منار
السبيل في شرح الدليل كتاب العارية
مدخل
مدخل
...
كتاب العارية
وهي مستحبة بالإجماع لقوله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
1 وهي من البر وقال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ
الْمَاعُونَ} 2 قال ابن عباس، وابن مسعود:
العواري وفسرها ابن مسعود قال: القدر والميزان
والدلو قال في الشرح: وهي غير واجبة في قول
الأكثر لحديث: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن
تطوع" .
[منعقدة بكل قول أو فعل يدل عليها] كأعرتك هذه
الدابة، أو اركبها، أو استرح عليها، ونحوه،
وكدفعه دابة لرفيقه عند تعبه، وتغطيته بكسائه
لبرده فإذا ركب الدابة، أو استبقى الكساء كان
قبولاً.
[بشروط ثلاثة: كون العين منتفعاً بها مع
بقائها] لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار
من أبي طلحة فرساً فركبها و استعار من صفوان
بن أمية أدراعاً رواه أبو داود. وقيس عليه
سائر ما ينتفع به مع بقاء عينه.
[وكون النفع مباحاً] لأن الإعارة لا تبيح له
إلا ما أباحه الشرع فلا تصح الإعارة لغناء أو
زمر ونحوه. وتصح إعادة كلب لصيد،
ـــــــ
1 المائدة من الآية/3.
2 الماعون من الآية/7.
(1/429)
وفحل لضراب،
لاباحة نفعهما، والمنهي عنه العوض عن ذلك،
لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر في حق الإبل
والبقر والغنم إعارة دلوها، وإطراق فحلها.
[وكون المعير أهلاً للتبرع] لأنها نوع تبرع إذ
هي إباحة منفعة
[وللمعيرالرجوع في عاريته أي وقت شاء] لأن
المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير،
فجاز الرجوع فيه، كالهبة قبل القبض.
[ما لم يضر بالمستعير] فإن أضر به لم يرجع،
لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" .
[فمن أعار سفينة لحمل، أو أرضاً لدفن، أو زرع
لم يرجع حتى ترسي السفينة، ويبلى الميت، ويحصد
الزرع] ولا يتملك الزرع بقيمته. نص عليه، لأن
له وقتاً ينتهي إليه.
[ولا أجرة له منذ رجع إلا في الزرع] إذا رجع
المعير قبل أوان حصده، ولا يحصد قصيلاً فله
أجرة مثل الأرض من رجوعه إلى الحصاد، لوجوب
تبقيته فيها قهراً عليه، لأنه لم يرض بذلك
بدليل رجوعه فتعين إبقاؤه بأجرته إلى الحصاد
جمعاً بين الحقين.
(1/430)
فصل: المستعير كاالمستأجر
...
فصل المستعير كالمستأجر
[والمستعير في استيفاء النفع كالمستأجر] له أن
ينتفع بنفسه، وبمن يقوم مقامه لملكه التصرف
فيها بإذن مالكها.
[إلا أنه لا يعير ولا يؤجر] ما استعاره لعدم
ملكه منافعه بخلاف المستأجر.
[إلا بإذن المالك] فإن أعاره بدون إذنه فتلف
عند الثاني، فللمالك تضمين أيهما شاء، ويستقر
الضمان على الثاني، لأنه قبضه على أنه ضامن
له، وتلف في يده فاستقر الضمان عليه، كالغاصب
من الغاصب. قاله في الكافي.
[وإذا قبض المستعير العارية فهى مضمونة عليه
بمثل مثلي، وقيمة متقوم يوم تلف] لأنه يوم
تحقق فواتها.
[فرط أو لا] نص عليه، ولو شرط نفي ضمانها، وبه
قال ابن عباس وعائشة وأبو هريرة، وهو قول
الشافعي وإسحاق، لقوله صلى الله عليه وسلم
لصفوان بن أمية: "بل عارية مضمونة" وروي
"مؤداة" رواه أبو داود. فأثبت الضمان من غير
تفصيل. وعن سمرة مرفوعاً "على اليد ما أخذت
حتى تؤديه" رواه الخمسة وصححه الحاكم.
[لكن لا ضمان في أربع مسائل إلا بالتفريط: 1 -
فيما إذا كانت العارية وقفاً ككتب علم وسلاح]
لأن قبضه ليس على وجه يختص مسعتير
(1/431)
بنفعه، لأن
تعلم العلم وتعليمه، والغزو من المصالح
العامة، أو لكون الملك فيه لغير معين، أو
لكونه من جملة المستحقين له.
[2 - وفيما إذا أعارها المستأجر] لقيام
المستعير مقامه في استيفاء المنفعة فحكمه حكمه
في عدم الضمان.
[3 - أو بليت فيما أعيرت له] كثوب بلي بلبسه
ونحوه، لأن الاذن في الاستعمال تضمن الإذن في
الإتلاف به، وما أذن في إتلافه لا يضمن
كالمنافع.
[4 - أو أركب دابته منقطعاً لله تعالى فتلفت
تحته] لم يضمنها، لأنها بيد صاحبها، وراكبها
لم ينفرد بحفظها أشبه ما لوغطى ضيفه بلحاف
فتلف عليه لم يضمنه، كرديف ربها، وكرائض يركب
الدابة لمصلحتها فتلفت تحته، وكوكيل ربها إذا
تلفت تحت يده، لأنه لم يثبت لها حكم العارية.
[ومن استعار ليرهن فالمرتهن أمين] لا يضمن إلا
إن تعدى، أو فرط.
[ويضمن المستعير] سواء تلفت تحت يده، أو تحت
يد المرتهن، لما تقدم.
[ومن سلم لشريكه الدابة، ولم يستعملها، أو
استعملها في مقابلة علفها بإذن شريكه، وتلفت
بلا تفريط لم يضمن] قال في شرح الاقناع: وإن
سلمها إليه لركوبها لمصلحته، وقضاء حوائجه
عليها فعارية.
(1/432)
|