: إذا أرابك من شرابك ريب؟
قال: إذا رابه منه شك فيه، ليس إذا استيقن. 1
[2905-] سئل 2 أحمد: أيصلي الرجل خلف من شرب المسكر؟
قال: لا. 3
__________
1 نقل الرحيباني عن الشيخ تقي الدين قوله: إذا شككنا في المطعوم، أو المشروب، وهل يسكر أم لا، لم يحرم بمجرد الشك، ولم يقم الحد على صاحبه. مطالب أولي النهى 6/219.
2 هذه المسألة انفردت بها العمرية.
3 ونحو هذه الرواية نقلها أبو داود فقال: سمعت أحمد رحمه الله وقيل له: إذا كان الإمام يسكر؟ قال: لا يصلي خلفه البتّة. وقال: سمعت أحمد وسأله رجل قال: صليت خلف رجل ثم علمت أنه يسكر، أعيد؟ قال: نعم. قال: أيتهما صلاتي؟ قال: التي صليت وحدك.
مسائل أبي داود ص 42. وراجع: مسائل عبد الله ص: 432 - 433 برقم: (1564) .

(8/4074)


قال إسحاق: كلما كان معلناً بشربه، يدعو الناس إليه، فلا يصلين خلفه.
[2906-] قلت: ما يكره من الجمع بينهما الزهو 1 والبلح 2 والتمر والزبيب؟
قال: كل شيء من الخليطين ما يشد بعضه بعضاً. 3
__________
1 يقال زها النخل يزهو، زهواً: ظهرت الحمرة، والصفرة في ثمره.
وقال أبو حاتم: وإنما يسمى زهواً: إذا خلص لون البسرة في الحمرة، أو الصفرة. ومنهم من يقول: زها النخل: إذا نبت ثمره.
تاج العروس 10/167، والمصباح المنير 1/258
2 البلح: ثمرة النخيل ما دام أخضر قريباً إلى الاستدارة إلى أن يغلظ النوى. وأهل البصرة يسمونه الخلال، الواحدة بلحة وخلالة، فإذا أخذ في الطول والتلون إلى الحمرة، أو الصفرة، فهو بسر، فإذا خلص لونه وتكامل إرطابه فهو الزهو.
المصباح المنير 1/60، ومختار الصحاح ص 63.
والسبب في النهي عن الجمع بين النوعين في الانتباذ: أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط، فيكون سبباً في شرب المسلم المسكر، وهو محرم عليه.
راجع مسلم بشرح النووي 13/194، وتحفة الأحوذي 5/623.
3 قال ابن قدامة: ويكره الخليطان: وهو أن ينبذ في الماء شيئان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الخليطين". المغني لابن قدامة 8/318
وللإمام أحمد رحمه الله في حكم نبيذ الخليطين روايات:
إحداها: يكره الخليطين كالبسر والتمر، والتمر والزبيب.
قال المرداوي: هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله.
الثانية: وعنه يحرم، وفسر القاضي أبو يعلى هذه الرواية بقوله يعني أحمد بقوله: حرام إذا اشتد وأسكر، وإذا لم يسكر لم يحرم.
قال ابن قدامة: وهذا هو الصحيح، إن شاء الله تعالى.
والثالثة: لا يكره. قال ابن قدامة: لا يكره ما كان في المدة اليسيرة، ويكره ما كان في مدة يحتمل إفضاءه إلى الإسكار.
انظر: الإنصاف 10/237 – 238، والمغني 8/319.
وراجع: الفروع 6/103، وكشاف القناع 6/120، ومطالب أولي النهي 6/214.

(8/4075)


قال إسحاق: كما قال. لأنهما إذا اجتمعا أزيدا، ولا يزيد إلا الخمر، 1
__________
1 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله الخطابي فقال: قد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى تحريم الخليطين، وإن لم يكن الشراب المتخذ منهما مسكراً، ولم يجعلوه معلولاً بالإسكار.
وإليه ذهب عطاء، وطاوس، وبه قال مالك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وعامة أهل الحديث، وقالوا: "من شرب الخليطين قبل حدوث الشدة فهو آثم من جهة واحدة، وإذا شرب بعد حدوث الشدة كان آثماً من جهتين: أحدهما شرب الخليطين، والآخر شرب المسكر".
ورخص فيه سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
معالم السنن للخطابي 5/276، وراجع أيضاً: شرح السنة البغوي 11/359، وفتح الباري لابن حجر 10/69.

(8/4076)


كذلك فسره 1 جابر بن عبد الله [رضي الله عنهما] .
[2907-] قلت: العصير [ع-161/ب] إذا غلى قبل 2 ثلاثة أيام؟
قال: لا تقربه، وما جاز ثلاثة أيام فلا تقربه.
قلت: إلى أو لم يغل؟ 3
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال وأجاد المعنى.
__________
1 لعله يشير إلى ما رواه محارب عن جابر قال: " البسر والتمر خمر " رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 7/539، كتاب الأشربة، في الخليطين من البسر والتمر، والزبيب من نهى عنه برقم 4076، من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن محارب بن دينار.
وفي رواية عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الزبيب والتمر هو: الخمر".
رواه النسائي في سننه 8/288، كتاب الأشربة، باب استحقاق الخمر لشراب البسر والتمر.
وقد جاء النهي عن الخليطين في عدة أحاديث صحيحة أخرجها البخاري في صحيحه برقم 5601، فتح الباري 10/66 – 67.
ومسلم في صحيحه 3/1574 وما بعدها.
2 في العمرية بحذف ما بين القوسين من المسألة.
3 سبق تحقيق مثل هذه المسألة برقم: (2897) .

(8/4077)


[باب] في الشهادات 1
[2908-] قلت لأحمد [رضي الله عنه: هل] تجوز شهادة المرأة وكم تكن؟
قال: رجل وامرأتان، وشهادة المرأة في الولادة والرضاع فيما لا يطلع عليه الرجال. 2
__________
1 الشهادات: جمع شهادة، والشهادة: مصدر شهد يشهد شهادة فهو شاهد، وشهدت الشيء اطلعت عليه وعاينته، فأنا شاهد والجمع أشهاد، وشهود.
والشهادة تطلق على التحمل تقول: شهدت بمعنى التحمل، وعلى الأداء تقول: شهدت عند الحاكم شهادة، أي أديتها، وعلى المشهود به.
المطلع على أبواب المقنع ص 406، والمصباح المنير 1/324،
وعرف في الاصطلاح: بأنه حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه، فهي الإخبار بما علمه بلفظ خاص.
التنقيح المشبع ص 313، والإقناع 4/430، وكشاف القناع 6/404، وكشف المخدرات 2/254.
وعرف بأنه إخبار بحق للغير على آخر عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي.
انظر: موسوعة فقه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ص 335.
2 تقدمت شهادة المرأة في، باب الحدود والديات في المسألة رقم (2659) .
وتقدمت شهادة المرأة في الرضاع والولادة في، كتاب النكاح والطلاق في المسألة رقم: (981) .
ونقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله ابن القيم فقال: قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد: هل تجوز شهادة المرأة؟ قال: شهادة المرأة في الرضاع والولادة فيما لا يطلع عليه الرجال. انظر: الطرق الحكمية ص 81.
كما نقل هذه الرواية شمس الدين بن مفلح في النكت والفوائد السنية المطبوع مع المحرر 2/328.
وقد أشارت هذه الرواية إلى نوعي شهادة المرأة:
[1-] نوع لا يقبلن فيه إلا مع الرجال، وهو الشهادة على المال وما يقصد به المال كالبيع، والقرض والرهن والوصية له والجناية الموجبة للمال، تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين. وذلك لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ، سورة البقرة آية: 282.
والآية نص على المداينة. وسائر ما ذكر قياس على الدين، لأن المقصود منها المال، فأشبهت الشهادة بنفس المال.
المغني 9/151، والكافي 4/538، والمبدع 10/257 – 258.
[2-] ونوع يقبل فيه النساء منفردات، وذلك فيما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب، والرضاع، والاستهلال، والبكارة والثيوبة، ونحوه، فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة.
قال الخرقي: ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال، مثل الرضاع، والولادة، والحيض، والعدة، وما أشبهها: شهادة امرأة عدل. مختصر الخرقي ص 228.
قال المرداوي: هذا المذهب مطلقاً بلا ريب. ونص عليه في رواية الجماعة، وعليه الأصحاب. الإنصاف 12/86
وللإمام أحمد رحمه الله رواية ثانية في المسألة: وهي أنه لا يقبل فيه أقل من امرأتين. وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: قال أصحابنا: والاثنتان أحوط من المرأة الواحدة.
انظر: الإنصاف 12/86، 9/156. وراجع الكافي 4/540، والمبدع 10/260، وكشاف القناع 6/436.
وله رواية ثالثة: أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة، وتستحلف مع شهادتها.
انظر: المغني 7/558، والإنصاف 12/86.
أشار مجد الدين ابن تيمية إلى هذه الرواية في قبول شهادة المرأة الواحدة في الاستهلال.
انظر النكت والفوائد السنية 2/330، وراجع: مطالب أولي النهى 6/633، والفروع 6/593، والقواعد لابن رجب ص 298.

(8/4078)


قال إسحاق رضي الله عنه: كما قال، إلا أنه لا بد من امرأتين في الولادة. 1
__________
1 نقل قول الإمام إسحاق بن نصر المروزي فقال: واختلفوا في شهادات النساء فيما لا يطلع عليه الرجال، فقال سفيان، وعامة أصحاب الرأي: تجوز شهادة امرأة واحدة، كذلك قال أحمد بن حنبل: يروى عن علي أنه أجاز شهادة القابلة وحدها. قال مالك وابن أبي ليلى وابن شبرمة: تجوز شهادة امرأتين. وكذلك قال أبو عبيد وإسحاق قياساً على الرجلين.
اختلاف العلماء لوحة رقم: (106) ، والأوسط 3/114.
ونقل ابن حجر عن الإمام إسحاق قوله: إنه يجيز شهادة المرأة الواحدة في الرضاع.
فتح الباري 5/268.
وانظر المسألة برقم (981) من، كتاب النكاح والطلاق في هذا الكتاب، وما سيأتي في المسألة رقم: (2925) .

(8/4081)


[2909-] قلت: شهادة الأعمى؟
قال: تجوز في المواضع 1 في النسب، وكل شيء يضبطه ويعرفه معرفة لا تخفى عليه. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
[2910-] قلت: شهادة الأخ لأخيه؟
__________
1 هكذا في النسختين.
2 قال ابن قدامة: وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت بالاستفاضة، وتجوز في المرئيات التي تحملها قبل العمى إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وما يتميز به. قال المرداوي: بلا نزاع.
[] انظر: المقنع 3/697-698، والإنصاف 12/61.
وقال في الكافي: لأنه تجوز روايته بالسماع، واستمتاعه بزوجته، فجازت شهادته كالبصير، ولا يجوز أن يشهد على ما طريقه الرؤية، لأنه لا رؤية له إلاّ التي تحملها قبل العمى.
انظر: الكافي 4/545، وراجع: المبدع 10/238، ومطالب أولي النهى 6/422.
3 نقل ابن المنذر هذه الرواية عن الإمام أحمد وإسحاق فقال: قال أحمد بن حنبل: يجوز في المواضع في النسب، وكل شيء يضبطه ويعرفه معرفة لا يخفى عليه، وبه قال إسحاق.
الأوسط لوحة: (105) ، وراجع قول الإمام إسحاق في: المغني 9/189، والمحلّى 9/433، وعمدة القارئ 13/221

(8/4082)


قال: جائز، 1 ولا تجوز شهادة الأب للابن، ولا الابن للأب والأم. 2
__________
1 قال الخرقي: وشهادة الأخ لأخيه جائزة. مختصر الخرقي ص 230.
قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على أن شهادة الأخ لأخيه جائزة إذا كان عدلاً، روي هذا عن ابن الزبير، وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، والنخعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وأبو عبيد، وإسحاق، وأبو ثور.
انظر: المغني 9/164، والأوسط ص 104، والإجماع لابن المنذر ص: 30 برقم: (263) .
2 للإمام أحمد رحمه الله في شهادة الآباء للأبناء والأبناء للآباء أربع روايات:
[1-] عدم جواز شهادة الأب للابن وإن سَفُلَ، ولا الابن للأب والأم وإن عَلَيَا.
[2-] تقبل شهادة الابن لأبيه، ولا تقبل شهادة الأب له، لأن مال الابن في حكم مال الأب، له أن يتملكه إذا شاء، فشهادته له شهادة لنفسه، أو يجرّ بها لنفسه نفعاً.
[3-] تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا تهمة فيه: كالنكاح والطلاق، والقصاص، والمال إذا كان مستغنى عنه.
[] انظر: المغني 9/191، والمبدع 10/242-243، والكافي 4/ 528، والمحرر 2/313.
[4-] أن شهادة كل واحد منهما للآخر مقبولة.
انظر: الكافي 4/528، والمبدع 10/243.
وقد رجّح المرداوي الروايةَ الأولى وقال: هذا المذهب، وعليه الأصحاب. الإنصاف 12/66.

(8/4083)


قال إسحاق: شهاداتهم 1 كلهم جائزة، إذا كانوا عدولاً. 2
__________
1 في العمرية بلفظ: "شهادتهم".
2 نقل ابن قدامة عن الإمام إسحاق رحمه الله روايتين:
[1-] أن شهادة الوالد لولده لا تقبل، ولا الولد لوالده، ولا لوالدته.
[2-] تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا تهمة فيه، كالنكاح والطلاق والقصاص، والمال إذا كان مستغنى عنه.
المغني 9/192، والأوسط 106، وراجع: إعلام الموقعين 1/114، والمحلى 9/416، واختلاف العلماء لوحة: (104) .
واستدل المانعون لشهادة الأبناء للآباء، والآباء للأبناء بما جاء عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا مجلود حداً ولا مجلودة، ولا ذي غمر لإحنة، ولا مجرب شهادة، ولا القانع أهل البيت لهم، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة".
قال الفزاري: القانع التابع.
[] الحديث رواه الترمذي في سننه 4/545-546، كتاب الشهادات، باب ما جاء فيمن تجوز شهادته، برقم: (2298) .
وقالوا: إن الظنين هو المتهم، والأب يتهم لولده، لأن ماله كماله لقوة القرابة بينهما، والتي تدعو الشاهد أن يشهد خلاف الواقع. انظر: المغني (9/192) .
ويرد على هذا الدليل: أن هذا الحديث ضعيف، لا يعتمد عليه في الاستدلال.
فقد ضعفه الترمذي في سننه 4/546، والبيهقي في السنن الكبرى 10/155، وقال: لا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعتمد عليه، والألباني في إرواء الغليل 8/292.
والحديث محمول على ظهور التهمة، ولا قائل بقبول شهادة المتهم، سواء كان أباً أو غيره.
فالتهمة وحدها مستقلة بالمنع، وهي لا تخص الأقرباء فقط، بل تعم كل من يتهم بالشهادة لهم، سواء كان الشاهد قريباً أو أجنبياً.
[] انظر: أعلام الموقعين 1/117، وراجع 1/114-115.
والأصل قبول شهادة العدل مطلقاً، قريباً، أو غير قريب، لعموم قوله تعالى:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} سورة الطلاق آية: 2، وقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} سورة البقرة آية: 282، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} سورة المائدة آية: 106.
فلم تفرق هذه النصوص بين عدل وآخر، من قريب، أو غيره، فالأب والابن عدلان من رجالنا، فما لم تسلب عنهم صفة

(8/4084)


العدالة فشهادتهما مقبولة كغيرهما من الأجانب.
انظر: المحلى 9/415 - 416، وأعلام الموقعين 1/114، ومصنف عبد الرزاق 8/343 - 344، ومدى صلاحية الشهادة لإثبات الأحكام 207.
وسيأتي مزيد بيان في المسألة برقم. (2922) .
[2911-] قلت: شهادة ولد الزنى؟
قال: جائز إذا كان عدلا، 1 وإن قذفه إنسان يقام عليه الحد،
وإن قذف أمه وقد أقيم [عليها] 2 الحد فقد أساء، يؤدب ولا يقام عليه 3 الحد.
__________
1 قال الخرقي: وشهادة ولد الزنى جائزة في الزنى وغيره. مختصر الخرقي ص 230.
قال ابن مفلح: لعموم الأدلة، وأنه عدل مقبول الرواية والشهادة في غير الزنى فتقبل فيه كغيره، وولد الزنى لم يفعل فعلاً قبيحاً يجب أن يكون له نظير، لأن الزاني لو تاب لقبلت شهادته، وهو الذي فعل الفعل القبيح، فإذا قبلت شهادته مع ما ذكر فغيره أولى. المبدع 10/240.

2 في الظاهرية بلفظ "عليه".
3 في العمرية بلفظ "عليها".

(8/4085)


وإن لم تحد فهي امرأة مستورة يقام عليه الحد.
قال إسحاق: كما قال. 1
[2912-] قلت: الشهداء 2 إذا استووا يقرع بينهم؟
قال: إذا استووا وليست 3 السلعة في يد [أحدهم أقرع بينهم، 4 فإذا كانت] في يد أحدهما فادعيا [ها] جميعاً فالبينة
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 9/196، والمحلى 9/430.
2 في الظاهرية بلفظ "شهداء".
3 في العمرية بلفظ "وليس".
4 تقدم نحو هذه المسألة في المعاملات برقم: (1885) .
ونقل نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله ابنه صالح فقال: وإذا لم تكن السلعة في أيديهما فادعياها، وأقاما البينة جميعاً، أقرع بينهما على اليمين، فأيهما أصابته القرعة حلف وكانت السلعة له. مسائل صالح ص 103.
وللإمام أحمد رحمه الله إذا استوت البينتان، والسلعة ليست في يد أحدهما ثلاث روايات:
[1-] إذا تساوت البينتان فقد تعارضتا، وتقسم العين بينهما بغير يمين.
[2-] أنهما يتحالفان، كمن لا بينة لهما، فيسقطان بالتعارض. قال المرداوي: وهذه الرواية هي المذهب.
[3-] أنه يقرع بينهما، فمن قرع صاحبه حلف وأخذها.
انظر: الإنصاف 11/389 - 390، والقواعد لابن رجب ص 363، والكافي لابن قدامة 4/489.

(8/4086)


بينةُ الذي ليس في يده 1 السلعة. 2
__________
1 في العمرية بلفظ (يده) .
2 نقل أبو داود رواية عن الإمام نحو الجزء الثاني من هذه الرواية فقال: سمعت أحمد سئل عن رجل في يديه دار، أقام البينة الرجل أنها داره، وأقام الذي في يديه أنها داره ورثها؟ فقال: البينة بينة المدعي، وليس لصاحب الدار بينة. مسائل أبي داود ص 210.
اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فيما إذا تعارضت البينتان والسلعة في يد أحدهما إلى روايتين:
[1-] المشهور عنه تقديم بينة المدعي، ولا تسمع بينة المدعى عليه بحال.
[2-] والرواية الثانية عنه: إن شهدت بينة الداخل بسبب الملك وقالت نتجت في ملكه، أو اشتراها، أو نسجها، أو كانت بينته أقدم تاريخاً قدمت، وإلا قدمت بينة المدعي. والرواية الأولى هي المذهب.
انظر المغني 9/275، والإنصاف 11/380 - 381، ومختصر الخرقي ص 235.

(8/4087)


قال إسحاق: 1 كما قال. 2
[2913-] قلت: شهادة الصبيان؟
قال: إذا قاموا بها عدولاً كباراً، وأما هم صغاراً فلا. 3
قال إسحاق: كما قال. 4
__________
1 في العمرية بحذف " إسحاق ".
2 وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 9/275، والمحلى 9/438، والطرق الحكمية ص 324، وسبل السلام 4/134، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 140، والأوسط 3/71.
3 للإمام أحمد رحمه الله في شهادة الصبيان روايات:
[1-] لا تقبل شهادة الصبيان مطلقاً. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
[2-] تقبل ممن هو في حال العدالة، فتصح من مميز، ونقل ابن هانئ: ابن عشر.
[3-] لا تقبل إلا في الجراح، إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحالة التي تجارحوا عليها.
[] انظر: الإنصاف 12/37، ومسائل عبد الله ص 436 برقم: (1577-1578) ، ومسائل ابن هانئ النيسابوري 2/36 برقم 1325، والمبدع 10/213، والمحرر 2/213، والكافي 4/521، والطرق الحكمية ص 170، ومطالب أولي النهى 6/608، ومجموع الفتاوى 15/306.
4 قال ابن المنذر: وكان عطاء بن أبي رباح، والشعبي وشريح، والحسن البصري، لا يجيزون شهادته - أي الصبي -، وهذا قول ابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، والمزني والنعمان وأصحابه.
وقال طائفة: يجوز شهادتهم في الجراح، وفي الدم. الأوسط 3/105
وانظر قول الإمام إسحاق في: المحلى 9/421، وعمدة القاري 13/239.
واستدلوا بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} سورة البقرة آية: 282. والصبي ليس من رجالنا، ولأنه ليس بمكلف وقد أخبر الله تعالى أن الشاهد الكاتم شهادته آثم، والصبي ليس بآثم، فدل على أنه ليس بشاهد.

(8/4088)


ولأنه لا تحصل الثقة بقوله، لعدم خوفه من مأثم الكذب.
ولأنه من لا يقبل قوله على نفسه في الإقرار، لا تقبل شهادته على غيره كالمجنون.
انظر: الكافي 4/521 والمبدع 10/213.
[2914-] قلت: هل 1 تجوز شهادة الحاكم إذا كان أشهد؟
قال: لا، حتى يحاكمه إلى غيره، أو تكون شهادة 2 شاهد ويمين الطالب.
قال إسحاق: كما قال. 3
[2915-] قلت: النصراني يسلم، والعبد يعتق فيشهدون، وكانت شهادتهم
__________
1 في العمرية بحذف "هل".
2 في العمرية بحذف لفظ "شهادة".
3 هذه المسألة مبنية على مسألة: هل يحكم الحاكم بعلمه أم لا؟
وستأتي إن شاء الله برقم (2916) من هذه المسائل.
قال ابن المنذر: وقال أحمد وإسحاق في شهادة الحاكم: لا، حتى يحاكم إلى غيره، أو يكون شهادة شاهد، ويمين الطالب.
وقيل لأحمد في شهادة الحاكم إذا رأى بعينه؟ قال: لا يحكم إلا بشهادة الشهود، وقال إسحاق: جائز إذا عاين في حكمه سوى الحد. الأوسط 3/49.

(8/4089)


في النصرانية والرق؟
قال: إذا شهدوا في وقت وهم عدول تجوز شهادتهم، إلا أن تكون ردت شهادتهم تلك. 1
قال إسحاق: كما قال.
[2916-] قلت: تجوز شهادة الحاكم إذا رأى هو بعينه؟
قال: لا يحكم إلا بشهادة الشهود. 2
__________
1 قال الخرقي: ومن شهد وهو عدل، شهادة قد كان شهد بها وهو غير عدل وردت عليه، لم تقبل منه حال عدالته. فإن كان لم يشهد بما عند الحاكم حتى صار عدلاً، قُبلت منه. مختصر الخرقي ص 230.
قال ابن قدامة: لأن التحمل لا تعتبر فيه العدالة، ولا البلوغ، ولا الإسلام، لأنه لا تهمة في ذلك، وإنما يعتبر ذلك في الأداء. فإذا رأى الفاسق شيئاً أو سمعه ثم عدل، وشهد به قبلت شهادته بغير خلاف نعلمه، وهكذا الصبي والكافر، إذا شهد بعد الإسلام والبلوغ قُبلت.
المغني 9/204، وراجع: المبدع 10/233، كشاف القناع 6/425، والإنصاف 12/75.
2 للإمام أحمد رحمه الله في شهادة الحاكم بعلمه ثلاث روايات:
إحداها: أنّ الحاكم لا يحكم بعلمه في حدّ ولا غيره، ولا فيما عَلِمه قبل الولاية، ولا بعدها.
قال المرداوي: هذا المذهب بلا ريب، وعليه الأصحاب.
والثانية: أنه يجوز له أن يحكم بعلمه، سواء عَلِمه في ولايته، أو قبلها.
والثالثة: يجوز أن يحكم بعلمه، إلا في الحدود.
الإنصاف 11/251، المغني 9/53، الكافي 4/464، النكت والفوائد السنية 2/206، ومختصر الخرقي ص 226.

(8/4090)


قال إسحاق: بل هو جائز إذا عاين في حكمه، 1 سوى الحد جاز 2 لما يدرأ بالشبهة. 3
__________
1 في العمرية بلفظ "إذا عاين في حكمه إذا عاين".
2 سقط لفظ "جاز" من العمرية.
3 نقل العيني رأي الإمام إسحاق فقال: وقال شريح والشعبي، ومالك في المشهور عنه، وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يقضي بعلمه أصلاً.
عمدة القارئ 24/235، وراجع: الأوسط 3/49.
ونقل ابن قدامة مثل هذه الرواية عن الإمام إسحاق رحمه الله، فلعلّها رواية ثانية عنه، فيكون له في المسألة روايتان كروايتَي الإمام أحمد رحمه الله. المغني 9/53.
واستدلّ المانعون بما روى عروة بن الزبير أنّ زينبَ ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومةً ب، باب حجرته فخرج اليهم فقال: "إنما أنا بشر وإنّه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها".
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (7181) ، فتح الباري 13/172، كتاب الأحكام، باب من قضي له بحقّ أخيه فلا يأخذْه، فإنّ قضاءَ الحاكم لا يُحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً، وفي رواية: "فأقضي له على نحو ما أسمع منه". فدل على أنه إنما يقضي بما يسمع لا بما يعلم.
ولما روي أنّ عمر بن الخطاب قال لعبد الرحمن بن عوف: "أرأيت لو رأيت رجلاً زنى، أو سرق؟ قال: أرى شهادَتك شهادة رجلٍ من المسلمين، قال: أصبت".
انظر: صحيح البخاري مع الفتح 13/158، مصنّف عبد الرزاق 8/340، والسنن الكبرى للبيهقي 10/144.
ولأنّه يُلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقاً، أنّه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهدْ منه فجورٌ قطّ أن يرجمَه ويدّعي أنه رآه يزني، أو يفرّق بينه وبين زوجته، ويزعم أنه سمعه يطلقها، أو بينه وبين أمته ويزعم أنه سمعه يعتقها، فإن هذا ال، باب لو فتح لوجد كلّ قاض السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه، والتفريق بينه وبين من يحب. فتح الباري 13/160.

(8/4091)


[2917-] قلت: شاهد 1 الزور 2 ما يصنع به؟
قال: يقام للناس ويعرف ويؤدب. 3
قال إسحاق: كما قال. إن كان من التجار بعثه إلى سوقه، وإن
__________
1 في العمرية بلفظ: "شهادة".
2 أصل الزور: تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل لمن سمعه أنه بخلاف ما هو عليه. فتح الباري 5/261.
3 نقل هذه الرواية صاحب النكت والفوائد السنية 2/355.
قال في المقنع: وإذا علم الحاكم بشاهد الزور عزّره، وطاف به في المواضع التي يشتهر فيها، فيقال: إنا وجدنا هذا شاهدَ زورٍ فاجتنبوه. المقنع 3/720.
قال المرداوي: بلا نزاع، وللحاكم فعل ما يراه من أنواع التعزير به، ما لم يخالف نصاً أو معنى نص.
الإنصاف 12/107، وراجع: المغني 9/259، الكافي 4/532، والفروع 6/601.

(8/4092)


كان من العرب فإلى حيه، كما فعل 1 شريح، 2 وهذا إذا تحقق تعمده لذلك. 3
[2918-] قلت: شهادة الرجل على الرجل؟ 4
قال: تجوز شهادة الرجل على الرجل، وأما شهادة الرجلين على الرجل فلا أعرفه 5 - كأنه يتعجب ممن يقول هذا - أن لا
__________
1 في الظاهرية بلفظ: "قال".
2 قول القاضي شريح رواه أبو حصين: أنّ شريحاً كان يؤتى بشاهد الزّور فيطاف به في أهل المسجد وسوقه، ويقول: إنّا قد دفعنا شهادته.
أورده وكيع في أخبار القُضاة 2/288، عبد الرزاق في مصنّفه 8/326 برقم: (15391) ، والبيهقي في السنن الكبرى 10/142، وراجع قوله في: عمدة القارئ 13/217.
3 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد وإسحاق من هذه الرواية فقال: وكان أحمد بن حنبل يقول: يقام للناس ويعرف ويؤدب. وبه قال إسحاق.
الأوسط 3/102، وانظر قوله في عمدة القارئ 13/217.
4 المراد من شهادة الرجل على الرجل، هو الشهادةُ على الشهادة. وعرّفها ابن عرفة بقوله: "هي إخبار الشاهد عن سماعه شهادة غيره أو سماعه إياه لقاض". شرح الخرش 7/217.
وتقدّمت مسألةُ شهادةِ رجلٍ مكانَ رجلٍ في الطّلاق في، كتاب النكاح والطلاق برقم: (1213) .
5 القول الذي عليه المذهب في المسألة: هو أنه يجوز أن يشهد كل واحد من شاهدي الأصل شاهد فرع، فيشهد شاهدا فرع على شاهدي أصل.
قال الإمام أحمد: وشاهد على شاهد يجوز، لم يزل الناس على ذا: شريح فمن دونه، قال المرداوي: هذا المذهب.
وعن الإمام أحمد: يكفي شاهدان يشهدان على كل واحد منهما. وعنه: يكفي شهادة رجل على اثنين. قال القاضي: لأنه خبر.
[] انظر: المغني 9/212، والإنصاف 12/93-94. وراجع: المقنع 3/714، كشاف القناع 6/440، التنقيح [] [] المشبع ص 319، المحرّر 2/240، النكت والفوائد السنية 2/340-341، والمبدع 10/267.

(8/4093)


تجوز إلا شهادة رجلين على شهادة رجل. 1
قال إسحاق: كما قال. 2 لم يزل أهل العلم من التابعين ومن
__________
1 يشير إلى ما ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية القائلون: بعدم جواز شهادة الفروع الذين ينقلون عن الأصول، إلاّ إذا نقل الشهادة اثنان عن كل واحد من الأصول. وبهذا لا تصح الشهادة على الشهادة، إلاّ إذا شهد أربعة من الفروع، إذا كان شهود الأصل اثنين.
[] انظر: المبسوط 16/137-138، بدائع الصنائع 6/282، حاشية العدوي 7/219، وحاشية قليوبي وعُمَيْرٍ على منهاج الطالبين 4/332، مغني المحتاج 4/255، زاد المحتاج بشرح المنهاج 4/608، ونهاية المحتاج 8/308.
2 نقل ابن قدامة قول إسحاق رحمه الله على نحو ما هو في هذه الرواية فقال: قال إسحاق: لم يزل أهل العلم على هذا، حتى جاء هؤلاء. المغني 9/212.
وانظر قوله في: المحلى لابن حزم 9/439، اختلاف العلماء لوحة: (105) والأوسط 3/118.

(8/4094)


بعدهم على ذلك، 1 حتى جاء هؤلاء. 2
[2919-] قلت: شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض؟
قال: لا يجوز شهادة أهل الكتاب في شيء، لأنهم ليسوا بعدول. 3
__________
1 ومن القائلين بجواز شهادة الرجل على شهادة الرجل من التابعين ومن بعدهم: القاضي شريح، وعامر بن شراحيل الشعبي، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وإبراهيم النخعي، والزهري، ويزيد بن حبيب وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وعثمان البتي، والعنبري، ونمير بن أوس.
[] انظر: مصنف عبد الرزاق 8/338-339، المحلى 9/439، المغني 9/212، الأوسط 3/118، وأخبار القضاة 2/365.
2 راجع الحاشية السابقة.
3 نقل الخلال هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في: أحكام أهل الملل ص 89، وأشار إليها ابن القيم في: الطرق الحكمية ص177.
ونقل أبو داود عن الإمام أحمد نحو هذه الرواية فقال: قلت لأحمد شهادة أهل الكتاب؟ قال: لا تجوز شهادتهم على شيء بعضهم على بعض. قلت: ولا المسلمين؟ قال: ولا المسلمين. مسائل أبي داود ص 210.
ونحوه في مسائل عبد الله ص 435 برقم 1574، وعلله بقوله وليسوا ممن يرضى وليسوا بعدول، وإنما يعدله مثله.
وللإمام أحمد رحمه الله في شهادة أهل الكتاب روايات:
إحداها: أن شهادة أهل الكتاب لا تقبل في شيء على مسلم ولا كافر، إلا حال الوصية في السفر، إذا لم يكن غيرهم. وهو المذهب.
الثانية: تقبل شهادة السبي بعضهم لبعض في النسب، إذا ادّعى أحدهم أنّ الآخرَ أخوه.
والثالثة: أن شهادة بعض أهل الذمة تقبل على بعض، نقلها حنبل، وخطأه الخلال في نقله.
[] انظر: المغني 9/184 والإنصاف 12/40-41.

(8/4095)


قال إسحاق: شهادة أهل الكتاب تجوز، كل ملة على ملتها ولا تجوز شهادة ملة على غير ملتها، [ظ-92/أ] لما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه دعا باليهود حين 1 شهدوا على يهودي بالزنى 2، ولا تجوز شهادة اليهودي على النصراني، لأنّ ما
__________
1 في العمرية بلفظ: "حتى".
2 يشير إلى ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: "ائتوني بأعلم رجلين منكم". فأتوه بابني صوريا، فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: "فما يمنعكما أن ترجموهما؟ " قالا: "ذهب سلطاننا، فكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاؤوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمها".
وأصل القصّة في الصحيحين.
ورواها بهذا اللفظ أبو داود في سننه 4/156، كتاب الحدود، باب رجم اليهوديين برقم: (4452) .
قال المنذري: في إسناده مجالد بن سعيد، وهو ضعيف. مختصر سنن أبي داود للمنذري 6/265.
وراجع: صحيح مسلم 3/1326 – 1327، وصحيح البخاري مع الفتح 12/166.

(8/4096)


بينهما من العداوة أعظم مما بين المسلمين بعضهم في بعض. 1
[2920-] قلت: الوارث يعترف بديْن على الميت؟
قال: تجوز عليه في حصته في نصيبه، وإذا شهد رجلان جاز عليهم كلهم. 2
__________
1 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله الخطابي فقال: وقال آخرون: "شهادة اليهودي على اليهودي جائزة، ولا تجوز على النصراني والمجوس لأنّها ملل مختلفة، ولا تجوز شهادة أهل ملّة على ملّة أخرى.
وهذا قول الشعبي، وابن أبي ليلى، وإسحاق بن راهوية، وحكي ذلك عن الزهري قال: وذلك للعداوة التي ذكرها الله بين هذه الفرق.
معالم السنن 5/221، وانظر قول الإمام إسحاق في المغني 6/184، وشرح السنة للبغوي 10/125، والأوسط 2/112، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم: 141.
2 نقل ابن هانئ النيسابوري نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يقر بدين على أبيه، ومعه إخوة يرثون أباهم، ولم يكن الباقون أقروا بشيء؟ قال أبو عبد الله: "يعطي الذي أقر بالدين من حصته ".
قال له: فإن اثنين منهم أقرا، وأنكر الباقون؟
قال: إذا شهدا بدين على أبيهما، أعطى كل واحد منهما بحصته من الدين الذي على أبيهما. مسائل ابن هانئ 2/68 برقم 1468.
قال الخرقي: إن أقر بدين على أبيه لزمه من الدين بقدر ميراثه. مختصر الخرقي ص100.
قال ابن قدامة: وجملة ذلك: أن الوارث إذا أقر بدين على مورثه قبل إقراره، بغير خلاف نعلمه، ويتعلق ذلك بتركة الميت كما لو أقر به الميت قبل موته، فإن لم يخلف تركة لم يلزم الوارث بشيء، لأنه لا يلزمه أداء دينه إذا كان حياً مفلساً، فكذلك إذا كان ميتاً، وإن خلف تركة تعلق الدين بها. المغني 5/209.
ويلزم الوارث المقر من الدين بقدر إرثه من الميت، فإذا ورث النصف فعليه نصف الدين، أو الثلث، وهكذا.
انظر المغني 5/210، والمبدع 10/315.
قال المرداوي: هذا المذهب مطلقاً. ومراده إذا أقر من غير شهادة، فأما إذا شهد منهم عدلان، أو عدل وعين، فإن الحق يثبت.
الإنصاف 12/155، وراجع الكافي 4/540، والفروع 5/71، 6/617، ومطالب أولي النهى 6/671.

(8/4097)


1 - وذلك أن الورثة لو كانوا اثنين، فإن المقر لا يستحق أكثر من نصف الميراث، فلا يلزمه أكثر من نصف الدين كما لو أقر أخوه.
2 - ولأنه إقرار يتعلق بحصته، وحصة أخيه، فلا يجب عليه إلا ما يخصه كالإقرار بالوصية، وإقرار أحد الشريكين على مال الشركة.
3 - ولأنه حق لو ثبت ببينة، أو قول الميت، أو إقرار الوارثين، لم يلزمه إلا نصفه، فلم يلزمه بإقراره أكثر من نصفه كالوصية.
4 - ولأن شهادته بالدين مع غيره تقبل، ولو لزمه أكثر من حصته لم تقبل شهادته، لأنه يجر بها إلى نفسه نفعاً. انظر المغني 5/210.

(8/4098)


قال إسحاق: أجاد 1 كما قال. 2
[2921-] قلت: اليمين مع الشاهد؟
قال: إي لعمري في الحقوق، لا تكون في الطلاق ولا في الحدود إلا في الحقوق التي تجب بها الأموال. 3
__________
1 في العمرية بحذف كلمة " أجاد ".
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 5/210.
3 قال ابن قدامة: المال وما يقصد به المال كالبيع، والقرض، والرهن، والوصية له، وجناية الخطأ يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين، وشاهد ويمين المدعي. المقنع 3/708
قال المرداوي: على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف 12/115.
وقال في حاشية المقنع: قال أحمد رحمه الله تعالى: مضت السنة أن يقضى باليمين مع الشاهد الواحد، فإن أبى أن يحلف، استحلف المطلوب، يعني وسقط الحق.
حاشية المقنع 3/310، والنكت والفوائد السنية 2/314.
وقال في المغني: وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين.
المغني 9/151 - 152، وراجع الأوسط 3/67

(8/4099)


قال [ع-163/أ] إسحاق: كما قال. 1
[2922-] قلت: لا تجوز شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الشريك لشريكه، ولا العبد لسيده، ولا السيد لعبده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا المريب، ولا الخصم، ولا دافع مغرم، ولا الأجير، ولا الولي، ولا الوصي، ولا الأخ لأخيه؟ 2.
__________
1 وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط 3/67.
نقل الترمذي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، رأوا أن اليمين مع الشاهد الواحد جائز في الحقوق والأموال. وهو قول مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد وإسحاق، وقالوا: لا يقض باليمين مع الشاهد إلا في الحقوق والأموال.
سنن الترمذي 3/619 - 620، وراجع التمهيد لابن عبد البر 2/15.
ودل على هذه المسألة ما رواه ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قضى بيمين وشاهد".
وأخرجه مسلم في صحيحه 3/1337، كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد برقم 1712.
2 في العمرية سقط " لا " من لأخيه.
وتقدمت شهادة الأخ لأخيه والأب للابن والابن للأب والأم في المسألة رقم: (2910) .

(8/4100)


قال: الأخ لأخيه تجوز، والأجير تجوز شهادته إذا كان لا يجر إلى نفسه، والولي إذا كان لا يجر إلى نفسه تجوز شهادته.
والولي والوصي واحد، وهؤلاء كلهم إذا شهدوا عليهم جازت شهادتهم. 1
قال إسحاق: كما قال، وكذلك إذا شهدوا لهم، يجوز مثل ما عليهم. 2
قال الزهري: إنما اتهمت القضاة الآباء للأبناء والأبناء للآباء بعد، ولم يزل جائزاً فيما مضى 3 وقد قال الله [عز وجل]
__________
1 نقل ابن هانئ النيسابوري نحو هذه الرواية فقال سمعته يقول - أي الإمام أحمد -: تجوز شهادة الأخ لأخيه، وكل شيء من القرابات لا تجوز، إذا كان يجرون الشيء لأنفسهم. مسائل النيسابوري 2/38 برقم 1339.
قال الشيخ مرعي بن يوسف: وكل من لا تقبل - شهادة - له فإنها تقبل عليه. دليل الطالب ص 304.
2 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله كل من: المحلى 9/416، والمغني 9/192 - 194، وتفسير القرطبي 5/411، واختلاف العلماء للمروزي لوحة: 104، والأوسط 3/103.
3 نقل ابن القيم قول الزهري فقال: قال ابن وهب: حدثنا يونس عن الزهري قال: لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الزوج لامرأته، ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة، وصار ذلك من الولد، والوالد والأخ والزوج والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان.
انظر إعلام الموقعين 1/113، والمحلى 9/415 - 416، وراجع الأوسط 3/107، وتفسير القرطبي 5/411.

(8/4101)


{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} . 1
وقد ذكر عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز [رضي الله عنهما] أنهما أجازا ذلك إذا كانوا عدولاً، واحتجوا بهذه 2 الآية.
__________
1 جزء من آية 282 سورة البقرة.
2 عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال عمر: "تجوز شهادة الوالد لولده، والولد لوالده، والأخ لأخيه إذا كانوا عدولاً، لم يقل الله حين قال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ، إلا أن يكون والداً، أو ولداً، أو أخاً".
مصنف عبد الرزاق 8/343، كتاب الشهادات، باب شهادة الأخ لأخيه، والابن لأبيه، والزوج لامرأته برقم 15471.
وراجع إعلام الموقعين 1/113 - 114، والمحلى 9/415 عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري قال: أجاز عمر بن عبد العزيز شهادة الابن لأبيه إذا كان عدلاً.
مصنف عبد الرزاق 8/344، كتاب الشهادات، باب شهادة الأخ لأخيه والابن لأبيه والزوج لامرأته برقم 15475، من طريق معمر عن عبد الله بن عبد الرحمن به.

(8/4102)


[2923-] قالت: ما العدل في المسلمين؟
قال: من لم يظهر منه ريبة رجل مستور. 1
قال إسحاق: كما قال، بعد أن تعرفه جيرانه، وخلطاؤه في السفر تنفي 2 الريبة عنه. 3
__________
1 نقل ابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد في مسائله 2/37 برقم 1331.
قال الخرقي: والعدل من لم تظهر منه ريبة. وهذا قول إبراهيم النخعي وإسحاق.
قال ابن قدامة: وجملته أن العدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله. قال القاضي: يكون ذلك في الدين والمروءة والأحكام.
أما الدين: فلا يرتكب كبيرة، ولا يداوم على صغيرة، فإن الله تعالى أمر أن لا تقبل شهادة القاذف، فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة، ولا يخرجه عن العدالة فعل الصغيرة.
المغني 9/167.
قال المرداوي: إن الصحيح من المذهب، اعتبار العدالة في البينة ظاهراً وباطناً فيعتبر استواء أحواله في دينه، واعتدال أقواله وأفعاله. وهذا المذهب بلا ريب.
وقيل: العدل من لم تظهر منه ريبة، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
الإنصاف 12/43، وراجع المبدع 10/219، والإقناع 4/437
2 في العمرية بلفظ " ينفي ".
3 نقل هذه الرواية ابن المنذر فقال: قال أحمد: العدل في المسلمين من لم يظهر منه ريبة، رجل مستور.
وكذلك قال إسحاق بعد أن تعرفه جيرانه أو خلطاؤة في السفر بنفي الريبة عنه.
الأوسط 3/116، وراجع قوله في عمدة القارئ 13/199

(8/4103)


[2924-] قلت: شهادة العبد والمكاتب؟
قال: العبد إذا كان عدلاً جازت شهادته، والمكاتب أحرى أن تجوز شهادته. 1
قال إسحاق: كما قال، وقد أجاد. 2
__________
1 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد في النكت والفوائد السنية فقال: قال الإمام أحمد في رواية ابن منصور: العبد إذا كان عدلاً جازت شهادته، والمكاتب أحرى: أن تجوز شهادته. النكت 2/306.
وللإمام أحمد رحمه الله في حكم شهادة العبد روايات:
إحداها: تقبل شهادة العبد والأمة فيما تقبل فيه شهادة الحر والحرة.
قال المرداوي: وإن كانت في الحدود والقصاص قبلت أيضاً على الصحيح من المذهب، نص عليه، وكذلك قال ابن القيم في الطرق الحكمية.
والثانية: تجوز شهادة العبد في كل شيء، إلا في الحدود، وتجوز شهادة الأمة فيما تجوز فيه شهادة النساء.
والثالثة: يشترط في الشهادة الحرية، فلا تقبل شهادة العبد بحال.
انظر: الإنصاف 12/606، والمحرر بهامشه النكت 2/305 - 306 - 307، والمغني 9/194، ومختصر الخرقي ص 230، والفروع 6/580، والمبدع 10/236، والكافي 4/534، والطرق الحكمية ص 165 وما بعدها.
2 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهوية، وأبو ثور: شهادة العبد جائزة.
وقال ابن المنذر: وحكم المكاتب حكم العبد.
الأوسط 3/105، وراجع المحلى 9/423، وفتح الباري 5/267، وفتح القدير لابن الهمام 7/399، وعمدة القارئ 13/223، والجامع لأحكام القرآن 3/389، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 141.
وقد حكى الإمام أحمد رحمه الله … عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "ما علمت أحداً رد شهادة العبد".
وهذا يدل على أن ردها إنما حدث بعد عصر الصحابة.
قال ابن القيم رحمه الله: " وقبول شهادة العبد هو موجب الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وصريح القياس، وأصول الشرع، وليس مع من ردها، كتاب ولا سنة، ولا إجماع ولا قياس.

(8/4104)


والمقتضى بقبول شهادة المسلم عدالته، وغلبة الظن بصدقه، وعدم تطرق التهمة إليه، وهذا بعينه موجود في العبد، فالمقتضى موجود والمانع مفقود، فإن الرق لا يصلح أن يكون مانعاً، فإنه لا يزيل مقتضى العدالة، ولا تطرق تهمة. الطرق الحكمية 166 - 167 بتصرف.
[2925-] قلت: إذا شهدت الأمة في الاستهلال والرضاع؟
قال: نعم تجوز شهادتها في موضع الضرورة إذا كانت مرضية وتستحلف في الرضاع وحدها. 1
قال إسحاق: كما قال. ولكن لا بد من امرأتين، لأنه يمكن
__________
1 في العمرية بلفظ " وحده ".
وقد تقدمت شهادة المرأة في الرضاع والاستهلال فيما لا يطلع عليه الرجال، برقم: (2908) .

(8/4105)


ذلك في الاستهلال وغيره. 1
[2926-] قلت: يحلف الرجل مع بينته أم لا؟ 2
قال أحمد: لا أعرفه. 3
__________
1 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله ابن المنذر في الأوسط فقال: وقال إسحاق: ولكن لا يجوز دون امرأتين في العيوب والاستهلال. وفي كل موضع لا يطلع الرجال لا بد من امرأتين، يقومان مقام الرجلين.
الأوسط 3/115، وراجع اختلاف العلماء للمروزي لوحة 106
ونقل عنه أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع، وتستحلف مع شهادتها.
انظر المغني 7/558، وشرح السنة للبغوي 9/87
2 ومعناه: تحليف المدعي مع شاهديه.
3 مقصود الإمام أحمد رحمه الله بهذا اللفظ: الإنكار على من قال يحلف الرجل مع بينته، وقد فسر هذا الاصطلاح إسحاق بن منصور الكوسج راوي المسائل في المسألة رقم (2918) .
وقال الإمام أحمد، ومن وافقه من الأئمة: بعدم الاستحلاف مع البينة إلا استثناء كالقسامة في الدماء، والقسامة مع اللوث في الأموال. واستندوا في ذلك على الحديث الشريف "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" فجعل البينة في جهة، واليمين في جهة، فلا يجوز اجتماعها معاً في جهة واحدة.
ولأن الشاهدين وغيرهما حجة كاملة تستوجب القضاء، والحكم إن كانت صحيحة، وإلا فإنها ترد وترفض، إذا كانت غير صحيحة، ولأن توجيه اليمين على المدعي يعتبر طعناً في بيّنته، وهو لا يجوز.
وسائل الإثبات ص 358، والمبسوط 16/118، وراجع المبدع 10/282، والإنصاف 12/111، والطرق الحكمية ص 143.
وقد خرج ابن القيم رحمه الله في المسألة وجهين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله فقال: ويخرج في مذهب أحمد وجهان:
فإن أحمد سئل عنه - أي تحليف المدعي مع شاهديه - فقال: قد فعله علي والصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وفيما إذا سئل عن مسألة فقال: قال فيها بعض الصحابة كذا: وجهان ذكرهما ابن حامد.
الطرق الحكمية 146، وراجع المسودة لآل تيمية ص 530، والسنن الكبرى للبيهقي 10/261.

(8/4106)


قال إسحاق: بلى إذا استراب الحاكم، 1 أو أحب المدعي ذلك، لما علم من الخروج له من حقه، أو سها الشهود عن
__________
1 ونقل ابن القيم، فقال: قال أبو عبيد: إننا نرى شريحاً أوجب اليمين على الطالب مع بينته حين رأى الناس مدخولين في معاملتهم واحتاط لذلك، وقيل لشريح ما هذا الذي أحدثت في القضاء؟ فقال: رأيت الناس أحدثوا. فأحدثت. وقال الأوزاعي والحسن بن حي يستحلف مع بينته، وختم ابن القيم كلامه فقال: وهذا القول ليس ببعيد عن قواعد الشرع، لا سيما مع احتمال التهمة ويقوى بوجودها، وأما بدون التهمة فلا وجه له.
انظر الطرق الحكمية 145 وما بعدها، ووسائل الإثبات ص 359.
وانظر ما روي عن القاضي شريح في السنن الكبرى 10/261، وراجع المغني 9/277، والمحلى 9/377، ومصنف ابن أبي شيبة 7/263.

(8/4107)


الشهادة، كذلك كان شريح 1 والشعبي 2 يحلفان [الشهود] . 3
[2927-] قلت: الرجل يغير شهادته ويزيد وينقص؟
قال: 4 من الرجل العدل ليس به بأس. 5
__________
1 وعن الشعبي: أن شريحاً كان يرد اليمين، ويأخذ اليمين مع الشهود.
أخبار القضاة لوكيع 2/232، ومصنف ابن أبي شيبة 7/264 برقم 3124.
2 عن مالك بن مغول قال: قلت للشعبي: أستحلف الرجل مع بينته؟ قال: نعم.
مصنف ابن أبي شيبة 7/264، كتاب البيوع والأقضية، من كان يستحلف الرجل مع بينته برقم 3113، من طريق وكيع عن مالك بن مغول به.
3 انظر قول الإمام إسحاق في المسألة، عمدة القارئ 13/243، ومجموع الفتاوى 35/392، والأوسط 3/64، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 140.
4 في العمرية بحذف " قال ".
5 نقل ابن مفلح هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قال ابن منصور: قلت للإمام أحمد: الرجل يغير شهادته، ويزيد وينقص؟
قال: من الرجل العدل ليس به بأس. النكت والفوائد السنية مع المحرر 2/354.
قال الخرقي: وإذا غير العدل شهادته بحضرة الحاكم، فزاد فيها، أو نقص قبلت منه، ما لم يحكم بشهادته. مختصر الخرقي ص 233.
قال ابن قدامة: وهذا مثل أن يشهد بمائة، ثم يقول هي مائة وخمسون، أو يقول بل هي تسعون، فإنه يقبل منه رجوعه، ويحكم بما شهد به أخيراً.
المغني 9/262، وراجع: الفروع 6/598، والكافي 4/533، وشرح منتهى الإرادات 3/562.
في العمرية بلفظ " من الرجل العدل ليس به بأس ".

(8/4108)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2928-] قلت: إذا شهد بشهادة ثم رجع فيها؟
قال: إذا رجع وقد أتلف مالاً فهو ضامن بحصته، 2 بقدر 3 ما كانوا في الشهادة، وإن كانا 4 اثنين فعليه النصف، وإن كانوا ثلاثة فعليه الثلث، 5 وإذا شهدوا بالزنى فرجم، فعليه ربع
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 9/262، والنكت والفوائد السنية 2/354، والأوسط 3/120.
2 من أول المسألة إلى موضع الإشارة، نقله ابن مفلح في: النكت والفوائد السنية 2/345.
3 في الظاهرية بإضافة لفظ " قال " قبل بقدر.
4 في الظاهرية بلفظ " إن كانوا ".
5 قال في الكافي: وإن شهدا بمال، ثم رجعا بعد الحكم به غرما، ولا يرجع على المحكوم له به سواء كان المال تالفاً، أو قائماً، لأنهما حالا بينه وبين ماله بعدوان، فلزمهما الضمان، كما لو غصباه، فإن رجع أحدهما غرم النصف، وإن كانوا ثلاثة، فالضمان بينهم على عددهم، وإن رجع أحدهم فعليه بقسطه.
الكافي 4/563، وراجع المغني 9/248 وما بعده، والفروع 6/599، والمبدع 10/271، والإنصاف 12/97، والمقنع 3/716.

(8/4109)


الدية. 1
قال إسحاق: كما قال.
[2929-] قلت: إذا استويت الشهود والسلعة في يد أحدهما؟
قال: الذي في يديه السلعة بينته 2 ليس بشيء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه"3 إنما على هذا اليمين.
__________
1 تقدمت مسألة الشهود بالزنى يرجعون بعد رجم من شهدوا عليه في، كتاب الحدود والديات برقم: (2741) .
2 في العمرية بلفظ "فبينته".
3 والحديث رواه بهذا اللفظ البيهقي في سننه، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه".
السنن الكبرى 10/252، كتاب الدعوى والبينات، باب البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما حكى البيهقي أنه لم يروه عن سفيان إلا الفريابي، قال الألباني: واسمه محمد بن يوسف الضبي مولاهم الفريابي، وهو ثقة فاضل، يقال: "أخطأ في شيء من حديث سفيان"، وهو مقدم فيه مع ذلك عندهم على عبد الرزاق.
وقوله: "البينة على المدعي" خطأ منه، أو من سفيان، لأنه مخالف لرواية الجماعة عن نافع بن عمر الذين لم يذكروا هذه الزيادة.
لكن لهذه الزيادة طرق أخرى عن ابن أبي مليكة رواه البيهقي في السنن الكبرى 2/252، وهو إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين غير الحسن بن سهل؛ وهو ثقة.
انظر السنن الكبرى للبيهقي 10/252، وإرواء الغليل 8/265 - 266

(8/4110)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2930-] قلت: شهادة المختبئ؟ 2
قال: تجوز شهادته إذا 3 كان عدلاً. 4
__________
1 قد سبق تحقيق نحو هذه المسألة برقم: (2912) وما بعدها، ووثقت فيه قول الإمامين: أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى.
2 المراد بالمختبئ هنا: هو الذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره، ولا يعلم به. مثل من يجحد الحق علانية، ويقر به سراً فيختبئ شاهدان في موضع لا يعلم بهما ليسمعا إقراره به ثم يشهدا به، فشهادتهما مقبولة على الرواية الصحيحة. المغني 9/271.
3 في العمرية بلفظ " إن ".
4 للإمام أحمد رحمه الله في شهادة المختبئ روايات أربع هي:
إحداها: تجوز شهادة المستخفي، وهذه الرواية التي عليها المذهب.
والثانية: لا تسمع شهادته. وهو اختيار أبي بكر، وابن أبي موسى.
والثالثة: إن أقر بحق في الحال شهد به، وإن أقر بسابقة الحق لم يشهد به.
والرابعة: لا يلزمه أن يشهد في ذلك كله بل يخير.
انظر: المغني 9/217، والإنصاف 12/22 - 23، والمبدع 10/105 - 106.

(8/4111)


قال إسحاق: كما قال. وقول شريح 1 لو كانوا عدولاً لو يجلسوا ليس بمخالف لهذا، لأنهم ردوا لحال العدالة، فإذا كانوا عدولاً جاز.
قال عمرو بن حريث: 2 كذلك يفعل بالفاجر الظلوم. 3
__________
1 عن الشعبي قال: كان لرجل على رجل دين، وكان يجحده في العلانية فأقعد له قوماً، فأشهدهم عليه في السر، فاختصموا إلى شريح، فأبطل شهادتهم وقال: لو كانوا - عدولاً - ما جلسوا ذلك المجلس. رواه وكيع في أخبار القضاة 2/245 – 246.
انظر قول شريح في السنن الكبرى 10/251، ومصنف ابن أبي شيبة 6/498 برقم: 1819، ومصنف عبد الرزاق 8/356 برقم 15523، وعمدة القارئ 6/326.
2 عن الحكم بن عتبة عن عمرو بن حريث قال: يجوز شهادة المختفي، إنما يفعل ذلك بالغادر الفاجر.
رواه عبد الرزاق في مصنفه 8/356، كتاب الشهادات، باب السمع شهادة وشهادة المختفي برقم 15524، من طريق الشيباني عن الحكم به.
وأورده البخاري في صحيحه تعليقاً.
انظر فتح الباري 5/249، وراجع قوله في مصنف ابن أبي شيبة 6/498 برقم: 1819، والسنن الكبرى للبيهقي10/251، وأخبار القضاة لوكيع 2/246، والمغني 9/217، والمبدع 10/205، والوسيط 3/111.
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في فتح الباري 5/250، وعمدة القارئ للعيني 6/326، والأوسط 3/111.

(8/4112)


[2931-] قلت لأحمد: 1 رجل شهد بخمسمائة والآخر بألف؟
قال: يقال لصاحب الحق: احلف 2 على أن لك على هذا ألفاً مع شاهدك. 3
قال إسحاق: إذا لم يحلف صاحب الحق على الألف جازت على خمسمائة لما اتفقا على ذلك. 4
[2932-] قلت: من رأى أن يرد اليمين 5 أو يحلف الرجل مع بينته؟
__________
1 في العمرية بحذف " لأحمد ".
2 في العمرية بحذف " احلف على ".
3 قال الخرقي: وإذا شهد شاهد بألف، وآخر بخمسمائة، حكم لمدعي الألف بخمسمائة، وحلف مع شاهده على خمسمائة الأخرى إن أحب. مختصر الخرقي ص 233.
قال ابن قدامة: وجملة ذلك: أنه إذا شهد أحد الشاهدين بشيء، وشهد الآخر ببعضه، صحت الشهادة، وثبت ما اتفقا عليه. المغني 9/264.
4 نقل ابن المنذر هذه الرواية فقال: في شاهدين شهد أحدهما بخمسمائة، والآخر بألف، فقال لصاحب الحق: احلف أن لك على هذا ألفاً مع شاهدك. قال إسحاق: إن لم يحلف جازت على خمسمائة، لما اتفقا على ذلك.
الأوسط 3/119، وراجع قوله في المغني 9/264.
5 وصورة رد اليمين على المدعي: إذا ادعى شخص حقاً له على غيره إلا أنه لم تكن له بينة، ورفض المدعى عليه أن يحلف، فهل يقضى عليه بنكوله، أو تتوجه اليمين إلى المدعي؟ فقه الإمام أبي ثور ص 766.

(8/4113)


قال: لا يرد اليمين، 1 ولا يحلف الرجل مع بينته [ظ-92/ب] [ع-163/ب] .
قال إسحاق: بل يحلف 2 مع بينته، ويرد اليمين أيضاً. 3
[2933-] قلت: الرجل يدعي على الرجل الشيء فيحلفه ثم يأتي بالبينة؟
قال: إذا جاء بالبينة فالحق حقه إن حلف [ذاك] كاذباً. 4
__________
1 روي عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: أنا لا أرى رد اليمين إن حلف المدعى عليه، وإلا دفع إليه حقه. واختار أبو الخطاب: أن له رد اليمين على المدَّعَى عليه، إن ردها حلف المدعي، وحكم له بما ادّعاه.
وقال وقد صوبه أحمد فقال: ما هو ببعيد يحلف ويستحق، وقال: هو قول أهل المدينة. انظر: المغني 9/235.
2 في العمرية بلفظ "على بينته".
3 وللإمام إسحاق رحمه الله قول يوافق فيه الإمام أحمد رحمه الله بعدم رد اليمين: نقلها عنه ابن حزم في المحلى 9/377.
وقد سبق توثيق المسألة برقم: (2926) .
قال ابن المنذر: وقال أحمد بن حنبل: يقول لا ترد اليمين، ولا يحلف الرجل مع بينته، واختلف فيه عن إسحاق، فحكى إسحاق بن منصور عنه: أنه رأى رد اليمين. وقال في موضع آخر: إن نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه. الأوسط 3/63.
4 قال المرداوي: اليمين تقطع الخصومة في الحال، ولا تسقط الحق، فللمدعي إقامة البينة بعد ذلك. الإنصاف 12/119.
قال ابن قدامة: إن المدّعي إذا ذكر أن بينته بعيدة منه، أو لا يمكن إحضارها، أو لا يريد إقامتها، فطلب اليمين من المدّعى عليه أحلف له، فإذا حلف، ثم أحضر المدعي بينة، حكم له.
المغني 9/224، وراجع: مختصر الخرقي ص 231.

(8/4114)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2934-] قلت: كان ابن أبي ليلى يجيز شهادة صاحب هوى إذا كان فيهم عدلاً لا يستحل شهادة الزور. 2
قال أحمد: 3 ما يعجبني شهادة الجهمية، 4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المحلى 9/371، عمدة القارئ 13/256، والمغني 9/224.
ونقل صاحب مخطوطة اختلاف الصحابة والتابعين رواية ثانية عنه قال: وقال ابن أبي ليلى، ومالك، وأبو عبيد، وإسحاق، وداود: "لا يسمع البينة بعد اليمين".
اختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم: (139) ، وراجع: الأوسط 3/65.
2 روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال: حدثنا ابن أبي ليلى أن عيسى بن موسى قال له: أتجيز شهادة أهل الأهواء؟ قال: قلت: نعم. وأراهم لذلك أهلاً، إنما أدخلهم في الهوى الدين، إلا الخطابية فإن بعضهم يقبل عين فيشهد له، فلا أجيز شهادة هؤلاء. اختلاف الفقهاء للطحاوي ص 186.
3 في العمرية بحذف: "لأحمد".
4 الجهمية: أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار، والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، كما يقال: زالت الشمس ودارت الرحى من غير أن يكونا فاعلين، وزعم أن علم الله تعالى حادث، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أو حيّ أو عالم أو مريد، وأثبت كونه قادراً فاعلاً، خالقاً، لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة، والفعل والخلق.
الفرق بين الفرق ص 211، وراجع: الملل والنحل للشهرستاني 1/86.

(8/4115)


والقدرية، 1 والرافضة، 2 والقدرية
__________
1 القدرية: هم القائلون بأن كل فعل للإنسان هو بإرادته المستقلة عن إرادة الله سبحانه وتعالى، وقد غالى بعضهم فنفى عن الله تعالى " القدر " بمعنى العلم والتقدير. وقال في ذلك: "الأمر أنف". وظهرت هذه الفرقة في زمان المتأخرين من الصحابة، فظهر منهم معبد بن خالد الجهني، وغيلان الدمشقي، والجعد بن درهم. وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وعقبة بن عامر الجهني، وأقرانهم رضي الله عنهم.
راجع: المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ص 184، والفرق بين الفرق ص18.
2 الرافضة من فرق الشيعة، وسبب تسميتهم بهذا الاسم: أنهم كانوا مع زيد بن علي ثمّ تركوه، لأنهم طلبوا إليه أن يتبرأ من الشيخين - رضي الله عنهما -، فقال: لقد كانا وزيري جدي فلا أتبرأ منهما، فرفضوه وتفرقوا عنه. وهم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وهم يُدعون "الإمامية" لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[] انظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين 1/88-89، والفَرْق بين الفِرَق ص: 21.

(8/4116)


المعلنة 1.
قال إسحاق: كما قال، وكذلك كل صاحب بدعة معلناً بها داعياً إليها 2.
__________
1 نقل ابن القيم هذه الرواية فقال: قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد: كان ابن أبي ليلى يجيز شهادة كل صاحب بدعة إذا كان فيهم عدلاً، لا يستحل شهادة الزور، قال أحمد: ما يعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية المعلنة.
وروى الميموني نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد. انظر: الطرق الحكمية 173.
قال ابن قدامة: ولا تقبل شهادة فاسق، سواء كان فسقه من جهة الأفعال، أو الاعتقاد.
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
[] انظر: المقنع 3/690-691، الإنصاف 12/47، وراجع: المغني 9/165.
2 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: واختلفوا في قبول شهادة أهل الأهواء: فرأت طائفة رد شهادتهم، وممن رأى ذلك شريك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال أحمد: ما يعجبني شهادة الجهمية، والرافضة، والقدرية المعلنة، وبه قال إسحاق، وكذلك كل صاحب بدعة معلن بها، داع إليها. وأجازت طائفة شهادة أهل الأهواء، إذا لم يستحل الشاهد منهم شهادة الزور. وهذا قول ابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، والشافعي.
الأوسط 3/108، وراجع قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 9/165.
ومنع الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله رواية الداعي المعلن ببدعته وشهادته والصلاة خلفه: هجراً له، وزجراً، لينكف ضرر بدعته عن المسلمين؛ ففي قبول شهادته وروايته، والصلاة خلفه واستقضائه وتنفيذ أحكامه رضىً ببدعته، وإقرار له عليها، وتعريض لقبولها منه.
لكن إذا كان الناس فساقاً كلهم إلاّ القليل النادر، وعلم صدق لهجة الفاسق، وكان فسقه بغير الكذب، قبلت شهادة بعضهم على بعض، ويحكم بشهادة الأمثل فالأمثل، لأن مدار قبول الشهادة وردها على غلبة ظن الصدق وعدمه. والصواب المقطوع به: أن العدالة تتبعض، فيكون الرجل عدلاً في شيء، فاسقاً في شيء، فإذا تبين للحاكم أنه عدل فيما شهد به، قبلت شهادته ولم يضره في غيره. الطرق الحكمية 173 وما بعدها بتصرف.

(8/4117)


[2935-] قلت: قال سفيان: إذا ضرب المملوك في القذف ثم أعتق 1 لم تجز شهادته، وإذا ضرب النصراني في القذف فأسلم تجوز شهادته لأن الإسلام يهدم ما كان قبله. 2
__________
1 في العمرية بحذف: "أعتق".
2 عن عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري قال: إذا جلد اليهودي والنصراني في قذف، ثم أسلما جازت شهادتهما، لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وإذا جلد العبد في قذف، ثم عتق لم تجز شهادته.
مصنف عبد الرزاق 8/364، كتاب الشهادات، باب شهادة القاذف برقم: (15556) .
وحكى البخاري في صحيحه مع الفتح 5/255 عن الثوري قوله: "إذا جلد العبد ثم أعتق جازت شهادته، وإن استقضي المحدود فقضاياه جائزة".

(8/4118)


قال [أحمد] : إذا تاب جازت شهادته - يعني العبد -. 1
قال إسحاق: كما قال أحمد كلاهما سواء. 2
__________
1 تقدمت مسألة قبول شهادة القاذف إذا تاب في، كتاب الحدود والديات برقم: (2433) وبرقم: (2640) .
وقال أبو الخطاب: لا فرق بينهما، فإن الذمّي كان عدلاً في دينه لاسيّما عندهم.
وعلى رواية لنا بأن شهادة بعضهم على بعض مقبولة، وولايته على بنيه ثابتة، فأبطل عدالته بالقذف والحد، ثم استحدث عدالة بالإسلام.
ومثله المسلم أبطل عدالته، ثم بالتوبة استحدث عدالة أخرى، ثم تبطل في المسلم إذا زنى وسرق وشرب، وحُد، فإنه قد أبطل عدالته، وإذا تاب قبلت شهادته.
[] النكت والفوائد السنية مع المحرّر 2/250-251، وراجع: الإنصاف 12/59.
وقال ابن هانئ: سمعت أبا عبد الله يقول في شهادة القاذف إذا تاب تقبل شهادته وتوبته إذا أكذب نفسه. مسائل ابن هانئ النيسابوري 2/37 برقم: (1334) .
2 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق ضمن نقله أقوال العلماء فقال: وقال طائفة: تقبل شهادة القاذف المحدود إذا تاب. روينا هذا القول عن ابن عباس رواية ثابتة. وممن قال تقبل شهادته إذا تاب: عطاء بن أبي رباح، والشعبي، وطاوس، ومجاهد، والزهري، وعبد الله بن عتبة، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو الزناد.
وممن قال تقبل شهادته إذا تاب: مالك بن أنس، والشافعي وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد.
وانظر قول الإمام إسحاق في: المحلى 9/432، المغني 9/197 واختلاف الصحابة والتابعين وأئمة المجتهدين، لوحة رقم: (142) .

(8/4119)


[2936-] قلت: في 1 الاستهلال يجوز شهادة امرأة واحدة، والحيض، والعدة، والسقط [والحمام] ؟ 2
قال: كل ما لا يطلع عليه إلا النساء يجوز شهادة امرأة واحدة، إذا كانت ثقة.
قال إسحاق: لا بد من امرأتين.
[2937-] قلت: قال سفيان: لا تجوز شهادة الأمة في 3 الاستهلال؟ 4
قال [أحمد] : تجوز إذا كانت ثقة مرضية.
قال إسحاق: لا بد من امرأتين. 5
[2938-] قلت: قال سفيان: الرجل إذا كانت عنده شهادة، فقيل له
__________
1 في العمرية بحذف "في".
2 سبق تحقيق مثل هذه الرواية في المسألة رقم: (2925) .
3 في العمرية "إلا في".
4 سفيان الثوري رحمه الله يجيز شهادة امرأة في الرضاع والاستهلال وكل ما لا يطلع عليه إلا النساء، ويتعذر فيه شهادة الرجال. وسبب عدم قبول شهادة الأمة هو كونها رقيقة، لأنه لا يجيز شهادة الرقيق.
[] انظر: المغني 9/195، اختلاف العلماء لابن نصر المروزي ص 206-210، واختلاف الفقهاء للطحاوي [187-197.
5] مضى توثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة رقم: (2925) .

(8/4120)


أعندك شهادة؟ قال: لا، ثمّ شهد، فإن شهادته جائزة. 1
قال [أحمد] : إذا كان عدلاً يذكر ما لم [يكن] يذكر قبل ذلك. 2
قال إسحاق: كما قال. لما يمكن أن [يكون] يذكر بعد النسيان
__________
1 عن الثوري عن جابر عن الشعبي في الرجل يسأل فيقال: أعندك شهادة؟ فيقول: لا، ثم يشهد بعد ذلك، أنه كان يجيز شهادته. قال سفيان: وقولنا: الشاهد يوسع عليه، يزيد في شهادته وينقص، ما لم يمض الحكم، فإذا مضى الحكم فرجع الشاهد غرم ما شهد به.
مصنف عبد الرزاق 8/352، كتاب الشهادة، باب الرجل يشهد بشهادة ثم يشهد بخلافها برقم: (15511) ، وراجع قول الثوري في المسألة المغني 9/266، والأوسط 3/122.
2 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله ابن مفلح فقال في رواية ابن منصور: إذا قيل له عندك شهادة؟ قال: لا ثم شهد بها، شهادته جائزة. النكت والفوائد السنية مع المحرر 2/355.
قال الخرقي: ومن ادعى شهادة عدل، فأنكر العدل أن يكون عنده شهادة، ثم شهد بها بعد ذلك، وقال أنسيتها، قبلت منه. مختصر الخرقي ص 233.
قال ابن قدامة: إن العدل إذا أنكر أن تكون عنده شهادة، ثم شهد بها، وقال كنت أنسيتها، قبلت، ولم ترد شهادته. وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق. ولا أعلم فيه مخالفاً، وذلك لأنه يجوز أن يكون نسيها وإذا كان ناسياً لها فلا شهادة عنده، فلا تكذبه مع إمكان صدقه. المغني 9/266.

(8/4121)


فالعدول من الشهود لا يتهمون في مثل هذا وشبهه. 1
[2939-] قلت: قال سفيان: والشاهد عند القاضي يغير شهادته ويزيد فيها وينقص ما لم يقض فيها القاضي. 2
قال: جيد.
قال إسحاق: كما قال. إذا كان عدلاً. 3
[2940-] قلت: سئل سفيان عن رجل خاصم في خصومة مرة، ثم نزع 4 بعد، ثم شهد بعد، أله شهادة؟ 5
__________
1 انظر قول إسحاق بن راهوية في: المغني 9/266، والأوسط 3/122.
2 قال ابن المنذر: قال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل وإسحاق: الشاهد يغير شهادته، ويزيد فيها وينقص، ما لم يقض فيها القاضي، وبمثل معنى قولهم قال النخعي. الأوسط 3/120.
وانظر قول سفيان الثوري رحمه الله في مصنف عبد الرزاق 8/352.
- وذكرته في المسألة السابقة - والنكت والفوائد السنية مع المحرر 2/354.
3 سبق تحقيق نحو هذه الرواية، وتوثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق في المسألة رقم: (2927) .
4 في العمرية بحذف "نزع".
5 في العمرية بلفظ "شهادته".

(8/4122)


قال: لا. 1
قال أحمد: لا يقبل قوله. 2
قال إسحاق: كما قال، إذا شهد في تلك الخصومة التي ادعاها مرة لنفسه، ولكن له أن يشهد ولا يبين، وليس على الحاكم أن يفتش ولا يحلفه [و] إن سأل خصمه ذلك. 3
[2941-] قلت: قال سفيان: إذا قال الرجل: أشهد أن لي ولفلان على هذا خمسمائة درهم، فقد بطلت شهادته فيها كلها.
__________
1 انظر قول الإمام سفيان الثوري في الأوسط 3/107، والمغني 9/285.
2 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله المرداوي فقال: نقل ابن منصور: إن خاصم في خصومة مرة ثم نزع، ثم شهد لم تقبل. الإنصاف 12/72.
كما نقل هذه الرواية ابن مفلح في النكت والفوائد السنية مع المحرر 2/297، وراجع المغني 9/185، والمبدع 10/249، والكافي 4/532.
3 نقل ابن المنذر هذه الرواية، وذكر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: سئل الثوري عن رجل خاصم في الخصومة مرة، ثم نزع بعد، ثم شهد بعد، أترى له شهادة؟ قال: لا، وعرض هذا من قول الثوري على أحمد فقال: لا يقبل قوله. وبه قال إسحاق. قال ابن المنذر: إذا كانت الخصومة قائمة بين الشاهد والخصم لم تقبل شهادته، لا أعلم في ذلك اختلافا، ولكنهما لو اصطلحا ومكثا بعد ذلك طويلاً، ثم شهد عليه بشهادة، وجب قبول شهادته.
الأوسط 3/107، وراجع الإجماع لابن المنذر ص 30 برقم: 264.

(8/4123)


إذا شهد بشيء له فيه شيء بطلت شهادته.
قال [أحمد] : نعم. 1
قال إسحاق: كما قال [سواء] .
[2942-] قلت: قال سفيان: في رجل مات وترك ابنين: أحدهما نصراني، والآخر مسلم، فقال النصراني: مات أبي وهو نصراني، وقال المسلم: كان نصرانيا فأسلم، فجاء المسلم ببينة من النصارى 2 أنه أسلم، وجاء النصراني ببينة من المسلمين أنه لم يسلم.
قال سفيان: 3 يؤخذ بقول المسلم: يصلّى عليه.
__________
1 قال صالح: قال أبي: كل من شهد بشهادة يجر بها إلى نفسه شيئا لا تجوز شهادته.
وكذا نقل عنه أبو الحارث، وأبو صقر. انظر: النكت والفوائد السنية مع المحرر 2/292.
قال ابن قدامة: إن من شهد بشهادة له بعضها، مثل أن يشهد الشريك لشريكه بمال من الشركة، أو يشهد على زيد بدار له، ولعمرو، فإنّ شهادته تبطل في الكل.
المغني 9/266، وراجع: مختصر الخرقي ص 233، المبدع 10/245 ومطالب أولي النهى 6/626.
2 في العمرية بلفظ "النصراني".
3 في العمرية قدم قول الإمام أحمد على قول سفيان رحمهما الله تعالى دون تغيير العبارة.

(8/4124)


وتجوز شهادة النصارى أنه أسلم، ولا تجوز شهادة المسلمين أنه لم يسلم. 1
قال أحمد: القول قول المسلمين، ولا تجوز شهادة النصارى. 2
__________
1 نقل عبد الرزاق رواية سفيان الثوري رحمه الله فقال: أخبرنا الثوري في رجلين مات أبوهما، فقال أحدهما: مات نصرانياً، وقال الآخر بل كان نصرانياً فأسلم، وجاء المسلم بشهود من النصارى أنه كان قد أسلم، وجاء النصراني بشهود من المسلمين أنه لم يكن أسلم. قال: تجوز شهادة النصارى على إسلامه، ولا تجوز شهادة الذين قالوا لم يسلم، وكذلك كل شهود كانوا جاؤوا فقالوا: لم يكن كذلك وقال الآخرون: قد كان كذلك، فإنها تجوز شهادة الذين قالوا: قد كان.
مصنف عبد الرزاق 8/359، كتاب الشهادات، باب شهادة أهل الملل بعضهم على بعض وشهادة المسلم عليهم برقم: 15536. وانظر قول سفيان الثوري في: أحكام أهل الملل للخلال 96.
2 في العمرية بلفظ "قال أحمد لا تجوز شهادة النصراني".
نقل الخلال نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد من طريق بكر بن محمد عن أبيه عن أبي عبد الله، وسأله: رجل مات وله أولاد مسلمون ونصارى، فأقام المسلمون بينة من النصارى أن أباهم مات مسلماً، وأقام النصارى بينة من المسلمين أن أباهم مات نصرانياً، فقال أبو عبد الله: القول قول المسلمين. أحكام أهل الملل 96.
أما الخرقي فقد قال: إن أقام المسلم بينة أنه مات مسلماً، وأقام الكافر بينة أنه مات كافراً، أسقطت البينتان، وكانا كمن لا بينة لهما. مختصر الخرقي ص 236.
قال المرداوي: إذا شهدت البينتان بذلك فلا يخلو: إما أن يعرف أصل دينه، أو لا، فإن لم يعرف أصل دينه، فجزم المصنف - يعني ابن قدامة - هنا بالتعارض وهو المذهب. وعن الإمام أحمد رحمه الله: أنه يقدم بينة الإسلام. الإنصاف 11/415 – 416.
وقد فصّل القولَ في المسألة ابن قدامة في المغني، واختار قولاً نحو قول الإمامين سفيان الثوري، وإسحاق بن راهوية رحمه الله ووجه قوله: وإن شهدت إحدى البيّنتين أنه مات على دين الإسلام، وشهدت الأخرى أنه مات على دين الكفر، قدمت بينة من يدعي انتقاله عن دينه، لأن المبقية له على أصل دينه ثبتت شهادتها على الأصل الذي تعرفه، لأنهما إذا عرفا أصل دينه، ولم يعرفا انتقاله عنه جاز لهما أن يشهدا أنه مات على دينه الذي عرفاه.
والبينة الأخرى معها علم لم تعلمه الأولى، فقدمت عليها كما لو شهد بأن هذا العبد كان ملكاً لفلان إلى أن مات، وشهد آخران أنه أعتقه، أو باعه قبل موته، قدمت بينة العتق والبيع. المغني 9/313.

(8/4125)


قال إسحاق: كما قال سفيان.
[2943-] قال سفيان: فإن ادّعى النصراني أنه كان نصرانياً وادّعى المسلم أنه كان مسلماً، فالميراث بينهما. 1
__________
1 عن عبد الرزاق قال: قال سفيان في رجل مات وترك مالاً، فجاء نصراني فقال: هو أبي مات نصرانياً، وجاء مسلم فقال: هو أبي مات مسلماً، قال: إنما يدعيان المال، فالمال بينهما نصفين، فأما الصلاة عليه والدفن، فهو مع المسلمين إذا لم تقم البينة.
مصنف عبد الرزاق 8/359، كتاب الشهادات، باب شهادة أهل الملل بعضهم على بعض، وشهادة المسلم عليهم برقم 15525.

(8/4126)


قال أحمد: دعواهما [ع-164/أ] واحد، هو بينهما شطران. 1
قال إسحاق: كما قال.
[2944-] قلت: قال ابن أبي ليلى: السمع سمعان: إذا قال: سمعت فلاناً أجزته، وإذا قال: سمعت فلاناً يقول: سمعت فلاناً لم أجزه. 2
__________
1 أشار المرداوي إلى هذه الرواية في الإنصاف 11/414.
وللإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: إذا مات رجل وخلف ولدين مسلماً وكافراً، فادعى كل منهما أنه مات على دينه، فإن عرف أصل دينه، فالقول قول من يدعيه، وإن لم يعرف فالميراث للكافر، لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام - إذا ولد لأب مسلم-.
قال المرداوي: وهو المذهب، بشرط أن يعترف أن الكافر أخوه.
والثانية: أنهما في الدعوى سواء. فيكون الميراث بينهما نصفين.
ونقلها ابن منصور.
[] انظر: الإنصاف 11/413-414، المغني 9/312 وما بعده، المقنع 3/673، الفروع 6/542، ومختصر الخرقي ص 236.
2 انظر قول ابن أبي ليلى في النكت، والفوائد السنية 2/337، والأوسط لابن المنذر 3/111، والمغني 9/159.

(8/4127)


قال أحمد: كان هذا شهادة على شهادة لم يشهد عليه ما أحسنه. 1
قال إسحاق: كما [قالا] 2. 3
[2945-] قلت: قال سفيان: إذا كان مسافراً فأشهد اليهودي والنصراني لم تجز شهادتهم إذا كان معهم مسلمون؟ 4
قال أحمد: إذا لم يكن معهم مسلمون 5 تجوز شهادتهم، أجازه
__________
1 نقل ابن مفلح هذه الرواية فقال: نقل ابن منصور، قلت للإمام أحمد: قال ابن أبي ليلى: السمع سمعان: إذا قال: سمعت فلاناً أجزته، وإذا قال: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا لم يجزه، كان هذا شهادة على شهادة لم يشهد عليه. قال: ما أحسنه.
النكت والفوائد السنية مع المحرر 2/337.
كما نقل ابن المنذر هذه الرواية من ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق بنصها في الأوسط 3/118.
2 في الظاهرية بلفظ: "قال".
3 انظر: قول الإمام إسحاق في فتح الباري 5/250، والأوسط 3/118، وعمدة القارى 6/326.
4 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله تعالى في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/349، والطرق الحكمية ص 186، وفتح الباري لابن حجر 5/412، وفتح القدير للشوكاني 2/76، وأحكام أهل الذمة للخلال 92، ونواسخ القرآن ص 321.
5 في العمرية بحذف: "قال أحمد: إذا لم يكن معهم مسلمون".

(8/4128)


أبو موسى الأشعري [رضي الله عنه] . 1
__________
1 والأثر الذي أجاز فيه شهادة أهل الكتاب في الوصية حالة السفر: عن الشعبي: أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه، ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة، فأتيا أبا موسى الأشعري، فأخبراه وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا، ولا كذبا، ولا بدّلا ولا كتما، ولا غيّرا، وأنها لوصية الرجل وتركته، فأمضى شهادتهما.
رواه أبو داود في سننه 3/307، كتاب الأقضية، باب شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر برقم: (3605) ، من طريق زياد بن أيوب، عن هشيم، عن زكريا، عن الشعبي.
والبيهقي في السنن الكبرى 10/165، كتاب الشهادات، باب من أجاز شهادة أهل الذمّة على الوصية في السفر عند عدم من شهد عليها من المسلمين، من طريق أبي داود.
وعبد الرزاق في المصنف 8/360، كتاب الشهادات، باب شهادة أهل الكفر على أهل الإسلام برقم: (15539) ، من طريق ابن عيينة عن زكريا عنه به.
وابن أبي شيبة في المصنف 7/91، كتاب البيوع والأقضية ما تجوز فيه شهادة اليهودي والنصراني برقم: (2489) من طريق وكيع عن زكريا عنه به.
وصحّح ابن حجر إسنادَه فقال: وصحّ عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فروى أبو داود بإسناد رجاله ثقات عن الشعبي، وساق الأثر السابق.
فتح البارى 5/412، وراجع: المبدع 10/216.

(8/4129)


قلت: وتراه 1 أنت؟
قال: نعم في موضع الضرورة 2 في السفر إذا لم يكن [معهم] مسلمون لم يجد بداً. 3
قال إسحاق: كما قال.
[2946-] قلت: قال سفيان في النصراني مات فجاء رجل مسلم 4 فأقام
__________
1 في العمرية بلفظ "أتراه أنت؟ "
2 في العمرية بلفظ "ضرورة"، بحذف الألف واللام.
3 من أول المسألة إلى موضع هذه الإشارة، نقله الخلال في كتابه: أحكام أهل الملل ص 92.
ونقل جماعة من أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - نحو هذه الرواية عنه.
منهم: عبد الله في مسائله ص 435 برقم 1574، وابن هاني النيسابوري 2/37 برقم: (1335) وأبو داود في مسائله ص 211. للاستزادة راجع: أحكام أهل الملل ص 92، والطرق الحكمية ص 182.
قال الخرقي: وتجوز شهادة الكافر من أهل الكتاب في الوصية في السفر، إن لم يكن غيرهم، ولا تجوز شهادتهم في غير ذلك. مختصر الخرقي ص 229.
قال المرداوي: الصحيح من المذهب: قبول شهادة أهل الكتاب بالوصية في السفر بشرطه، وعليه الأصحاب، وجزم به كثير منهم، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد.
الإنصاف 12/39، وراجع: المبدع 10/216، النكت والفوائد السنية 2/275.
4 في العمرية بحذف عبارة: "فأقام عليه البينة من المسلمين بألف درهم وجاء النصراني".

(8/4130)


عليه البينة من المسلمين بألف درهم، وجاء النصراني فأقام عليه البينة من النصارى بألف درهم؟
قال: لا 1 تقبل شهادة النصارى على النصراني، لأنه [ظ-93/أ] يضر بالمسلم، وإن كان في المال فضل عن ألف درهم، أجزنا الفضل للنصراني. 2
قال أحمد: الشهادة شهادة المسلمين، ليس للنصراني شهادة 3 إلا في سفر.
__________
1 العبارة في العمرية "قال تقبل شهادة النصارى على النصراني لأنه لا يضر بالمسلم، فإذا كان في المال فضل على ألف درهم أجزنا الفضل للنصراني".
2 انظر قول سفيان الثوري في: أحكام أهل الملل 96.
وقد نقل عبد الرزاق هذه المسألة باختلاف يسير فقال: فجاء رجل من المسلمين بشاهدين من النصارى [كذا في الأصل ولعلّ الصواب من المسلمين] أن له عليه ألف درهم، وجاء رجل من النصارى بشهود من النصارى أن له عليه ألف درهم، فقال: هو للمسلم لأن شهادة النصارى تضر بحق المسلم. انظر مصنف عبد الرزاق 8/358 برقم: 15534.
3 من أول هذه المسألة إلى موضع هذا الرقم نقله الخلال في كتابه: أحكام أهل الملل ص96.
وراجع قول الإمام أحمد في حكم شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض في المسألة رقم: (2919) ، وشهادة أهل الذمة على المسلم في الوصية حالة السفر وفقد الشهود من المسلمين في المسألة رقم: (2945) .

(8/4131)


قال إسحاق: كما قال سفيان، كان فيه فضل، أو لم يكن، لما تجوز شهادة النصراني على النصراني فيكون المال بينهما. 1
[2947-] قلت: قال: سئل سفيان عن مسلم باع نصرانياً دابة فجاء النصراني ببينة من النصارى أنها دابته.
قال: يأخذ دابته ولا تجوز شهادتهم على المسلم. 2
قال أحمد: لا تجوز شهادة النصارى. 3
__________
1 الإمام إسحاق رحمه الله يرى جواز شهادة كل ملة على ملتها كما سبق في المسألة رقم: (2919) .
فلذا أجاز شهادة النصارى على النصراني وشهادة المسلمين على المسلم، فتعارضت البينتان، وإذا تعارضت البيّنتان فقد تساقطتا، فلذا يقسّم المال بينهما.
وقال في المسألة رقم: (2912) في الشهداء إذا استووا، وليست السلعة في يد أحدهم، يقرع بينهم.
2 عن عبد الرزاق قال: قال سفيان في نصراني اشترى من مسلم دابة فجاء نصراني فادعى أنها دابته، وجاء بشهود من النصارى. قال: يقضى على النصراني، ولا يأخذ من المسلم إلا ببيّنة من المسلمين.
[] مصنف عبد الرزاق 8/358-359، كتاب الشهادات، باب شهادة أهل الملل بعضهم على بعض، وشهادة المسلم عليهم برقم: (15535) .
3 راجع قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى في المسألة رقم: (2919) ، والمسألة رقم: (2945) .

(8/4132)


قال إسحاق: شهادة النصارى على النصراني 1 جائزة، ولكن لا تجوز على المسلم، إذا كان قبض الثمن ولا يؤمر بالرد، لأنك حينئذ تكون أجزت شهادة النصراني 2 على المسلم. 3
[2948-] قلت: قال سفيان في نصراني مات وترك ألف درهم، فجاء النصراني ببينة من المسلمين بألف درهم، وجاء المسلم ببينة من النصارى بألف درهم؟
قال: هما سواء، لأن 4 شهادة المسلمين 5 جائزة على المسلم. 6
قال أحمد: الشهادة 7 للنصراني الذي جاء بشهداء من
__________
1 في العمرية بلفظ "النصارى على النصارى".
2 في العمرية بلفظ "النصارى".
3 سبق تحقيق قول الإمام إسحاق رحمه الله في حكم شهادة أهل الذمة في المسألة رقم: (2919) .
4 في العمرية بلفظ "إلاّ أن".
5 في العمرية بلفظ "شهادة المسلم جائزة على المسلم.
6 انظر المسألة في أحكام أهل الملل ص 96.
7 في الظاهرية لفظ "الشهادة"ساقط.

(8/4133)


المسلمين. 1
قال إسحاق: كما قال سفيان.
[2949-] قال أحمد: إذا شهد رجلان من الورثة، وكانا عدلين جازت شهادتهما على الورثة.
قال إسحاق: كما قال. 2
[2950-] قلت: 3 سئل سفيان، عن رجل مات وترك ابنه، وترك ألف درهم، فجاء رجل فقال: لي على أبيك ألف درهم.
قال: نعم، لك عليه ألف درهم. ثم جاء آخر فقال مثل ذلك حتى أقر لعشرة، ثم جاؤوا يخاصمونه 4 إلى القاضي فقال: نجيز إقراره للأول، ونتهمه في الآخرين، لأنه حين أقر للأول صار له 5 المال، إذا كانوا متفاوتين وإن أقر للأوّلِ أوَّلَ النهار، وللآخَرِ آخِرَ النهارِ، وللآخَرِ من الغد، فهو للأوّل.
__________
1 هذه الرواية نقلها الخلال في أحكام أهل الملل من أولها إلى موضع الإشارة ص 96.
2 سبق تحقيق نحو هذه المسألة برقم: (2920) .
3 في العمرية بلفظ "قلت: قال سفيان".
4 في الظاهرية بلفظ "يخاصموه".
5 في العمرية بلفظ "صار المال له".

(8/4134)


وإن كان كاملاً متصلاً فهو بينهم.
قال أحمد: [هو] على نحو ما قال. 1
قال إسحاق: لا يحكم على المقر إلا لهم جميعاً، فإن كان معه وارث آخر، فإنما تجوز عليه في حصته قدر ما يصيبه لهم جميعاً. 2
[2951-] قلت [لأحمد: قال] : سئل سفيان عن رجل مات وترك ألفي
__________
1 قال ابن قدامة: وإن مات وترك ألفاً، فأقر به ابنه لرجل، ثم أقر به لغيره فهو للأول، ولا شيء للثاني، سواء كان في مجلس، أو مجلسين، لأنه باعترافه للأول ثبت له الملك فيه، فصار إقراره للثاني إقراراً بملك غيره، فلم يقبل، وتلزم المقر غرامته للثاني، لأنه فوته عليه بإقراره به لغيره، فأشبه ما لوغصبه منه، فدفعه إلى غيره.
انظر: المغني 9/268، وراجع: الفروع 6/630، المحرر مع النكت 2/413، والمبدع 10/351.
وقال في المقنع: "وإن ادّعى رجلٌ على الميّت مائةَ دينارٍ فأقرّ له، ثم ادّعى آخرُ مثلَ ذلك فأقرّ له، فإن كان في مجلس واحد فهي بينهما".
قال المرداوي: "يعني إذا كانت المائةُ جميعَ التركة، وهذا المذهب. وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله: اشتراكهما إن تواصل الكلام بإقراريه، وإلاّ فلا".
وإن كان في المجلسين فهي للأوّل، ولا شيء للثاني.
قال المرداوي: "هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب".
المقنع 3/748، والإنصاف 12/201.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 5/210.

(8/4135)


درهم وترك ابنيه فجاء رجل فقال: لي على أبيكما ألف درهم، فأقر أحدهما، وأبى الآخر.
كان حماد يقول: يأخذ ما في يده كله، لأنه لا ينبغى له أن يأخذ من المال شيئاً، وعلى أبيه دين. 1
وكان أصحابنا يقولون: يأخذ بحصته، 2 وهو قول سفيان.
قال أحمد: نقول يأخذ بحصته.
قال إسحاق: كما قال. 3
[2952-] قلت: قال أبو هريرة [رضي الله عنه] لا تجوز شهادة أصحاب الخمر. 4
__________
1 عن عبد الرزاق عن الثوري في الوارث يعترف بدين على الميت قال: قال حماد: يستوفى ما في يدي المعترف، لأنه ليس لوارث شيء حتى يقضى الدين.
قال حماد: إذا شهد اثنان من الورثة بالنسب فلا شهادة لهما، لأنهما يدفعان عن أنفسهما، ولكن يؤخذ من نصيبهما.
مصنف عبد الرزاق 10/291، كتاب الفرائض، باب المستلحق والوارث يعترف بالدين برقم: (19141) ، وراجع: الأوسط 3/115.
2 وممن قال يأخذ بحصته: النخعي والحسن والحكم وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور والشافعي في أحد قوليه. المغني 5/210.
3 سبق توثيق قولي الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة رقم: (2920) .
4 عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنه كان لا يجيز شهادة أصحاب الخمر".
مصنّف ابن أبي شيبة 7/302، كتاب البيوع والأقضية من كان لا تجوز شهادته برقم: (3237) .

(8/4136)


قال أحمد: لا أدري ما هو. 1
قال إسحاق: كلما كانوا عدولاً جاز، [ع-164/ب] لأن في أهل كلّ بياعة عدلاً وغير عدل، ولكنّ أبا هريرة [رضي الله عنه] خصّهم لما فيهم من الأيمان الفاجرة. 2
[2953-] قلت: قال 3 سفيان في رجل كتب وصيته فختم عليها، وقال: اشهدوا بما فيها؟
قال: كان ابن أبي ليلى يعطلها، والقضاة لا يجيزونها. 4
__________
1 في العمرية سقطت عبارة "ما هو".
وقول الإمام أحمد رحمه الله في المسألة: "لا أدري" توقف في المسألة، وتوقّفه عنه بهذا اللفظ إشعار بالإنكار على عمله. مفاتيح الفقه الحنبلي 2/38.
2 نقل ابن المنذر رحمه الله قول أبي هريرة رضي الله عنه السابق، ثم قال: وذكر لأحمد حديث أبي هريرة فقال: "لا أدري".
قال إسحاق: "إذا كانوا عدولاً جاز، لأن في كل أهل بياعة عدلاً وغير عدل، ولكن أبا هريرة خصهم لما فيهم من الأيمان الفاجرة". الأوسط 3/111.
وسبق ذكر الحكم في شهادة الفاسق في المسألة رقم: (2934) .
3 في العمرية بلفظ "قلت سئل سفيان".
4 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله في اختلاف الفقهاء للطحاوي ص 202.

(8/4137)


قال أحمد: لا يشهدون حتى يعلموا ما فيها. 1
قال إسحاق: بل يقيمون الشهادة على ما أشهدوا سواء. 2
[2954-] قلت: قال سفيان: إذا سئل المريض عن الشىء فأومأ برأسه أو بيده، فليس بشىء حتى يتكلم؟ 3
__________
1 أشار المرداوي إلى هذه الرواية في الإنصاف 7/188.
ونقل أبوداود نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: قلت لأحمد: رجل كتب وصيته وختمها، وقال: اشهدوا عليّ بما فيها، أيجوز؟
قال: لا. حتى يقرأها، قلت: فلم يقرأها؟ قال: لا يجوز.
مسائل أبي داود ص 212.
قال ابن قدامة: وإن كتب وصيته، وقال: اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة، أو قال: هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها، فقد حُكِي عن أحمد أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال للشهود، اشهدوا عليّ بما في هذا الكتاب لا يجوز، حتى يسمعوا منه ما فيه، أو يقرأ عليه، فيقرّ بما فيه ...
ويحتمل كلام الخرقي جوازه، لأنه إذا قبل خطه المجرد فهذا أولى، وممن قال ذلك: عبد الملك بن يعلى، [] [] [] ومكحول، ونمير بن إبراهيم، ومالك، والليث، والأوزاعي، ومحمد بن مسلمة، وأبو عبيد وإسحاق. المغني [6/69-70.
2] انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 6/70، والأوسط 3/169.
3 قال ابن المنذر: قال سفيان الثوري: إذا سئل المريض عن الشىء فأومأ برأسه، أوبيده، فليس بشىء حتى يتكلم.
الأوسط 3/108، وانظر قوله في المغني 9/268.

(8/4138)


قال أحمد: جيد. 1
قال إسحاق: كلما عرف إيماؤه، ومنع من الكلام، على الورثة إنفاذ 2 ذلك، وإن لم يجزها الحكام، 3 وكذلك لو كتب وصيته [بيده] . 4
[2955-] قلت: سئل سفيان عن محدود استقضي فقضى بقضايا؟
__________
1 قال الخرقي: ومن ادعى دعوى على مريض، فأومأ برأسه - أي نعم - لم يحكم بها حتى يقول بلسانه. مختصر الخرقي 234.
قال ابن قدامة: إن إشارة المريض لا تقوم مقام نطقه، وسواء كان عاجزاً عن الكلام، أو قادراً عليه، لأنه غير ميؤوس من نطقه، فلم تقم إشارته مقام نطقه كالصحيح، وبهذا فارق الأخرس، فإنه ميؤوس من نطقه. المغني 9/268.
وقال في المقنع: وتصح وصية الأخرس بالإشارة، ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها، ويحتمل أن تصح.
قال في الحاشية: ويحتمل أن تصح، يعني إذا اتصل بالموت وفهمت إشارته وقد أومأ إليه الإمام أحمد واختاره في الفائق، قال في الإنصاف: وهو الصواب.
[] المقنع وحاشيته 2/355-356، وراجع: المحرر مع النكت 2/286-287، والإنصاف 12/39.
2 في الظاهرية بلفظ "أنفذ".
3 في العمرية بلفظ "الحاكم".
4 المغني 6/70، حاشية المقنع 2/356، والأوسط لابن المنذر 3/170.

(8/4139)


قال: تجوز قضاياه. 1
قال أحمد: إذا تاب. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
[2956-] قلت: سئل سفيان عن صبي يتيم شهد له رجلان، أن هذا أخذ منه ألفَ درهم، وجاء آخران فشهدا أنّ فلاناً الذي أخذ منه ألف درهم؟
قال: يؤخذ منهما جميعاً كفلاء حتى يدرك اليتيم، فإذا أدرك اليتيم 4 فعلى من ادعى فهو عليه.
قال أحمد: وما يدري اليتيم من أخذ؟
قلت: يؤخذ له الآن 5 منهما؟
__________
1 روى الإمام البخاري في صحيحه قول سفيان الثوري رحمه الله فقال: قال الثوري: "إذا جلد العبد، ثم أعتق جازت شهادته، وإن استقضي المحدود فقضاياه جائزة". انظر صحيح البخاري مع الفتح 5/255.
2 إذا تاب القاذف زال عنه حكم الفسق جراء قذفه، وتقبل شهادته ويكون رجلاً عدلاً، وله أن يتولى القضاء إذا استكمل بقية الشروط، وهي: أن يكون بالغاً عاقلاً مسلماً حراً عدلاً عالماً فقيهاً ورعاً. انظر: المغني 9/197، 9/39.
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 9/197.
4 في العمرية بحذف "اليتيم".
5 في العمرية بحذف "الآن".

(8/4140)


قال: [ظ-93/ب] لم لا يؤخذ؟ إن كانوا يشهدون على ألف بعينها يقوم وليه، أو وصيه يأخذه من أيهما شاء؟
وإذا 1 شهد كل واحد منهما 2 على ألف متفرقة، يأخذ من هذا ألفاً، ومن هذا ألفاً. 3
قال إسحاق: كما قال إذا كان الولي جعل إليه أن يقوم بأمره.
[2957-] قلت: قال سفيان: إن شريحاً كان لا يقبل البينة بعد الجحود. 4
__________
1 في الظاهرية بلفظ "قال سفيان: كل واحد منهما على ألف".
2 في العمرية سقط "منهما".
3 يجوز للرجل أن ينصب وصياً في ما كان له التصرف فيه في حياته، من قضاء ديونه واقتضائها، ورد الودائع، واستردادها، وتفريق وصيته، والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم. فإذا ثبت لهم حق على الغير، كدين استدانه آخر من أبيهم وحل أجله، فللوصي قبضه لهم.
راجع: المغني 6/135، ومعجم الفقه الحنبلي 2/1072.
4 نقل وكيع: عن شريح خلاف هذا القول فقال: حدثنا سفيان، عن سليمان الشيباني عن بعض أصحابنا عن شريح: أنه كان يقبل البينة بعد الجحود.
[] ورواه من طريق آخر، من طريق حسان بن مخارق عن شريح به. أخبار القضاة 2/260-310.

(8/4141)


قال سفيان: الجحود 1 أن يقول: ما جرى بيني وبينك شيء، ثم يَدَّعي البينة بعد إنكاره.
وكان ابن أبي ليلى لا يقبلها إذا جاء ببينة، يقول: هو أكذب شهود هـ. 2
قال أحمد: هذا مكذب لشهوده، لا يجوز. 3
قال إسحاق: كما قال.
[2958-] قلت: سئل - يعني سفيان - عن شهادة الوصي؟
__________
1 الجحود: نقيض الإقرار، كالإنكار والمعرفة، جحده يجحده جحداً وجحوداً.
وقال الجوهري: الجحود: الإنكار مع العلم: يقال جحده حقه وبحقه جحداً وجحوداً.
انظر: لسان العرب 3/106، الصحاح للجوهري 2/451.
2 انظر اختلاف الفقهاء ص 228.
3 قال الخرقي: ومن ادعى دعوى، وقال لا بينة لي، ثم أتى بعد ذلك ببينة، لم تقبل منه، لأنه مكذب لبينته. مختصر الخرقي ص 234.
قال ابن قدامة: لأنه أكذب بينته بإقراره، أنه لا يشهد له أحد، فإذا شهد له إنسان كان تكذيباً له، ويفارق الشاهد إذا قال: لا شهادة عندي، ثم قال: كنت نسيتها، لأن ذلك إقرار لغيره بعد الإنكار، وههنا هو مقر لخصمه بعدم البينة، فلم يقبل رجوعه عنه. المغني 9/269.

(8/4142)


قال: إذا شهد على الورثة جاز، وإذا شهد لهم لم يجز. 1
قال: أحمد [جيد] 2. 3
قال: إسحاق: كما قال. 4
[2959-] قلت: قال سفيان: تجوز شهادة رجل وامرأتين في الأهلة؟ 5
قال أحمد: تجوز شهادة رجل واحد، تجوز على رؤيته للصوم،
__________
1 نقل ابن المنذر هذه المسالة فقال: الوصي إذا شهد على الورثة جاز، وإذا شهد لهم لم يجز. هذا قول سفيان الثوري، وذكرت هذه المسألة لأحمد بن حنبل من قول سفيان الثوري فقال: جيد.
الأوسط 3/115. وراجع: المغني 9/269، النكت والفوائد السنية مع المحرر 2/293.
2 في الظاهرية بلفظ "يعني نعم".
3 نقل هذه الرواية في النكت، والفوائد السنية بنصها من هذه المسائل 2/293.
قال ابن قدامة: أما شهادته - أي عليهم - فمقبولة لا نعلم فيه خلافاً فإنه لا يتهم عليهم، ولا يجر بشهادته عليهم نفعاً، ولا يدفع عنهم ضرراً، وأما شهادته لهم إذا كانوا في حجره فغير مقبولة.
المغني 9/269، راجع: الإنصاف 12/72، والمبدع 10/246.
4 انظر الأوسط 3/115.
5 نقل النووي قول سفيان الثوري فقال: قال الثوري: يشترط رجلان أو رجل وامرأتان، كذا حكاه عنه ابن المنذر.
المجموع للنووي 6/282، وراجع نيل الأوطار 4/259.

(8/4143)


وللإفطار شاهدين. 1
قال إسحاق: لا بد من شاهدين على الصوم والإفطار. 2
__________
1 في العمرية بلفظ "قال أحمد شهادة رجل والله يجوز على رؤيته".
أي شهادة شاهدين على حذف مضاف كما يدل عليه السياق.
ونقل عبد الله بن أحمد عن أبيه نحو هذه الرواية فقال: سألت أبي عن رؤية الهلال إذا شهد على رؤيته رجل واحد؟ قال: يأمر الإمام الناس بالصيام.
قلت لأبي فإن شهد على رؤية الهلال رجل واحد في الإفطار؟
قال: لا، حتى يكونا رجلين يشهدان، فأما رجل واحد فلا. مسائل عبد الله ص 177 برقم 664.
للإمام أحمد رحمه الله في المسالة روايتان:
إحداهما: أنه يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل، ويلزم الناس الصيام بقوله. هذا المذهب نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: لا يقبل فيه إلا عدلان كبقية الشهود.
[] انظر المغني 3/157، والإنصاف 3/273 وما بعده، والطرق الحكمية ص 126-127، والفروع 3/14، والقواعد لابن رجب ص 339.
2 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله الترمذي فقال: أكثر أهل العلم قالوا تقبل شهادة رجل واحد في الصيام، وبه يقول ابن المبارك والشافعي، وأحمد، وأهل الكوفة.
قال إسحاق: لا يصام إلا بشهادة رجلين، وقال الترمذي، ولم يختلف أهل العلم، في الإفطار، أنه لا يقبل فيه إلا بشهادة رجلين.
سنن الترمذي 3/66. وراجع المجموع 6/282، وشرح السنة 6/244.

(8/4144)


[2960-] قلت: سئل سفيان عن شهادة المحدودين في الإهلال؟
قال: لا تجوز. 1
قال أحمد: إذا تابوا جازت شهادتهم.
قال إسحاق: كما قال، لأنه إذا تاب جازت 2 شهادته في كل شيء، كشهادة من لم يحد. 3
[2961-] قلت: قال سفيان في الرجل الذي يخنق في كل شهر تجوز
__________
1 يرى الإمام سفيان الثوري رحمه الله عدم قبول شهادة المحدود في القذف وإن تاب.
فقد روى عبد الرزاق عن الثوري عن واصل عن إبرهيم: لا تقبل شهادة القاذف. توبته فيما بينه وبين ربه عز وجل.
قال الثوري: ونحن على ذلك.
انظر: مصنف عبد الرزاق 7/387 برقم: 63573، واختلاف الفقهاء للطحاوي ص 178.
وكونه لا يقبل شهادة المحدودين في الإهلال، فإنه يخالف الحنفية في هذه المسألة، فهم يقبلون شهادة المحدودين في الإهلال، واعتذروا بأنها جارية مجرى الخبر لا الشهادة. عمدة القاري 13/210.
يتبين من هذا أن سفيان الثوري رحمه الله يرى أن الإخبار بدخول رمضان يجري مجرى الشهادة لا الخبر.
2 في العمرية بحذف "جازت".
3 سبق توثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة: (2935) .

(8/4145)


شهادته إذا كان في إفاقته، ويلزمه ما جرح في إفاقته، أو أصاب حداً في إفاقته. 1
قال [أحمد] : جيد. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
[2962-] قلت: قال سفيان: لا يجوز إلا قول طبيبين في الموضحة، ولا يجوز إلا قول بيطارين 4 في الدابة يكون بها الداء فينظران إليها،
__________
1 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله في المغني 9/270، والأوسط 3/111.
2 قال في المقنع: الشرط الثاني - من شروط من تقبل شهادته - العقل، فلا تقبل شهادة معتوه، ولا مجنون، إلا من يخنق في الأحيان إذا شهد في إفاقته.
[] قال المرداوي: هذا المذهب. جزم به في المحرر، والفروع وغيرهما. المقنع 3/687-688، الإنصاف 12/38.
قال في المبدع: لأنها شهادة من عاقل أشبه من لم يخنق، ولا بد أن يكون قد تحملها في حال إفاقته، لأن تحمله في جنونه لا يصح لعدم الضبط. المبدع 10/214.
ولأن الاعتبار في الشهادة بحال أدائها، وهو في وقت الأداء من أهل التحصيل والعقل الثابت فقبلت شهادته، كالصبي إذا كبر. ولأنه عدل غير متهم، فقبلت شهادته كالصحيح، وزوال عقله في غير حال الشهادة لا يمنع قبولها، كالصحيح الذي ينام، والمريض الذي يغمى عليه في بعض الأحيان.
المغني 9/270، وراجع المحرر 2/247.
3 انظر قول الإمام إسحاق في: الأوسط 3/111، والمغني 9/270.
4 في الظاهرية بلفظ "بيطرين".

(8/4146)


لأنهما شاهدان.
قال أحمد: إذا كان هذا في موضع يضطر 1 إليه، إذا لم يكن إلا طبيب واحد، وبيطار واحد 2 , وقوله جائز إذا كان ثقة. 3
__________
1 في الظاهرية بلفظ "ينظر".
2 في الظاهرية بإضافة "واو"قبل قوله.
3 نقل شمس الدين بن مفلح هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: قال الإمام أحمد في رواية ابن منصور: إذا كان في موضع يضطر إليه إذا لم يكن إلا طبيب واحد وبيطار، جاز إذا كان ثقة. النكت والفوائد السنية مع المحرر 2/324.
وأشار ابن القيم إلى هذه الرواية فقال: وتارة تكون رجلاً واحداً في داء الدابة، وشهادة الطبيب إذا لم يوجد اثنان كما نص عليه أحمد. الطرق الحكمية ص 96.
قال في الكافي: ما لا يعرفه إلا أهل الطب كالموضحة وشبهها، وداء الدواب الذي لا يعرفه إلا البيطار، فإذا لم يقدر على اثنين، قبل فيه قول الواحد العدل من أهل المعرفة، لأنه يعسر عليه إشهاد اثنين، فيقبل فيه قول الواحد ... وإن أمكن إشهاد اثنين لم يكتف بدونهما، لأنه الأصل.
[] الكافي 4/541، وراجع مختصر الخرقي ص 234، والمغني 9/270-6/85، والمحرر 2/324، والطرق الحكمية ص 127، وكشاف القناع 6/434، وعلم القضاء لأحمد الحصري 1/485.
قال المرداوي: يقبل قول طبيب واحد وبيطار لعدم غيره في معرفة داء الدابة وموضحة ونحوها. وهذا المذهب. [] نص عليه، وعليه الأصحاب ... ولا يقبل مع عدم التعذر إلا اثنان على الصحيح من المذهب. الإنصاف [12/81-82.
] وللقاضي الاستعانة بأهل الخبرة في الأمور الفنية والخاصة التي لا يستطيع معرفة حقيقتها بناء على اطلاعه وثقافته الخاصة، ويكون رأي الخبير هو الوسيلة في الإثبات، ويقبل قول الواحد منهم، والأحوط اثنان خروجاً من الخلاف. وسائل الإثبات ص 595.

(8/4147)


قال إسحاق: كما قال سفيان.
[2963-] قلت: قال: فإذا سرح القاضي إلى البيطارين لينظر ما يقولان فلا يسرح إلا رجلين، لأنهما شاهدان على البيطارين.
قال: هذا على ذلك أحسن، ولكن يجوز قول بيطار واحد.
قال: وإن قوّم البيطاران قيمة، فقال أحدهما بأكثر، وقال الآخر بأقل، فتلكأ أحمد عند ذلك، ثم قال: يجعل بينهما آخر ثالث، إن كان يقدر عليه حتى يتفق اثنان، إذا اختلف اثنان.
قال إسحاق: كلما لم يكونا اثنين 1 من البيطارة والأطباء فإنه لا يجوز، ولكن يجوز إرسال [ع-165/أ] الحاكم واحداً عدلاً، لأنه حينئذ خير. 2
__________
1 في الظاهرية "يكون الثلثين".
2 المعاينة وسيلة من وسائل الإثبات، والقاضي بالخيار، إما أن يذهب بنفسه، وإما أن يستخلف غيره، ويبعث خليفة عنه للرؤية والمشاهدة، وهي تختلف عن علم الحاكم، بأنها نتيجة مترتبة على رفع الدعوى في شيء يحتاج إلى رؤية، ومعاينة لبيان الحقيقة فيه، وإدراك الواقع الملموس منه، وهي أحد إجراءات الدعوى. راجع وسائل الإثبات ص 590.

(8/4148)


[2964-] سئل إسحاق عن شهادة امرأة في الرضاع أنها أرضعت رجلاً وامرأته قبل التزويج أو بعد التزويج؟
قال: كلما كانت صالحة حلفت، فإن تمت فرق بينهما على التنزه وإن أبت اليمين لم يفرق بينهما، إلا أن يكون خبراً مستفيضا 1 أن هذه أرضعت كما ادعت، فإنها وإن لم تكن شهادة قاطعة، فإن الخبر المستفيض يتقدم شهادة المرأة الواحدة 2.
__________
1 قال الجوهري: فاض الخبر يفيض واستفاض: أي شاع، وهو حديث مستفيض أي منتشر في الناس.
الصحاح للجوهري 3/1099، وراجع لسان العرب 7/212 مادة "فيض".
قال ابن القيم: الحكم بالاستفاضة، هي درجة بين التواتر والآحاد، فالاستفاضة هي الاشتهار الذي يتحدث به الناس، وفاض بينهم. وهذا النوع من الإخبار يجوز استناد الشهادة إليه ... ويجوز اعتماد الحاكم عليه، والاستفاضة من أظهر البينات، وهي طريق من طرق العلم التي تنفي التهمة عن الشاهد، والحاكم وهي أقوى من شهادة اثنين [] مقبولين. انظر الطرق الحكمية 201-202 بتصرف.
2 سبق توثيق قول الإمام إسحاق رحمه الله في المسألة رقم: (2925) .

(8/4149)


[باب] في الفرائض1
[2965-] قلت لأحمد رضي الله عنه الخنثَى 2 من أين يورث؟
قال: من حيث يبول.
قلت: فإن بال منهما جميعاً؟
قال: من أيهما سبق. 3
__________
1 في العمرية بلفظ "، باب المواريث".
2 الانخناث: التثني والتكسر، والاسم الخنث. وخنثت الشيء فتخنث: أي عطفته فتعطف، ومنه سمي المخنث وتخنث في كلامه، والخنث بكسر النون المسترخي المتثني.
والخنثى: الذي له ما للرجال والنساء جميعاً، والجمع الخناثى مثل الحبالى.
الصحاح للجوهري 1/281، والمصباح المنير 1/183، ومختار الصحاح ص 191.
وفي الاصطلاح: الخنثى: هو الذي له ذكر وفرج امرأة، أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول، وينقسم إلى مشكل، وغير مشكل. فالذي يتبين فيه علامات الذكورية، أو الأنوثية فيعلم أنه رجل أو امرأة فليس بمشكل وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة، أو امرأة فيها خلقة زائدة، وحكمه في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه، ويعتبر بمباله.
انظر المغني 6/253، وكشاف القناع 4/469.
قال صاحب عمدة القارض: ومن له فرجا ذكر وأنثى أو ثقبة غيرهما فخنثى. العذب الفائض 2/53.
3 نقل ابن هانيء النيسابوري نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قلت له من أين يرث الخنثى؟
قال: من أيهما غلب عليه البول ورث من ذلك لمكان الذي يبول منه أكثر.
قلت: فإن بال منهما جميعاً؟ قال: أيهما سبق يُروى عن سعيد بن المسيب، ومحمد ابن علي، وعلي بن أبي طالب، أنهم قالوا: يورث من أيهما سبق البول.
ويُروى عن جابر بن زيد أنه قال: يدنى من الحائط ثم يبول فإن أصاب الحائط فهو غلام، وإن شلشل بين فخذيه فهو جارية. مسائل ابن هانيء النيسابوري 2/69 برقم 1472.
قال ابن قدامة: ويعتبر بمباله، فإن بال أو سبق بوله من ذكره فهو رجل، وإن سبق من فرجه فهو امرأة، وإن خرجا معاً اعتبر أكثرهما، فإن استويا فهو مشكل. المقنع 2/445.
قال المرداوي: هذا المذهب نص عليه.
الإنصاف 7/341، وراجع المغني 6/253، والكافي 2/552، والفروع 5/40، وأحكام التركات لمحمد أبي زهرة ص 257.

(8/4151)


قال إسحاق: كما قال [رضي الله عنه] . 1
[2966-] قلت: زوج وأم، وإخوة لأب وأم، وإخوة لأم 2 هل يشرك
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/65.
2 هذه المسألة تسمى المشركة، وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم، أو جدة واثنان فصاعداً من ولد الأم، وعصبة من ولد الأبوين وسميت المشركة، لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم، فقسمه بينهم بالسوية.
وتسمى الحمارية: لأنه يروى عن عمر رضي الله عنه أنه أسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم.
انظر المغني 6/180، والميراث في الشريعة الإسلامية لياسين أحمد درادكه ص 343، وأحكام الميراث لجمعة محمد براج ص 618.

(8/4152)


بينهم؟
قال [أحمد] أما أنا فلا أشرك بينهم. 1
قال إسحاق: الشركة بينهم. 2
__________
1 نقل عبد الله نحو هذه الرواية عن أبيه فقال: سألت أبي عن الشركة ترى أن تشرك بين الإخوة من الأب والأم مع الإخوة للأم في الثلث؟ قال: لا يشرك بينهم. مسائل عبد الله ص 400 برقم 1441.
وللإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: أنه لا يشرك بين ولد الأبوين، وأولاد الأم، ويعطى للزوج النصف وللأم السدس، ولإخوة من الأم الثلث. وسقط الإخوة من الأبوين لأنهم عصبة، وقد تم المال بالفروض.
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليه الأصحاب.
والثانية: نقل حرب أن الإخوة من الأبوين يشاركون الإخوة من الأم في الثلث، فيقسم بينهم بالسوية، للذكر مثل حظ الأنثيين.
انظر المغني 6/181، والإنصاف 7/315، والفروع 5/13، والكافي 2/527، وكشاف القناع 4/429.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 6/181، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/79، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم 76، والاستذكار لابن عبد البر 4/67 مخطوط يوجد نسخة منه بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم 439.

(8/4153)


[2967-] قلت: في ابنتين، وابنة 1 ابن، وابن ابن.
قال: أشرك في هذا. 2
__________
1 في الظاهرية "وابنت".
2 قال الإمام أحمد في رواية عبد الله: وفي البنات وبنات ابن وابن ابن: للابنتين الثلثان، وما بقي فبين بنات الابن، وبين الابن للذكر مثل حظ الأنثيين. مسائل عبد الله ص 401.
قال الخرقي: فإن كن بنات، وبنات ابن، فللبنات الثلثان، وليس لبنات الابن شيء، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين. مختصر الخرقي ص 117.
قال ابن قدامة: وأجمع أهل العلم على أن بنات الصلب متى استكملن الثلثين سقط بنات الابن، ما لم يكن بإزائهن أو أسفل منهن ذكر يعصبهن، وذلك لأن الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين، قليلات كنّ أو كثيرات، وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد، وقد ذهب الثلثان لولد الصلب فلم يبق لهن شيء، ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب، لأنهن دون درجتهن. فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن، أو ابن عمهن، أو أنزل منهن كابن أخيهن، أو ابن ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن، عصبهن في الباقي، فجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
المغني 6/171، والشرح الكبير 7/48 ومابعده، وراجع الكافي 2/537، وكشاف القناع 4/421، وشرح الرحبية لسبط المارديني ص 92.

(8/4154)


قال إسحاق: 1 كما قال. 2
[2968-] قلت: تورث الأسير؟
قال: إي لعمري. 3
قال إسحاق: كما قال. 4
[2969-] قلت: كم تورث من الجدات؟
قال: ثلاث بين ثنتين 5 من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم. 6
__________
1 في العمرية بحذف "إسحاق".
2 انظر قول الإمام إسحاق في: المغني 6/171.
3 قال ابن قدامة: ويرث الأسير الذي مع الكفار إذا علمت حياته في قول عامة الفقهاء إلا سعيد بن المسيب، فإنه قال: لايرث، لأنه عبد وليس بصحيح، لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر، فهو باق على حريته، فيرث كالمطلق.
[] المغني 6/267، وراجع الفروع 5/37، وأحكام التركات ص 257، وفتح الباري 12/49-50.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/138.
5 في العمرية بلفظ "ثنتان".
والذي يظهر أن كلمة "بين" هنا مقحمة لا معنى لها وصوابه "ثلاث": ثنتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم، كما سيأتي ما يشبه هذا في كلام ابن المنذر.
6 ذهب أبو عبد الله إلى توريث ثلاث جدات من غير زيادة عليهن.
قال ابن قدامة في الكافي: ولا يرث من الجدات أكثر من ثلاث: أم الأم، وأم الأب، وأم الجد ومن كان من أمهاتهن، وإن علت درجتهن فلهن السدس إذا تحاذين في الدرجة.
انظر: الكافي 4/533، والمغني 6/207، وراجع الإقناع 3/86، والإنصاف 7/309، والفروع 5/8، والشرح الكبير 7/42.

(8/4155)


قال إسحاق: كما قال وهن أم أم أبيه، [وأم أبي أبيه] .
وأم أم أمه، وتسقط أم أبي الأم 1. 2
[2970-] قلت: تورث الجدة مع ابنها؟
قال: نعم تورث 3 هي أكثر في
__________
1 هذه الجدة توسط بينها وبين الميت جد غير صحيح، فتأخذ حكم ذوي الأرحام كالجد غير الصحيح.
والجدة الصحيحة: هي التي لا يتوسط بينها وبين الميت جد غير صحيح، فأم الأم جدة صحيحة، وأم الأب كذلك، وهكذا.
راجع: المبدع 6/134، وأحكام التركات والمواريث لأبي زهرة ص 164.
2 قال ابن المنذر: قال أحمد بن حنبل يرث من الجدات ثلاث: ثنتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم، وكذلك قال إسحاق وهن: أم أم أبيه، وأم أبي أبيه، وأم أم أمه، وتسقط أم أبي الأم.
الأوسط 3/129، وانظر المغني 6/207.
3 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: ترث الجدة وابنها حي سواء كان أباً أو جداً كما لو كان عماً اتفاقاً، وهو المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من مفردات المذهب.
والثانية: لا ترث الجدة وابنها حي.
المغني 6/211، ولإنصاف 7/311، والمقنع 2/412، والمبدع 6/135، والشرح الكبير 7/43.

(8/4156)


الرواية. 1
قال إسحاق: كما قال. قد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها [أول] جدة ورثت في الإسلام [ظ-94/أ] . 2
__________
[1] راجع الروايات في ذلك، في: سنن سعيد بن منصور 1/76-78، وسنن الدارمي 2/358، والمحلى [9/279-280.
2] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال في الجدة مع ابنها أنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم سدسا مع ابنها وابنها حي.
رواه الترمذي في سننه 4/421، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة مع ابنها برقم 3102، والدارمي في سننه 2/358، كتاب الفرائض، باب في الجدات.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/222، كتاب الفرائض، باب لا يرث مع الأب أبواه.
قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد ورث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجدة مع ابنها، ولم يورثها بعضهم. سنن الترمذي 4/421.
وقال البيهقي: تفرد به محمد بن سالم، وهو غير محتج به. السنن الكبرى 6/226.
وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/211، المحلى 9/280، والاستذكار لابن عبد البر 4/73، اختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم 88، والأوسط لابن المنذر 3/128.

(8/4157)


[2971-] قلت: المملوكون، واليهود والنصارى يحجبون؟ 1
قال: لا يحجبون، ولا يرثون. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
[2972-] قلت: القاتل لا يرث خطأ أو 4 عمداً؟ 5
__________
1 يقال: حجبه حجباً: من، باب قتل: منعه، ومنه قيل للستر حجاب، لأنه يمنع المشاهدة، وقيل للبواب حاجب، لأنه يمنع من الدخول، الأصل في الحجاب جسم حائل بين جسدين.
المصباح المنير 1/121، والصحاح للجوهري 1/107 مادة "حجب".
وفي الاصطلاح: منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية أو من أوفر حظيه.
العذب الفائض 1/93، الرحبية بشرح سبط المارديني ص87.
2 قال في الكافي: من لم يرث لمعنى فيه، وهو الرقيق، والقاتل، والمخالف في الدين، لم يحجب غيره، لأنه ليس بوارث، فلم يحجب كالأجنبي. الكافي 2/539، وراجع المغني 6/312، والفروع 5/11، وكشاف القناع 4/424.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/136.
4 في العمرية بلفظ "ولا عمداً".
5 العمد في اللغة ضد الخطأ، وعمد للشيء قصد له - أي تعمده - وهو نقيض الخطأ.
الصحاح للجوهري 2/511، ومختار الصحاح ص454.
وعرفه ابن قدامة بقوله: العمد ما ضربه بحديدة أو خشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط، أو حجر كبير الغالب أن يقتل مثله، أو أعاد الضرب بخشبة صغيرة، أو فعل فعلاً الغالب من ذلك الفعل أن يتلف. المغني 7/637.

(8/4158)


قال: لا. لا من الدية، ولا من المال. 1
قال إسحاق: الذي نعتمد عليه لا يورث 2 من الدية، ويرث من الميراث. 3
__________
1 قال الخرقي: والقاتل لا يرث المقتول، عمداً كان القتل أو خطأ. مختصر الخرقي ص: 126.
قال ابن قدامة: كل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول سواء كان عمداً أو خطأ، بمباشرة أو سبب، وسواء انفرد بقتله أو شارك. المقنع 2/460.
قال المرداوي: هذا المذهب في ذلك كله.
الإنصاف 7/368، وراجع: الكافي 2/560، وكشاف القناع 4/492، والمبدع 6/260.
2 في العمرية بلفظ "لا يرث من الدية ويرث من الميراث".
3 نقل القرطبي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: وإن قتله خطأ فلا ميراث له من الدية، ويرث من المال في قول مالك.
ولا يرث في قول الشافعي وأحمد وسفيان وأصحاب الرأي من المال ولا من الدية شيئاً. وقول مالك أصح، وبه قال إسحاق وأبو ثور وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والزهري والأوزاعي وابن المنذر، لأن ميراث من ورثه الله تعالى في كتابه ثابت لا يستثنى منه إلا بسنة أو إجماع، وكل مختلف فيه مردود إلى ظاهر الآيات التي فيها المواريث.
الجامع لأحكام القرآن 5/59، والأوسط 3/136.

(8/4159)


[2973-] قلت: لا يتوارث أهل ملتين شتى، لا يرث اليهودي 1 النصراني؟
قال: لا يرث، هما ملتان مختلفتان. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
__________
1 في الظاهرية بإضافة "الواو"بين "اليهودي" و"النصراني".
2 نقل ابن القيم رحمه الله هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله برواية إسحاق بن منصور فقال: عن إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله: لا يتوارث أهل ملتين شيئاً لا يرث اليهودي والنصراني، قال: لا يرث، هما ملتان مختلفتان. أحكام أهل الذمة 2/445.
كما نقل نص هذه الرواية الخلال في أحكام أهل الملل ص 146.
وللإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: أن الكفر ملل مختلفة، لا يرث بعضهم بعضاً.
قال المرداوي: وهو الصحيح من المذهب.
والثانية: أن الكفر كله ملة واحدة، يرث بعضهم بعضاً، رواه عنه حرب.
واختاره الخلال فقال: وحكى إسحاق بن منصور أنه لا يورثهم وهو قديم السماع.
وحكى حرب: أنه يورث بعضهم من بعض، وهو أشبه بقول أبي عبد الله، واحتجاجه في أمورهم كلها أن يورث بعضهم من بعض، ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.
انظر المغني 6/295، والإنصاف 7/350، وأحكام أهل الملل للخلال ص 147، وراجع الفروع 5/15، والإقناع 3/115.
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/296، وشرح السنة للبغوي 8/364، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة رقم 91، والاستذكار 4/81، والأوسط 3/137.

(8/4160)


[2974-] قلت: ميراث المرتد للمسلمين يقتل ويؤخذ ماله؟ 1 مات أو قتل واحد، لأن دمه كان مباحاً، واحتج بحديث عم البراء 2 بن
__________
1 لعل هذا آخر السؤال. والجواب: قال: مات أو قتل إلخ ...
2 يشير إلى ما رواه عدي بن ثابت، عن يزيد بن البراء، عن أبيه قال: لقيت عمي ومعه راية فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
والحديث تقدم تخريجه في، باب الحدود والديات في المسألة رقم: (2684) .
قال الإمام محمد بن جرير الطبري: وكان الذي عرس بزوجة أبيه متخطياً حرمتين، وجامعاً بين كبيرتين من معاصي الله:
إحداهما: عقد نكاح على من حرم الله عقد النكاح عليه بنص تنزيله بقوله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} النساء آية 22.
والثانية: إتيانه فرجاً محرماً عليه إتيانه. وأعظم من ذلك تقدمه على ذلك بمشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلانه عقد النكاح على من حرم الله عليه بنص كتابه التي لا شبهة في تحريمها عليه وهو حاضره، فكان فعله ذلك من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتاه به عن الله تعالى ذكره، وجحوده آية محكمة في تنزيله، فكان بذلك من فعله مرتداً عن الإسلام، وإن كان للإسلام مظهراً ...
فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وضرب عنقه إن شاء الله، لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام، والناقض عهده من أهل العهد. تهذيب الآثار 2/148.

(8/4161)


عازب [رضي الله عنه] . 1
قال إسحاق: الذي نأخذ به ميراثه لورثته من 2 المسلمين. 3
[2975-] قلت: رجل مات، ولم يدع [ع-165/ب] وارثاً إلا ابن أخته؟
__________
1 واختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في مال المرتد، إذا مات أو قتل على ردته:
[1-] فروي عنه: أنه يكون فيئاً في بيت مال المسلمين، قال القاضي هو صحيح في المذهب.
[2-] وعن الإمام أحمد ما يدل على أن ماله لورثته من المسلمين.
[3-] وروي عنه: أن ماله لأهل دينه الذي اختاره، إن كان منهم من يرثه، وإلا فهو فيء. إلا أنه ثبت أنه رجع عن الرواية الأخيرة، فقد نقل أبو داود السجستاني عنه فقال: سمعت أحمد سئل عن ميراث المرتد؟
قال: كنت مرة أقول لا يرثه المسلمون، ثم أجبن عنه.
[] انظر مسائل أبي داود ص 220، والمغني 6/300-301، والإنصاف 7/352، والكافي 2/556، والفروع 5/51.
2 في العمرية بحذف "من".
3 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الأوسط 3/136، ومعالم السنن للخطابي 4/180، والمغني 6/301، والمحلى 9/305، وفتح الباري 12/51، وشرح السنة للبغوي 8/365.

(8/4162)


قال: الميراث لذي الرحم. 1
قال إسحاق: كما قال. 2
[2976-] قلت: من قال لا يرد 3 على ابنة ابن مع ابنة [لـ] صلب ولا
__________
1 الرحم في اللغة: موضع تكوين الولد ... ثم سميت القرابة والوصلة من جهة الولاء رحماً، فالرحم خلاف الأجنبي.
المصباح المنير 1/223، ومختار الصحاح ص 447، والقاموس المحيط 4/118، والمعجم الوسيط 1/335.
وفي الاصطلاح: عرفه ابن قدامة: بأنهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب. المغني 6/229.
إذا انفرد أحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله، في قول جميع من ورثهم.
انظر المغني 6/233، والكافي 2/549.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: عمدة القاريء 23/247، واختلاف الصحابة والتابعين، لوحة رقم 88، والاستذكار لابن عبد البر 4/79، وفتح الباري 12/30.
3 الرد: ضد العول، وهو نقص في سهام الورثة وزيادة في نصيب أصحاب السهام بقدر النقص، وهو المقصود من تصحيح المسألة، وذلك عند فقد العصبة.
الرحبية بشرح سبط الماوردي ص 165، وأصول علم المواريث لأحمد عبد الجواد ص 10، وأحكام التركات والمواريث لأبي زهرة ص 197.
والقول بعدم الرد على المذكورين في المسألة رواية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد روى البيهقي في سننه عن محمد بن سالم عن الشعبي قال: كان علي رضي الله عنه يرد على كل وارث الفضل بحصته ما ورث، غير المرأة والزوج. وكان عبد الله لا يرد على امرأة ولا زوج ولا ابنة ابن مع ابنة الصلب، ولا على أخت لأب مع أخت لأب وأم، ولا على إخوة لأم مع أم، ولا على جدة إلا أن لا يكون وارث غيرها.
وكان زيد لا يرد على وارث شيئاً ويجعله في بيت المال.
رواه البيهقي في سننه 6/244، كتاب الفرائض، باب من جعل ما فضل عن أهل الفرائض، ولم يخلف عصبة، ولا مولى في بيت المال ولم يرد على ذي فرض شيئاً.
وراجع: المغني 6/201، والكافي 2/543.

(8/4163)


على أخت لأب مع أخت لأب وأم، ولا على المرأة ولا على الزوج؟
قال: يرد عليهم كلهم إلا الزوج والمرأة، لأنهما ليسا من ذوي الرحم، ولا على جدة، ولا على إخوة لأم مع 1 أم.
قال إسحاق: نرد على كل ذي سهم غير الزوج والمرأة، ولا
__________
1 نقل هذه الرواية ابن قدامة في المغني 6/201، والمرداوي في الإنصاف 7/317.
قال الخرقي: ويرد على كل أهل الفرائض على قدر ميراثهم، إلا الزوج والزوجة. مختصر الخرقي ص 120.
قال المرداوي: هذا المذهب نقله الجماعة، وعليه الأصحاب، وعنه يقدم الرد، وذوو الأرحام على الولاء.
وعنه: يقدم ذوو الأرحام على الرد، وعنه لا يرث بالرد بحال.
الإنصاف 7/317، وراجع المغني 6/201، والكافي 2/543، والفروع 5/17، وكشاف القناع 4/433، ومسائل أبي داود ص 218.

(8/4164)


على إخوة لأم مع الأم، 1 وأما الجدة فلا نرد عليها إلا أن لا يوجد غيرها. 2
[2977-] قلت: العمة والخالة؟
قال: العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم. 3
__________
1 في العمرية بلفظ "ولا على إخوة مع أم أمه".
2 في العمرية بلفظ "فلا يرد عليهما إلا أن لا يوجد غيرهما".
3 نقل ابن هانيء النيسابوري نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال قيل له: تنزل العمة بمنزلة الجد، أو بمنزلة الأب؟
قال: بمنزلة الأب.
وقيل: تنزل الخالة بمنزلة الأم في الميراث؟ قال: إذا لم يكن عصبة، كذا أيضاً العمة بمنزلة الأب، للعمة الثلثان، [] وللخالة الثلث. مسائل ابن هانيء النيسابوري 2/66 برقم 300-1458.
قال ابن قدامة: مذهب أبي عبد الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة فيجعلهم له نصيبه، فإن بعدوا نزلوا درجة درجة إلى أن يصلوا من يمتون به فيأخذون ميراثه. المغني 6/231.
وذكر في الإنصاف عن الإمام أحمد رحمه الله في العمة روايات:
[1-] أنها تنزل منزلة الأب. قال المرداوي: هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
[2-] أنها تنزل منزلة العم. واختاره أبو بكر.
[3-] وعنه: العمة لأبوين أو الأب كالجد، فعليها العمة لأم والعم لأم كالجدة أمها. انظر الإنصاف 7/323.
وإنما صار هذا الخلاف في العمة، لأنها أدلت بأربع جهات وارثات، فالأب والعم أخواها، والجد والجدة أبواها.
المغني 6/232، وراجع الكافي 2/549، والفروع 5/27، وكشاف القناع 4/455، وشرح الرحبية لمارديني ص 169.

(8/4165)


قال إسحاق: كما قال.
[2978-] قلت: أدنى العصبة 1 الابن، ثم ابن الابن، ثم الأب ثم الجد، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم، ثم الأدنى فالأدنى؟
قال: نعم. 2
__________
1 مادة "عصب" في اللغة تدل على معنى الإحاطة بشيء.
وعصبة الرجل بنوه، وقرابته لأبيه، وإنما سموا عصبة لأنهم عصبوا به - أي أحاطوا به - فالأب طرف والابن طرف والعم جانب، والأخ جانب، والجمع العصبات.
الصحاح للجوهري 1/182، ومختار الصحاح ص 435.
وفي الاصطلاح: العصبة كل وارث ليس فريضة مسماة في القرآن الكريم أو السنة النبوية، بل يأخذ كل التركة إذا انفرد بها، ويأحذ ما تبقى بعد أصحاب الفروض إن وجدوا، ويسقط إذا استغرقت الفروض التركة.
المغني 6/168، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام 3/468.
2 قال ابن مفلح: أقرب العصبة الابن، ثم ابنه وإن نزل، ثم الأب، ثم الجد وإن علا مع عدم أخ لأبوين أو لأب، ثم هما، ثم بنوهما وإن نزلوا، ثم عم لأبوين، ثم لأب، ثم بنوهما كذلك، ثم عم أبيه لأبوين، ثم لأب، ثم بنوهما كذلك، ثم عم جده، ثم بنوه كذلك لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب ولو نزلوا. نص عليه. الفروع 5/12.
قال المرداوي: الصحيح من المذهب أن الإخوة يقاسمون الجد.
الإنصاف 4/313، وراجع المغني 6/179.

(8/4166)


قال إسحاق: كما قال.
[2979-] حدثنا إسحاق ابن منصور 1 قال: أخبرنا أحمد، 2 عن يحي ابن آدم 3 قال: أخبرنا ابن أبي زائدة 4 عن أبيه 5 عن
__________
1 في العمرية بحذف "منصور".
وهو إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج راوي المسائل عن الإمام أحمد وإسحاق.
2 هو ابن حنبل أبو عبد الله المروي عنه هذه المسائل.
3 صاحب، كتاب الخراج.
4 هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني بسكون الميم، أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن.
قال العجلي: هو ممن جمع له الفقه والحديث، وكان على قضاء المداين، ويعد من حفاظ الكوفيين للحديث، مفتياً ثبتاً صاحب سنة. مات سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومائة، وله ثلاث وتسعون سنة.
طبقات الحفاظ ص 120، وتذكرة الحفاظ 1/267، وتقريب التهذيب ص 375.
له ترجمة في خلاصة تذهيب الكمال ص 423، وشذرات الذهب 1/298، وطبقات ابن سعد 6/274.
5 هو زكريا بن أبي زائدة، خالد، ويقال هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني الوداعي، أبو يحي الكوفي، ثقة، وكان يدلس وسماعه من أبي إسحاق بآخره. مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وأربعين.
تهذيب التهذيب 3/329، وتقريب التهذيب ص 107، ومشاهير علماء الأنصار ص 170، والكشاف 1/323، والعبر 1/212.

(8/4167)


فراس 1 عن عامر 2 في امرأة، وأم وابنتين، وابنة ابن، وأخت لأب، وأم.
قال: للمرأة الثمن، وللأم السدس، وللابنين الثلثان وللأخت ما بقي دون ابنة الابن.
ولو كان ترك ابن ابن كان له ما بقي دون الأخت.
قلت: من حجب المرأة عن الربع؟
قال: الابنتان.
__________
1 فراس بكسر أوله وبمهملة ابن يحيى الهمداني الخارفي بمعجمة وفاء، أبو يحيى الكوفي المكتب، صدوق ربما وهم. مات سنة تسع وعشرين.
تهذيب التهذيب 8/259، وتقريب التهذيب ص 274.
2 هو عامر بن شراحيل الشعبي.
وفي النسخة العمرية بلفظ "عن مجاهد"، ولعل الصواب ما أثبته، لأن فراساً من أصحاب الشعبي والرواة عنه. انظر تهذيب التهذيب 5/65، 8/259.
السند رجاله ثقات، وزكريا بن زائدة وإن وصف بالتدليس إلا أنه ممن احتمل تدليسه. كما في طبقات المدلسين [] لابن حجر ص 13-31.

(8/4168)


قلت: فمن حجب الأم عن الثلث؟ 1
قال: الابنتان.
قلت: لم لم ترث ابنة الابن؟
قال: لأن سهام النساء تكاملت الثلثين. 2
قلت: ما تقول في قوله: لو كان ابن ابن كان له ما بقي دون الأخت، لأنه بمنزلة الولد؟.
قال: نعم. 3
__________
1 هذا سؤال وجوابه سقط من العمرية.
2 ينقسم الحجب إلى قسمين:
أ - حجب نقصان: وهو منع من قام به سبب الإرث من أوفر حظيه بسبب وجود شخص آخر. وهذا النوع هو عبارة عن الانتقال بالوارث من حالة إلى حالة أخرى يستحق فيها أقل النصيبين، ولا يكون إلا في أصحاب الفروض، كما في المسألة من حجب المرأة عن الربع إلى الثمن، والأم عن الثلث إلى السدس، لوجود الفرع الوارث.
ب- وحجب حرمان: وهو منع الشخص من الميراث كله بسبب وجود شخص آخر، وهذا النوع من الحجب يكون في أصحاب الفروض والعصبات وفي المسألة حجبت ابنة الابن لتكامل سهام النساء الثلثين.
[] أحكام الميراث جمعه محمد براج 534-536، وروضة الطالبين 6/25، وأحكام المواريث لمحيي الدين عبد الحميد ص 148.
3 قال الخرقي: ولا يرث أخ، ولا أخت لأب وأم، أو الأب، مع ابن، ولا مع ابن ابن وإن سفل، ولا مع أب. مختصر الخرقي ص 117.
قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على هذا بحمد الله، وذكر ذلك ابن المنذر وغيره.
والأصل في هذا قول الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة النساء آية 176.
فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بثلاثة: بالابن، وابن الابن وإن سفل، وبالأب. ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة، وبالأخ من الأبوين. المغني 6/166.
قال المرداوي: هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب.
الإنصاف 7/312، وراجع المبدع 6/139.

(8/4169)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2980-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: 2 سمعت سفيان بن عيينة يقول: قال ابن عباس [رضي الله عنهما] "أمر ليس في كتاب الله [عز وجل] ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدونه في الناس كلهم ميراث الأخت مع البنت 3". وقرئ عليه إسناده. 4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المحلى 9/256.
2 في العمرية بعبارة "حدثنا أحمد سمعت سفيان يقول".
3 في العمرية بلفظ "الابنة".
4 في العمرية بلفظ "الإسناد".
وذكر السند في المسألة متفرقاً سقط من السند الأول اثنان وهما مصعب، وابن أبي مليكة.
وفي السند الثاني مجهول الأب، وهو ابن فلان.
وأكمل في الثالث، وصرح بالمجهول وهو عبد الله.
وقد روى الأثر ابن حزم، وذكر السند كاملاً فيحسن سياقه. وقد رواه من طريق إسماعيل بن إسحاق فقال: حدثنا علي بن عبد الله، هو ابن المديني حدثني سفيان - هو ابن عيينة، حدثني مصعب بن عبد الله ابن الزبرقان عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: "أمر ليس في، كتاب الله تعالى ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وستجدونه في الناس كلهم، ميراث الأخت مع البنت". المحلى 9/257.
كما روى الأثر ابن عبد البر في الاستذكار 4/66.
[] وانظر رأي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في: مصنف عبد الرزاق 1/254-255، والسنن الكبرى للبيهقي 6/233، والمغني 6/168، والمحلى 9/256.

(8/4170)


سمعت مصعب بن فلان بن الزبرقان، قال سمعت ابن أبي مليكة.
قال أحمد: قال علي: 1 قال: حدثني مصعب بن عبد الله بن
__________
1 هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم، أبو الحسن بن المديني البصري، ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، حتى قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عنده. وقال فيه شيخه ابن عيينة: كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلمه مني.
وقال النسائي: كأن الله خلقه للحديث.
عابوا عليه إجابته في المحنة، لكنه تنصل وتاب، واعتذر بأنه كان خاف على نفسه، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين.
تهذيب التهذيب 7/349، وتقريب التهذيب ص 247، وتاريخ بغداد 11/458، طبقات الحنابلة 1/225.

(8/4171)


الزبرقان. 1
قلت: أليس تقول بقول معاذ 2 [رضي الله عنه] ؟
قال: نعم. 3
__________
1 مصعب بن عبد الله بن الزبرقان لم أقف على ترجمته فيما رجعت إليه من المراجع.
2 وروى الإمام البخاري بإسناده عن الأسود قال: قضى فينا معاذ ابن جبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: النصف للابنة والنصف للأخت، ثم قال سليمان: قضى فينا، ولم يذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم 6741 مع فتح الباري 12/24، كتاب الفرائض، باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة من طريق إبراهم عن الأسود.
3 نقل ابن هانيء نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في مسائله عنه 2/64 برقم: 1449.
قال الخرقي: والأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل، وليست لهن معهن فريضة مسماة. مختصر الخرقي 117.
قال البهوتي: فإن اجتمع مع البنت فأكثر أو مع بنت الابن فأكثر والأخت لأبوين، ولد أب، فالباقي عن البنتين أو البنات للأخت لأبوين، لأنها عصبة مدلية بقرابتين كالأخ الشقيق.
كشاف القناع 4/423، وراجع المبدع 6/140.

(8/4172)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2981-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا 2 أحمد عن وكيع 3 عن سفيان 4 عن منصور 5 عن
__________
1 راجع قوله في: مسائل ابن هانيء النيسابوري 2/64 برقم 1449، والمحلى لابن حزم 9/256.
2 في العمرية بحذف عبارة "حدثنا إسحاق قال"وتكرر هذا السقط إلى نهاية أسانيد هذا الباب.
3 هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي "بضم الراء وفتح الواو المهموزة وفي آخرها السين المهملة"بطن من قيس عيلان. أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، كان محدث العراق في عصره. ولد بالكوفة، وتفقه وحفظ الحديث، واشتهر وأراد الرشيد أن يوليه قضاء الكوفة فامتنع ورعاً.
قال الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أوعى منه، ولا أحفظ، وكيع إمام المسلمين.
وقال ابن المديني: كان وكيع يلحن، ولو حدثت بألفاظه لكانت عجباً. توفي بفيد راجعاً من الحج سنة سبع وتسعين ومائة، وله سبعون سنة رحمه الله.
تقريب التهذيب ص 369، وتذكرة الحفاظ 1/306، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص 133، وتاريخ بغداد 13/466، وحلية الأولياء 8/368، والمعارف ص 507، وخلاصة تهذيب الكمال ص 415، وطبقات الحنابلة 1/391.
4 هو الثوري.
5 هو منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو ثاب بمثلثة ثقيلة ثم موحدة، الكوفي، ثقة ثبت، وكان لا يدلس، من طبقة الأعمش. مات سنة اثنين وثلاثين ومائة.
تقريب التهذيب ص 348، وتذكرة الحفاظ 1/142، وطبقات الحفاظ ص 66، تهذيب التهذيب 10/312، وحلية الأولياء 5/40، والمعارف ص474.

(8/4173)


إبراهيم 1 عن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم قالوا في زوج، وأم، [ع-166/أ] وإخوة لأم، وأخوات لأب وأم إنهم 2 كانوا يشركون بين الإخوة والأخوات للأب والأم مع الإخوة من الأم في ثلثهم، وكانوا يقولون لم يزدهم الأب إلا قرباً، وكانوا يجعلون ذكرهم وأنثاهم فيه سواء 3.
__________
1 هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي.
2 في العمرية بلفظ "وأنهم".
3 رواه البيهقي من طريق سفيان الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن عمر وعبد الله وزيد رضي الله عنهم أنهم قالوا:
للزوج النصف، وللأم السدس، واشركوا بين الإخوة من الأب والأم والإخوة من الأم في الثلث، وقالوا ما زادهم الأب إلا قرباً.
السنن الكبرى للبيهقي 6/256، كتاب الفرائض، باب المشركة وعبد الرزاق في مصنفه 10/251، كتاب الفرائض برقم 19009 مختصراً من الطريق السابق.
وسعيد بن منصور في سننه ص 57، باب المشركة.
والدارمي في سننه 2/347، كتاب الفرائض، باب في المشركة.
وإسناد الأثر ضعيف لانقطاعه، فإبراهيم النخعي لم يدرك عمر رضي الله عنه ولا غيره من الصحابة. انظر المراسيل ص 14.

(8/4174)


قلت ما تقول أنت؟
قال: لا أشرك. 1
قال أحمد: اختلف عن عمر 2 وعن ابن مسعود، 3 وعن زيد بن ثابت 4 في المشتركة
__________
1 سبق توثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في المشركة في المسألة: (2966) .
2 يشير إلى ما رواه الحكم بن مسعود الثقفي قال: قضى عمر بن الخطاب في امرأة توفيت، وتركت: زوجها وأمها، وإخوتها لأمها، وإخوتها لأبيها وأمها. فأشرك عمر بين الإخوة للأم، والإخوة للأب والأم في الثلث. فقال له رجل: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا. فقال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا.
[] مصنف عبد الرزاق 10/249-250، كتاب الفرائض برقم 19005 واللفظ له.
والسنن الكبرى للبيهقي 6/255، كتاب الفرائض، باب المشركة، كلاهما من طريق وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثقفي.
3 سيأتي في المسألة القادمة رواية لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه تخالف هذه الرواية.
4 رُوِيَ عن زيد بن ثابت رواية تخالف هذه الرواية، فقد روى محمد بن سالم عن الشعبي قال: قال علي وزيد رضي الله عنهما: "للزوج النصف، للأم السدس، والإخوة من الأم الثلث، ولم يشركا بين الإخوة من الأب والأم معهم، وقالا: هم عصبة، إن فضل شيء كان لهم، وإن لم يفضل لم يكن لهم شيء".
السنن الكبرى للبيهقي 6/256، كتاب الفرائض، باب المشركة وعقب البيهقي على الروايات السابقة التي تفيد أنهم يرون عدم التشريك بين الإخوة من الأم والأب، والإخوة من الأم في المسألة بقوله: الرواية الصحيحة في هذا عن زيد بن ثابت ما مضى – يشير إلى الأثر الذي يفيد التشريك بينهم-.
وهذه الرواية ينفرد بها محمد بن سالم، وليس بالقوي، والشعبي وإبراهيم النخعي أعلم بمذهب عبد الله بن مسعود وإن لم يرياه من رواية أبي قيس الأودي، وإن كانت موصولة إلا أن رواية أبي قيس شاهداً فيحتمل أنه كان يقول ذلك، ثم رجع عنه إلى ما تقرر عند الشعبي والنخعي من مذهبه، والله أعلم كما روينا عن عمر بن الخطاب رضي [] الله عنه. السنن الكبرى للبيهقي 6/256-257.

(8/4175)


هذه. 1
قال إسحاق: نقول بقولهم إنهم يشركون.
[2982-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي 2
__________
1 نقل عبد الله بن أحمد عن أبيه نحو هذا القول فقال: قال الإمام أحمد: واختلف الناس عن عبد الله وزيد وعمر وكان الشعبي لا يشرك أيضاً. مسائل عبد الله بن أحمد بن حنبل ص 401 برقم 1441.
2 هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم، أبو سيعد البصري، ثقة ثبت حافظ، عارف بالرجال، والحديث.
قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه.
وقال أحمد: إذا حدث ابن مهدي عن رجل فهو حجة.
مات بالبصرة سنت ثمان وتسعين ومائة.
تقريب التهذيب ص 210، وتذكرة الحفاظ 1/329، وطبقات الحفاظ ص 144، وتاريخ بغداد 10/240، وخلاصة تذهيب الكمال 199، والعبر 1/326، والنجوم الزاهرة 2/159.

(8/4176)


عن سفيان 1 عن أبي قيس 2 عن هذيل 3 عن عبد الله 4 [رضي الله عنه] في زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة لأب وأم، أنه لم يشرك بينهم. 5
قال أبو قيس: 6 رأيت الغلام عبدة بن معاوية.
قلت: أليس هذا خلافاً 7 لحديث منصور؟ 8
قال: نعم.
__________
1 هو الثوري.
2 هو عبد الرحمن بن ثروان بمثلثة مفتوحة، وراء ساكنة، أبو قيس الأودي الكوفي، صدوق ربما خالف. مات سنة عشرين ومائة.
تهذيب التهذيب 6/123، وتقريب التهذيب ص 199.
3 هذيل بن شرحبيل الآودي.
قال ابن سعد: يروي عن علي وعبد الله، وكان ثقة.
الطبقات الكبرى 6/176.
4 هو عبد الله بن مسعود.
5 رواه البيهقي بإسناده عن هذيل بن شرحبيل قال: أتينا عبد الله في زوج، وأم، وأخوين لأم، وأخ لأب وأم، فقال: قد تكاملت السهام، ولم يعط الأخ من الأب والأم شيئاً. السنن الكبرى للبيهقي 6/256، كتاب الفرائض، باب المشركة. وإسناده حسن.
6 أبو قيس: هو عبد الرحمن بن ثروان الأودي.
7 في النسختين بلفظ "خلاف"، والصواب "خلافاً" بالنصب لأنه خبر ليس.
8 هو منصور بن معتمر تقدم حديثه في المسألة السابقة

(8/4177)


قال إسحاق: نأخذ برواية منصور [ظ-94/ب] .
[2983-] حدثنا إسحاق، قال أخبرنا أحمد، قال حدثنا أبو معاوية 1 عن الأعمش، 2 عن إبراهيم قال: كان عمر، وعبد الله، وزيد رضي الله عنهم يشركون، وكان علي [رضي الله عنه] لا يشرك. 3
قلت: عثمان [رضي الله عنه] كان يشرك في هذا؟ 4
__________
1 هو شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي، أبو معاوية البصري نزيل الكوفة، ثقة صاحب كتاب، يقال إنه منسوب إلى نحوة بطن من الأزد، لا إلى علم النحو. مات في خلافة المهدي سنة أربع وستين ومائة.
تهذيب التهذيب 4/375، وتقريب التهذيب ص148.
2 هو سليمان بن مهران الأعمش الأسدي، الكاهلي مولاهم، أبو محمد الكوفي قال العجلي: كان ثقة ثبتاً في الحديث، وكان محدث أهل الكوفة في زمانه، وقال في التقريب: ثقة حافظ عارف بالقراءة، ورع لكنه يدلس. مات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن ثمان وثمانين سنة.
تهذيب التهذيب 4/222، وتقريب التهذيب ص 136، وتذكرة الحفاظ 1/154، وطبقات الحفاظ ص 74، وتاريخ بغداد 9/3.
3 والأثر أورده سعيد بن منصور بإسناده قال: نا معاوية قال: نا الأعمش عن إبراهيم قال: كان عمر، وابن [] [] مسعود، وزيد ابن ثابت يشركون، وكان علي لا يشرك. سنن سعيد بن منصور 57-58، باب المشركة.
4 عن أبي مجلز قال: كان علي لا يشركهم، وكان عثمان يشركهم.
مصنف عبد الرزاق 10/251، كتاب الفرائض برقم: 19011.
وسنن الدارمي 2/347، كتاب الفرائض، باب في المشركة.
ومصنف ابن أبي شيبة 11/256، كتاب الفرائض بلفظ "أن عثمان شرك بينهم

(8/4178)


قال: نعم.
قلت: وشريح [كان يشرك في هذا] ؟ 1
قال: نعم.
قلت: ومسروق؟ 2
__________
1 روى الدارمي بإسناده عن عبد الملك بن عمير عن شريح أنه كان يشرك.
[] سنن الدارمي 2/347-348، كتاب الفرائض، باب في المشركة.
وراجع قول القاضي شريح في: أخبار القضاة لوكيع 2/320.
2 هو مسروق بن الأجدع، بن مالك الهمداني الوداعي، أبو عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم، وكان أبوه فارس أهل اليمن في زمانه، قال الشعبي: ما علمت أحداً كان أطلب للعلم منه. مات سنة اثنتين ويقال سنة ثلاث وستين من الهجرة.
تقريب التهذيب ص 334, وتذكرة الحفاظ 1/49, وطبقات الحفاظ ص 21, وتهذيب التهذيب 1/110, والنجوم الزاهرة 1/161.
والأثر المروي عنه ذكره ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن المنتشر عن شريح ومسروق "أنهما شركا الإخوة من الأب والأم مع الإخوة من الأم".
مصنف ابن أبي شيبة 11/257، كتاب الفرائض، باب في زوج وأم وإخوة وأخوات لأب وابن وإخوة لأم من شرك بينهم، برقم: 11148، واللفظ له.
وسعيد بن منصور في سننه ص: 85، كتاب الفرائض من طريق المغيرة عن ابن المنتشر.

(8/4179)


قال: نعم.
قلت: وعمر بن عبد العزيز؟ 1
قال: نعم.
قال: إسحاق: كما قال.
[2984-] حدثا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الصمد 2 قال: حدثني أبي 3 قال: حدثنا
__________
1 وأثر الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ذكره ابن أبي شيبة بإسناده، عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: ماتت ابنة للحسن بن الحسن وتركت زوجها، وأمها، وإخوتها لأمها, وإخوتها لأبيها وأمها, فارتفعوا إلى عمر بن عبد العزيز, فأعطى الزوج النصف، والأم السدس, وأشرك بين الإخوة من الأم، والإخوة من الأب والأم، وقال للزوج: أمسك عن أترابك، أيلحق بهم سهم آخر حتى تنتظر حبلى هي أم لا.
مصنف ابن أبي شيبة 11/257، كتاب الفرائض, باب في زوج وأم، وإخوة وأخوات لأب وأم، وإخوة لأم من شرك بينهم برقم 11151.
2 هو عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، التميمي العنبري، مولاهم أبو سهل، البصري الحافظ، ونسبه في التقريب بالتنوري, بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة، صدوق ثبت في شعبة. توفي سنة ست أو سبع ومائتين.
تهذيب التهذيب 6/327, وتقريب التقريب ص 213، وتذكرة الحفاظ 2/493، وطبقات الحفاظ ص 138، وخلاصة تذهيب الكمال 176.
3 هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيد التنوري - بفتح المثناة وتشديد النون – البصري، ثقة ثبت رمي بالقدر ولم يثبت عنه، مولده سنة اثنتين ومائة، ومات في المحرم سنة ثمانين ومائة بالبصرة.
تهذيب التهذيب 6/441، وتقريب التهذيب ص 222، وتذكرة الحفاظ 1/257، وطبقات الحفاظ ص 116، وخلاصة تذهيب الكمال ص 209.

(8/4180)


يونس 1 عن الحسن 2 في امرأة تركت: ابني عمها، أحدهما أخوها لأمها، أن أخاها لأمها أحقهما بالميراث. 3
قلت: ما تقول أنت؟
قال: مثل 4 قول علي، وزيد [رضي الله عنهما] : السدس وما بقي بينهما. 5
__________
1 هو يونس بن عبيد بن دينار العبدي.
2 هو البصري.
إسناده صحيح ورجاله ثقات.
3 نقل ابن حجر رحمه الله قول الحسن البصري فقال: فإن كانت زيادة الترجيح بمعنى غير ما هما فيه، كابني عم أحدهما أخ لأم، فقيل يستمر الترجيح فيأخذ ابن العم الذي هو أخ لأم جميع ما بقى بعد فرض الزوج، وهو قول عمر وابن مسعود وشريح، والحسن، وابن سيرين، والنخعي، وأبي ثور، والطبري وداود. ونقل عن أشهب وأبى ذلك الجمهور فقالوا: بل يأخذ الأخ من الأم فرضه، ويقسم الباقي بينهما. فتح الباري 6/28.
4 في العمرية بلفظ قال: "لا"مثل قول علي وزيد رضي الله عنهما.
5 يشير إلى ما رواه ابن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: كان علي، وزيد يقولان في بني عم: أحدهم أخ لأم، يعطيانه السدس، وما بقي بينه وبين بني عمه. وكان عبد الله يعطيه المال كله.
مصنف ابن أبي شيبة 11/250، كتاب الفرائض، في بني عم أحدهم أخ لأم، برقم: 11133.
قال الخرقي: وإذا كان ابني عم أحدهما أخ لأم، فللأخ للأم السدس، وما بقى بينهما نصفين. مختصر الخرقي ص 119، وانظر الكافي 2/546، والإنصاف 7/314.

(8/4181)


قال إسحاق: كما قال.
[2985-] حدثا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: أخبرنا وكيع قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الملك 1 قال: سألت سعيد 2 بن جبير 3 عن ابنة، وابني عم، أحدهما 4 أخ لأم.
قال: للابنة النصف، وما بقى فلابن العم الذي ليس [ع-166/ب] بأخ لأم، 5 [و] قال: لا يرث أخ لأم مع ولد شيئاً.
__________
1 هو إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصّفَيْر بالمهملة والفاء مصغراً، صدوق كثير الوهم، قال ابن أبي حاتم عن أبيه ليس بقوي في الحديث وليس حده الترك.
تهذيب التهذيب 1/316، وتقريب التهذيب ص 34.
2 في العمرية بحذف "سعيد".
3 إسناد الأثر ضعيف، لأن إسماعيل بن عبد الملك لا يحتج بما انفرد به.
4 في العمرية بلفظ "بني عم أحدهم".
5 في الظاهرية بلفظ "بأم".

(8/4182)


قال: وسألت عطاء فقال: أخطأ سعيد بن جبير، للابنة النصف، وما بقي فبينهما نصفين. 1
قلت: ما تقول أنت؟
قال: أقول بقول عطاء 2
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 والأثر رواه من طريق وكيع: ابن أبي شيبة في المصنف 11/253، كتاب الفرائض في ابنة، وابني عم أحدهما أخ لأم برقم 11140، بلفظ فسألت عطاء فقال: أخطأ سعيد، للابنة النصف، ولابن العم الذي ليس بأخ لأم النصف.
قول عطاء: أخطأ سعيد إلى آخره - أي أخطأ في قوله للابنة النصف، ولابن العم الذي ليس بأخ لأم النصف-.
2 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد، وقول سعيد بن جبير رحمهما الله، ابن مفلح في الفروع 5/14.
قال ابن قدامة: فإن كان ابنا عم أحدهما أخ من أم، وبنت، أو بنت ابن، فللبنت أو بنت الابن النصف، والباقي بينهما نصفين، وسقط الإخوة من الأم بالبنت.
المغني 6/187، وراجع الكافي 2/548.
وما ذكره سعيد بن جبير رحمه الله ينتقض بالأخ من الأبوين مع البنت وبابن العم إذا كان زوجاً ومعه من يحجب بني العم، ولا نسلم أنه يرث ميراثاً واحداً، بل يرث بقرابته ميراثين كشخصين، فصار كابن العم الذي هو زوج، وفارق الأخ من الأبوين فإنه لايرث إلا ميراثاً واحداً، فإن قرابة الأم لا ترث بها مفردة. المغني 6/187، 149.

(8/4183)


[2986-] حدثا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا هشيم 1 قال كان شعبة حدثنا بهذا الحديث عن سهم الفرائض عن أوس بن ثابت. 2 فلما 3 قدمت البصرة أُخْبِرت أنه حي فأتيته، فحدثني به أوس بن ثابت عن حكيم بن عقال 4 أن امرأة ماتت وتركت ابني عمها، أحدهما أخوها 5 لأمها والآخر زوجها، فاختصموا إلى شريح، فجعل للزوج النصف، وجعل النصف الباقي لأخيها من أمها. فأتوا علياً [رضي الله عنه] فأرسل إلى شريح فأتاه فقال: كيف قضيت بين هؤلاء؟ فأخبره بالذي كان، فقال: ما حملك على ذلك؟ 6
__________
1 هو هشيم بن بشير.
2 هو أوس بن ثابت الأنصاري، والد أبي زيد النحوي، روى عن حكيم بن عقال القرشي. روى عنه شعبة وحماد بن سلمة. قال ابن أبي حاتم الرازي: سمعت أبي يقول ذلك، وروى إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: أوس بن ثابت الأنصاري ثقة. الجرح والتعديل 2/305.
3 في العمرية بلفظ "قال قدمت البصرة".
4 هو حكيم بن عقال القرشي، مكي، روى عن عائشة، وابن عمر. روى عنه عطاء بن أبي رباح، وحميد بن هلال، وقتادة والريان. الجرح والتعديل 3/206.
5 في العمرية بحذف لفظ "أخوها".
6 في الظاهرية بلفظ "قال"بحذف الفاء.

(8/4184)


قال: قول الله [عز وجل] في كتابه {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 1
قال: أفلا أعطيت الزوج فريضته في كتاب الله [عز وجل] النصف، وأعطيت الأخ فريضته في كتاب الله [عز وجل] السدس، وجعلت ما بقى بينهما؟ 2
قلت: ما تقول أنت؟
قال: أقول بقول علي [رضي الله عنه] . 3
__________
1 سورة الأنفال الآية (75) ، والأحزاب الآية (6) .
2 الأثر رواه بهذا الإسناد سعيد بن منصور في سننه ص83، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ابني عم أحدهما أخ لأم برقم 130.
[] والبيهقي في السنن الكبرى 6/239-240، كتاب الفرائض، باب ميراث ابني عم أحدهما زوج والأخر أخ لأم.
وصورة المسألة: أن رجلاً تزوج امرأة فأتت منه بابن، ثم تزوج أخرى، فأتت منه بآخر، ثم فارق الثانية، فتزوجها أخوه فأتت منه ببنت، فهي أخت الثاني لأمه، وابنة عمه. فتزوجت هذه البنت الابن الأول، وهو ابن عمها، ثم ماتت عن ابني عمها. فتح الباري 12/27.
3 قال في الفروع: وابنا عم أحدهما زوج، أو أخ لأم له فرضه، والبقية لهما. الفروع 5/13.
وقال في الكافي: وإن كانوا ثلاثة كبني عم، أحدهم زوج، والآخر أخ لأم، فللزوج النصف، وللأخ السدس، والباقي بينهم أثلاثاً.
الكافي 2/546، وراجع المغني 6/188، مطالب أولي النهي 4/562.

(8/4185)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2987-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن الأعمش قال: كان ابن مسعود 2 رضي الله عنه يقول في ابنة، وابنة ابن، وابن ابن، 3 وفي أخت لأب وأم، وأخت لأب، وإخوة لأب 4، إن ابن مسعود [رضي الله عنه] كان يقول لهذه النصف ثم ينظر، فإن كان إذا قاسم بها الذكورة أصابها أكثر من السدس، لم يزدها على السدس.
وإن أصابها أقل من السدس، قاسم بمالم يلزمها الضرر، وكان غيره من أصحاب محمد صلى الله عليه [وسلم] يقولون: 5 لهذه
__________
1 نقل العيني قول الإمام إسحاق رحمه الله في عمدة القاريء 23/246.
2 الأثر بهذا الإسناد ضعيف لانقطاعه، فإن الأعمش لم يدرك ابن مسعود رضي الله عنه، ولم يذكر من حدثه عنه.
3 في العمرية بلفظ "بني ابن".
4 في العمرية سقط لفظ "لأب".
5 في العمرية بلفظ "يقول".

(8/4186)


النصف، وما بقى للذكر مثل حظ الأنثيين. 1
قلت: ما تقول أنت؟
قال: لا أقول به، ما بقي فبينهم. 2
__________
1 الأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/249 من طريق وكيع عنه بنحوه، كتاب الفرائض في ابنة، وابنة ابن، وبني ابن، وبني أخت لأب وأم، وأخ وأخوات لأب، برقم 11132، إلا أنه قال: " وإن أصابها أقل من السدس قاسم بما لم يلزمها الضرر."
وانظر قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في: سنن سعيد بن منصور ص 56، وسنن الدارمي 2/350، [] [] والمحلى 9/270-271، والمغني 6/173.
وتوضيح قوله في المسألة، أنه مات رجل وترك ابنة واحدة، وبنات ابن معهن ذكر، ينظر: فإن وقع لهن أكثر من السدس لم يعطين أكثر من السدس، أي أن لبنات الابن الأضرّ بهن من المقاسمة أو السدس، وبنى ذلك على أصله في أن بنت الابن لا يعصبها أخوها إذا استكمل البنات الثلثين.
وبناء على ذلك فقد قضى في بنت، وبنت ابن، وابن ابن، أن يعطي للبنت فرضها وهو النصف، وتقاسم بنت الابن أبناء الابن، لأن المقاسمة أضر بها من السدس.
[] موسوعة فقه عبد الله بن مسعود لمحمد رواس قلعة جي ص 71-72، وراجع المغني 6/173، والمحلى 9/271.
2 قال في المقنع: فإن كانت بنت، وبنات ابن، فللبنت النصف، ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين، إلا أن يكون معهن ذكر، فيعصبهن فيما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين.
المقنع 2/412، وراجع المغني 6/173، والمحرر 1/395، والفروع 5/10.

(8/4187)


قال إسحاق: كما قال.
[2988-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر 1 قال: حدثنا شعبة 2 عن عمرو بن مرة 3 عن إبراهيم 4 عن عبد الله [رضي الله عنه] أنه قال في رجل مات وترك أخته لأمه
__________
1 هو محمد بن جعفر المدني البصري المعروف بغندر - بضم معجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وقد تضم -. ثقة صحيح الكتاب، إلا أن فيه غفلة.
قال ابن مهدي: كنا نستفيد من كتب غندر في حياة شعبة، وغندر في شعبة أثبت مني.
وقال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة ف، كتاب غندر حكم بينهم، مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة.
تهذيب التهذيب 9/92، وتقريب التهذيب ص 293، وتذكرة الحفاظ 1/300، والجرح والتعديل 7/221، وتاريخ بغداد 2/152.
2 هو شعبة بن الحجاج، إمام الجرح والتعديل.
3 هو عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي بفتح الجيم والميم، المرادي، أبو عبد الله الكوفي الأعمى. ثقة عابد كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء. مات سنة ثماني عشرة ومائة، وقيل قبلها.
تهذيب التهذيب 8/102، وتقريب التهذيب ص 262، وتذكرة الحفاظ 1/121، وطبقات الحفاظ ص 53، وخلاصة تذهيب الكمال 293.
4 هو إبراهيم بن يزيد النخعي.
وإسناده ضعيف لانقطاعه، لأن إبراهيم النخعي لم يدرك ابن مسعود رضي الله عنه.

(8/4188)


وأبيه، وإخوته وأخواته لأبيه.
قال: للأخت 1 للأب والأم النصف، وللأخوات من الأب السدس، وما [ع-167/أ] بقي فللإخوة من الأب.
وإن ترك ابنته، وبني ابنه ذكوراً وإناثاً؟
قال: لابنته النصف، ولبنات ابنه السدس، وما بقي للذكور. 2
وقال مسروق: للأخت من الأب والأم النصف، وما بقي فبين الإخوة والأخوات، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي الفريضة الأخرى مثل ذلك.
__________
1 في العمرية بلفظ "للأخت من الأب والأم".
2 في العمرية بلفظ "للذكورة".
ذكر البيهقي بإسناده عن إبراهيم الشعبي - في - أخت لأب وأم النصف، وما بقي للأخوات والأخ من الأب، للذكر مثل حظ النثيين.
وفي قول عبد الله: للأخت من الأب والأم النصف، وللأخوات من الأب السدس تكملة الثلثين، وما بقي للأخ من الأب.
أختان لأب وأم، وأخ، وأخت لأب، في قول علي وزيد، للأختين من الأب والأم الثلثان، وما بقي بين الأخت والأخ، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول عبد الله: للأختين للأب والأم الثلثان، وما بقي للذكر دون الأنثى، لأنه لم يكن يرى أن يزيد الأخوات على الثلثين. السنن الكبرى للبيهقي 6/237، كتاب الفرائض، باب ميراث الإخوة والأخوات لأب وأم أو لأب.

(8/4189)


فقيل لمسروق: إن عبد الله يقول غير هذا؟
فقال: هكذا صنع 1 الناس. 2
قلت: ما تقول أنت؟
قال: بقول زيد بن ثابت 3
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في العمرية بلفظ "يصنع".
2 عن إبراهيم عن مسروق قال: كان يأخذ بقول عبد الله في أخوات لأم وأب، وإخوة أو أخوات لأب، يجعل ما بقي على الثلثين للذكور دون الإناث، فخرج خرجة إلى المدينة قال: فجاء وهو يرى أن يشرك بينهم، قال: فقال له علقمة: ما ردك عن قول عبد الله؟ ألقيت أحداً هو أثبت في نفسك منه؟ قال: فقال: لا. ولكن لقيت زيد بن ثابت فوجدته من الراسخين في العلم.
مصنف ابن أبي شيبة 11/247 وما بعده، كتاب الفرائض، في رجل مات وترك أختيه لأبيه وأمه وإخوة وأخوات لأب أو ترك ابنته وبنات ابنه وابن ابنه.
وسعيد بن منصور في سننه ص 57 ميراث امرأة وأبوين وزوج وأبوين برقم 19.
3 ذكر قول زيد رضي الله عنه ضمن التعليق على هذه المسألة.
قال الخرقي: فإن كانت أخت واحدة لأب وأم، وأخوات لأب، فللأخت للأب والأم النصف، وللأخوات من الأب واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين. مختصر الخرقي ص 118، وراجع المغني 6/114، ومطالب أولي النهي 4/557.

(8/4190)


[2989-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن 1 قال: حدثنا سفيان 2 عن معبد بن خالد 3 عن مسروق 4 عن عبد الله في بنات، وبنات ابن، وبني ابن، وأخوات لأب وأم، وإخوة، 5 وأخوات لأب، أنه كان لا يشرك، وكانت عائشة [رضي الله عنها] تشرك. 6
__________
1 هو عبد الرحمن بن مهدي.
2 هو سفيان الثوري.
3 هو معبد بن خالد بن مُرَيْن براء مصغرا الجدلي، بجيم ومهملة مفتوحتين، ثقة عابد. مات سنة ثماني عشرة ومائة.
تهذيب التهذيب 10/221، وتقريب التقريب ص: 342.
4 إسناده صحيح، رجاله ثقات.
5 في العمرية بلفظ "وأخوات وإخوة لأب".
6 والأثر ذكره ابن أبي شيبة عن ابن مسعود، أنه كان يجعل للأخوات والبنات الثلثين، ويجعل ما بقي للذكور دون الإناث، وإن عائشة شركت بينهم، فجعلت ما بقي بعد الثلثين للذكر مثل حظ الأنثيين.
مصنف ابن أبي شيبة 11/246 وما بعده، كتاب الفرائض، رجل مات وترك أختيه لأبيه وأمه وإخوة وأخوات لأب، أو ترك ابنته وبنات ابنه، وابن ابنه، برقم الأثر 11126، واللفظ له.
والطحاوي في شرح معني الآثار 4/394، كتاب الفرائض، باب الرجل يموت ويترك: بنتاً وعصبة سواها.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/230، كتاب الفرائض، باب ميراث أولاد الابن.
[] وعبد الرزاق في مصنفه 10/251-252، كتاب الفرائض برقم 19012.
والدارمي في سننه 2/350، كتاب الفرائض، باب في الإخوة والأخوات والولد وولد الولد.

(8/4191)


قال سفيان: يعني 1 أن علياً [رضي الله عنه] كان يشرك.
قلت: ما تقول أنت؟.
قال: بقول عائشة، وهو قول علي وزيد بن ثابت [رضي الله عنهم] . 2
قال إسحاق: الشركة أحب إلي [ظ-95/أ] .
[2990-] حدثنا أحمد عن عبد الرحمن حدثنا أبو شهاب 3 عن الحسن بن عمرو 4 عن الحكم عن علي [رضي الله عنه] في ابنتين، وأبوين، وامرأة.
__________
1 في العمرية بلفظ "وبلغني".
2 سبق وأن ذكر تفصيل قول علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما واختلافهم مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في المسألة السابقة.
3 هو عبد ربه بن نافع الكناني الحناط، بمهملة ونون نزيل المدائن أبو شهاب الأصغر صدوق يهم. مات سنة إحدى أو اثنتين وسبعين ومائة.
تهذيب التهذيب 6/128، وتقريب التهذيب ص 198.
4 هو الحسن بن عمرو الفقي، بضم الفاء وفتح القاف الكوفي، ثقة ثبت. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة.
تهذيب التهذيب 2/310، وتقريب التهذيب ص 71.

(8/4192)


قال: صار ثمنها تسعاً. 1
قلت: ما تقول تعول 2 الفريضة؟
قال: نعم. 3
__________
1 والأثر ذكره ابن أبي شيبة، عن وكيع عن سفيان عن رجل لم يسمه قال: ما رأيت رجلاً كان أحسب من علي، سئل عن ابنتين وأبوين وامرأة فقال: صار ثمنها تسعاً.
مصنف ابن أبي شيبة 11/288، كتاب الفرائض في ابنتين وأبوين وامرأة، برقم: 11249.
وسعيد بن منصور في سننه ص: 61، باب في العول، من طريق سفيان عن أبي إسحاق به.
وذكر عبد الرزاق في مصنفه 10/258 بلفظ: "بلغنا عن علي".
والبيهقي في سننه 6/253، كتاب الفرائض، من طريق يحي بن آدم عن شريك عن أبي إسحاق.
وانظر قول الإمام علي رضي الله عنه في المسألة في: المحلى 9/263، والمغني 6/193.
وأصل المسألة من أربعة وعشرين، فأعالها علي رضي الله عنه إلى سبعة وعشرين، وقد كان فيها نصيب الزوجة ثلاثة من أربعة وعشرين، وهو الثمن، فأصبح نصيبها بعد العول ثلاثة من سبعة وعشرين وهو التسع.
موسوعة فقه علي رضي الله عنه ص 73، والمغني 6/193.
2 العول في الاصطلاح: زيادة في السهام، ونقصان في أنصباء الورثة.
انظر: كشف القناع 4/431، والمغني 6/190.
3 انظر: الكافي 2/542، والإنصاف 7/320، والمغني 6/193.
والجمهور يقولون بالعول، وخالفهم ابن عباس رضي الله عنه. انظر الميراث في الشريعة الإسلامية ص 235.
وهذه المسألة مما انفردت بها النسخة العمرية.

(8/4193)


قال إسحاق: كما قال.
[2991-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، 1 عن سلمة 2 عن أبي صادق 3 قال: جاء رجل إلى علي [رضي الله عنه] فقال: أفتني.
فقال: عم 4 تسأل؟
فقال: عن امرأة ماتت وتركت: ابنتها وأمها مملوكة.
قال: وهل يحيط السدس برقبتها؟
__________
1 سفيان: هو الثوري.
2 هو سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي، أبو يحيى الكوفي، ثقة قال يحيى بن سلمة ابن كهيل: ولد أبي سنة سبع وأربعين ومات يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين ومائة.
تهذيب التهذيب 4/155، وتقريب التهذيب 131.
3 أبو صادق الأزدي: من أزد شنؤه، قيل اسمه مسلم بن يزيد، وقيل عبد الله بن ناجد، صدوق، وحديثه عن علي رضي الله عنه مرسل.
تهذيب التهديب 12/130، وتقريب التهذيب ص 411.
وإسناد الأثر ضعيف، لانقطاعه، لأن أبا صادق لم يسمع من علي رضي الله عنه.
4 في الظاهرية بلفظ "عما".

(8/4194)


فقال: لا.
فقال: 1 أعفني عنها سائر اليوم، 2 فأتي عن يمينه فقال ذلك، ومن يساره فقال مثل ذلك.
قلت: ما تفسير هذا؟
قال: كأنه يقول تشترى وتعتق، ثم كأنه كاع 3 عنها.
قال إسحاق: تشترى وتعتق وتورث. 4
[2992-] قلت لأحمد: 5 المملوكون وأهل الكتاب [والقاتل] والمكاتب لا يحجبون ولا يورثون؟ 6
قال: كل من لم يرث لم يحجب.
__________
1 في العمرية بحذف "فقال".
2 الأثر رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 11/271، كتاب الفرائض، باب في المملوك، وأهل الكتاب من قال: لا يحجبون ولا يورثون برقم 11196، من بداية الأثر إلى موضع الرقم (3) .
3 كاع يكيع عن الشيء إذا هابه وجبن عنه. ترتيب اللسان مادة "كوع". ولسان العرب 8/317.
4 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط 3/137.
5 في العمرية بحذف "لأحمد".
6 في الظاهرية بلفظ "ولايرثون".

(8/4195)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2993-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن فراس عن الشعبي: 2 في زوج، وإخوة لأم، وابن مملوك.
قال: قضى فيها علي وزيد بن ثابت [رضي الله عنهما] أن للزوج النصف، وللإخوة للأم الثلث، وللعصبة ما بقي.
[وقضى فيها عبد الله رضي الله عنه: أن للزوج الربع، وللعصبة ما بقي] ، وفي امرأة تركت أمها مسلمة ولها إخوة كفاراً ومملوكين.
قال: قضى فيها علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما لأمها الثلث، وما بقي فلعصبتها.
قال: وكانا لا يورثان كافراً، ولا مملوكاً من مسلم، ولا يحجبان به. 3
[وقضى فيها عبد الله رضي الله عنه: أن للأم السدس ولعصبتها
__________
1 سبق تحقيق مثل هذه المسألة برقم: (2971) .
2 إسناده صحيح رجاله ثقات، وقد تقدم مثل هذا الإسناد في المسألة رقم: (2979) .
وترجم لرِجاله هناك.
3 في الظاهرية بإضافة "ولا يورثهم"بعد به.

(8/4196)


ما بقي، وكان يحجبهم] ولا يورثهم. 1
قلت لأحمد 2: بقول علي وزيد تقول؟ 3
قال: نعم.
__________
1 ذكر ابن أبي شيبة بإسناده قال: قال إبراهيم: في امرأة تركت زوجها إخوتها لأمها أحراراً، ولها ابن مملوك، فلزوجها النصف ثلاثة أسهم، ولإخوتها لأمها الثلث سهمان، ويبقى السدس فهو للعصبية، ولا يرث ابنها المملوك شيئاً في قضاء علي. وقضى فيها عبد الله: أن لزوجها الربع سهم ونصف، وأن ابنها يحجب الإخوة من الأم إذا كان مملوكاً، ولا يرث ابنها شيئاً، ويحجب الزوج، وأن الثلاثة أرباع الباقية للعصبة.
وقضى فيها زيد: أن لزوجها النصف ثلاثة أسهم، وأن لإخوتها لأمها الثلث سهمان، وما بقي فهو في بيت المال، إذا لم يكن ولاء ولا رحم.
[] مصنف ابن أبي شيبة 11/281-282، كتاب الفرائض في امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمها أحراراً، ولها ابن مملوك برقم 11235.
2 في العمرية بحذف "لأحمد".
3 وعن زائدة عن إبراهيم عن علي وزيد في المملوكين والمشركين، قال: لايحجبون ولا يرثون.
مصنف ابن أبي شيبة 11/171، كتاب الفرائض وأهل الكتاب من قال لا يحجبون ولا يرثون، برقم 11200.
وعبد الرزاق في مصنفه 10/279، كتاب الفرائض، باب من لا يحجب، برقم 19103.

(8/4197)


قال إسحاق: كما قال. 1
[2994-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا همام 2 عن قتادة 3 عن الحسن 4 عن عمران بن الحصين [رضي الله عنهما] 5 قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن ابن ابني 6 مات 7 فما لي من ميراثه؟
__________
1 سبق توثيق قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة: (2971) .
2 هو همام بن يحيى بن دينار العوذي، بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة، أبو عبد الله، أبو بكر البصري. ثقة ربما وهم، مات سنة أربع أو خمس وستين ومائة.
تهذيب التهذيب 11/67، وتقريب التهذيب ص 365، زتذكرة الحفاظ 1/201، وطبقات الحفاظ ص 93، وشذرات الذهب 1/258، وخلاصة تذهيب الكمال ص: 411.
3 هو قتادة بن دعامة السدوسي.
4 هو الحسن بن أبي الحسن البصري.
5 رجال الإسناد ثقات، إلا أنه منقطع، لأن الحسن لم يسمع من عمران، قال علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما: إن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين.
مختصر سنن أبي داود 4/168، والمراسيل ص 38.
6 في العمرية "ابني" ساقطة.
7 في العمرية "مات" ساقطة.

(8/4198)


قال: "لك السدس". فلمّا ولّى دعاه قال: "لك سدس آخر"، فلما ولّى دعاه قال: "إن السدس الآخر لك طعمة." 1
__________
1 والحديث ذكره بهذا الإسناد: الترمذي في سننه 4/419، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجد، حديث رقم 2099.
وأبو داود في سننه 3/122، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجد، حديث رقم 2896.
[] والإمام أحمد في مسنده 4/429-436.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/244، كتاب الفرائض جماع أبواب الجد، باب ميراث الجد.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي ال، باب عن معقل بن يسار. سنن الترمذي 4/419.
قال المباركفوري: قوله: "فقال إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه" أي وله بنتان ولهما الثلثان، وكان معلوماً عندهم. قال: لك السدس - أي بالفريضة- فقال: لك سدس آخر - أي بالعصوبة.
"قال: إن السدس الآخر" قال في شرح المشكاة بكسر الخاء، وفي نسخة من المشكاة بالفتح. والمراد به الآخر بالكسر.
"لك طعمة" أي: رزق لك بسبب عدم كثرة أصحاب الفروض وليس بفرض لك، فإنهم إن كثروا لم يبق هذا السدس الأخير لك.
قال الطيبي: صورة هذه المسألة: أن الميت ترك بنتين وهذا السائل، فلهما الثلثان، فبقي الثلث. فدفع عليه الصلاة والسلام إلى السائل السدس بالفرض، لأنه جد الميت، وتركه حتى ذهب فدعاه، ودفع إليه السدس الأخير، كيلا يظن أن فرضه الثلث.
ومعنى "الطعمة" هنا التعصيب، أي: رزق لك ليس بفرض، وإنما قال في السدس الآخر دون الأول، لأنه فرض.
والفرض لا يتغير بخلاف التعصيب، فلما لم يكن التعصيب شيئاً مستقراً أسماه - طعمة-. تحفة الأحوذي 6/276.

(8/4199)


قلت لأحمد: ما تفسير هذا؟
قال: ما ترى هو أمر مظلم.
[حدثنا إسحاق بن منصور 1 ثنا يزيد، 2 وعبد الصمد 3 نحوه] 4 قال إسحاق بن إبراهيم: لا.
إنما قوله صلى الله عليه وسلم: "طعمة"، يقول: إذا أخذت فريضتك فقد استفيت حقك فما فضل فلبيت المال، فما كان لبيت المال فلنا أن نعطي من رأينا.
[2995-] حدثا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا
__________
1 هو إسحاق بن منصور بن بهران الكوسج. راوي المسائل.
2 هو يزيد بن هارون بن زاذان السلمي.
3 هو عبد الصمد بن عبد الوارث.
4 ما بين القوسين ساقط من النسخة الظاهرية.

(8/4200)


ابن أبي خالد 1 عن الشعبي أن علياً [رضي الله عنه] أتى في ستة إخوة، وجد، فأعطاه السدس. 2
قلت لأحمد 3 قول علي [رضي الله عنه] : فإن كانوا ثلاثة إخوة أو أخوين أو أربعة إخوة. 4
قال: يقاسمهم. 5
__________
1 هو إسماعيل ابن أبي خالد البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي.
قال الثوري: حفاظ الناس ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وإسماعيل أعلم الناس بالشعبي وأثبتهم فيه. قال في التقريب: ثقة ثبت.
تهذيب التهذيب 1/291، وتقريب التهذيب ص 33، وتذكرة الحفاظ 1/153، وطبقات الحفاظ ص 73، وخلاصة تذهيب الكمال ص: 33.
إسناده صحيح.
2 والأثر ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه 11/293، كتاب الفرائض إذا ترك إخوة وجداً، واختلافهم فيه برقم 11268.
والدارمي في سننه 2/355، كتاب الفرائض، باب قول علي في الجد.
3 في العمرية بحذف "لأحمد".
4 في الظاهرية "إخوة" ساقط.
5 ومذهب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مقاسمة الجد والإخوة ذكره البيهقي بإسناده، عن إبراهيم: أن علياً رضي الله عنه كان يشرك الجد مع الإخوة إلى ستة هو سادسهم، فإذا أكثروا أعطاه السدس، ويعطي كل صاحب فريضة فريضته، ولا يورث أخاً لأم، ولا أختاً مع الجد، ولا يقاسم بأخ لأب أخاً لأب وأم، ولا يزيد الجد مع الولد على السدس، إلا أن يكون غيره.
وإذا كانت أخت لأب وأم، وأخ لأب وجد، أعطى الأخت النصف، وجعل النصف بين الجد والأخ.
وإذا كانت أخت لأب وأم، وأخ وأخت لأب، وجد، جعلها من عشرة: للأخت من الأب والأم النصف خمسة أسهم، وللجد سهمان، وللأخ للأب سهمان، وللأخت للأب سهم.
السنن الكبرى للبيهقي 6/249، كتاب الفرائض، باب كيفية المقاسمة بين الجد والإخوة.
وراجع سنن الدارمي 2/355، كتاب الفرائض، باب قول علي في الجد.
وانظر قول الإمام علي رضي الله عنه في كيفية مقاسمة الجد والإخوة. المغني 6/217، وفتح الباري 12/20، وعمدة

(8/4201)


القاريء 23/240، وموسوعة فقه علي بن أبي طالب ص: 52.
قال عبد الله بن الإمام أحمد -رحمهما الله-: سألت أبي عن الجد ما يقول فيه؟ قال: فيه اختلاف. أقول: قول زيد بن ثابت، وليس الجد أباً. مسائل عبد الله ص 400 برقم: 439.
قال إسحاق: الذي نختار: [ع-167/ب] أن يكون أبا هو أقوى في الاتباع والتقليد، 1 والنظر في
__________
1 التقليد في الشرع: الرجوع إلى قول لا حجة لقائله.
والاتباع: ما ثبت عليه الحجة.
وعرف التقليد: بأن كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك، فأنت مقلده، وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه. الدين الخالص 4/286.

(8/4202)


المذاهب. 1
[2996-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي 2 قال: حدثنا خالد 3 عن محمد 4 في رجل أعتق عبداً
__________
1 قال ابن المنذر: إن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس قالا: الجد بمنزلة الأب، وبه قال قتادة، وإسحاق بن راهوية، وأبو ثور، ونعيم بن حماد. الأوسط 3/131.
وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: شرح السنة للبغوي 8/343، وفتح الباري 12/20، وعمدة القاريء 23/241، وتفسير القرطبي 5/68، والمغني 6/215.
2 أبو محمد البصري، ثقة.
3 هو خالد بن مهران، أبو المنازل بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاي، البصري، الحذاء بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة. قيل له ذلك، لأنه يجلس عندهم، وقيل: لأنه كان يقول احذ على هذا النحو، وهو ثقة يرسل. وقد أشار حماد ابن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان. توفي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة.
تهذيب التهذيب 3/120، وتقريب التهذيب ص 90، وتذكرة الحفاظ 1/149، وطبقات الحفاظ ص 71، وخلاصة تذهيب الكمال ص 103.
إسناده صحيح.
4 هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت.

(8/4203)


له نصرانياً ثم مات، فلا يرثه. 1
قلت: ما تقول أنت؟
قال: لم لا يرثه؟ إنما هذا ولي من الرق. 2
قال إسحاق: كما قال.
[2997-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر 3 قال: حدثنا سعيد 4 عن قتادة عن رجاء بن
__________
1 قال ابن حجر: ومذهب العلماء أن العبد النصراني إذا مات فمالُه لسيده بالرق، لأن ملك العبد غير صحيح، ولا مستقر، فهو مال السيد يستحقه لا بطريق الميراث، وإنما يستحق بطريق الميراث ما يكون ملكاً مستقراً لمن يورث عنه. وعن ابن سيرين ماله لبيت المال ليس للسيد فيه شيء، لاختلاف دينهما.
فتح الباري 12/35، وراجع عمدة القاريء 23/261.
2 للإمام أحمد رحمه الله في إرث السيد مولاه مع اختلاف الدين روايتان:
إحداهما: يرث السيد مولاه مع اختلاف الدين بالولاء.
وهو المذهب. جزم به الخرقي.
والثانية: لا يرث السيد مولاه بالولاء مع اختلاف الدين.
[] انظر المغني 6/319، والإنصاف 7/383-384، وراجع كشاف القناع 4/499، والعذب الفائض 2/105، ومختصر الخرقي ص 127.
3 هو محمد بن جعفر المعروف بغندر.
4 هو سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم، أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة. مات سنة ست، وقيل سبع وخمسين ومائة.
تهذيب التهذيب 4/63، وتقريب التهذيب ص 124، وتذكرة الحفاظ 1/177، وطبقات الحفاظ ص 85، والكواكب النيرات ص 190، وطبقات المدلسين ص: 31.

(8/4204)


حيوة 1 عن قبيصة بن ذؤيب: 2 أن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] كتب: أن يورث 3 الأعلى من الأسفل.
فقلنا لقتادة: كيف هذا؟
__________
1 هو رجاء بن حيوة بفتح المهملة، وسكون التحتانية، الكندي، أبو المقدام، ويقال أبو النضر الفلسطيني، ثقة فقيه، مات سنة اثنتي عشرة ومائة.
تهذيب التهذيب 3/265، وتقريب التهذيب ص 102، وتذكرة الحفاظ 1/118، وطبقات الحفاظ ص 52، وشذرات الذهب 1/115، وخلاصة تذهيب الكمال ص: 117.
2 قبيصة بن ذؤيب بالمعجمة مصغراً بن حلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة، الخزاعي أبو سعيد، أو أبو إسحاق المدني، نزيل دمشق، من أولاد الصحابة، وله رؤية. مات سنة بضع وثمانين.
تهذيب التهذيب 8/346، وتقريب التهذيب ص 281, وتذكرة الحفاظ 1/60، وشذرات الذهب 1/98، وطبقات الحفاظ ص 28.
ورجال الإسناد ثقات، وصحته تتوقف على ثبوت سماع قبيصة من عمر رضي الله عنه، لأنه يقال لم يسمع منه، كما في ترجمة قيبصة في تهذيب التهذيب 8/346.
وساق البيهقي إسناد الأثر في السنن الكبرى 6/222، ووصفه بأنه منقطع.
3 في الظاهرية "أن لا يورث".

(8/4205)


قال: كان بالشام طاعون فكان الرجل يؤخذ وأصابعه على الآخر فيرى أنه مات قبله، وإن لم يوجد كذلك ورث بعضهم من بعض. 1
[هذا قول عمر عليه السلام ورث بعضهم من بعض] .
[2998-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن 2 أنه قال: يرث كل إنسان وارثه. 3
__________
1 الأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/344 في، كتاب الفرائض، الغرقى من كان يورث بعضهم من بعض برقم 11392.
2 رجال الأثر ثقات.
3 ومعنى يرث كل إنسان وارثه أي: من الأحياء، فإذا مات اثنان ولم يعلم أيهما مات أولاً: فلا استحقاق لأحدهما في تركة الآخر، سواء كان موتهما في حادث واحد أم لا. أحكام التركات ص 97.
نقل ابن قدامة عن الحسن قولاً يخالف قوله هنا فقال: إنه يقول: يرث بعضهم من بعض، وكذلك نقل عنه ابن المنذر في الأوسط.
وروي عن أبي بكر الصديق وزيد وابن عباس ومعاذ والحسن بن علي رضي الله عنهم أنهم لم يورثوا بعضهم من بعض وجعلوا ما لكل واحد للأحياء من ورثته.
المغني 6/38، والأوسط 3/141.

(8/4206)


قلت: ما تفسير 1 [هذا] ؟
قال يقول: لا يرث بعضهم من بعض.
قلت: 2 كذلك تقول؟
قال: لا. أورث بعضهم من بعض ولا يقاد عليهم. 3
__________
1 في الظاهرية بلفظ "تفسيره".
2 من موضع الرقم حتى نهاية المسألة انفرد "ت" بنقله النسخة الظاهرية، وسقط من العمرية.
3 نقل نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله أبو داود.
قال: قلت لأحمد: الغرقى يورث بعضهم من بعض؟
قال أكثر الأحاديث عليه، ولا نعلم بين أهل الكوفة فيه اختلافاً حتى جاء أبو حنيفة فقاله.
مسائل أبي داود ص 318، وراجع مسائل ابن هاني 2/65.
قال الخرقي: إذا غرق المتوارثان أو ماتا تحت هدم فجهل أولهما موتاً، ورث بعضهم من بعض. مختصر الخرقي 127.
قال المرداوي: فإن جهلوا السابق، ولم يختلفوا فيه، فالصحيح من المذاهب أن كل واحد من الموتى يرث صاحبه من تلاد ماله، دون ما ورثه من الميت لئلا يدخله الدور. نص عليه.
الإنصاف 7/345، وراجع المغني 6/308، والفروع 5/43، والمبدع 6/227، والكافي 2/548، والعذب الفائض 2/96، وكشاف القناع 4/474، والقواعد لابن رجب ص 240.

(8/4207)


قال إسحاق: كما قال أحمد سواء. 1
[2999-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا جرير 2 عن مغيرة 3 عن الشعبي قال: إذا شهد رجلان، أو رجل وامرأتان من الورثة بدين على الميت جاز عليهم كلهم. 4
قلت لأحمد: 5 تقول بهذا أنت؟
قال: إذا شهدوا.
قال أحمد: والشهادة مخالفة للإقرار. وإذا كان إقرار منهم جاز
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: وممن رأى أن يورث بعضهم من بعض: عطاء بن أبي رباح وشريح والحسن, وعبد الله بن عتبة، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وشريك ويحيى بن آدم، وبه قال أحمد وإسحاق، وحكى عن أحمد أنه احتج بحديث إياس بن عبيد أنه قال في قوم سقط عليهم البيت: إنه يرث بعضهم بعضاً.
الأوسط 3/141، وراجع قول الإمام إسحاق في المغني 6/308.
2 هو جرير بن عبد الحميد.
3 هو مغيرة بن مقسم.
4 الأثر ذكره سعيد بن منصور عن الشعبي قال: إذا شهد شاهدان، أو رجل وامرأتان من الورثة بدين على الميت جاز على جميع الورثة.
سنن سعيد بن منصور ص 125، باب الإقرار والإنكار برقم 321.
5 في العمرية بحذف "لأحمد".

(8/4208)


عليهم بقدر حصتهم، إلا أن يشهدوا.
قال إسحاق: كما قال. 1
[3000-] حدثنا إسحاق قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حبيب بن أبي حبيب 2 عن عمرو بن هرم 3 عن جابر بن زيد 4 أن عليّاً 5 [عليه السلام] قضى في مولى قتل خطأ ليس له وارث، وله أم وأخت مملوكتان، فقضى بدية المملوك 6 كاملاً ثم أمر أن تشترى أمه وأخته شراء من ديته فيعتقان، ثم يقسم ما بقي من ديته بينهما على خمسة أخماس: لأمه خمسان، ولأخته ثلاثة أخماس وذلك لأن لأمه في الفريضة الثلث،
__________
1 سبق توثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة رقم: (2920) .
2 هو حبيب بن أبي حبيب الجرمي البصري الأنماطي، اسم أبيه يزيد صدوق يخطىء، مات سنة اثنتين وستين ومائة.
تهذيب التهذيب 2/180، وتقريب التهذيب ص 63.
3 هو عمرو بن هرم الأزدي البصري، ثقة. مات قبل قتادة.
تهذيب التهذيب 8/113، وتقريب التهذيب ص 263.
4 وإسناده ضعيف، لأن حبيب بن أبي حبيب لا يحتج به عند انفراده فإن وجد له متابع يكون حسناً.
5 في الظاهرية "أن رجلا".
6 في العمرية بلفظ "المقتول".

(8/4209)


ولأخته النصف، ثم يقسم السدس الباقي على فريضتهما. 1
قلت لأحمد: ما ترى أنت في هذه؟
قال: لا تشتري، قد وجب الميراث لقوم آخرين.
قال إسحاق: كما قال [ظ-95/ب] 2 [علي عليه السلام] .
[3001-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: قال سفيان: 3 في مجوسي تزوج ابنته فأصاب ابنتين، ثم ماتت إحداهما بعد ما مات الأب.
قال: لأختها لأبيها وأمها النصف، ولأمها السدس حجبت نفسها بنفسها.
ولأختها لأبيها، وهي أمها السدس تكملة الثلثين. 4
قلت لأحمد5: كيف تورث المجوسي؟
__________
1 ذكر ابن المنذر الأثر عن علي رضي الله عنه بهذا الإسناد في كتابه الأوسط 3/137.
2 انظر قول الإمامين أحمد وإسحاق في المرجع السابق.
3 إسناده صحيح.
[4] الأثر بهذا الإسناد ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه 11/366-367، كتاب الفرائض، في رجل تزوج ابنته فأولدها، برقم 11472.
5 في العمرية بحذف "لأحمد".

(8/4210)


قال: من وجهين. 1
قال إسحاق: كما قال. 2
[3002-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا إسماعيل 3 عن
__________
1 قال ابن قدامة في المجوسي يتزوج ابنته، فإن كان المجوسي أولد بنتين ثم مات وماتت الكبرى بعده، فقد تركت بنتين هما أختان لأب، وإن لم تمت الكبرى بل ماتت إحدى الصغيرتين فقد تركت أختاً لأبوين وأماً هي أخت لأب، فلأمها السدس بكونها أماً، والسدس بكونها أختاً لأب، وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس، وللأخت النصف. المغني 6/306.
وللإمام أحمد رحمه الله في كيفية توريث المجوس روايتان:
إحداهما: أنه إذا أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا، ورثوا بجميع قراباتهم، هذا المذهب، وعليه الأصحاب.
والثانية: يرثون بأقواها، وهي ما يرث بها مع ما يسقط الأخرى، ذكرها حنبل، ومنعها أبو بكر.
الإنصاف 7/353، وراجع الكافي 2/557، والفروع 5/35، وكشاف القناع 4/479.
2 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق وأحمد وسفيان الثوري في الأوسط 3/138.
3 هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشير البصري المعروف بابن علية وهي أمه، ثقة حافظ.
قال أبو داود: ما أحد من المحدثين إلا وقد أخطأ إلا ابن علية، وبشر بن المفضل.
وقال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. ولد سنة عشر ومائة، ومات ببغداد سنة ثلاث وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وثمانين.
تهذيب التهذيب 1/275، وتقريب التهذيب ص 32، وتذكرة الحفاظ 1/322، وطبقات الحفاظ 139، وتاريخ بغداد 6/229، وطبقات الحنابلة 1/99.

(8/4211)


داود 1 عن الشعبي عن شريح في ميراث الأسير 2 أن أحوج ما يكون إلى ميراثه وهو أسير. 3
__________
1 هو داود بن أبي هند القشيري مولاهم، واسمه دينار بن عذافر، بضم مهملة وخفة دال معجمة وكسر فاء، ويقال طهمان، أبو بكر، أو أبو محمد البصري. ثقة متقن كان يهم بآخره. مات سنة أربعين ومائة، وله خمس وسبعون سنة.
تهذيب التهذيب 3/204، وتقريب التهذيب ص 97، وتذكرة الحفاظ 1/146، وطبقات الحفاظ ص 69، وشذرات الذهب 1/208، وخلاصة تذهيب الكمال ص: 95.
رجاله ثقات.
2 لفظ "في ميراث الأسير"سقطت من العمرية.
3 والأثر عن القاضي شريح، ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه 11/380، كتاب الفرائض، في الرجل يأسره العدو فيموت له الميت أيرث منه شيئاً؟ برقم 11518، بلفظ أحوج ما يكون إلى ميراثه وهو أسير.
وذكره عبد الرزاق في مصنفه 10/308، كتاب الفرائض تحت عنوان من لا حليف له ولا عديد، وميراث الأسير برقم 19202.
والدارمي في سننه 2/386، كتاب الفرائض، باب ميراث الأسير إذا كان في أيدي العدو، عن الشعبي عن شريح به.
وذكره الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً: وخرجه ابن حجر في فتح الباري 12/49 من طريق ابن أبي شيبة.
قال العيني نقلا عن ابن بطال: أكثر العلماء ذهبوا إلى أن الأسير إذا وجب له ميراث أنه يوقف له. هذا قول مالك والكوفيين، والشافعي والجمهور وذلك لأن الأسير إذا كان مسلماً، فهو داخل تحت عموم قوله: من ترك مالاً فلورثته المسلمين، وهو من جملة المسلمين الذين يجري عليهم أحكام المسلمين، ولا يتزوج امرأته، ولا يقسم ماله ما تحققت حياته وعلم مكانه. فإذا انقطع خبره، وجهل حاله، فهو مفقود، ويجري فيه أحكام المفقود. عمدة القاريء 23/359.

(8/4212)


قلت: ما تقول أنت؟
قال: ما له لا يرث؟
قال إسحاق: كما قال. 1
[3003-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان 2 عن الشيباني 3 عن الشعبي عن شريح في ابنة أخ وعمة.
__________
1 سبق توثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق -رحمهما الله تعالى- في المسألة: (2968) .
2 هو الثوري.
3 هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني مولاهم الكوفي، واختلف في اسمه قيل فيروز، وقيل خاقان، وقيل عمر، وهو ثقة. مات في حدود الأربعين ومائة.
تهذيب التهذيب 4/197، وتقريب التهذيب ص 134، والكاشف 1/395.

(8/4213)


قال: المال لابنة الأخ. 1
[حدثنا أحمد نا وكيع عن الحسن 2 عن الشيباني عن إبراهيم قال: المال للعمة. 3
قلت: ما تقول أنت؟
__________
1 والأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/278، كتاب الفرائض تحت عنوان: في ابنة أخ وعمة، لمن المال برقم 11226، من الطريق الموجود هنا.
والدارمي في سننه 2/380، كتاب الفرائض باب ذوي الأرحام، من طريق أبي شهاب وغيره عن الشيباني.
وسعيد بن منصور في سننه 1/90، باب العمة والخالة عن أبي عوانة، عن سليمان الشيباني.
2 الحسن بن صالح بن صالح بن حي، وهو حيان بن شفي بضم المعجمة والفاء مضمراً.
قال في المغني: بمضمومة، وفتح الفاء، وشدة ياء. الهمداني بسكون الميم، الثوري، ثقة فقيه عابد، رمي بالتشيع. مات سنة تسع وتسعين، وكان مولده سنة مائة.
وإسناد الثوري صحيح.
تهذيب التهذيب 2/285، وتقريب التهذيب ص 70، وتذكرة الحفاظ 1/216، وشذرات الذهب 1/262، وطبقات الحفاظ ص 98.
3 والأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/278، كتاب الفرائض تحت عنوان: في ابنة أخ وعمة لمن المال، بالسند الموجود في المسألة.
والدارمي في سننه 2/380، كتاب الفرائض، باب ميراث ذوي الأرحام.

(8/4214)


قال: المال لابنة الأخ. 1
قال إسحاق: كما قال إبراهيم.] 2
[3004-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا هشيم 3 قال: أخبرنا مغيرة 4 عن شباك 5 عن إبراهيم 6 أنه قال: لا يرث ولد الزنى، إنما يرث من لا يقام على أبيه 7 الحد، أو يملك أمه بنكاح، أو شراء. 8
__________
1 نقل ابن هانيء النيسابوري نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قيل له - أي الإمام أحمد - فإن ترك ابنة أخ وعمة؟
قال: المال لابنة الأخ.
مسائل ابن هانيء 2/67 برقم 1464، وراجع المغني 6/150.
2 هذه المسألة ساقطة من الظاهرية.
3 هو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي.
4 هو المغيرة بن مقسم الضبي مولاهم، أبو هشام الكوفي.
5 شباك بكسر أوله ثم موحدة خفيفة، ثم كاف، الضبي الكوفي الأعمى، ثقة له ذكر في صحيح مسلم، وكان يدلس.
تهذيب التهذيب 4/302، وتقريب التهذيب ص 143.
6 هو النخعي.
إسناده ضعيف لأن مغيرة وشباكاً مدلسان ولم يصرحا بالسماع.
7 في العمرية بلفظ "أمه".
8 تم تصحيح الأثر من مصنف ابن أبي شيبة 11/365.
والأثر في النسختين بلفظ "لا يرث ولد الزنى، لا يرث من لم يقم على أبيه حد ولا على من لم يملك أمه بشراء ولا نكاح. "
والأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/365، كتاب الفرائض تحت عنوان: ولد الزنى يدعيه الرجل يقول هو أبي هل يرث برقم 1465، قال: "لا يرث ولد الزنى، إنما يرث من لا يقام على أبيه الحد، أو يملك أمه بنكاح أو شراء".
والدارمي في سننه 2/389، كتاب الفرائض "، باب في ميراث ولد الزنى، من طريق ابن أبي شيبة.

(8/4215)


قلت: ما تقول أنت؟
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"1
[3005-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا يحيى بن آدم قال
__________
1 ونص الحديث عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6818 فتح الباري 12/127، كتاب الحدود، باب للعاهر الحجر.
ومسلم في صحيحه 2/1081، كتاب الرضاع، باب الولد للفراش وتوقي الشبهات برقم 1458، عن أبي هريرة به.
يرث الابن في الحالتين الموجودتين بالأثر، لأنه جاء من طريق مشروع، وهو موافق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر"

(8/4216)


حدثنا أبو بكر بن عياش 1 عن مطرف 2 [ع-168/أ] عن الشعبي عن مسروق في: أخت لأم، وابنة أخ لأب وأم.
قال: للأخت للأم السدس، ولابنة الأخ ما بقي. 3
قلت: ما ترى أنت؟
قال: يرد ما بقي على الأخت. 4
__________
1 في العمرية بحذف "عياش".
وهو أبو بكر بن عياش بتحتانية ومعجمة، ابن سالم السدي الكوفي المقريء، الحناط بمهملة ونون، مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه. واختلف في اسمه على عشرة أقوال، ثقة عابد، إلاّ أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، مات سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، وقد قارب المائة. وروايته في مقدمة صحيح مسلم.
تهذيب التهذيب 12/24، وتقريب التهذيب ص 396.
2 هو مطرف بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة، ابن طريف الكوفي أبو بكر أو أبو عبد الرحمن. ثقة فاضل، مات سنة إحدى وأربعين، أو بعد ذلك.
تهذيب التهذيب 12/172، وتقريب التهذيب ص 339.
3 في العمرية بلفظ "للأخت الثلث، ولابنة الأخ الثلثان. "
4 قال ابن قدامة: الرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام، فمتى خلف الميت عصبة، أو ذا فرض من أقاربه، أخذ المال كله ولا شيء لذوي الأرحام، وهذا قول عامة من ورث ذوي الأرحام.
قال الخبري: لم يختلفوا أن الرد أولى منهم، إلا ما روي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورثا الخال مع البنت، فيحتمل أنهما ورثاه لكونه عصبة أو مولى لئلا يخالف الإجماع. المغني 6/236.

(8/4217)


قال إسحاق: كما قال.
[3006-] قلت لأحمد: الخال وارث من لا وارث له؟
قال: نعم. 1
قال إسحاق: هكذا هو. 2
__________
1 نقل ابن هانيء النيسابوري نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: سألت أبا عبد الله عن الخال والخالة يرثون من الميراث شيئاً؟
قال: "إذا لم يكن عصبة ولا مولى، ورثت الخالة الثلث، وورث الخال الثلثين."
مسائل ابن هانيء 2/66 برقم 1459 وراجع الفروع 5/27، والمبدع 6/193، وكشاف القناع 4/455، ومطالب أولي النهى 4/616
إذا انفرد أحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله في قول جميع من ورثهم. المغني 6/133.
2 قال الحافظ ابن حجر: اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام، وهم من لا سهم له وليس بعصبة: فذهب أهل الحجاز والشام إلى منعهم الميراث. وذهب الكوفيون وأحمد وإسحاق إلى توريثهم. فتح الباري 12/30.
ذكر الترمذي بإسناده عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له".
سنن الترمذي 4/914، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الخال برقم: 2103. واللفظ له.
وابن ماجه في سننه 2/914، كتاب الفرائض، باب ذوي الأرحام حديث رقم: 2737.
قال الترمذي: في ال، باب عن عائشة والمقدام بن معد يكرب، وهذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 4/422.

(8/4218)


[3007-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر 1 قال: حدثنا سعيد 2 عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني 3 عن جبير الجهبذ 4 أن رجلا مات وترك ابن 5 عمته، وخالته فقال عمر بن الخطاب [عليه السلام] : الثلثان للعمة، وللخالة الثلث. 6
__________
1 هو المعروف بغندر.
2 هو سعيد بن أبي عروبة.
3 هو بكر بن عبد الله بن عمرو المزني، أبو عبد الله البصري، ثقة ثبت جليل. مات سنة ست ومائة.
تهذيب التهذيب 1/484، وتقريب التهذيب ص 47.
4 هو جبير بن حية، بمهملة وتحتانية ثقيلة، بن مسعود بن متعب بن مالك، من ثقيف، الثقفي البصري، ابن أخي عروة ابن مسعود، ثقة جليل. مات في خلافة عبد الملك ابن مروان.
تهذيب التهذيب 2/62، وتقريب التهذيب ص 54.
5 في العمرية بحذف كلمة "ابن"، وكذا ورد في كتب الآثار.
6 الأثر صحيح بمتابعاته وشواهده لأن سعيد بن أبي عروبة مدلس ورواه بالعنعنة.
والأثر ذكره الدارمي في سننه 2/379، كتاب الفرائض، باب ميراث ذوي الأرحام.
وعبد الرزاق في مصنفه 10/282، كتاب الفرائض، باب الخالة والعمة وميراث القرابة برقم 19112، من طريق آخر بمعناه.
وسعيد بن منصور في سننه 1/88، باب العمة والخالة، بمعناه من طريق الحسن البصري برقم 153.
وابن أبي شيبة في مصنفه 11/260، كتاب الفرائض في الخالة والعمة من كان يورثهما عن وكيع عن يزيد، عن إبراهيم عن الحسن برقم 11162.
قال البيهقي: ورواه الحسن، وجابر بن زيد، وبكر بن عبد الله المزني، وغيرهم أن عمر رضي الله عنه: "جعل للعمة الثلثين وللخالة الثلث. "
وجميع ذلك مراسيل. السنن الكبرى 6/217.
قال ابن التركماني، بعد ذكر الآثارالواردة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فهذه وجوه كثيرة عن عمر يشد بعضها بعضاً أنه ورث ذوي الأرحام. الجوهر النقي، المطبوع مع السنن الكبرى 6/217.

(8/4219)


قلت: فإن ترك عمته؟
قال: لها المال كله.
قلت: فإن ترك خالته؟
قال: لها المال كله.
قال إسحاق: كما قال. 1
[3008-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا يحيى بن آدم قال
__________
1 راجع المسألة: (3006) .

(8/4220)


حدثنا أبو بكر بن عياش 1 عن مطرف عن الشعبي عن علي 2 [عليه السلام] أنه قال: في عم أخي أب لأم وخال.
قال: للعم أخي الأب لأمه نصيب أخيه، وللخال نصيب أخته. 3
قلت: ما تقول أنت؟.
قال: ورثه 4 بالأرحام التي يدلون بها.
قلت: ما تقول أنت؟ 5
قال: إذا كان عم. 6
__________
1 في العمرية بحذف "ابن عياش".
2 إسناده صحيح، رجاله ثقات.
3 نقل البيهقي تفصيل قول الإمام علي في ذوي الأرحام من طريق المغيرة عن أصحابه قال: كان علي وعبد الله إذا لم يجدوا ذا سهم أعطوا القرابة. أعطوا ابنة البنت المال كله، والخال المال كله، وكذلك ابنة الأخ وابنة الأخت للأم، أو للأب أو الأم أو للأب والعمة، وابنة العم، وابنة بنت الابن، والجد من قبل الأم، وما قرب أو بعد إذا كان رحماً فله المال، إذا لم يوجد غيره، فإن وجد ابنة بنت وابنة أخت فالنصف والنصف، وإن كانت عمة وخالة فالثلث والثلثان، وابنة الخال وابنة الخالة الثلث والثلثان. السنن الكبرى 6/217.
4 في الظاهرية بلفظ "قال من ورثه الأرحام التي يدلون بها. "
5 في العمرية سقط لفظ "أنت".
6 مذهب أبي عبد الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة فيجعل له نصيبه، فإن بعدوا نزلوا درجة إلى أن يصلوا من يمتون به فيأخذون ميراثه. المغني 6/231.

(8/4221)


قال إسحاق: للخال نصيب الأخت، وللعم نصيب الأخ.
[3009-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم والشعبي أنهما كانا لا يريان بأساً ببيع ولاء السائبة. 1
قلت لأحمد: ما تقول 2 أنت؟
__________
1 السائبة بمهملة وموحدة بوزن فاعله، المراد بها: الذي يقول له سيده: لا ولاء لأحد عليك، أو أنت سائبة يريد بذلك عتقه، وأن لا ولاء لأحد عليه. فتح الباري 12/41.
فالمعتق على هذا ماض بالإجماع، وإنما اختلف في ولائه وفي كراهة هذا الشرط وإباحاته.
المطلع على أبواب المقنع ص 312، وراجع المغني 6/353، والمبدع 6/273.
والأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/421، كتاب الفرائض من رخص في هبة الولاء برقم 11666، بالسند الموجود في المسألة.
والدارمي في سننه 2/392، كتاب الفرائض، باب ميراث السائبة، من طريق ابن أبي شيبة السابق.
2 في العمرية "ما ترى".

(8/4222)


قال: البيع لا، ليته [ع-168/ب] تجوز الهبة. 1
قال إسحاق: لايجوز بيعه ولاهبة.
[3010-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن عبد الله بن شريك العامري 2 عن بشر بن غالب الأسدي 3 قال: سئل الحسين بن علي 4 [عليهما السلام] متى يجب سهم المولود؟
__________
1 قال ابن قدامة: ولا يصح بيع الولاء ولا هبته، ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب، وطاوس، وإياس بن معاوية، والزهري.
المغني 6/352، وراجع الكافي 2/568، وكشاف القناع 4/498.
2 هو عبد الله بن شريك العامري الكوفي، صدوق، يتشيع، أفرط الجوزجاني فكذبه. تهذيب التهذيب 5/252، وتقريب التهذيب ص 177.
3 قال الرازي: بشر بن غالب الأسدي روي عن الحسين بن علي، وأبي هريرة. روى عنه عبد الله بن شريك، وابن أشوع، ويزيد بن أبي زيادة، سمعت أبي يقول ذلك. الجرح والتعديل 2/363.
4 هو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المدني، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، ابن فاطمة الزهراء، ولد في المدينة، ونشأ في بيت المنورة، وحفظ عنه، استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وله ست وخمسون سنة.
أسد الغابة 2/18، والإصابة 1/332، وتقريب التهذيب ص 74، وتاريخ بغداد 1/14، والبداية والنهاية 8/149، والأعلام 2/243.

(8/4223)


قال: إذا استهل. 1
قلت: ما يعني بذلك؟
قال: يقول: لايجب ميراثه حتى يستهل.
يعني ميراثه بالسهم. 2
__________
1 والأثر ذكره عبد الرزاق في المصنف 3/532، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الصغير والسقط وميراثه برقم 6606.
قال ابن الزبير لحسين بن علي: على من فكاك الأسير؟
قال: على الأرض التي نقاتل عنها قال سألته عن المولود متى يجب سهمه؟ قال: "إذا استهل وجب سهمه. "
وذكره ابن أبي شيبة في مصنفه 11/382، كتاب الفرائض في المولود يموت، وقد مات له بعض من يرثه برقم 11527، وابن حزم في المحلى 9/309، كلاهما من طريق عبد الله بن شريك، وإسناده ضعيف لجهالة حال بشر بن غالب، ويحسن حديثه عند المتابعة.
وقد ورد معنى الأثر السابق مرفوعا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استهل المولود ورث". سنن أبي داود 3/128، باب في المولود يستهل، ثم يموت. حديث رقم 2920.
وعنه البيهقي في السنن الكبرى 6/257، كتاب الفرائض، باب ميراث الحمل.
وصحح الحديث الألباني في إرواء الغليل 6/147، وعدد طرقه.
استهل الصبي: أي صاح عند الولادة.
الصحاح للجوهري 5/1852، مادة "هلل"، والنهاية لابن الأثير 5/271.
2 نقل ابن هانيء نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: سألته عن السقط متى يورث ويرث؟ فقال: إذا استهل، فقلت له: ومتى الاستهلال؟ فقال: إذا صاح أو عطس أو بكى ورث. مسائل ابن هانيء 2/70 برقم 1474.
قال ابن قدامة: "وإذا استهل المولود صارخاً وَرِثَ وَوُرِث، وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع. " المقنع 2/442.
قال المرداوي: هذا المذهب.
الإنصاف 7/330، وراجع المغني 6/316، والفروع 5/32، والمبدع 6/211، وكشاف القناع 4/463.

(8/4224)


قال إسحاق: هكذا هو. 1
[3011-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم 2 عن أبي مالك 3 قال: أمة المعتق الأول فانظر من يرثه فله ولاء 4
__________
1 انظر: قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/316.
2 هو قيس بن مسلم الجدلي بفتح الجيم، أبو عمرو الكوفي ثقة، رمي بالإرجاء، مات سنة عشرين ومائة.
تهذيب التهذيب 8/403، وتقريب التهذيب ص 284.
3 هو غزوان الغفاري، أبو مالك الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة.
تهذيب التهذيب 8/245، وتقريب التهذيب ص 273.
4 الولاء بفتح الواو ممدوداً في اللغة: النصرة.
في الشرع: عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيق.
ومعنى الولاء: أنه إذا أعتق نسمة صار لها عصبة في جميع أحكام التعصيب عند عدم العصبة، من النسب ومن الميراث، وولاية النكاح، والعقل وغير ذلك.
المصباح المنير 2/672، والعذب الفائض 2/104، والمطلع أبواب المقنع ص 311، والتعريفات للجرجاني ص 255.
وعرفه البهوتي بقوله وشرعاً: ثبوت حكم شرعي بعتق، أو تعاطي سببه. كشاف القناع 4/498.

(8/4225)


مولاه. 1
قال أحمد: هذا للكبر. 2
__________
1 والأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/405، كتاب الفرائض في الولاء من قال هو للكبر يقول الأقرب إلى الميت، برقم 11611، من طريق وكيع به.
وإسناده صحيح، رجاله ثقات.
2 قال ابن الأثير: الولاء للكبر بضم الكاف وسكون الباء، أي الأعلى فالأعلى من ورثة المعتق. النهاية في غريب الحديث 5/227.
وفسره صاحب المبدع بقوله: إنه يرث الولاء أقرب عصبات السيد إليه يوم مات عتيقه، لايوم مات السيد. المبدع 6/281.
ومثاله: إذا مات رجل عن ابنين ومولى، فمات أحد الابنين بعده عن ابن، ثم مات المولى.
ورثه ابن معتقه، دون ابن ابن معتقه لأن ابن المعتق أقرب الناس إليه يوم مات المعتق ولو مات السيد وخلف ابنه وابن ابنه، لكان ميراثه لابنه دون ابن ابنه، فكذلك إذا مات المولى.
وإن هلك ابنان بعده وقبل مولاه، وخلف أحدهما ابناً والآخر تسعة، ثم مات المولى. كان ميراثه بينهم على عددهم، لكل واحد منهم عشره.
انظر المغني 6/377، والكافي 2/570، والمبدع 6/282.
وللإمام أحمد رحمه الله روايتان في كيفية توريث الولاء.
إحداهما: أن الولاء للكبر، وتفسيره أنه يرث المولى المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه، وأولاهم بميراثه يوم موت العبد وهذه الرواية هي الراجحة، والمأخوذ بها في المذهب، وهو قول الجمهور.
والثانية: أن الولاء بمنزلة المال يورث عن المعتق، فمن ملك شيئا حياته فهو لورثته. روى هذه الرواية حنبل، ومحمد بن الحكم عن الإمام أحمد، وغلطهما أبو بكر في روايتهما، فإن الجماعة رووا عن أحمد مثل قول الجمهور.
[] المغني 6/376 وما بعده، والفروع 5/67، والمبدع 6/281-282، والكافي 2/570، وكشاف القناع 4/503.

(8/4226)


قال إسحاق: أقول: الولاء لمن أحرز الميراث. 1
__________
1 نقل ابن قدامة وابن المنذر عن الإمام إسحاق رحمه الله أنه قال: "الولاء للكبر. "
قال ابن المنذر: عن إبراهيم في رجلين ورثا مولى كان أعتقه أبوهما، ثم مات أحدهما وترك ولداً، قال عبد الله، وعلي وزيد بن ثابت: الولاء للأكبر وبه قال طاوس، وعطاء، والزهري وقتادة، وابن سيرين وأبو زناد وابن قسيط، وهو قول سفيان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد.
الأوسط 3/148، والمغني 6/376، وراجع: مصنف عبد الرزاق 9/30، ومصنف ابن أبي شيبة 11/404 وما بعده، والسنن الكبرى 10/303، وسنن الدارمي 2/375.

(8/4227)


[3012-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا معاذ 1 عن أشعث عن الحسن 2 قال: لا ترث النساء 3 من الولاء إلا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن، إلا الملاعنة فإنها ترث من أعتق ابنها الذي انتفى منه أبوه. 4
__________
1 هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري، وقد سكن اليمن، صدوق ربما وهم، مات سنة مائتين.
تهذيب التهذيب 10/196، وتقريب التهذيب ص 341.
وفي النسخة العمرية بلفظ "حدثنا معاذ يعني ابن معاذ. "
2 هو البصري.
وفي العمرية بلفظ "الحسين رضي الله عنه. "
3 سقط من العمرية لفظ "النساء".
4 والأثر ذكره ابن أبي شيبة في مصنقه 11/388، كتاب الفرائض فيما ترك النساء من الولاء وما هو، برقم 11552، من طريق معاذ عن أشعث عن الحسن.
والدارمي في سننه 2/396، كتاب الفرائض، باب ما للنساء من الولاء من طريق محمد ابن عيسى عن معاذ، عن الأشعث عن الحسن.
وإسناده حسن.
واللعان: مصدر لاعن لعاناً، إذا فعل ما ذُكر، ولعن كل واحد من الاثنين الآخر، وأصل اللعن: الطرد والإبعاد، واللعان لا يكون إلا من اثنين، ويقال لاعن امرأته لعاناً وملاعنة، والتعاناً، ولاعن الرجل زوجته: قذفها بالفجور.
المطلع على أبواب المقنع ص 347، والمصباح المنير ص 554.

(8/4228)


قال أحمد: ما أحسن ما قال. 1
قال إسحاق: كما قال. 2
[3013-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا هشيم 3 قال الشيباني 4 أخبرنا عن الشعبي عن شريح، أنه كان يقول في رجل أعتق مملوكاً له، ثم مات المعتق وترك أباه وابنه.
قال: كان شريح يقول: الولاء بمنزلة المال. 5
__________
1 قال الخرقي: ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن أو كاتبن، أو كاتب من كاتبن. مختصر الخرقي ص 128.
قال المرداوي: هذا المذهب بلا ريب. نص عليه. الإنصاف 7/384.
وروي عن أبي عبد الله رحمه الله في بنت المعتق خاصة أنها ترث وغالى أبو بكر، فوهم أبا طالب في نقل الرواية الثانية.
المغني 6/367، والإنصاف 7/385، وراجع الكافي 2/569،والفروع 5/66، والمبدع 6/278.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المبدع 6/278، والأوسط 3/147.
3 هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية.
4 هو سليمان بن أبي سليمان، أبو إسحاق الشيباني.
5 الأثر عن شريح القاضي، ذكره سعيد بن منصور في سننه 1/114، باب الرجل يعتق فيموت، ويترك ورثة ثم يموت المعتق، برقم 268، عن شريح أنه كان يقول: الولاء بمنزلة المال.
وابن ابي شيبة في المصنف 11/404، كتاب الفرائض في الولاء، من قال هو للكبر، يقول هو الأقرب من الميت برقم 11607.
وانظر قول القاضي شريح في: شرح السنة 8/356، والمغني 6/374.

(8/4229)


حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد [ع-169/أ] قال: حدثنا هشيم عن المغيرة 1 عن إبراهيم قال: لأبيه السدس، وما بقي فهو لابنه. 2
قال أحمد: كذلك أقول. 3
__________
1 هو مغيرة بن مقسم الضبي.
2 والأثر عن إبراهيم النخعي رواه سعيد بن منصور في سننه 1/113، باب الرجل يعتق فيموت، ويترك ورثته ثم يموت المعتق، برقم 261.
وابن أبي شيبة في المصنف 11/393، كتاب الفرائض رجل مات وترك ابنه وأباه ومولاه ثم مات المولى وترك مالاً، برقم 11567، بإسناده عن هشيم.
والدارمي في سننه 2/372، كتاب الفرائض، باب الولاء.
3 قال الخرقي: إذا مات المعتق، وخلف ابن معتقه، وأبا معتقه، فلأب معتقه السدس، وما بقي فللابن. مختصر الخرقي ص 128.
قال ابن قدامة: نص أحمد على هذا في رواية جماعة من أصحابه، وكذلك قال في جد المعتق وابنه، وقال: ليس الجد والأخ والابن من الكبر في شيء يجزيهم على الميراث.
المغني 6/374، وراجع المبدع 6/280.
قال المرداوي رحمه الله: هذا المذهب نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف 7/386.

(8/4230)


قال إسحاق: كما قال. 1
[3014-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا أبان بن صمعة 2 عن عكرمة 3 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [ظ-96/أ] إذا تزوج المملوك الحرة فما جرى في الرحم فولاؤه لموالي 4 الأم. فإذا أعتق الأب جر الولاء، 5 فإذا مات
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط 3/149، والمغني 6/374.
2 هو أبان بن صمعة، بمهملتين مفتوحتين، الأنصاري، مصري، صدوق، تغير آخراً، وحديثه عند مسلم متابعة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة.
تهذيب التهذيب 1/95، وتقريب التهذيب ص 18، وتهذيب الكمال 2/12، والكواكب النيرات ص 71 وما بعده.
3 إسناده ضعيف، لأن أبان بن صمعة اختلط، ولا يعرف متى سمع منه وكيع، وتحسن روايته عند المتابعة إن وجدت.
4 في العمرية بلفظ "مولى".
5 معنى جر الولاء: أن الرجل إذا أعتق أمته فتزوجت عبداً، فأولدها، فولدها منه أحرار، وعليهم الولاء لمولى أمهم، يعقل عنهم، ويرثهم إذا ماتوا لكونه سبب الإنعام عليهم بعتق أمهم، فصاروا لذلك أحراراً فإن أعتق العبدَ سيدُه ثبت له عليه الولاء، وجرّ ولاء أولاده عن مولى أمهم، لأن الأب لما كان مملوكاً لم يكن يصلح وارثاً ولا ولياً في نكاح، فإذا عتق العبد صلح الانتساب إليه، وعاد وارثاً عاقلاً ولياً، فعادت النسبة إليه وإلى مواليه.
المغني 6/359، وراجع شرح السنة للبغوي 8/353.

(8/4231)


الأب رجع الولاء. 1
قال أحمد: إذا ثبت مرة ولم يرجع.
قلت: ما تقول إذا مات الأب، يرجع الولاء؟
قال: لا. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
[3015-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا معتمر 4 عن
__________
1 نقل ابن قدامة رحمه الله قول ابن عباس رضي الله عنه في المغني 6/360.
2 قال ابن قدامة: إذا تزوج عبد معتقة فأولدها، فولاء الولد لمولى أمه لأن الحرية حصلت له بإعتاق الأم، والإنعام عليه، فإن أعتق سيد العبد عبده انجر ولاء الولد عن مولى الأم إلى مولى العبد. الكافي 2/570.
وقال في المغني: إذا انجر الولاء إلى موالي الأب ثم انقرضوا عاد الولاء إلى بيت المال، ولم يرجع إلى موالي الأم بحال، في قول أكثر أهل العلم، وحكى عن ابن عباس أنه يعود إلى موالي الأم، والأول أصح.
المغني 6/360، وراجع العذب الفائض 2/108، والفروع 5/68، والمبدع 6/284.
[3] انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/359، والأوسط 3/149-150.
4 معتمر بن سليمان التميمي، أبو محمد البصري، يلقب بالطفيل. ثقة، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقد جاوز الثمانين.
تهذيب التهذيب 10/227، وتقريب التهذيب ص 342، والكاشف 3/161.

(8/4232)


يونس عن الحسن 1 قال يرجع الولاء إلى موالي الأب إذا أعتق 2.
قلت: كذالك تقول؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال. 3
[3016-] حدثا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن أبي خالد 4 عن الشعبي أن مولى لابنة حمزة 5 مات وترك
__________
1 هو البصري.
إسناده صحيح، رجاله ثقات.
2 والأثر ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه 11/400، كتاب الفرائض، تحت عنوان: مملوك تزوج حرة ثم إنه أعتق بعد ما ولدت له أولاداً، لمن يكون الولاء، برقم: 11592.
3 سبق توثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى في المسألة: (3014) .
4 هو إسماعيل بن أبي خالد البجلي.
5 هي أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، وأمها سلمى بنت عميس بن معد بن تيم، أخت أسماء بنت عميس، وهي التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد رضي الله عنهم، لما خرجت من مكة وسألت كل من مر بها من المسلمين أن يأخذها فلم يفعل، فاجتاز بها علي - رضي الله عنه- فأخذها، فطلب جعفر أن تكون عنده لأن خالتها أسماء بنت عميس عنده، وطلبها زيد بن حارثة أن تكون عنده لأنه كان قد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر، لأن خالتها عنده، ثم زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلمة بن أم سلمة، وقال حين زوجها منه: "هل جزيت سلمة؟ " لأن سلمة هو الذي زوج أمه أم سلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخواها لأمها عبد الله وعبد الرحمن أبناء شداد بن الهاد.
عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروت عنه.
أسد الغابة 5/339 وما بعد، والمستدرك للحاكم 4/66.
والذي يبدو أن ابنة حمزة بلغت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذكر ابن حجر من رواية أبي سعيد السكري: "فدفعناها إلى جعفر فلم تزل عنده حتى قتل، فأوصى بها جعفر إلى علي فمكثت عنده حتى بلغت،

(8/4233)


فعرضها علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فقال: هي ابنة أخي من الرضاعة. فتح الباري 7/508.
ابنته وابنة حمزة، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف، وابنة حمزة النصف. 1
قال الشعبي: لا أدري أكان هذا قبل نزول الفرائض 2 أم
__________
1 الحديث رواه ابن أبي شيبة في المصنف 11/268، كتاب الفرائض في ابنة ومولاة، برقم 11189.
وابن ماجه في سننه 11/268، كتاب الفرائض، باب ميراث الولاء، برقم 2734.
والدارمي في سننه 2/373، كتاب الفرائض، باب الولاء.
وحسن الألباني إسناده في إرواء الغليل 6/135، وعدد طرقه.
2 في الظاهرية بلفظ "أو"بدل "أم".
وإثبات أم هنا أولى، لأنها جاءت بعدها الهمزة الاستفهامية المغنية من أي. شرح ابن عقيل 3/229.

(8/4234)


بعدها؟
قال أحمد: كذلك أقول. 1
قال إسحاق: لا يدري 2 على قول الشعبي في رأيه 3 ابنة حمزة، لأن قوله لا أدري أقبل الفرائض أم بعده يقول على وجه الطعمة، أم على وجه الفرض.
وذلك [أن] المعتقة في هذه الرواية ابنة حمزة في الظاهر [فـ]ـلا نشك أن النبي صلى الله عليه [وسلم] مات وهي صغيرة فكيف تعتق؟
وقول إبراهيم إنما أطعمها رسول الله صلى الله عليه [وسلم] طعمة 4 وقال: مات مولى لحمزة وترك ابنته، وابنة حمزة وهذا
__________
1 سبق توثيق قول الإمام أحمد رحمه الله فيما ترثه النساء من الولاء في المسألة: (3012) .
2 في العمرية بلفظ "لايعطى".
3 في العمرية بلفظ "رواية".
4 ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/269، كتاب الفرائض، تحت عنوان: في ابنة ومولاه برقم 11191.
وسعيد بن منصور في سننه 1/93، باب ميراث المولى مع الورثة برقم 175.
وعبد الرزاق في مصنفه 9/22، كتاب الولاء، باب ميراث ذي القرابة برقم: 16212.
والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/402، كتاب الفرائض، باب مواريث ذوي الأرحام، وعقب عليه بقوله: وهذا عندنا كلام فاسد.
ورجح أن المعتقة هي ابنة حمزة - رضي الله عنهما - وأن ما دفع لها الرسول صلى الله عليه وسلم كان بالميراث لابغيره. شرح معاني الآثار 4/403.
وأشار إليه البيهقي في السنن الكبرى 6/241، وغلّط إبراهيم النخعي ونقل قول شريك وهو: "تقحم إبراهيم هذا القول تقّحما. "
إلا أن يكون سمع شيئاً فرواه.

(8/4235)


الأمر البين وعسى أن يكون عبد الله بن شداد 1 اتسع في قوله فرأى أن 2 مجرى الولاء كمجرى المال كما رآه شريح 3 فقال: عتق حمزة، وعتق ابنة حمزة واحد، لأن الولاء لا يصير لها فنحن نأخذ بقول عمر وعلي وزيد [رضي الله عنهم] : لايرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن 4، واحتج يحيى بن آدم بما
__________
1 هو عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، أبو الوليد، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات، وكان معدوداً في الفقهاء. مات بالكوفة مقتولا سنة إحدى وثمانين وقيل بعدها. تقريب التهذيب ص 177.
2 في العمرية بحذف "أن".
3 في العمرية بلفظ رواه شريح، وقذ سبق ذكر الأثر عن شريح القاضي وتخريجه من مظانه من كتب السنة في المسألة: (3013) .
4 روى ابن أبي شيبة بإسناده عن إبراهيم عن علي وعمر وزيد: "أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن. "
مصنف ابن أبي شيبة 11/388، كتاب الفرائض، فيما ترث النساء من الولاء وما هو برقم 11550.

(8/4236)


قلنا. 1
[3017-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت الشيباني عن الحكم 2 قال: دخلت على 3 شموس مولاة لكندة فذكرت أن أباها هلك، فأعطاها علي [رضي الله عنه] النصف، وأعطى مواليها 4 النصف. 5
قلت لأحمد: 6 ما تقول في هذا؟
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق ويحيى بن آدم رحمهما الله في المبدع 6/278.
وقول الإمام أحمد وإسحاق في الأوسط 3/147.
2 هو الحكم بن عتيبة أبو محمد الكندي.
3 في العمرية بحذف حرف "على".
4 في الظاهرية بلفظ "مواليه".
5 الأثر ذكره سعيد بن منصور في سننه 1/93، باب ميراث المولى مع الورثة، برقم: 176.
وابن أبي شيبة في المصنف 11/268، كتاب الفرائض، في ابنة ومولاة، برقم: 11188.
والدارمي في سننه 2/373، كتاب الفرائض، باب الولاء.
6 في العمرية بحذف "لأحمد".

(8/4237)


قال: 1 كذلك أقول، وهو حديث ابن شداد. 2
قال إسحاق: لا نرى للموالي شيئاً لحديث سويد بن غفلة. 3
[3018-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال:
__________
1 في العمرية بإضافة "أحمد".
2 سبق تخريج قول الإمام أحمد رحمه الله في المسألة: (3012) ، وحديث ابنة حمزة - رضي الله عنهما - الذي ذكر في المسألة السابقة رواه عبد الله بن شداد في إحدى الطرق.
انظر سنن سعيد بن منصور 1/93، باب ميراث المولى مع الورثة برقم 174.
3 هو سويد بن غفلة، بفتح المعجمة والفاء، أبو أمية الجعفي، مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مسلماً في حياته، ثم نزل الكوفة ومات سنة ثمانين، وله مائة وثلاثون سنة.
تقريب التهذيب ص 141، وتذكرة الحفاظ 1/53.
وحديثه أن علياً أتى بابنة وامرأة ومولى، فأعطى الابنة النصف، والمرأة الثمن، ورد ما بقي على الابنة، ولم يعط الموالي شيئاً.
مصنف ابن أبي شيبة 11/273، كتاب الفرائض، من كان يحجب بهم ولا يورثهم.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/242، كتاب الفرائض، باب الميراث بالولاء.
والدارمي في السنن 2/374 وما بعده، كتاب الفرائض، باب فيمن أعطى ذوي الأرحام دون الموالي.

(8/4238)


حدثنا أسباط 1 قال حدثنا مطرف عن عامر أنه سئل عن الرجل يسلم على يدي الرجل: قال: لا ولاء إلا لذي نعمة، إذا أسلم فمات ورثه المسلمون، وإن جنى جناية فعقله على المسلمين، وإن أوصى فأحاطت وصيته بماله كله فهو جائز. 2
قلت لأحمد: 3 كذاك تقول؟
قال: نعم. 4
__________
1 هو أسباط بن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة القرشي مولاهم، أبو محمد ثقة ضعف في الثوري. مات سنة مائتين.
تهذيب التهذيب 1/211، وتقريب التهذيب ص 26.
2 والأثر رواه سعيد بن منصور 1/100، باب من أسلم على ميراث قبل أن يقسم، برقم 206.
وابن ابي شيبة في المصنف 11/412، كتاب الفرائض من قال: إذا أسلم على يديه فلس له من ميراثه شيء، برقم 11633.
والثوري في الجامع من طريق سفيان الثوري عن مطرف، كما في فتح الباري 12/46.
وإسناده صحيح.
3 في العمرية سقط "لأحمد".
4 قال أبو داود السجستاني ذكرت لأحمد حديث تميم الداري في رجل يسلم على يدي رجل، قلت: تذهب إليه؟
قال: ما أجْتَرِئُ عليه. مسائل أبي داود ص 219.
وللإمام أحمد رحمه الله روايتان:
إحداهما: إن أسلم الرجل على يدي الرجل لم يرثه.
والثانية: يرثه. المغني 6/380.

(8/4239)


قال إسحاق: لا ولاء إلا لذي نعمة، إلا ما روى تميم الداري. 1
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في شرح السنة للبغوي 8/351، والمغني 6/380، والأوسط 3/150، وتهذيب سنن أبي داود لابن القيم 4/179، واختلاف الصحابة والتابعين، لوحة رقم 89، ومعالم السنن للخطابي 4/185.
وهو تميم الداري بن أوس بن خارجة الداري، أبو رقية، بقاف وتحتانية مصغراً، صحابي مشهور، سكن بيت المقدس بعد قتل عثمان. قيل مات سنة أربعين.
تقريب التهذيب ص 49، وأسد غابة 2/215، والإصابة 1/183، والاستيعاب بهامش الإصابة 1/184.
وأما روايته فهي: عن تميم الداري أنه قال: يا رسول الله، وقال يزيد: إن تميماً قال: يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟ قال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته"
رواه أبو داود في سننه 3/127، كتاب الفرائض، باب في الرجل يسلم على يدي رجل، برقم 2918.
والترمذي في السنن 4/427، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل، حديث رقم 2112.
وابن ماجه في السنن 2/919، كتاب الفرائض، باب الرجل يسلم على يد رجل، حديث رقم 2752 من طريق ابن موهب.
والدارمي في سننه 2/377، كتاب الفرائض، باب في الرجل يوالي الرجل من طريق ابن موهب.
قال ابن القيم رحمه الله: وحديث تميم الداري وإن لم يكن في رتبة الصحيح، فلا ينحط عن أدنى درجات الحسن، وقد عضده المرسل، وقضاء عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزبز برواية الفرائض.
وإنما يقتضي تقديم الأقارب عليه، ولا يدل على عدم توريثه إذا لم يكن له نسب.
تهذيب سنن أبي داود 4/186، وراجع الجوهر النقي 10/296 وما بعده، وفتح الباري 12/47، ومسند عمر بن عبد العزيز للباغندي ص 186 وما بعده.

(8/4240)


[3019-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس عن الحسن في رجل أعتق مملوكاً له عن أبيه، قال 1 الحسن: ولاؤه لجميع ورثة أبيه. 2
قال أحمد: 3 الولاء
__________
1 في العمرية بتكرار "قال".
2 قال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في ولاء من يعتقه المرء عن غيره بأمره وغير أمره، فروى عن الحسن أنه قال في رجل أعتق عن أبيه مملوكاً قال: الولاء لجميع ورثة أبيه، وهذا على مذهب مالك بن أنس، وعبد الملك بن الماجشون، وبه قال أبو عبيد.
وفيه قول ثان: وهو أن الولاء للمعتق، إذا كان ذلك بغير أمر المعتق عنه، هذا قول الشافعي والأوزاعي، وبه قال أحمد وإسحاق.
الأوسط 3/151، وراجع: المغني 6/358.
3 قال الخرقي: ومن أعتق عبده عن رجل حيّ بلا أمره أو عن ميت، فالولاء للمعتق. مختصر الخرقي 127.
قال المرداوي: هذا المذهب، إلا ما استثني، وعليه جماهير الأصحاب.
الإنصاف 7/379، وراجع المغني 6/358.

(8/4241)


له، 1 على حديث إياس.
قال إسحاق: الولاء له، لأنه هو المتطوع بالعتق. 2
[3020-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن أبي وائل 3 قال: كتب عمر 4 إلى ابن مسعود [رضي الله عنهما] : إذا كانت العصبة أقرب بأم فأعطه المال. 5
__________
1 في العمرية بحذف "له".
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط 3/151.
3 هو شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة.
انظر تهذيب التهذيب 4/361، وتقريب التهذيب ص 147.
4 في الظاهرية بلفظ "ابن عمر".
وصحح من المراجع التي نقلت الأثر بالسند والمتن.
5 الأثر ذكره ابن أبي شيبة في المصنف 11/402، كتاب الفرائض، من قال: إذا كانت العصبة أحدهم أقرب بأم فله المال، برقم 11601.
وسعيد بن منصور في سننه 1/84، باب العصبة إذا كان أحدهم أوفى، برقم 132.
وعبد الرزاق في المصنف 10/288، كتاب الفرائض، باب ذوي السهام، برقم 19135. ورجاله ثقات.

(8/4242)


[3021-] حدثنا إسحاق قال: أخبرنا أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا مالك بن مغول 1 قال: سألت الشعبي عن بني عم لأب وأم، وبني عم لأب 2 هم أقرب؟ 3
__________
1 هو مالك بن مغول، بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الواو، الكوفي، أبو عبد الله، ثقة ثبت، مات سنة تسع وخمسين ومائة على الصحيح.
انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/22، وتقريب التهذيب ص 327، والأثر رجاله ثقات.
2 في العمرية بإضافة لفظ "قال".
3 بنو العلات إذا كانوا أقرب إلى الميت، مثلاً لو أدلى بنو العلات بواسطة وتباعد الأشقاء بواسطتين، فيقدم بنو العلات بدليل قوله هم أقرب.
وطريقة الإرث والتعصيب: أن يقدم جهة البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة ثم العمومة على الترتيب.
وإن اتحدت جهة القرابة، يقدم الأقرب فالأقرب، فيقدم الابن على ابن الابن، والأخ على ابن الأخ، والعم على ابن العم.
وإذا اتحدت الجهة، وتساوت درجة القرابة، وتفاوتوا في قوة القرابة، يقدم من كان أقوى قرابة، أي يقدم من كان أقرب إلى الميت بأم، فيقدم الأخ لأب وأم، على أخ لأب، وهكذا.
العذب الفائض 1/75، وموسوعة فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ص 52، والمبدع 6/145 وما بعدها.

(8/4243)


فقال: المال لبني العلة. 1
قلت لأحمد: هذا تفسير قول عمر؟ 2
قال: نعم. 3
قال إسحاق: كما قال. 4 وكذلك أقول.
[3022-] قال أحمد في بني الأخ وجد، 5 لا يكونوا بمنزلة
__________
1 قال في المصباح المنير: بنو العلات إذا كان أبوهم واحداً، وأمهاتهم شتى، الواحدة قيل مأخوذة من العلل، وهو الشرب بعد الشرب، لأن الأب لما تزوج مرة بعد أخرى صار كأنه شرب مرة بعد أخرى.
وأولاد الأعيان: أولاد الأبوين، وأولاد الأخياف عكس العلات. المصباح المنير 2/426.
والأثر عن الشعبي رواه ابن أبي شيبة في المصنف 11/403، كتاب الفرائض، من قال: إذا كانت العصبة أحدهم أقرب بأم فله المال، من طريق وكيع عن مالك بن مغول قال: سألت الشعبي عن بني عم لأب وأم ثلاثة، وعن بني عم لأب إلى اثنين، فقال الشعبي المال لبني العلات.
2 سبق توثيق قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسألة السابقة.
3 قال الخرقي: الولاء لأقرب عصبة المعتق. مختصر الخرقي ص 128.
قال ابن قدامة: فإن كان مولاه ميتاً فهو لأقرب عصبته سواء كان ولداً أو أباً أو أخاً أو عماً أو ابن عم أو عم أب، وسواء كان المعتق ذكراً أو أنثى. المغني 6/372.
4 في العمرية بحذف "إسحاق كما قال".
5 الظاهرية بلفظ "الجد".

(8/4244)


الآباء 1 لم ينزلهم بمنزلة الآباء إلا علي [رضي الله عنه] . 2
قال إسحاق: كما قال. والجد أب [ع-169/ب] في الأحوال كلها. 3
[3023-] قلت لأحمد: 4 عليٌّ، إلى كم كان يقاسم الجد مع الإخوة؟
قال أحمد: إلى ستة، فإذا كان أصحاب الفرائض لم ينقصه من السدس. 5
__________
1 اختلفوا في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو لأب، هل يسقط الإخوة، أو يقاسمهم.
ولا خلاف بينهم في إسقاطه بني الإخوة وولد الأم، ذكرهم وأنثاهم، إلا ما روى عن علي رضي الله عنه. المغني 6/215.
2 عن الشعبي قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل بني الأخ بمنزلة أبيهم إلا علي. ولم يكن أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أفقه أصحاباً من عبد الله بن مسعود.
رواه عبد الرزاق في مصنفه 10/269، كتاب الفرائض، باب فرض الجد، برقم: 19066.
3 انظر المغني 6/215.
4 في العمرية بحذف "لأحمد".
5 عن الأعمش عن إبراهيم، أن علياً كان يقاسم الجد مع الإخوة ما بينه وبين السدس.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 11/294، كتاب الفرائض، إذا ترك إخوة وجداً واختلافهم فيه، برقم 11272.
وعبد الرزاق في المصنف 10/268، كتاب الفرائض، باب فرض الجد 19064 مطولاً، من طريق الثوري عن الأعمش.
والدارمي في السنن 2/355، كتاب الفرائض، باب قول علي في الجد من طريق الثوري.
وانظر قول الإمام علي رضي الله عنه في: المغني 6/217، والمحلى 9/284، وموسوعة فقه علي رضي الله عنه ص 52.

(8/4245)


قلت: وعمر [رضي الله عنه] ؟.
قال: كان يقاسم إلى الثلث. 1
قلت: وابن مسعود [رضي الله عنه] ؟.
قال: رجع إلى قول عمر [رضي الله عنه] الثلث. 2
__________
1 عن الزهري قال: كان عمر بن الخطاب يشرك بين الجد والأخ إذا لم يكن غيرهما، ويجعل له الثلث مع الأخوين، وما كانت المقاسمة خيراً له قاسم، ولا ينقص من السدس في جميع المال.
قال: ثم آثرها زيد بعده، وفشت عنه.
[] مصنف عبد الرزاق 10/266-267، كتاب الفرائض، باب فرض الجد، برقم 19061، من طريق معمر عن الزهري.
2 عن إبراهيم، عن علقمة قال: كان عبد الله يشرك الجد مع الإخوة، فإذا كثروا وفاه الثلث، فلما توفي علقمة أتيت عبيدة فحدثني أن ابن مسعود كان يشرك الجد مع الإخوة، فإذا كثروا وفاه السدس. فرجعت من عنده وأنا خاثر، فمررت بعبيد بن نضلة فقال: ما لي أراك خاثرا؟.
قال: قلت: كيف لا أكون خاثرا؟ فحدثته فقال: صدقاك كلاهما. قلت: لله أبوك، وكيف صدقاني كلاهما؟.
قال: كان رأي عبد الله وقسمته أن يشركه مع الإخوة، فإذا كثروا وفاه السدس، ثم وفد إلى عمر فوجده يشركه مع الإخوة، فإذا كثروا وفاه الثلث، فترك رأيه وتابع عمر.
[] مصنف ابن أبي شيبة 11/292-293، كتاب الفرائض، باب إذا ترك إخوة وجداً، واختلافهم فيه، برقم 11265.

(8/4246)


قلت: وزيد بن ثابت [رضي الله عنه] ؟
قال: إلى الثلث، إنما هي 1 فرائض عمر [رضي الله عنه] . 2
قال إسحاق: هو كما قال، فيمن لا يرى الجد أباً.
[3024-] قلت: من يحجب الجد ممن له فريضة؟ 3
قال: الإخوة من الأم. 4
__________
1 في الظاهرية "هو".
2 راجع التعليق على قول الإمام أحمد: (كان يقاسم إلى الثلث) من هذه المسألة.
3 في العمرية بلفظ "الفريضة".
4 قال ابن قدامة: ويسقط ولد الأم بأربعة: بالولد ذكراً كان أو أنثى، وولد الابن والأب، والجد، لأن الله تعالى شرط في توريثهم كون المورث كلالة، بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} النساء آية: (1) .
والكلالة: من لا ولد له ولا والد ... فيدل على أنهم لا يرثون مع ولد، ولا والد.
الكافي 2/538، وراجع الفروع 5/11، والمبدع 6/144.

(8/4247)


قال إسحاق: كما قال.
[3025-] قلت: مع من يرث الجد من أهل 1 الفرائض؟
قال: يرث الجد مع البنت، مع الأخوات، مع الجدة.
قال أحمد: يحجبه الأب. 2
__________
1 في العمرية بلفظ "من الفرائض مع الابنة مع الأخوات مع الجدة".
2 لا يرث الجد مع وجود الأب، تمشياً مع القاعدة العامة: من أدلى إلى الميت بواسطة، لايرث مع وجود تلك الواسطة. ولإرث الجد عند فقد الأب، وعدم الإخوة حالات وهي:
[1-] يأخذ السدس بالفرض، إذا كان للميت فرع وارث مذكر، لأن الفرع المذكر يكون هو العصبة، لأنه أولى رجل ذكر وأقرب رجل إلى الميت.
[2-] يرث بالعصوبة وحدها، إن لم يكن للميت بين الورثة فرع وارث أصلاً، لا مذكر، ولا مؤنث.
[3-] يأخذ السدس فرضاً، ويأخذ الباقي تعصيباً، وذلك إذا كان هناك فرع وارث مؤنث، فيأخذ السدس باعتباره صاحب فرض مع الفرع المؤنث، ويأخذ الباقي باعتباره أولى رجل ذكر.
انظر الميراث في الشريعة الإسلامية ص 170 وما بعده، والمبدع 6/119، والكافي 2/530.

(8/4248)


قال إسحاق: كما قال في قول من يجعل الجد أخاً.
[3026-] قلت: أخت لأب وأم، وأخ وأخت لأب، وجد؟
قال: للأخت للأب والأم النصف، وللجد النصف في قول عبد الله [رضي الله عنه] .
وفي قول علي [عليه السلام] للأخت من الأب والأم النصف، وقاسم بالأخ والأخت الجد.
وفي 1 قول زيد بن ثابت [رضي الله عنه] يقاسم [ظ-96/ب] بهما جميعاً ثم ترد الأخت 2 والأخ للأب ما في أيديهما حتى تستكمل الأخت من الأب والأم النصف. 3
__________
1 في العمرية بلفظ "والجد في قول زيد بن ثابت رضي الله عنه".
2 في العمرية بلفظ "ثم يرد الأخ والأخت للأب".
3 روى البيهقي بإسناده عن الشعبي وإبراهيم النخعي في: أخت لأب وأم، وأخ لأب وأخت لأب، وجد، في قول علي رضي الله عنه: للأخت من الأب والأم النصف، وما بقي بين الجد والأخ والأخت أخماسا في القسمة.
وفي قول عبد الله: للأخت من الأب والأم النصف، وما بقي للجد، وليس للأخت والأخ من الأب شيء.
وفي قول زيد: من ثمانية عشرة سهماً، للجد الثلث ستة أسهم، وللأخ ستة، وللأختين ستة لكل واحدة منهما ثلاثة، ثم يرد الأخ والأخت من الأب على الأخت من الأب والأم حتى تستكمل النصف تسعة أسهم، ويبقى بينهما ثلاثة أسهم.
جزء من الأثر الذي رواه البيهقي في السنن الكبرى 6/251، كتاب الفرائض، باب الاختلاف في مسألة المعادة من طريق مغيرة عن إبراهيم والشعبي.
ومصنف ابن أبي شيبة 11/312، كتاب الفرائض في هذه الفرائض المجتمعة من الجد والإخوة والأخوات، برقم 1308 من طريق محمد بن سالم عن الشعبي.

(8/4249)


قال أحمد: كذاك أقول. 1
قال إسحاق: هذا إنما هو في قول من يرى الجد أخاً، فأما نحن فنراه كالأب، لا ترث الإخوة والأخوات معه أبداً، 2 وقد حكم هؤلاء الذين يرونه أخاً بحكم الأبوة في التزويج والبيع
__________
1 قال في المقنع: فإذا كان جد وأخت من أبوين، وأخت من أب، فالمال بينهم على أربعة: للجد سهمان، ولكل أخت سهم، ثم رجعت الأخت من الأبوين فأخذت ما في يد أختها كله، وإن كان معهن أخ من أب، فللجد الثلث، وللأخت النصف يبقى للأخ وأخته على ثلاثة، فتصح من ثمانية عشر.
[] المقنع 2/407، وراجع المبدع 6/125، والكافي 2/531-532، والإنصاف 7/307.
2 المغني 6/215، وفتح الباري 12/20، وعمدة القاريء 23/241، وشرح السنة 8/343.

(8/4250)


عليهم، وأشباه ذلك.
وفي الاتباع هو أقوى لأن أبا بكر، وعثمان، 1 وأبا موسى الأشعري، وعائشة 2 وابن عباس 3 وابن الزبير 4 [رضي الله عنهم] اجتمعوا على أنه أب. وعمر [رضي الله عنه] لا يحتج به في
__________
1 عن الزهري وقتادة: أن أبا بكر جعل الجد أباً، قال معمر وكان قتادة يفتي به.
قال معمر: ولا أعلم الزهري إلا أخبرني أن عثمان كان يجعل الجد أباً.
انظر: مصنف عبد الرزاق 10/263، كتاب الفرائض، باب فرض الجد، برقم 19050.
2 انظر قول أبي موسى الأشعري، وعائشة رضي الله عنهما في المغني 6/215، وفتح الباري 12/20، وعمدة القاريء 23/241.
3 عن ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس: أنه كان يجعل الجد أباً.
مصنف عبد الرزاق 10/246، كتاب الفرائض، باب فرض الجد، برقم 19055، عن معمر عن ابن طاوس.
والدارمي في السنن 2/356، كتاب الفرائض، باب قول ابن عباس في الجد، عن ابن طاوس.
4 عن ابن أبي مليكة: أن أهل الكوفة كتبوا إلى عبد الله بن الزبير يسألونه عن الجد فقال: أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو اتخذ أحداً خليلا لاتخذته"، فإنه أنزله أباً يعني أبا بكر رضي الله عنه.
السنن الكبرى 6/246، كتاب الفرائض، باب من لم يورث الإخوة مع الجد.
ومصنف عبد الرزاق 10/263، كتاب الفرائض، باب فرض الجد، برقم 19049، من طريق ابن جريج.

(8/4251)


ذلك، لما كان منه فيه 1 قضايا مختلفة، وقد حكى عبيدة 2 ذلك. 3
__________
1 في العمرية بلفظ "في".
2 هو عبيدة بن عمرو السلماني، بسكون اللام، ويقال بفتحها، المرادي أبو عمر الكوفي، تابعي كبير مخضرم، ثقة ثبت. كان شريح إذا أشكل عليه شيء سأله، مات سنة اثنتين وسبعين أو بعدها، والصحيح أنه مات قبل سنة سبعين.
تقريب التهذيب ص 230، تذكرة الحفاظ 1/50، تاريخ بغداد 11/117.
3 عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال: "سألته عن فريضة فيها جد، فقال: لقد حفظت عن عمر بن الخطاب فيها مائة قضية مختلفة، قال: قلت عن عمر؟ قال: عن عمر.
رواه عبد الرزاق في المصنف 10/262، كتاب الفرائض، باب فرض الجد، برقم 19045.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/245، كتاب الفرائض، باب التشديد في الكلام في مسألة الجد مع الإخوة، من طريق محمد بن سيرين.
وقد شنع ابن قتيبة على هذه الرواية فقال: إنه يستحيل أن يقضي عمر في أمر واحد بمائة قضية مختلفة فأين هذه القضايا، وأين عشرها، ونصف عشرها؟ أما كان في حملة الحديث من يخفظ منها خمساً أو ستاً، ولو اجتهد مجتهد أن يأتي من القضاء في الجد بجميع ما يمكن فيه من قول ومن حيلة، ما كان يتيسر له أن يأتي فيه بعشرين قضية.
[] تأويل مختلف الحديث ص 19-20.
ونقل ابن حجر قول أبي عبيدة، ثم قال: أنكر الخطابي هذا إنكاراً شديدا بما لا محصل له، وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة في مقدمة مختلف الحديث، وما المانع أن يكون قول عبيدة (مائة قضية) على سبيل المبالغة. التلخيص الحبير 3/100.

(8/4252)


وإنما يعني بأنه قضية في ثلاث قضايا. 1
[3027-] قلت: في أخ لأب وأم، وأخ لأب، وجد، للأخ للأب والأم النصف، وللجد النصف، وسقط الأخ للأب في قول علي [رضي الله عنه] .
قال أحمد: زيد يقاسم بالأخ للأب، 2 الأخ للأب والأم، ثم يرد ما في يديه على الأخ للأب والأم. 3
__________
1 لعله يقصد بالقضايا الثلاث: قضية كون الجد بمنزلة الأب في التزويج، والبيع، والإرث.
والقائلون بإشراك الجد والإخوة أخذوا بالقضيتين الأوليَيْن ولم يأخذوا بالثالثة، مع أنها قضية من ثلاث.
2 في العمرية سقط عبارة "بالأخ للأب".
3 عن إبراهيم في رجل ترك جده وأخاه لأبيه وأمه، وأخاه لأبيه، فللجد النصف، ولأخيه لأبيه وأمه النصف، في قول علي وعبد الله. وكان زيد يعطي الجد الثلث، والأخ من الأب والأم الثلثين، قاسم بالأخ من الأب مع الأخ من الأب والأم، ولا يرث شيئاً.
[] مصنف ابن أبي شيبة 11/297-298، كتاب الفرائض، في رجل ترك جده وأخاه لأبيه وأمه وأخاه لأبيه 11281.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/250، كتاب الفرائض، باب كيفية المقاسمة بين الجد والإخوة والأخوات.
راجع قول الإمام أحمد رحمه الله في المغني 6/220.

(8/4253)


قال إسحاق: في قوله هكذا.
[3028-] قلت: كان 1 علي [رضي الله عنه كان] لايزيد الجد مع الولد على السدس 2 إلا أن يكون غيره، فسره لي؟
قال أحمد: كأنه ابنة وجد، فيعطي الابنة النصف، ثم يرد ما بقي على الجد. 3
قال إسحاق: صيره عصبة ههنا، فهذا القول تقوية لمن رأى 4 الجد أباً.
[3029-] [قلت: القوم يموتون جميعاً لا يدرى أيهم مات قبل؟
قال: يورث بعضهم من بعض.
__________
1 في العمرية بلفظ "قلت علي رضي الله عنه كان لا يزيد الجد".
2 سبق ذكر مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المسألة رقم: (2995) .
3 سبق ذكر حالات إرث الجد في المسألة: (3025) .
4 في العمرية بلفظ "يرى".

(8/4254)


قال إسحاق: كما قال.] 1
[3030-] قلت: الحميل؟ 2
قال: الحميل 3 إذا قامت بينة ورث، وإذا لم تقم بينة لم يورث. 4
قال إسحاق: كلما تواصلوا في الإسلام، ورث بعضهم من
__________
1 هذه المسألة انفردت بها العمرية، وسبق تحقيق نحوها برقم: (2998) .
وتوثيق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى.
2 الحميل: هو الذي يحمل من بلاده صغيراً إلى بلاد الإسلام وقيل: هو المجهول النسب، وذلك أن يقول الرجل لإنسان: هذا أخي، أو ابني ليزوي ميراثه عن مواليه، فلا يصدق إلا ببينة.
النهاية لابن الأثير 1/442، والصحاح للجوهري 4/1678.
3 في العمرية سقط لفظ "الحميل"الثانية.
4 نقل ابن هاني النيسابوري نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: سمعت أبا عبد الله يقول الحميل: المرأة تخرج من المشركين من بلاد الشرك فتجيء إلى الصبي فتنحله إليها، وتقول هذا ولدي، أو هذا أخي. قال أبو عبد الله: لا تعطى حتى تجيء ببينة أنه ولدها.
قلت: يا أبا عبد الله تجيء ببينة من أهل الشرك؟
قال: نعم، تجيء بمن معها، وإن كان ممن أسلم منهم كان أحب إليّ. مسائل ابن هاني 2/99 برقم 1602.

(8/4255)


بعض. 1
[3031-] قلت: إذا ملك أخاه من الرضاعة؟
قال: لا يعتق. 2
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في بداية المجتهد 2/265.
2 قال ابن قدامة: ولا خلاف في أن المحارم من غير ذوي الأرحام لا يعتقون على سيدهم، كالأم والأخ من الرضاعة، والربيبة، وأم الزوجة وابنتها.
وعلل ذلك بقوله:
[1-] قال الزهري: جرت السنة بأن يباع الأخ والأخت من الرضاع.
[2-] ولأنه لا نص في عتقهم، ولا هم في معنى المنصوص عليه فيعتقون على الأصل.
[3-] ولأنه لا رحم بينهما ولا توارث، ولاتلزمه نفقته فأشبه الربيبة، وأم الزوجة. المغني 1/356.
قال المرداوي: لو ملك رحماً غير محرم عليه، أو ملك محرماً برضاع أو مصاهرة لم يعتق. نص عليه في رواية الجماعة، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب.
[] الإنصاف 7/401، وراجع المبدع 6/292-297.
قال ابن المنذر: واختلفوا في وجوب العتق على ذوي المحارم من الرضاعة، ففي قول الزهري وقتادة ومالك والثوري والليث بن سعد، والشافعي وأصحاب الرأي: لا يجب عتقهم، وقد اختلف فيه عن الحسن وابن سيرين.
وقال شريك: لا يسترق الرجل الأخ والأخت من الرضاعة.
قال ابن المنذر: بالقول الأول أقول، لأني إذا لم أجد حجة أوجب بها عتق ذوي الأرحام من القرابات، فأنا من وجودها في، باب الرضاع أيئس. الإشراف 3/183 وما بعده.

(8/4256)


قال إسحاق: صدق كما قال.
[3032-] قلت: رجل توفي وترك أخاه وجده ومولى، فمات المولى؟ قال: الولاء بينهم على الميراث نصفان. 1 قال إسحاق: المال للجد. 2
[3033-] قلت: امرأة أعتقت رجلاً ولاؤه لولدها ما بقي منهم ذكر، فإذا انقرضوا كان الولاء لعصبة أمهم؟
__________
1قال في المبدع: وإن خلف المعتق أخاه وجده، فالولاء بينهما نصفان. المبدع 6/280.
وقال الخرقي: وإذا مات المعتق وخلف أبا معتقه، وابن معتقه، فلأب معتقه السدس، وما بقي فللابن. مختصر الخرقي ص 128.
وقال ابن قدامة: وكذلك قال في جد المعتق وابنه، وقال: ليس الجد والأخ والابن من الكبر في شيء.
المغني 6/374، ودليل الطالب ص 188، وراجع الإنصاف 7/386، والكافي 2/569، والمبدع 6/280، وكشاف القناع 4/502.
2 قال ابن المنذر: فإن ترك جده وأخاه لأبيه وأمه، فالمال للجد في قول من يجعل الجد أباً. وكان الزهري يقول: أراه للجد، وكذلك قال إسحاق، وكذلك نقول، وقال أحمد بن حنبل: المال بينهم على الميراث. الأوسط 3/149.

(8/4257)


قال أحمد: 1 جيد. 2
قال إسحاق: كما قال. 3
[3034-] قلت: امرأة اشترت أباها فأعتقته، ثم توفي وترك ابنتيه، إحداهما التي أعتقته. قال لهما الثلثان، وما بقي فللمعتقة.
قال إسحاق: كما قال: أجاد. 4
[3035-] قلت: الأب يجر الولاء؟
__________
1 في العمرية بحذف "أحمد".
2 قال في المقنع: وإذا ماتت المرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها، فولاؤه لابنها، وعقله على عصبتها. المقنع 2/472.
قال الماوردي: هذا صحيح، لكن لو باد بنوها فولاؤه لعصبتها.
[] الإنصاف 7/388، وراجع: المغني 6/372، والمبدع 6/283-284.
3 قال ابن المنذر: وفي قول الزهري وقتادة يكون الولاء لولدها، فإذا انقرضوا كان الولاء لعصبة أمهم، كذلك قال سفيان الثوري، ومالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. الأوسط 3/148.
4 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله، فقال: كان الشافعي يقول في امرأة اشترت أباها فأعتقته، فمات الأب وخلف ابنته التي أعتقته، وأختاً لها منه، أن لهما الثلثين بالنسب، والثلث للتي أعتقت بالولاء. [] وكذلك قال أحمد وإسحاق، وروي ذلك عن النخعي، وكذلك نقول. الأوسط 3/151- 152.

(8/4258)


قال: كذاك أقول 1 عن عمر [رضي الله عنه] ثبت كان عبداً تزوج حراً فأولدها، [فـ] ولاء ولدها لموالي أمهم، فإذا أعتق الأب جر الولاء. 2
قال إسحاق: كما قال.
[3036-] قلت: قال سمعت يعني سفيان: لا يرث من النساء إلاّ سِتّة: [ع-170/أ] الابنة، وابنة الابن، والأخت، والأم، والجدة، والمرأة. 3
__________
1 تقدم توثيق قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة: (3014) .
2 قال: إذا تزوج المملوك الحرة فولدت، فولدها يعتقون بعتقها، ويكون ولاؤهم لمولى أمهم، فإذا أعتق الأب جر الولاء.
رواه البيهقي السنن الكبرى 10/306، كتاب الولاء، باب ماجاء في جر الولاء.
وعبد الرزاق في المصنف 9/40، كتاب الولاء، باب الرجل يلد الاحرار وهو عبد، ثم يعتق، برقم 16276.
وابن أبي شيبة في المصنف 11/397، كتاب الفرائض، تحت عنوان: مملوك تزوج حرة، ثم إنه أعتق بعد ما ولدت له أولاداً، لمن يكون ولاء ولده، برقم 11581. كلاهما من طريق الأعمش، عن إبراهيم عن عمر رضي الله عنه منقطعاً.
3 روى عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري قال: لا يرث من النساء الا ست: ابنة، وابنة ابن، وأم، وامرأة، وجدة، وأخت. وأدنى العصبة الابن، ثم ابن الابن، ثم الأب، ثم الجد، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم، ثم بنو [] العم الأقرب فالأقرب، قال وجد الجد بمنزلة الجد، إذا لم يكن دونه أب بمنزلة ابن الابن. المصنف 10/259-260، كتاب الفرائض برقم 19036.

(8/4259)


قال أحمد: هذا ميراث السهم من يفرض لهن. 1
قال إسحاق: كما قال.
[3037-] قال أحمد: قضى النبي صلى الله عليه [وسلم] في ابنة حمزة لخالتها بقضائها للخالة، حتى إذا احتاجت إلى التزويج فالأب أحق. 2
__________
1 قال الشيخ إبراهيم الفرضي: إن أصحاب الفروض اثنا عشر، أربعة من الذكور وهم: الزوج والأخ من الأم، والأب، والجد، وثمان من الإناث وهن: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة مطلقاً، والأخت من الأبوين، والأخت من الأب، والأخت من الأم، والزوجة.
العذب الفائض 1/63، وراجع المغني 6/214، والمواريث في الشريعة الإسلامية للصابوني ص 46.
2 الحديث أخرجه الإمام البخاري في حديث طويل، ومنه: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم. فتناولها علي، فأخذ بيدها، وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك حمليها - بتشديد الميم المكسورة وبالتحتانية بصيغة الأمر. فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم" وقال لعلي: "أنت مني، وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي"، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"، وقال لعلي: "ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة".
صحيح الإمام البخاري برقم 4251 فتح الباري 7/299، كتاب المغازي، باب عمرة القضاء، من طريق أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنه

(8/4260)


قال إسحاق: كما قال، وفي هذا تصديق أنها كانت صغيرة لم تكن هي المعتقة.
[3038-] سئل إسحاق عن مجوسي مات ولم يدع الا ابن عمه مسلماً؟
قال: له المال 1 حديث معاذ، 2
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: قد رويت أخبار عن بعض الصحابة بأن المسلم يرث الكافر، روى ذلك عن معاوية بن أبي سفيان، ومعاذ بن جبل وإبراهيم النخعي، وكان إسحاق يميل إلى حديث معاوية ومعاذ ويقول: يستعمل ههنا. الأوسط 3/136.
وانظر قول الإمام إسحاق في: فتح الباري 12/50، وشرح السنة للبغوي 8/364، ومعالم السنن للخطابي 4/180، وأحكام أهل الذمة لابن القيم 2/642، والمغني 6/294، والمحلى 9/304، والاستذكار 4/80.
2 حديث معاذ رضي الله عنه رواه عبد الله بن بريدة: أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر، يهودي ومسلم، فورث المسلم منهما. وقال: حدثني أبو الأسود أن رجلاً حدثه، أن معاذاً حدثه وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإسلام يزيد ولا ينقص فورث المسلم".
سنن أبي داود 3/116، كتاب الفرائض، باب هل يرث المسلم الكافر، حديث رقم: 2912.
والحاكم في المستدرك 4/345، كتاب الفرائض، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وابن أبي شيبة في المصنف 11/374، كتاب الفرائض، تحت عنوان: من كان يورث المسلم الكافر برقم: 11496، من طريق أبي الأسود الدؤلي.
قال ابن حجر عن الحديث السابق: قال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ، ولكن سماعه منه ممكن.
وأخرج أحمد بن منيع بسند قوي عن معاذ: أنه كان يورث المسلم من الكافر بغير عكس. فتح الباري 12/50.

(8/4261)


ومعاوية، 1
__________
1 عن الشعبي قال: جاء رجل إلى معاوية فقال: أرأيت الإسلام يضرني أم ينفعني؟ قال: بل ينفعك مما ذاك؟ فقال: إن أباه كان نصرانياً، فمات أبوه على نصرانيته، وأنا مسلم، فقال: إخوتي وهم نصارى: نحن أولى بميراث أبينا منك، فقال معاوية: ائتني بهم. فأتاه بهم، فقال: أنتم وهو في ميراث أبيكم شرع سواء، وكتب معاوية إلى زياد: أن ورث المسلم من الكافر، ولا تورث الكافر من المسلم، فلما انتهى كتابه إلى زياد أرسل إلى شريح فأمره أن يورث المسلم من الكافر، ولايورث الكافر من المسلم، وكان شريح قبل ذلك لا يورث الكافر من المسلم، ولا المسلم من الكافر فلما أمره زياد قضى بقوله، فكان إذا قضى بذلك يقول: هذا قضاء أمير المؤمنين.
كتاب السنن لسعيد بن منصور 1/86، باب لا يتوارث أهل ملتين برقم 146، من طريق مجالد عن الشعبي.
وراجع: المبسوط 30/30، والأم للإمام الشافعي 4/73.

(8/4262)


وابن معقل، 1 [رضي الله عنه] يستعمل ههنا.
__________
ــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد الله بن معقل، بفتح أوله وسكون المهملة بعدها قاف، ابن مقران المزني، أبو الوليد الكوفي، ثقة من كبار الثالثة، مات سنة ثمان وثمانين. تقريب التهذيب ص 190، وتهذيب التهذيب 6/40.
وحديثه: عن الشعبي قال: لما قضى معاوية بما قضى به من ذلك، فقال عبد الله بن معقل: ما أحدث في الإسلام قضاء بعد قضاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعجب إلي من قضاء معاوية، إنا نرثهم ولا يرثونا، كما أن النكاح يحل لنا فيهم، ولا يحل لهم فينا.
رواه سعيد بن منصور في سننه 1/87، باب لا يتوارث أهل ملتين، برقم 147، من طريق هشيم وإسماعيل بن أبي خالد.
وابن أبي شيبة في المصنف 11/374 كتاب الفرائض، من كان يورث المسلم الكافر برقم 11497.
وقول من ذكر من الصحابة رضوان الله عليهم الذين استدل بهم الإمام إسحاق رحمه الله ومال إلى رأيهم حسن، لو لم يعارض الحديث الصحيح.
ومن المعروف في الأصول: أن الاجتهاد، أو القياس، أو قول الصحابة رضوان الله عليهم لايؤخذ به إذا كان مخالفاً للنصوص الشرعية، سواء كان آية قرآنية، أوحديثاً نبوياً.
وقد روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم".
أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6764، فتح الباري 12/50، كتاب الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث، فلا ميراث له.
ومسلم في صحيحه 3/1233، كتاب الفرائض، حديث رقم 1614. ولفظ مسلم: "لايرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم".

(8/4263)


[قال 1 إسحاق: 2 حدثنا عبد الرزاق 3 بقوله عن معمر 4 عن زيد بن أسلم 5 عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] .
__________
1 هذه العبارة انفردت بها النسخة العمرية.
2 هو ابن راهوية.
3 هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني.
4 هو معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
تهذيب التهذيب 10/243، وتقريب التهذيب ص 344.
5 هو زيد بن أسلم العدوي مولى عمر، أبو عبد الله، أو أبو أسامة المدني، ثقة عالم، وكان يرسل. مات سنة ست وثلاتين ومائة.
انظر: تهذيب التهذيب 3/395، وتقريب التهذيب ص 111، وتذكرة الحفاظ 1/132.

(8/4264)


الجزء السابع من: مسائل أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم
فيه أبواب: الوصايا، والمدبر، والمكاتب، والعتق،
ومسائل شتى، وهو آخر الكتاب1
[باب الوصايا] 2
[3039-] حدثنا إسحاق بن منصور المروزي3 [رضي الله عنه]
قال: قال إسحاق بن إبراهيم:4 قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} 5، ثم نسخ الوالدان بالفرض لهما6 وبقي الأقربون الوصية لهم،
__________
1 هذه العبارة انفرد بها الظاهرية.
2 هذا العنوان من العمرية.
3 في العمرية بلفظ قال: قال إسحاق أبو يعقوب رضي الله عنه.
4 في العمرية سقط عبارة "قال إسحاق بن إبراهيم".
5 جزء من الآية رقم 180 سورة البقرة.
6 في العمرية سقطت "لهما".
راجع اختلاف السلف في الجزء المنسوخ من الآية في نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 158 وما بعدها، وفتح القدير للشوكاني 1/178.

(8/4265)


حرض الله [ظ-97/أ] [عز وجل] على ذلك، حتى لقد قال الحسن [رحمه الله تعالى] وسئل: أيوصي الرجل لأخيه وهو غني؟ قال: وغناؤه1 يمنعه حقه؟ 2
يقول: الوصية ثابتة للأقربين، وتجوز لغيرهم أيضاً من المساكين، فإذا أوصى لغير الأقارب وترك أقرباءه3 رد ثلثا ما أوصى إلى أقربيه، وترك ثلث الوصية للذين أوصى لهم.
كذلك قال سعيد ابن المسيب4 وجابر بن زيد5
__________
1 في العمرية بلفظ "وغناه".
2 عن حميد عن الحسن سئل عن رجل أوصى وله أخ موسر، أيوصي له؟ قال: نعم، وإن كان رب عشرين ألفاً، ثم قال: وإن كان رب مائة فان غناءه لا يمنعه الحق.
رواه الدارمي في سننه 2/420، كتاب الوصايا، باب الوصية للغني. من طريق حماد ابن سلمة عن حميد عنه به.
وسعيد بن منصور في سننه 1/139، باب الرجل يوصي للرجل فيموت الموصى له، برقم 378 بمعناه.
3 في العمرية بلفظ "أقربيه".
4 روى ابن حزم بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال فيمن أوصى بثلثه في غير قرابته، فقال: للقرابة الثلثان، ولمن أوصى له الثلث.
رواه ابن حزم في المحلى 9/315، من طريق أبي هلال وقتادة عن سعيد.
5 نقل ابن قدامة قول جابر بن زيد رحمه الله فقال: وعن سعيد بن المسيب، والحسن وجابر بن زيد، للذي أوصى له ثلث الثلث، والباقي يرد إلى قرابة الموصي. لأنه لو أوصى بماله كله لجاز منه الثلث، والباقي رد على الورثة وأقاربه الذين لا يرثونه في استحقاق الوصية كالورثة في استحقاق المال كله.
المغني 6/5، وراجع قوله في: أحكام القرآن للقرطبي 2/264.

(8/4266)


والحسن1 ومعنى قولهم: أنهم [قد] علموا أن الله [عز وجل] [قد] حكم على لسان نبيه صلى الله عليه [وسلم] الثلث من المال لكل موصٍ عند الموت، فقد أزال عن الورثة ثلث ماله لمن شاء الموصي.2
__________
1 عن الحسن أنه كان يقول: "من أوصى لغير ذي قرابة فللذين أوصى لهم ثلث الثلث، وللقرابة ثلثا الثلث".
رواه سعيد بن منصور في سننه 1/135، كتاب الوصايا، باب هل يوصي الرجل من ماله أكثر من الثلث، برقم 355.
وابن أبي شيبة في المصنف 11/164، كتاب الوصايا في الرجل يوصي بثلثه لغير ذي قرابة، برقم 10825، من طريق معتمر عن أبيه عن الحسن.
وعبد الرزاق في المصنف 9/83، كتاب الوصايا عن الوصية، برقم 16433، من طريق قتادة عن الحسن.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/265، كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين والوارثين، من طريق سعيد ابن منصور.
2 يشير إلى ما رواه عامر بن سعد عن أبيه رضي الله قال: "مرضت فعادني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ادع الله أن لا يردني على عقبي، قال: لعل الله يرفعك وينفع بك ناساً. قلت: أريد أن أوصي، وإنما لي ابنة، فقلت أوصي بالنصف؟ قال: النصف كثير. قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير أو كبير، قال فأوصى الناس بالثلث، فجاز ذلك لهم".
أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 2744، فتح الباري 5/369، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث.
عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم".
رواه الإمام أحمد في مسنده 6/441 من أبي بكر عن ضمرة بن حبيب عن أبي الدرداء.
وابن ماجه في سننه 2/904، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم: 2709، بلفظ: "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم"، من طريق عطاء عن أبي هريرة.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/269، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، من طريق أبي هريرة.
قال ابن حجر: رواه الدارقطني، وأخرجه أحمد، والبزار من حديث أبي الدرداء، وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وكلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضاً. سبل السلام 3/105.
وقال الألباني: إن الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن. إرواء الغليل 6/79.

(8/4267)


فلا يكون حكم القرابة أعظم من حكم1 [الورثة] فقد أزال هذا الموصي الوصية عن أقاربه، وقد حرضه الله عليهم، فأجاز
__________
1 في الظاهرية بلفظ "حكمه".

(8/4268)


هؤلاء ثلث ما قال لمن قال من غير القرابة، وردوا1 الثلثين إلى الأقارب.
وهذا الذي نعتمد عليه، لأنه أقوى في الاتباع، وأشبه بمذاهب السنة،2 ولو3 كانت الوصية كلها ثابتة لغير الأقارب كما أوصى، لحديث الحسن عن عمران [بن حصين] في الأعبد4 كان فتيا الحسن لا يكون على رد ثلثي ما أوصى إلى الأقارب فيكون هو5 مخالفاً لما روي عن رسول الله صلى
__________
1 في العمرية بلفظ "ورد".
2 نقل ابن قدامة عن الإمام إسحاق قوله أنه يستحب الوصية للأقرباء، فإن أوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته. ونقل ابن حزم عنه قوله: وجوب الوصية للقرابة الذين لا يرثون.
المغني 6/5، والمحلى 9/315، وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/264.
3 في الظاهرية بلفظ: "وإن".
4 عن عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقال له قولاً شديداً.
أخرجه مسلم في صحيحه 3/1288، كتاب الإيمان، باب من أعتق شركاً له في عبد، برقم: 1668.

(8/4269)


عليه وسلم.
[3040-] قلت لأحمد بن حنبل1 [رضي الله عنه] : بكم يوصي الرجل عند موته؟
قال: يوصي بالثلث.2
قال إسحاق: السنة في الربع، لما قال النبي3 صلى الله عليه [وسلم] : "الثلث كثير"4، إلا أن يكون رجلاً يعرف في ماله
__________
1 في العمرية سقط لفظ "بن حنبل".
2 نقل عبد الله بن الإمام أحمد نحو هذه الرواية عن أبيه ص 391، برقم 1414.
قال المرداوي: يستحب لمن ترك خيراً: الوصية بخمس ماله، وهذا المذهب ... وقيل: بثلث ماله عند كثرته. الإنصاف 7/190.
قال ابن قدامة: والأولى يستوعب الثلث بالوصية، وإن كان غنياً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "والثلث كثير".
المغني 6/4، وراجع الفروع 4/659 - 660، والمبدع 6/10، والإفصاح 2/71.
3 في العمرية بلفظ "رسول الله".
4 وإليه ذهب ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لو غض الناس إلى الربع: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث كثير".
صحيح البخاري، برقم 2743، فتح الباري 5/369، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث.
ومسلم في صحيحه 3/1253، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم 1629.

(8/4270)


حرمة1 شبهات وغيرها، ولا يجوز له الثلث، فله استغراق الثلث، وذلك أحب إلينا.2
[3041-] قلت: للرجل أن يوصي بماله كله إن3 لم يكن له وارث؟
قال: لا.4 لأن زيد بن ثابت رضي الله عنه رد ما بقي إلى بيت
__________
1 في الظاهرية والعمرية "مرمة". وما أثبت من نسخة دار الكتب المصرية.
2 نقل نص قول الإمام إسحاق رحمه الله كل من: ابن قدامة في المغني 6/4، وابن المنذر في الأوسط 3/157، وابن القيم في تهذيب سنن أبي داود 4/146.
وراجع قوله في: المحلى 9/317، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 94.
3 في العمرية بلفظ "إذا".
4 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد من طريق ابن منصور: المرداوي في الإنصاف 7/192، والقاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 3/24 المطبوع.
وللإمام أحمد رحمه الله روايتان في المسألة:
إحداهما: أن من لم يخلف من يرثه، فوصيته جائزة بكل ماله، ثبت ذلك عن ابن مسعود، وبه قال عبيدة السلماني، ومسروق، وإسحاق.
والثانية: لا يجوز له الوصية من ماله إلا بالثلث، لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر من ثلثه، كما لو ترك وارثاً.
قال في الإنصاف: أما من لا وارث له، فتجوز وصيته بجميع ماله، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
انظر الإنصاف 7/192، والمغني 6/107، والقواعد لابن رجب ص 321، وراجع المحرر 1/377، والمبدع 6/10 - 11، ومختصر الخرقي ص 114.

(8/4271)


المال1 بيت المال له عصبة.
قال إسحاق: له أن يوصي بماله كله لما قال ابن مسعود [رضي الله عنه] 2 ذلك.3
__________
1 روى الشعبي عن خارجة بن زيد، عن زيد: "أنه كان يعطي أهل الفرائض فرائضهم، ويجعل ما بقي في بيت المال".
مصنف عبد الرزاق10/287، كتاب الفرائض، باب ذوي السهام، برقم 19132.
وسعيد بن منصور في سننه 1/79، باب ما جاء في الرد، برقم 113.
والبيهقي في السنن الكبرى 6/244، كتاب الفرائض، باب من جعل ما فضل أهل الفرائض، ولم يخلف عصبة، ولا مولى في بيت المال، ولم يرد على ذي فرض شيئاً.
2 عن إبراهيم أن ابن مسعود قال لأبي معمر: يا أبا معمر: إنكم معاشر أهل اليمن مما يموت فيكم الميت لا يُدرى من عصبته، فإذا كان أحدكم كذلك فلْيوص ماله - هكذا في الأصل ولعل الصواب بماله - كله حيث شاء.
سنن سعيد بن منصور 1/103، باب الرجل إذا لم يكن له وارث يضع ماله حيث شاء، برقم 218.
وابن حزم في المحلى 9/317، من طريق شرحبيل عن عبد الله بن مسعود.
3 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/107، والمحلى 9/317، ونيل الأوطار 6/150، وتهذيب سنن أبي داود لابن القيم 4/145، وشرح مسلم للنووي 11/77، والجامع لأحكام القرآن 2/261 والأوسط 3/166، واختلاف الصحابة والتابعين لوحة 94.

(8/4272)


[3042-] قال: قلت إذا أوصى في غير أقاربه1 يرد ذلك إلى أقاربه؟
قال: لا. هو جائز،2 واحتج بحديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلاً أعتق ستة أعبد له عند موته.3
قال إسحاق: لا. بل يرد [ثلثا] الثلث إلى الأقارب.4
[3043-] قلت [لأحمد] : متى5 تجوز وصية الغلام؟
قال: ابن عشر، ابن اثنتي عشرة سنة6 إذا أصاب.7 حدثت
__________
1 في العمرية بزيادة "قال" بعد أقاربه.
2 قال ابن قدامة: والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثونه إذا كانوا فقراء، في قول عامة أهل العلم.
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا كانوا ذوي حاجة، وذلك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين، فخرج منه الوارثون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث"، وبقي سائر الأقارب لهم، وأقل ذلك الاستحباب.
المغني 6/5، وراجع الأوسط لابن المنذر 3/155.
3 سبق ذكره في المسألة: (3039) .
4 سبق توثيق قوله في المسألة: (3039) .
5 في الظاهرية بلفظ "ومتى "بإضافة الواو.
6 في العمرية سقطت كلمة "سنة".
7 نقل عبد الله نحو هذه الرواية عن أبيه فقال: سمعت أبي يقول في وصية الغلام إذا كان ابن اثنتي عشرة سنة، أو عشر، إذا أصاب الحق جازت وصيّته. مسائل عبد الله ص 385، برقم 1396.
ونقل نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد كل من: ابنه صالح ص 77، وأبو داود ص214، وابن هاني النيسابوري 2/39، برقم 1340.
قال أبو بكر: لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته، ومن له دون السبع لا تصح وصيته، وما بين السبع إلى العشر على روايتين.
المغني 6/101، وراجع: المسائل الفقهية من، كتاب الروايتين 2/26.
وقال المرداوي: إذا جاوز الصبي العشر صحت وصيته على الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية الجماعة، وعليه الأصحاب.
الإنصاف 7/185، وراجع: تصحيح الفروع المطبوع مع الفروع 4/658. 659، ومختصر الخرقي ص 113.

(8/4273)


أن غلاماً من غسان أوصى ببئر جشم.1
قال إسحاق: تجوز وصية كل موصٍ من الغلمان إذا بلغ اثنتي
__________
1 عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عمرو بن سليم الزرقي أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ههنا غلاماً يفاعاً لم يحتلم من غسان، ووارثه بالشام، وهوذو مال وليس له ههنا إلا ابنة عم له، فقال عمر رضي الله عنه: "فليوص لها ". فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم، قال عمرو بن سليم: فبعت ذلك المال بثلاثين ألفاً، وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمرو بن سليم.
السنن الكبرى 6/282، كتاب الوصايا، باب ما جاء في وصية الصغير.
وسعيد بن منصور في سننه 1/151، كتاب الوصايا، باب وصية الصبي، برقم: 430، 431.
والمحلى لابن حزم 6/330 من الطريق السابق.

(8/4274)


عشرة سنة، لما1 يحتلم الغلام لهذا الوقت. وأما الجارية فإذا زادت على التسع جازت وصيتها، لما تلد في العشر.2
[3044-] [قال] : قلت: إذا أوصى بوصية له أن يرجع فيها؟
قال أحمد [رضي الله عنه] يغير وصيته، وإن كان فيها عتاقة أو تدبير إذا كان قال: إذا مت ففلان حر.3
__________
1 في العمرية تكرر لفظ "لما".
2 نقل ابن المنذر قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله فقال: وكان أحمد يجيز وصية ابن عشر وابن اثنتي عشرة، وأجاز إسحاق وصية ابن اثنتي عشرة، لما يحتلم الغلام لهذا الوقت، وأما الجارية فإذا جازت على التسع جازت وصيتها، لما تلد في العشر.
الأوسط 3/173 – 174.
وانظر قول الإمام إسحاق في المغني 6/101.
3 قال ابن قدامة: وأجمع أهل العلم على أنّ للوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه، إلا الوصية بالإعتاق، والأكثرون على جواز الرجوع في الوصية به أيضاً. روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يغير الرجل ما شاء من وصيته، وبه قال: عطاء، وجابر بن زيد، والزهري، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. المغني 6/66.
قال البهوتي: ويجوز الرجوع في الوصية، وفي بعضها، ولو بالإعتاق، لقول عمر رضي الله عنه: "يغير الرجل ما شاء في وصيته ".
كشاف القناع 4/348، وراجع: المحرر 1/376، والكافي 2/516، والمبدع 6/25، والعدة ص 299.

(8/4275)


قال إسحاق: كما قال. 1
[3045-] قلت [لأحمد] يوصي الرجل إلى المرأة؟ 2
قال: نعم. 3
أوصى عمر إلى حفصة [رضي الله عنهما] . 4
قال إسحاق: كما قال. 5
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق في المغني 6/66.
2 في الظاهرية بلفظ "امرأته".
3 قال بهاء الدين المقدسي: وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثرهم، لما روي أن عمر وصى إلى حفصة، ولأنها من أهل الشهادة، أشبهت الرجل. العدة ص 301.
وراجع الكافي 2/520، والمبدع 6/101، وكشاف القناع 4/394.
4 روى ابن أبي شيبه بإسناده عن عمرو بن دينار: "أن عمر أوصى إلى حفصة ".
مصنف ابن أبي شيبة 11/162. 163، كتاب الوصايا، في الوصية إلى المرأة، من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار.
والدارمي في سننه 2/426، كتاب الوصايا، باب الوصية للنساء، من طريق نافع عن ابن عمر به.
5 نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رضي الله عنه ومن وافقه من العلماء، فقال: وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثر أهل العلم، وروي ذلك عن شريح، وبه قال مالك والثوري، والأوزاعي، والحسن بن صالح، وإسحاق، والشافعي، وأبو ثور.
المغني 6/237، كما نقل قول الإمام إسحاق ابن المنذر في الأوسط 3/173.

(8/4276)


[3046-] [قال] 1: قلت: رجل وهب لرجل هبة، أو أوصى له بوصية وهو غائب، فمات الموصى له قبل الذي أوصى؟
قال أحمد [رضي الله عنه] إذا كانت مع رسول المتصدق عليه أو الموهوب له فهي له. وإذا2 كان بعث بها هذا فلم يصل إلى ذاك حتى مات فهي للموصي. وإذا مات الموصي قبل أن يبلغ إلى الموصى له فهو لورثة3 الموصي ولا يرجع إلى الموصي إذا كانت مع رسول الموصى له [ع-68/أ] .
قال أحمد [رضي الله عنه] : الهبة 4 والوصية واحدة.5
__________
1 في العمرية بإضافة عنوان قبل المسألة وهو "باب الهبة ".
والهبة: "تمليك مال معلوم موجود مقدور على تسليمه في الحياة غير واجب بغير عوض". التنقيح المشبع ص 190.
والهبة والهدية، وصدقة التطوع أنواع من البر متقاربة، يجمعها تمليك عين بلا عوض. فإن تمحض فيها طلب التقرب إلى الله تعالى بإعطاء محتاج فهي صدقة، وإن حملت إلى مكان المهدى إليه، إعظاماً له، وإكراماً وتودداًَ فهي هدية، وإلا فهبة.
المطلع على أبواب المقنع ص 291، والمغني 5/649.
2 في العمرية بلفظ "وإن".
3 في العمرية بلفظ "لورثته" وبحذف "الموصي".
4 في العمرية بعبارة "الوصية والهبة واحدة".
5 من أول المسألة إلى موضع الإشارة نقله الخلال في، كتابه الجامع ص 43 تحت عنوان: تفريع أبواب الوصايا، يوجد قطعة منه تشتمل على أحكام الوقوف والوصايا ضمن، كتابه أحكام أهل الملل.
قال ابن قدامة: إذا مات الواهب، أو الموهوب له قبل القبض بطلب الهبة سواء كان قبل الإذن في القبض، أو بعده، ذكره القاضي في موت الواهب لأنه عقد جائز، فبطل بموت أحد المعاقدين كالوكالة والشركة.
وقال أحمد في رواية أبي طالب، وأبي الحارث: أهدى هدية فلم تصل إلى المهدى إليه حتى مات، فإنها تعود إلى صاحبها مالم يقبضها ... وإن مات صاحب الهدية قبل أن تصل إلى المهدى إليه، رجعت إلى ورثة المهدي، وليس للرسول حملها إلى المهدى إليه، إلا أن يأذن له الوارث، ولو رجع المهدي في هديته قبل وصولها إلى المهدى إليه صح رجوعه فيها.
[] المغني 5/651-652، 694، وراجع: المبدع 6/19.

(8/4277)


قال إسحاق [رضي الله عنه] : كما قال في الهبة والوصية مع الرسول وغير الرسول، ولكن إن كان الرسول أرسله الموهوب ليستوهب منه شيئاً فهو هبته،1 وقبض الرسول كمثله.2
[3047-] قلت [لأحمد] رضي الله عنه النحل؟ 3
__________
1 في العمرية بلفظ "فوهب وقبض الرسول تمت له".
2 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق فقال: إن كان الرسول أرسله الموهوب ليستوهب منه شيئاً فوهبه وقبض الرسول تمت له. الأوسط 4/148.
وراجع قول الإمام إسحاق رحمه الله في: فتح الباري 5/222، والإشراف 3/82.
3 النحل: العطية والهبة ابتداء من غير عوض، ولا استحقاق. يقال نحله ينحله نحلاً بالضم، والنحلة بالكسر: العطية.
النهاية لابن الأثير 5/29، والصحاح للجوهري 5/1826، ومختار الصحاح ص 649، والمصباح المنير 2/595.

(8/4278)


قال: إذا سوى بين ولده فلا بأس به، للذكر مثل حظ الأنثيين.1
قال إسحاق: [رضي الله عنه] كما قال، لأن حكم الله [عز وجل] أولى
__________
1 نقل نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله كل من: ابن هاني النيسابوري في مسائله 2/53، برقم 1398، وأبي داود في مسائله ص 204.
قال ابن قدامة: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل.
قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل، إذا ثبت هذا: فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى في الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ... لأن الله تعالى قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وأولى ما اقتدي بقسمة الله، ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين كحالة الموت، يعني الميراث يحقق أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي أن تكون على حسبه. المغني 5/666، 667.
قال المرداوي: هذا المذهب نص عليه في رواية أبي داود، وحرب، ومحمد بن الحكم والمروزي، والكوسج، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي طالب، وابن القاسم، وسندي، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف 7/136.
وراجع: المحرر 1/374، والمبدع 5/371، والعدة ص285، والتنقيح المشبع ص 192.

(8/4279)


أن يتبع وكتاب الله [عزوجل] للذكر مثل حظ الأنثيين1 فإذا [قسم] 2 في الحياة حكم بحكم الله [تبارك وتعالى] .3
[3048-] قال قلت: [لأحمد] إذا اعتدى في وصيته يرد [ذلك] إلى الحق؟
قال: إي لعمري.4
__________
1 يشير إلى قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} الآية. سورة النساء الآية (11) .
2 في الظاهرية بعبارة "فإذا حكم في الحياة حكم بحكم الله".
3 نقل المسألة ابن المنذر في الأوسط 4/144، عن الإمامين أحمد وإسحاق.
[] وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الإشراف لوحة 79، شرح السنة للبغوي 8/994-298، وفتح الباري 5/214، وعمدة القارىء 13/146، والمحلى 9/143 والمغني 5/666، والمبدع 5/371، واختلاف العلماء لابن نصر المروزي ص 217، ونيل الأوطار للشوكاني 6/112.
4 نقل عبد الله نحو هذه الرواية عن أبيه، فقال: قلت لأبي: فإن مات وقد فضل بعض ولده على بعض؟
قال: ليس أجترئ عليه، وإن ذهب ذاهب أن يرده بعد موته كان مذهباً، ورأيت أبي كأنه يذهب إلى هذا، ويميل إليه.
مسائل عبد الله ص 387، برقم 1402، وراجع المغني 5/668.
قال الخرقي: وإذا فضل بين ولده في العطية أمر برده كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم. فإن مات ولم يردد فقد ثبت لمن وهب له، إذا كان في صحته. مختصر الخرقي ص 109.

(8/4280)


قال إسحاق: كما قال.1
[3049-] [قال] قلت: من وهب هبة يرجو ثوابها يرجع في هبته إن لم يرض منها؟
قال: إذا وهب هبة فقبلها الموهوب له، فليس له أن يرجع فيها، أثيب عليها أولم يثب،2 لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] 3 [ظ-97/ب] قال: "العائد في هبته كالعائد في قيئه".4
__________
1 نقل ابن المنذر هذه المسألة بنصها فقال: قال إسحاق بن منصور قلت: يعني لأحمد إذا اعتدى في وصيته يرد ذلك إلى الحق؟ قال: إي لعمري. قال إسحاق: كما قال. الأوسط 3/155.
2 قال ابن قدامة: ولا يحل لواهب أن يرجع في هبته، ولا لمهد في هديته، وإن لم يثب عليها. مختصر الخرقي ص 109.
قال المرداوي: هذا المذهب نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف 7/145.
وراجع: المغني 5/682، والفروع 4/647، والمحرر 1/375، والمبدع 5/376، والعدة ص 284، والتنقيح المشبع ص 192.
3 في الظاهرية بلفظ "عليه السلام".
4 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "العائد في هبته كالعائد في قيئه".
أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 2621، فتح الباري 5/234، كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته.
ومسلم في صحيحه 3/1241، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض، إلا ما وهبه لولده وإن سفل، كلاهما من طريق شعبة.

(8/4281)


قال إسحاق: بلى. له أن يرجع فيها، إذا وهبه على إرادة الثواب.1
[3050-] [قال] : قلت: إذا وهب هبة قيمة يرجع فيها؟
__________
1 نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: قال النخعي والثوري وإسحاق، وأصحاب الرأي: من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع، ما لم يثب عليها، ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع. المغني 5/682.
وانظر قول الإمام إسحاق في فتح الباري 5/215، والأوسط لابن المنذر 4/143، واختلاف العلماء لابن نصر المروزي ص 221.
واستدل الإمام إسحاق رحمه الله بما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الواهب أحق بهبته ما لم يثب".
رواه البيهقي في السنن الكبرى 6/181، كتاب الهبات، باب المكافأة في الهبة. قال البيهقي: إبراهيم ابن إسماعيل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، وعمرو بن دينار عن أبي هريرة منقطع. السنن الكبرى 6/181.
وقال الألباني في الحديث: ضعيف. والصواب فيه أنه موقوف على عمر رضي الله عنه. إرواء الغليل 6/59.

(8/4282)


قال: لا يرجع فيها.
قال إسحاق: بل له أن يرجع فيها في قيمتها يوم وهب.1
[3051-] قال قلت: لأحمد هبة المرأة لزوجها وهبة الرجل لامرأته؟
قال: كل هذا2 واحد لا يرجع في شيء من هذا.3
__________
1 سبق نحو هذا في المسألة السابقة (3049) .
2 في العمرية سقط لفظ "هذا".
3 للإمام أحمد رحمه الله في رجوع المرأة فيما وهبت زوجها روايات:
[1-] لا رجوع لها فيها، وهذا قول عمر بن عبد العزيز، والنخعي، وربيعة، ومالك، والثوري، وأبي ثور، وعطاء، وقتادة.
[2-] لها الرجوع، قال الأثرم سمعت أحمد يسأل عن المرأة تهب ثم ترجع، فرأيته يجعل النساء غير الرجال.
[3-] إذا وهبت له مهرها، فإن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت، لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه، أو إضرار بها بأن يتزوج عليها. وإن لم يكن يسألها، وتبرعت به فهو جائز. فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت في الهبة قرينة من مسألته لها أو غضبه عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع، لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب بها نفسها، وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها بقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} . سورة النساء آية (4) .
[] انظر: المغني 5/994-684، والإنصاف 7/147، وراجع مصنف عبد الرزاق 9/114 وما بعده، وعمدة القارىء 13/149.
قال المرداوي: الصواب عدم الرجوع إن لم يحصل فيه ضرر من طلاق وغيره، وإلا فلها الرجوع.
الإنصاف 7/147، وراجع مطالب أولي النهى 4/404.

(8/4283)


قال إسحاق: كلما وهبت المرأة لزوجها تكرمة فلها أن ترجع، وليس للزوج أن يرجع.1
[3052-] قلت: يقبض الرجل2 من مال ولده ما أعطاه من ماله؟
قال: يأخذ من مال ولده ما شاء.3
__________
1 قول الإمام إسحاق رحمه الله غير موجود في العمرية بهذا الترتيب، وجاء منفرداً عن قول الإمام أحمد بعد مسألتين.
ونقل ابن حجر قول الإمام إسحاق في فتح الباري 5/215، وابن عبد البر في التمهيد 7/241، وابن نصر المروزي في اختلاف الفقهاء ص 83. 84 لوحة 43.
2 العمرية سقطت كلمة "رجلِ".
3 قال ابن قدامة: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيراً كان الولد أو كبيراً بشرطين:
أحدهما: ألا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته.
والثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. المغني 5/678.
وهذا هو المذهب، وعليه الأصحاب.
وهناك رواية أخرى عبر عنها المرداوي بقيل إنه لا يتملك من مال ولده إلا ما احتاج إليه. وسأله ابن منصور [] [] وغيره عن الأب: يأكل من مال ابنه؟ قال: نعم. إلا أن يفسده، فله القوت فقط. الإنصاف 7/994-155.
وراجع الكافي 2/471، والفروع 4/651، والاختيارات الفقهية ص 187، والمبدع 5/381.

(8/4284)


قال إسحاق: كما قال فيما هو أعطاه قلّ أم كثر له الرجوع فيها.1
[3053-] قلت: رجل تصدق بصدقة فرجعت إليه في الميراث؟
قال: جيد.2
__________
1 نقل العيني قول الإمام إسحاق رحمه الله في عمدة القارىء 13/143. وقيد الإمام إسحاق رحم الله الرجوع للأب فيما وهبه لابنه فيما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث ديناً، أو ينكح. نيل الأوطار 6/116.
2 نقل هذه الرواية بنصها عن الإمام أحمد: الخلال في، كتابه الجامع ص 48.
وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أتته امرأة فقالت: يا رسول الله إني كنت تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث". الحديث.
رواه الترمذي في سننه 3/45، كتاب الزكاة، باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته، برقم 667 من طريق علي بن مسهر عن عبد الله بن عطاء عنه به. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ... والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، أن الرجل إذا تصدق بصدقة، ثم ورثها حلت له، وقال بعضهم: إنما الصدقة شيء جعلها الله، فإذا ورثها فيجب أن يصرفها في مثله. سنن الترمذي 3/46.
وروى عبد الرزاق عن الشعبي والزهري وومسروق قولهم: "ما رد عليك، كتاب الله فكل". وقال الزهري: ما علمنا به بأساً، وما علمنا أحداً كان يكرهه الا ابن عمر رضي الله عنه. مصنف عبد الرزاق 9/119.

(8/4285)


قال إسحاق: كما قال.
[3054-] قلت: الرجل يقول: إن اشتريت فلاناً فهو حر؟
قال: إني أجبن عنه بعض الجبن.1
قال إسحاق: كما قال وأنا أجبن، لأني أخاف2
__________
1 نقل عبد الله نحو هذه الرواية عن أبيه فقال: قلت لأبي: فإن قال إن اشتريت فلاناً فهو حر؟ قال فيه خلاف. قلت لأبي: هذا مثل الطلاق؟ قال هذا لله.
مسائل عبد الله:393. 394، برقم 1421.
وللإمام أحمد رحمه الله في تعليق العتق بالملك روايتان:
إحداهما: لا يعتق لذلك.
والثانية: يعتق إذا ملكه، لأنه أضاف العتق إلى حال يملك عتقه فيه، فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه. الكافي 2/590.
وراجع المغني 8/720، 749، 919، والمقنع 2/486، وكشاف القناع 4/524، والقواعد لابن رجب ص269.
2 قال ابن المنذر: في الرجل يقول: كل مملوك أملك فهو حر.. وكان أحمد وإسحاق يجنبان عنه. الإشراف [3/994-186.
] وقال ابن نصر المروزي: كان إسحاق يقف في المنصوبة خاصة، فلا يفتي فيها. اختلاف الفقهاء ص 84 لوحة 43.
روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك".
سنن أبي داود 2/258، كتاب الطلاق، باب الطلاق قبل النكاح، برقم 2190.
وسنن الترمذي 3/477، كتاب الطلاق، باب ما جاء "لا طلاق قبل النكاح"، برقم 1181.
قال الترمذي: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم. روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس وجابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب، والحسن وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين وشريح وجابر بن زيد، وغير واحد من الفقهاء التابعين. وروي عن ابن مسعود أنه قال: "إنها طالق" سنن الترمذي 3/477 - 478.

(8/4286)


قول1 ابن مسعود [رضي الله عنه] في المنصوبة في الطلاق والمنصوبة بالعتق.2
[3055-] قلت: الرجل يستأذن ورثته عند موته أن يوصي بأكثر من
__________
1 في العمرية بلفظ "وأخاف".
2 قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن قال: "إن فعلت كذا وكذا فهي طالق، ففعلته، وقعت طلقة واحدة، وهو أحق بها".
انظر: موسوعة فقه عبد الله بن مسعود ص 446، وسنن البيهقي 7/356، وسنن الترمذي 3/478.

(8/4287)


الثلث؟
قال: لهم أن يرجعوا في ذلك،1 قال عبد الله: ذلك2 التكره3 لا يجوز.4
قال إسحاق: كما قال، إذا كان ذلك في المرض.5
__________
1 قال ابن قدامة: ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي، وما قبل ذلك لا عبرة به. المقنع 2/360.
قال المرداوي: هذا المذهب نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. الإنصاف 7/201.
وراجع: المحرر 1/376، والفروع 4/661، وكشاف القناع 4/343.
2 في العمرية سقطت عبارة: "قال عبد الله ذلك".
3 المقصود التكره: هو أن الورثة يظهرون الرضى بما يوصي المريض لطلب رضاه، وعدم سخطه، مع كراهتهم تنفيذ ما أوصى به.
4 عن أبي عون عن القاسم بن عبد الرحمن أن رجلاً استأذن ورثته في مرضه في أن يوصي بأكثر من الثلث فأذنوا له، فلما مات رجعوا، فسأل ابن مسعود عن ذلك فقال: لهم ذلك، التكره لا يجوز.
رواه ابن أبي شيبه في المصنف 11/152. 153، كتاب الوصايا في الرجل يستأذن ورثته أن يوصي بأكثر من الثلث، برقم 10779، وسعيد بن منصور في سننه 1/142، كتاب الوصايا، باب الرجل يستأذن ورثته فيوصي بأكثر من الثلث، برقم 390، وابن حزم في المحلى 9/319.
5 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط 3/156.
ونقل القرطبي عنه رواية ثانية فقال: قال إسحاق: إذا أذنوا في صحته فلهم أن يرجعوا، وإن أذنوا له في مرضه حين يحجب عن ماله فذلك جائز عليهم. الجامع لأحكام القرآن 2/265.

(8/4288)


[3056-] قال:1 أحمد: إذا كان له ألف درهم لا يوصي بشيء؟ 2
قال إسحاق: كما يكون الرجل ومعرفته بماله.
[3057-] قال3 أحمد: الوصي لا يشتري من مال الذي يلي شيئا؟ 4
__________
1 هذه المسألة سقطت من العمرية.
2 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد من طريق ابن منصور المرداوي في الإنصاف 7/191، وقال: وهو الصواب.
وأشار إليه في المغني 6/3. قال ابن قدامة: والذي يقوي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة، فلا تستحب الوصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله: "إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة"، ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم.
فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم، فلا يتقيد بقدر من المال. المغني 6/3.
3 هذه المسألة سقطت من العمرية.
4 قال بهاء الدين المقدسي: وليس للوصي أن يبيع ويشتري من مالهم لنفسه، كما لا يجوز ذلك للوكيل ولأنه متهم في ذلك، ويجوز ذلك للأب لأنه غير متهم. العدة شرح العمدة ص 303.

(8/4289)


قال إسحاق: كما قال.
[3058-] قلت: قال مالك:1 يغير الرجل وصيته إلا [في] التدبير؟
قال [أحمد رضي الله عنه] ويغير التدبير.2
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 نقل القرطبي قول الإمام مالك رحمه الله فقال: قال مالك رحمه الله: الأمر المجمع عليه عندنا أن الموصي إذا أوصى في صحته أو مرضه بوصية فيها عتاقة رقيق من رقيقه أو غير ذلك فإنه يغير من ذلك ما بدا له، ويصنع من ذلك ما شاء حتى يموت. وإن أحب أن يطرح تلك الوصية، ويسقطها فعل، إلا أن يدبر، فإن دبر مملوكاً فلا سبيل له إلى تغيير ما دبر.
الجامع لأحكام القرآن 2/261، والمنتقى 6/149.
2 اختلف الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في بطلان التدبير بالرجوع:
1. أنه لا يبطل، لأنه علق العتق بصفة فلا يبطل، كما لو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر.
2. يبطل، لأنه جعل له نفسه بعد موته، فكان ذلك وصية فجاز الرجوع فيه بالقول، كما لو وصى له بعبد آخر.
وصحح ابن قدامة الرواية الأولى.
انظر: المغني 9/395، والقواعد لابن رجب ص 403.
3 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: أجمع عوام أهل العلم على أن للرجل أن يرجع في جميع ما يوصي به إلا العتق، فإنهم اختلفوا فيه:
فقالت طائفة: يرجع في جميع الوصايا، العتق وغيره ... وبه قال عطاء بن أبي رباح، وأبو الشعثاء والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق، إلا التدبير في قول مالك. الأوسط 3/175.
وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن 2/262، والمغني 6/66، واختلاف الفقهاء للمروزي ص 168.

(8/4290)


[3059-] قلت: وصية الضعيف في عقله والسفيه والمصاب1 الذي يخنق أحياناً؟
قال: لا أعرف لهؤلاء وصية، إلا أن يكون غلاماً2 له عقل، مثل ما أجاز عمر بن الخطاب3 [رضي الله عنه] ابن عشر وابن اثنتي عشرة.4
__________
1 في العمرية بلفظ "والمصاب والسفيه الذي يخنق".
2 في الظاهرية "غلام".
3 في العمرية سقط لفظ "ابن الخطاب".
4 قال ابن قدامة: ومن صحّ تصرفه في المال صحت وصيته، لأنها نوع تصرف، ومن لا تمييز له كالطفل والمجنون والمبرسم ومن عاين الموت لا تصح وصيته، لأنه لا قول له، والوصية قول. الكافي 2/478.
وقال في المغني: أما الطفل، وهو من له دون السبع، والمجنون والمبرسم فلا وصية لهم ... ، وأما المحجور عليه لسفه، فإن وصيته تصح في قياس قول أحمد ... ، وقال أبو الخطاب: في وصيته وجهان. وأما الضعيف في عقله، فإن منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه، وإلا فهو كالعاقل.
المغني 6/102، وراجع المبدع 6/6.
وقد سبق تخريج قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسألة (3043) .

(8/4291)


قال إسحاق: كما قال إلا في توقيت العشر، لأن عمر [رضي الله عنه] أجازه وهو ابن اثنتي عشرة.1
[3060-] قلت: رجل أوصى أن يحج عنه ولم يكن حج، من أي المال2 يكون؟
قال: [يكون] من جميع المال، وإن لم يكن أوصى فأعجب للورثة3 أن يحجوا عنه مثل الزكاة، إذا لم يكن أداها، قلت: فإن لم يزكوا عنه؟ قال: أعجب إليّ أن يزكوا.4
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: قال إسحاق: ملك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الضعيف في عقله والمصاب يخنق أحياناً، والسفيه، تجوز وصاياهم إذا كان معهم من عقولهم ما يعرفون ما يوقعون. الأوسط 3/174.
2 في الظاهرية بلفظ "مال "بحذف الألف واللام.
3 في الظاهرية بلفظ "إلى الورثة".
4 نقل أبو داود نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: سمعت أحمد يقول: ترى الحج والزكاة من جميع المال؟
وقال أيضاً: سمعت أحمد قال: إذا مات ولم يوصِ بحج، ولم يحج عنه إذا كان وجب عليه من جميع المال. مسائل أبي داود ص214.
ونقل ابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد في مسائله 2/41، برقم 1351.
[] قال ابن قدامة: وتخرج الواجبات من رأس المال، أوصى بها، أو لم يوصِ. المقنع 2/365-366.
وعلق المرداوي على قول ابن قدامة السابق بقوله: على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
الإنصاف 7/218، وراجع: المغني 6/129، والكافي 2/484، والإقناع 3/56، وكشاف القناع 4/351.

(8/4292)


قال إسحاق: كما قال، لأنه اللازم1 لهم أن يؤدوا عن الميت كل واجب من جميع المال، أوصى، أولم يوص.2
__________
1 في الظاهرية بلفظ "لازم "بحذف الألف واللام.
2 قال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في الرجل يوصي بحج وزكاة وغير ذلك.
فقالت طائفة: يكون حجة الإسلام من جميع المال. كذلك قال عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وطاووس، والزهري، والشافعي رحمه الله، وأحمد في الزكاة كذلك من رأس المال.
وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري وإسحاق بن راهويه: كل واجب من جميع المال، وقال إسحاق: أوصى به أولم يوص، وهو قول الشافعي رحمه الله، ووافق ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله. الأوسط 3/160.
وانظر قول إسحاق في سنن الترمذي 3/259، لما روى عبد الله بن عباس أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلىالله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حج الوداع.
صحيح مسلم 2/973، كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت، برقم 1334.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لوكان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال فاقض الله، فهو أحق بالقضاء ".
صحيح البخاري، برقم 6699، فتح الباري 11/584، كتاب الأيمان والنذور، باب من مات وعليه نذر، من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس.
قال البغوي: وفي الحديث دليل أن من مات وفي ذمته حق لله تعالى من حج، أو كفارة، أو نذر صدقة، أو زكاة، أنه يجب قضاؤها من رأس مال، مقدماً على الوصايا والميراث، سواء أوصى به أولم يوص، كما يقضى عنه ديون العباد.
شرح السنة 7/29، وراجع الأوسط لابن المنذر 3/160.

(8/4293)


[3061-] قلت: [ع-68/ب] رجل أوصى بثلث ماله لرجل، ثم1 قتل2 خطأ أو استفاد مالاً؟
قال: إذا استفاد مالاً فنعم، وأما3 إذا قتل خطأ فإنه لم يملك بعد شيئا، 4 إنما تجب الدية بعد موته.5
__________
1 في العمرية سقطت لفظ "ثم".
2 في العمرية بلفظ "فقتل".
3 في العمرية سقطت "أما".
4 في الظاهرية بلفظ "شيء"، والصواب ما أثبته لأنه مفعول به للفظ يملك.
5 قال في المقنع: وإذا أوصى بثلثه فاستحدث مالاً دخل ثلثه في الوصية، وإن قتل وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية؟ على روايتين: المقنع 2/379.
ونقل ابن قدامة هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في المغني 6/134، واختلفت الرواية عن الإمام أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء منه مشاع فقتل الموصي، وأخذت ديته، هل للوصي منها شيء أم لا؟ إلى روايتين:
1. أن الدية تدخل في الموصى به، فتكون من جملة التركة، ويستحق منها الموصى له، وهو المذهب.
2. أن الدية لا تدخل في الموصى به، فتكون للورثة خاصة.
انظر الإنصاف 7/261، المغني 6/133، والمسائل الفقهية من، كتاب الروايتين 2/25، ومختصر الخرقي ص 115، والمحرر 1/287.
ووجه الرواية الأولى: أنها تحدث عن ملك الميت، بدليل أنه يقضي منها ديونه، ويرثها ورثته على فرائض الله عز وجل، فيجب أن تجري فيها الوصية.
ووجه رواية ابن منصور: أنها حدثت على ملك الورثة، لأنها بدل عن متلف، فلم يثبت البدل إلا بعد حصول المتلف كسائر المتلفات، والتلف إنما يحصل بموت، فتحدث الدية على ملك الورثة، فلم يكن له فيها حظ. والأول أصح.
[] المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 2/294-26.

(8/4294)


قال إسحاق: كما قال.1
__________
1 نقل ابن المنذر المٍسألة بنصها في الأوسط 3/164.
ونقل قول الإمام إسحاق كل من: ابن قدامة في المغني 6/134، وابن حزم في المحلى 9/321، وآل الشيخ في حاشية المقنع 2/379.

(8/4295)


[3062-] قلت:1 وصية الأسير؟
قال: هو من الثلث.2
قال إسحاق: كما قال.3
[3063-] قلت: رجل مات ولم يوص، على الورثة أن يوصوا عنه؟
قال: ليس عليهم، فإن فعلوا ذلك فقد بروا أباهم.4
قال إسحاق: إن أوصوا عنه تبرعاً، وإرادة 5 قضاء ما كان لزم6 الميت فحسن، وليس ذاك عليهم واجب.
__________
1 هذه المسألة انفردت بها العمرية.
2 قال ابن قدامة: الأسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف، عطيته من الثلث ... وقال أبو بكر: عطية الأسير من الثلث، ولم يفرق. المغني 6/88.
3 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله ابن المنذر في الأوسط 3/173، وابن قدامة في المغني 6/88.
4 تستحب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيراً، لأن الله تعالى قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} البقرة آية (180) فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث.
انظر المغني 6/2، والإنصاف 7/189.
5 في العمرية بلفظ "تورعاً أو أرادوه قضاء".
6 في العمرية بلفظ "ما كان لازماً للميت".

(8/4296)


[3064-] قلت: قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} .1
قال أبو موسى: أطعم بها2 عبد الله3 بن عبد الرحمن بن أبي بكر4 [رضي الله عنهم] .
__________
1 قال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} . سورة النساء آية (8)
2 عن قتادة قال: سمعت يونس بن جبير عن حطان عن أبي موسى في هذه الآية: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} " قال قضى بها أبو موسى.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 11/194. 195، كتاب الوصايا في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} ، برقم: 10944.
وابن حزم في المحلى 9/311.
وقال البيهقي في السنن الكبرى 6/267: وروينا عن أبي موسى الأشعري أنه يعطي بهذه الآية.
3 في الظاهرية "عبد الله" ساقط.
4 هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة مقبول. مات بعد السبعين، تقريب التهذيب ص 179.
عن ابن أبي مليكة أن أسماء بنت عبد الرحمن، يعني والقاسم بن محمد، أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حية، قال فلم يدع في الدار مسكيناً، ولا ذا قرابة إلا أعطاهم من ميراث أبيه، قال: وتلا: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} الأثر.
رواه البيهقي في السنن الكبرى 6/167، كتاب الوصايا، باب ما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} الآية.
وابن حزم في المحلى 9/311، والسيوطي في الدر المنثور 2/441.
وابن حجر في فتح الباري 8/242. وصحح إسناده.

(8/4297)


قال إسحاق: كما قال.1
[3065-] قلت: تجوز وصية الحامل؟
قال: إذا أثقلت لا تجوز لها إلا الثلث.2
__________
1 قال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في القوم يحضرون قسم الميراث، فقال طائفة: يستعمل ظاهر قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} كما فعل أبو موسى، وقضى بها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فعل مثل ذلك حين قسم ميراث أبيه. يعني: أمر بشاة فاشتريت من المال، وبطعام يصنع حين قسم ميراث أبيه، قال فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: عمل بالكتاب: هي لم تنسخ.
وقال أحمد بن حنبل وقد سئل عن ذلك فقال: أبو موسى أطعم بها وعبد الرحمن بن أبي بكر، وكذلك قال إسحاق. الأوسط 3/179.
2 للإمام أحمدرحمه الله في وقت إلحاق المرأة الحامل في حكم المرض المخوف وتكون وصاياها من ثلث المال، ثلاث روايات:
1. أنها تلحق بحكم المرض المخوف إذا ضربها الطلق، وهذا المذهب، لأنها إذا ضربها الطلق كان مخوفاً، لأنه ألم شديد يخاف منه التلف، فأشبهت صاحب سائر الأمراض المخوفة، أما قبل ذلك فلا ألم بها واحتمال وجوده خلاف العادة، فلا يثبت الحكم باحتماله البعيد مع عدمه كالصحيح.
2. إذا أثقلت الحامل كان مخوفاً، ولا يجوز لها إلا الثلث.
3. إذا صار لها ستة أشهر فهو مخوف.
انظر المغني 6/86، والإنصاف 7/168، والكافي 2/487، والفروع 4/667.

(8/4298)


قال إسحاق: [وكما قال،] لما صار حكمها حكم المريض.1
[3066-] قلت: سئل سفيان عن وصي الوصي؟
قال: جائز.2
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/86، والمحلى 8/198، والأوسط 3/172.
2 انظر قول الإمام سفيان الثوري في المغني 6/142، والأوسط 3/177.
والفرق بين الوكيل والوصي عند القائلين بجواز أن يوصي الوصي ولا يوكل الوكيل، أن الوصي يتصرف بالولاية، بدليل أنه يتصرف بعد سقوط أمر الآمر ويجوز، فصار كالأب، وللأب أن يوكل كذلك. هذا وليس كذلك الوكيل، لأنه يتصرف بالأمر، بدليل أنه لا يتصرف بعد موت الآمر وقد خصه الأمر بالآمر، فاختص به ولم يعده، كما لو خصه بالحفظ بأن أودعه شيئاً اختص به ولم يعده، كذلك هذا. الفروق للكرابيسي 2/226. 227.
والذي يظهر: أن هناك فرقاً بين الأب والوصي، فإن الأب يلي من غير تولية أحد، والوصي متصرف في مال غيره بالإذن، فأشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية، كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة. المغني 5/98.

(8/4299)


قال:1 هذا غير الوكيل، لا بأس بوصي الوصي، لا بد من ذلك2
قال إسحاق: لا يكون وصي الميت إلا وصياً بنفسه، فإذا أوصى بمال الموصى إليه إلى غيره، لم يجز ذلك إلا أن يكون فوض ذلك3 إليه.
__________
1 في العمرية بحذف "قال".
2 إذا أوصى شخص إلى رجل وأطلق، ولم يأذن له في الإيصاء، ولم ينهه عنه، ففي جواز إيصاء الوصي روايتان للإمام أحمد رحمه الله:
إحداهما: للوصي أن يوصي إلى غيره، لأن الأب أقامه مقام نفسه، فكان له الوصية كالأب.
الثانية: ليس له ذلك، لأنه يتصرف بتولية، فلم يكن له التفويض كالوكيل، ويخالف الأب، لأنه يلي بغير تولية، وهذا الذي عليه المذهب.
انظر المغني 6/142، والكافي 2/522، والإنصاف 7/294، والقواعد لابن رجب ص 124، والمبدع 6/105.
3 في العمرية بلفظ "فوض إليه ذلك".
نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: وقد اختلفوا في الوصي تحضره الوفاة فيوصي إلى آخر.
فقال طائفة: لا يكون وصي الوصي وصيا للميت الأول. هذا قول الشافعي رحمه الله، وبه قال أحمد وإسحاق. الأوسط 3/177.
وراجع قول الإمام إسحاق في المغني 6/142.

(8/4300)


[3067-] قلت: سئل سفيان عن وكالة الوكيل؟
قال: لا يجوز.
قلت: ماهو؟
قال: وكيل وكيله، [فوكل] 1 الوكيل وكيلاً آخر.2
قال إسحاق: هو كما قال.
[3068-] قلت: سئل سفيان عن الوصي يبيع العقار؟
__________
1 في الظاهرية بلفظ "فوكيل".
2 نقل ابن قدامة هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في المغني 5/98، إذا كان العمل مما يمكن الوكيل عمله، ولا يترفع عنه، فهل يجوز له التوكيل؟
للإمام أحمد رحمه الله روايتان:
إحداهما: لا يجوز له التوكيل، لأنه يتصرف بالإذن، فاختص بما أذن فيه ولم يؤذن في التوكيل.
والثانية: يجوز، لأنه يملك التصرف بنفسه، فملك بنائبه، كالمالك الرشيد.
انظر الكافي 2/241، والمغني 5/98، والقواعد لابن رجب ص 124.

(8/4301)


قال: إذا رأى1 أن يبيع باع.2
قال: أحمد الوصي بمنزلة الأب، يبيع إذا رأى صلاحاً.3
قال إسحاق: كما قال.4 [ظ-98/أ] .
__________
1 في العمرية بلفظ "أراد".
2 انظر قول الإمام سفيان الثوري رحمه الله في: المغني 4/266، والأوسط 3/177.
3 نقل أبو داود نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: سمعت أحمد سئل عن بيع الوصي الدور على الصغار؟ قال: إذا كان نظراً لهم فهو جائز. مسائل أبي داود ص 213.
قال ابن قدامة: وإذا دعت الحاجة إلى بيع بعض العقار لقضاء دين الميت أو حاجة الصغار، وفي بيع بعضه ضرر، فله البيع على الكبار والصغار. المقنع 2/398.
قال المرداوي معلقاً على عبارة المقنع: يعني إذا امتنع الكبار من البيع، أو كانوا غائبين، وهذا المذهب نص عليه. الإنصاف 7/398.
علل ذلك الشيخ الرحيباني بقوله: لأن الوصي قائم مكان الأب، وللأب بيع الكل فالوصي كذلك، ولأن الوصي يملك بيع البعض، فملك بيع الكل كما لو كان الكل صغاراً، أو الدين مستغرقاً.
مطالب أولي النهى 4/539، وراجع المبدع 6/111، والعدة ص 302.
4 نقل ابن المنذر هذه المسألة فقال: وكان سفيان الثوري يقول: الوصي إذا أراد أن يبيع العقار باع. وقال أحمد وإسحاق:
الوصي بمنزلة الأب، يبيع إذا رأى الإصلاح. وقال أحمد مرة: إذا كان نظراً لهم فبيعه جائز. الأوسط 3/177.

(8/4302)


[3069-] قلت: رجل أوصى لرجل بسهم من ماله؟
قال: يعطى السدس، إلا أن تعول الفريضة، فإن عالت [الفريضة] جعل له سهم مع العول، فإن كانت [الفريضة] من ثمانية، فله التسع، وإن كانت من عشرة فله واحد من أحد عشر. 1
قال إسحاق: الذي نأخذ [به] ما قال علي رضي الله عنه2 للاحتياط
__________
1 في العمرية بحذف الفاء من "فله".
نقل الخلال هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في، كتابه الجامع ص 3.
وأشار إليه ابن قدامة في المغني 6/30، إن أوصى بسهم من ماله فللإمام أحمد فيه ثلاث روايات:
إحداها: له السدس، بمنزلة سدس مفروض، إن لم تكمل فروض المسألة، أو كانوا عصبة أعطي سدساً كاملاً، وإن كملت فروضها أعيلت به، وإن عالت أعيل معها، وهوالمذهب، نقلها ابن منصور وحرب، وعليه أكثر الأصحاب.
والثانية: له سهم مما تصح منه المسألة، مالم يزد على السدس.
والثالثة: له مثل نصيب أقل الورثة، مالم يزد على السدس.
الإنصاف 7/278، 279، والمغني 6/29، والمسائل الفقهية من، كتاب الروايتين والوجهين 2/17.
2 انظر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المغني 6/29. حيث قال: إذا أوصى له بسهم من ماله أعطي السدس. روي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وإياس بن معاوية والثوري.

(8/4303)


ولكن، لو أن ذاهباً ذهب إلى السدس كما قال شريح عالت أولم تعل، لكان ذلك مذهباً.1
[3070-] قلت: هل يكاتب الوصي؟
قال: الوصي أب كلما صنع، إذا كان على الإصلاح فهو جائز.2
__________
1 عن يسار أبي كريب عن شريح أنه قضى في رجل أوصى لرجل بسهم من ماله ولم يسم قال: ترفع السهام، فيكون للموصى له سهم.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 11/170. 171، كتاب الوصايا، في الرجل يوصي للرجل بسهم من ماله، برقم 10846.
وسعيد بن منصور في سننه 2/414، كتاب الوصايا، باب هل يوصي الرجل من ماله بأكثر من الثلث، برقم 346.
والدارمي في سننه 2/414، كتاب الوصايا، باب في الذي يوصي لبني فلان بسهم من ماله.
ووكيع بن الجراح في أخبار القضاة 2/305 - 319.
وانظر قول القاضي شريح رحمه الله في المغني 6/29، ونقل ابن المنذر هذه الرواية بنصها، وذكر قول أحمد وإسحاق رحمهما الله.
2 قال ابن قدامة: وتجوز لولي اليتيم، كتابة رقيق اليتيم وإعتاقه على مال، إذا كان الحظ له فيه، مثل أن تكون قيمته ألفاً فيكاتبه بألفين، أو يعتقه بألفين، فإن لم يكن فيها حظ لم يصح.
المغني 4/267، وراجع المقنع 2/398، والإقناع 3/81، وكشاف القناع 4/400.

(8/4304)


قال إسحاق: كما قال في مثل هذا وشبهه، ويختلف في أشياء حكم الأب.1 [ع-69/أ] .
[3071-] قلت: إذا كان الوصي متهماً تنزع منه الوصية؟
قال: لا تنزع2 من يديه، يجعل معه آخر.3
__________
1 قال ابن المنذر: واختلفوا في الوصي يكاتب عبداً لليتيم، ففي قول الشافعي وابن أبي ليلى: لا يجوز، وقال أحمد وإسحاق: إذا كان صلاحاً فهو جائز. الإشراف 3/72.
2 في العمرية بلفظ "تخرج".
3 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله كل من ابن قدامة في المغني 6/140، وابن مفلح في الفروع 4/708، والمرداوي في الإنصاف 7/287، والخلال في، كتابه الجامع ص 34، والقاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 2/24.
وفي الوصية إلى الفاسق روايتان:
إحداهما: لا تصح الوصية إلى الفاسق، لأنه غير مأمون، وهو الذي عليه المذهب.
والثانية: تصح، ويضم إليه أمين يتحفظ به المال.
الكافي 2/519، والإنصاف 7/287.
وحمل القاضي أبو يعلى رواية الإمام أحمد رحمه الله في إبقائه على الوصية على أن خيانته طرأت بعد الموت، فأما إن كانت خيانته موجودة حال الوصية إليه لم تصح، لأنه لا يجوز تولية الخائن على يتيم في حياته، فكذلك بعد موته، ولأن الوصية ولاية وأمانة، والفاسق ليس من أهلها.
المغني 6/140، والكافي 2/519، والمسائل الفقهية من، كتاب الروايتين والوجهين 2/24.
واختار الخرقي الرواية الثانية وقال: إن كان الموصى خائناً جعل معه أمين، وعلل ذلك ابن قدامة بقوله: لأنه أمكن حفظ المال بالأمين، وتحصيل نظر الوصي، بابقائه في الوصية، فيكون جمعاً بين الحقين.
وإن لم يكن حفظ المال بالأمين، تعين إزالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه، لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية قول الموصي الفاسد.
مختصر الخرقي ص115، والمغني 6/140.
ورد على قول القاضي بالتفريق بين الفسق الطارىء والمقارن، فقال: وأما التفريق بين الفسق الطارىء وبين المقارن فبعيد. فإن الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء، سيما إذا كانت بمعنى يحتاج إليه الدوام، ولو لم يكن لا بد من التفريق لكان اعتبار العدالة في الدوام أولى، من قبل أن الفسق إذا كان موجوداً حال الوصية، فقد رضي به الموصي مع علمه بماله، وأوصى إليه راضياً بتصرفه مع فسقه، فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه، وخيانته في ماله، بخلاف ما إذا طرأ الفسق، فإنه لم يرض به على تلك الحال،

(8/4305)


والاعتبار برضاه.
المغني 6/140، وراجع المبدع 6/101، والفروع 4/708.
قال إسحاق: لا. بل تخرج أصلاً، ويفوض الحاكم ذلك إلى غيره، ولكن لو كان ظنوناً1 ضم معه
__________
1 قال ابن منظور: والعرب تقول للرجل الضعيف، أو القليل الحيلة هو ظنون، قال: سمعت بعض قضاعة يقول: ربما ذلك على الرأي الظنون، يريد الضعيف.
وقال الجوهري: الظنون: الرجل السّيّئ الظن، والظنين: الرجل المتهم.
وقال ابن الأثير: الظنون راجع إلى الشك والتهمة.
لسان العرب 13/173، والصحاح 6/2160، والنهاية 3/163.

(8/4306)


غيره.1
[3072-] قلت: يعمل الوصي2 بمال اليتيم ما يرى أنه أصلح له،3 فإن توى4 المال؟
قال: ليس عليه شيء.5
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله ضمن سياقه لمذاهب العلماء في المسألة فقال: واختلفوا في الوصي يكون أمينا فيتهم، فقال طائفة إن اتهم جعل معه غيره، كذلك قال الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأحمد بن حنبل.
وقال الأوزاعي: إذا طعنت الورثة في أمانته يولى معه غيره. وحكي ذلك عن يحيى بن أبي كثير.
وقال طائفة: ينزع منه الوصية إذا اتهم، كذلك قال سفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه.
الأوسط 3/178، وانظر قول الإمام إسحاق في المغني 6/140، والمبدع 6/103.
2 في العمرية بلفظ "الموصى".
3 في العمرية بلفظ "صالح".
4 التوى: مقصور: الهلاك. وفي الصحاح: هلاك المال. والتوى: ذهاب مال لا يرجى، وأتواه: غيره. توِيَ المال بالكسر يتوَى توًى فهو تو: ذهب فلم يرج.
لسان العرب 14/106، والصحاح للجوهري 6/2290، ومختار الصحاح ص: 80.
5 نقل ابن هانىء النيسابوري نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قيل له فإن ضاع من المال شيء هل يلزم الوصي من ذلك شيء؟ قال: لا يلزم الوصي شيء، إنما أراد الخير والحيطة لماله، وليس على وصيّ ضمان فيما أراد به الخير والحيطة. مسائل ابن هاني 2/40، برقم 1344.

(8/4307)


قال إسحاق: كما قال.
[3073-] قلت: قال سفيان: لا وصية لأهل الإسلام في أر ض الحرب، ويجوز وصيتهم في أهل الإسلام.1
قال أحمد: إذا أسلم الرومي، وله أخت بأرض الروم إن شاء أوصى لها، وتوصي هي له، لا بأس به.2
__________
1 روى ابن أبي شيبة بإسناده عن عبد الله بن موسى قال: قال سفيان: "لا تجوز وصية لأهل الحرب".
مصنف ابن أبي شيبة 11/231، كتاب الوصايا، الوصية لأهل الحرب، برقم: 11076.
ومصنف عبد الرزاق 6/33، كتاب أهل الكتاب، باب عطية المسلم للكافر ووصيته له، برقم: 9915.
2 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله ابن مفلح فقال: تصح. الوصية لأهل الذمة ودار الحرب، نقله ابن منصور الفروع 4/678.
قال ابن قدامة: وتصح الوصية للحربي في دار الحرب. نص عليه أحمد.
المغني 6/104، وراجع الاقناع 3/56، والمبدع 6/32، ومطالب أولي النهى 4/467.
لما روت أسماء بنت أبي بكر قالت: "قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قدمت عليّ أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم. صلي أمك".
أخرجه مسلم في صحيحه 3/696، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، والزوج والأولاد والوالدين، لو كانوا مشركين، برقم 1103.
وفي الحديث دليل على صلة أهل الحرب وبرهم.
المغني 6/104، وشرح النووي على صحيح مسلم 7/89.
أما قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} سورة الممتحنة آية رقم (8 - 9) .
الآية حجة على جواز البر والصلة لمن لم يقاتلنا، فأما المقاتل فإنه نهي عن توليه، لا عن بره، والوصية له. المغني 6/104.
وقد حصل الإجماع على جواز الهبة، والوصية في معناها. المرجع السابق.
قال فخر الرازي: قوله: "أن تولوهم "بدل من "الذين قاتلوكم "والمعنى: لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء، وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء.
وقال أهل التأويل هذه الآية: تدل على جواز البر بين المشركين والمسلمين، وإن كانت الموالاة منقطعة.
تفسير الفخر الرازي 29/305، وراجع الجامع لأحكام القرآن 18/58 - 59، والناسخ والمنسوخ لابن الجوزي ص 485.

(8/4308)


قال إسحاق: كما قال أحمد.
[3074-] قلت: إذا أوصى لقرابته فهو لأقربهم ببطن الذكر والأنثى فيه سواء؟
قال [أحمد] : أما1 الذكر والأنثى سواء، وأما أقربهم ببطن فلا أعرفه2 كأنه لم ير ما قال أقربهم ببطن.3
قال إسحاق: كما قال. لأن4 الوصايا لا يراد بها مذهب الميراث تكون للأقرب، إنما يريد5
__________
1 في العمرية سقطت لفظ "أما ".
2 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: أن من أوصى لقرابته فهو للذكر والأنثى بالسوية، بين كبيرهم وصغيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وغنيهم وفقيرهم، بشرط أن يكون مسلماً، ولا يجاوز بها أربعة آباء وهم: أولاده، وأولاد أبيه، وجده، وجد أبيه. وهذ المذهب، وعليه أكثر الأصحاب.
والثانية: يختص بولده وقرابة أبيه وإن علا مطلقاً.
انظر: الإنصاف 7/85، والمغني 6/118، والمحرر 1/382، وراجع المبدع 6/43، ومطالب أولي النهى 4/481 - 482.
3 هذا الكلام قائله ابن منصور راوي المسائل، لتفسير قول الإمام أحمد رحمه الله.
4 في العمرية سقطت: "لأن".
5 في العمرية سقطت لفظ "قرابته".
وفي الظاهرية "إنما تكون قرابته".

(8/4310)


قرابته،1 بعدوا أو قربوا.2
[3075-] قلت: المدبر من الثلث؟
قال: من الثلث.3
قال إسحاق: كما قال.4
__________
1 في الظاهرية بلفظ "يكون".
2 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد وإسحاق فقال: قال أحمد: إذا أوصى لقرابته فالذكر والأنثى سواء، وكذلك قال إسحاق.
الأوسط 3/158.
3 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة ثلاث روايات:
إحداها: يعتق المدبر بعد الموت من ثلث المال، لأنه تبرع بعد الموت، فكان من الثلث كالوصية، هذا المذهب عليه الأصحاب.
والثانية: أنه يعتق من رأس المال. هذه الرواية نقلها الخلال. وقال أبو بكر: هذا قول قديم رجع عنه الإمام أحمد إلى ما نقله الجماعة.
والثالثة: يعتق من كل المال، إذا دبره في الصحة دون المرض.
انظر الإنصاف 7/432، والمغني 9/387.
وراجع المقنع /493، والإقناع 3/140، والتنقيح المشبع ص 210، ومطالب أولي النهى 4/722.
4 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 9/387، وحاشية المقنع 2/493.

(8/4311)


[3076-] قلت: الرجل يوصي بوصايا وبعتاقة، بأيهما يبدأ؟
قال: كل واحد يتحاصون،1 لأن النبي صلى الله عليه [وسلم] جعل العتق في الثلث.2
قال إسحاق: لا.3 بل يبدأ بالعتاقة،4 لما قال ابن عمر [رضي الله عنهما] ذلك.5
__________
1 قال تحاص الغرماء: اقتسموا المال بينهم حصاصاً. المصباح المنير 1/139.
إذا أوصى بوصايا فيها عتاقة فلم يف الثلث بالكل، فللإمام أحمد رحمه الله في الذي يقدم على غيره من الوصايا روايتان:
إحداها: أن يقسم الثلث بين جميع الوصايا بالعتق، وغيره سواء. فإن تجاوز الثلث، ورد الورثة الزيادة، فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم على قدر وصاياهم، ويدخل النقص على كل واحد بقدر ما له من الوصية، وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
والثانية: يقدم العتق، ويبدأ به، فإن فضل منه شيء قسم بين سائر أهل الوصايا على قدر وصاياهم. لأن - العتق - فيه حق لله تعالى، وحق لآدمي فكان آكد، ولأنه لا يلحقه فسخ، ويلحق غيره ذلك.
انظر: المغني 6/159، والإنصاف 7/195.
2 لعله يشير إلى حديث الرجل الذي أعتق عند موته ستة عبيد.
وقد تقدم ذكره في المسألة (3039) .
3 في العمرية بحذف "لا".
4 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/159، والمحلى 9/333 - 335.
5 عن نافع عن ابن عمر مثل ذلك، يبدأ بالعتاقة أي: إذا أوصى الرجل بوصايا، وبعتاقة، يبدأ بالعتاقة كما جاء في الأثر الذي قبله.
السنن الكبرى للبيهقي 6/277، كتاب الوصايا، باب الوصية بالعتق وغيره إذا ضاق الثلث عن حملها.
قال ابن حزم: وأما قولهم إنه قول ابن عمر ولا يعرف له مخالف من الصحابة، فإنه عن ابن عمر لا يصح، لأنه من رواية أشعت بن سوار وهو ضعيف. المحلى 9/366.
وانظر قول ابن عمر رضي الله عنه في: المغني 6/159، والمحلى 9/333.

(8/4312)


[3077-] قلت: قوله: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} ؟ 1
قال: إذا كان يقوم عليه.2
__________
1 جزء من الآية رقم (6) من سورة النساء.
2 للوصي أن يأكل من مال الموصى عليهم عند حاجته بقدر عمله، ولاغرم عليه. ولا يأكل إذا كان غنياً، لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} فله أقل الأمرين من أجرته، أو قدر كفايته، لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعاً، فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجد فيه كلاهما.
العدة شرح العمدة ص 302، والمغني 4/268 - 269.
قال المرداوي: الصحيح من المذهب: أنه لا يأكل من مال المولى عليه إلا مع فقره وحاجته، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وقال ابن عقيل: يأكل وإن كان غنياً، قياساً على العامل في الزكاة، وقال: الآية محمولة على الاستحباب، وحكاه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقال ابن رزين: يأكل فقير ومن يمنعه من معاشه بالمعروف.
ومحل الخلاف: إذا لم يفرض لهم الحاكم، فإن فرض له الحاكم شيئاً جاز له أخذه مجاناً مع غناه بغير خلاف، هذا ظاهر كلام القاضي. ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية البرزاطي في الأم الحاضنة.
الإنصاف 5/339، والقواعد لابن رجب ص 130، 131. وراجع مسائل الفقهية من، كتاب الروايتين والوجهين 2/27 وما بعدها.

(8/4313)


كما قال ابن عباس [رضي الله عنهما] .1
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 عن القاسم بن محمد قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: يا أبا العباس: إن لي إبلاً وأنا أمنح منها، وأفقر، وفي حجري يتيم وله إبل، فما يحل لي من إبل يتيمي؟
قال: إن كنت تبغي ضالة إبله، وتهنأ جرباها، وتلوط حياضها، وتسعى عليها، فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهك في حلب.
السنن الكبرى 6/284، كتاب الوصايا، باب ولي اليتيم يأكل من ماله إذا كان فقيرا، مكان قيامه عليه بالمعروف.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط 3/176.
واختلف الجمهور في الأكل بالمعروف ما هو؟
فقال قوم: هو القرض إذا احتاج، ويقضي إذا أيسر، ولا يستسلف أكثر من حاجته، قاله عمر بن الخطاب، وابن عباس، وعبيدة، وابن جبير، والشعبي، ومجاهد، وأبو العالية، وهو قول الأوزاعي، ورواية عن الإمام أحمد.
قال عمر رضي الله عنه: ألا إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولي من مال اليتيم إذا استغنيت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت.
وروي عن إبراهيم وعطاء والحسن البصري وقتادة: لا قضاء على الوصي الفقير فيما يأكل بالمعروف، لأن ذلك حق النظر، وعليه الفقهاء.
والدليل على صحة هذا القول: جماع الأمة على أن الإمام الناظر للمسلمين لا يجب عليه غرم ما أكل بالمعروف، لأن الله تعالى قد فرض سهمه في مال الله، فلا حجة لهم في قول عمر رضي الله عنه: فإن أيسرت قضيت - أي لو صح-.
وروي عن ابن عباس وأبي العالية، والشعبي: أن الأكل بالمعروف هو كالانتفاع بألبان المواشي، واستخدام العبيد، وركوب الدواب، إذا لم يضر بأصل المال.
وروي عن مجاهد قوله: ليس أن له يأخذ قرضاً ولا غيره، وذهب إلى أن الآية منسوخة، نسخها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء آية 29.
وقال: وهذا ليس بتجارة، وبه قال زيد بن أسلم. وحكى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال: لا أدري، لعل هذه الآية منسوخة.
وقال القرطبي: وكان شيخنا الإمام أبو العباس يقول: إن كان مال اليتيم كثيراً يحتاج إلى كبير قيام عليه بحيث يشغل الولي عن حاجته ومهماته، فُرض له فيه أجر عمله، وإن كان تافهاً لا يشغله عن حاجته، فلا يأكل منه شيئاً، غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن، وأكل القليل من الطعام والسمن، غير مضر به، ولا مستكثر له، على ما جرت

(8/4314)


العادة.
الجامع لأحكام القرآن 5/41 - وما بعده، وتفسير الفخر الرازي 9/197 - 198، وتفسير القرآن العظيم 1/453 وما بعده.
[3078-] قلت:1 يكره أن يتصدق الرجل عند موته بماله كله؟
__________
1 سبق نحو هذه المسألة، برقم: (3041) وثقت فيه قول زيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنهما، والإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله.

(8/4315)


قال: إي لعمري. هذا مردود،1 ولو كان هذا في حياته لم أجوز له ذلك2 إذا كان له ولد.
قلت: ليس له وارث؟
قال: هذا يذهب مذهب ابن مسعود [رضي الله عنه] من ذهب إلى قول زيد بن [ثابت] رضي الله عنه يجوز له الثلث، وما بقي ففي3 بيت المال، لأن بيت المال يعقل عنه إذا جنى جناية.
قال إسحاق: لا. بل القول فيه ما قال ابن مسعود [رضي الله عنه]
[3079-] قلت: إذا حضر القتال، ووقع الطاعون، وركب البحر، لم يجز إلا الثلث، فإن عاش، وكان قد أعتق جاز عتقه [ع-69/ب] ؟
قال: أرجو أن يكون كذا.4
__________
1 في العمرية سقطت "الواو "قبل لو.
2 في العمرية سقطت "ذلك".
3 في العمرية سقطت لفظ "ففي".
4 قال ابن قدامة: ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب، أو في لجة البحر عند هيجانه، أو وقع الطاعون ببلده، أو قدم ليقتص منه، أو الحامل عند المخاض، فهو كالمريض. المقنع 2/436.
قال المرداوي: يعني المريض المرض المخوف، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب في الجملة، وقيل عن الإمام أحمد - رحمه الله - ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله، وذكر كثير من الأصحاب هذه الرواية من غير صيغة التمريض. الإنصاف 7/167.
قال ابن قدامة: وتصح الوصية مطلقة ومقيدة: فالمطلقة أن يقول إن مت فثلثي للمساكين، أو أزيد. والمقيدة أن يقول: إن مت من مرضي هذا، أو في هذه البلدة، أو في سفري هذا، فثلثي للمساكين، فإن برأ من مرضه، أو قدم من سفره، أو خرج من البلدة ثم مات، بطلت الوصية المقيدة، وبقيت المطلقة. المغني 6/28.

(8/4316)


قال الحسن [يقول] يرجع في العتق،1 كأنه لم ير قول2 الحسن شيئاً.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[3080-] قلت: بكم توصي الحامل؟ 3
__________
1 روى سعيد بن منصور عن الحسن في رجل أوصى في مرضه: إن حدث بي حدث، وهو ينوي في مرضه ذلك، فغلامه حر، فصح، قال: إن شاء باعه.
سنن سعيد بن منصور 1/139، كتاب الوصايا، باب الرجل يوصى للرجل فيموت الموصى له، برقم 375.
وعن هشام عن الحسن قال: إذا أوصى الرجل فإنه يغير وصيته ما شاء. فقيل له العتاقة؟ قال: العتاقة وغير العتاقة.
السنن الكبرى 6/281، كتاب الوصايا، باب الرجوع في الوصية وتغيرها.
2 في العمرية بلفظ "لم ير ما قال الحسن شيئاً".
3 هذه المسألة انفردت بنقلها النسخة الظاهرية، وهي ليست موجودة في العمرية بهذا الترتيب.
وقد سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم: (3065) .

(8/4317)


قال: بالثلث إذا ثقلت.
قال إسحاق: كما قال.
[3081-] قلت: الرجل1 يوصي بوصية ثم يوصي بأخرى ولا يغير الأولى؟
قال: الأولى على حالها، إلا ما غير منها.
قلت: إن غير منها شيئا2 يبطل؟
قال: لا. إنما يبطل ما غير منها، والباقي على حالها.3
قال إسحاق: كما قال. إلا أن تعلم منه إرادة رجوع عن
__________
1 في العمرية سقطت كلمة "الرجل".
2 في العمرية سقطت كلمة "شيئا".
3 قال في المقنع: وإن قال في الموصى به: هذا لورثتي، أوما أوصيت به لفلان، فهو لفلان، كان رجوعاً. وإن وصى به لآخر، ولم يقل ذلك، فهو بينهما. المقنع 2/363.
قال المرداوي: هذا المذهب، وقيل هو للثاني خاصة، اختاره ابن عقيل. ونقل الأثرم: يؤخذ بآخر الوصية. الإنصاف 7/211.
وراجع المغني 6/66، والمبدع 6/25، والمحرر 1/376، ومطالب أولي النهى 4/460.

(8/4318)


الأولى، فحينئذ تكون وصيته الأخيرة.1
[3082-] قلت: رجل أوصى لرجل2 بعبد ولم يسمه، وله رقيق؟
قال: يُعطى أخسهم.3
قال إسحاق: كما قال.4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق في المغني 6/64، وحاشية المقنع 2/363.
2 في العمرية بلفظ "رجل أوصى بعبد لرجل ولم يسمه "
3 إذا أوصى بعبد من عبيده لرجل ولم يسم العبد، فللإمام أحمد رحمه الله روايتان في الطريقة التي تنفذ فيها الوصية:
إحداها: أن الوصية تصح، ويعطيه الورثة من عبيده ما شاؤوا من صحيح أو معيب، جيد أو رديء، لأنه يتناوله اسم العبد، فأجزأ. قال المرداوي: نص عليه في رواية ابن منصور، وهو المذهب.
والثانية: أنه يعطى واحداً بالقرعة، لأنه يستحق واحداً غير معين، فليس واحد أولى من واحد، فوجب المصير إلى القرعة، كما لو أُعتق واحد منهم.
انظر: المغني 6/148 - 149، والإنصاف 7/256 – 257.
[] وراجع المقنع 2/377- 278.
4 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المسألة، المغني 6/148.
روى عبد الرزاق بإسناده عن عمر بن عبد العزيز في رجل يوصي لرجل بعبد له رقيق، ولم يسمه، فكتب أن يعطى أخسهم، يقول شرهم.
مصنف عبد الرزاق 9/96، برقم 16490.
في العمرية كتب بعد هذه المسألة عبارة "آخر الجزء الثالث، وأول الرابع. بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. بقية، باب الهبة".

(8/4319)


[3083-] قلت: ليس بين الرجل وبين امرأته حيازة إذا وهبت له أو وهب لها؟
قال: هكذا نقول في الهبة، إذا كانت معلومة معروفة، وكذلك في الغريب [يعني] غير الزوجين.1
قال إسحاق: كما قال.2
[3084-] قلت: عطية المرأة؟
قال: على ما قال عمر [رضي الله عنه] : لا يجوز لامرأة عطية حتى تلد ولداً، أو تبلغ أناة3 ذلك
__________
1 وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة، من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها. المقنع 2/332.
قال المرداوي: هذا المذهب اختاره ابن عقيل، والمجد في شرح الهداية وغيرهما، حتى إن ابن عقيل وغيره صححوا الهبة بالمعاطاة، ولم يذكروا فيها الخلاف الذي في بيع المعاطاة. الإنصاف 7/118.
وقال ابن قدامة: إن المكيل والموزون لا تلزم فيه الصدقة، والهبة إلا بالقبض، وتلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة. المغني 5/649.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في اختلاف العلماء للمروزي ص 217.
3 تأنى في الأمر سبق شرحه. ومعنى أناة سنة: أي المدة التي لا يجوز لامرأة فيها العطاء لغيرها سنة.

(8/4320)


سنة.1
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 عن عامر عن شريح قال: عهد إلى عمر أن لا أجيز هبة مملكة حتى تحول في بيتها حولاً، أوتلد بطناً.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 6/411، كتاب البيوع والأقضية، في الجارية متى يجوز عطيتها، برقم 1539، وابن حزم في المحلى 8/310.
وللإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداها: أنه لا يجوز لامرأة عطية بعد بلوغها حتى تتزوج وتلد، أو يمضي عليها سنة في بيت الزوج.
والثانية: أن الجارية إذا بلغت، وأونس رشدها بعد بلوغها دفع إليها مالها، وزال الحجر عنها، وإن لم تتزوج. المغني 4/512.
2 قال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في الوقت الذي يجوز فيه للمرأة أن تهب من مالها وتعطي، فقالت طائفة: ليس للمرأة في مالها أمر حتى تلد أو تحول عليها الحول في بيت زوجها. وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والشعبي، وشريح، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.
الأوسط 4/147، وراجع المغني 4/512، والإشراف لابن المنذر 3/81.
وعن ابن سيرين قال: لا تجوز لامرأة عطية في مالها حتى تلد، أو تبلغ أناة وذلك سنة، وحتى تحب المال وأصحابه - كلمة غير واضحة - وحتى تحب الربع وتكره الغبن. وبهذا قال الحسن البصري، وقتادة، وعطاء، وأبو الشعثاء، وشريح، ومجاهد، والشعبي، والأوزاعي.
انظر: مصنف عبد الرزاق 9/123 - 124، ومصنف ابن أبي شيبة 6/411، والمحلى 8/310.

(8/4321)


[3085-] قلت: هل للزوج1 أن يمنع امرأته أن تصدق من مالها ما شاءت؟
قال أحمد: ليس له أن يمنعها بعد الحول، إلا أن تكون مسرفة، مثل ما يمنع الحر إذا كان مفسداً لماله.2
قال إسحاق: كما قال. ولكن ينبغي لها أن لا تهب ولا تتصدق إلا أن تستأذنه 3 [ظ-98/ب] .
__________
1 في العمرية بلفظ"الرجل".
2 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداها: أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع، والمعاوضة وهذا الذي عليه المذهب، واختاره ابن قدامة.
والثانية: ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها.
انظر: المغني 4/513، والإنصاف 5/342 - 343، والمبدع 4/347.
وراجع: المقنع 2/146، والإقناع 3/229.
3 لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لايجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها ".
رواه أبو داود في سننه 3/293، كتاب البيوع، باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها، برقم 3546.
وابن ماجة في سننه 2/798، كتاب الهبات، باب عطية المرأة بغير إذن زوجها، برقم: 2388، من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وحسن محشي جامع الأصول إسناده 6/476.
وقال الخطابي: هذا عند أكثر العلماء على معنى حسن العشرة، واستطابة نفس الزوج بذلك. معالم السنن 5/194.
واستدل الإمام أحمد رحمه الله في الرواية التي عليها المذهب. بقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} سورة النساء آية (6) .
والآية ظاهرة في فك الحجر عنهم، وإطلاقهم في التصرف. المغني 4/514.
وعن زينب امرأة عبد الله قالت: قال رسول الله صلى عايه وسلم: "تصدقن، يامعشر النساء ولو من حليكن". الحديث.
صحيح مسلم 2/694، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، برقم: 1000.
وجاء في بعض الروايات أنهن تصدقن، فقبل صدقتهن.
فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة عموماً وفيهن العواتق، والمخدرات ذوات الآباء، وذوات الأزواج، فما خص منهن بعضاً دون بعض، وفيهن المقلة والغنية فما خص مقداراً دون مقدار. المحلى 8/318.

(8/4322)


وعن كريب مولى ابن عباس: أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم. قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ".
صحيح البخاري، برقم 2592، فتح الباري 5/217، كتاب الهبة، باب هبة المرأة بغير إذن زوجها وعتقها، إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لم تكن سفيهة.
ووجه الاستدلال بحديث ميمونة أنها كانت رشيدة، وأنها أعتقت قبل أن تستأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى، فلو كان لا ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله. فتح الباري 5/219.
وبعد استعراض الأدلة تبين لي أن للمرأة البالغة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع، والمعاوضة، إلا أنه يستحب لها أن تستأذن زوجها وتشاوره، استطابة لنفس زوجها، وحسن العشرة التي بينهما.

(8/4323)


[3086-] قلت: قال سفيان: كان ابن أبي ليلى إذا كاتب الوصي1 رد [هـ]
قال: الوصي جائز الأمر، يجوز له ماكان من طريق الإصلاح2، ولكن لا يجوز له العتق.3
قال إسحاق: كلما كاتبه وفيه صلاح له جاز، والعتق لا يجوز.
__________
1 في العمرية بلفظ "الوصية".
2 في العمرية بلفظ "الصلاح".
3 لا يجوز للوصي أن يعتق عبد الموصى عليه بغير عوض، لأنه لا نفع فيه، فمنع لعدم الحظ، وانتفاء المقتضى. ولو قدر أن يكون في العتق بغير مال نفع كان نادراً، ويتوجه أن يصح.
قال أبو بكر: يتوجه العتق بغير عوض للحظ، مثل أن يكون لليتيم جارية وابنتها تساويان مائة مجتمعتين، ولو أفردت إحداهما ساوت مائتين، ولا يمكن إفرادها بالبيع، فتعتق الأخرى، لتكثر قيمة الباقية فتصير ضعف قيمتها.
المغني 4/267 ومابعده، وراجع المبدع 4/337، والإقناع 3/224.

(8/4324)


[3087-] قلت: قال سفيان: إذا التقى الصفان فما صنع فهو وصية1.
قال: جيد. والحامل إذا قرب شأنها، وكذلك المسافر إذا أراد الغزو،2 أو ركوب البحر ومايشبهه مما يتخوف عليه [فيه] .3
قال إسحاق: كما قال:4 لما جاء عن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] ذلك من حديث أبي حريز.5
__________
1 قال ابن المنذر: قال مالك: إذا زحف إلى الصف للقتال لم يجز له إلا الثلث. وقال الأوزاعي: عطية الغازي وعتقه من رأس ماله، ما لم يكن المسايفة والمضاربة، فإذا كان ذلك فمن ثلث، وكذلك قال الثوري: إذا التقى الصفان. الأوسط 3/172.
وانظر قول سفيان الثوري رحمه الله في المغني 6/87، والمحلى 9/353.
2 في العمرية بلفظ "أن يغزو".
[3] سبق توثيق قول الإمام أحمد رحمه الله في المسألة: (3065-3079) .
4 انظر المحلى 9/353.
5 هو عبد الله بن حسين الأزدي أبو حريز بفتح المهملة، وكسر الراء، وآخره زاي، البصري، قاضي سجستان، صدوق يخطىء، من السادسة.
تهذيب التهذيب 5/187، تقريب التهذيب ص 171.
عن الحكم عن مجاهد عن عمر رضي الله عنه قال: "إذا التقى الزحفان، والمرأة يضربها المخاض، لا يجوز لها في مالها إلا الثلث ".
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 11/210، كتاب الوصايا، الحامل توصي والرجل يوصي في المزاحفة، ركوب البحر، برقم: 10999، من طريق معتمر بن سليمان أنه قرأ على فضيل بن ميسرة عن ابن جرير - هكذا في المصنف-. وصوابه أبي حريز كما جاء في شيوخ فضيل بن ميسرة، وكما نقله ابن المنذر.
انظر: تهذيب التهذيب 8/300، والأوسط 3/172.

(8/4325)


[3088-] قلت: قال سفيان: إذا تزوج في مرضه لم يحسب من الثلث؟ 1
قال: إذا كان تزويجه إياها على أكثر مما يتزوج2 مثلها، فهو من الثلث، وإذا كان على مهر مثلها لم يكن من الثلث.3
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأن بعض الناس ربما أراد بذلك الإضرار بالورثة، فلا يجوز ذلك.4
__________
1 روى عبد الرزاق عن الثوري في رجل يتزوج وهو مريض، قال: "نكاحه جائز على مهر مثلها".
مصنف عبد الرزاق 6/241، كتاب النكاح، باب الرجل يتزوج في مرضه، برقم: 10666.
2 في العمرية بلفظ "تزوج".
3 سقط في العمرية عبارة "وإذا كان على مهر مثلها لم يكن من الثلث "وبيع المريض بثمن المثل، وتزويجه بمهر المثل لازم من جميع المال، لأنه ليس بوصية، إنما الوصية التبرع، وليس هذا تبرعاً، وإن حابى في ذلك اعتبرت المحاباة من الثلث، لأنها تبرع. الكافي 2/487.
وراجع: المغني 6/18 - 94، والإنصاف 7/176، والمقنع 2/351.
4 انظر المحلى 9/353.

(8/4326)


[3089-] قلت: قال سفيان: إذا كان له1 ابنان فأقر لأحدهما بدين في مرضه، ثم مات الابن وترك ابناً والأب حي، ثم مات الأب بعد؟
قال: يجوز.
قال أحمد: لا يجوز إقراره.2
قال إسحاق: إقراره أجود3 ما يكون، لما صح عن التابعين4
__________
1 في العمرية بحذف "له".
2 نقل ابن قدامة هذه الرواية عن سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل رحمهما الله فقال: وحكى - ابن منصور - له قول سفيان في رجل له ابنان، فأقر لأحدهما بدين في مرضه، ثم مات الابن وترك ابناً والأب حي، ثم مات بعد ذلك جاز إقراره؟
فقال أحمد: لايجوز. المغني 5/215.
قال في المقنع: وإن أقر لوارث، فصار عند الموت غير وارث لم يصح إقراره، وإن أقر لغير وارث صح، وإن [] صار وارثاً نص عليه. المقنع 3/727-728.
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف 12/138.
3 في الظاهرية بلفظ "أجوز".
4 روى البيهقي بإسناده عن سفيان عن ليث عن طاووس قال: إن أقر المريض لوارث، أو لغير وارث جاز.
قال البيهقي: وبلغنى عن أبي يحيى الساجى أنه قال: روي عن الحسن، وعطاء، وعمر ابن عبد العزيز أن إقراره جائز. السنن الكبرى 6/85، كتاب الإقرار، باب ما جاء في إقرار المريض لوارثه.

(8/4327)


الإقرار للوارث في المرض، فكيف لهذا وقد أحرزه أبوه بإقرار أبيه له.1
[3090-] قلت: سئل سفيان عن رجل قال في مرضه: أعطوا فلاناً من [أحد] كيسي مئة درهم، ولم2 يكن في أحد كيسيه شيء، قال: يعطى مائة درهم من أحدهما.3
قال أحمد [رحمه الله تعالى] : يعطى مائة درهم، إنما ثبتت لهذا الوصية، ما أبالي في أي الكيسين كان.4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 5/214، وحاشية المقنع 3/727.
قال ابن المنذر: واختلفوا في إقرار المريض للوارث بدين، فقالت طائفة: ذلك جائز. قاله عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وبه قال إسحاق بن راهويه وأبو ثور.
وقالت طائفة: لا يجوز إقرار المريض في مرضه للوارث، كذلك قال شريح وأبو هاشم وابنه والنخعي. وروي ذلك عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمرو، وبه قال يحيى الأنصاري، وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل والنخعي وأصحابه. الأوسط 3/171.
2 في العمرية سقطت عبارة "ولم يكن في أحد كيسيه شيء "، قال: يعطى مائة درهم.
3 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله في الأوسط.
4 نقل ابن قدامة هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: وقد روى ابن منصور عن أحمد في رجل قال في مرضه: أعطوا فلاناً من كيسي مائة درهم، فلم يوجد في كيسه شيء، يعطى مائة درهم. المغني 6/149.
قال المرداوي: لو وصى بأن يعطى مائة من أحد كيسي، فلم يوجد فيهما شيء استحق مائة على الصحيح من المذهب، نص عليه.
الإنصاف 7/258، وراجع الفروع 4/689.
ولم تبطل الوصية - في المسألة - لأنه قصد إعطاءه مائة درهم وظنها في الكيس، فإذا لم تكن في الكيس أُعطي من غيره. المغني 6/149.

(8/4328)


قال إسحاق: كما قال.1
[3091-] قلت [لأحمد] : قال سفيان: [ع-70/أ] إذا قال لفلان وفلان مائة درهم وأحدهما ميت، فهو للحي؟ 2
__________
ـــ
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: قال سفيان الثوري في رجل قال في مرضه: أعطوا فلاناً من كيسي مائة درهم، ولم يكن في أحد كيسيه شيء، يعطيه مائة درهم من أحدهما، وبه قال أحمد وإسحاق. الأوسط 3/179.
2 عن يحيى بن آدم عن الأشجعي سمع سفيان يقول في رجل أوصى بثلثه لرجلين، فيوجد أحدهما ميتاً، قال: يكون للآخر، يعني الثلث كله.
مصنف ابن أبي شيبة 11/229، كتاب الوصايا، الرجل يوصى بثلثه لرجلين، فيوجد أحدهما ميتاً، برقم 11069.
نقل ابن قدامة قول سفيان الثوري ومن وافقه، فقال: وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد: إذا قال هذه المائة لفلان وفلان، فهو للحي منهما. وإن قال بين فلان وفلان، فوافقنا الثوري في أن نصفها للحي.
المغني 6/21، وراجع قواعد لابن رجب ص 265.

(8/4329)


قال أحمد: ما لهذا1 الحي إلا خمسون درهماً، ولا وصية لميت.2
قال إسحاق: كما قال أحمد، وهو بين.3
[3092-] قلت: قال سفيان: إذا قال بين فلان4 وفلان مائة درهم
__________
ـــ
1 في العمرية بحذف "لهذا".
2 إذا أوصى بثلثه، أو بمائة لاثنين: حي وميت، فللحي نصف الوصية، سواء علم موت الميت، أوجهله، لأنه إذا لم يكن أحدهما محلاً للتمليك بطل نصيبه، وبقي نصيب الحي وهو النصف، وهذا الذي عليه المذهب.
ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على أنه إذا علمه ميتاً فالجميع للحي، وإن لم يعلمه ميتاً، فللحي النصف.
قال في رواية ابن القاسم: إذا أوصى لفلان وفلان مائة، فبان أحدهما ميتاً، فللحي خمسون. فقيل له: أليس إذا قال ثلثي لفلان وللحائط، أن الثلث كله لفلان؟ فقال: وأي شيء يشبه هذا؟ الحائط له ملك.
انظر: المغني 6/21 - 22، والإنصاف 7/246، والفروع 4/683، والإقناع 3/63، والمبدع 6/46 ومطالب أولي النهى 4/485، وقواعد ابن رجب ص 265.
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/21، وحاشية المقنع 2/374.
4 في العمرية "إذا قال بين فلان، وبين فلان "
والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها ذكره الكرابيسى بعد ذكر المسألتين على وفق قول الإمام سفيان الثوري رحمه الله فقال: والفرق أن - بين - لفظ اشتراك، بدليل أنه لا يصح إدخاله على الواحد، فإذا قال: بين فلان وفلان، فقد أشرك بينهما في اللفظ، فلا يجب لكل واحد منهما إلا نصفه، فلا يستحق أكثر من النصف.
أما قوله لفلان، فليس بلفظ اشتراك، بدليل أنه يصح لواحد، وهو أن يقول: ثلث مالي لفلان، وسكت عليه، فإنه يستحق الجميع، فثبت أنه ليس بلفظ اشتراك، فقد أوجب الجميع للأول والواجب للثاني مزاحمة بينه وبين الأول، ولا يصح وجود المزاحمة من الميت فلم يوجد نقصاناً، -هكذا والصواب نقصان، لأنه نائب فاعل في الجارية للأول- فاستحق الجميع. الفروق 2/294.

(8/4330)


وأحدهما ميت، فللحي خمسون درهماً، وترد الخمسون إلى الورثة.1
قال أحمد: ذا، وذاك سواء.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
ـــ
1 روى عبد الرزاق عن الثوري قال: إذا أوصى بثلث ماله فقال: هو لفلان ولفلان، ثم مات أحدهما، فهو للباقي، وإذا قال: هو بين فلان، وبين فلان، فمات أحدهما، فلآخر النصف، وإذا قال: هو لفلان، ولهذا الحدث، فهو للرجل كله، وليس للحدث شيء، وإذا أوصى ثوب فلان لفلان، ثم اشتراه فليس بشيء، لأنه أوصى به وليس له.
مصنف عبد الرزاق 9/92، كتاب الوصايا، الرجل يوصى لبني فلان وبنات فلان، والذي يوصى له فيرده.، برقم 16471.
وراجع قول سفيان الثوري رحمه الله في المغني 6/21، والأوسط 3/167.
2 نقل ابن المنذر قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله فقال: وقال سفيان: إذا قال بين فلان وفلان مائة درهم وأحدهما ميت، فللحي خمسون، وكذلك قال أحمد وإسحاق.
الأوسط 3/176، وانظر المغني 6/21.

(8/4331)


[3093-] قلت: سئل سفيان عن رجل أوصى فقال: أعتقوا عني أحد عبديّ هذين؟
قال:1 يعتق أحدهما.2
قال أحمد: يعتق أحدهما، ولكن إن تشاحا في العتق، يقرع بينهما.3
قال إسحاق: كما قال.4
__________
ـــ
1 في العمرية بلفظ "قال أحمد "، والصواب حذفه كما في الظاهرية.
2 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله في الوسط 3/180.
3 نقل ابن القيم هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: وإن أوصى أن يعتق عنه عبد من عبيده، فقال أحمد في رواية ابن منصور في رجل أوصى فقال: أعتقوا أحد عبدي هذين: يعتق أحدهما، ولكن إن تشاحا في العتق يقرع بينهما.
الطرق الحكمية ص 322.
كما نقل نص هذه الرواية ابن مفلح في الفروع 4/677.
وسبق نحو هذه الرواية في المسألة: (3082) .
4 قال ابن المنذر: سئل سفيان عن رجل أوصى فقال: أعتقوا عني أحد عبديّ هذين قال: يعتق أحدهما، وكذلك قال أحمد وإسحاق. وقال سفيان: لهم أن يعتقوا أرْدَأهما، قال أحمد وإسحاق: إذا تشاحا أقرع بينهما. الأوسط 3/180.
وقال الترمذي بعد ذكر حديث عمران بن حصين في الأنصاري الذي أعتق ستة أعبد عند موته، وأقرع الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول مالك والشافعي، وأحمد وإسحاق يرون استعمال القرعة في هذا وغيره. سنن الترمذي 3/637.
وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 6/148.

(8/4332)


[3094-] قلت: قيل لسفيان: فإن أبى الورثة؟
قال: يجبرون على ذلك؟
قال: نعم.1
قال أحمد: نعم. من شك في ذا.2
قلت: قيل لسفيان ألهم أن يعتقوا أردأهما؟ قال: نعم.
قال أحمد: قد وجب العتق لأحدهما، فإن تشاحا أقرع بينهما.
قال إسحاق: كما قال أحمد.3
__________
ـــ
1 في العمرية بحذف جملة "قال نعم".
2 إذا وصّى بعتق عبد له يخرج من ثلثه وجب على الوصي إعتاقه، فإن أوصى بذلك ورثته لزمهم إعتاقه، فإن امتنعوا، أجبرهم السلطان. فإن أصروا على الامتناع، أعتقه السلطان، أو من ينوب منابه للحاكم، لأن هذا حق لله تعالى وللعبد، ومن وجب عليه ذلك ناب السلطان عنه، أونائبه، كالزكاة والديون. المغني 9/373.
3 سبق توثيق أقوال الأئمة الثلاثة في المسألة السابقة (3093) .

(8/4333)


[3095-] قلت: قال سفيان: إذا أوصى الرجل1 في مرضه فقال: اشتروا [لي] عبد فلان بألف درهم فأعتقوه، فاشتروه بخمسمائة درهم وهو لا يعلم؟
قال: هذه وصية جعلها2 له، يعني لمولى العبد، يقول: يعطى الخمسمائة الباقية.3
قال أحمد: لا. لعمري هو بما اشتروه، وترد الخمسمائة إلى ورثته.4
__________
ـــ
1 في العمرية بلفظ "لرجل "بحذف الألف.
2 في العمرية بلفظ "جعلتها".
3 نقل ابن قدامة قول سفيان الثوري رحمه الله فقال: وقال الثوري: يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد، لأنه قصد إرفاقه بالثمن محاباته، ومحاباته به، فأشبه ما لو قال: بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها، وكما لو أوصى أن يحج عنه فلان حجة بخمسمائة. المغني 6/113.
4 قال في الكافي: إن قال اشتروا عبد زيد بخمسمائة فأعتقوه، فأبى زيد بيعه بخمسمائة، أو بيعه بالكلية، بطلت الوصية.
وإن اشتروه بأقل فالباقي للورثة، لأن المقصود قد حصل، ويحتمل أن تكون الخمسمائة لزيد، لأنه يحتمل أنه قصد محاباته بذلك. الكافي 2/515.
ووجه القول الأول بقوله: ولنا أنه أمر بشرائه بخمسمائة، فكان ما فضل من الثمن راجعاً إليه، كما لو وكل في شرائه في حياته.
وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة، لأن القصد ثم إرفاق الذي يحج بالفضلة، وفي مسألتنا المقصود العتق، ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين، لأن الوصية ثم للحج مطلقاً، فصرف جميعها فيه، وههنا لمعيّن فلا تتعداه، أما إذا كانت ثم القرينة تدل على إرفاقه ومحاباته بالباقي لكون البائع صديقاً له، أو ذا حاجة، أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا، أو عين هذا الثمن وهو يعلم حصول العبد بدونه لقلة قيمته، فإنه يدفع جميع الثمن إليه، كما لو صرح بذلك فقال: ادفعوا إليه جميعها.
المغني 6/113 وما بعده. وراجع المحرر 1/386 - 387، والفروع 4/682.

(8/4334)


قال إسحاق: لا. بل الشراء جائز، والخمسمائة الباقية تجعل في العتق، لأن الميت حين قال: اشتروا [لي] عبد فلان بألف، فقد مضى قوله في الألف أن يصرف إلى العتق، ولا يكون للورثة منه شيء أبداً.1
[3096-] قلت: قال سفيان في رجل ترك مائتي دينار وعبداً قيمته مائة دينار، وأوصى لرجل بالعبد، فسرقت الدنانير بعد موت الرجل فصار العبد ثلثيه2 للورثة، وثلثه للموصى له.3
__________
ـــ
1 نقل ابن المنذر هذه الرواية عن الأئمة الثلاثة بنصها في الأوسط 3/163، كما نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 6/113.
2 في العمرية بلفظ "ثلثه".
3 نقل ابن نصر المروزي قول سفيان الثوري فقال: قال سفيان: وإذا أوصى لإنسان بعينه فذهب ذلك الشيء، أو سرق، أو ضاع، فليس له في سائر المال شيء. فإن ضاع المال، وبقي ذلك الشيء بعينه، شاركه الورثة في ذلك الشيء، ويجوز له ثلث ذلك الشيء بعينه. اختلاف العلماء ص 170.
وانظر قول سفيان الثوري رحمه الله في مصنف عبد الرزاق 9/90، برقم 16466.

(8/4335)


قال أحمد: وجب العبد للموصى له، وذهبت دنانير الورثة.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.
__________
ـــ
1 نقل ابن رجب هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، فقال: قال أحمد في رواية ابن منصور: في رجل ترك مائتي دينار، وعبداً قيمته مائة دينار، وأوصى لرجل بالعبد، فسرقت الدنانير بعد موت الرجل، وجب العبد للموصى له، وذهبت دنانير الورثة. قواعد ابن رجب ص 77.
كما نقل نص هذه الرواية المرداوي في الإنصاف 7/204، وأشار إليه ابن قدامة في المغني 6/154.
قال الخرقي: وإذا أوصى بشيء بعينه، فتلف الشيء بعد موته، لم يكن للموصى له شيء، وإن تلف المال كله، إلا الموصى به فهو للموصى له. مختصر الخرقي ص 116.
قال ابن قدامة: إن تلف المال كله سوى- الموصى به - فهو للموصى له، لأن حق الورثة لم يتعلق به، لتعيينه للموصى له، وذلك يملك أخذه بغير رضاهم وإذنهم، فكان حقه فيه دون سائر المال، وحقوقهم في سائر المال دونه، فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه، كما لوكان التلف بعد أن أخذه الموصى له وقبضه، وكالورثة إذا اقتسموا، ثم تلف نصيب أحدهم. المغني 6/154.

(8/4336)


[3097-] قلت: قال سفيان من1 أُوصيَ له بشيء بعينه فذهب فليس له شيء، فإن ذهب الذي للورثة، وبقي الذي للموصى [له] فهو بينهم.2
قال أحمد: ليس هذا بشيء.
قال إسحاق: كما قال أحمد.3
[3098-] قلت: قال سفيان: من أُوِصي له بشيء فلم يأخذه زماناً فإنما
__________
ـــ
1 في العمرية بحذف "من".
2 روى عبد الرزاق عن الثوري في الذي يوصى له بشيء فتهلك الوصية، قال: فليس للذي أُوصي له شيء، فإن هلك المال كله إلا الوصية، شاركه الورثة في تلك الوصية.
مصنف عبد الرزاق 9/90، كتاب الوصايا، في الرجل يوصي لأمه وهي أم ولد لأبيه، والذي يوصي لعبده، والوصية تهلك، برقم 16466.
3 نقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصي له بشيء فهلك ذلك الشيء، أن لا شيء له في سائر مال الميت.
وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير، وقد تعلقت بمعين وقد ذهب، فذهب حقه، كما لو تلف في يده، والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم، لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم، فلم يضمنوا شيئاً.
المغني 6/154، ومنار السبيل 2/39.
وراجع: الإقناع 3/69، والمقنع 2/383، والإنصاف 7/269.

(8/4337)


يحتسب1 على الموصى له من قيمته يوم يأخذه،2 ولا ينظرإلى ماكان قبل ذلك.
قال أحمد: وجب له يوم3 أوصى له.4
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[3099-] قلت: قال5 سفيان في6 رجل مات وترك ألفي درهم، وترك داراً قيمتها ألف درهم، وأوصى لرجل بالدار، وأوصى لرجل بنصفها.
__________
ـــ
1 في العمرية بلفظ "يحسب".
2 في العمرية بلفظ "يأخذ".
3 في العمرية سقطت كلمة "يوم".
4 قال الخرقي: ومن وُصّي له بشيء فلم يأخذه زماناً، قوّم وقت الموت، لا وقت الأخذ. مختصر الخرقي ص 116.
قال المرداوي: يعني إذا أوصى له بشيء معين فنما. وهذا المذهب مطلقاً. نص عليه في رواية ابن منصور. الإنصاف 7/270.
فالاعتبار في قيمة الموصى به، وخروجها من الثلث، وعدم خروجها بحالة الموت، لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها. المغني 6/155.
وراجع الإقناع 3/70، والمقنع 2/383.
5 في العمرية بحذف "قال".
6 في العمرية بلفظ "عن".

(8/4338)


قال: الدار بينهما على ثلاثة، للموصى له بالدار كلها1 الثلثان، وللموصى له بالنصف الثلث.2
قال أحمد: [جيد] . هذا قول ابن أبي ليلى.3
قال إسحاق: كما قال.4
[3100-] قلت: قال سفيان: هذا قولنا وأناس يقولون [ظ-99/أ] للموصى له بالدار ثلاثة [ع-70/ب] أرباع، لأنه قد أخلص له النصف، ولم يشرك معه الآخر، وجعل النصف الآخر بينهما، فصار للموصى بالدار كلها ثلاثة أرباع، وللآخر الربع.
قال أحمد: هذا قول أبي حنيفة.5
__________
ـــ
1 في العمرية سقطت لفظة "كلها".
2 روى عبد الرزاق عن الثوري قال: إذا قال: عبدي لفلان، ثم قال: نصف عبدي لفلان، منا من يقول: ثلاثة أرباع وربع، ومنا من يقول: ثلث وثلثان، وأحبه إلي: الثلث والثلثان، قاله: ابن أبي ليلى والعامة.
مصنف عبد الرزاق 9/73، كتاب الوصايا، الرجل يعود في وصيته، برقم 16391.
3 انظر قول ابن أبي ليلى في المغني 6/115.
4 في العمرية جاء بعده هذه المسألة مسألة وردت في النسخة الظاهرية في آخر، كتاب الوصايا، وسأذكرها على حسب ترتيب النسخة الظاهرية.
5 قال المرغيناني: يدلي بسبب، وإن أوصى لأحدهما بالثلث، وللآخر بالسدس، فالثلث بينهما أثلاثاً، لأن كل واحد منهما صحيح، وضاق الثلث عن حقيهما فيقتسمانه على قدر حقيهما، كما في أصحاب الديون، فيجعل الأقل سهماً والأكثر سهمين، فصار ثلاثة أسهم: سهم لصاحب الأقل، وسهمان لصاحب الأكثر. وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله، وللآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة، فالثلث بينهما على أربعة أسهم عندهما. وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان.
الهداية 4/236.
وراجع المبسوط 27/148، وحاشية ابن عابدين 5/427 وما بعده، واختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ص 83.

(8/4339)


والقول هو الأول قول ابن أبي ليلى.1
قال إسحاق: القول: الأول.
[3101-] قلت: سئل سفيان عن الوصي إذا أخذ المال لنفسه؟
قال: هو ضامن، لأنه لا يشتري من نفسه.
قال أحمد: هو ضامن، وإن اتجر فيه كان الربح لليتيم وإن استسلف منه فأكله لم يكن عليه إلا ما أخذ.2
__________
ـــ
1 قال في المقنع: وإن وصى لرجل بجميع ماله، ولآخر بنصفه، فالمال بينهما على ثلاثة إن أجيز لهما، والثلث على ثلاثة مع الرد. المقنع 2/391.
قال المرداوي: هذا المذهب، وعليه الأصحاب. الإنصاف 7/280.
وراجع مختصر الخرقي ص 114، والمغني 6/115.
2 نقل أبو داود نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، فقال: سمعت أحمد سئل عن الوصي يأخذ مال اليتيم من نفسه مضاربة؟ قال: لا. فإن ربح، الربح لليتيم، مسائل أبي داود ص 213.
قال ابن قدامة: إن لولي اليتيم أن يضارب بماله، وأن يدفعه إلى من يضارب له به، ويجعل له نصيباً من الربح، ومتى اتجر في المال بنفسه، فالربح كله لليتيم. المغني 4/264 - 265.
وقال المرداوي: إن للولي أن يبيع ويشتري في مال المولى عليه بلا نزاع، لكن لا يستحق أجرة، بل جميع الربح للمولى عليه، على الصحيح من المذهب. الإنصاف 5/327.
أما قرض مال اليتيم إذا لم يكن فيه حظ له لم يجز قرضه، فمتى أمكن الولي التجارة به، أوتحصيل عقار له فيه الحظ، لم يقرضه لأن ذلك يفوت الحظ على اليتيم وإن لم يكن ذلك، وكان قرضه حظاً لليتيم، جاز.
قيل للإمام أحمد: إن عمر استقرض مال اليتيم قال: إنما استقرض نظراً لليتيم واحتياطاً، إن أصابه بشيء غرمه. المغني 4/269.

(8/4340)


قال إسحاق: كما قال أحمد.
وأخطأ هؤلاء1 حيث قالوا للوصي أن يأخذ مال اليتيم من
__________
ـــ
1 قال الأشروسني: ذكر محمد رحمه الله في الأصل: "وللوصي أن يتجر في مال اليتيم وأن يدفعه مضاربة، وأن يعمل به مضاربة، وأن يضع ويشارك". جامع أحكام الصغار 3/96.
وقال في حاشية ابن عابدين: دفع الوصي مال الصغير إلى نفسه مضاربة جاز، وقيده الطرسوسي بأن لا يجعل الوصي لنفسه من الربح أكثر مما يجعل لأمثاله. حاشية ابن عابدين 4/493.

(8/4341)


نفسه مضاربة.1
[3102-] قلت: قال عطاء في رجل أوصى لبني هاشم ليس لمواليهم شيء2
قال: لا يكون لمواليهم شيء.3
__________
ـــ
1 ذكر ابن قدامة رحمه الله قول الإمام إسحاق رحمه الله في المسألة فقال: وأجاز الحسن بن صالح وإسحاق أن يأخذه الوصي مضاربة لنفسه، لأنه جاز أن يدفعه بذلك إلى غيره. المغني 4/265.
كما نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق فقال: "واختلفوا في أخذ الوصي مال اليتيم مضاربة لنفسه، فرخص فيه بعضهم، وممن رخص فيه الحسن بن صالح، وإسحاق بن راهويه، وقال أصحاب الرأي: للوصي أن يتجر في مال اليتيم إن بدا له ذلك، وأن يدفعه مضاربة، وأن يعمل به لليتيم.
وقال أحمد وسئل عن الوصي يأخذ من مال اليتيم مضاربة من نفسه قال: إن ربح فلليتيم الربح. الأوسط 3/176.
2 روى ابن أبي شيبة عن عبد الملك عن عطاء قال: سئل عن رجل أوصى لبني هاشم أيدخل مواليهم معهم؟ قال: لا.
مصنف ابن أبي شيبة 11/217، كتاب الوصايا، باب في رجل أوصى لبني هاشم ألمواليهم من ذلك شيء، برقم 11030.
3 قال المجد: وإذا أوصى لبني هاشم لم يتناول مواليهم. المحرر 1/384.
وراجع مسائل عبد الله ص 381، والإنصاف 3/257.

(8/4342)


قال إسحاق: كما قال عطاء،1 لأن الإرادة وقعت عليهم، لا على الموالي.2
[3103-] قلت: قال إبراهيم إذا أوصى الرجل ما3 دون الثلث أو إلى الثلث بعشرين أو بثلاثين درهماً فهو من العاجل، وإذا أوصى بالثلث، أو بالربع فهو من العاجل والآجل.4
قال أحمد [رحمه الله تعالى] : قلّ أو كثر، فإذا تشاحا: الورثة
__________
ـــ
1 في العمرية بلفظ "كما قال عطاء".
2 قال ابن المنذر: وكان عطاء يقول: إذا أوصى لبني هاشم فليس لمواليهم شيء، وكذلك قال أحمد وإسحاق. الأوسط 3/159.
3 في العمرية بحذف "ما".
4 روى سعيد بن منصور بإسناده عن الأعمش عن إبراهيم قال: إذا أوصى الرجل من ماله بثلث، أو ربع، أو خمس، فهو من عاجل ماله وآجله. وإذا أوصى لفلان بكذا، ولفلان بكذا، فهو من عاجل ماله حتى يبلغ الثلث، فإذا بلغ الثلث فهو من العاجل والآجل.
وقال في رواية أخرى: إذا أوصى الرجل بالثلث، أو الربع كان في العين والدين، وإذا أوصى بثلاثين درهماً، أو أربعين درهماً، كان من العين دون الدين.
[] سنن سعيد بن منصور 1/134، كتاب الوصايا، برقم 994-352، وابن أبي شيبة في المصنف 11/158، كتاب الوصايا في الرجل يوصي الرجل بشيء من ماله، من طريق الأعمش عن إبراهيم، برقم 10799.

(8/4343)


و1الموصى له، يتحاصون في العاجل والآجل بينهم على قدر أنصبائهم.2
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[3104-] قلت: يكره عتق اليهودي والنصراني؟
[قال] : غيره أقر له وخير، أليس قد أعتق عمر3 [رضي الله عنه] وأعتق ابن عمر4 [رضي الله
__________
ـــ
1 في الظاهرية بلفظ "أو".
2 من وصى لرجل بثلث ماله، ومنه حاضر وغائب، وعين ودين، فللموصى له ثلث العين الحاضرة، وللورثة ثلثاها. وكلما اقتضى من الدين شيء، أو حضر من الغائب شيء، اقتسموه أثلاثاً، لأنهم شركاء فيه. وإن وصى بمائة حاضرة، وله مائتان غائبة، أو دين، ملك الموصى له ثلث الحاضرة وله التصرف فيه في الحال، لأن الوصية فيه نافذة، فلا فائدة في وقفه. ووقف ثلثاها، فكلما حضر من الغائب شيء أخذه الوارث، واستحق الموصى له من الحاضرة قدر ثلثه. وإن تلفت الغائبة، فالثلثان للورثة.
الكافي 2/490، وراجع المغني 6/156.
3 انظر قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فقه عمر بن الخطاب لمحمد رواس قلعه جى ص 345.
4 روى عبد الرزاق بإسناده عن سالم قال: كان ابن عمر لا يعتق يهودياً ولا نصرانياً، إلا أنه تصدق مرة على ابنه بعبد نصراني، فمات ابنه ذلك، فورث ابن عمر ذلك العبد النصراني، فأعتقه من أجل أنه كان تصدق به.
مصنف عبد الرزاق 9/118، كتاب الصدقة، باب الرجل يتصدق بصدقة ثم يعود إليه بميراث أوشراء، برقم 16577، من طريق معمر عن الزهري عن سالم. وأعتق عمر بن عبد العزيز غلاماً له نصرانياً، وزيد بن ثابت غلاماً له مجوسياً، وكره إعتاق المسلم الكافر قوم. فقد قيل للزهري: المسلم يعتق النصراني واليهودي، أفيه أجر؟ قال: لا، وكره إعتاقهم.
وروي نحو هذه الرواية عن مجاهد. مصنف عبد الرزاق 6/123 - 124.

(8/4344)


عنهما] .1
قال إسحاق: عتقه جائز، وغيره أفضل، إلا أن يطمع في إسلامه إن أعتقه، فهو حينئذ أفضل من غيره.
[3105-] قلت: قال سفيان في رجل قال: ثلث مالي لفلان، ثم برأ فليس بشيء، لا يكون له إلا أن يقبض في الحياة، ولا يكون في الموت إلا بوصية.2
__________
ـــ
1 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله: الخلال فقال: أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم قال: حدثنا إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله: يكره عتق النصراني واليهودي. قال أحمد: غيره خير له، أليس قد أعتق عمر، وأعتق ابن عمر؟
أحكام أهل الملل ورقة 101.
وراجع الفروع 5/77، والإنصاف 7/392، وشرح منتهى الإرادات 4/648، ومطالب أولي النهى 4/692.
2 عن عبد الرزاق عن الثوري قال: إذا أوصى الرجل وصية، ثم ردها قبل أن يموت الموصي، فليس رده شيء، ويرجع إن شاء لأنه رد شيئاً لم يقع له بعد.
مصنف عبد الرزاق 9/92، كتاب الوصايا، الرجل يوصي لبني فلان وبنات فلان، والذي يوصى له فيرده، برقم 16474.
ونقل ابن المنذر عن سفيان الثوري قوله: إذا قال إن مت في مرضه هذا، ففلان حر، فإن شاء أن يبيعه باعه، وإن لم يبعه فمات فهو حر، فإن صح فلا شيء. الأوسط 4/134.
وقال ابن المنذر في الإشراف: واختلفوا في الهبة يهبها الرجل، ويقبلها الموهوب له الشيء. فقالت طائفة: لا تتم الهبة إلا بالقبض، هذا قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن ... وكان أبو ثور يقول: الهبة تتم بالكلام دون القبض ...
وقد روينا معنى هذا الكلام عن الحسن البصري، وكذلك قال حماد بن أبي سليمان، وأحمد بن حنبل في هبة الرجل لزوجته أنها إذا علمت فهي جائزة. الإشراف 3/80.

(8/4345)


قال أحمد: جيد.1
قال إسحاق: كما قال.
[3106-] قلت: قال سفيان: إذا قال الرجل: فرسي هذا لفلان، صار له بإقراره.
__________
ـــ
1 قال ابن قدامة بعد أن ذكر حكم عطايا المريض قوله: ويعتبر في المريض الذي هذا أحكامه: أن يتصل بمرضه الموت ولو صح في مرضه الذي أعطى فيه، ثم مات بعد ذلك، فحكم عطيته حكم عطية الصحيح، لأنه ليس بمرض الموت. المغني 6/84.

(8/4346)


قيل لسفيان: لا يسأل البينة من أين هو له؟ 1
قال: لا. لأنه أقر على نفسه.2
قال أحمد: إذا أقر وهو صحيح نعم، فأما إذا ما أقر وهو مريض فلا.3
__________
ـــ
1 في الظاهرية بلفظ "قال سفيان لا يسأل البينة من أين هو له".
2 الإقرار حجة في إثبات الحقوق، ولا يسأل صاحبها البينة، لأن النفس البشرية مجبولة على حب ذاتها، والعمل على جلب المصالح لها ودفع ما يمسها من الأذى والضرر، كما أن الذات البشرية مفطورة على جمع المال واقتنائه، فإذا أقر الشخص بانشغال ذمته بدين لآخر مخالفاً هواه، ومقدماً مصلحة الآخرين وحقوقهم، فإن العقل يرجح جانب الصدق، حتى يكاد يقرب إلى اليقين، فيؤخذ بإقراره. وسائل الإثبات ص 246.
3 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله ابن مفلح فقال: قال في رواية ابن منصور: إذا قال الرجل: فرسي هذا لفلان، فإذا أقر له وهو صحيح فنعم، فأما إن أقر وهو مريض فلا. النكت والفوائد السنية 2/444 - 445.
إن قال له داري هذه، أو نصف داري، أو فرسي هذا لفلان، هل يعتبر هذا القول إقراراً منه أم لا؟ للإمام أحمد رحمه الله روايتان:
إحداهما: يكون إقراراً، واختار هذه الرواية القاضي أبو يعلى فقد قال: فإن قال: له في مالي ألف درهم، أو في عبدي هذا نصفه، أو قال: له عبدي هذا، أو داري هذه، كان إقراراً صحيحاً.
والثانية: لا يكون إقرارا، لأنه أضاف المقرّ به إليه والإقرار إخبار بحق عليه، فالظاهر أنه جعله له وهو الهبة.
المحرر والنكت والفوائد السنية 2/443 - 444.
وللإمام أحمد رحمه الله في إقرار المريض في مرض موته لغير وارث ثلاث روايات:
إحداها: أن إقرار المريض في مرضه لغير وارث جائز، وهذا الذي عليه المذهب.
والثانية: لا يقبل إقراره بزيادة على الثلث، لأنه ممنوع من عطية ذلك لأجنبي، كما هو ممنوع من عطية الوارث، فلا يصح إقراره بما لا يملك عطيته بخلاف الثلث فما دون.
الثالثة: لا يصح، ولا يقبل مطلقاً، لأنه إقرار في مرض الموت أشبه الإقرار لوارث.
المغني 5/213، والإنصاف 12/134.
وراجع المقنع 3/726، والمحرر 2/376، ودليل الطالب ص 309 وشرح العمدة ص 664.

(8/4347)


قال إسحاق: كما قال سفيان. إذا كان المقر1 له غير وارث في المرض وغير المرض.
[3107-] قلت: قال إبراهيم في الرجل يوصي بوصايا وبعتاقة، يبدأ بالعتاقة2. سئل سفيان: أليس هذا إذا كان العبد عندهم؟
__________
ـــ
1 في العمرية سقطت كلمة "المقر".
2 روى سعيد بن منصور بإسناده عن إبراهيم في الرجل يوصى بالعتق وغيره، قال: يبدأ بالعتق قبل الوصية، فإذا استكمل العتق الثلث، لم يكن لأصحاب الوصية شيء. وإن زاد العتق على الثلث، استسعى فيما بقي وعتق. فإن كان العتاق أقل من الثلث بدئ بالعتاق، وما بقي من الثلث كان بين أصحاب الوصية بحصصهم.
سنن سعيد بن منصور 1/144، كتاب الوصايا، باب الرجل يوصي بالعتاقة وغير ذلك، برقم 398.
ومصنف عبد الرزاق 9/157، كتاب الوصايا، باب العتق عند الموت، برقم 16741، من طريق الثوري عن منصور مختصراً.
ومصنف ابن أبي شيبة 11/190، كتاب الوصايا في الرجل يوصى بوصية فيها عتاقة، برقم 10926.
وراجع قوله في:، كتاب الآثار لأبي يوسف ص 173 رقم 788، والسنن الكبرى 6/277، وموسوعة فقه النخعي 2/299، والمحلى 9/333، والمبسوط 27/152.

(8/4348)


قال: بلى. فإذا كان يشترى فبالحصص.1
قال أحمد: إنما هي وصية العتاقة، وغيرها بالحصص.
قال إسحاق: كما قال سفيان.2
__________
ـــ
1 عن وكيع قال: قال سفيان: إذا أوصى بأشياء وقال: اعتقوا عني فبالحصص، وإذا أوصى فقال: فلان حر بدئ بالعتاقة.
مصنف ابن أبي شيبة 11/192، كتاب الوصايا في الرجل يوصي بوصية فيها عتاقة، برقم 10933.
روى عبد الرزاق بسنده عن ابن عمر أنه قال: يبدأ بالعتق.
قال الثوري وأصحابه: يبدأ بالعتق.
مصنف عبد الرزاق 9/185، كتاب العتق، باب العتق عند الموت، برقم 16743. وراجع قوله في: المحلى 9/333 - 335، والمغني 6/159، وحاشية المقنع 2/356.
2 سبق توثيق قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة: (3076) .

(8/4349)


[3108-] قلت: يوصى للقرابة من أهل الكتاب؟
قال: نعم.1 صفية2 أوصت.3
قال إسحاق: نعم.4
__________
ـــ
1 قال ابن قدامة: وتصح وصية المسلم للذمي، والذمي للمسلم. المغني 6/103.
قال المرداوي: تصح الوصية للمسلم والذمي بلا نزاع، لكن إذا كان معيناً، أما غير المعين كاليهودي والنصراني ونحوهم فلا تصح.
الإنصاف 7/221، وراجع المقنع 2/366، وأحكام أهل الذمة لابن القيم 1/305.
2 هي صفية بنت حيي بن أخطب، الإسرائيلية، أم المؤمنين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خيبر، وماتت سنة ست وثلاثين، وقيل في ولاية معاوية، وهو الصحيح.
تقريب التهذيب ص 470، والمعارف لابن قتيبة ص 138، والإعلام 3/206.
3 عن أيوب عن عكرمة قال: باعت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم داراً لها من معاوية بمائة ألف، فقالت لذي قرابة من اليهود: أسلم، فإنك إن أسلمت ورثتني، فأبى، فأوصت له قال بعضهم: بثلاثين ألفاً.
مصنف عبد الرزاق 6/33، كتاب أهل الكتاب، عطية المسلم الكافر ووصيته له، برقم 9913.
وابن أبي شيبة في المصنف 11/161، كتاب الوصايا، في الوصية لليهودي والنصراني من رآها جائزة، برقم 10811، من طريق عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد.
وراجع: السنن الكبرى 6/281، وسنن الدارمي 2/427.
4 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: ووصية المسلم للذمي جائزة في قول مالك وأصحاب الرأي وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقد روينا إجازة ذلك عن شريح والشعبي، وبه قال عطاء ومحمد بن سيرين، وقال محمد بن الحنفية وقتادة في قوله {إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} : الآية هذه في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني، وكذلك قال عطاء. الأوسط 3/174.
وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 6/103.

(8/4350)


[3109-] قلت: إذا وكل الرجل الوكيل بخصومة فأقر على صاحبه الذي وكله جاز.
قال أحمد: إنما وكله بالخصومة، له1 أن يقوم بها، لا يجوز إقراره على صاحبه.2
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يكون [قال] : ما أقرّ لي وعليّ فهو كما أقر.
__________
ـــ
1 في العمرية بحذف "له".
2 قال ابن قدامة: إذا وكل رجلاً في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره. المغني 5/99.
قال في الإنصاف: وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلاً في القبض، ولا الإقرار عليه مطلقاً، نص عليه، وهذا الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب وقطعوا به. الإنصاف 5/393، وراجع المبدع 4/378.
وقال في الكافي: ويجوز التوكيل في الإقرار، لأنه إثبات الحق، فأشبه البيع، ويجوز في إثبات القصاص، وحد القذف، واستيفائهما في حضرة الموكل وغيبته، لأنه حق آدمي أشبه المال. الكافي 2/240.
قال المرداوي: يجوز التوكيل في الإقرار، والصحيح من المذهب: أن الوكالة فيه إقرار. الإنصاف 5/357.

(8/4351)


[3110-] قلت: سئل سفيان عن رجل أوصى بالسكنى؟
قال: أراه من الثلث.1
قال أحمد: كأنه أسكن رجلاً داراً سنة فينظر ما غلتها سنة، فيكون في الثلث.2
قال إسحاق: كما قال.3
__________
ـــ
1 عن المغيرة بن مقسم قال: سألت إبراهيم النخعي عمن أسكن آخر داره حياته فمات المسكِنُ والمسكَنُ، قال ترجع إلى ورثة المسكِنِ، فقلت: أليس يقال من ملك شيئاً حياته فهو لورثته من بعده؟ فقال إبراهيم: إنما ذلك في العمرى وأما السكنى والغلة والخدمة فإنها ترجع إلى صاحبها.
قال ابن حزم بعد ذكر الأثر السابق: وهو قول سفيان الثوري. المحلى 9/165،
وراجع: مصنف عبد الرزاق 9/194، برقم 16907، والإشراف 3/83.
2 نقل ابن هانئ نحو هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: سألته عن رجل أوصى في مرضه، فقال: قد صيرت داري هذه لولد أخي، وولد أختي، على أن يسكنوها، أفتكون هذه الدار من الثلث؟ قال أبو عبد الله: كلما كان في مرضه من وصية أو وقف ينفذ ذلك في ثلثه على ما سمى. مسائل ابن هانئ النيسابوري 2/57، برقم 1412.
3 نقل ابن حزم قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: فاتفق من ذكرنا على جواز الوصية بخدمة العبد، غلة البستان، وسكنى الدار، ووافقهم على ذلك سواد بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن العنبريان، وإسحاق بن راهويه. المحلى 9/326، وراجع: المغني 5/691.

(8/4352)


[3111-] قلت: قوله ما كانوا يحبسون إلا الكراع1 والسلاح.2
قال: ليس هذا3 بشيء4، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أوقفوا الدور،
__________
ـــ
1 الكراع اسم يجمع الخيل، والكراع: السلاح، وقيل هو: اسم يجمع الخيل والسلاح.
لسان العرب 8/307، ومختار الصحاح ص 567.
2 قال ابن حزم: وطائفة قالت: لا حبس إلا في سلاح، أو كراع، روي ذلك عن ابن مسعود، وعلي، وابن عباس رضي الله عنهم. المحلى 9/175. وانظر قول الصحابة الثلاثة رضوان الله عليهم في أحكام الوقف 1/91.
وقول ابن مسعود رضي الله عنه في الحجة على أهل المدينة للشيباني 3/63، وموسوعة فقه ابن مسعود ص 580.
قال ابن حزم: وأما القول المروي عن علي وابن مسعود، وابن عباس، فإنه لم يصح عن أحد منهم.
أما ابن مسعود فرويناه من طريق سفيان بن عيينة، عن مطرف بن طريف عن رجل عن القاسم، وهوابن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود أنه قال: "لا حبس إلا في سلاح أو كراع ".
وهذه الرواية ساقطة، لأنه عن رجل لم يسم، ولأن ولد القاسم لا يحفظ عن أبيه كلمة، وكان له إذ مات أبوه ست سنين. ولا نعرفها عن ابن عباس أصلاً، ولا عن علي، بل نقطع على أنها كذب على علي لأن إيقافه ينبع وغيرها أشهر من الشمس، ولعل من ذهب إلى هذا يتعلق بأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجعل ما فضل عن قوته في السلاح والكراع. المحلى 9/176.
3 في الظاهرية بلفظ "ذا".
4 هكذا في النسختين بلفظ "شيء "، ولعله بشيء بزيادة الباء لأنه خبر ليس.

(8/4353)


والأرضين.1
__________
1 قال ابن قدامة: تصدق أبو بكر رضي الله عنه بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان برومة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة، وداره بمصر، وأموالهم بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة، وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده. وقال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذا مقدرة إلا وقف.
المغني 5/599، وراجع المحلى 9/180.
نقل الخلال هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله بنصها، فقال: أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم أن إسحاق بن منصور حدثهم أنه قال لأبي عبد الله قوله: ما كانوا يحبسون إلا الكراع والسلاح. قال: ليس ذا شيئاً، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوقفوا الدور والأرضين. الجامع لمسائل الإمام أحمد للخلال ص 3، باب تثبيت أمر الوقوف.
قال مجد الدين أبو البركات: لا يصح الوقف إلا في عين يجوز بيعها، ويدوم نفعها، مع بقائها، عقاراً كانت أو منقولاً، مفرداً أو مشاعاً. المحرر 1/369.
وقال المرداوي: أما الوقف غير المنقول فيصح بلا نزاع.
وأما وقف المنقول، كالحيوان، والأثاث، والسلاح ونحوها: فالصحيح من المذهب صحة وقفها، وعليها الأصحاب ونص عليه.
وعنه: لا يصح وقف غير العقار، نص عليه في رواية الأثرم وحنبل.
ومنع الحارثي دلالة هذه الرواية، وجعل المذهب رواية واحدة.
ونقل المروذي: لا يجوز وقف السلاح، ذكره أبو بكر.
الإنصاف 7/7، وراجع المقنع 2/309، وكشاف القناع 4/243.

(8/4354)


قال إسحاق: كما قال أحمد.
[3112-] قلت: قال سفيان: لا يقبض للصبي إلا أب،1 أو وصيّ، أو قاضٍ.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: قبض هؤلاء له قبض، وكذلك قبض [ع-71/أ] أمهم لهم فيما يوهب لهم، أو تهب هي2 نفسها.
__________
1 في العمرية بلفظ "الأب".
2 الطفل لا يصح قبضه لنفسه، ولا قبوله، لأنه ليس من أهل التصرف، ووليه يقوم مقامه في ذلك.
فإن كان له أب أمين فهو وليه، لأنه أشفق عليه، وأقرب إليه. وإن مات أبوه الأمين وله وصي، فوليه وصيه، لأن الأب أقامه مقام نفسه، فجرى مجرى وكيله.
وإن كان الأب غير مأمون لفسق أو جنون، أو مات من غير وصي، فأمينه الحاكم، ولا يلي ماله غير هؤلاء الثلاثة. وأمين الحاكم يقوم مقامه، وكذلك وكيل الأب والوصي، فيقوم كل واحد منهم مقام الصبي في القبول والقبض إن احتيج إليه.
[] انظر: المغني 5/660، والكافي 2/468، والمبدع 5/468، وكشاف القناع 4/301-302.
قال المرداوي: لا يصح قبض الطفل والمجنون لنفسه، ولا قبوله، ووليه يقوم مقامه فيهما. فإن لم يكن له أب فوصيه، فإن لم يكن فالحاكم الأمين، أو من يقيموه مقامهم، ولا يقوم غير هؤلاء الثلاثة مقامهم. الإنصاف 7/125.

(8/4355)


[3113-] قلت: إذا وهب الرجل لامرأته شيئاً ولم تقبض، لم يجز؟
قال: ليس ذا بشيء، ليس بينه وبينها حيازة وهي معه في البيت، نحن نقول في1 الهبة إذا علمت فهي2 جائزة.3
قال إسحاق: لابد من قبض في مشاع، والصدقة إذا علمت4 جاز.
[3114-] قلت [لإسحاق] :5 حديث أبي بكر [رحمة الله تعالى ورضوانه عليه] فيما نحل عائشة [رحمها الله تعالى] جذاذ عشرين وسقاً
__________
1 في العمرية سقطت لفظ "في".
2 في العمرية سقطت لفظ "فهي".
3 في العمرية بلفظ "فجائزة".
وقد نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله ابن قدامة فقال: قال في رواية ابن منصور: إذا وهب لامرأته شيئا ولم تقبضه فليس بينه وبينها حيازة، هي معه في البيت، فظاهر هذا أنه لم يعتبر قبضاً ولا مُضِيّ مدة يتأتى فيهما لكونها معه في البيت فيدها على ما فيه. المغني 5/652.
كما نقل هذه لرواية عنه ابن المنذر في الأوسط 4/146، والإشراف 3/80.
4 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله باختلاف العلماء للمروزي ص 217. وقد سبق نحو هذه المسألة، برقم (3083) .
5 في الظاهرية بلفظ "لأحمد".

(8/4356)


من ماله بالعالية.1
قال: إنما قال لها: وددت [ظ-99/ب] أنك حزتيه فيجوز لك2 لأنه لم يملكها النخيل بأصولها، وإنما جعل لها قدر جذاذ عشرين وسقاً [فهذا] فإذا لم تجذ النخل لا تكون حيازة.
وهؤلاء احتجوا بقول أبي بكر [رحمة الله عليه ورضوانه] هذا أن الهبة لا تكون إلا مقبوضة3 وأخطؤوا في تأويل الحديث
__________
1 في العمرية بحذف كلمة "بالعالية".
وحديث أبي بكر الذي أشار إليه الكوسج هو ما رواه مالك في الموطأ: 2/752، والبيهقي: 6/170 عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقاً من مال الغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز فقراً بعدي منك، وإني كنت نحلتك من مالي جذاذ عشرين وسقاً، فلو كنت جذذتيه واجتزتيه كان لك ذلك وإنما هو مال الوارث، وإنما هو أخواك وأختاك فاقتسموه على، كتاب الله، فقالت: يا أبت والله لو كان كذا وكذا لتركته إنما هو هكذا لعلها هي أسماء فمن الأخرى قال: ذو بطن بنت خارجة أراها جارية".
[] قال الألباني بعد ذكر الحديث: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. إرواء الغليل 6/694-62.
2 في العمرية بلفظ "ذلك".
3 يشير إلى الأحناف الذين يقولون: لا ينفذ ملك الموهوب له، وتتم الهبة له إلا بالقبض الكامل الممكن في الموهوب، فالقبض الكامل في المنقول ما يناسبه، وكذا العقار كقبض المفتاح أو التخلية وفيما يحتمل القسمة بالقسمة، وفيما لا يحتملها بتبعية الكل وتمامه في الدور، فإن قبض الموهوب له الهبة في المجلس بغير أمر الواهب ولم ينهه جاز استحساناً، لأن الإيجاب إذن له بالقبض دلالة، وإن قبض بعد الافتراق لم تصح الهبة، لأن القبض في الهبة منزل منزلة القبول، والقبول مختص بالمجلس، فكذا ما هو بمنزلته بالأولى إلا أن يأذن له الواهب في القبض.
انظر: اللباب في شرح الكتاب 2/171، والهداية 3/224، وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية للنابلسى ص 104. وما بعده.

(8/4357)


لأنهم يقولون: أصل هذه الهبة فاسدة، فكيف يجوز قبض الهبة الفاسدة؟ وهذا الذي وهب أبو بكر [رضي الله عنه] لها غائب عنها، ولكنه رأى ذلك جائزاً، ونرى للموهوب قبض ذلك جائزاً إذا قبض وهو الحق، فلذلك نجيز الهبة الغائبة لما فعل أبو بكر [رضي الله عنه] ذلك، ورأى هؤلاء: أن الهبة إذا كانت مشاعة لا تجوز لما لا يمكن عندهم قبض ذلك، واحتجوا بما جاء: "لا هبة إلا مقبوضة"1 فرأوا أن غير المقسوم لا يمكن فيه القبض أبداً2،
__________
1 قال الزيلعي: قال عليه السلام: "لاتجوز الهبة إلا مقبوضة "، وذكر أن الحديث غريب، ورواه عبد الرزاق من قول النخعي: "لا تجوز الهبة حتى تقبض، والصدقة تجوز قبل أن تقبض ". نصب الراية 4/121.
2 قال السرخسي: إذا وهب الرجل للرجل نصيباً مسمى من دار غير مقسومة وسلمه إليه مشاعاً، أو سلم إليه جميع الدار، لم يجز، يعني لم يقع الملك للموهوب له بالقبض قبل القسمة عندنا.
المبسوط 12/64، وراجع اللباب في شرح الكتاب 2/172، والهداية 3/225.
قال ابن المنذر: اختلفوا في الرجل يهب الرجل الشقص من الدار، والعبد. فقالت طائفة: ذلك جائز، والهبة عندها جائزة، وإن لم تكن مقسومة، هذا قول مالك والشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبي ثور.
وكان النعمان يقول: إذا وهب الرجل داراً له لرجلين، أو متاعاً وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعاً، فإن ذلك لا يجوز إلا أن يقسم كل واحد منهما حصته، وقال: إذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز، قال ابن المنذر: بالقول الأول أقول، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وهب حقه من غنائم حنين لهوازن، وحقه من ذلك مشاع.
انظر الإشراف 3/79.
يشير ابن المنذر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن حين جاؤوا يطلبون أموالهم وسباياهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين".
ذكره ابن حجر في فتح الباري 8/33 عن موسى بن عقبة من المغازي.
وقد روى البخاري الحديث في صحيحه مختصراً، برقم 4318، 4319، فتح الباري لابن حجر 8/32، كتاب المغازي، باب قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} الآية. التوبة الآية (25) .

(8/4358)


وأخطؤوا من أوجه وذلك أنهم رأوا في نصف سيف، ونصف حمام، وما أشبه ذلك، أنه يجوز للواهب هبة نصيبه، ويقبضه الموهوب، فكيف سموها هنا لغير (المقسومة قبضاً

(8/4359)


وهو مشاع إنما القبض من الموهوب بإذن الواهب1 فغير) 2 المقسوم والمقسوم يستويان في القبض، فما لم يأتوا بحديث أن لا تجوز هبة إلا مقسومة لم تكن لهم حجة.
[3115-] قلت: قال سفيان: إذا أوصى اليوم إلى رجل، وغدا إلى رجل، ثم أوصى إلى رجل، هم أوصياء كلهم؟ 3
قال أحمد: هم أوصياء حتى يقول قد أخرجت فلانا.4
__________
1 قال في المبسوط: ولا يقسم الحمام، والحائط، وما أشبه ذلك بين الشركاء، لما فيها من الضرر، والمقصود بالقسمة توفير المنفعة، فإذا أدى إلى الضرر وقطع المنفعة عن كل واحد منهما على الوجه الذي قبل القسمة، لم يجبر القاضي عليه. المبسوط 15/51.
2 ما بين القوسين ساقط من العمرية.
3 انظر المغني 6/64.
4 قال ابن قدامة: إذا أوصى إلى رجل، ثم أوصى إلى آخر، فهما وصيان، إلا أن يقول: قد أخرجت الأول، أو قد عزلته. لأنه قد وجدت الوصية إليهما من غير عزل واحد منهما، فكانا وصيين، كما لو أوصى إليهما دفعة واحدة، فأما إن أخرج الأول انعزل، وكان الثاني هو الوصي، كما لو عزله بعد الوصية إلى الثاني. المغني 6/135.
وقال مجد الدين أبو البركات: ومن أوصى إلى رجل، ثم بعد إلى آخر، فهما وصيان، إلا أن يقول قد عزلت الأول، وليس لأحدهما أن يستقل بالتصرف إلا أن يجعل له ذلك. المحرر 1/392.
وراجع: المقنع 2/395، والكافي 2/521، والفروع 4/709، والإنصاف 7/289.

(8/4360)


قال إسحاق:1 هوكما قال. إلا أن يكون هناك دلالة بإخراج الأول والثاني.2
[3116-] قال إسحاق في المرأة تهب مهرها لزوجها ثم ندمت، فإن السنة3 في ذلك إذا وهبت رغبة أورهبة لم ترد بذلك وجه الله [عز وجل] على معنى الصدقة، فلها أن ترجع متى ما شاءت فإنهن يخدعن، ولا تهب إحداهن إلا طمعاً في الرفق بها، والتكرمة لها أوخوفاً من الظلم من الزوج، أو ما أشبهه، فإذا فاتها ذلك كان لها الرجوع،4 وقد احتج قوم خالفوا هذا
__________
1 في العمرية بحذف "إسحاق ".
2 انظر المغني 6/64.
3 روى عبد الرزاق بإسناده عن محمد بن عبد الله الثقفي قال: كتب عمر بن الخطاب: "أن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت".
مصنف عبد الرزاق 9/115، كتاب المواهب، باب هبة المرأة لزوجها، برقم 16562.
وابن حزم في المحلى 9/133، من طريق ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر.
4 نقل ابن نصر المروزي قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: وكان إسحاق يقول: للمرأة أن ترجع فيما تعطي زوجها، وليس للزوج أن يرجع فيما أعطى امرأته، يذهب إلى ما يروى عن عمر أنه قال: "إن النساء يعطين رغبة ورهبة".
ويروى عن شريح وغيره من التابعين مثل قوله، وقال هؤلاء في قوله: "فإن طبن لكم إلى الممات" اختلاف العلماء لابن نصر المروزي ص 221.

(8/4361)


القول.1
قالوا: قال الله [تبارك وتعالى] : {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} ،2 وهذا على أن تطيب نفسها حتى الممات كذلك فسر شريح3 ومجاهد،4 وهو على مذهب عمر بن الخطاب
__________
1 المخالفون لقول الإمام إسحاق ومن وافقه، والقائلون بمنع رجوع الزوجة فيما وهبت زوجها هم: الإمام أحمد في رواية، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، وربيعة ومالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وهو قول عطاء وقتادة.
المغني 5/683، ومصنف عبد الرزاق 9/113.
2 جزء من الآية رقم (4) سورة النساء.
3 وقول شريح القاضي ذكر عبد الرزاق بإسناده عن الشعبي عن شريح أنه كان يقول: "ترجع المرأة فيما أعطت زوجها ماكانا حيين، فإذا ماتا فلا رجعة لهما "أي: إذا مات أحدهما فلا رجعة للآخر.
مصنف عبد الرزاق 9/115، كتاب المواهب، باب هبة المرأة لزوجها، برقم 16563، من طريق الثوري عن فراس عن الشعبي.
4 روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن رجل عن مجاهد في قوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} قال: حتى الممات.
مصنف عبد الرزاق 9/115، كتاب المواهب، باب هبة المرأة لزوجها، برقم 16565.

(8/4362)


[رضي الله عنه] 1 ومن اتبعه حيث رأوا الرجوع لها.2
وقد احتج بعضهم على عبد الملك3 بن مروان بهذه [الآية] وقد طلقها.
فقال عبد الملك اقرأ الآية التي بعدها {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ
__________
1 راجع أول تعليق في هذه المسألة.
2 من أول هذه المسألة إلى موضع الرقم نقله الإمام ابن المنذر رحمه الله بنصه في الأوسط 4/145.
3 هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أبو الوليد المدني ثم الدمشقي، من أعاظم الخلفاء ودهاتهم، نشأ في المدينة فقيهاً واسع العلم، متعبداً، ناسكاً، واستعمله معاوية على المدينة وهو ابن ست عشرة سنة، وانتقلت إليه الخلافة بموت أبيه سنة خمس وستين، فضبط أمورها، وظهر بمظهر القوة فكان جباراً على معانديه، قوي الهيبة، واجتمعت عليه كلمة المسلمين بعد مقتل مصعب، وعبد الله، ابني الزبير في حربهما مع الحجاج الثقفي. قال الشعبي: ما ذاكرت أحداً إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك فما ذاكرته حديثاً ولا شعراً إلا زادني فيه. توفي عبد الملك بدمشق سنة ست وثمانين، وله اثنتان وستون سنة، ملك ثلاث عشرة سنة استقلالاً، وقبلها منازعا لابن الزبير تسع سنين.
انظر: الأعلام 4/165، والمعارف ص 355، وتقريب التهذيب ص 330.

(8/4363)


مَكَانَ زَوْجٍ} [الآية] .1
قال [الإمام] أحمد [رحمة الله تعالى عليه] : إذا وهبت المرأة لزوجها بطيب نفس من غير مسألة فليس لها أن ترجع.2
[3117-] سئل إسحاق: وأما الموصي لأقربائه من ثلثه وبباقي الثلث للمساكين3، فأعطى الأقرباء [ع-71/ب] ما سمى لهم "وأرادوا4 أن يعطوا من الباقي الذي أوصى للمساكين، فإنهم لا يزادون على ما سمى لهم" لأن الموصي قد قصد ما أراد أن
__________
1 جزء من الآية رقم (20) سورة النساء.
نقل الفخر الرازي قول عبد الملك بن مروان فقال: وحُكِي أن رجلاً من آل أبي معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقاً كان لها عليه: فلبث شهراً ثم طلقها، فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان، فقال الرجل: أعطتني طيبة به نفسها. فقال عبد الملك: "فإن الآية التي بعدها {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} اردد عليها". تفسير الفخر الرازي 5/189.
2 سبق توثيق قول الإمام أحمد رحمه الله، وذكر الروايات عنه في المسألة رقم (3051) .
3 في العمرية بلفظ "في المساكين".
4 في العمرية سقط مقدار سطر وهو: "وأرادوا أن يعطوا من الباقي الذي أوصى للمساكين، فإنهم لا يزادون على ما سمي لهم ".

(8/4364)


يكون لهم1 وأخطأ هؤلاء الذين قالوا: يعطون مما أوصى للمساكين إذا كانوا ما قبضوا لم يصيروا به2 أغنياء،3 وقد رأى ابن عباس [رضي الله عنه] إمضاء الوصايا على أوهام الميت وإرادته.
فلذلك قلنا: لا يزاد [على] من سمى له مع اتباعنا قول الحسن مفسراً في رجل أوصى لرجل بعشرة دراهم وأوصى للمساكين.
فقال: لا يُعطى صاحب العشرة مما أوصى للمساكين.4
__________
1 نقل ابن قدامة قول الإمام إسحاق رحمه الله في المسألة فقال: وإن أوصى بشيء لزيد وللمساكين، فلزيد نصف الوصية لأنه جعل الوصية لجهتين، فوجب أن يقسم بينهم كما لو قال لزيد وعمرو، ولأنه لو وَصّى لقريش وتميم لم يشرك بينهم على قدر عددهم، ولا على قدر من يعطى منهم، بل يقسم بينهم نصفين، كذلك ههنا، وإن كان زيد مسكيناً لم يدفع إليه من سهم المساكين شيء، وبه قال الحسن وإسحاق، لأن عطفهم عليه يدل على المغايرة بينهما، إذ الظاهر المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، ولأن تجويز ذلك يفضي إلى دفع الجميع إليه، ولفظه يقتضي خلاف ذلك. المغني 6/125.
2 في العمرية بحذف "به "
3 حاشية ابن عابدين 5/446.
4 نقل ابن المنذر قول الحسن البصري فقال: كان الحسن البصري يقول: إذا أوصى الرجل بعشرة دراهم وأوصى للمساكين بدراهم، والرجل المسكين لا يعطى منها كذلك، قال إسحاق بن راهويه، وذكر قول الحسن هذا.
الأوسط 3/167، وراجع المغني 6/125.

(8/4365)


حدثنا إسحاق قال إسحاق بن إبراهيم:1 أخبرني بذلك ابن مهدي2 عن حماد3 بن سلمة عن حميد4 عن الحسن [رحمه الله سبحانه وتعالى] .
[3118-] قال إسحاق: وأما الموصي إذا كان له على الأقرباء دين5 فجعل دينه لهم بما أوصى، فإن ذلك لا يجوز حتى يعطيهم ما أوصى لهم من مال الميت، وليس له أن يخوفهم بشيء لكي يردوا عليه إذا قبضوا، فإن ذلك لا يحل.
وأخطأ هؤلاء حين رأوا المواطأة في مثل هذا وشبهه جائزاً
__________
1 في العمرية بحذف عبارة "حدثنا إسحاق بن إبراهيم".
2 هوعبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري.
3 هو حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة.
4 هو حميد بن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس، عابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء. مات سنة اثنتين ويقال ثلاث وأربعين ومائة، وهو قائم يصلي، وله خمس وسبعون.
تهذيب التهذيب 3/38، وتقريب التهذيب ص 84، وتذكرة الحفاظ 1/152، وطبقات الحفاظ ص 72.
5 في الظاهرية بلفظ "ديوناً".

(8/4366)


وذلك أنهم قالوا بأجمعهم: لو أعطى من زكاة ماله غريماً له ألوفاً كثيرة وهو ينوي قبضها منه بعد تسليمها إليه جاز ذلك،1 فهذا باطل، لو جاز هذا وشبهه لكان الأغنياء لا
__________
1 قال ابن نجيم: ومن له على فقير دين، وأراد جعله عن زكاة العين، فالحيلة أن يتصدق عليه، ثم يأخذه منه عن دينه، وهو أفضل من غيره ولو امتنع المديون من دفعه مد يده ويأخذه منه لكونه ظفر بجنس حقه، فإن مانعه رفعه إلى القاضي فيكلفه قضاء الدين، أو يوكل المديون خادم الدائن بقبض زكاة ثم بقضاء دينه. الأشباه والنظائر ص 407.
قال ابن القيم: ومن الحيل الباطلة المحرمة أن يكون له على رجل مال، وقد أفلس غريمه، وآيس من أخذه منه، وأراد أن يحسبه من الزكاة، فالحيلة أن يعطيه من الزكاة بقدر ما عليه، فيصير مالكاً للوفاء فيطالبه حينئذ بالوفاء، فإذا أوفى برئ، وسقطت الزكاة عن الدافع.
ثم قال: وهذه حيلة باطلة سواء شرط عليه الوفاء أو منعه من التصرف فيما دفعه إليه، أو ملكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه، فكل هذا لا يسقط عنه الزكاة، ولا يعد مخرجاً لها لا شرعاً، ولا عرفاً كما لو أسقط دينه وحسبه من الزكاة ...
لأن الزكاة حق لله وللمستحق، فلا يجوز صرفها إلى الدافع، ويفوز بنفعها العاجل.
ولأن الشارع منعه من أخذها من المستحق بعوضها، فقال: "لا تشترها ولا تعد في صدقتك " فجعله بشرائها منه بثمنها عائداً فيها، فكيف إذا دفعها إليه بنية أخذها منه؟ إعلام الموقعين 3/308. وما بعدها.
والمقصود أنه متى فعل ذلك حيلة لم تسقط عنه الزكاة بما دفعه، فإنه لا يحل له مطالبة المعسر، وقد أسقط الله عنه المطالبة، فإذا توصل إلى وجوبها بما يدفعه إليه فقد دفع إليه شيئاً ثم أخذه، فلم يخرج منه شيئاً، فإنه لو أراد الآخذ التصرف في المأخوذ، وسد خلته منه لما مكنه، فهذا هو الذي لا تسقط عنه الزكاة.
فأما لو أعطاه عطاء قطع طمعه من عوده إليه، وملكه ظاهراً وباطناً، ثم دفع إليه الآخذ دينه من الزكاة، فهذا جائز كما لو أخذ الزكاة من غيره، ثم دفعها إليه. إعلام الموقعين 3/311.

(8/4367)


يخرجون صدقاتهم إلا إلى من تفالس من غرمائهم حتى لا يتوى لهم مال، ويحرمون بذلك،1 أهل السهمان الذين قد جعل لهم الصدقات.
[3119-] قال إسحاق: وأما ما ذكرت من الوصية للمساكين، فأعطى2 الوصي المساكين بذلك عروضاً من مال الميت، أو براً أو شعيراً، أو ما أشبه ذلك، فإن أخذوا ذلك بطيبة أنفسهم اختياراً لذلك الشيء فهو جائز [ظ-100/أ] .
وإن3 أراد به الوصي منفعة، وأكرههم فليس بجائز، وينظر فضل ما بين ما قومه، أو ما نقص من قيمة تلك الأشياء فأعادها عليهم حتى يسكن قلبه على استيفاء من أوصي له
__________
1 في العمرية "ذلك".
2 في العمرية بلفظ "وأعطى".
3 في الظاهرية بلفظ "وإذا".

(8/4368)


حقوقهم، والذي نختاره1 أن يعطيهم دراهم كما سمى لهم.2
[3120-] قال إسحاق: وأما الموصي لولد ولده سدس ماله، وهم لا يرثونه وقال: السدس3 الباقي اجعلوه للأقرب [فالأقرب] .
فإن ذلك على معاني الوصايا لقرابات الميت، هم القربى فينظر إلى من كان من الميت بسبب قرابة من4 الأبوين جميعاً فإنهم يعطون.
وأما ما قلت: إن ولد أخيه محاويج فيعطون5 كل ذلك.
__________
1 في العمرية بلفظ "والذي نختار " بحذف الهاء.
2 لا يأخذ الموصى له إلا عين ما أُوصي له به، وعلى الموصى إليه تنفيذ ذلك على حسب رغبة الموصي، فإذا قدر حصة الموصى له بنصف الثلث استوفاه من العين، ولا يستوفيه من سواها، لأن حقه متعلق بها، فلا يأخذه من غيرها ما أمكن الاستيفاء منها، ولا ضرر على غيره في ذلك، ومن جهة أخرى فذلك تنفيذ لإرادة الموصي، وهي واجبة التنفيذ بالقدر الممكن الذي يتفق، مع مراعاة الحقوق. راجع شرح قانون الوصية ص 266.
3 في العمرية بلفظ "في سدس " بحذف الألف واللام.
4 في العمرية سقط "من".
5 في الظاهرية بلفظ "فيعطوا " بحذف النون.

(8/4369)


فإنهم1 يعطون ما يصيبهم بسبب2 القرابة وإن فَضّل المعطي من قرب منه أكثر على قدر استحقاق ما يستحقون، فله ذلك، إن شاء الله [تعالى] .
وإن كان الميت [ع-72/أ] [قد] جعل ذلك إلى المعطي أن يعمل برأيه فهو الأمر الواضح الذي لا يشوبه ريبة.3
[3121-] قلت: لإسحاق: إذا مات الرجل، وأوصى إلى رجل وله أولاد ثم ماتت4 الأم، وأوصت إلى غير وصي الزوج، يكون وصي الأب بمنزلة الأب؟
قال: أما الوصي الذي أوصى إليه الأب فهو يقوم مقام الأب في النفقة على اليتامى والبيع لهم والشراء وما أشبه ذلك من حوائج
__________
1 في الظاهرية بلفظ "وإنهم".
2 في الظاهرية بلفظ "من بسب القرابة".
3 في العمرية بلفظ "دنيه".
إن وصى لأقرب أقاربه، أو أقرب الناس إليه، أو أقربهم به رحماً لم يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب، إلا إذا أوصى إليه بتفريق ماله وفوضه بإعطاء من شاء منهم فإن له ذلك، ولكن ليس له أخذ شيء منه. راجع المغني 6/118 - 145.
وسبق توثيق قول الإمام إسحاق رحمه الله في نحو هذه المسألة، برقم: (3074) .
4 في العمرية بلفظ "مات".

(8/4370)


اليتامى.
والأم إذا أوصت إلى غير وصي الأب فإنه يصير وصيها خاصة.1
[3122-] قلت لإسحاق: للرجل أن يتوكل2 بطلب دم، فإن وكّل وسلّم
__________
1 الوصي نوعان:
[1-] قوي: وهو وصي الأب، ووصي وصيه، ووصي القاضي. والقوي له التصرف في مال الصغير، في المنقول والعقار جميعاً، وله ولاية النظر في أموالهم بحفظها، والتصرف فيها بمالهم الحظ فيه لأنه يقوم مقام الأب، وللأب ولاية التصرف في جميع ذلك، فكذا من يقوم مقامه.
[2-] وضعيف: وهو وصي الأم، ووصي الأخ، ووصي العم. وحكم الوصي الضعيف على الصغيركحكم الوصي القوي على الكبير الغائب، يبيع منقول الصغير ما ورث من أمه أو عمه، لأنه قائم مقام الأم والأخ والعم، ولهم الحفظ دون التصرفات.
وإنما يملك الوصي الضعيف هذا القدر من التصرف عند عدم الوصي القوي. أما حال وجود الوصي القوي، فلا يملك التصرف في مال الصغير أصلاً في هذه الصورة، وليس للوصي الضعيف سوى القيام بمصالح موصيه، كتنفيذ الوصية، وقضاء الدين ونحوه، ولا يكون له ولاية الشراء على سبيل التجارة، إلا شراء ما لا بد لليتيم من كسوة أو نفقة.
جامع أحكام الصغار 4/93 وما بعده، والمغني 6/135.
2 في الظاهرية بلفظ "يوكل".

(8/4371)


إليه يَقْتُل أم1 لا؟
قال كلما وكله ولي المقتول أن يطلب بدم أخيه ويقيد2 به، قام مقامه.3
[3123-] قال إسحاق: وأما ما ذكرت عن رجل أوصى للمساكين فقيل له: توصي للصغير بشيء فتؤجر؟
قال: [قد] أوصيت له بألف درهم، فإذا بلغ دفع إليه، فإن مات قبل أن يبلغ [قسم على المساكين، فإن جاء وليه فطلب الألف قبل أن يبلغ] فإنه لا يعطى، لأن الوصية إن مات الغلام قبل البلوغ فهو للمساكين، ولا يجوز الدفع إلى وصيه،4 ووليه
__________
1 في الظاهرية بلفظ "أو "بدل "أم".
2 في الظاهرية بلفظ "يقيده "بإضافة الهاء.
3 يجوز التوكيل في إثبات الحدود، وكل ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكل وغيبته، وهذا قول الإمام إسحاق، ونص عليه الإمام أحمد رحمهما الله.
ويحتمل أن لا يجوز استيفاء القصاص، وحد القذف في غيبة الموكل، وأومأ إليه الإمام أحمد. لأنه يحتمل أن يعفو الموكل في حالة غيبته فيسقط، وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء، ولأن العفو مندوب إليه، فإذا حضر احتمل أن يرحمه فيعفو. المغني 5/92.
4 في العمرية بلفظ "وليه ووصيه".

(8/4372)


قبل البلوغ، فإن مات الغلام [بعد] 1 البلوغ ذهب حق المساكين.
[3124-] قال إسحاق: وأما2 ما وصفت أنها قالت [لك] : لا تدفع الدراهم التي عندك إلى ابني يشرب بها3 الخمر، ادفعها4 لآخرتي وما هو أنفع لي.
فإن كان لها وصية لكفارات أيمانها أو نحو ذلك فماتت واستيقنت أنت5 بعلم نفسك بوصيتها وأنها كانت عليه ولم ينفذ ذلك بعد موتها وصّي ولا وارث، جاز لك أن تدفع ذلك في وصاياها، إذا علمت أن ذلك يخرج من ثلثها مع سائر وصاياها، فلك6 حينئذ أن تدفع ذلك في وصاياها، كفارة أيمان كانت أو غيرها.
__________
1 في الظاهرية بلفظ "قبل".
2 في العمرية بلفظ "أما " بحذف الواو.
3 في العمرية سقطت لفظ "بها".
4 في العمرية تكرر لفظ "ادفعها " مرتين.
5 في العمرية بحذف "أنت".
6 في العمرية بلفظ "فلك أن تدفعها حينئذ".

(8/4373)


وإن كانت وصاياها1 وما2 ثبت عندك بشهود يعلمونك ذلك ولا تعلمه بعلم نفسك، لم يجز لك3 دفعها، إلا كما يجوز أداء ديون عليها من معاملتها بعد أن يكون المدعون ثقات يحلفون على دعواهم أنها ماتت ودعواهم عليها لم يصل إليهم من ذلك قليل ولا كثير، أو يقيمون على دعواهم رجلين ثقتين فيشهدان4 له بذلك، أو واحد ثقة يشهد له بذلك5 ويحلف بعد ما يشهد6 شاهده فحينئذ يجوز لك7 الدفع إلى المدعي، وهو أحب إليّ من أن تعطي في وصيتها، لأن الدين أولى وهو أنفع لآخرتها، فإن لم يصح شيء من ذلك بعلامة يسكن8 قلبك عليه فسبيل ذلك سبيل9 الميراث تسلم10 إذا قسمته
__________
1 الجملة التي بين القوسين سقطت من العمرية.
2 في الظاهرية بلفظ "إنما ثبتت".
3 في العمرية بلفظ "ذلك".
4 في الظاهرية بلفظ "فيشهدون له بذاك".
5 في الظاهرية بلفظ "ذاك".
6 في العمرية "شهد".
7 في العمرية بلفظ "ذلك".
8 في العمرية سقطت كلمة "يسكن".
9 في العمرية سقطت كلمة "السبيل" الثانية.
10 في العمرية بلفظ "قسما إذا قسمته على الورثة".

(8/4374)


على الورثة، وهذا إذا لم يتبين شيء من الدين والوصية.
[3125-] قلت: سئل سفيان عن رجل أوصى فقال: ثلثي لفلان، ثم قال ثلثي لفلان، ثم قال ثلثي لفلان؟ 1
قال: هو بينهم.
قال أحمد: هو بينهم [ثلاثة] أثلاث.
قال إسحاق: كما قال.2
[3126-] قال أحمد3 [رضي الله عنه] إذا عجزت الوصية رجع على كل بقدر، وإن كان فيها عتاقة [ع/72/ب] .
قال إسحاق: كما قال [ظ-100/ب] .4
[3127-] قلت: سئل سفيان عن رجل أوصى لرجل بثوب فقطعه الورثة قميصاً [199ظ] أو بأرض فبنوها، أو بسويق فلتوه؟
قال: ما زاد أخذوه.
__________
1 في العمرية تكررت جملة " ثلثي " مرتين وسقطت الثالثة.
2 سبق توثيق أقوال الأئمة الثلاثة نحو هذه المسألة، برقم: (3092) .
3 في العمرية سبقت هذه المسألةُ المسألةَ الماضية عن سفيان.
4 سبق توثيق نحو هذه المسألة، برقم: (3076) غير أن الإمام إسحاق رحمه الله قال هناك إنه يبدأ بالعتق.

(8/4375)


قلت: الورثة؟ قال: نعم.
قال أحمد: جيد وكلما نقص يرجع1 الموصى له على الورثة.
قال إسحاق: كما قال، وليس هو2 بمتابع للقول الأول لأن الوصية ثبتت للموصى له يوم مات.3
[3128-] قلت:4 قال سفيان: في رجل مات وترك ألف درهم، وأوصى لرجل بألف درهم، وأوصى لرجل بخمسة آلاف.
__________
1 في العمرية بلفظ "رجع".
2 في العمرية بحذف "هو".
3 قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصى له بشيء فهلك ذلك الشيء، أن لا شيء له في سائر مال الميت، وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير، وقد تعلقت بمعين، وقد ذهب، فذهب حقه، كما لو تلف في يده، والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم فلم يضمنوا شيئاً. المغني 6/154.
أما إذا كان التلف بفعلهم، أو تفريط منهم، فإنهم يضمنونه للموصى له بقيمة وقت الموت عند الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى، وبقيمته وقت الأخذ عن الإمام سفيان الثوري رحمه الله كما سبق في المسألة: (3098) .
قال في الكافي: "ومن أوصي له بشيء فتلف بعضه، أو هلك فله ما بقي إن حمله الثلث، وإن وصّى له بثلث ثلاثة دور فهلك اثنان فليس له إلا ثلث الباقية، لأنه لم يوص له منها إلا بثلثها". الكافي 2/512.
4 جاءت هذه المسألة في العمرية بعد المسألة: (3099) .

(8/4376)


قال: يؤخذ الثلث فيقسم على ستة، فيعطى صاحب الألف سدسه، ويعطى صاحب الخمسة الألف خمسة أسداس1 [الثلث] .
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: أصابا جميعاً.2
__________
1 في الظاهرية بلفظ "الأسداس".
2 إذا جاوزت الوصايا المال فإنه يقسم بينهم على قدر وصاياهم مثل العول، ويُجعَل وصاياهم كالفروض التي فرضها الله تعالى للورثة إذا زادت على المال، وإن ردوا يقسم الثلث بينهم على تلك السهام. المغني 6/49.

(8/4377)


(143ع) / [باب] في1 المدبر2 والمكاتب3 والعتق4
__________
1 في العمرية العنوان "باب المكاتب".
2 التدبير: عتق العبد عن دبر، وهو أن يعتق بعد موت صاحبه فهو مدبر. الصحاح 2/655.
قال ابن قدامة: ومعنى التدبير تعليق عتق بموته، والوفاة دبر الحياة، يقال: دابر الرجل يدابر مدابرة: إذا مات، فسمي العتق بعد الموت تدبيرا لأنه إعتاق في دبر الحياة.
المغني 9/386، وراجع الفروع 5/101، والمطلع على أبواب المقنع ص 315.
3 الكتاب والمكاتبة: أن يكاتب الرجل عبده، أو أمته على مال منجم، ويكتب العبد عليه أنه يعتق إذا أدى النجوم ... وتكاتبا كذلك فالعبد مكاتب بالفتح اسم مفعول، وبالكسر اسم فاعل لأنه كاتب سيده، فالفعل منهما، والأصل في، باب المفاعلة: أن يكون من اثنين فصاعدا، يفعل أحدهما بصاحبه ما يفعل هو به وحينئذ فكل واحد فاعل ومفعول من حيث المعنى. المصباح المنير 2/525.
وعرفه ابن قدامة بقوله: الكتاب إعتاق السيد عبده على مال في ذمته يؤدى مؤجلاً، سميت كتابة لأن السيد يكتب بينه وبينه كتاباً بما اتفقا عليه. وقيل: سميت، كتابة من الكتب وهو الضم، لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض، ومنه سمى الخرز كتاباً، لأنه يضم أحد الطرفين إلى الآخر بخرزه. المغني 9/410.
4 العتق في اللغة: الحرية.
وفي الشرع: تحرير الرقبة، وتخليصها من الرق، يقال عتق العبد وأعتقته أنا، وهو عتق، ومعتق.
الصحاح 4/1520، والمغني 9/329.

(8/4379)


[3129-] قلت لأحمد: 1 سئل سفيان عن عبد بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه؟
قال: أكره ذلك.
قيل: فإن فعل؟
قال: أرده2 إلا أن يكون نقده، فإن كان نقده3 ضمن ويأخذ شريكة نصف ما في يديه، ويتبع هذا المكاتب لما أخذ منه4، ويضمن لشريكه نصف القيمة إن كان له مال، فإن لم يكن له مال استسعى5 العبد.6
__________
1 في العمرية بحذف "أحمد".
2 في العمرية بلفظ "أراه".
3 في العمرية بلفظ "نقد" بحذف الهاء.
4 في العمرية بإضافة عبارة "ويضمن لشريكه نصف ما في يده ويتبع هذا المكاتب لما أخذ منه".
5 ومعنى الاستسعاء أن العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى تحصل قيمة نصيب الشريك الآخر، فإذا دفعها إليه عتق. شرح صحيح مسلم للنووي 10/136.
6 روى عبد الرزاق عن الثوري قال: إذا كان عبد بين رجلين فكاتبه أحدهما بغير إذن شريكه، فإذا أدى الذي كاتب عليه كان هذا شريكه فيما أخذ منه، وعتق العبد، وضمن الذي كاتب نصيب الآخر، فإن كان للذي كاتب وفاء أخذ منه، وإن لم يكن له وفاء سعى العبد في نصف قيمته وصار شريكه فيما أخذ من، كتابته.
مصنف عبد الرزاق 8/401، كتاب المكاتب، باب قاطعه وله فيه شركاء بغير إذنهم، برقم 15700.
وقال ابن قدامة: وكره الثوري وحماد، كتابة العبد المشرك بغير إذن شريكه. وقال الثوري: إذا فعل رددته، إلا أن يكون نقده، فيضمن لشريكه نصف ما في يده. المغني 9/461.
وراجع قول سفيان في: سنن الترمذي 3/622، وشرح السنة 9/357، واختلاف العلماء لابن نصر المروزي ص 165.
ونقل ابن المنذر المسألة بنصها في، كتابه الأوسط 4/131.

(8/4380)


قال أحمد: كتابته جائزة، إلا أن ما كسب المكاتب أخذ الآخر نصف ما كسب، ولا يستسعى العبد.1
قال إسحاق: كما قال سفيان، لأنا2 نلزم السعاية العبد إذا
__________
1 قال الخرقي: وإذا كاتب نصف عبد فأدى ما كتب عليه، ومثله لسيده صار نصفه حراً بالكتابة، إن كان الذي كاتبه معسراً، وإن كان موسراً عتق عليه كله، وصار نصف قيمته على الذي كاتبه لشريكه. مختصر الخرقي ص 245.
وقال ابن قدامة: إن الرجل إذا كان له نصف عبد كانت له مكاتبته، وتصح منه، سواء كان باقيه حراً، أو مملوكاً لغيره، وسواء أذن فيه الشريك، أو لم يأذن. المغني 9/461.
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول لا نقول بالسعاية، حديث قتادة لا يقول فيه شعبة وهشام السعاية. مسائل أبي داود ص 217.
2 في العمرية بلفظ "قال إسحاق كما قال سفيان "، وسقط بقية المسألة.

(8/4381)


كان بين اثنين، فأعتق أحدهما، ولا مال له.1
[3130-] قلت: قال سفيان:2 فإذا أعتق أحدهما وكان موسراً يوم يعتق وقع الضمان عليه، فإن أفلس قبل أن يؤدي لم ينتقل الضمان على العبد، هو شيء قد دأب عليه ولا يتحول.
وإذا كان الذي أعتق مفلساً، وقع الضمان على العبد، فإن أيسر بعدلم يتحول عن3 العبد.4
قال أحمد: هو كما5 قال: لا ينتقل عنه إذا كان موسراً فأفلس، ولم يتحول عليه إذا كان معسراً فأيسر، ولا يستسعى العبد.6
__________
1 انظر قول إسحاق في: الإشراف لابن المنذر 3/70.
2 في العمرية سقط جملة "قلت قال سفيان".
3 في العمرية بلفظ "على".
4 قال ابن المنذر: واخلتفوا في المعتق يكون موسراً يوم أعتق، ثم أعسر بعد ذلك، ففي قول مالك ليس على المعتق شيء، ويبقى العبد رقيقاً على حاله لمالكه، وفي قول الثوري يكون العبد حراً، ويكون قيمة حصة الذي لم يعتق ديناً على المعتق يتبع به، لأن ذلك لزمه وقت أعتق. الإشراف 3/181.
5 في العمرية بلفظ "على ما قال".
6 قال ابن قدامة: والمعتبر في ذلك-أي الإيسار والإعسار - حال تلفظه بالعتق لأنه حال الوجوب، فإن أيسر المعسر بعد ذلك لم يسر إعتاقه، وإن أعسر الموسر لم يسقط ما وجب عليه، لأنه وجب عليه فلم يسقط بإعساره. المغني 9/230.

(8/4382)


قال إسحاق: كما قال سفيان، لأنا نرى السعاية1 وأهل المدينة لا يرون السعاية2، حديثهم عن نافع.3
[3131-] قلت: سئل سفيان عن رجل دبر غلامه، ثم كاتبه؟
قال: إذا أدى مكاتبته4 فليس عليه شيء، وهو حر، وإن مات السيد وقد بقي عليه شيء5 من كتابته فهو في الثلث.
__________
1 انظر فتح الباري 5/159، وشرح مسلم للنووي 10/138، وشرح السنة للبغوي 9/357، والإشراف 3/181.
2 يشير إلى الملكية، قال الإمام الباجي في قوله صلى الله عليه وسلم: "وإلا فقد عتق منه ما عتق"، ظاهره أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لاتصاله بحديثه، وليس فيه ما ينفي ذلك. وكذلك رواه مالك ... وذلك يقتضي أنه يقضي بالعتق عند مبتدإ العتق على من أعتق منه، وهذا يمنع الاستسعاء ... والدليل على ما نقوله الحديث المتقدم، وإلا فقد عتق منه ما عتق. المنتقى 6/260.
3 هو ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق".
أخرجه البخاري، برقم: 2252. ومسلم، برقم: 1501.
4 في العمرية بلفظ "مكاتبه".
5 في العمرية بلفظ "شيئا".

(8/4383)


قال أحمد: إذا أدى مكاتبته فهو حر، وإذا1 مات السيد وقد بقي عليه شيء من كتابته، فإن كان لسيده من المال ما يخرج العبد في الثلث فهو حر كله، وإن لم يكن له شيء2 من المال أدى ما بقي من الكتابة إلى ورثة السيد ثم هو حر، إنما يعتق من3 الثلث بقدر ما بقي عليه من الكتابة.
قال إسحاق: كما قال سواء.4
__________
1 في العمرية بلفظ "وإن".
2 في العمرية "إذ لم يكن له من المال شيء".
3 في الظاهرية بلفظ "في الثلث".
4 إذا دبر السيد عبده، ثم كاتبه جاز، نص عليه أحمد فإن أدى في حياة السيد صار حراً بالكتابة، وبطل التدبير. وإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير إن خرج من الثلث، وبطلت الكتابة بقدر ما عتق، وكان على الكتابة مما بقي. فإن أدى البعض ثم مات سيده عتق كله، وسقط باقي الكتابة إن خرج من الثلث، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث، وسقط مما بقي من الكتابة بقدر ثلث المال، وأدى ما بقي.
ونقل ابن الحكم عن أحمد ما يدل على بطلان التدبير بالكتابة، بناء على أن التدبير وصية فيبطل بالكتابة.
المغني 9/410، وقواعد ابن رجب ص 404.
وراجع المقنع 2/496 وما بعده، الإنصاف 7/442، والكافي 2/591، والتنقيح المشبع ص 211.
ونقل ابن المنذر المسألة بنصها في الأوسط 4/136.

(8/4384)


[3132-] قلت: سئل سفيان عن رجل يدبر غلامه فيموت وعليه دين للناس؟
قال: يسعى في قيمة1 [رقبته] للغرماء، ولا يؤخذ بأكثر من ذلك.2
قال أحمد: يباع المدبر في الدين، لأنه لا وصية له، وإنما يكون المدبر من الثلث.3
__________
1 في الظاهرية بلفظ "قيمته".
2 نقل ابن المنذر قول سفيان الثوري فقال: واختلفوا في الرجل يدبر غلامه، ثم يموت وعليه دين، فكان الشافعي وأحمد وإسحاق يقولون: يباع المدبر في الدين.
قال سفيان: يسعى في قيمته للغرماء، ولا يؤخذ بأكثر من ذلك.
الإشراف 3/77، الأوسط 4/138.
3 قال ابن قدامة: وله بيع المدبر. المقنع 2/495.
قال المرداوي: هذا المذهب مطلقاً، بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب لأن التدبير إما وصية، أو تعليق بصفة، وكلاهما لا يمنع نقل الملك قبل الصفة، وعنه لا يجوز بيعه مطلقاً، بناء على أنه عتق بصفة فيكون لازماً كالاستيلاد، وعنه لا يباع إلا في الدين. وهذا ظاهر كلام الخرقي في العبد فقال: وله بيعه في الدين. ولا تباع المدبرة في إحدى الروايتين، وفي الأخرى الأمة كالعبد. الإنصاف 7/437 - 438.
يتلخص من الكلام السابق أن المدبر يباع في الدين، وفي بيعه لغير الدين ثلاث روايات:
[1-] الجواز. 2- وعدم الجواز. 3- والجواز لحاجة.
تصحيح الفروع 5/105، وراجع المغني 6/393 - 394، والكافي 2/592، الفروع 5/104 - 105.

(8/4385)


قال إسحاق: كما قال.1
[3133-] قلت: سئل سفيان عن رجل قال لجاريته: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت اثنين، لا يدرى أيهما قبل الآخر.2
قال: يستسعيان.
قال أحمد: يقرع بينهما، فمن 3 أصابته القرعة عتق.4
__________
1 في العمرية بلفظ "قال إسحاق كما قال سفيان".
وانظر قول إسحاق رحمه الله في المغني 9/393، والإشراف 3/77، وشرح السنة 9/367، والأوسط 4/138.
2 قال ابن المنذر: فإن ولدت ولدين، ولم يدر الأول منهما، ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهما يستسعيان. هذا قول سفيان الثوري.
والقول الثاني: قول أحمد وإسحاق: أن يقرع بينهما، فمن أصابته منهما القرعة عتق.
والقول الثالث: أن يوقف أمرهما حتى يتبين الأول منهما، هذا يشبه مذهب الشافعي، وبه أقول على أن الشافعي قد كان يقول مرة فيما يشبه هذا بالقرعة.
الإشراف 3/185، المغني 9/383.
3 في العمرية بلفظ "فإن أصابته".
4 وللإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة فهو حر.
والثانية: أنهما يعتقان.
الإنصاف 7/420، والمغني 9/383، والمقنع 2/488، والكافي 2/590، والفروع 5/91، وقواعد ابن رجب ص 366، والتنقيح المشبع ص 209.

(8/4386)


قال إسحاق: كما قال1 [أحمد] .
[3134-] قلت: سئل سفيان عن رجل قال لجاريته: أنت حرة [ع-73/أ] إن كنت لي في مال إلى شهر، فوقع عليها قبل تمام الشهر فأحبلها؟
قال: أرى أن يقع العتق.
قال أحمد: هي حرة، والولد للسيد.2
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: معالم السنن 5/418، والإشراف 3/185.
2 السيد إذا علق عتق عبده، أو أمته على مجيء وقت مثل قوله: أنت حر في رأس الحول، لم يعتق حتى يأتي رأس الحول، وله بيعه وهبته وإجارته.
أما وطء الأمة المعلق عتقها فللإمام أحمد رحمه الله روايتان:
إحداهما: أن له وطء الأمة في هذه الحالة.
والثانية: أنه لا يطؤها، لأنه لا يملكها ملكاً تاماً، والأول أصح. المغني 9/375.
قال الخرقي: وإذا قال لعبده أنت حر في وقت سماه، لم يعتق حتى يأتي ذلك الوقت. مختصر الخرقي ص 242.
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 9/375.

(8/4387)


[3135-] قلت: سئل سفيان عن مكاتب ملك أباه وابنه وعمه وخاله؟
قال: يتركون على حالهم حتى ينظر أيعتق أم لا.1
قال أحمد: هوعبد، وهؤلاء عبيد، إن عجز المكاتب صاروا عبيداً لسيده، وإن عتق عتقوا.2
__________
1 نقل ابن المنذر قول سفيان الثوري فقال: قال الثوري: إن ملك أباه، وابنه، أو عمه أو خاله، تركوا على حالهم حتى ينظر أيعتق أم لا، وقال أحمد في قول الثوري: هذا هو عبد وهؤلاء عبيد، إن عجز المكاتب صاروا عبيداً للسيد، وإن عتق عتقوا، وبه قال إسحاق.
الإشراف 3/67، كتاب المكاتب، وانظر: المغني 9/498.
2 حكم ذوي رحم المكاتب المحرم حكمه إن عتق بالأداء عتقوا، لأنه كمل فيهم ملكه، وزال تعلق حق سيده بهم.
وإن عجز رقوا لسيده، لأنهم من ماله، فيصيرون للسيد عند عجزه كعبيده الأجانب.
كشاف القناع 4/546.
وقال ابن قدامة: ومتى ملكهم لم يكن له بيعهم، وله كسبهم وحكمهم حكمه، وإن عتق عتقوا، وإن رق صاروا رقيقا للسيد. المقنع 2/504.
قال المرداوي معلقاً: مراده بذلك ذوو رحمه. وعظم المكاتب إذا عتق فلا يخلو، إما أن يكون عتقه بأداء مال الكتابة، أو بعتق سيده له. فإن كان بأداء مال الكتابة، عتقوا معه بلا نزاع. وإن كان عتقه يكون سيده أعتقه فظاهر كلام المصنف -ابن قدامة- أنهم يعتقون معه أيضاً.
والصحيح من المذهب: أنهم لا يعتقون إذا أعتق سيد المكاتب، بل يبقون أرقاء للسيد.
انظر: الإنصاف 7/463، وراجع المغني 9/497 وما بعده، والكافي 2/604، والفروع 5/117 - 118.

(8/4388)


قال إسحاق: كما قال [أحمد] .1
[3136-] قلت: سئل سفيان عن اللقيط2 ولاؤه للذي التقطه؟
قال: نعم.3
قال أحمد: لا أدري ما أقول4 قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق في المغني 9/498، والإشراف 3/67، والأوسط لابن المنذر 4/122، حيث نقل هذه المسألة بنصها.
2 اللقيط: الذي يوجد مرمياً على الطريق، ولا يعرف أبوه ولا أمه، فعيل: بمعنى مفعول.
وقال ابن قدامة: اللقيط المنبوذ، واللقيط بمعنى الملقوط.
المطلع على أبواب المقنع ص 284، والمغني 5/747، والكافي 2/363.
3 قال عبد الرزاق: قال سفيان في ميراث اللقيط عن أصحابه، أنه قال: في بيت المال.
مصنف عبد الرزاق 7/451، باب اللقيط، برقم 13857.
قال ابن المنذر: إذا مات اللقيط قبل أن يبلغ فميراثه في بيت مال المسلمين في قول مالك والثوري، والشافعي. الإشراف 3/60.
4 ولاء اللقيط لسائر المسلمين، وميراثه لهم لأن اللقيط حر الأصل ولا ولاء عليه، وإنما يرثه المسلمون، لأنهم خولوا كل مال لا مالك له، ولأنهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط، فكذلك اللقيط. المغني 5/755.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي عن اللقيط؟ فقال: حر. قلت لأبي: ولاؤه لمن هو؟ قال: قال عمر: ولاؤه للذي جاء به، حديث سفيان، والذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق"، وهذا لم يعتق، إنما التقطه.
قلت لأبي: فإن له رجلا التقطه؟ قال: على قول عمر لك ولاؤه وعلينا نفقته، يقول أنت ترثه، أذهب فيه إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" وهذا لم يعتق، إنما التقطه يدفع ماله إلى بيت المال، يرثه المسلمون.
مسائل عبد الله 3/1006، 1007، وراجع كشاف القناع 4/232.

(8/4389)


أعتق".1
قال إسحاق: كما [قال سفيان] ،2 قال عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] : "لك ولاؤه"،3 والولاء لمن أعتق إنما معناه: إذا اشترط
__________
1 عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق".
أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 6759، فتح الباري 13/47، كتاب الفرائض، باب ما يرث النساء من الولاء.
ومسلم في صحيحه 2/1141، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، حديث رقم 1504.
2 انظر قول إسحاق في المغني 5/755، وفتح الباري 5/192.
3 عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذاً زمان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه جاء به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها. فقال له عريفي: يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح. قال: كذلك. قال: نعم، قال عمر: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته.
السنن الكبرى للبيهقي 6/201، كتاب اللقطة، باب التقاط المنبوذ وألا يجوز تركه ضائعاً.
ومصنف عبد الرزاق 9/14، كتاب الولاء، باب ولاء اللقيط، برقم 16182 مختصراً.
وقد صحح الأثر ابن حزم في المحلى 8/274.
والألباني في إرواء الغليل 6/23.

(8/4390)


البائع على المعتق في حديث بريرة.1
[3137-] قلت: قال سفيان ليس عليه شيء إلا أن يكون أتى به سلطاناً، فأمره أن ينفق عليه.2
قال أحمد: قال عمر [ظ-101/أ] [رضي الله عنه] : "هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته، ونفقته3 من بيت
__________
1 تقدم تخريج الحديث المشار إليه في المسألة مختصراً.
2 قال ابن المنذر: إن رفع أمره -أي اللقيط -إلى الحاكم فأمره بالنفقة عليه ففي قول الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي يلزم ذلك اللقيط إذا كانت النفقة قصداً بالمعروف.
الإشراف 3/58، وانظر قول سفيان في المغني 5/752.
3 في العمرية بلفظ "وعلينا نفقته، ونفقته من بيت المال".

(8/4391)


المال".1
قلت: فقد أنفق هذا عليه؟
قال: يؤدى عنه من بيت المال.2
__________
1 سبق ذكر الأثر ودرجته من الصحة في المسألة السابقة (3136) .
2 أشار إلى هذه الرواية ابن رجب في القواعد فقال: ونص أحمد أنه يرجع بما أنفقه على بيت المال كما أشار إليه المرداوي في تصحيح الفروع.
[] القواعد لابن رجب ص 137-138، وتصحيح الفروع 4/575.
ونفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط، كوجوب نفقة الولد، وذلك لأن أسباب وجوب النفقة من القرابة، والزوجية والملك، والولاء، منتفية، والالتقاط إنما هو تخليص له من الهلاك، وتبرع بحفظه، فلا يوجب ذلك النفقة، كما لو فعله بغير اللقيط. وتجب نفقته في بيت المال، لقول عمر رضي الله عنه في حديث أبي جميلة الذي سبق ذكره، ولأن بيت المال وارثه، وماله مصروف إليه، فتكون نفقته عليه، كقرابته ومولاه.
فإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال لكونه لا مال فيه، أو كان في مكان لا إمام فيه، أو لم يعط شيئاً، فعلى من علم حاله من المسلمين الإنفاق عليه، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} المائدة آية رقم (2) ، ولأن في ترك الإنفاق عليه هلاكه، وحفظه عن ذلك واجب، كإنقاذه من الغرق، وهذا فرض كفاية، إذا قام به قوم سقط عن الباقين، فإن تركه الكل أثموا.
المغني 5/752، وكشاف القناع 4/227، الكافي 2/364.
وأما رجوع المنفق بما أنفقه فقال المرداوي: الصحيح من المذهب أنه يرجع إذا نوى الرجوع، وعليه الأصحاب. واختار في الموجز والتبصرة أنه لا يرجع هنا قولاً واحداً. ونص أحمد أنه يرجع بما أنفقه على بيت المال.
تصحيح الفروع 4/575، والإنصاف 6/433.

(8/4392)


قال إسحاق: إن كان حين أنفق نوى أخذه عوض من بيت1 المال، وإن تبرع فلا شيء له،2 فأما اللقيط فلا يكون عليه من ذلك شيء.3
[3138-] قلت: سئل سفيان4 عن أم ولد نصراني إذا أسلمت؟
قال: تقوم قيمة. قيل له: فإن مات النصراني تراه5 جائزاً عليها القيمة؟ قال: نعم هو عليها.6
قال أحمد: إذا أسلمت منع النصراني من غشيانها ونفقتها عليه، فإذا مات النصراني فهي حرة.7
__________
1 في العمرية بحذف كلمة "بيت".
2 في العمرية بلفظ "عليه".
3 قال ابن المنذر: قال إسحاق: إن كان حين أنفق عليه نوى أخذه عوض من بيت المال، وإن تبرع فلا شيء عليه. الإشراف 3/58.
4 في العمرية سقط جملة "سئل سفيان عن".
5 في العمرية بلفظ "ترى جائزاً".
6 في الظاهرية بلفظ "عليهم".
7 نقل هذه الرواية الخلال فقال: أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم قال: حدثنا إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله: سئل سفيان عن أم ولد نصراني إذا أسلمت؟ قال: تقوم قيمة، قيل له فإن مات النصراني تراه جائزاً عليها؟ قال: نعم هو عليها.
قال أحمد: إذا أسلمت منع النصراني من غشيانها، ونفقتها عليه، فإذا مات النصراني فهي حرة، قال: لأن النصراني لا يحل له افتراش مسلمة وهي حين أسلمت فعلت ما يلزمها، قال: إذا مات المولى صارت حرة ... وبه قال إسحاق. الجامع للخلال ص 103.
وللإمام أحمد رحمه الله في المسألة ثلاث روايات:
إحداها: يمنع من غشيانها، ويحال بينه وبينها، ويجبر على نفقتها، إن لم يكن لها كسب، وهذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: تعتق في الحال بمجرد إسلامها.
والثالثة: أنها تستسعى في حياته وتعتق.
[] انظر: الإنصاف 7/994-502، والفروع 5/106، والمغني 9/544، والجامع للخلال ص 102.
قال ابن قدامة: الذي تقتضيه أصول أبي عبد الله أنها لا تعتق، لأنه سبب يقتضي العتق بعد الموت، فلم يتجزء [هكذا بالأصل ولعلها: فلم ينجز] بالإسلام كالتدبير، ولكن تزال يده عنها، ويحال بينه وبينها، لأن المسلمة لا تحل لكافر، وتسلم إلى امرأة ثقة. الكافي 2/625.

(8/4393)


قال إسحاق: كما قال أحمد، لأن النصراني لا يحل له افتراش مسلمة، وهي حين أسلمت فعلت ما يلزمها فإذا مات المولى صارت حرة.1
__________
1 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله فقال: قال الشافعي: - في أم ولد النصراني تسلم - يحال بينه وبينها ويؤخذ بالنفقة عليها، وتعمل له ما تعمل مثلها، وتعتق بموته، وبه قال أحمد وإسحاق كذلك.
انظر: الإشراف 3/78، والأوسط 4/141.

(8/4394)


[3139-] قلت [لأحمد] : سئل سفيان عن بيع خدمة1 المدبر، ثم يموت السيد.
قال: هو عليه، يعني على العبد.
قال أحمد: إذا كان مدبراً فبيع2 خدمته، ثم مات السيد، عتق في الثلث إن كان له مال، وإن لم يكن له مال عتق الثلث منه وثلثاه رقيق3.4
__________
1 في العمرية بلفظ "عن بيع الخدمة ثم مات السيد".
2 في العمرية بلفظ "فباعه خدمته".
3 في العمرية بلفظ "فإن لم يكن له مال أعتق منه الثلث والثلث رقيق ".
4 نقل ابن المنذرعن الإمام أحمد رحمه الله في بيع المدبر فقال: قال مالك: لا بأس أن يباع خدمته - أي المدبر عن نفسه-، ولا يجوز بيع ذلك من غيره، وبه قال أحمد قال: هذا مثل المكاتب.
انظر: الإشراف 3/75، والأوسط 4/135.
فيكون هذا مثل العبد الذي دبره سيده، ثم كاتبه، فإذا مات عتقه من أحدهما بالآخر، وأيهما وجد قبل صاحبه حصل العتق به، فإذا مات الرجل قبل قضاء العبد قيمة خدمته نظر: إن كان يخرج من ثلث مال السيد عتق، وإن لم يخرج من ثلث مال سيده عتق منه بقدر الثلث وباقيه رقيق، في قول الإمام أحمد رحمه الله.
ويرى سفيان الثوري وإسحاق: أنه يعتق بقدر الثلث، ويستسعى في الباقي. راجع المغني 9/403 - 409.

(8/4395)


قال إسحاق: كما قال [أحمد، إلا] إذا مات ولم يكن له مال، فعليه السعاية في الثلثين.1
[3140-] قلت: قال سفيان في مكاتب عجز، وعليه دين للناس، إن شاء سيده أدى2 عنه، وإلا سلمه إلى الغرماء.3
قال أحمد: هو كما قال.4
قال إسحاق: كما قال.5
[3141-] قلت: سئل سفيان عن المكاتب إذا لم يؤد للمواقيت؟
قال: من الناس من يقول: إذا حل نجم6 فلم يؤد فهو عجز.
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الأوسط 4/135.
2 في الظاهرية بلفظ "فداه".
3 قال ابن المنذر: قال الثوري إذا عجز وعليه ديون للناس، إن شاء أدى منه وإلا سلمه إلى الغرماء، وبه قال أحمد وإسحاق. الإشراف 3/69.
4 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله كل من ابن مفلح في الفروع 5/120، والمرداوي في الإنصاف 7/473.
قال في المغني: إن عجز سيده فعاد قناً خير بين فدائه وتسليمه. المغني 9/475.
5 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الإشراف 3/69.
6 النجم: الوقت المضروب، ومنه سمي المنجم، ويقال نجمت المال، إذا أديته نجوماً، ومنه قول زهير:
ينجمها قوم لقوم غرامة ولم يهريقوا بينهم بل محجم.
الصحاح للجوهري 5/2039.
ونجم الكتابة: هو القدر المعين الذي يؤديه المكاتب في وقت معين، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم والمنازل ... فيقول أحدهم: إذا طلع النجم الفلاني أديت حقك فسميت الأوقات نجوماً بذلك، ثم سمي المؤَدَّى في الوقت نجماً.
انظر: فتح الباري 5/185، والمطلع على أبواب المقنع ص 316.

(8/4396)


ومن الناس من يقول: نجمان،1 ونجمان أحب إلي.2
__________
1 في العمرية بلفظ "ومن الناس من يقول نجمان أحب إلي".
2 قال ابن المنذر: واختلفوا في تعجيز المكاتب إذا حلّ نجم من نجومه، فكان الشافعي والنعمان يقولان: للسيد أن يعجزه إذا حل نجم من نجومه. وفيه قول ثان وهو: لا يرد حتى يعجز بنجمين هذا قول الحاكم، وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ويعقوب.
وقال أحمد: نجمان أحب إلي.
[] وقال الثوري: منهم من يقول نجمين والاستناء به أحب إلي. الإشراف 3/70-71.
وروى عبد الرزاق عن الثوري في رجل كاتب عبده على ألف درهم، فقاطعه عن خمسمائة. قال إن عجز من الخمسمائة صار عبداً، وإذا شهد وهو يسعى فشهادته جائزة.
مصنف عبد الرزاق 8/401، كتاب المكاتب، باب قاطعه وله فيه شركاء بغير إذنهم، برقم 15699.

(8/4397)


قال أحمد: إذا لحقه نجم بعد نجم فقد عجز.1
قال إسحاق: لا يكون عجز حتى يتوالى عليه نجمان، إلا أن يكون قد رده حاكم عند محل النجم فقد عجز عنه، فهو حينئذ
رقيق.2
__________
1 للإمام أحمد رحمه الله في الوقت الذي يعجزه فيه المكاتب أربع روايات:
إحداها: أنه إذا عجز عن نجم واحد فلم يؤده فلسيده فسخ الكتابة، وهذا الذي عليه المذهب.
والثانية: لايعجزه حتى يحل نجمان.
واستدل بما جاء عن علي رضي الله عنه قال: "إذا تتابع نجمان قد حلّ السنة فلم يؤدّ نجومه، ردّ في الرقّ".
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 6/390.
والثالثة: قال ابن أبي موسى: روي عن أحمد أنه لا يعود رقيقاً حتى يقول قد عجزت.
والرابعة: إذا أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق، واتُّبع بما بقي.
[] انظر: المغني 9/469-470، والإنصاف 7/476، وراجع المقنع 6/359.
2 نقل ابن القيم عن الإمام إسحاق رحمه الله: أنه لا يعتق منه شيء مادام عليه شيء من، كتابته، وهذا قول الأكثرين، ويروى عن عمر وزيد وابن عمر وعائشة، وأم سلمة. وجماعة من التابعين، وهو قول مالك والشافعي.
ونقل ابن حزم مثل هذا القول عن الإمام إسحاق.
انظر: تهذيب سنن أبي داود 5/385 وما بعده، والمحلى 9/229، وسنن الترمذي 3/552.

(8/4398)


[3142-] قلت: سئل سفيان عن الرجل1 يضمن2 عن المكاتب للمولى؟
قال: ليس كفالته بشيء، هو عبده.3
قال أحمد: هو4 كما قال: ليس بشيء.5
__________
1 في العمرية بلفظ "رجل".
2 الضمان: مصدر ضمن الشيء ضماناً فهو ضامن وضمين إذا كفل به، وفى الشرع هو ضمن ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام دينه.
المغني 4/590، والكافي 2/227، والمقنع 2/112، والمبدع 4/248.
والمطلع على أبواب المقنع ص 248.
3 روى عبد الرزاق عن الثوري قال: المكاتب إن كفل سيده بكتابته فليس بشيء، ليست هذه بكفالة لأنه عبده.
مصنف عبد الرزاق 8/416، كتاب المكاتب، باب الحمالة عن المكاتب، برقم 15758.
وانظر قول الإمام سفيان الثوري في الإشراف لابن المنذر 3/67.
4 في العمرية سقطت: "هو".
5 للإمام أحمد رحمه الله في ضمان دين الكتابة روايتان:
إحداهما: لا يصح ضمان مال الكتابة، لأنه ليس بلازم، ولا مآله إلى اللزوم، فإن للمكاتب تعجيز نفسه، والامتناع عن أدائه، فإذا لم يلزم الأصيل فالضمين أولى، وهذا هو المذهب.
والثانية: يصح ضمانه، سواء كان الضامن حراً، أو غيره، لأنه دين على المكاتب، فصح ضمانه كسائر الديون عليه.
انظر: المغني 4/595، الكافي 2/230، المقنع 2/115، الإنصاف 5/199 والمبدع 4/256.

(8/4399)


قال إسحاق: إذا ضمن ذلك غريب عن المكاتب، لما أحبّ معونة المكاتب بذلك، وقد أدّى المكاتب بعضَ كتابته كان الضمان جائزاً، لما رأى عدّة أن المكاتب لا يرد رقيقاً إذا كان أدّى من كتابته ثلثاً أو أكثرَ، أو أقلَّ.1
[3143-] قلت: سئل سفيان عن عبد بين ثلاثة، جاءهم2 بثلاثمائة درهم فقال:3 بيعوني نفسي!
__________
1 نقل ابن المنذر أقوال الأئمة في المسألة فقال: أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم يقولون: إن الحمالة عن المكاتب لسيده غير جائزة، وهذا قول عطاء، ومالك، والثوري، وأحمد.
وكان الزهري يجيز ذلك، وبه قال ابن أبي ليلى، وقال إسحاق: إلى هذا القول أميل.
الإشراف 3/68.
ونقل قول الإمام إسحاق رحمه الله في المسألة في الأوسط فقال: قال إسحاق بن راهويه: إذا ضمن ذلك عن المكاتب لما أحبّ معونة المكاتب بذلك فذلك إذا أدّى المكاتب بعض، كتابته كان الضمان جائزاً لما رأى عدة أن المكاتب لا يردّ رقيقاً إذا كان قد أدى من، كتابته ثلثاً، أو أقل، أو أكثر. انظر: الأوسط 4/ 122.
2 في العمرية بحذف: "جاءهم".
3 في العمرية بحذف: "الفاء".

(8/4400)


فقالوا:1 نعم، [ع-73/ب] فأخذوا منه ثلاثمائة درهم، فقالوا:2 ائتنا (غداً) نكتب لك كتابَك.3 فلمّا جاءهم من الغد، قال اثنان: أخذنا، وقال الثالث:4 لم آخذ شيئاً، [وشهد] 5 الرجلان عليه [أنه أخذ] ، قال: شهادتهما جائزة للعبد على صاحبهما، ويشاركهما فيما أخذ من المال، وليس على العبد شيء.
قال أحمد: هو كما قال.
قال إسحاق: نعم6
__________
1 في العمرية بحذف: "الفاء".
2 في العمرية بحذف: "الفاء".
3 في العمرية بلفظ: "كتاباً".
4 في العمرية بلفظ: "وقال الثالث الآخر".
5 في العمرية بلفظ: "فيشهد الرجلان عليه".
6 نقل الخرقي هذه المسألة فقال: "وإذا كان العبد بين ثلاثة، فجاءهم بثلاثمائة درهم، فقال: بيعوني نفسي بها! فأجابوه، فلمّا عاد إليهم ليكتبوا له، كتاباً، وأنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئاً وشهد الرجلان عليه بالأخذ، فقد صار العبد حراً بشهادة الشريكين إذا كانا عدلين، ويشاركهما فيما أخذ من المال، وليس على العبد شيء."
مختصر الخرقي ص 247.
وقال البهوتي: "تقبل شهادتهما عليه - أي على المنكر - نصّاً بما قبضه من العبد، لأنهما شهدا للعبد بأداء ما يعتق به، فقبلت شهادتهما كالأجنبيين، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع رجوع المشهود عليه عليهما بحصته ممّا قبضاه، وإلاّ لم تقبل، لأنّهما يدفعان عن أنفسهما مغرماً، وإن كان الشريكان غير عدلين لم تقبل شهادتهما، لكن يؤاخذان بإقرارهما [] [] فيعتق نصيبهما، ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفاً على القبض." كشاف القناع 4/994- 565
وقال المرداوي: "نصّ الإمام أحمد رحمه الله تقبل شهادتهما عليه، وقطع به الخرقي وغيره، وهو المذهب."
وقال في المغني: "قياس المذهب لا تقبل شهادتهما على شريكهما بالقبض، لأنهما يدفعان بها عن أنفسهما مغرماً، ومن شهد شهادة جرّ إلى نفسه بها نفعاً، بطلت شهادته في الكلّ".
الإنصاف 7/485، المغني 9/502، وراجع: الفروع 5/126 والمحرّر 2/10.

(8/4401)


[3144-] قلت سئل سفيان عن شروطهم أن لا يتزوج ولا يبرح، وأشباه هذا؟
قال: نعم، إذا اشترطوا عليه، أن لا يتزوج1 فلهم شرطهم2 والخروجُ يخرج لا بد له من معيشته.3
__________
1 في العمرية بلفظ: "أن يتزوج"، بحذف اللام.
2 في الظاهرية بلفظ: "شروطهم".
3 روى عبد الرزّاق عن جابر عن الشعبي قال: إن اشترطوا عليه أن لا يخرج، خرج إن شاء، قال سفيان: لا يتزوج إلا بإذن مولاه.
مصنف عبد الرزّاق 8/ 379، كتاب المكاتب، باب الشرط على المكاتب، برقم: 15603
[] وانظر قول سفيان الثوري رحمه الله في المغني 9/994- 441 في العمرية (المعيشة) .

(8/4402)


قال أحمد: جيد1
قال إسحاق: كما قال.
[3145-] قلت: قال إبراهيم في عبد دفع إلى رجل مالاً فقال: ابتعني من
__________
1 المكاتب لا يمنع من السفر، قريباً كان أو بعيداً، ولا فرقَ بين السفر الطويل وغيره، ولكن قياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم، كتابته قبله، لأنه يتعذر معه استيفاء النجوم في وقتها والرجوع في وقته عند عجزه، فمنع منه، كالغريم الذي يحل عليه الدين قبل مدّة سفره.
انظر: المغني 9/439، الإنصاف 7/455، والمبدع 6/344
قال ابن المنذر: واختلفوا في سفر المكاتب بغير إذن مولاه:
فقالت طائفة: له أن يخرج، وليس للسيد منعه، وإن اشترط عليه أن لا يخرج خرج. هذا قول الشعبي وسعيد بن جبير، وروي ذلك عن النخعي، وبه قال النعمان.
وقال سفيان الثوري، والحسن بن الصالح، والشافعي وأحمد وإسحاق: له أن يخرج.
الأوسط 4/120.
أما تزوج المكاتب بغير إذن سيده، فللإمام أحمد رحمه الله فيه روايتان:
إحداهما: لا يتزوّج المكاتب بغير إذن سيده على الصحيح من المذهب، نصّ عليه، وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: له أن يتزوّج بغير إذن سيده بخلاف المكاتبة، نقله إبراهيم الحربي.
[] الإنصاف 7/756-757، الفروع 5/994-114، والمحرّر 2/8.

(8/4403)


سيدي! فابتاعه وأعتقه، شراؤه جائز، ويدفع الذي اشتراه إلى سيده مثل الذي اشتراه به، وولاؤه للذي اشتراه، يعني لمن غرم الثمن.1
قال أحمد: شراؤه جائز، وعتقه جائز، ويرجع السيد على المشتري بالثمن الذي اشتراه به2، ويكون الولاء للمشتري.3
__________
1 عن إبراهيم: في عبدٍ دس إلى رجل مالاً فاشتراه فأعتقه، قال: البيع والعتق جائز، ويأخذ سيده من المبتاع الثمن الذي كان ابتاعه، والولاء لمن أعتق.
مصنف عبد الرزاق 9/174، كتاب المدبر، باب الحلف بالعتق وعبد اشتراه رجل بمال العبد، وما يجب في ذلك، برقم 16809
ومصنف ابن أبي شيبة 6/242، كتاب البيوع والأقضية، في العبد يدس إلى الرجل المال فيشتريه، برقم: (1648) بأطول ممّا هنا.
وانظر قول النخعي في المغني 9/385.
2 في العمرية بحذف (به) .
3 قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله: سألت أبي عن رجل له عبد وللعبد مال فأعطى العبد لرجل ألف درهم من مال في يدي العبد، فاشتراه ثم اعتقه؟ قال، قال أبي: إن كان اشتراه بألف وليس هي التي أعطاه العبد، فشراؤه جائز، وعتقه جائز. مسائل عبد الله ص 398، برقم 1435.
قال الخرقي: إذا قال العبد لرجل: اشترني من سيدي بهذا المال، وأعتقني! ففعل، فقد صار حراً، وعلى المشتري أن يؤدي إلى البائع مثل الذي اشتراه به، وولاؤه للذي اشتراه، إلا أن يكون قال له: بعني بهذا المال، فيكون الشراء والعتق باطلين، ويكون السيد قد أخذ ماله.
مختصر الخرقي 9/384. وراجع المغني 9/384 وما بعده، والإنصاف 7/425

(8/4404)


قال إسحاق: كما قال أحمد.1
[3146-] قلت: سئل سفيان عن الرجل يكاتب غلامه، فيقول الغلام: بألف [درهم] ، ويقول السيد: بألفي2 [درهم] ؟
قال: القول قول السيد.3
قال أحمد: القول قول السيد، أو يرجع عبداً.4
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الإشراف لابن المنذر: 3/186، والمغني لابن قدامة: 9/385.
2 في الظاهرية بلفظ: "ألفين".
3 انظر قول سفيان الثوري في: المغني 9/505، والإشراف 3/68.
4 أشار إلى هذه الرواية عن الإمام أحمد: ابن قدامة في المغني 9/505، والمرداوي في الإنصاف 7/486، فقال: إذا قال السيد: كاتبتك على ألفين، وقال العبد: على ألف، فالقول قول السيد مع يمينه.
قال القاضي: هذا المذهب، نص عليه أحمد رضى الله عنه في رواية الكوسج.
وللإمام أحمد رحمه الله في المسألة ثلاث روايات:
[1-] القول قول السيد وهذا الذي عليه المذهب.
[2-] القول قول المكاتب، لأن الأصل عدم الزيادة المختلف فيها، ولأنه مدعى عليه، فيدخل في عموم قوله عليه السلام: "ولكن اليمين على المدعى عليه".
[3-] يتحالفان، ويترادان، لأنهما اختلفا في قدر العوض، فيتحالفان كما لو اختلفا في ثمن المبيع، فإذا تحالفا قبل العتق فسخنا العقد إلا أن يرضى أحدهما بما قال صاحبه.
انظر: المغني 9/505، الإنصاف 7/486

(8/4405)


قال إسحاق: كما قال.1
[3147-] قلت: قيل لسفيان2: الرجل يوصي بالعبد ثم يوصي به لآخر؟
قال: هو بينهما نصفين.
قال أحمد:3 إذا لم يغير وصيته فنعم.
قال إسحاق: كما قال.4
[3148-] قلت: الرجل يقول: إن اشتريت فلاناً فهو حر؟
قال: إني أجبن عنه بعض الجبن.
قال إسحاق: وأنا أجبن عنه.5
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني لابن قدامة 9/505، الإشراف لابن المنذر 3/67.
2 في العمرية بلفظ "قلت: قال: قيل له يعني سفيان".
3 في العمرية بحذف اسم "أحمد".
4 سبق توثيق نحو هذه المسألة، برقم (3081) .
5 تقدم توثيق مثل هذه المسألة، برقم (3054) .

(8/4406)


[3149-] قلت: للرجل أن يمنع غلامه من الكتابة إذا أراد ذلك؟
قال أحمد: نعم إذا كان1 رجل ليس له حرفة ولا كسب2.
قال إسحاق: كما قال، لما قال الله عز وجل: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} 3 ففسروه على المال والحرفة4، فأما إذا لم
__________
1 في العمرية تكررت "إذا كان".
2 للإمام أحمد رحمه الله في، كتابة من لا كسب له روايتان:
[1-] تكره، كتابة من لا كسب له، وهو المذهب، لأن فيها إضراراً بالمسلمين، وجعله كلاً وعيالاً عليهم، مع تفويت نفقته الواجبة على سيده.
[2-] لا تكره.
انظر: المغني 9/412، والإنصاف 7/447، والمبدع 6/336، والفروع 5/108، وكشاف القناع 4/541، والمقنع2/498.
3 جزء من الآية رقم (33) من سورة النور.
4 الذين فسروه بالمال هم: ابن عباس رضى الله عنهما، والحسن البصري، وعطاء، والضحاك، وطاوس، ومقاتل، وأبو رزين.
وقال النخعي: إن الخير: الدين والأمانة، وروي مثل هذا عن الحسن. وقال عبيدة السلماني: إقامة الصلاة. قال أبو عمر بن عبد البر: من لم يقل إن الخير هنا المال أنكر أن يقال: إن علمتم فيهم مالاً، وإنما يقال: علمت فيه الخير والصلاح والأمانة، ولا يقال: علمت فيه المال.
انظر: فتح القدير للشوكاني 4/29، وتفسير ابن كثير 3/287، والجامع لأحكام القرآن 12/245، والإشراف 3/63، والمحلى 9/222، ومصنف عبد الرزاق 8/370، والسنن الكبرى للبيهقي 10/317 وما بعده.
وذكر ابن الجوزي في تفسير كلمة "خير" في قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} ستة أقوال:
[1-] إن علمتم لهم مالاً. رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وعطاء والضحاك.
[2-] إن علمتم لهم حيلة- يعني الكسب- رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
[3-] إن علمتم فيهم ديناً. قاله: الحسن.
[4-] إن علمتم أنهم يريدون الخير، قاله: سعيد بن جبير.
[5-] إن أقاموا الصلاة. قاله: عبيدة السلماني.
[6-] إن علمتم لهم صدقاً ووفاء. قاله: إبراهيم.
انظر: زاد المسير 6/37.

(8/4407)


يكن له ذلك فله أن لا يفعل.1
__________
1 للإمام إسحاق رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: أنه يكره، كتابة من لا كسب له، نقلها عنه ابن المنذر فقال: وكره الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق أن يكاتب من لا حرفة له.
والثانية: لا يكره ذلك.
نقلها عنه ابن قدامة فقال: وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يكره، ولم يكرهه الشافعي وإسحاق وابن المنذر وطائفة من أهل العلم، لأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها، ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظر: الإشراف3/63، والمغني 9/412، والجامع لأحكام القران12/246.
ونقل ابن حزم عن الإمام إسحاق رحمه الله قوله: مكاتبته واجبة إذا طلبها، وأخشى أن يأثم إن لم يفعل ذلك، ولا [] يجبره الحاكم على ذلك. المحلى 9/223-224.

(8/4408)


[3150-] قلت: الرجل يكاتب غلامه، وينجم عليه1 نجوماً، فيجيء بكتابته جميعاً، فيأبى السيد أن يأخذه إلا نجوماً؟
قال: قد فعله عثمان [رضي الله عنه] 2 وهكذا نقول.3
__________
1 في العمرية بحذف (عليه) .
2 روى عبد الرزاق بإسناده، عن أبي قلابة قال: كاتب عبد على أربعة آلاف أو خمسة، فقال: خذها جميعاً وخلني، فأبى سيده إلا أن يأخذها كل سنة نجماً، رجاء أن يرثه، فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له، فدعاه عثمان، فعرض عليه أن يقبلها من العبد، فأبى، فقال للعبد: ائتني بما عليك، فأتاه به، فجعله في بيت المال، وكتب له عتقاً وقال للمولى: ائتني كل سنة فخذ نجماً، فلما رأى ذلك أخذ ماله كله، وكتب عتقه.
[] مصنف عبد الرزاق 8/404-405، كتاب المكاتب، باب قاطعه وله فيه شركاء بغير إذنهم، برقم 15714، من طريق أبي قلابة.
والبيهقي في السنن الكبرى 10/335، كتاب المكاتب، باب تعجيل الكتابة، من طريق قتادة عن عثمان.
وانظر: كنز العمال 10/351، والمغني 9/427، والمحلى 9/245، وموسوعة فقه عثمان بن عفان رضي الله [] عنه ص 180-181.
3 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة ثلاث روايات:
إحداها: إذا عجل المكاتب الكتابة قبل محلها يلزم السيد قبولها ويعتق المكاتب، وهذا الذي عليه المذهب.
والثانية: أنه لا يلزم قبول المال إلا عند نجومه، لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له، ولم يرض بزواله فلم يزل، كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق قبله.
والثالثة: أنه يعتق إذا ملك ما يؤدي. لما روى عن أم سلمة ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان لأحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه".
[] رواه الإمام أحمد في مسنده 6/289 -308-311.
وأبو داود في سننه 4/21، كتاب العتق، باب المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت، برقم 3928.
والترمذي في سننه 3/553، كتاب البيع، باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي، برقم1261.
وابن ماجه في سننه 2/842، كتاب العتق، باب المكاتب، برقم 2520.
كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[] انظر: سنن الترمذي 3/553، والمغني 9/426 والمبدع 6/341، والإنصاف 7/452، والكافي 2/609-610.

(8/4409)


قال إسحاق: صحيح كما قال [ظ-101/ب] .1
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في الإشراف لابن المنذر 3/70.

(8/4410)


[3151-] قلت: مكاتب بين شركاء، قاطعه1 بعضهم، أيضمن لشركائه؟
قال: لا يضمن حتى يعتق، فإذا أعتق ضمن في ماله.
قلت: فكأنما أعتقه تلك الساعة [ع-74/أ] ؟.
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال.2
[3152-] قلت: ابن عمر رضي الله عنهما نهى أن يقاطع المكاتب إلا بالعروض.3
__________
1 المقاطعة: هو العقد على إعتاق العبد على مال موجود عند العبد وليس هو بيده، وهي التي يسمونها قطاعة لا كتابة، وأما الكتابة: فهي التي يشتري العبد فيها ماله ونفسه من سيده بمال يكتسبه.
راجع: بداية المجتهد 2/281.
2 نقل ابن المنذر هذه المسألة فقال: وقيل لأحمد بن حنبل: مكاتب بين شركاء قاطعه بعضهم، أيضمن لشركائه؟ قال: لا يضمن حتى يعتق، فإذا عتق ضمن في ماله، قلت: كأنه عتقه تلك الساعة. قال: نعم. قال إسحاق: كما قال. الأوسط 4/125.
وقال ابن قدامة: وليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر، ولا يقدم أحدهما على الآخر، لأنهما سواء فيه، فيستويان في كسبه، وحقهما متعلق بما في يده تعلقاً واحداً، فلم يكن له أن يخص أحدهما بشيء منه دون الآخر. المغني 9/465.
3 العروض: جمع عرض، وبيع العرض بالعرض -وهو بالسكون-: المتاع بالمتاع لا نقد فيه، يقال: أخذت هذه السلعة عرضاً: إذا أعطيت في مقابلتها سلعة أخرى.
النهاية لابن الأثير 3/214، ولسان العرب 7/168، والمصباح المنير 2/404.
والأثر رواه عبد الرزاق بإسناده عن سالم قال: كان ابن عمر نهى أن يقاطع المكاتبون إلا بالعروض. قال الزهري: وكتب بذلك عمر بن عبد العزيز.
مصنف عبد الرزاق 8/428، كتاب المكاتب، باب لا يباع المكاتب إلا بالعروض، والرجل يطأ مكاتبته، والمكاتبين يبتاع أحدهما صاحبه، برقم 15799.
والبيهقي في السنن الكبرى 10/335، كتاب المكاتب، باب الوضع بشرط التعجيل، وما جاء في قطاعة المكاتب، من طريق بكر المزني عن ابن عمر.

(8/4411)


قال: هو مثل قوله أن يعجل [له] و [أن] يضع عنه.1
قال إسحاق: سواء، ولكن إن قاطعه المكاتب بعرض قيمته أقل مما عليه جاز ذلك.2
__________
1 لا بأس أن يعجل المكاتب لسيده، ويضع عنه بعض، كتابته.
انظر: المقنع 2/501، والإقناع 3/146، ومختصر الخرقي ص247.
ومثل لذلك في المبدع بقوله:
مثل أن يكاتبه على نجمين إلى سنة، ثم قال: عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي، أو قال: صالحني على خمسمائة معجلة، جاز ذلك، وعلل ذلك بقوله: لأن مال الكتابة غير مستقر، ولا هو من الديون الصحيحة، لأنه لا يجبر على أدائه.
ولا تصح الكفالة به، وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق، وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق، وتخفيفاً عن المكاتب.
وإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط عنه بعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق.
المبدع 6/342
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الإشراف 3/70، والأوسط 4/125 لابن المنذر.

(8/4412)


[3153-] قلت لأحمد: في الذي يعتق جاريته ويشترط ما في بطنها، ويكاتب1 ويشترط ما في بطنها؟ 2
قال: له شرطه في كليهما3.4
قال إسحاق: كما قال،5 لما قال ابن عمر6
__________
1 في العمرية بلفظ "ومكاتبته".
2 في العمرية بحذف عبارة "ويشترط ما في بطنها" الثانية.
3 في الظاهرية بلفظ "كلاهما".
4 قال الخرقي: وإذا أعتق الأمة، أو كاتبها، وشرط ما في بطنها، أو أعتق ما في بطنها دونها فله شرطه. مختصر الخرقي ص247
وراجع: المغني 9/507، والمقنع 2/478، والإنصاف 7/400، والمبدع 6/295.
5 نقل ابن المنذر قول الإمام إسحاق رحمه الله فقال: واختلفوا في الرجل، يعتق أمته، ويستثني ما في بطنها:
فقالت طائفة: له ثنياه، كذلك قال ابن عمر، ولا نعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفه، وبه قال عطاء ابن أبي رباح، ومحمد بن سيرين، والشعبي، والنخعي، والحكم، وحماد، وأحمد وإسحاق ... إلى أن قال: [] وقد ذكر إسحاق ذلك عن أبي هريرة، والنظر دال عليه. الإشراف 3/186-72-73.
وانظر قول الإمام إسحاق في: المغني 9/189، 507.
6 عن نافع عن ابن عمر: أنه أعتق أمة له، واستثنى ما في بطنها.
رواه ابن حزم في المحلى 9/188، من طريق ابن أبي شيبة، وقال: به يقول عبيد الله ابن عمر، وهذا إسناد كالشمس من أوله إلى آخره.
عن محمد بن فضاء عن أبيه عن ابن عمر قال: سألته عن الرجل يعتق الأمة، ويستثني ما في بطنها: قال: له ثنياه.
مصنف عبد الرزاق6/431، كتاب البيوع والأقضية، في الرجل يبيع الجارية أو يعتقها، ويستثني ما في بطنها، برقم 1609

(8/4413)


وأبو هريرة1 [رضي الله عنهم] وغيرهما ذلك.2
[3154-] قلت: من أعتق شقصاً له في عبد، ضمن إن كان له مال. فإن لم يكن له مال، يستسعي3 في قيمته؟
قال [أحمد] : أعتق4 كله في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن
__________
1 انظر قول أبي هريرة رضي الله عنه في: المحلي 9/189، والمغني 9/507، وكشاف القناع 4/512، [] [] [] والإشراف 3/72- 73، 176.
2 والذين قالوا بجواز استثناء ما في بطن الجارية في العتق والكتابة هم: إبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان وعطاء بن أبي رباح، والشعبي.
قال ابن حزم بعد ذكر الآثار الواردة عنهم: وقد روي أيضاً عن أبي هريرة، وهو قول أبي ثور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، والأوزاعي، والحسن بن حي، وابن المنذر، وأصحابنا.
[] المحلى 9/188-189، مصنف ابن أبي شيبة 6/152- 153، 430 - 431، ومصنف عبد الرزاق 9/172، [] والمغني 9/705، والإشراف 3/72-73.
3 في العمرية بلفظ "استسعى".
4 في العمرية بلفظ "عتق".

(8/4414)


له مال أعتق منه ما أعتق،1 وكان الآخر على نصيبه ولا يستسعى العبد.
قلت: كم قدر المال؟
قال: لا يباع فيه دار، ولا رباع، ولم يقم لي على شيء معلوم2
__________
1 في الظاهرية بلفظ "ما عتق".
2 نقل هذه الرواية ابن رجب فقال: الشريك في عبد إذا أعتق حصته، وليس له سوى دار وخادم، فهو معسر لا يعتق عليه سوى حصته، ولا يباع ذلك في قيمة شريكه. قال ابن منصور: قلت لأحمد: من أعتق شقصاً في عبد ضمن إن كان له مال؟ قال: عتق كله في ماله إن كان له مال، قلت: كم قدر المال؟ قال: لا يباع فيه دار، ولا رباع، ولم يقم لي على شيء معلوم. القواعد لابن رجب ص 296.
وأشار المرداوي إلى هذه الرواية فقال: لو كان موسراً ببعضه فإنه يعتق منه بقدر ما هو موسر به، على الصحيح من المذهب. نص عليه في رواية ابن منصور. الإنصاف 7/409.
ونقل عبد الله ابن الإمام أحمد رحمه الله عن أبيه نحو هذه الرواية فقال: سألت أبي عن عبد بين اثنين، أعتق أحدهما، وليس الذي أعتق بموسر؟ قال: إن كان للمعتق مال: يعتق عليه في مال المعتق، وإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق، يكون في باقيه رقيقاً، كأنه يعتق نصفه، ويبقي نصفه رقيقاً، فيخدم سيده الذي يمسك بالرق ولا يخدم الآخر، لأنه قد أعتقه، ويخدم العبد نفسه يوماً، أذهب فيه إلى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان له مال عتق في ماله، وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق".
رواه مالك، وعبيد الله بن نافع، إلا أن أيوب قال: قوله: "عتق منه ما عتق" لا أدري فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أم قول نافع، قلت لأبي: فحديث قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كان له مال عتق في ماله، وإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه ". قال أبي: هذه رواية سعيد، ولم يذكر هشام الدستوائي السعاية، قال أبي: أذهب إلى حديث ابن عمر، هو أقوى من هذا، وأصح في المعنى.
[] انظر: مسائل عبد الله ص 395-400، برقم 1428.
وراجع: المغني 9/336، الكافي 2/576، المقنع 2/480، المحرر 2/5، الفروع 5/84، والمبدع 6/299.
ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن، وخادم، لكن إن كان الدار واسعاً يفضل عن سكنى مثله بيع واشتري له مسكن مثله. ويشترط في الخادم أن لا يكون نفيساً، وكذا المسكن والمراد بترك المسكن والخادم وغيرهما، إذا لم يكن عين مال الغرماء، وأما إن كان عين مالهم، فإنه لا يترك له منه شيء ولو كان محتاجاً إليه.
[] انظر: المقنع 2/136، والإنصاف 5/303-304.

(8/4415)


قال إسحاق: إن كان له مال فهو كما قال، وإن لم يكن له إلا1 دارٌ وخادم، فإنه لا يجعل ذلك مالاً، فإن2 كان معسراً فإنما يستسعى العبد لصاحبه.3
__________
1 في العمرية بحذف "إلا".
2 في العمرية بلفظ "وإن".
3 قال ابن حزم: قال أحمد وإسحاق: إن كان المعتق موسراً ضمن باقي قيمته لا يباع له في ذلك داره، قال إسحاق: ولا خادمه. المحلى 9/193
وانظر قوله في المغني 9/336، والإشراف لابن المنذر 3/180
وقد سبق الترجيح بين قولي الإمام أحمد وإسحاق في الاستسعاء، وذكر الأدلة في المسألة (3129) .

(8/4416)


[3155-] قلت: عتق ولد الزنى؟
قال لا بأس به.1
قال إسحاق: كما قال.2
[3156-] قلت: من كره أن يكاتب عبده إذا لم يكن له3 حرفة؟
__________
1 انظر المغني 8/751، والمحرر 2/92، الكافي 3/266، والإنصاف 9/220.
ويجزئ في الكفارة الموجبة للعتق ولد الزنى في قول أكثر العلماء لدخوله في الآية: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ، ولأنه مملوك سلم كامل العقل لم يعتق عن شيء، ولا استحق عتقه بسبب آخر، أشبه ولد الرشيدة.
انظر: المبدع 8/57
2 قال ابن المنذر: اختلفوا في عتق ولد الزنى عن الواجب، فقال النخعي والشعبي والأوزاعي: لا يجوز.
وقال الحسن وطاووس والثوري، والشافعي وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد: عتقه جائز عن الواجب. الإشراف 4/246، الجزء المطبوع منه مسألة رقم 2722.
وانظر قول الإمام إسحاق في المغني 8/ 751
3 في العمرية سقطت "له".

(8/4417)


قال: أكره أن يكاتب إذا لم يكن له حرفة.1
قال إسحاق: كرهه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.2
__________
1 قول الإمام أحمد رحمه الله سقط من العمرية. وقد سبق توثيق قولي الإمام أحمد وإسحاق في المسألة (3149) .
2 وكره، كتابة من لا كسب له: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم، وفيما يلي الآثار الدالة على أقوالهما:
[1-] روى عبد الرزاق بإسناده عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يكره أن يكاتب عبده إذا لم يكن له حرفة، قال: يقول: تطعمني من أوساخ الناس.
مصنف عبد الرزاق 8/374، كتاب المكاتب، باب وجوب الكتابة والمكاتب يسأل الناس، برقم 15585.
والسنن الكبرى للبيهقي 10/328، كتاب المكاتب، باب من كره أخذها فأبرأه من مال الكتابة بقدرها.
[2-] عن أبي ليلى الكندي قال: "أتى سلمان غلام له: فقال: كاتبني. فقال: هل عندك شيء؟ قال: لا، أسأل الناس، قال: أتريد أن تطعمني غسالة أيدي الناس؟ فكره أن يكاتبه".
مصنف عبد الرزاق 8/374، كتاب المكاتب، باب وجوب الكتاب والمكاتب يسأل الناس، برقم 15583.
والسنن الكبرى 10/ 319، كتاب المكاتب، باب المملوك لا يكون قوياً على الاكتساب لم يجب على سيده مكاتبته.
وانظر قوليهما في المغني 9/412، والإشراف3/63.

(8/4418)


[3157-] قلت: المكاتب عبد ما بقي عليه شيء؟
قال: نعم.1
قال إسحاق: كما قال2.3
[3158-] قلت: المكاتب إذا مات وترك وفاء الكتابة؟
قال: هو عبد، ماله لسيده.4
__________
1 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: أن المكاتب لا يعتق حتى يؤدي جميع ما عليه من مال الكتابة، وهو المذهب.
والثانية: إذا أدى ثلاثة أرباع، كتابته، وعجز عن الربع عتق.
انظر: الإنصاف 7/478، والمحرر 2/9، وكشاف القناع 5/543، والمقنع 2/508، والمبدع 6/361، والكافي 2/609، والفروع 5/124، والروايتين والوجهين لأبي يعلى لوحة 225.
2 في العمرية بلفظ: "قال إسحاق مثل ذلك".
3 انظر قول إسحاق رحمه الله في: تهذيب سنن أبي داود لابن القيم5/386، شرح السنة للبغوي 9/370
4 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: إذا أدى بعض، كتابته، ومات وفي يده وفاء وفضل، فهو لسيده.
قال المرداوي: وهذا مفرع على الصحيح من المذهب وهو: أنه إذا ملك ما يؤدي عن، كتابته ولم يؤده لم يعتق، فإذا مات قبل الأداء: انفسخت الكتابة، وكان ما في يده لسيده.
والثانية: يعتق، ويكون حراً، ولسيده بقية، كتابته، وما فضل لورثته.
[] الإنصاف 7/452، المغني 9/430، المبدع 6/340، وما بعدها، المقنع 2/500، مختصر الخرقي [] [] [] ص244-245، والروايتين والوجهين 226.

(8/4419)


قال إسحاق: الذي نختار من ذلك ما قال علي [رضي الله عنه] : يؤدي ما بقي من كتابته فيكون حراً، وما بقي لورثته1، لحديث2 سماك.3
__________
1 وقول علي رضي الله عنه رواه عبد الرزاق عن ابن جريح قال: "قلت لعطاء: المكاتب يموت وله ولد أحرار، ويدع أكثر مما بقى عليه من، كتابته؟ قال: يقضى عنه ما بقي من، كتابته، وما كان من فضل فلبنيه، قلت: أبلغك هذا عن أحد؟ قال زعموا أن علياً كان يقضي بذلك. قال: وأما ابن عمر فكان يقول: هو لسيده، كل ما ترك".
مصنف عبد الرزاق 8/391، كتاب المكاتب، باب ميراث ولد المكاتب، وله ولد أحرار، برقم 15654.
والسنن الكبرى للبيهقي 10/331، كتاب المكاتب، باب موت المكاتب.
2 في العمرية بلفظ "حديث" بحذف اللام.
3 وحديث سماك رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي الأحوص عن سماك عن قابوس بن أبي مخارق عن أبيه قال: "بعث علي محمد بن أبي بكر على مصر، فكتب إليه يسأله عن مكاتب مات وترك مالاً وولداً، فكتب يأمر في الكتاب: إن ترك وفاء لمكاتبته يدعى مواليه فيستوفون، وما بقي كان ميراثاً لولده".
مصنف ابن أبي شيبة6/415، كتاب البيوع والأقضية، في مكاتب مات وترك ولداً أحراراً، برقم 1552.
[] ومصنف عبد الرزاق 8/994- 395، كتاب المكاتب، باب ميراث ولد المكاتب، وله ولد أحرار، من طريق [] الثوري، وإسرائيل عن سماك عن قابوس عن أبيه بأطول مما هنا، برقم 15669-15669.
والجوهر النقي المطبوع مع السنن الكبرى 10/331 من طريق ابن أبي شيبة.
[] وانظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الإشراف 3/694-69 والمغني 9/431، والجوهر النقي 10/331

(8/4420)


[3159-] قلت: في قوم كاتبوا جميعاً فمات بعضهم؟
قال: يرفع عن الميت بقدر حصته.1
قال إسحاق: كما قال.2
[3160-] قلت: على المكاتب زكاة؟
__________
1 قال في المقنع: إذا كاتب عبيداً له، كتابة واحدة، بعوض واحد صح، ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم، [] [] ويكون كل واحد منهم مكاتباً بقدرحصته، يعتق بأدائها، ويعجز بالعجز عنها وحده. المقنع 2/994-513
قال المرداوي: وهذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
وقال أبو بكر: العوض بينهم على عددهم، ولا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة.
الإنصاف 7/480، وراجع: القواعد لابن رجب 253، كشاف القناع 4/562، المغني 9/517، والكافي 2/617
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الإشراف 3/69، والمغني 9/516، وحاشية المقنع ص 512.

(8/4421)


قال: ليس عليه زكاة في ماله.
قلت: لم؟
قال: لأنه ليس بمالك لماله، إن عجز كان ماله لسيده، ولا يقدر السيد أن يأخذ من ماله شيئاً.1
قال إسحاق: كما قال، حتى يؤدي كتابته، ثم ما فضل من كتابته في يده فعليه الزكاة إذا حال عليها2 الحول من يوم ملك فضلاً عن كتابته.3
__________
1 قال ابن قدامه: ولا تجب - أي الزكاة - على مكاتب. المقنع 1/290
قال المرداوي: هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه: هو كالقن، وعنه يزكي بإذن سيده.
الإنصاف 3/5، وراجع: الفروع 2/323
المكاتب لا زكاة عليه ما دام مكاتباً، فإذا أعتق صار من أهل الزكاة حينئذ، فيبتدئ حول الزكاة من يوم عتق، فإذا تم الحول وجبت الزكاة إن كان نصاباً، وإن لم يكن نصاباً فلا شيء فيه، ويصير هذا كالكافر إذا أسلم، وفي يده مال زكوي يبلغ نصاباً، فإنه يستقبل به حولاً من حين أسلم، لأنه صار حينئذ من أهل الزكاة، وكذلك العبد إذا أعتق وفي يده مال أبقاه له سيده. المغني 2/624 و 9/468
2 في الظاهرية بلفظ "عليه".
3 قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن لا زكاة في مال المكاتب حتى يعتق، وانفرد أبو ثور فقال: فيه الزكاة.
الإجماع لابن المنذر ص13، برقم 105، المغني 2/624
لكن رأي إسحاق المذكور في المسألة يدل على أن الحول يعتبر من يوم ملك المكاتب النصاب الزائد عن، كتابته، وليس من يوم عتق، فلعله لم يبلغ ابن المنذر قوله.

(8/4422)


[3161-] قلت: فيمن أعتق عبده وله مال؟
قال: ماله لسيده الذي أعتقه،1 إلا أن يكون حديث عبيد الله ابن أبي جعفر2 ثبتا.
__________
1 إذا أعتق السيد عبده وله مال، فهل يستقر ملكه للعبد أم يكون للسيد؟
للإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: إن أعتق السيد عبداً فماله لسيده، وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: أن المال للعبد.
انظر: الإنصاف 7/408، والمغني 9/374، وقواعد ابن رجب 390، والمقنع 2/280، والمبدع 6/299، وكشاف القناع 4/515.
2 عن نافع عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق عبداً وله مال فمال العبد له، إلا أن يشترطه السيد".
رواه أبو داود في السنن 4/28، كتاب العتق، باب فيمن أعتق عبدا وله مال، برقم 3962.
وابن ماجه في سننه 2/845، كتاب العتق، باب من أعتق عبداً وله مال، برقم 2529.
[] والدارقطني في السنن 4/133- 134، كتاب المكاتب.
وابن حزم في المحلى 9/215 من طريق أبي داود.
وعبيد الله ابن أبي جعفر المصري أبو بكر الفقيه، مولى بني كنانة أو أمية، قيل: اسم أبيه يسار -بتحتانية ومهملة- ثقة. وقيل عن أحمد أنه لينه، وكان فقيهاً عابداً، قال أبو حاتم: هو مثل يزيد بن أبي حبيب. مات سنة اثنتين وقيل أربع وقيل خمسة، وقيل ستة وثلاثين ومائة.
انظر: تهذيب التهذيب7/5، وتقريب التهذيب 224، والجرح والتعديل 5/310.
واختلف قول الإمام أحمد رحمه الله في عبيد الله بن أبي جعفر فقال في الحديث: هذا الحديث يرويه عبيد الله بن جعفر من أهل مصر، وهو ضعيف في الحديث، كان صاحب فقه، فأما في الحديث فليس هو فيه بالقوي.
وذكر عبد الله عن الإمام أحمد قال: عبيد الله ابن أبي جعفر كان يتفقه، ليس به بأس.
انظر: المغني 9/375، والمبدع 6/299، منار السبيل 2/111، وكشاف القناع 4/515، وتهذيب سنن أبي داود لابن القيم 5/420، والجرح والتعديل 5/311، وتهذيب التهذيب 7/6.
ورواية عبد الله عن أبيه هي الراجحة، لأنها موافقة لكلام الأئمة الآخرين، فقد قال أبو حاتم، والنسائي وابن سعد "ثقة"، واحتج به الشيخان.
إرواء الغليل 6/172، وتهذيب التهذيب 7/6، والجرح والتعديل 5/311، وهدي الساري ص 423.
والحديث بهذا الإسناد صحيح، فقد قال ابن حزم بعد سياق الحديث بسنده: وهذا إسناد في غاية الصحة، لا يجوز الخروج عنه.
وقال الألباني بعد تخريج الحديث: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين من طريق الليث، وأما ابن لهيعة فإنه

(8/4423)


سيّئ الحفظ ولكنه مقرون.
المحلى 9/215، وإرواء الغليل 6/172.
قلت: ليس للعبد مال؟

(8/4424)


قال: بلى. أما ترى أنه قال: وله مال، فأضاف المال إلى العبد.
قال إسحاق: [ع-74/ب] المال للسيد، لأن ما ملك [العبد] من المال فهو والمال للسيد.1
[3162-] قلت: المكاتب يعجل لسيده ويضع له من كتابته؟
قال: ليس به بأس، السيد ليس بينه وبين عبده2 ربا.3
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المحلى 9/214، والمغني 2/623، الإشراف 3/186.
2 في العمرية سقط لفظ "عبده".
3 قال ابن قدامه: لا بأس أن يعجل المكاتب لسيده، ويضع عنه بعض، كتابته، لأن مال الكتابة ليس بمستقر، ولذلك لا يصح ضمانه، فليس بدين صحيح، فكأن السيد أخذ بعضاً، وأسقط بعضاً. الكافي 2/601
وفي جريان الربا بين السيد وعبده روايتان:
[1-] أن الربا يجري بين العبد وبين سيده، فلم يجز أن يبيعه درهماً بدرهمين كالأجنبيين، وهذا المذهب.
[2-] لا ربا بينهما لأنه عبده.
قال المرداوي: ويستثنى من ذلك مال الكتابة: فإنه لا يجري الربا في ذلك، قاله الأصحاب، لتجويزهم تعجيل الكتابة بشرط أن يضع عنه بعضها.
[] انظر: الإنصاف 7/465-466، والمغني 9/447، والكافي 2/601، والمقنع 2/505، والمبدع 6/350، وكشاف القناع 4/550.

(8/4425)


قال إسحاق: كما قال.1
[3163-] قلت: الكتابة على الوصفاء؟ 2
قال لا بأس به، والسلم3 في الوصفاء، والتزويج4 على الوصفاء.
قال إسحاق: كما قال [في] كله5، لما صح عن ابن مسعود
__________
1 انظر: الإشراف 3/70
2 الوصفاء: جمع وصيف. والوصيف: الخادم غلاماً كان، أو جارية، يقال: وصف الغلام إذا بلغ حد الخدمة، فهو وصيف بين الوصافة، والجمع وصفاء.
وقال ثعلب: وربما قالوا للجارية وصيفة بينة الوصافة، والإيصاف والجمع الوصائف.
انظر: الصحاح للجوهري 4/1439، ولسان العرب 9/357، ومختار الصحاح ص724 والمصباح المنير 2/661
3 السلم بفتحتين: السلف.
وحده في الشرع: عقد على موصوف في الذمة، مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد.
وعرفه ابن قدامه بقوله: "هو أن يسلم عوضاً حاضراً في عوض موصوف في الذمة إلى أجل، ويسمى سلماً وسلفاً".
انظر: مختار الصحاح ص311، والمصباح المنير 1/286، والمطلع على أبواب المقنع ص245، والمغني 4/304.
4 سقط قول الإمام أحمد من النسخة العمرية.
5 نقل قول الإمام أحمد وإسحاق ابن المنذر فقال: أجاز الحسن، وسعيد بن جبير، والزهري، والنخعي، وابن شبرمة، وأحمد، وإسحاق: الكتابة على الوصفاء.
وروينا عن أبي برزة الأسلمي، وحفصة ابنة عمر: أنهما رأيا ذلك، وبه قال الشافعي: إذا وصف كما يوصف في السلم وكانت الكتابة صحيحة على نجوم.
وأجاز ذلك أصحاب الرأي، وإن لم يصف الوصفاء، وبه قال مالك. الإشراف 3/64.
وراجع: المغني 4/308، والسنن الكبرى 10/322

(8/4426)


[رضي الله عنه] وغيره السلم في الحيوان والوصفاء1.
__________
1 اختلفت الرواية عن ابن مسعود رضي الله عنه في السلم في الحيوان:
[1-] فروي عنه: لا يصح السلف في الحيوان.
[2-] وروي عنه صحة السلف في الحيوان.
قال ابن قدامه قي المغني نقلا عن ابن المنذر: وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم في الحيوان: ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، ومجاهد، والزهري، والأوزاعي، والشافعي وإسحاق، وأبو ثور.
وقال ابن حزم: وما نعلم عن أحد من الصحابة إجازة سلم حال، ولا في غير مكيل ولا موزون، أما ما اختلفوا فيه من السلم في الحيوان، فاختلف فيه عن علي، وابن مسعود، وابن عمر.
المغني 4/308، والمحلى 9/109.
ورجح ابن قدامة الرواية الثانية عن ابن مسعود رضي الله عنه، وحمل الرواية الأولى القائلة بكراهة السلم في الحيوان على حادثة معينة، فقال: "وإنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان لأنهم اشترطوا نتاج فحل معلوم".
وأيد هذا القول ونصره الدكتور محمد رواس قلعه جي، وذكر الحادثة المعينة.
[] المغني 4/308، وموسوعة فقه عبد الله بن مسعود 994-147، ومصنف عبد الرزاق 8/23 وما بعده. [] [] وسنن البيهقي 6/22، وكتاب الآثار لأبي يوسف 186-187، برقم845.

(8/4427)


[3164-] قال أحمد: إذا أعتق ستة أعبد يقرع بينهم، إن1 كانت مستوية أقرع بينهم فيخرج2 الثلث.
فإذا3 كانت القيمة مختلفة جزئوا ثلاثة أجزاء، ثم أقرع بينهم، فإن كانت القرعة أصابت الذين قيمتهم أقل من الثلث أعيدت القرعة على الباقين حتى يستكمل الثلث، فإن4 أصابت القرعة عبداً وقيمته أكثر من الثلث أعتق منه بقدر الثلث، وكان في باقيه رقيقاً.
فإن كان عبد واحد قيمته أكثر من الثلث وأصابته5 القرعة، عتق منه الثلث وكان في باقيه رقيقاً.6
__________
1 في العمرية بلفظ "إذا".
2 في العمرية بلفظ "أخرج".
3 في العمرية بلفظ "فإن".
4 في العمرية بلفظ "فإذا أصابت".
5 في العمرية "فأتته".
6 إذا أعتق في مرضه عبيداً لا مال له غيرهم، أو دبرهم، أو أوصى بعتقهم، أو دبر أحدهم، وأوصى بعتق الباقين، لم يعتق منهم إلا الثلث إلا أن يجيز الورثة، فيقرع بينهم سهم حرية، وسهمي رق، فمن خرج له سهم حرية عتق، ورق الباقون. وهذا إذا تساووا في القيمة، فإن اختلفت كستة: قيمة اثنين ثلاثمائة، واثنين مائتان، واثنين مائة مائة، جعلت الاثنين اللذين قيمتهما أربعمائة جزء، وكل واحد من اللذين قيمتها مائة مع واحد من الأولين جزء.
انظر: الكافي 2/581، والمبدع 6/321، والإقناع 3/139، وكشاف القناع 4/530.

(8/4428)


قال إسحاق: كما قال، إلا قوله في السعاية،1 فإنا نراه، وهو إنما قال إذا زاد قيمته بقدر حصته من الزيادة وهو عبد، ونحن نقول: يستسعى في قدر الزيادة وهو حر.
[3165-] قلت: عبد بين رجلين كاتبا، فأدى إلى أحدهما كتابته، وهو يسعى للآخر [فمات] ، لمن ميراثه؟
قال أحمد: كلما كسب العبد في كتابته فهو بينهما.
قلت: فإن أدى إلى أحدهما نصيبه فمات قبل أن يؤدي إلى الآخر؟
قال: يرجع هذا على الآخر بنصيبه2 مما أخذ، وأما ميراثه فهو
__________
1 سبق ذكر روايات عن الإمام أحمد رحمه الله في السعاية، وتوثيق قول الإمام إسحاق رحمه الله، والترجيح في المسألة (3129) .
2 في العمرية بحذف عبارة "قبل أن يؤدي إلي الآخر قال: يرجع هذا على الآخر بنصيبه".

(8/4429)


بينهما.1
قال إسحاق: كما قال.2
[3166-] قلت: رجلان3 ورثا ولاء رجل عن أبيهما ثم
__________
1 نقل هذه الرواية ابن قدامة فقال: وإن مات العبد قبل استيفاء الآخر حقه فقد مات عبداً، ويستوفي الذي لم يقبض من كسبه بقدر ما أخذه صاحبه، والباقي بينهما، قال أحمد في رواية ابن منصور: في عبد بين رجلين كاتباه فأدى إلى أحدهما، كتابته ثم مات وهو يسعى للآخر، لمن ميراثه؟
قال أحمد: كلما كسب العبد في، كتابته فهو بينهما، ويرجع هذا على الآخر بنصيبه مما أخذ، وميراثه بينهما.
قال ابن منصور: قال إسحاق ابن راهوية: كما قال. المغني 9/467
وقال في المبدع: وإن كاتبا عبدهما، جاز، سواء كان على التساوي، أو التفاضل لأنها عقد معاوضة، فجاز من الشريكين متساوياً، ومتفاضلاً، كالبيع، ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي، يعني على قدر الملك فيتساويان في الأداء.
فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئا لم يصح، وللآخر أن يأخذ حصته إذا لم يكن أذن في القبض، فإن أذن فيه، فوجهان: أصحهما يصح، لأن المنع لحقه، فجاز بإذنه.
انظر: المبدع 6/364، وراجع: المقنع 2/514، والكافي 2/616، والمحرر 2/9، والإنصاف 7/483، والتنقيح المشبع ص212، وكشاف القناع 4/563.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 9/467
3 في العمرية "رجلين".

(8/4430)


ماتا1 ولأحدهما ابن واحد، وللآخر عشرة بنين، كيف الولاء بينهم؟ 2
قال أحمد: هذا تفسير الولاء للكبر3، وأنا أقول بهذا القول يقسم على أحد عشر سهماً.
قال إسحاق: كما قال في قول من يرى الولاء للكبر.
فأما أنا فأميل إلى قول النبي صلى الله عليه [ظ-102/أ] [وسلم] : من أحرز4 الولاء أحرز الميراث5 لما يقول:"الولاء
__________
1 في الظاهرية بلفظ "ثم مات".
2 في العمرية بلفظ "بينهما".
3 الولاء للكُبر: الكبر: بضم الكاف، وسكون الباء: أكبر الجماعة، قال أبو السعادات: يقال كبر قومه بالضم، إذا كان أقعدهم في النسب، وهو أن ينتسب إلى جده الأكبر، باباء أقل عدداً من باقي عشيرته، وليس المراد بذلك كبر السن.
المطلع على أبواب المقنع ص312.
قال في الكافي: لو مات المعتق، وخلف ابنين ومولى فمات أحدهما، وخلف ابناً ومات الآخر وخلف تسعة، ثم مات المولى، كان الولاء بينهم على عددهم لكل واحد منهم عُشْرُهُ. الكافي 2/570
وقد تقدم ذكر الروايات عن الإمام أحمد، وإسحاق رحمهما الله في المسألة (3011) .
4 202 من ظ.
5 الحديث رواه البيهقي بإسناده عن عبد الله ابن معقل قال علي رضي الله عنه "الولاء شعبة من الرق، من أحرز الولاء، أحرز الميراث".
السنن الكبرى للبيهقي10/305، كتاب الولاء، باب من قال "من أحرز الميراث أحرز الولاء" وقال: إن معناه: "من كان له الولاء كان له الميراث بالولاء".
وابن أبي شيبة في المصنف 11/405، كتاب الفرائض، في الولاء من قال: هو للكبر يقول الأقرب من الميت بلفظ: "من أحرز الميراث أحرز الولاء".

(8/4431)


لعصبة الميت".1
[3167-] قلت: الرجل يطأ مكاتبته، يجلد؟
قال: يؤدب،: إلا أن يكون شرط عليها في كتابتها أن
__________
1 روى البيهقي بإسناده أن رئاب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاث غلمة، فماتت أمهم فورثوا رباعها، وولاء مواليها، وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فأخرجهم إلى الشام فماتوا، فقدم عمرو بن العاص ومات مولى لها وترك مالاً، فخاصمه إخوتها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحرز الولد، أو الوالد فهو لعصبته من كان". قال فكتبت له، كتاباً فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما ورجل آخر، فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى هشام بن إسماعيل، أو إلى إسماعيل بن هشام، فرفعهم إلى عبد الملك فقال: هذا من القضاء الذي ما كنت أراه، قال: فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فنحن فيه إلى الساعة.
السنن الكبرى للبيهقي 10/304، كتاب الولاء، باب من قال: من أحرز الميراث أحرز الولاء.
قال ابن التركماني: حديث عمرو ذكره صاحب التمهيد، ثم قال: صحيح حسن غريب. الجوهر النقي10/304.

(8/4432)


يطأها.
قلت: فإن حملت تكون من أمهات الأولاد؟
قال: فإن حملت تكون من أمهات الأولاد.
قلت: أو تخير، فإن شاءت أقرت على كتابتها؟
قال: الكتابة على حالها، الرجل يكاتب أم ولده.1
قال إسحاق: كما قال، فإذا ولدت صارت أم ولد.
[3168-] قلت: رجل كاتب2 غلامه، وشرط عليه سهماً في ماله؟
__________
1 إن شرط السيد في العقد وطء مكاتبته جاز له وطؤها على الصحيح من المذهب.
وعنه: لا يجوز، ذكرها أبو الخطاب، وابن عقيل في المفردات وقال: هذا اختياري.
[] انظر: الإنصاف 7/466-467، والقواعد لابن رجب ص 41.
أما إذا وطئها من غير شرط فإنه لا حد عليه، لكن إن كانا عالمين بالتحريم عزرا، وإن كانا جاهلين عذرا، وإن كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً عزر العالم، وعذر الجاهل، ولا يخرج بالوطء عن الكتابة.
والسيد إذا استولد مكاتبته فالولد حر، لأنه من مملوكته، نسبه لاحق به، وتصير أم ولد له لذلك، ولا تبطل، كتابتها، لأنه عقد لازم من جهة السيد، وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق، أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه.
[] انظر: المغني 9/451-452، والكافي 2/605، والفروع 5/119، والمبدع 6/351، والمقنع 2/506، والإنصاف 7/467 وما بعده.
2 في العمرية بلفظ "الرجل يكاتب غلامه".

(8/4433)


قال: أما سهما1 في ماله، فإنه لا يجوز، وميراثه لولده.
قلت: أو2 هدية في كل سنة؟
قال: أما الهدية إذا بينها شيئاً3 يسميه بعينه، فذاك واجب عليه حتى يعتق.4
قال إسحاق: لا يجوز له ما اشترط من ذلك. 5
[3169-] قلت: عبد بين رجلين أعتق أحدهما، وأمسك الآخر، لمن ولاؤه وميراثه؟
قال: إن كان المعتق يوم أعتقه موسراً فهو حر في ماله، ويضمن لصاحبه النصف، والميراث له.
وإن كان معسراً فقد عتق منه ما عتق، وهو في باقيه رقيق،
__________
1 في الظاهرية بلفظ "سهماً".
2 في العمرية بلفظ "وهديه".
3 في العمرية بلفظ "شيء".
4 قال ابن قدامه: إن اشترط السيد على المكاتب أن يرثه دون ورثته، أو يزاحمهم في مواريثهم، فهو شرط فاسد في قول عامة أهل العلم، منهم: الحسن وعطاء، وشريح، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي وإسحاق. المغني 9/520
5 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الإشراف 3/65، والأوسط 4/120 لابن المنذر.

(8/4434)


والميراث بينهما.1
قال إسحاق: أما إذا كان موسراً فهو كما قال.
وإن كان معسراً فالسعاية، والمستسعَى2 حر بأحكامها كلها لما لا يرد عبداً أبداً.
[3170-] قلت: رجل كاتب عبده، وله ولد من أمته (و) لم يعلم بهم السيد؟
__________
1 إذا كان الشريك يوم أعتق نصيبه من عبده موسراً سرى العتق إلى جميعه، فصار جميعه حراً، وعلى المعتق قيمة أنصباء شركائه، والولاء له.
أما المعسر إذا أعتق نصيبه من العبد استقر فيه العتق ولم يسر إلى نصيب شريكه، بل يبقى على الرق، وله نصف ولائه ونصف ميراثه ما لم يكن له وارث نسيب.
والنصف الثاني يكون لسيده المتمسك بنصيبه، هذا عند الإمام أحمد ومن لم يقل باستسعاء العبد.
أما من قال بالسعاية فإنه يستسعى حين أعتقه الأول، فإذا أعتق الثاني نصيبه انبنى ذلك على القول في حريته هل حصلت بإعتاق الأول أو لا؟
فمن جعله حراً لم يصحح عتق الثاني، لأنه عتق بإعتاق الأول، ومن لم يجعله حراً صحح عتق الثاني، لأنه أعتق [] جزءاً مملوكاً من عبد، وإذا مات قبل أداء سعايته فقد مات ونصفه رقيق. راجع: المغني 9/337-338.
وقد سبق ذكر الخلاف في السعاية في المسألة (3129) .
كما تم توثيق قول الإمامين في المسألة (3154) .
2 في الظاهرية "والمستسعاة".

(8/4435)


قال أحمد: هؤلاء كلهم عبيد.1
قال إسحاق: كما قال.
[3171-] قلت: رجل قال لرجل: أعتق عبدك هذا عني وعلي ثمنه؟
قال: إذا فعل- أي أعتق- فقد وجب عليه.2
__________
1 قال البهوتي: وولد المكاتب من أمته كذوي رحمه المحرم، إن عتق عتق معه، وإن عجز رق، وإن أعتق المكاتب سيده كان ولده لسيده، وأما ولده من غير أمته فتابع لأمه. كشاف القناع 4/546.
وقال المرداوي: لا يتبعه ولده إذا كان من أمة سيده، وهو المذهب مطلقاً. الإنصاف 7/464.
وقال ابن مفلح: ونقل ابن منصور إذا كاتب على نفسه وولده، ولم يعلم كم عددهم ولم يسمهم، فقد دخلوا في الكتابة أيضاً.
الفروع 5/125، وراجع: المغني 9/488، والمبدع 6/349.
2 قال الخرقي: ومن قال: أعتق عبدك عني، وعلي ثمنه، ففعل فقد صار حراً وعليه ثمنه، والولاء للمعتق عنه. [] مختصر الخرقي ص994-128
قال المرداوي: والعتق والولاء للمعتق، ويجزئه عن الواجب على الصحيح من المذهب. الإنصاف 7/382
وقال في المبدع: وإن قال أعتقه والثمن علي، أو أعتقه عنك وعلي ثمنه، ففعل، فالثمن عليه-أي على السائل- لأنه جعل جعلاً على الإعتاق، فلزمه بالعمل، أشبه ما لو قال: من بنى لي حائطاً، فله كذا، استحقه بعمله، والولاء والعتق للمعتق- أي المسؤول على الأصح- لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه، ولا قصد به المعتق ذلك، فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه، فيبقى للمسؤول عملاً بالخير، ويجزئه عن واجب في الأصح.
وقال القاضي في موضع: لا بجزئ عن الواجب، ويقع عن المعتق، والولاء للسائل، قال في المحرر: وفيه بعد.
المبدع 6/276، وراجع: الفروع 5/62، والمقنع2/468، وقواعد ابن رجب 299.

(8/4436)


قال1 [ع-75/أ] إسحاق: كما قال، والولاء لمن يؤدي الثمن.2
[3172-] قلت: إذا أوصى لرجل بشيء يكون عليه واجباً حج أو كفارة يمين أو صيام أو ظهار؟
__________
1 148 من ع.
2 قال ابن قدامه: لا نعلم في هذه المسألة خلافاً، وأن الولاء للمعتق عنه، بكونه أعتقه عنه بعوض، ويلزمه الثمن، لأنه أعتقه عنه بشرط العوض، فيقدر ابتياعه منه، ثم توكيله في عتقه ليصح عنه. المغني 6/358
لكن ابن المنذر ذكر في المسألة خلافاً فقال: واختلفوا في الرجل يقول للرجل: أعتق عني عبدك فلاناً، فأعتقه عنه بأمر:
فقالت طائفة: يكون الولاء للآمر، وعليه الثمن، هذا قول الشافعي، وأحمد وإسحاق.
وقال الزهري: في رجل قال لرجل: أعتق عني غلامك هذا وعلي ثمنه، قال: هو جائز، والولاء للسيد، وعلى الحميل ما حمل. الإشراف 3/189.

(8/4437)


قال: يعجبني أن يكون من جميع المال.
قال1 إسحاق: كله، وكل واجب فهو من جميع المال، لا شك في ذلك، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل "دين الله [عز وجل] أحق أن يغض من دين الناس".2
[3173-] قلت: ما يجوز للمرأة من مالها أن تصدق؟
قال أحمد [رضي الله عنه] : إذا حال عليها الحول تصدقت بما شاءت.3
قلت: وما يحل لها أن تصدق من مال زوجها؟
قال: الرطب، وما لا يدخر.4
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في العمرية بحذف عبارة "قال إسحاق كل واجب فهو من جميع المال".
2 سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (3060) .
3 سبق توثيق نحو هذه المسألة، برقم (3085) .
4 هل يجوز للمرأة الصدقة من مال زوجها بالشيء اليسير بغير إذنه؟ للإمام أحمد رحمه الله روايتان:
إحداهما: الجواز، وهو المذهب.
والرواية الثانية: لا يجوز للمرأة التصدق من مال زوجها من غير إذنه، كصدقة الرجل من طعام المرأة.
انظر: المغني 4/515، والإنصاف 5/352.

(8/4438)


[3174-] قلت:1 سئل سفيان عن رجل قال: فلان حر بعد موتي بشهر؟
قال: هو من الثلث.2
قال أحمد: جيد.3
قال إسحاق: كما قال.4
[3175-] قلت: عبد بين ثلاثة، أعتقه أحدهم، وكاتبه أحدهم، وأمسك
__________
1 في العمرية بلفظ "قلت قال".
2 المغني 9/389.
3 للإمام أحمد رحمه الله في المسألة روايتان:
إحداهما: لا يعتق، لأنه علق العتق بصفة توجد في ملك غيره فلم يعتق، كما لو قال: إن دخلت الدار بعد بيعي إياك فأنت حر، ولأنه إعتاق له بعد قرار ملك غيره عليه فلم يعتق كالمنجز.
والثانية: أنه يعتق إذا وجدت الصفتان: الموت، ومضي المدة المذكورة، وبهذا قال الثوري، وأبو يوسف، وإسحاق. لأنه صرح بذلك فحمل عليه، كما لو وصى بإعتاقه، وكما لو وصى ببيع سلعة، ويتصدق بثمنها، ويفارقه التصرف بعد البيع؛ فإن الله تعالى جعل للإنسان التصرف بعد موته في ثلثه، بخلاف ما بعد البيع.
[] انظر: المغني 9/388-389، والإنصاف 7/416، والمقنع 2/486
ووصف ابن قدامه الرواية الأولى بأنها أصح. المغني 9/389
4 انظر: المرجع السابق.

(8/4439)


أحدهم، لمن ميراثه وولاؤه؟
قال: إذا كان العتق قبل الكتابة عتق1 عليه في ماله، إن2 كان موسراً، وإن كان معسراً فقد عتق منه ما عتق، ثم إذا أدى كتابته3 بعد ذا فيكون ما كسب العبد ثلثه للمكاتب وثلثه للذي يمسك بالرق.
فإن مات العبد4 كان ميراثه بين المتمسك بالرق والمكاتب أثلاثاً، فإن أدى إلى المكاتب وفاء مكاتبته، فإن كان يوم أوفى المكاتبة5 موسراً أعتق6 عليه في ماله للمتمسك بالرق، وإن كان معسراً أعتق منه ما عتق، وبقي ثلثه رقيقاً، والميراث يكون بينهم بعد، فإن كان للعبد ولد فالثلث لهم، وإن لم يكن له ولد فالثلث لمولاه الذي أعتقه.
قال إسحاق: هذا7 كما قال فيمن لا يرى السعاية،
__________
1 في العمرية بلفظ "أعتق".
2 في العمرية بلفظ "وإن".
3 في العمرية بلفظ "كاتبه".
4 في الظاهرية بلفظ "وكان ميراثه".
5 في العمرية بلفظ "لمكاتبته".
6 في العمرية بلفظ "عتق".
7 في العمرية بلفظ "هكذا".

(8/4440)


ونحن1 نرى أن يعتق من العبد قدر نصيبه، إذا كان المعتق معسرا ًفأما الذي نختار: أن المعتق2 نصيبه إذا كان موسراً ضمن نصيب شريكه، وإن كان معسراً سعى العبد لهما في أنصبائهما غير مشقوق عليه، فإن مات العبد فالولاء للمعتق الأول [إن كان معسرا، وإن كان موسراً كان نصف ذلك للمعتق إذا كان بين اثنين] .3
[3176-] قلت: المدبر وصية ما يعني به؟
قال أحمد: يقول يرجع فيها.
قلت: كذلك تقول؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال.4
[3177-] قلت: بيع المدبر من غير حاجة؟
__________
1 في العمرية سقط لفظ "نحن".
2 في العمرية بلفظ "للمعتق".
3 سبق تحقيق حكم السعاية في عتق العبد المشترك في المسألة (3129) ، وكيفية تقسيم ميراثه وولائه في المسألة (3169) .
4 سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (3058) ، وذكر الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله في حكم الرجوع في المدبر في أول، كتاب الوصايا.

(8/4441)


قال: نعم من حاجة [ومن] غير حاجة أيبيع الحر إذا كانت به حاجة؟
قال إسحاق: الذي نختار أن لا يبيعه إذا لم يحتج.1
[3178-] قلت: رجل اشترى جارية وهو مريض، فأعتقها عند موته، فجاء الذين باعوها لثمنها فلم يجدوا [ظ-102/ب] [له] 2 مالاً؟
قال: العتق جائز، ويكون في الثلث، يعتق منها الثلث.
قال إسحاق: الذي نختار أن تكون تسعى في الثلثين.3
__________
1 سبق نحو هذه المسألة، برقم (3132) ، ذكرت فيه الروايات عن الإمام أحمد، ووثقت قول الإمام إسحاق رحمها الله.
2 في الظاهرية "فلم يجدوا عندها".
3 التبرعات المنجزة كالعتق، والمحاباة، والهبة المقبوضة، والصدقة، والوقف، والإبراء من الدين، والعفو عن الجناية الموجبة للمال إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال، وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول جمهور العلماء. المغني 6/71
ويرى الإمامان أحمد وإسحاق: أن من شرط استحقاق استرجاع عين المال من المفلس أن يكون حياً، فإن مات فالبائع أسوة الغرماء سواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات، أو مات فتبين فلسه. المغني 4/502

(8/4442)


[3179-] قلت: رجل أعتق ثلث عبده عند موته، وأوصى ببقية الثلث لناس1 وسماهم؟
قال: يعتق منه ما عتق، الثلث.
قلت: كيف لا يكون هذا العبد عتيقاً في ماله؟
قال: الموت ليس مثل2 الحياة، يعتق منه الثلث، وبقية الثلث لمن سمّى.3
__________
1 في (ظ) : "للناس". والمثبت من (ع) .
2 في العمرية بلفظ "بمثل".
3 إن أعتق جزءا من عبده في مرضه، فعن الإمام أحمد رحمه الله ثلاث روايات:
إحداها: إن أعتق جزءاً من عبده في مرضه، أو دبره وثلثه يحتمل جميعه عتق جميعه، وهذا المذهب.
والثانية: لا يعتق إلا ما أعتق أو دبر، لا غير.
والثالثة: يعتق جميعه في المنجز دون التدبير.
انظر: الإنصاف 7/428، والمغني 9/369، وكشاف القناع 4/529، والمبدع 6/317.
أما إذا أوصى بعتق ثلث عبده، وأوصى ببقية الثلث لناس سماهم، وتجاوزت الثلث، ورد الورثة الزيادة، فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم على قدر وصاياهم، ويدخل النقص على كل واحد بقدر ما له من الوصية على مثال مسائل العول، إذا زادت الفروض عن المال على الرواية الراجحة كما سبق في المسألة (3076) .
وراجع: المغني 6/159.

(8/4443)


قال إسحاق: إذا أعتق ثلثه في مرضه صار حراً كله وعليه السعاية في الثلثين للورثة إذا لم يكن له مال سواه، فإن كان له مال سواه، فخرج العبد من الثلث فإنه حر كله، ولا سعاية عليه، فإن كان أوصى ببقية ثلث ماله لقوم كان ذلك لمن سمّى، والسعاية على العبد.
[3180-] قلت: رجل كاتب عبداً له، ثم توفي السيد، وترك ابنين له، فصار المكاتب لأحدهما، فقضى حتى عتق لمن ولاؤه؟
قال: الولاء إنما كان أصله للسيد، فإذا مات وترك ابنين له [ع-75/ب] فالولاء بينهما، فإذا وقع لأحدهما أدى إليه ما بقي من كتابته، ثم يكون الولاء بينهما.
قال إسحاق: كما قال.1
__________
1 الكتابة لا تنفسخ بموت السيد، لأنه عقد لازم من جهته، لا سبيل إلى فسخه، فإذا مات السيد فإن المكاتب يؤدي نجومه، أو ما بقي منها إلى ورثته، لأنه دين لموروثهم، ويكون مَقْسوماً بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه، فإن كان له أولاد ذكور وإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يعتق حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه، فإن أدى إلى بعضهم دون بعض لم يعتق، كما لو كان بين شركاء فأدى إلى بعضهم.
أما الولاء فلا ينتقل عن المعتق بموته، ولا يرثه ورثته، وإنما يرثون المال به مع بقائه للمعتق. هذا قول الجمهور.
وروي نحو ذلك عن عمر وعلي، وزيد، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عمر، وابن مسعود البدري، وأسامة بن زيد، وبه قال عطاء، وطاووس، وسالم بن عبد الله، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، والزهري، والنخعي، وقتادة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وداود. لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء للمعتق".
[] المغني 6/352-9/433، والإنصاف 7/375.

(8/4444)


[3181-] قلت: رجل وامرأة ورثا مكاتباً، فأدى إليهما، لمن ولاؤه؟
قال: ما أدى من الكتابة1 فبينهما، ثم الولاء لأخيها [دونها 2.
قال إسحاق: كما قال] 3.
[3182-] قلت: قوم4 ورثوا مكاتباً رجالاً ونساءً، فمات المكاتب وقد
__________
1 في العمرية بلفظ "فهي بينهما".
2 انظر كيفية تقسيم مال الكتابة إذا مات السيد في التعليق على المسألة السابقة (3180) .
وقد أشار ابن قدامه إلى هذه الرواية فقال: إذا أدى مال الكتابة وعتق.
فقال الخرقي: يكون ولاؤه لمكاتبه يختص به عصباته دون أصحاب الفروض، وهذا قول أكثر الفقهاء، وهو اختيار أبي بكر، ونقله إسحاق بن منصور عن أحمد رحمه الله وإسحاق.
المغني 9/434، وراجع: الكافي 2/567، والفروع 5/66، والإنصاف 7/385.
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الأوسط 3/147، والمبدع 6/278.
4 في الظاهرية"قوما".

(8/4445)


بقي عليه من مكاتبته شيء؟
قال: ما بقي من المكاتبة1 فهو بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كان في المال فضل عن بقية كتابته فهو للرجال دون النساء.
قلت: فلم لا يكون كأنه مات عبد لهم فورثوه؟
قال: هذا أيضاً قول،2 وأما3 أنا فأذهب إلى ذاك4
قال إسحاق: الذي نختار من ذلك ما قال الأول.5
[3183-] قلت: إذا عجز المكاتب فرد في الرق، وقد كان6 يصدق عليه؟
__________
1 في العمرية بلفظ "كتابته".
2 عن الشعبي عن شريح أنه كان يقول: الولاء بمنزلة المال.
وفي رواية أخرى: أنه كان يجري الولاء مجرى المال.
مصنف ابن أبي شيبة 11/395، كتاب الفرائض، تحت عنوان: رجل مات وترك ابنه وأباه، ومولاه ثم مات المولى وترك مالاً، برقم 11576 – 11577.
3 في العمرية بلفظ "فأما أنا".
4 في العمرية بلفظ "ذلك".
[5] راجع المسألتين السابقتين (3180-3181) .
6 في العمرية بلفظ "وكان قد يصدق".

(8/4446)


قال: هو لسيده. 1
قال إسحاق: ما كان من مسألة الناس فأعطوه بحال2 كتابته3 رد على أربابه.4
[3184-] قلت: من كاتب نصيباً له في عبد أو قاطعه لم يؤد إلى هذا شيئاً إلا أدى إلى هؤلاء5 مثله، فإذا أعتق ضمنه الذي كاتبه إن كان له مال؟
__________
1 المكاتب إذا عجز وفي يده مال، ورد في الرق فهو لسيده، سواء كان من كسبه، أو من صدقة تطوع، أو وصية. وما كان من صدقة مفروضة عليه فللإمام أحمد فيه روايتان:
إحداهما: هو لسيده.
والثانية: يؤخذ ما بقي في يده فيجعل في المكاتبين، نقلها حنبل.
واختار أبو بكر الخلال والقاضي أبو يعلى: أنه يرد إلى أربابه، وهو قول إسحاق، لأنه إنما دفع إليه ليصرف في العتق، فإذا لم يصرف فيه وجب رده كالغازي، والغارم، وابن السبيل. المغني 9/513
2 في الظاهرية "لحال".
3 في العمرية بلفظ "بحال، كتابته".
4 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: الإشراف 3/68، والأوسط 4/128، وراجع قوله في المغني 9/513.
5 في العمرية بلفظ "مولاه".

(8/4447)


قال أحمد: نعم.
قال إسحاق: كما قال.1
[3185-] قلت: قال قتادة:2 كل كتابة كانت قبل العتاقة3 فلا ضمان فيها على الذي قاطع.4
قال أحمد: إذا كان عبد5 بين ثلاثة كاتب أحدهم على نصيبه فما6 أدى من شيء يوزعوه،7 [فإن أعتقه أحدهم ضمن في
__________
1 سبق نحو هذه المسألة، برقم (3151) .
2 في الظاهرية بلفظ "وكل".
3 في العمرية بلفظ "العتق".
4 روى عبد الرزاق بإسناده عن قتادة في مكاتب بين شركاء قاطعه بعضهم قال: لا يضمنهم الذي قاطعه، ويؤدي إلى الآخرين ما بقي لهم.
قال قتادة: كل مكاتبة كانت قبل العتق فلا ضمان فيها على الذي قاطع.
مصنف عبد الرزاق 8/402، كتاب المكاتب، باب: قاطعه وله فيه شركاء بغير إذنهم، من طريق معمر عن قتادة، برقم 15702.
5 في العمرية بلفظ: "عبداً".
6 في العمرية بلفظ: "فما أدى من شيء توزعه".
7 ليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر، ولا يقدم أحدهما على الآخر، لأنهما سواء فيه، فيستويان في كسبه، وحقهما متعلق بما في يده تعلقاً واحداً، فلم يكن له أن يخص أحدهما بشيء منه دون الأخر.
المغني 9/465، وراجع: المبدع 6/364، والمقنع 2/524، والكافي 2/616، وكشاف القناع 4/563.

(8/4448)


ماله إن كان له مال] ،1 فإذا أدى كتابته قبل عتق المعتق عتق في ماله، إن كان له مال.2
قال إسحاق: كما قال.
[3186-] قلت: قال قتادة: الرجل يطأ مكاتبته يجلد مائة إلا سوطاً، ويغرم العقر إن كان استكرهها.
وإن3 لم يكن استكرهها فلا شيء، وعقرها مهر مثلها، وإن كانت4 طاوعته جلدت أيضاً.5
__________
1 راجع المسألة (3130)
2 سبق نحو هذه المسألة، برقم (3129) .
3 في العمرية بحذف جملة: "وإن لم يكن استكرهها".
4 في العمرية سقطت لفظة: "كانت".
5 عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة قال: يجلد مائة إلا سوطاً، ويغرم عقرها إن كان استكرهها، وإن لم يستكرهها فلا شيء، وعقرها مهر مثلها.
قال معمر: وقال قتادة: وإن طاوعته جلدت أيضاً، وإن كان استكرهها فلا جلد عليها.
مصنف عبد الرزاق 8/430، كتاب المكاتب، باب: لا يباع المكاتب إلا بالعروض والرجل يطأ مكاتبته والمكاتبين يبتاع أحدهما صاحبه، برقم15807
وانظر قول قتادة في: المغني 9/451.

(8/4449)


قال أحمد: لا يجلد، ولكن يؤدب، لا ينبغي له أن يطأ مكاتبته إلا أن يكون شرط عليها في كتابتها، ولها عليه العقر، صداق مثلها1، فإن حملت فمات السيد قبل أداء مكاتبتها عتقت عليه،2 وصارت من أمهات الأولاد.
قال إسحاق: كما قال.
[3187-] قلت: قال قتادة: إذا ابتاع المكاتبان أحدهما الآخر، هذا هذا من سيده، وهذا هذا من سيده، فالبيع للأول.3
__________
1 قال البهوتي: ويلزم سيد المكاتبة بوطئه إياها مهر مثلها، ولو كانت مطاوعة، لأنه وطء شبهة، كما لو وطئ أمتها، لأنه عوض شيء مستحق للمكاتبة، فكان لها كبقية منافعها، وعدم منعها من وطئه ليس بإذن منها له في الفعل، ولهذا لو رأى مالك مال إنساناً يتلفه فلم يمنعه لم يسقط عنه الضمان. كشاف القناع 4/552.
وراجع: المغني 9/451، والإقناع 3/148، والفروع 5/119، والمبدع 6/350، والكافي 2/405
وقد سبق توثيق بقية النقاط في المسألة (3167) .
2 في العمرية بحذف "الواو" قبل صارت.
3 عن عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قال: إذا ابتاع المكاتبان أحدهما صاحبه، هذا هذا من سيده، وهذا هذا من سيده، فالبيع للأول.
قال معمر: وسمعت من يقول من أهل المدينة: الولاء للسيد المبتاع، يقولون: إنما ابتاع هذا ما على المكاتب فالولاء للسيد.
مصنف عبد الرزاق 8/431، كتاب المكاتب، باب لا يباع المكاتب إلا بالعروض، والرجل يطأ مكاتبته، والمكاتبين يبتاع أحدهما صاحبه، برقم15810
والدارمي في السنن 2/393، كتاب الفرائض، باب في ولاء المكاتب.

(8/4450)


قال أحمد: هو للأول كما قال.1
قال إسحاق: كما قال.
[3188-] قلت: قال ابن شبرمة: من كاتب أو قاطع ضمن.2
__________
1 إذا اشترى المكاتب مكاتباً آخر صح، سواء اشتراه من سيده أو من أجنبي، لأن المشتري أهل للشراء، والمبيع محل له فصح، كما لو اشترى عبداً، فإن عاد المبيع فاشترى سيده لم يصح، لأنه لا يصح أن يملك مالكه.
ولأنه يفضي إلى تناقض الأحكام، إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه: أنا سيدك، ولى عليك مال الكتابة تؤديه إلي، فإن عجزت فلي فسخ، كتابتك وردك إلى أن تكون رقيقاً لي. وهذا تناقض.
انظر: الكافي 2/600، والمغني 9/514، والإنصاف 7/471، والفروع 5/120، والمبدع 6/355.
2 عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن شبرمة قال: من كاتب نصيباً من عبده، أو قاطعه، لم يؤد إلى هذا إلا أدى إلى هؤلاء مثله، إلا- إذا- أعتق ضمنه الذي كاتبه، أو أعتقه.
[] مصنف عبد الرزاق 8/400-401، كتاب الكاتب، باب قاطعه وله فيه شركاء بغير إذنهم، برقم15696

(8/4451)


قال أحمد: ليس ذا شيئاً.1
قال إسحاق: كما قال.
[3189-] قلت لأحمد: كتب عمرو2 إلى عمر [رضي الله عنه] أن رجلاً كان ديوانه في قوم كان يعقل3 معهم فمات4 ولم يعلم له وارث.5
قال: ما هذا ببعيد، لأنهم كانوا يعقلون عنه، وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه حين جعل ما بقي في بيت المال، لأن بيت المال يعقل عنه.6
__________
1 في النسختين بلفظ "شيء".
2 هو عمرو بن العاص.
3 في العمرية بلفظ "يعدل عنهم".
4 في العمرية بلفظ "مات".
5 عن أبي قلابة قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر أن رجلاً كان ديوانه في قوم، وكان يعقل عنهم، فمات ولا يعلم له وارث، فكتب له عمر: "إن كان يعقل فيهم، وديوانه فيهم، فادفع ميراثه إليهم".
مصنف عبد الرزاق 9/12، كتاب الولاء، باب الرجل من العرب لا يعرف له أصل، برقم 16176
6 عن خارجة بن زيد عن زيد أنه كان يعطي أهل الفرائض فرائضهم ويجعل ما بقي في بيت المال.
سبق تخريجه في المسألة (3041) .
الإمامان أحمد وإسحاق رحمهما الله يميلان في هذه المسألة إلى توريث أهل الديوان ممن كان ديوانه فيهم، وكان يعقل معهم، لأن زيد بن ثابت رضي الله عنه جعل ميراث من لا وارث له، أو ما أبقت الفروض في بيت المال، لأن بيت المال يعقل عنهم.
وقد استخلص ابن القيم رحمه الله من الآثار الواردة في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي الإرث لمن له أدنى سبب يمت به إلى الميت.
راجع: تهذيب سنن أبي داود لابن القيم 4/179.
وقال ابن قدامه: إن عاقد رجل رجلاً فقال: عاقدتك على أن ترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك، فلا حكم لهذا العقد، ولا يتعلق به إرث ولا عقل، لأن أسباب التوارث محصورة في رحم، ونكاح، وولاء، وليس هذا منها.
أما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} سورة النساء آية (33) .
فمنسوخة بآية الميراث، ولذلك لا يرث مع ذي رحم شيئاً.
قال الحسن نسختها: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} سورة الأنفال الآية: 75.
راجع: الجامع لأحكام القرآن 5/166.
عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قال: من النصرة، والتضحية، والرفادة،

(8/4452)


ويوصي لهم، وقد ذهب بالميراث وهو قول مجاهد، والسدي.
انظر: الجامع لأحكام القران 5/166، والمغني 6/381
قال إسحاق: قول عمر [رضي الله عنه] أحب إلينا.

(8/4453)


[3190-] قلت: قال قتادة: إذا اشترط في كتابته أني أوالي من شئت، فهو جائز؟ 1
فقال: الولاء لمن أعتق.2
قال إسحاق: هو على ما اشترط، فإن لم يكن شرط: فالولاء لمن أعتق [ظ-103/أ] [ع-76/أ] .
[3191-] قلت [لأحمد] : قال قتادة: إذا أدى المكاتب جميع ما عليه فيوالي من شاء.3
__________
1 عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: إن اشترط في، كتابته أني أوالي من شئت، فهو جائز.
وقال قتادة: إذا أدى المكاتب جميع ما عليه، فليول من شاء.
[] مصنف عبد الرزاق9/7-24، كتاب الولاء، باب إذا أذن لمولاه أن يتولى من شاء، برقم 16158-16218
2 قال الخرقي: إذا اشترط في، كتابته، أن يوالي من شاء، فالولاء لمن أعتق والشرط باطل. مختصر الخرقي ص 248.
ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله.
المغني 9/519، وراجع: المغني 6/353، والإنصاف 7/375، ومعالم السنن 5/391.
3 قال عبد الرزاق: ولا أعلم إلا ما أخبرنا عن قتادة أنه قال: إذا أدى المكاتب فأدى جميع، كتابته، فيوالي من شاء. قال معمر: وما رأيت الناس تابعوه على ذلك.
مصنف عبد الرزاق 9/24، كتاب الولاء، باب فيمن قاطعته ولم أشترط ولاء، برقم12619.
وانظر: المرجع السابق 9/7، برقم: 16158

(8/4454)


قال: لا، الولاء لمن أعتق.
قال إسحاق: هو لمن أعتق إذا لم يكن للمكاتب شرط.1
[3192-] قال أحمد: إذا أعتق عبده في مرضه ليس له مال غيره يعتق منه الثلث، والثلثان عبد، لا يستسعى العبد، لا نرى السعاية في شيء.
قال إسحاق: بل يسعى2 العبد3 في الثلثين، كما قال عبد الله ابن مسعود، وشريح.4
__________
1 راجع التعليق على المسألة السابقة.
2 سبق ذكر الخلاف في استسعاء العبد في المسألة: (3129) .
3 في العمرية بحذف لفظ: "العبد".
4 عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر أن شريحاً كان يقول: "إذا أدى المكاتب قيمته فهو غريم".
قال الشعبي:" فكان يقول فيه بقول عبد الله بن مسعود".
وأما الثوري فذكر عن جابر عن الشعبي أن ابن مسعود وشريحا كانا يقولان: "إذا أدى الثلث فهو غريم". قال الثوري: "وأما مغيرة فأخبرني عن إبراهيم أن ابن مسعود قال: إذا أدى قدر ثمنه فهو غريم".
مصنف عبد الرزاق 8 /411، كتاب المكاتب، باب عجز المكاتب وغير ذلك، برقم17537.
قال ابن حزم: وصح عن شريح: إذا أدى المكاتب النصف فلا رق عليه وهو غريم.
المحلى 9/229، وراجع: أحكام القرآن للجصاص 3/326

(8/4455)


[3193-] قال أحمد: إذا قال كل عبد أشتريه فهو حر، أجبن عنه بعض الجبن، وأما الطلاق فهو أكثر.
قال إسحاق: كلما قال: كل عبد أشتريه فهو حر لم يعتق كالطلاق، حكمهما سواء، إنما نجيز1 عند التسمية عندهما جميعاًَ، والرخصة أكثر.2
__________
1 في العمرية بلفظ "نجبن".
2 سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (3054) .
قال البهوتي: إن قال حر: إن ملكت فلاناً فهو حر، أو قال: كل مملوك أملكه فهو حر، صح التعليق، فإذا ملكه عتق، لأنه أضاف عتقه إلى حال يملك عتقه فيه، فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه، بخلاف ما لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، لأن العتق مقصود من الملك، والنكاح لا يقصد به الطلاق. وفرق أحمد بأن الطلاق ليس لله، ولا فيه قربة إلى الله. كشاف القناع 4/524.
وقال ابن نصر المروزي: وكان إسحاق يقف في المنصوبة خاصة، فلا يفتي فيها، وكلما لم يسم امرأة بعينها. وكان يقول: لا بأس أن يتزوج بها. اختلاف الفقهاء ص 84 لوحة 43أ.

(8/4456)


[3194-] قلت: المكاتب لمن ولاؤه؟
قال: الولاء لمن أعتق سعى في مكاتبته وهو في ملك السيد.
قال إسحاق: كما قال.1
[3195-] قلت: الرجل يسلم على يدي الرجل؟.
قال: إن لم يكن حديث تميم الداري ثبتاً، فلا يكون الولاء إلا لذي نعمة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق".
قال إسحاق: نأخذ بحديث تميم الداري [رضي الله عنه] 2 لأن عبد العزيز3
__________
1 قال الشيخ مرعي بن يوسف: من أعتق رقيقاً، أو بعضه فسرى إلى الباقي، أو أعتق عليه برحم أو فعل، أو عوض، أو، كتابة، أو تدبير، أو إيلاء، أو وصية، أو أعتقه في زكاته، أو نذره، فله عليه الولاء وعلى أولاده، بشرط كونهم من زوجة عتيقة، أو أمة، وعلى من له أو لهم عليه الولاء. دليل الطالب ص187.
وقد تقدم في المسألة (3190) أن الولاء لمن أعتق، وأنه لا يجوز اشتراط إسقاط الولاء عن المعتق، وإن فعل بطل الشرط، وصح العقد.
2 سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (3018) .
3 هو عبد العزيز بن عمر، بن عبد العزيز، بن مروان الأموي، نزيل المدينة. وثقه ابن معين، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة وابن عمار وزاد: ليس بين الناس فيه اختلاف.
وحكى الخطابي عن أحمد أنه قال: ليس هو من أهل الحفظ يعني بذلك- سعة المحفوظ- وإلا فقد قال يحيى بن معين: هو ثبت روى شيئاً يسيراً.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال ميمون بن الأصبغ عن أبي مسهر: ضعيف الحديث، وليس له في البخاري سوى حديث واحد، وروى له الباقون. وقال في التقريب: صدوق يخطئ. مات في حدود الخمسين.
انظر: هدي الساري ص420، وتقريب التهذيب ص215.

(8/4457)


حدث1 أباه فحكم به.
[3196-] قلت: السائبة2 أين يضع ماله؟
__________
1 عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر ابن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال: يا رسول الله ما السنة في الرجل الكافر يسلم على يدي المسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو أولى الناس به حياته ومماته".
قال عبد العزيز بن عمرو: وشهد عمر بن عبد العزيز: قضى بذلك في رجل أسلم على يدي رجل، فمات وترك مالاً وابنة له، فأعطى عمر ابنته النصف، والذي أسلم على يديه النصف.
مسند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ص185 وما بعده.
وراجع في قضاء عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مصنف ابن أبي شيبة 11/409، برقم 11625، وكتاب السنن لسعيد بن منصور 1/101، برقم210.
2 إعتاق العبد سائبة: أن يعتقه ولا ولاء له عليه، كفعل الجاهلية، فالعتق على هذا ماض بالإجماع، وإنما اختلف في ولائه، وفي كراهة هذا الشرط وإباحته، والجمهور على كراهته، وعلى أن ولاءه للمسلمين كافة، لأنه قصد إعتاقه عنهم.
المطلع على أبواب المقنع ص312.

(8/4458)


قال: يضع ماله حيث شاء.1 قال عمر [رضي الله عنه] : "السائبة
__________
1 نقل عبد الله بن الإمام أحمد نحو هذه الرواية عن أبيه فقال: سألت أبي عن السائبة، فقال: هو الرجل يقول لعبده: قد أعتقتك سائبة، كأنه يجعلها لله ولا يرجع في ولائه لمولاه، يجعله لله. مسائل عبد الله ص398
وأشار ابن قدامة إلى رواية ابن منصور هذه في المغني 6/353.
وللإمام أحمد رحمه الله في ولاء السائبة روايتان:
إحداهما: عليه الولاء، وهو المذهب عند المتأخرين.
والثانية: لا ولاء عليه.
الإنصاف7/377، والمبدع 6/273، وكشاف القناع 4/498، والكافي 2/568.
وقال ابن قدامه: ومتى قال الرجل لعبده أعتقك سائبة، أو أعتقتك ولا ولاء لي عليك: لم يكن عليه ولاء، فإن مات وخلف مالاً، ولم يدع وارثاً، اشتري بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد..ولعله رحمه الله ذهب إلى شراء الرقاب إستحباباً لفعل ابن عمر. المغني 6/353
وروى هزيل بن شرحبيل قال: "جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له: كان لي عبد فأعتقته، وجعلته سائبة في سبيل الله، فقال له عبد الله: إن أهل الإسلام لا يسيبون، إنما كان يسيب أهل الجاهلية، وأنت أولى الناس بنعمته، وأحق الناس بميراثه فإن تخرجت من شيء، فأرناه. فجعله في بيت المال".
مصنف عبد الزاق 9/26، كتاب الولاء، باب ميراث السائبة، برقم 16223.
وكان الشعبي يقول: "إن السائبة يرثه مولاه الذي أعتقه".
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سائبة مات وترك مالاً، فأمر بعرض ماله إلى معتقه، فإن أبى يشتري بميراثه رقاباً فيعتقهم.
وقال عمر بن عبد العزيز، والزهري، ومكحول، وأبو العالية، ومالك: يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين.
وأعتق ابن عمر رضي الله عنه سائبة فورث منهم دنانير فجعلها في الرقاب.
انظر: مصنف عبد الرزاق 9/26 وما بعده، وسنن سعيد بن منصور1 /104 وما بعده، وسنن الدارمي2/391، والمغني 6/353، والمنتقى 6/286، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي 4/296، والجامع لأحكام القرآن 6/341، [] والأوسط 3/145-146.

(8/4459)


والصدقة ليومها".1
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب قال: "السائبة والصدقة ليومها" يعني يوم القيامة.
[] مصنف عبد الرزاق 9/27-28، كتاب الولاء، باب ميراث السائبة، برقم: 16229.
والدارمي 2/391، كتاب الفرائض، باب ميراث السائبة.
قال ابن المنذر: الذي نقول به: إن ولاء السائبة لمعتقه، إذ هو داخل في جملة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "الولاء لمن أعتق"وغير خارج عنه بكتاب، ولا سنة، ولا إجماع.
وقد اختلفت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، وليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة، وشراء ابن عمر بما ورثه عن مولاه الرقاب يدل على أنه كان يرى أن المال له، ولكنه تقرب إلى الله بشراء الرقاب، ولو كان الشيء لغيره لم يكن يشتري بما لا يملكه رقاباً إن شاء الله. الأوسط 3/146

(8/4460)


[3197-] قلت: إذا والى قوماً بإذن مواليه؟ 1
جبن أحمد أن يقول [فيه] شيئاً، ووهن [أحمد] حديث [عبد الله] بن دينار2.3
قال إسحاق: الولاء لحمةٌ كالنسب4، ليس له أن ينتقل أذنوا
__________
1 في الظاهرية بلفظ "مواليهم".
2 عبد الله بن دينار العدوي مولاهم، أبو عبد الرحمان المدني مولى ابن عمر، ثقة. مات سنة سبع وعشرين ومائة. تقريب التهذيب ص172.
عن عبد الله بن دينار: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته".
صحيح البخاري، برقم 2535، فتح الباري 5/127، كتاب العتق، باب بيع الولاء وهبته.
ومسلم في صحيحه 2/1145، كتاب العتق، باب النهي عن بيع الولاء وهبته، برقم 1506.
3 قال الشيخ مرعي بن يوسف: الولاء لا يباع، ولا يوهب، ولا يوقف، ولا يوصى به، ولا يورث وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق يوم موت العتيق.
دليل الطالب 188، وراجع: كشاف القناع 4/498.
4 عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع، ولا يوهب".
السنن الكبرى للبيهقي 10/292، كتاب الولاء، باب من أعتق مملوكاً له، من طريق الشافعي عن محمد بن الحسن عن يعقوب بن إبراهيم، عن عبد الله بن دينار.
ومستدرك الحاكم 4/341، كتاب الفرائض، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وصححه الألباني في إرواء الغليل 6/109.

(8/4461)


له أوْ لا.1
[3198-] قلت: المدبرة، وولدها2 بمنزلتها، إذا ولدت وهي مدبرة؟
قال: بمنزلتها إلا الفرج، يطأ الأم، ولا يطأ الابنة.3
__________
1 في العمرية بلفظ "أم لا".
2 في العمرية بلفظ "ولدها".
3 ما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فولدها بمنزلتها، لأنها تستحق الحرية بالموت، فيتبعها ولدها، كأم الولد، ولا يتبعها ولدها الموجود قبل التدبير، لأنه لا يتبع في حقيقة العتق، ففي تعليقه أولى.
أما وطء ابنة المدبرة ففيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله:
[1-] أن ابنة المدبرة كأمها في حل وطئها، إن لم يكن وطئ أمها على الصحيح من المذهب.
[2-] ليس له وطؤه، لأن حق الحرية ثبت لها تبعاً، أشبه ولد المكاتبة.
ويترجح الرواية الأولى، بأن ملك سيدها تام عليها، فحل له وطؤها كأمها لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} . سورة المؤمنون، الآية: (6)
واستحقاقها للحرية لا يزيد على استحقاق أمها، ولم يمنع ذلك وطؤها، وأما ولد المكاتبة فألحقت بأمها وأمها يحرم وطؤها، فكذلك ابنتها، وأم هذه يحل وطؤها، فيجب إلحاقها بها.
وكلام الإمام أحمد محمول على أنه وطئ أمها، فحرمت عليه لذلك.
انظر: الكافي 2/594، والمغني 9/401، والإنصاف 7/441.

(8/4462)


قال إسحاق: كما قال.1
[3199-] قلت: إن علياً والزبير [رضي الله عنهما] اختصما في مولى لصفية رضي الله عنها2 فقضى عمر [رضي الله عنه] بالعقل على علي [رضي الله عنه] والميراث للزبير.3
__________
1 انظر: الأوسط 4/ 137.
2 هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أم الزبير بن العوام وشقيقة حمزة والمقوم وحجل بني عبد المطلب، لم يختلف في إسلامها من عمات النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في عاتكة، وأروى.
والصحيح أنه لم يسلم غيرها، كانت في الجاهلية قد تزوجها الحارث بن حرب بن أمية أخو أبي سفيان بن حرب فمات عنها، فتزوجها العوام بن خويلد، فولدت له الزبير، وعبد الكعبة. عاشت كثيراً، وتوفيت سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع.
أسد الغاية 5/492، الإصابة 4/348، الإستيعاب 4/345.
3 عن إبراهيم قال: اختصم علي والزبير إلى عمر في مولى صفية، فقال علي: مولى عمتي، وأنا أعقل عنه، وقال الزبير: مولى أمي، وأنا أرثه، فقضى عمر للزبير بالميراث، وقضى على علي بالميراث -كذا في الأصل وصوابه: بالعقل-.
قال إبراهيم: فالولاء لآل الزبير ما بقي لهم عقب، قلت: وما العقب؟ قال: ولد ذكر، فإذا لم يكن ولد ذكر رجع الولاء إلى علي.
سنن سعيد بن منصور 1/116، باب الرجل يعتق فيموت ويترك ورثة ثم يموت المعتق، برقم274
ومصنف عبد الرزاق 9/35، كتاب الولاء، باب ميراث المرأة والعبد يبتاع نفسه، برقم16255

(8/4463)


قال أحمد: كان علي عصبتها، والزبير ابنها، وهو قوله: "يرث المرأة بنوها، ويعقل عنها عصبتها".1
قال الشاعر:
ومولى عنوداً لحقته حرايره ... وقد يلحق المولى العنود الحراير
__________
1 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة: عبد، أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى لها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها".
صحيح البخاري، برقم6740، فتح الباري 12/24، كتاب الفرائض، باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره.
قال البهوتي: وإذا ماتت امرأة، وخلفت ابنها، وعصبتها، ومولاها، فولاؤه وإرثه لابنها، لأنه أقرب عصبتها. وإن لم يكن له وارث من النسب، وعقله على عصبتها وابنها، لأنه من العاقلة. فإن انقرض بنوها فالولاء لعصبتها الأقرب فالأقرب دون عصبتهم-أي-عصبة بنيها-لأن الولاء لا يورث.
كشاف القناع 4/504، وراجع: المغني لابن قدامة 6/378 وما بعده، ومختصر الخرقي 129.

(8/4464)


قال إسحاق: كما قال. وهو الذي نعتمد عليه.1
[3200-] 2 قلت: قال إبراهيم في امرأة ماتت، وتركت أباها، وابنها (151ع) وتركت مولى: للأب سدس الولاء.3
قال أحمد: نعم.
قال إسحاق: كما قال.4
[3201-] قلت- قال عطاء: رجل مات وترك جده وأخاه، وترك مولى:
__________
1 قال ابن المنذر: خبر اختصام الزبير وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما في مولى لصفية رضي الله عنها، وحكم عمر رضي الله عنه بالولاء للزبير والعقل على علي رضي الله عنه قال: وهذا قول الشعبي والزهري، وقتادة، وبه قال مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد. الأوسط 3/148.
2 151 من ع.
3 عن عبد الرزاق عن الثوري قال في امرأة ماتت، وتركت أباها وابنها وتركت موالي، قال: أخبرني مغيرة عن إبراهيم قال: للأب سدس الولاء، وسائره للابن. وقال الحكم وحماد: الولاء للابن، وقال: وبلغني عن زيد بن ثابت أنه قال: الولاء للابن.
مصنف عبد الرزاق 9/35، كتاب الولاء، باب ميراث المرأة والعبد يبتاع نفسه، برقم 16257.
4 وسبق توثيق نحو هذه المسألة، برقم (3013) .

(8/4465)


الولاء بين الجد والأخ1.
وقال الزهري: الولاء للجد.2
قال أحمد: الولاء بين الجدّ والأخ.
قال إسحاق: الولاء للجد، لأنه كالأب.3
[3202-] قلت: سئل سفيان4 عن رجلين أعتقا رجلاً، فمات أحدهما
__________
1 في العمرية بلفظ "وأخ".
وأثر عطاء أخرجه: عبد الرزاق عن ابن جريح قال: قلت لعطاء: رجل توفي وترك جده وأخاه، ثم مات مولى الميت، أليس مال المولى بين الجد والأخ؟ قال: بلى، وقال عطاء في رجل توفي وترك أباه وبنيه قال: ولاء المولى لبنيه.
مصنف عبد الرزاق 9/46، كتاب الولاء، باب الجد والأخ، وعتق مملوك عبده لمن ولاؤه، برقم 16300.
2 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل توفي وترك جده وأخاه ومات مولى للميت، قال: أراه للجد، قال الزهري: "وقد كان عمر بن الخطاب ينازعه رأيه أنه أب وقد على-هكذا في المصنف ولعله وكان علي-أشرك بينه وبين الأخ في الميراث".
قال معمر: وسمعت غير الزهري يقول: هو بينهما نصفان.
مصنف عبد الرزاق 9/46، كتاب الولاء، باب الجد والأخ، وعتق المملوك عبده لمن ولاؤه، برقم 16301.
3 سبق توثيق قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة (3032) .
4 في العمرية بحذف "سفيان".

(8/4466)


وترك ولداً ذكوراً وعمهم حي، ثم مات المولى.
قال: الولاء بين ولد الميت، وبين العم.1
قال أحمد: كما قال.2
قال إسحاق: كما قال.
[3203-] قلت: قال إبراهيم: في عبد كان3 لقوم فأذنوا له أن يبتاع عبداً فيعتقه، ثم باعوا العبد، الولاء لمواليه الأولين.4
__________
1 عن عبد الرزاق عن الثوري في رجلين أعتقا عبداً، فمات أحدهما وترك ولداً ذكوراً قال: "الولاء لولده مع عمهم بينهم نصفان".
مصنف عبد الرزاق 9/34، كتاب الولاء، باب الولاء للكبر، برقم 16252.
2 إذا مات المعتق- بفتح التاء- ولم يكن له عصبة من نسبه كان الميراث لمولاه، ثم لعصبته الأقرب فالأقرب واشترك العم مع الأبناء في إرث ولاء العبد، لأنه اشترك مع أبيهم في عتقه، فحاز الأبناء نصيب أبيهم بعد موته، وبقي نصيب العم له.
راجع: المغني 6/372.
3 في العمرية بلفظ "كاتب".
4 عن عبد الرزاق عن إبراهيم أنه سئل عن رجل أذن لأمته، فأعتقت عبداً، ثم اشتراها قوم آخرون فقال: "الولاء للأولين الذين باعوها".
مصنّف عبد الرزاق 9/46، كتاب الولاء، باب الجد والأخ وعتق المملوك عبده لمن ولاؤه، برقم16302

(8/4467)


قال أحمد: جيد إذا أذنوا1 له، فكأنهم هم المعتقون، الولاء لهم.2
قال إسحاق: كما قال.3
[3204-] قلت: قال إبراهيم في عبد وابنه أعتق هذا قوم، وأعتق هذا قوم، يتوارثان بالأرحام، والعقل على العصبة/ الذي أعتق.4
قال أحمد: جيد.
__________
1 في الظاهرية بلفظ "إذا تولاه".
2 قال في المبدع: وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده.
قال المرداوي: هذا المذهب مطلقاً.
انظر: المبدع 2/503، والإنصاف 7/459.
3 هذه المسألة في العمرية في ص151.
4 عن عبد الرزاق عن إبراهيم: سئل عن رجل وابنه: أعتق الأب قوم، وأعتق الابن قوم آخرون، قال: "يتوارثان بالأرحام، ويكون الولاء على من أعتق" -هكذا في المرجع-.
[] مصنف عبد الرزاق 9/9-10، كتاب الولاء، باب الولاء لمن أعتق، أثر رقم 16167.
ومصنف ابن أبي شيبة 11/401، كتاب الفرائض في رجل أعتقه قوم وأعتق أباه آخرون، برقم 11599 بلفظ: "يتوارثان بالأرحام، وجنايتهما على عاقلة مواليهما".

(8/4468)


قال إسحاق: كما قال.1
[3205-] قلت: قال الشعبي: إذا ماتت المرأة، وتركت موالي وتركت ولداً، قالوا: الولاء للولد والعقل عليهم، والميراث لهم.2
قال أحمد: العقل على العصبة، [ع-77/أ] على حديث مولى صفية رضي الله عنها.
قال إسحاق: كما قال.3
[3206-] قلت: قال سفيان: كل أم ولد ومدبرة ومكاتبة ولدت وأبوهم حر فالولاء لموالي أمهم، لا يجر الأب الولاء، يعني ولا ولده حتى تلد حين تلد وهي حرة، فذاك الذي يجر الأب4 الولاء.5
__________
1 هذه المسألة في العمرية ص150.
2 روى عبد الرزاق عن الشعبي قال: "إذا ماتت المرأة، وتركت موالي، فالميراث لولدها، والعقل عليهم، قال: وكان ابن أبي ليلى يقضي به".
مصنف عبد الرزاق 9/35، كتاب الولاء، باب ميراث المرأة والعبد يبتاع نفسه، برقم16256
3 سبق توثيق قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله، وذكر حديث مولى صفية في المسألة (3199) .
4 في العمرية سقطت: "الأب".
5 انظر المغني 6/361.

(8/4469)


قال أحمد: لأن1 هؤلاء كأنهم عتقوا2، لم يكن الولاء بسبب.3
[3207-] قلت: قال سفيان: وإذا ولدت أم الولد والمدبرة بعد موت السيد دون4 ستة أشهر لم يجر الأب الولاء، وإذا ولدت لستة أشهر منذ مات عنها سيدها5 جر الأب الولاء.
قال [أحمد] : كأنها حملت وهي أمة، إذا ولدت لدون ستة أشهر [لم يجر الأب الولاء، إذا ولدت لستة أشهر منذ مات عنها سيدها جر الأب الولاء] .
قال إسحاق: كما قال.6
[3208-] قلت: سئل سفيان: أرأيت إن قال: ما في بطنك حر؟ (153ع) .
__________
1 في الظاهرية بلفظ "أن".
2 في العمرية بلفظ "أعتقوا".
3 في الظاهرية بلفظ "لسيد الأم".
4 في الظاهرية بلفظ "بدون".
5 في الظاهرية بلفظ "زوجها".
6 راجع التعليق على المسألة السابقة، برقم: (3206) .

(8/4470)


قال: هو حر والأم مملوكة، لأن ولدها منها، وليست هي من ولدها.1
قال أحمد: جيد.2
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 عن عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم قال: "إذا أعتق الرجل أمته واستثنى ما في بطنها، فله ما استثنى".
قال سفيان: ونحن لا نأخذ بذلك، نقول: إذا استثنى ما في بطنها عتقت كلها، إنما ولدها كعضو منها، وإذا أعتق ما في بطنها، ولم يعتقها، لم يعتق إلا ما في بطنها.
مصنف عبد الرزاق 9/173، كتاب المدبر، باب الرجل يعتق أمته ويستثني ما في بطنها، والرجل يشتري ابنه، برقم: 16800.
2 نقل ابن قدامه هذه الرواية عن الإمام أحمد فقال: قال إسحاق بن منصور: سئل سفيان عن رجل قال: ما في بطنك حر؟ قال: هو حر والأم مملوكة، لأن ولدها منها، وليست هي من ولدها.
قال أحمد وإسحاق: جيد. المغني 9/508.
قال في المقنع: إذا أعتق حاملاً عتق جنينها، إلا أن يستثنيه، وإن أعتق ما في بطنها دونها عتق وحده. المقنع 2/478
قال المرداوي: في الحال. هذا المذهب. نص عليه.
الإنصاف 7/300، وراجع كشاف القناع 4/512
3 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في: المغني 9/507، والمحلى 9/189، والإشراف 3/73.

(8/4471)


[3209-] قلت:1 قال سفيان: المكاتبة إذا أدت، أو أعتقت عتق ولدها، وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد.2
قال أحمد: جيد صحيح.
قال إسحاق: كما قال [ظ-103/ب] [ع-77/ب] .3
__________
1 هذه المسألة غير موجودة في العمرية بهذا الترتيب.
2 عن عبد الرزاق عن الثوري قال: المكاتبة إذا أعتقت عتق ولدها إذا ولدوا في، كتابتها، وأم الولد إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت سيدها.
مصنف عبد الرزاق 8/390، كتاب المكاتب، باب: كاتبه ولا ولد له، وميراث المكاتب، الأثر رقم15651.
[] وانظر: اختلاف الفقهاء 1/48-49، والمغني 9/487.
3 نقل هذه الرواية ابن قدامة فقال: وإن أعتق السيد أم الولد، أو المدبرة لم يعتق ولدها، لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه، ويبقى عتقه موقوفاً على موت سيده، وكذلك إن أعتق ولدهما لم يعتقا بعتقه، وإن أعتق المكاتبة، فقد قال أحمد وسفيان وإسحاق: المكاتبة إذا أدت أو أعتقت عتق ولدها، وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد، فظاهر هذا أن ولد المكاتبة يتبعها في العتق بإعتاق سيدها، لأنه في حكم مالها يستحق كسبه فيتبعها إذا أعتقها كمالها، ولأن إعتاقها يمنع أداءها بسبب من السيد، فأشبه ما لو أبرأها من مال الكتابة.
[] المغني 9/543، وراجع: الإقناع 3/146-147، الفروع 5/93

(8/4472)


[3210-] قلت: سئل سفيان عن رجل عليه رقبة فقال لرجل: أعتق عني؟ 1
قال: الولاء للذي أمر.
قلت: وإن لم يأخذ ثمنه من الذي أمره؟
قال: نعم، وإن لم يأخذ ثمنه.2
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال، لأن عتقه3 وأمره سواء، والولاء4 لا يثبت بأداء الثمن، ولا بتأخيره.5
[3211-] قلت: سئل سفيان عن رجل قال لغلامه: أنت حر إلا أن تكره أي [ذلك] وأبوه غائب.
قال: لا أرى شيئا وقع بعد.
__________
1 205 من ظ.
2 عن عبد الرزاق عن الثوري في رجل قال لرجل: أعتق عني عبدك فأعتقه عنه؟ قال: الولاء للآمر، وقال في رجل قالت له أمه: أعتق عني عبدك، فأعتقه عنها. قال: الولاء لها.
مصنف عبد الرزاق 9/171، كتاب المدبر، باب العتق بالشرط، برقم 16796.
3 في العمرية بلفظ "لأن أمره وعتقه سواء".
4 في العمرية بلفظ "فلولاء".
5 سبق توثيق قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة (3171) .

(8/4473)


قال أحمد: له الاستثناء.1
قال إسحاق: هو موقوف حتى يبلغ أباه.
[3212-] قلت: قال سمعت سفيان يقول في رجل قال: كل مملوك لي حر، وله مكاتب، ومدبر، يجري على المدبر العتق، ولا يجري على المكاتب2.
قال أحمد: ما أرى إلا [أن] يجري عليهما جميعاً.3
قال إسحاق: يقع على عبيده، ولا يقع على مكاتبه، وأما المدبر فأجبن عنه4، وإن كنت أراه كالعبد.5
__________
1 قال الخرقي: إذا استثنى في الطلاق، أو العتاق، فأكثر الروايات عن أبي عبد الله أنه توقف عن الجواب، وقد قطع في موضع أنه لا ينفعه الاستثناء.
مختصر الخرقي 217، وراجع: المغني 8/718.
2 انظر: الإشراف لابن المنذر 3/188.
3 قال في المقنع: إذا قال: كل مملوك لي حر عتق عليه مدبروه، ومكاتبوه، وأمهات أولاده. المقنع 2/489.
قال المرداوي: وكذا عبيد عبده التاجر بلا نزاع في ذلك.
الإنصاف 7/426، وكشاف القناع 4/527. وراجع القواعد لابن رجب 283، والفروع 3/98.
4 في العمرية بحذف "عنه".
5 قال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في الرجل يقول: كل مملوك لي حر، وله عبيد وإماء وأمهات أولاد، ومدبرون، ومكاتبون.
فقالت طائفة: هم أحرار جميعاً، إلا المكاتبون، فإنهم لا يعتقون، وإن نواهم عتقوا. هذا قول الشافعي وأصحاب الرأي والثوري وإسحاق.
وقال أحمد بن حنبل: إذا قال كل مملوك لي حر، وله مكاتب، أو مدبر، ما أرى إلا يجري عليهما.

(8/4474)


[3213-] قلت: إذا طلب ديناً على أبيه يحلف على علمه: أو البتة؟
قال: يحلف على علمه.1
قال إسحاق: كما قال.2
[3214-] قال أحمد: إذا شهد رجلان من الورثة، وكانا عدلين جازت شهادتهما على الورثة.
__________
1 قال في المقنع: وإن حلف على النفي، حلف على نفي علمه. المقنع 3/723.
وقال المرداوي: يعني: إذا حلف على نفي فعل غيره، أو نفي دعوى على ذلك الغير: أما الأولى: فلا خلاف أنه يحلف على نفي العلم.
وأما الثانية: فالصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به أكثرهم، أنه يحلف فيها أيضاً على نفي العلم.
ومثال نفي الدعوى على الغير: إذا ادعى عليه أنه ادعى على أبيه أيضاً فأقر له بشيء، فأنكر الدعوى ونحو ذلك، فإن يمينه على النفي على المذهب.
الإنصاف 12/118، وراجع: الكافي 4/517، والمغني 9/230.
2 في العمرية جاءت هذه المسألة بعد المسألة الآتية.

(8/4475)


قال إسحاق: كما قال.1
[3215-] قلت: سئل سفيان عن مكاتبة وقع [ع-78/أ] عليها سيدها؟
قال: يدرأ عنه الحد، وعليه العقر، فإن هي ولدت خيرت، فإن اختارت أن تكون أم ولد، ولا عقر عليه كانت أم ولد، والولد ولد الرجل، وليس لها صداق، [و] إن اختارت أن تكون على مكاتبتها كانت مكاتبة، ولها العقر صداق مثلها، فإن مات الرجل قبل أن تؤدي مكاتبتها، فليس عليها شيء وقد خرجت، لأنها بمنزلة أم الولد.2
قال أحمد: ليس عليه حد، ولها من سيدها العقر تستعين في كتابتها، فإن حملت فهي من أمهات الأولاد، فإن أدت ما بقي
__________
1 سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (2920) ، و (2949) .
ووقعت هذه المسألة في العمرية في ص153.
2 روى عبد الرزاق عن الثوري في الذي يغشى مكاتبته قال: لها الصداق ويدرأ عنها الحد، استكرهها، أو طاوعته، وتخير المكاتبة إذا ولدت، فإن شاءت كانت أم ولد، وخرجت من كتابتها، وإن شاءت أدت، كتابتها، ولم تكن أم ولد، فإن اختارت أن تكون مكاتبة، ثم مات قبل أن تؤدي، كتابتها عتقت.
مصنف عبد الرزاق 8/430، كتاب المكاتب، باب لا يباع المكاتب إلا بالعروض، والرجل يطأ مكاتبته، والمكاتبين يبتاع أحدهما صاحبه، برقم 15808.
وراجع: المغني 9/451.

(8/4476)


من كتابتها قبل موت السيد عتقت، فإن مات السيد قبل أن تؤدي ما بقي من كتابتها فهي حرة.
قال إسحاق: كما قال سفيان سواء، وأحمد متابع له.1
[3216-] قلت: قال سفيان: إذا قال: أنت حر إلى أن يقدم فلان، فلا أرى شيئاً وقع بعد.2
وإذا قال: أنت حر حتى يجيء فلان، قال قد ذهب فلان.
قال أحمد: إذا قال: إلى أن يقدم فلان، ويجيء فلان واحد، وإلى رأس السنة، وإلى رأس الشهر،3 إنما4 يريد إذا جاء رأس السنة، إذا جاء رأس الشهر مثله، إذا قال: أنت طالق إذا جاء الهلال، إنما تطلق إذا جاء رأس الهلال5.
__________
1 في الظاهرية بلفظ "متابعا".
[] وسبق تحقيق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة (3167-3186) .
2 في العمرية بحذف لفظ "بعد".
3 في العمرية بلفظ "رأس الهلال".
4 في العمرية بلفظ "فإنما".
5 نقل ابن قدامه نص هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قال أحمد: إذا قال لغلامه: أنت حر إلى أن يقدم فلان، ومجيء فلان واحد، وإلى رأس السنة، وإلى رأس الشهر، إنما يريد إذا جاء رأس السنة، أو جاء رأس الهلال منه، وإذا قال: أنت طالق إذا جاء الهلال، إنما تطلق إذا جاء رأس الهلال، وقال إسحاق: كما قال أحمد. المغني 9/375.
إذا قدم الطلاق والعتاق على الشرط والصفة، وقال: أنت حر أو أنت طالق إذا دخلت الدار، أو كلمت زيداً، أو أكلت خبزاً ونحو ذلك، هل يقع الطلاق والعتاق أم لا؟.
نقل القاضي أبو يعلى الفراء -رحمه الله- في المسألة روايتين عن الإمام أحمد:
إحداهما: لا يعتق حتى توجد الصفة في أصح الروايتين، نقلها ابن منصور: من قال أنت حر إلى أن يقدم فلان، وحتى يقدم فلان، أو يجيء فلان، وإلى سنة، وإلى رأس الشهر واحد إنما يريد إذا جاء رأس الشهر، وجاءت السنة، وإذا قال: أنت طالق إذا جاء الهلال، إنما تطلق إذا جاء رأس الهلال.
والثانية: يقع العتق والطلاق، ولو قدم الصفة لم يقع إلا بوجودها، نقل ذلك إسحاق بن إبراهيم ... إلى أن قال: والمذهب الأول.
الروايتين والوجهين ص222، وراجع: المغني 9/375، والقواعد ص267، ومطالب أولي النهى 9/423.

(8/4477)


قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[3217-] قلت: قال سفيان: الكفيل إذا كفل بمال إلى أجل، ثم مات الكفيل قبل الأجل، أخذ من ورثة2 الكفيل، قد حل عليه، وليس لورثة الكفيل أن يبيعوا الذي كفل عنه حتى يبلغ الأجل،
__________
1 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 9/375.
2 في العمرية بلفظ "ورثته".

(8/4478)


فإن1 مات الذي كفل عنه استوثق من المال حتى ينظر ما يصنع الذي كفل، فإن أدى هذا وإلا أخذ من المال.2
قال أحمد: هو إلى أجله، الكفيل والذي كفل عنه، إلا أنه3 يستوثق من المال، فإن4 أفلس فهو إلى أجله إذا وقفوا5 له.6
__________
1 في العمرية بلفظ "وإن".
2 نقل ابن قدامه قول سفيان الثوري رحمه الله في المغني 4/482، وابن المنذر في الإشراف 3/19.
3 في العمرية بلفظ "أن".
4 في العمرية بلفظ "وإن".
5 في العمرية بلفظ "أوقفوا".
6 إن مات الرجل وعليه ديون مؤجلة فهل تحل بالموت؟ فيه روايتان:
إحداهما: لا تحل إذا وثق الورثة، وهو قول ابن سيرين، وعبد الله بن الحسن، وإسحاق، وأبي عبيد، وقال طاوس وأبو بكر بن محمد والزهري، وسعيد بن إبراهيم: الدين إلى أجله، وحكي ذلك عن الحسن.
والثانية: أنه يحل بالموت، وبه قال الشعبي، والنخعي وسوار ومالك، والثوري.
وكذلك إذا ضمن ديناً مؤجلا عن إنسان فمات أحدهما، إما الضامن، وإما المضمون عنه، فهل يحل الدين على الميت منهما؟ على الروايتين السابقتين.
[] المغني 4/994-602، والقواعد لابن رجب 317-321، وراجع: الإنصاف 5/215، والمبدع 4/266، وشرح منتهى الإرادات 2/252.

(8/4479)


قال إسحاق: كما قال1، لأن الميت إذا مات لم يحل ما عليه من الدين، هو إلى أجله، إذا وثقوا لصاحبه.2
[3218-] قلت: قال سفيان: إذا لزم الرجل الرجل فجاءه رجل فقال: دعه فما [كان] 3 لك عليه4 من حق فهو علي ودعه5.
قال:6 قوله هذا ليس بشيء، ولكنه يحبس بنفسه حتى يأتي به، لأنه [إنما] خلصه منه بهذا7.8
__________
1 في العمرية بإضافة "قال أحمد: لأن الميت إذا مات لم يحل ما عليه من الدين، هو إلى أجله إذا أوثقوا لصاحبه".
2 انظر المغني 4/482.
3 في العمرية بلفظ "إنما دام".
4 في العمرية بحذف "عليه".
5 في الظاهرية بلفظ "فدعه".
6 في العمرية بلفظ "قال أحمد".
7 في الظاهرية بلفظ "إذا".
8 قال ابن المنذر: واختلفوا في الرجل يقول للرجل: كل حق لك على فلان فأنا له ضامن:
فقالت طائفة: ليس ذلك شيء حتى يسمّي المال. هذا قول سفيان الثوري وابن أبي ليلى، والليث والشافعي، وبه نقول، لأن ذلك مجهول.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك جائز، وهذا قول النعمان. الإشراف 3/18، وانظر: المغني 4/592.

(8/4480)


قال أحمد: كلما ثبت على المدعى عليه فقد وجب على هذا الذي خلصه، فإن أدى هو لم يرجع به على الأول. أيهما أدى فقد برئ الآخر، إلا أن يقول ضمنت عنك، أو تكفلت، أو أنا به حميل.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
[3219-] قلت: كفالة العبد؟.
قال: لا يكفل إلا بإذن سيده.3
__________
1 قال البهوتي: ولا يعتبر كون الحق معلوماً، لأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة فصح في المجهول كالإقرار.
ومثال ضمان المجهول كقوله: أنا ضامن لك على فلان، أو ما أعطيته فهو علي.
كشاف القناع 3/367، وراجع: الإقناع 2/178.
2 راجع قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 4/603، والإشراف 3/18.
3 قال البهوتي: والتزام قن، أو مكاتب بإذن سيدهما، لأن الحجر عليهما لحقه، فإذا أذنهما انفك كسائر تصرفاتهما، فإن لم يأذنهما فيه لم يصح، سواء أذن في التجارة أم لا، إذ الضمان عقد يتضمن إيجاب مال كالنكاح.
شرح منتهى الإرادات 2/245، وراجع المغني 4/600والإنصاف 5/191.

(8/4481)


قال إسحاق: كما قال.
[3220-] قلت: سئل سفيان عن رجل يستدين ويتجر. فقال ابن له في حياة أبيه: اشهدوا أن [كل] ما كان على أبي، أنا1 له ضامن؟
قال: ليس بشيء حتى يسمي المال، ويسمي الرجال، ولكل رجل ماله.
قال أحمد: ليس هذا بشيء، هو ضامن.
قلت: سئل: فإن قال بعد وفاة أبيه: اشهدوا أن كل ما على أبي، فأنا له ضامن وهو علي.2
قال: ليس بشيء حتى يسمي المال، ويسمي الرجال، لكل رجل ماله، قال سفيان: هذا مجمع عليه عندنا.
قال أحمد: هو عليه، يعني [على] الابن.
قال إسحاق: كما قال3 أحمد في الأمرين جميعاً، [ظ-104/أ] بعد أن يثبت الدين على الأب قبل أن يتكلم ابنه بالضمان، أو يقر الابن بذلك أو يصدق المدعي، وكذلك بعد الوفاة هو
__________
1 في الظاهرية بلفظ "أنه".
2 في العمرية سقطت جملة "وهو علي".
3 سبق توثيق قول سفيان الثوري -رحمه الله- بأنه لا يصح ضمان المجهول، وقول أحمد وإسحاق رحمهما الله بصحة ضمان المجهول في المسألة رقم (3218) .

(8/4482)


ضامن.
[3221-] قلت: في الكفالة إذا كتب: أيهما شئت أخذت بحقي؟
قال: يأخذ به إذا ضمنه.1
قال إسحاق: كما قال.2
[3222-] قلت: من أسلم على ميراث قبل أن يقسم؟
قال: يقسم له ما لم يقسم الميراث.3
__________
1 قال أبو داود رحمه الله: سمعت أحمد سئل عن رجل كتب حقاً على رجلين أيهما شاء يأخذ بحقه؟ قال يأخذ أيهما شاء, فإذا قبض من واحد برئ الآخر. مسائل أبي داود 209.
2 يرى الإمام أحمد, وإسحاق رحمهما الله أنه يثبت الحق في ذمة الضامن مع بقائه في ذمة المضمون عنه, ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة, وبعد الموت.
راجع: المغني 4/603, الجامع لأحكام القرآن 9/233، والإشراف 3/18.
وقد سبق نحو هذا الكلام في المسألة رقم (3218) .
وإلى هنا تنتهي الصفحة 154 من العمرية ويوجد بعدها سقط.
3 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله الخلال فقال: أخبرنا ابن حازم قال: حدثنا إسحاق أنه قال لأبي عبد الله: إن من أسلم على ميراث قبل أن يقسم, قال يقسم له ما لم يقسم الميراث. أحكام أهل الملل ص 149.
وأشار إلى هذه الرواية ابن القيم في أحكام أهل الذمة 2/452 فقال: لا خلاف بين الفقهاء أن الكافر لا يرث المسلم, ولكن تنازعوا في مسألة وهي: أن يسلم الكافر بعد موت قريبه المسلم وقبل قسم تركته، فيسلم بين الموت وقسم التركة.
وفي ذلك روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله:
إحداهما: أنه يرثه, نقلها عنه الأثرم, وابن منصور, ومحمد بن الحكم، وبكر بن محمد, وهي اختيار الخرقي, والراجحة في المذهب.
وروي نحوها عن عمر, وعثمان, والحسن بن علي, وابن مسعود، وبه قال جابر بن زيد, والحسن ومكحول, وقتادة وحميد وإياس بن معاوية, وإسحاق, فعلى هذا إن أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي, وبه قال الحسن.
والثانية: لا يرث, نقل أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت لا يرث، قد وجبت المواريث لأهلها.
وهذا المشهور عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب, وعطاء، وطاوس, والزهري وسليمان بن يسار, والنخعي، والحكم, وأبو الزناد, وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، رضي الله عنهم وعامة الفقهاء.

(8/4483)


راجع: أحكام أهل الذمة 2/452, والإنصاف 7/348، وتهذيب سنن أبي داود لابن القيم 4/182، والمغني [6/298-299,] والقواعد ص 319، ومصنف عبد الرزاق 10/344 وما بعدها. ومصنف ابن أبي شيبة [11/423-425] وما بعدهما. وحاشية ابن عابدين 5/489, والمبسوط 30/30، والمنتقى 6/250، وحاشية [] قليوبي وعميرة 3/148 ونهاية المحتاج 6/294-27, وسنن سعيد بن منصور 1/95 وما بعدها.
قال إسحاق: كما قال. وأجاد المذهب إذ خالف هؤلاء الجهلة.

(8/4484)


[3223-] قلت: إذا أقر الرجل لوارث عند الموت, أو غير الوارث؟
قال: أما إقراره لوارث لا يجوز إلا ببينة, ويجوز لغير وارث.1
قال إسحاق: كلما أقر لوارث بدين, أو غير وارث في المرض جاز ذلك, إلا أن يعلم أنه أراد أن يلجئ للوارث2 تلجئة.3
__________
1 نقل ابن مفلح هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: قال في رواية ابن منصور: إقرار المريض في مرضه للوارث لا يجوز. النكت والفوائد السنية 2/370
وللإمام أحمد رحمه الله في صحة الإقرار بدين في مرض موته لوارث روايتان:
إحداهما: لا يصح.
والثانية: يصح, لأنه يصح بوارث.
وذكر المرداوي أنه إذا أقر لوارث: لم يقبل إلا ببينة, وقال: هذا المذهب بلا ريب.
الإنصاف 12/135, والمغني 5/214.
وللإمام أحمد في الإقرار لغير الوارث في مرضه الذي مات منه ثلاث روايات:
إحداها: أن الإقرار بدين في مرض موته كالإقرار في الصحة إذا كان لغير وارث فيصح, وهو المذهب.
والثانية: لا يقبل إقراره بزيادة على الثلث, لأنه ممنوع من عطية ذلك كالأجنبي, كما هو ممنوع من عطية الوارث, فلا يصح إقراره بما لا يملك عطيته، بخلاف الثلث فما دون.
والثالثة: لا يصح مطلقاً.
انظر: الإنصاف 12/134, والمغني 5/213، والكافي 4/570.
2 في الظاهرية "إليه للموارث".
3 نقل قول إسحاق رحمه الله ابن المنذر فقال: أجمعوا على أن إقرار المريض لغير الوارث جائز, واختلفوا في إقرار المريض للوارث, فأجازه مطلقاً الأوزاعي, وإسحاق, وأبو ثور.
الأوسط 3/171, فتح الباري 5/376. وراجع قوله في المغني 5/214.
والتلجئة: الإكراه والتلجئة: تفعله من الإلجاء, وهي أن يلجئك أن تأتي أمراً باطنه خلاف ظاهره.
انظر: لسان العرب 1/152, والنهاية لابن الأثير 4/232.
قال ابن المنذر: واختلفوا في إقرار المريض للوارث بدين:
فقالت طائفة: ذاك جائز, كذلك قال عطاء بن أبي رباح والحسن البصري. وبه قال إسحاق بن راهويه, وأبو ثور.
وروينا عن شريح, والحسن البصري أنهما أجازا إقرار الرجل في مرضه لامرأته بالصداق أو ببعضه, وبه قال الأوزاعي.
وقالت طائفة: لا يجوز إقرار المريض في مرضه للوارث, كذلك قال شريح وأبو هاشم والنخعي, وروي ذلك عن القاسم

(8/4485)


بن محمد, وسالم بن عبد الله بن عمر, وبه قال يحيى الأنصاري, وسفيان الثوري, وأحمد بن حنبل والنعمان وأصحابه. الأوسط 3/171.
[3224-] قلت لأحمد: وإذا أقر لامرأة بدين في مرضه, ثم تزوجها, ثم مات وهي وارثته لم يجز؟
قال: هذا أقر بها1 وليست هي له بامرأة, يجوز ذلك إلا أن
__________
1 هكذا في الأصل ولعله "لها".

(8/4486)


يكون تلجئة, فإذا كان تلجئة ردت.1
قال إسحاق: أجاد, وأخطأ في الأولى.2
[قال أبو يعقوب3: ما كان أشد على إسحاق أن يخالفه ولكان أشد تعظيمه له] .4
[3225-] قلت: إذا سئل المريض عن شيء, فأومأ برأسه, أو بيده يجوز أم لا؟
قال: لا يجوز له هذا حتى يتكلم به.
__________
1 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله ابن قدامة فقال: قال أحمد في رواية ابن منصور: إذا أقر لامرأة بدين في المرض ثم تزوجها جاز إقراره, لأنه غير متهم. المغني 5/215.
وأشار إلى هذه الرواية ابن مفلح فقال: نص أحمد فيمن أقر لامرأة بدين في المرض ثم تزوجها: إقراره جائز لأنه أقر وليست زوجة, إلا أن يكون تلجئة فيرد.
الفروع 6/605, والنكت والفوائد السنية 2/374
2 يرى الإمام إسحاق رحمه الله صحة إقرار المريض مطلقاً, سواء كان لوارث, أو لغيره.
راجع المسألة السابقة رقم (3223) .
3 هو إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، راوي المسائل عن الإمام أحمد وإسحاق -رحمهما الله-.
4 ما بين المعكوفين ساقط من النسخة العمرية.

(8/4487)


قال إسحاق: كما قال. إلا أن يكون يعلم إرادته الإشارة, أو كتب كتاباً فيه وصيته, وقال: هذه وصيتي, فإن كل ذلك جائز, ويلزم الورثة أن يجيزوه.1
[3226-] قلت: إذا أقر القاضي بأنه قضى بكذا وكذا, تجوز شهادته أو شهادته شهادة رجل؟
قال: يقبل قوله في ذا, ليست هذه شهادة, إنما هذا خبر علم كان عنده فأدى.
قال إسحاق: أجاد.2
__________
1 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد وإسحاق ابن المنذر فقال: وقال أحمد بن حنبل في المريض يسأل عن الشيء فيومئ برأسه أو بيده قال: لا يجوز حتى يتكلم.
وقال إسحاق: كذلك إلا أن يعلم إرادته بالإشارة، أو كتب، كتاباً فيه وصيته، وقال: هذه وصيتي فإن ذلك جائز. الأوسط 3/170
وقد سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (2954) .
2 إذا أخبر القاضي بحكمه في غير موضع ولايته فظاهر كلام الخرقي أن قوله مقبول, وخبره نافذ, لأنه إذا قبل قوله بحكمه بعد العزل وزوال ولايته بالكلية فلأن يقبل مع بقائها في غير موضع ولايته أولى.
وقال القاضي أبو يعلى: لا يقبل قوله. وقال: لو اجتمع قاضيان في غير ولايتهما كقاضي دمشق وقاضي مصر اجتمعا في بيت المقدس، فأخبر أحدهما الآخر، أو شهادة ثبتت عنده، لم يقبل أحدهما قول صاحبه, ويكونان كشاهدين أخبر أحدهما الآخر بما عنده, وليس له أن يحكم به إذا رجع إلى عمله, لأنه خبر من ليس بقاض في موضعه. المغني 9/103

(8/4488)


[3227-] قلت: رجل قال: فلان وارثي, ليس لي وارث غيره؟
قال: إذا قال وهو صحيح, أو في مرضه, ولم يعرف له وارث غيره، جاز عليه قوله.
قال إسحاق: كما قال. 1
[3228-] قلت: السائبة لمن ميراثه؟
قال: كأن عتق السائبة لا يشبه غيره, وإن ورث منه شيئاً جعله في الرقاب كما فعل ابن عمر رضي الله عنهما، قال عمر رضي الله عنه: "الصدقة, والسائبة ليومها".
__________
1 يقبل قوله إذا لم يعرف له وارث, فإذا عرف له وارث وأراد بنفيه منعه من الميراث، فإن قوله لا يقبل, ويرثه وارثه الشرعي الذي نفاه شاء أم أبى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن أشهد على نفسه, وهو في صحة من عقله وبدنه: أن وارثي هذا لم يرثني غيره: فهل يجوز ذلك؟ ولم يكن الإرث بعده؟
فأجاب: هذه الشهادة لا تقبل, بل إن كان وارثاً في الشرع ورثه شاء أم أبى, وإن لم يكن وارثاً في الشرع لم يرث, وليس لأحد أن يتعدى حدود الله, ولا يغير دين الله, ولو فعل ذلك كرهاً كان فاسقاًَ من أهل الكبائر. مجموع الفتاوى 35/411

(8/4489)


قال إسحاق: كما قال.1
[3229-] قلت لأحمد: الصدقة والهبة؟
قال: أما الصدقة فأخشى أن تجوز على المتصدق والهبة هكذا.
قال إسحاق: لا تجوز الهبة إلا مقبوضة مشاعاً, أو غير مشاع.2
[3230-] قلت: اللقيط على من نفقته؟
قال: قال عمر رضي الله عنه: هو حر, ولك ولاؤه وعلينا نفقته.
قلت: قائل تجيز في الولاء؟ 3
قال: إِي لعمري. قال النبي صلى الله عليه وسلم "الولاء لمن أعتق".
قال إسحاق: كما قال عمر رضي الله عنه.4
__________
1 سبق تحقيق نحو هذه المسألة برقم (3196) , وتخريج قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وذكر قول ابن عمر رضي الله عنهما, وتوثيق قول الإمام أحمد وإسحاق.
2 سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (3083) ، (3112) .
وقال الإمام إسحاق رحمه الله هناك: لا بد من قبض في مشاع والصدقة إذا علمت جازت.
3 هكذا في النص وهي غير واضحة المعنى، فلعل المراد "قلت هل تجيز فيه الولاء".
4 سبق تحقيق نحو هذه المسألة, وتخريج الحديث, وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وتوثيق قول الإمام [] أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألتين رقم: (3136-3137) .

(8/4490)


[3231-] قلت: العبد يكون نصفه حراً, ونصفه مسترقاً، لمن ماله؟
قال: المال بينهما نصفان.1
قال إسحاق: لا يكون الميراث أبداً إلا للذي أعتقه.2
[3232-] قلت لأحمد: رجل قال لعبد رجل: أنت حر في مالي, فبلغ ذلك السيد, فقال: قد رضيت, وأبى الآخر؟
قال: ليس بشيء.
قال أحمد: ليس بشيء
قال إسحاق: كما قال, لأنه ليس بشراء, ولا بأمر بين.
[3233-] قلت: إذا قال الرجل للرجل: أعتق عبدك هذا عني, وعلي
__________
1 قال الخرقي: ومن كان بعضه حراً يرث, ويورث, ويحجب على مقدار ما فيه من الحرية. مختصر الخرقي 126.
وقال في الكافي: فينظر ماله من الحرية الكاملة فيعطيه منه بقدر ما فيه من الحرية الكاملة, ويحجب به بقدر ذلك, فنقول في: بنت نصفها حر وأم حرة, وعم.
للبنت الربع, لأنه نصف ما تستحقه بالحرية الكاملة, وللأم الربع, لأن حرية البنت تحجبها عن السدس, فنصف حريتها يحجبها عن نصفه, والباقي للعم.
الكافي 2/559, وراجع: المغني 269 والإنصاف 7/730, وقواعد ابن رجب ص262، وكشف المخدرات 2/82.
2 انظر الأوسط لابن المنذر 4/129.

(8/4491)


ثمنه؟
قال أحمد: فهو جائز.
قال إسحاق: كما قال, لأنه أمر أمراً صحيحاً.1
[3234-] قلت: قال: وولاؤه للسيد كما اعتقه، وعلى الحميل ما تحمل؟
قال أحمد: إذا قال: أعتقه عني فولاؤه للمعتق عنه, وإذا قال: أعتقه فولاؤه للسيد, والعتق جائز, وعليه ثمنه.
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
__________
1 سبق نحو هذه المسالة، برقم (3171) ، وثقت فيه قول الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله.
2 سبق تحقيق هذه المسألة، برقم (3171) .
وروى عبد الرزاق عن الثوري في رجل قال لرجل: اعتق عبدك ولك علي ألف درهم، قال نرى عتقه جائزاً, وليس على الذي أمره شيء، لا يكون الولاء للذي أعتق.
وفي رجل قال لرجل أعتق عني عبدك, فأعتقه عنه, قال: الولاء للآمر. وقال في رجل قالت له أمه: أعتق عني عبدك فأعتقه عنها، قال: الولاء لها.
[] مصنف عبد الرزاق 9/171، كتاب المدبر، باب العتق بالشرط، برقم 16795-16796.

(8/4492)


[3235-] قلت: لا بأس أن يشتري العبد خدمته من سيده؟
قال أحمد: هو مثل المكاتب.
قال إسحاق: كما قال أحمد يعني بالعبد أنه قد دبره.1
[3236-] قلت: إذا قال: أنت حر على أن تخدمني كذا وكذا؟
قال أحمد: جيد, أليس قد أعتقت أم سلمة رضي الله عنها سفينة2 على أن يخدم النبي صلى الله عليه [وسلم] .3
__________
1 نقل ابن المنذر هذه الرواية عن الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله فقال: وقال أحمد: لا بأس أن يشتري العبد خدمته من سيده، وقال أحمد: هو مثل المكاتب, قال إسحاق: كما قال: يعني بالعبد أنه قد دبره. الأوسط 4/135.
وقد سبق نحو هذه المسألة، برقم (3139) .
2 هو سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقيل مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, يكنى أبا عبد الرحمن يقال: كان اسمه مهران أو غير ذلك فلقب سفينة, لكونه حمل شيئاً كبيراً في السفر, مشهور له أحاديث.
انظر: تقريب التهذيب 129, وأسد الغاية 2/324 والإصابة 2/58, والاستيعاب 2/129.
3 عن سفينة, قال: كنت مملوكاً لأم سلمة, فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت؟
فقلت: إن لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت, فأعتقتني, واشترطت علي.
رواه أبو داود في سننه 4/22، كتاب العتق، باب في العتق على الشرط، برقم 3932.
والإمام أحمد بن حنبل في مسنده 5/221.
وابن ماجه في سننه 2/844، كتاب العتق، باب من أعتق عبداً, واشترط خدمة، برقم 2526.
والبيهقي في السنن الكبرى 10/291، كتاب العتق، باب من قال لعبده أنت حر على أن عليك مائة دينار, أو خدمة سنة, أو عمل كذا فقبل العبد العتق على ذلك.
[] والحاكم في مستدركه 2/213- 214، كتاب العتق, وقال: هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرجاه.
وقال الألباني: إسناده حسن, لأن سعيد بن جمهان صدوق له أفراد, كما قال الحافظ في التقريب.
إرواء الغليل 6/175, وراجع: تقريب التهذيب ص 120.
وقد نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد القاضي أبو يعلى الفراء، فقال: نقل ابن منصور إذا قال لعبده أنت حر على أن

(8/4493)


تخدمني كذا وكذا فهو جائز, وللعبد أن يشتري خدمته من سيده بالدراهم. الروايتين والوجهين لوحة 222.
وإذا قال السيد لعبد: أنت حر على ألف، فلم يقبل العبد، اختلفت الرواية في ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله إلى روايتين:
إحداهما: لا يقع العتق, وهو ظاهر رواية ابن منصور هذه.
والثانية: يقع العتق قبل العبد أو لم يقبل, نص عليه في رواية مهنا, وحنبل إذا قال لعبده: قد أعتقتك على ألف، فقال العبد: لا أرضى، يعتق العبد, ولا يكون عليه شيء, لأنه قد وجب عليه حين قال قد أعتقك.
ولا تختلف الرواية: إذا قال: أنت حر وعليك ألف، أنه يعتق, ولا شيء عليه.
[] المرجع السابق 222-223.
وقال ابن رجب: ويصح أن يعتق عبده ويستثني نفعه مدة معلومة، نص عليه لحديث سفينة, وكذا لو استثنى خدمته مدة حياته. قواعد ابن رجب ص 41.

(8/4494)


قال إسحاق: جيد 1 [ظ-104/ب] .
[3237-] قلت: إذا اشترى هذه الخدمة من صاحب الذي شرط له؟ 2
قال: جيد يبيع خدمته سنة.
قلت: بأي شيء يشتري العبد الخدمة؟
قال أحمد: يشتري بالدراهم.
قلت: لمن يكون ولاؤه؟
قال: الولاء للذي أعتقه أولاً.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 قال ابن المنذر: وقال أحمد وإسحاق بحديث سفينة. الإشراف 3/185.
2 في النسخة العمرية "اشترط له".
3 قال الخطابي: وسئل أحمد بن حنبل عنه؟ فقال: يشتري هذه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له, قيل له: يشتري بالدراهم؟ قال: نعم.
معالم السنن 5/394، وشرح السنة 9/ 377، ونيل الأوطار 6/202.
وقال ابن قدامة: وإن اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حالاً عتق, والولاء لسيده, لأنه يبيع ماله بماله, فهو مثل المكاتب سواء, والسيد هو المعتق لهما, فالولاء له عليهما. المغني 6/357.

(8/4495)


[3238-] قلت: رجل أعتق جارية له حاملاً، واستثنى ما في بطنها؟
قال: ما أعلمه إلا جائزاً.
قال إسحاق: جائز بلا شك, وله ثنياه.
[3239-] قلت: من ملك ذا رحم محرم فهو حر؟
قال أحمد: إذا كان ذا رحم محرم، أرجو أن يعتق عليه.1
قال إسحاق: كلما ملك ذا رحم محرم فهو حر, وإن لم يعتقه, فأما ذوو الرحم فلا يعتقون إلا أن يعتقهم.2
[3240-] قلت: ما المحرم؟
__________
1 للإمام أحمد رحمه الله فيمن يعتق بالملك روايات ثلاث:
إحداها: أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه.
قال المرداوي: وهو المذهب مطلقاً, وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: لا يعتق إلا عمود النسب.
والثالثة: إن ملكه بإرث لم يعتق.
انظر: الإنصاف 7/401, والمغني 6/355
2 نقل ابن المنذر قول الإمام أحمد وإسحاق في الإشراف 3/183.

(8/4496)


قال: ما حرم عليك نكاحه.
قلت: من كان رجلاًَ فلو كانت امرأة بتلك المنزلة حرم عليك نكاحها؟
قال: نعم, وأما ما يروى عن عمر رضي الله عنه ذا رحم محرم.1
قال: والمحرم من النسب والصهر يحرم في النكاح لا في العتق.2
__________
1 عن قتادة أن عمر بن الخطاب قال: من ملك ذا رحم محرم فهو حر.
مصنف عبد الرزاق 9/183، كتاب المدبر، باب الرقبة يشترط فيها العتق ومن ملك ذا رحم، برقم 16857.
والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 289، كتاب العتق، باب من يعتق بالملك.
2 ذو الرحم المحرم: القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلاً, والآخر امرأة, وهم الوالدان, وإن علوا من قبل الأب والأم جميعاً, والولد وإن سفل من ولد البنين والبنات, والإخوة والأخوات, وأولادهم, وإن سفلوا, والأعمام والعمات والأخوال والخالات دون أولادهم, فمتى ملك أحداً منهم عتق عليه.
قال ابن قدامة: ولا خلاف في أن المحارم من غير ذوي الأرحام لا يعتقون على سيدهم كالأم, والأخ من الرضاعة, والربيبة, وأم الزوجة وابنتها.
إلا أنه حكي عن الحسن, وابن سيرين, وشريك أنه لا يجوز بيع الأخ من الرضاعة.
وروي عن ابن مسعود أنه كرهه.
والأول أصح؛ قال الزهري: جرت السنة بأن يباع الأخ والأخت من الرضاع.
[] انظر: المغني 6/355-356, والإنصاف 7/401 ومسائل أبي داود 208, وسبل السلام 4/142، ومصنف عبد الرزاق 9/ 183 وما بعدها, والسنن الكبرى للبيهقي 10/ 291.

(8/4497)


قال إسحاق: كما قال في الأصهار يحرم النكاح, ولا يعتقون بالملك.1
[3241-] قلت: قال سفيان: رد ابن أبي ليلى عبدا ًأعتقه سيده عند الموت وعليه دين.
قال: أحسن ابن أبي ليلى، إذا لم يكن له مال غيره يباع العبد.
قال إسحاق: جائز, وعليه السعاية بقيمته.2
__________
1 نقل قول الإمام إسحاق رحمه الله ابن المنذر في الإشراف 3/183, والبغوي في شرح السنة 9/ 364, [] [] [] والخطابي في معالم السنن 407-408.
2 للإمام أحمد رحمه الله روايتان في عتق المفلس:
إحداهما: يصح عتقه وينفذ, وهو قول أبي يوسف وإسحاق، لأنه عتق من مالك رشيد, فنفذ كما قبل الحجر, ويفارق سائر التصرفات, لأن للعتق تغليباً وسراية, ولهذا يسري إلى ملك الغير.
والثانية: لا يصح ولا ينفذ عتقه, وبهذا قال ابن أبي ليلى والثوري، واختاره أبو الخطاب في رؤوس المسائل, لأنه ممنوع من التبرع لحق الغرماء, فلم ينفذ عتقه، كالمريض الذي يستغرق دينه ماله، وهذا المذهب.
انظر: المغني 4/487, والكافي 2/170 والمذهب الأحمد ص 99, والإنصاف 5/ 336.
وقال في المبدع: ورد ابن أبي ليلى عبداً أعتقه سيده عند الموت, وعليه دين، فاستحسن ذلك أحمد رضي الله عنه. المبدع 6/319.

(8/4498)


[3242-] قلت: قال: سئل سفيان عن رجل أقر لابن ابنه بدين في مرضه وهو وارثه, وأقر لامرأته بدين, وطال مرضه حتى ولد ابن1 وطلق امرأته فهل يجوز لهما؟
قال: نعم.
قال أحمد: كلما أقر المريض في المرض للوارث لا يجوز إقراره.
قال إسحاق: كما قال سفيان.2
[3243-] قلت: سئل سفيان عن رجل مات وترك أربع بنين, وترك داراً وعليه دين, فجاء الغرماء يبيعون الدار, فقال أحد بنيه: أنا أعطي ربع ما على أبي, ودعوا لي ربع الدار؟
قال: تباع كلها, وليس له ذلك.
قال أحمد: هذه الدار للغرماء, وولده لا يرثون شيئاً حتى يؤدوا
__________
1 أي ولد للموصي ابن, فيحجب ابن الابن عن الإرث.
2 انظر قول سفيان الثوري رحمه الله في المغني 4/215 , وقد سبق نحو هذه المسألة، برقم (3089) .

(8/4499)


الدين.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[3244-] قلت: يجوز اعتراف للوارث بدين عند الموت؟
قال: لا يجوز.
قال إسحاق: هو جائز إذا لم يرد بذلك تلجئة.2
[3245-] قلت: سئل سفيان عن رجل أقر بدين لرجل, وعليه دين لقوم ببينة وهو مفلس؟
قال: جائز إلا أن يكون القاضي فلسه, وأظهر على ماله3.
[ع-78/ب] قال أحمد: جيد, ويجوز إقراره إذا فلسه القاضي,
__________
1 هل يمنع الدين انتقال التركة إلى الورثة أو لا يمنع؟ للإمام أحمد رحمه الله فيه روايتان:
إحداهما: لا يمنع, بل تنتقل. وهو الصحيح من المذهب.
والثانية: لا تنتقل, نقلها ابن منصور, وصححه الناظم, ونصره في الانتصار.
[] انظر: الإنصاف 5/308-309, والمغني 4/483- 484.
وراجع: الجامع لأحكام القرآن 5/61.
2 سبق تحقيق نحو هذه المسألة، برقم (3223) .
3 نقل ابن المنذر قول سفيان الثوري رحمه الله فقال: قال الثوري: إذا أفلس وظهر على ماله فلا يجوز إقراره. الإشراف 3/23.

(8/4500)


ولكن1 يبدأ بالدين الأول الذي بالبينة, ثم بالذي أقر.2
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[3246-] قلت: سئل فإن كان في مرضه, وعليه دين ببينة, وأقر لقوم آخرين بدين؟
قال: جائز.
قال أحمد: جائز.
قال إسحاق: دين المرض والصحو واحد, وإقراره لغير الوارث في المرض جائز لا اختلاف فيه.3
__________
1 155 من ع.
2 أشار ابن قدامه إلى هذه الرواية فقال: ونص أحمد في المفلس أنه إذا أقر وعليه دين ببينة يبدأ بالدين الذي بالبينة, وبهذا قال النخعي والثوري. المغني 5/213.
3 سبق نحو هذه المسألة، برقم (3223) ، وتحقيق إقرار الرجل لوارثه أو لغير وارثه.
أما إذا أقر لأجنبي بدين في مرضه, وعليه دين ثبت ببينة, أو إقرار في صحته, وفي المال سعة لهما فهما سواء, وإن ضاق عن قضائهما فظاهر كلام الخرقي أنهما سواء.
وقال أبو الخطاب: لا يحاص غرماء الصحة, وقال القاضي: هو قياس المذهب.
وقال المرداوي: لا يحاص المقر له غرماء الصحة بل يبدأ بهم, وهذا مبني على المذهب, وهو الصحيح.
المغني 5/213, والإنصاف 12/134.

(8/4501)


[3247-] قلت: سئل سفيان إذا حبس الرجل فطال حبسه وله مال لا يريد أن يبيع ماله؟
قال سفيان: إن أفلسه القاضي بيع ماله فيكون بين الغرماء.
سئل: فما دون أن يفلسه القاضي لا يباع ماله؟
قال: لا
قال أحمد: يباع عليه، إلا مسكناً أوخادماً أو شيئا لا بد له منه يبيع عليه الحاكم, وإن لم يفلسه القاضي.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
__________
1 نقل عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه نحو هذه الرواية فقال: قال أبي: يبيع كل شيء, إلا المسكن, وما يواريه من ثيابه والخادم إن كان شيخاً كبيراً, أو ذمياً, أو به حاجة إليه لا يبيعه.
قال ذلك حين عرض عليه قول شريح أنه كان يبيع ما فوق الإزار- يعني كل شيء إلا الإزار-. مسائل عبد الله 296، برقم 1102.
وقال ابن قدامه: إن المفلس إذا حجر عليه باع الحاكم ماله, ويستحب أن يحضر المفلس البيع.
انظر: المغني 4/490, وراجع: الإقناع 2/215 وكشاف القناع 3/432, والإنصاف 5/276.
2 انظر قول الإمام إسحاق رحمه الله في المغني 4/492

(8/4502)


[3248-] قلت: سئل سفيان عن رجل مات وترك ابنيه فجاء رجل فقال: أنا أخوكما, فقال أحدهما: أنت أخي, وقال الآخر لست بأخي. قال كان حماد يقول: هو شريكه، يأخذ نصف ما في يديه, وأصحابنا يقولون: له الثلث, وهو شريكه في كل ميراث يرثه من نسب وإن نفاه لم يضرب.
قال أحمد: يأخذ ثلث ما في يديه وهو شريكه في كل ميراث1
__________
1 قال الخرقي: وإذا مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بأخ، فله ثلث ما في يده، وإن كان أقر بأخت فلها خمس ما في يده. مختصر الخرقي ص 126.
نقل ابن قدامة مذاهب العلماء في المسألة خلال تعليقه على قول الخرقي السابق فقال: إذا أقر بعض الورثة لمشارك في الميراث فلم يثبت نسبه، لزم المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه, وهذا قول مالك, والأوزاعي, والثوري, وابن أبي ليلى, والحسن بن صالح, وشريك, ويحيى بن آدم , ووكيع, وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأهل البصرة.
وقال النخعي, وحماد, وأبو حنيفة, وأصحابه: يقاسمه ما في يده لأنه يقول أنا وأنت سواء في ميراث أبينا, وكأن ما أخذه المنكر تلف, أو أخذته يد عادية فيستوي فيما بقي.
انظر: المغني 6/277 وما بعده, و 5/198 والكافي 2/563, وراجع: المقنع 2/457، والمحرر 1/420, والفروع 5/73، والهداية 2/185, والإقناع 3/120، وكشاف القناع 4/487, ومطالب أولي النهى 4/662، وراجع: المبسوط 28/190.

(8/4503)


يرثه, وإن نفاه لم يضرب هذا لم يثبت نسبه بعد، وإن أقرّا جميعاً أثبت النسب.
[3249-] قلت: يجزئ أم الولد, والمدبر من الرقبة؟
قال أحمد: أما المدبر فليس فيه شك, وأرجو أن تجزئ أم الولد.
قلت: ويجزئ ولد الزنى من الرقبة؟ 1
__________
1 يجزئ عتق المدبر من الرقبة. وهذا قول طاوس, والشافعي, وأبي ثور وابن المنذر, لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} المجادلة آية (3) .
وقد حرر رقبة يجوز بيعه, ولم يحصل عن شيء منه عوض، فجاز عتقه كالقن، ولأن التدبير إما أن يكون وصية, أو عتقاً بصفة, وأياً ما كان فلا يمنع التكفير بإعتاقه قبل وجود الصفة ههنا- الموت- ولم يوجد.
أما أم الولد فللإمام أحمد رحمه الله فيها روايتان:
إحداهما: لا تجزيء في الكفارة أم الولد, وبه قال الأوزاعي ومالك والشافعي, وأبو عبيد, وأصحاب الرأي, وهو قول إسحاق.
قال المرداوي: وهو المذهب, وعليه الأصحاب, وقال ابن قدامة: وهذا ظاهر المذهب.
والثانية: أنها تجزيء, ويروى ذلك عن الحسن, وطاوس, والنخعي وعثمان البتي.
أما ولد الزنى فإنه بجزئ.
قال المرداوي:" وهو المذهب, ولا أعلم فيه خلافاً".
[] انظر: المغني 8/749-750،751, والإنصاف 9/218- 220, والكافي 3/267، والفروع 5/500, والمبدع 8/57, وكشاف القناع 5/381.

(8/4504)


قال: ويجزئ ولد الزنى.
قال إسحاق: كما قال أحمد, إلا أم الولد، فإنها لا تجوز عن رقبة واجبة.
[3250-] قلت: يجوز اليهودي, والنصراني في الظهار واليمين.
قال1: نعم، في الظهار واليمين.
__________
1 نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله الخلال، فقال: أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم قال: حدثنا إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله: يجزئ اليهودي والنصراني في الظهار واليمين؟ قال: نعم في الظهار واليمين.
قال أبو عبد الله: ولا يجوز في قتل النفس الخطأ أن يكون على غير الإسلام. أحكام أهل الملل ورقة 102.
ولا خلاف عن الإمام أحمد أنه لا يجزئ في كفارة القتل إلا رقبة مؤمنة لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} سورة النساء آية (92) .
أما اشتراط الإيمان في غير كفارة القتل فللإمام أحمد فيه روايتان:
إحداهما: أنه لا بجزئ في الكفارات كلها إلا رقبة مؤمنة نص على المؤمنة في كفارة القتل, ويقاس عليها سائر الكفارات, لأنها في معناها فيتعدى ذلك الحكم إلى كل تحرير في كفارة فيختص بالمؤمنة, والمطلق يحمل على المقيد في كفارة القتل, كما حمل مطلق قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} سورة البقرة آية (282) ، على المقيد في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} . سورة الطلاق آية (2)
قال المرداوي: وهو المذهب, وعليه جماهير الأصحاب.
والثانية: يجزئه في غير كفارة القتل رقبة كافرة.
قال الزركشي: تجزئ الكافرة, نص عليها في اليهودي والنصراني، وقال في المغني وعنه: يجزئ عتق رقبة ذمية.
قال الخلال: روى هذا الباب عن أبي عبد الله أحمد خمسة أنفس: ثلاثة منهم قال عنه لا يجوز: الميموني, وأبو طالب, وصالح. وروى عنه إسماعيل بن سعيد, وإسحاق أنه يجوز.

(8/4505)


ثم قال: والأمر في قوله الذي هو أحوط, وأقرب إلى الحق وأشبه بالكتاب: أن لا يعتق في جميع الكفارات إلا مسلماً.
انظر: المغني 8/843 وما بعده, والكافي 3/265، والإنصاف 9/214, الفروع 5/497 وتصحيح الفروع 5/497, وكشاف القناع 5/379، والمذهب الأحمد 156, والمبدع 8/52 والمحرر 2/91, وأحكام أهل الملل ورقة 102.
قال إسحاق: كما قال.1
__________
1 الذي يظهر أن للإمام إسحاق رحمه الله رواية ثانية: وهي أنه لا بجزئ في سائر الكفارات إلا رقبة مؤمنة, حملا للمطلق على المقيد، نقلها عنه ابن قدامه في المغني 8/844, وابن مفلح في المبدع 8/52.
قال ابن حجر: حمل الجمهور ومنهم الأوزاعي, ومالك, والشافعي, وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد, كما حملوا المطلق في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} على المقيد في قوله {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} .
وخالف الكوفيون فقالوا: يجوز إعتاق الكافر, ووافقهم أبو ثور وابن المنذر.
وهو قول عطاء, والنخعي, والثوري, وأبي ثور.
وبالقول الأول قال الحسن البصري, والأوزاعي, وأبو عبيد.
انظر: فتح الباري 11/599, والإشراف 4/245 الجزء المطبوع, والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/280, والمهذب 4/147.

(8/4506)


[3251-] قلت: ما يجوز في قتل النفس خطأ، أيجوز فيها أعرج, أعمى, ولد الزنى؟
قال: إذا كانت مؤمنة قد صلت فهي تجوز في [ظ-105/أ] قتل النفس ولكن لا يقصد قصد ذلك, وفي الظهار واليمين يجوز الصغير ولا يجوز أن يكون على غير الإسلام.1
__________
1 لا يجزئ في الكفارة إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضرراً بيناً, لأن المقصود تمليك العبد منافعه, ويمكنه من التصرف لنفسه, ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضرراً بيناً, فلا يجزئ الأعرج عرجاً فاحشاً, لأنه يضر بالعمل, فهو كقطع الرجل, فإن كان عرجاً يسيراً أجزأ.
قال المر داوي:" بلا نزاع". لأنه لا يضر ضرراً بيناً.
أما الأعمى فلا يجزئ في الرواية الراجحة, لأنه يعجز عن الأعمال التي يحتاج فيها إلى البصر, ونقل ابن المنذر الإجماع بعدم إجزاء الأعمى في الكفارة فقال: فمما أجمعوا عليه أنه لا يجزئ إذا كان أعمى أو مقعداً, أو مقطوع اليدين, أو أشلهما.
والأعور يجزئ في إحدى الروايتين, وهو المذهب, لأنه يدرك ما يدركه ذو العينين.
[] انظر: المغني 7/360, والإنصاف 9/215- 219، والكافي 3/265, والمبدع 8/52، والفروع 5/497, والإشراف 4/248والإقناع 4/88, وكشاف القناع 5/380.
وقد سبق الكلام في ولد الزنى, وهل يجزئ في الكفارة أم لا في المسألة (3249) .
نقل الميموني: يعتق الصغير إلا في قتل الخطأ, فإنه لا يجزئ إلا مؤمنة, وأراد التي صلت.
وقال الخرقي: لا يجزئه حتى يصلي ويصوم, لأن الإيمان قول وعمل، ولأنه لا يصح منه عبادة لفقد التكليف, فلم يجزئ في الكفارة كالمجنون.

(8/4507)


وقال القاضي: يجزئ إعتاق الصغير في جميع الكفارات, إلا كفارة القتل, فإنها على روايتين.
وقال المرداوي: والصغير يجزئ, وهو المذهب.
وقال في الوجيز: ويجزئ ابن سبع وقيل: وإن لم يبلغ سبعاً.
الإنصاف 9/221, والكافي 3/ 267 والمغني 8/744, والمبدع 8/58، والفروع 5/500, ومختصر الخرقي 218.
قال إسحاق: كما قال, لأن كل رقبة سماها الله عز وجل مؤمنة, فلا يجوز إلا مسلمة, وأعجب إلي أن يكون كلما كان على الواجب أن يكون مسلماً.1
[3252-] قلت: قوم ورثوا مكاتباً رجال ونساء فأعتقوه، لمن ولاؤه؟
قال: هذا مثل ذلك الولاء للرجال دون النساء.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 انظر المغني 8/544.
وقد تقدم توثيق بعض النقاط من هذه المسألة في المسألة السابقة (3250) , وذكر من قال إنه يقول باشتراط الإيمان في الرقاب في الكفارات.
2 سبق نحو هذه المسألة برقم (3012) وبرقم (3181) .
هذه المسألة غير موجودة في العمرية بهذا الترتيب.

(8/4508)