التعليق على العدة شرح العمدة أسامة سليمان

العدة شرح العمدة [19]
المريض من أهل الأعذار والرخص، وله أحكام خاصة به في الصلاة والجمع والطهارة وغيرها، فمن لم يستطع الوضوء فليتيمم، ومن لم يقدر أن يصلي قائماً فقاعداً أو على جنب، كما يجوز له الجمع بين الصلاتين.


الرد على العلمانيين في ذمهم المذهب الحنبلي
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قيماً، وهدانا صراطاً مستقيماًَ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا زلنا مع كتاب الصلاة من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى.
الحقيقة أن الإمام ابن حنبل ظلم بيننا الآن، وأنا في الطريق قال لي أحد الإخوة: إن بعض الناس يعيرونني ويقولون لي: يا حنبلي! ولفظة حنبلي عندنا يفهم منها أنه متشدد، أو متنطع، وهذا من صنع المستشرقين، وهو طعم شربناه وأكلناه؛ لأننا مستهدفون.
حدث ولا حرج عن العلمانية، وعن الاستشراق، وعمن صنع عند الغرب ورضع من عصارته: طه حسين، رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، علي مبارك، أحمد عبد المعطي حجازي، لويس عوض، محمد سعيد عشماوي، وإذا ظللت أذكر هذه الأسماء ستنتهي المحاضرة وأنا لم أنته بعد من سردها.
أسماء ترتبت ورضعت ولها أذناب: نصر أبو زيد، سيد القمي، وما أدراك؟ هؤلاء الذين أرادوا أن يكون لهم ذكر؛ فطعنوا في الشريعة، حتى قال قائلهم -وهذا قاسم مشترك عندهم جميعاً-: إن القرآن كتاب يخضع للزمان والمكان والتقييم البشري.
يعني: كتاب أدب، يمكن أن نرفض منه أو نقبل على حسب الأحوال الزمانية والمكانية، لا يوجد عندهم شيء اسمه ثوابت، إنما كل العقيدة والشريعة متغيرات على حسب الزمان والمكان.
لذلك إخوتي الكرام! أقول: من هذه الأقوال الظالمة: ذم المذهب الحنبلي، إن ابن حنبل إمام أهل السنة، ومذهبه آخر المذاهب رحمه الله تعالى، وأكثرها إحاطة بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك قال عنه الشافعي: تركت في بغداد -يوم أن جاء إلى مصر- شاباً إذا قال: حدثنا؛ استمع الناس له، كاد يكون إماماً في بطن أمه.
ابن حنبل إمام أهل السنة قال عنه علي بن المديني شيخ البخاري: لقد حفظ الله الإسلام برجلين: بـ أبي بكر رضي الله عنه يوم الردة، وبـ أحمد يوم المحنة رحمه الله تعالى.
لكننا الآن إذا أردنا أن نعير شخصاً نقول له: أنت حنبلي، ولماذا تدرسون في العزيز بالله الفقه الحنبلي يا حنابلة؟! شرف لنا أن نكون من أتباع مذهب أحمد، ولسنا ندعو إلى المذهبية أبداً ولا إلى التعصب لمذهب، لكن مذهب أحمد أكثر المذاهب إحاطة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، علاوة على أن للإمام أكثر من رواية، وهذا يدل على ثراء المذهب، فما من رواية إلا يقابلها رأي في المذهب الآخر.
فمن الظلم التعسفي وملامح الغربة في بلادنا هذه: أن يكون لقب الحنبلي دليل اتهام، وإنما لفظ الحنبلي دليل شرف؛ لأنه يتبع السنة، وليس هذا قدحاً، فكلهم من رسول الله ملتمس، ونحن مع الدليل حيث دار.
أبو حنيفة رحمه الله أسس مذهبه على بضعة أحاديث، أدرك البعض ولم يصله البعض، وكلما كان الإنسان متقدماً كان أقل في الإحاطة، فـ ابن حنبل رحمه الله تعالى أكثر إحاطة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك إذا كان المذهب مرجوحاً نقول: هذا مرجوح، والدليل ليس معه؛ لأننا كما قلنا: نمقت التعصب المذهبي، والدين بالدليل، والعلم قال الله قال رسوله.
تعلمون أن محنة الإمام كانت في مسألة خلق القرآن في زمن الخليفة المأمون في بغداد في العصر العباسي، يوم أن أقنع المعتزلة المأمون بفكر الاعتزال، وهو أن القرآن مخلوق، ومن قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق؛ لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، ومعنى أنه مخلوق: أن الصفة لم تكن موجودة ثم وجدت، أي: أن الله كان لا يتكلم ثم تكلم.
ثم ما من أمر مخلوق إلا ومصيره إلى الفناء وحاشا لله عز وجل أن يفنى! وكذلك كل أمر مخلوق ناقص؛ ولذا يشعر بالنقص، ولذلك أبى الإمام أن يقولها، وأرسل إليه الخليفة.
قال: يا أحمد! قلها، قال: لن أقولها؛ لأنه يعلم أن زلة العالِم زلة عالَم، فأرسل إليه المأمون وقد قرر أن يقتله: ائتوني بـ ابن حنبل، وفي الطريق إليه قال: اللهم لا تجمع بيني وبين المأمون بعد اليوم في الدنيا أبداً، فجاءه الصارخ بصوت مرتفع: يا أحمد! أبشر؛ فإن المأمون قد مات.
ثم أدخلوه السجن في عهد المعتصم وجلدوه، وأبى أن


باب صلاة المريض
قال المؤلف رحمه الله تعالى: المريض من أهل الأعذار والرخص، وله كيفية خاصة للصلاة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صلاة المريض.
والمريض إذا كان القيام يزيد في المرض صلى جالساً، فإن لم يطق فعلى جنبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك) فإن شق عليه فعلى ظهره، فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماءً، وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه.
وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها، فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين العشاءين في وقت إحداهما، فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها، ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما، ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء، وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها، ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر، ويجوز في المطر بين العشاءين].
انتهى! هذا باب صلاة المريض، ثم صلاة المسافر، ثم صلاة الجمعة، ثم صلاة العيدين والخوف، وننتهي من كتاب الصلاة، ثم ننتقل إلى كتاب الجنائز، ثم إلى كتاب الزكاة، ثم إلى كتاب الصوم، ثم إلى كتاب الحج والعمرة إن شاء الله عز وجل.
بالنسبة لصلاة المريض إن كان عاجزاً عن القيام فهناك قاعدة مهمة جداً في الفقه، وهي: أن تحصل من الواجبات ما تستطيع، مثال ذلك: رجل لا يستطيع أن يسجد على الأرض لألم في ظهره، نقول له: قم واركع، وعند السجود أومئ برأسك فقط.
حصل من الواجبات ما تستطيع، حصلت القيام وحصلت الركوع، وأنت عاجز عن السجود؛ فأومئ برأسك في السجود، لكن البعض الآن عاجز عن السجود فيجلس ويهدر أركاناً كثيرة، ونقول: حَصِّل من الواجبات ما تستطيع، وقد يكون مصاباً بجرح فيربط على مكان الجرح في حال غسل الجنابة، ويمسح عليه ويعمم الجسد بالماء إلا هذا الموضع؛ فيحَصِّل من الواجبات ما يستطيع.
قال في الشرح: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً).
قلنا: القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة في الفرض، فإن صلى جالساً في الفرض مع قدرته بطلت الصلاة، وإني أرى الكثير يتحرك ويذهب إلى المخبز ويأتي بخبز ويذهب إلى عمله، فإذا جاءت الصلاة جلس وقال: أنا متعب.
طيب! يا عبد الله! أنت تتحرك بصفة طبيعية، إذاً: لا يجوز لك أن تجلس إلا إذا كنت عاجزاً عن القيام، فالجلوس مع القدرة يبطل الصلاة، بعكس النافلة.
قلت: (فإن لم تستطع فقاعداً)، والقعود هنا عكس القيام، والجلوس عكس الاتكاء؛ لأن الله قال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران:191].
وفي الحديث الآخر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور)، فالجلوس يكون من اتكاء، والقعود يكون من قيام، فالتعبير الصحيح: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)، والبعض يقعد بالافتراش، والصواب أن يجلس متربعاً، ثم يومئ برأسه عند الركوع، ثم يسجد على الأرض إن استطاع، وإن لم يستطع يومئ.
قال: (فإن لم تستطع فعلى جنبك)، الأول: قائماً، والثاني: قاعداً، ثم على جنب، والجنب متجه إلى القبلة، يستقبل بوجهه القبلة وهو على جنبه، وأجمعوا على أن من لم يطق القيام فرض عليه أن يصلي قاعداً، فإذا شق عليه -يعني: الصلاة على جنبه- صلى على ظهره، ووجهه ورجلاه إلى القبلة؛ لأن ذلك أسهل عليه.
مثال ذلك: رجل يشق عليه أن يصلي على جنبه، يجعل القدمين إلى القبلة، ويستلقي على ظهره مستقبل القبلة، بحيث إذا اعتدل قام إلى القبلة، وهذه طريقة أخرى.
ولذلك قلت: هناك خلاف بالنسبة للقبر، هل الميت يوجه إلى القبلة هكذا، يعني: وجهه إلى القبلة، أم ينام بحيث تكون رجلاه إلى القبلة وهو على ظهره، بحيث لو قام كالنائم تماماً، الحالتان هنا ثابتتان.
قال: (فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما)، يعني: وإيماء الركوع يكون أعلى من إيماء السجود؛ اعتباراً بأصلهما.
قال: (وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه) كالنائم، ثم يقضي ما فاته من صلوات، بمعنى: رجل يغيب عن الوعي مدة طويلة، فغاب عن الوعي من الظهر إلى العشاء، ثم فاق بعد العشاء، فإنه يصلي ما فاته بالترتيب؛ لأنه مكلف منذ لحظة رجوع العقل، وإذا غاب العقل سقط التكليف؛ لذلك هناك خلاف بين العلماء في حكم صلاة السكران، رجل شرب الخمر بإرادته، وأخذت بعقله؛ فقال لزوجته: أنت طالق، ما حكم صلاته؟ هنا اختلف العلماء: فمن العلماء من قال: يقع عقوبة له؛ لأنه تناول الخمر بإرادته.
وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: لا يقع؛ لأن العقل مناط التكليف، وإثم الخمر مسألة، ووقوع الطلاق مسألة أخرى، وهو لم يرد الطلاق.
كذلك يقول: إن الطلاق يتعدى إلى الغير، أي: أن ضرره يتعدى للزوجة، فما ذنب الزوجة أن تطلق والزوج سكران؟! فـ شيخ الإسلام يدافع عن تلك القضية فيقول: لا يقع طلاق السكران حتى