الشرح الميسر لزاد المستقنع

عناصر الدرس
* باب الآنية، والحكمة من ذكرها بعد باب المياه.
* قوله: "كل إناء طاهرا ولو ثمينا يباح اتخاذه ... ".
* الأصل في الأعيان الإباحة حتى يرد دليل بالتحريم.
* قوله: "إلا آنية ذهب وفضة"، ودليل تحريم آنية الذهب والفضة.
* اتفاق الصحابة على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.
* هل التحريم يعم كل استعمال لآنية الذهب والفضة، أم خاص بالأكل والشرب فقط؟
* أقوال أهل العلم في علة تحريم الاتخاذ، والراجح ما جاء في نص الحديث.
* قوله: "وتصح الطهارة منها"، والراجح خلافه.
* قوله: "وتباح آنية الكفار"، بيان حالات آنية الكفار، وحكمها.
* حكم ثياب الكفار.
* قوله: "ولا يطهر جلدة ميتة بدباغ"، والراجح في المسألة.
* قاعدة مهمة: "الميتة هي: اسم للحيوان الميت ظاهرًا وباطنًا". فتعم كل شيء فيها.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
قال المصنف رحمه الله تعالى (باب الآنية) أي هذا باب ذكر مسائل أو أحكام مسائل الآنية والآنية هي الأوعية لغة وعرفاً جمع إناء والإناء هو الوعاء وهو الظرف يوعى فيه الشيء سمي بذلك لأنه يجمع ما فيه ومناسبة ذكر هذا الباب باب السابق وهو أحكام المياه أنه لما ذكر الماء ذكر ظرفه لأن الماء جوهر سيال فيحتاج إلى ظرف ولا يقوم إلا به حينئذٍ ناسب إن يذكر هذا الباب ولأن الآنية منها ما هو محرم ومنها ما هو مباح ومنها ما هو طاهر ومنها ما هو نجس وقد يتأثر الماء بحكم الطاهرية أو النجاسة حينئذٍ لابد من بيان هذه الآنية، الأصل في هذا الباب هو الإباحة والطهارة الأصل في هذا الباب لأن كل ما سيأتي لابد أن يكون مخالفاً للأصل فلابد من دليل يدل عليه فالأصل في الأشياء هي الإباحة سواء كانت في الآنية أو غيرها وهذه قاعدة عامة عند الفقهاء وهي مفيدة لطالب العلم أن الأصل في الأشياء الأعيان المنتفع بها الطهارة والأصل فيها الإباحة وأما الإباحة لقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) (خلق لكم ما) أي الذي وهي اسم موصول بمعنى الذي حينئذٍ يعم فيعم كل ما في الأرض ولذلك أكده بقوله (جميعاً) وهنا ذكر في سياق الامتنان حينئذٍ يدل على أنه طاهر وعلى أنه مباح ومعنى الامتنان أن الله عزوجل يمتن على خلقه بأنه خلق لهم ما في الأرض وهذا إنما يكون إذا مكنهم من الانتفاع به وأما إذا منعهم من الانتفاع به حينئذٍ لا يكون امتنان فدل على أن الأصل هو الإباحة ثم النجس لا يجوز استعماله وهنا امتن بما ينتفع به فدل على أنه طاهر فالأصل في الأشياء الطهارة والإباحة وقال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) وقال سبحانه (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فكل محرم الله عزوجل فصله بمعنى بينه والتفصيل هنا بمعنى البيان والتبيين وما يتعلق بهذا الباب أن الأصل في الأشياء الإباحة تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم المنع والتحريم للآنية الذهب والفضة يقتضي إباحة ما عدهما جاء في الصحيحين (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة) خص آنية الذهب والفضة دل على أن ما عدا الذهب والفضة الأصل فيه الإباحة، ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه توضأ من آنية مختلفة قد جاء من حديث عبدالله بن زيد في البخاري فأخرجنا له توراً من صفر فتوضأ كذلك توضأ من جفنة وتور حجارة ومن إداوة وقربة وغيرها فتنوع استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لسائر الأواني فدل على أنها مباحة فثبت الحكم فيها لفعله صلى الله عليه وسلم وفي معناها قياساً يعني ما عدا ذلك مما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ أو استعمله في طهارة مثلها لأن ما عدا الذهب والفضة الأصل فيه أنه مباح إذ كون النبي صلى الله عليه وسلم يخصص الذهب والفضة في الشرب والأكل بالتحريم دل على أن ما عدا الذهب والفضة فهو مباح إذاً عرفنا الأصل في هذا الباب حينئذٍ يكون


مستمسكاً لطالب الحق بأن كل ما قيل بأنه ممنوع فيستصحب الأصل ولا ينتقل عنه إلا بدليل واضح بين حينئذٍ يكون التحريم خلاف الأصل فنحتاج إلى دليل ويكون الحكم بالنجاسة خلاف الأصل فنحتاج إلى دليل، قال المصنف رحمه الله تعالى (كل إناء طاهر ولو ثميناً يباح اتخاذه واستماله) هذه قاعدة صدرها بكل ومعلوم بأن كل من ألفاظ العموم (صيغه كل أو الجميع ... وقد تلا الذي التي الفروع) حينئذٍ يشمل كل ما أضيف إليه لفظ كل وهنا أضيف إلى لفظ إناء حينئذٍ يكون فيه عموم ووجه العموم أنه يشمل الإناء الصغير والإناء الكبير ويشمل الإناء الثمين وغير الثمين ويشمل الطاهر والنجس فقوله (كل إناء) حينئذٍ نقول هذه الكلية يدخل تحتها الإناء الكبير والإناء الصغير يدخل تحتها الثمين وغير الثمين يدخل تحتها الطاهر والنجس قوله (طاهر) هذه صفة لإناء حينئذٍ يكون قد أخرج النجس لأن ضد الطاهر هو النجس والطاهر هو المنزه من الأقذار فما كان نجساً لا يجوز استعماله لأن المصنف هنا حكم (يباح اتخاذه واستعماله) وخصص هذا الحكم بما كان طاهراً مفهومه أن ما لم يكن طاهراً حينئذٍ اتخاذه واستعماله إذ الأصل في النجاسة مجانبتها وعدم استعمالها (كل إناء طاهر) إذاً الطاهر أخر النجس والإناء الطاهر ما كان مصنوعاً من خشب أو جلد طاهر مباح أو صفر أو حديد أو نحو ذلك كذلك الذهب والفضة تعتبر من الطاهرات لكن للنص الخاص حينئذٍ جاء التخصيص بالتحريم إذاً (كل إناء طاهر) قال المصنف (ولو ثميناً) ثمين فعيل وهو صيغة مبالغة يعني كثير الثمن (ولو ثميناً) يعني ولو كان الإناء الطاهر ثمين يعني كثير الثمن فلا فرق بين الدنيء في سعره وبين ما كان ثميناً في سعره وقوله (لو) هذه إشارة خلاف يفهم منه وهو منسوب للشافعي أنه خالف في الثمين فقال الثمين لا يجوز استعماله دفع لهذا القول ولإدخال الثمين في المحكوم عليه وهو الإناء الطاهر قال المصنف رحمه الله تعالى (ولو ثميناً) إذاً قوله (ولو) هذه إشارة خلاف والمذهب حروف الخلاف ثلاثة عند الحنابلة (حتى) وهي للخلاف القوي و (إن) وهي للخلاف المتوسط و (لو) وهي للخلاف الضعيف هذا هو المشهور عند الحنابلة (حتى وإن ولو) إذا أرد أن يحكي الخلاف لكن الخلاف يتفاوت في نفسه بعضه قوي وبعضه متوسط وبعضه ضعيف فإذا أراد المصنف وغيره من الفقهاء الإشارة إلى الخلاف القوي قال حتى وإذا أراد الإشارة إلى الخلاف المتوسط قال وإن وإذا أراد الإشارة إلى الخلاف الضعيف قال ولو لكن هذا الاستعمال ليس متفق عليه وعند بعضهم لو للخلاف القوي عكس القول الأول حيث يستعملها للخلاف الضعيف وإن للمتوسط - فتفقا - وحتى للضعيف على كل إذا جاءت هذه الألفاظ الثلاثة فثَمَّ خلاف في المسألة والمخالف هنا هو الشافعي حيث ألحق الثمين بآنية الذهب والفضة بالتحريم والصواب أنه ليس ثَمَّ دليل يدل على تحريم الثمين وإنما جاء التنصيص على الذهب والفضة حينئذٍ يكون ما عداه على الأصل وعرفنا أن الأصل هو الإباحة وليس ثَمَّ دليل واضح بين يحرم ذلك قوله (ولو ثميناً) ثميناً بالنصب خبر لكان محذوفة مع اسمها ولو كان الإناء ثميناً قال ابن مالك رحمه الله تعالى (ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد إن ولو كثيراً ذا اشتهر)


(إلتمس ولو خاتماً من حديد) خاتماً هذا خبر كان محذوفاً هي مع اسمها (ولو ثميناً) يعني ولو كان الإناء الطاهر ثميناً أي غالي الثمن كجوهر وزمرد ونحوهما قال (يباح اتخاذه واستعماله) (يباح) هذا فعل مضارع مغير الصيغة وهو حكم شرعي الإباحة هي حكم شرعي وكونها حكماً تكليفياً هذا قول مرجوح والصحيح أنها حكم شرعي وليس حكماً تكليفي وإذا انتفاء كون الإباحة حكماً تكليفياً لا يلزم منه أن ينتفي عنها وصف الشرعي وثَمَّ حينئذٍ مسألتان هل الإباحة حكم تكليفي أو لا؟ جماهير الأصوليين على أنها ليست حكماً تكليفي، هل الإباحة حكم شرعي أم لا - والذي يقابل الشرعي هو العقلي-؟ ولبعض المعتزلة أنه ليس شرعياً وجماهير الأصوليين على أنه حكم شرعي، إذاً (يباح) هذا حكم شرعي وعرفنا الدليل فيما سبق لأنه موافق للأصل، ما الذي يباح من هذه الآنية؟ قال (اتخاذه واستعماله) اتخاذه يعني اقتناه سواء كان لزينة أو فيما يستعمل في المستقبل يعني أن يوضع هذا الإناء يقتنى من أجل أن يستعمل في أكل أو شرب أو نحوهما لكنه في المستقبل أو ينتقى هذا الإناء من أجل الزينة هذا المراد بالاتخاذ يعني لا يستعمل وإنما يكون زينة أو معداً للاستعمال في المستقبل (واستعماله) أي التلبس بالانتفاع به يتلبس بمعنى أنه يستعمله كهذا الكأس مثلاً يصب فيه الماء فيستعمل والاستعمال قد يكون في أكل وشرب وقد يكون في غير الأكل والشرب إذاً هذا هو الأصل وهذا هو قول عامة أهل العلم ولذلك قال في الشرح بلا كراهة إذاً الثمين وما دونه إذا كان الإناء طاهراًَ يباح اتخاذه واستعماله وهو محل وفاق بين أهل العلم إلا في مسألة الثمين فجماهير أهل العلم على أنه مباح كغيره والشافعي رحمه الله تعالى له قول بأنه محرم بمعنى أنه ملحق بالذهب والفضة والصحيح أنه ليس ملحقاً بهما لأن الذهب والفضة قد نص عليهما، قال (إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها ولو على أنثى) هذا استثناء من الإناء الطاهر لأن قعدنا أن كل إناء طاهر ولو ثميناً ولا شك أن الذهب والفضة ثميناً يباح اتخاذه واستعماله دخل في هذه الكلية الذهب والفضة ومعلوم على أن النص قد دل على تحريم ذلك حينئذٍ استثنى المصنف هذا النوع فقال (إلا) هذا استثناء ومعلوم أن الاستثناء معيار العموم فحينئذٍ ما عدا المستثنى فهو داخل فيما سبق المستثنى منه ما هو؟ (كل إناء طاهر) هذا المستثنى منه والمستثنى (إلا آنية - بالنصب - ذهب وفضة ومضبباً بهما) حينئذٍ المستثنى يخالف المستثنى منه في الحكم إذ ثبتت الإباحة للمستثنى منه وحينئذٍ ما بعد أداة الاستثناء يخالف ما قبلها حينئذٍ قال (فإنه يحرم اتخاذه أو استعماله) إذاً هذا استثنى من الإناء الطاهر لأن الذهب والفضة من الطاهرات (إلا الآنية ذهب وفضة) آنية ذهب الذهب معروف والفضة كذلك معروفة والمراد هنا أن يجعل كل من الذهب أو الفضة على هيئة الآنية بأن يصنع من الذهب طبق أو ملعقة أو كأس ماء أو نحو ذلك حينئذٍ نقول جعلت هذه الفضة أو هذا ذهب جعل على هيئة إناء أو مضبباً (ومضبباً بهما) بأن يكون أصل الإناء مصنوعاً من خشب مثلاً أو صفر أو حديد لكنه يضبب بذهب أو فضة فهو ملحق لأن الأصل فيه الإباحة لو


صنع إناء من خشب ما الأصل فيه نقول هو مباح كذلك لو صنع إناء من صفر أو حديد نقول هذا مباح لكن لو جعل فيه شيء من الفضة أو الذهب على أي هيئة كانت حينئذٍ نقول هذا الأصل فيه الإباحة لكن لما ألحق به ما هو محرم حينئذٍ ألحق بالمحرم ذهب والفضة في الحكم (ومضبباً بهما) المضبب هو الذي عمل فيه ضبة مأخوذ من الضب والتضبيب وهو تغطية الشيء ودخول بعضه في بعض وهي في الأصل حديدة تجمع بين طرفي المنكسر قد يكون الإناء مصنوعاً من حديد فيقع فيه نوع تشعب أو انكسار حينئذٍ يصلح بماذا؟ بسلسة أو بشيء من الذهب أو الفضة فيسمى الإناء كله يسمى ماذا؟ يسمى مضبباً لوضع هذه القطعة من الذهب أو الفضة قال الجوهري (هي حديدة عريضة يضبب بها الباب - هذا في الأصل - يضبب بها شق الباب ونحوه بوضع صفيحة عليه تضمه وتحفظه أو يشعب بها الإناء)، (ومضبباً بهما) أي الذهب والفضة حينئذٍ المضبب هو إناء طاهر مصنوع من غير الذهب أو الفضة ويوضع فيه شيء من الذهب أو الفضة بأي شيء كان مهما اختلفت الصناعات ومهما تطورت حينئذٍ كل إناء وضع فيه شيء الذهب ولو لون الذهب أو الفضة ولو لون الفضة حينئذٍ صار مضبباً فيأخذ حكم الذهب الخالص والفضة الخالصة قال (أو بأحدهما) يعني لا يشترط أن يجمع بينهما كما هو ظاهر العبارة (ومضبباً بهما) يعني بالذهب والفضة طيب لو ضبب بأحدهما بالذهب دون الفضة أو بالفضة دون الذهب الحكم واحد أو لا؟ الحكم واحد فذكر المصنف لتضبيب بالذهب والفضة لا يستلزم منه أنه لو ضبب بأحدهما أن يكون الحكم مخالفاً إذاً آنية ذهب وآنية فضة والمضبب بهما أو بواحد منهما ما الحكم قال (فإنه يحرم) هذا يقابل يباح قال (يباح اتخاذه واستعماله) هنا قال (فإنه يحرم) والتحريم معلوم أنه هو ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً فهو حكم شرعي ما الذي يحرم من هذه الآنية آنية الذهب والفضة والمضبب بهما أو بأحدهما؟ يحرم اتخاذها واستعمالها حينئذٍ مطلق الاستعمال ومطلق الاتخاذ فأي استعمال للآنية الذهب أو الفضة سواء كان الاستعمال في الأكل أو في الشرب أو في غير الأكل والشرب أو اتخاذ آنية الذهب والفضة بأن يقتنى زينة أو لكونه يستعمل في المستقبل على أي وجه كان آنية الذهب والفضة والمضبب بهما أو بأحدهما محرم، وعندنا هنا ثلاثة أشياء أولاً: استعمال لآنية الذهب والفضة في الأكل والشرب، ثانياً: استعمال لآنية الذهب والفضة لغير الأكل والشرب، ثالثاً: الاتخاذ، أما استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب فهذا محل إجماع بين الصحابة وإن خالف بعض المتأخرين بأنه يكره وإنما انعقد الإجماع إجماع الصحابة على أنه يحرم استعمال هذين النوعين في الأكل والشرب ولذلك جاء في حديث الصحيحين (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) (لا تشربوا) لا ناهية وتشربوا فعل مضارع سلط عليه أداة النهي حينئذٍ يعم الشرب أكثره وأقله أدنى شربة نقول هذا محرم للعموم النص ثم هذا النهي يحمل على أصله وهو التحريم إذ الأصل في النهي أن يحمل على التحريم لكن ليس كل ما يحمل على التحريم يدل على أنه كبيرة من الكبائر ومعلوم أن استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب من


الكبائر فنحتاج إلى دليل أخص يدل على أن استعمال هذين النوعين في الأكل والشرب يعتبر من الكبائر قد جاء في البخاري ولمسلم (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) هذا توعد بنار ومعلوم أن من ضوابط الكبيرة ما توعد عليها بعذاب في الدنيا أو في الآخرة حينئذٍ نقول هي محرمة وهي كبيرة من الكبائر وهذا محل إجماع كما ذكرت فيما سبق وإن وقع نزاع عند بعض المتأخرين بأنه محمول على الكراهة إلا أنه قول شاذ بمعنى أنه مخالف للإجماع وأما ما عدا الأكل والشرب فهذا محل خلاف بين أهل العلم وحكي الإجماع على أن ما كان في معنى الأكل والشرب حكمه حكم الأكل والشرب ولذلك قال النووي رحمه الله تعالى (انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها - يعني في آنية الذهب والفضة - وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع) وحكا غيره إجماع الأمة على ذلك إذاً ما عدا الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة حكي عليه الإجماع وثَمَّ خلاف في بعض المذاهب لكن الصحيح ملحق به وما كان بالنص بالتنصيص على الأكل والشرب نقول هذا خرج مخرج الغالب إذاً هو ملحق بالأكل والشرب، ثالثاً: الاتخاذ وهو الاقتناء من هذه الآنية مع كونها لم تستعمل في الأكل والشرب ولا في غيرهما نقول هو كذلك محرم لأن ما حرم استعماله مطلقاً حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي كما أن المعازف محرمة الاستعمال هي كذلك محرمة الاتخاذ إذ لا يقال بأن التحريم هنا منصب على الاستعمال فحسب ثم له أن يتخذ هذه المعازف كأن يضعها في بيته زينة ونحوها بل نقول هذا محرم كذلك آنية الذهب والفضة محرمة الاستعمال في الأكل والشرب وما كان في معنى الأكل والشرب ملحق به حينئذٍ اتخاذها يكون وسيلة إلى استعمالها ولا شك أن الوسائل لها أحكام المقاصد حينئذٍ نقول اتخاذ هذه الآنية يكون من المحرمات للقاعدة التي ذكرناها ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى (بل يعم ذلك سائر وجوه الانتفاع) يعني هذا النص الذي جاء في الحديث (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) يعم سائر وجوه الانتفاع بمعنى أنه ما كان في معنى الأكل والشرب فهو محرم وكذلك ما كان متخذ ولو لم يستعمل في أكل وشرب فهو محرم والتنصيص على الأكل والشرب يكون خرج مخرج الغالب وما كان كذلك لا يتقيد الحكم به لذلك قال تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً) إنما حرقوها ولم يأكلوها الحكم واحد يستويان لأن المراد هو الإتلاف والتنصيص على الأكل لا يلزم منه أنه لو أحرقها لا يستوي الحكم معه كذلك قوله تعالى (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) تأكلوا الأكل مخصوص معلوم حينئذٍ لو تعامل بالربا أضعافاً مضاعفة ولم يأكل هو كذلك محرم (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم) دل النص على أن التخصيص هنا مراد أو غير مراد؟ غير مراد فلا مفهوم له كما ذهب إليه بن حزم إذاً هذه النصوص وهذه الأقوال تدل على أن الحكم واحد في آنية الذهب والفضة سواء كان في الاتخاذ أو في الاستعمال سواء كان الاستعمال في الأكل والشرب أو في غير الأكل والشرب ولذلك قال بن عبدالبر (معلوم أن من أتخذها لا يسلم من بيعها أو استعمالها لأنها ليس مأكولة ولا مشروبة فلا


فائدة فيها غير استعمالها) إذاً الاتخاذ قد يكون وسيلة إلى بيعها وبيعها محرم فحينئذٍ اتخاذها محرم كذلك أتهابها إهداؤها إعطاؤها حينئذٍ نقول هذا كله يعتبر من المحرمات وكذلك ما كان وسيلة وهو الاتخاذ إلى هذه الأنواع كذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) مفهومه أنها ليست لكم في الدنيا وهو دليل على تحريم الاتخاذ (فإنها لهم في الدنيا) يعني الكفار ومعلوم أنهم قد يستعملونها في أكل وشرب وقد يتخذونها فدل على أن العلة أعم من الحكم لأن الحكم هنا لا تشربوا ولا تأكلوا ثم علل بعلة هي أعم من الشرب والأكل فدل على أن ما عدا الأكل والشرب في معنى الأكل والشرب إذاً قوله (إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً بهما فإنها يحرم اتخاذها واستعمالها) على ظاهره على الصحيح من أقوال الفقهاء قوله (ومضبباً بهما) عرفنا الحكم فيما كان خالصاً من الذهب والفضة أما المضبب فما الدليل على تحريمه؟ نقول الدليل حديث بن عمر مرفوعاً (من شرب من إناء من ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم) رواه الدار القطني الحديث فيه شيء من الضعف لكن يقويه ما جاء في العلة التي سنذكرها ولوجود علة الخالص لأن الخالص الذي هو آنية الذهب والفضة علل بعدة علل لكن النص ورد (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) هذه علة واضحة بينه يمكن تعليق الحكم بها وإن علل كثير من الفقهاء بأن العلة هي بما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء قد تكون هذه كذلك موجودة لكن مادام أن العلة منصوصة في الحديث السابق حينئذٍ يعلق الحكم بها ولذلك قال بن القيم رحمه الله تعالى (والصواب أن العلة ما يكسب القلب من استعمالها من الهيئة والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة ولهذا علل عليه الصلاة والسلام بأنها للكفار في الدنيا إذ ليس لهم نصيب في العبودية التي ينالونها بها في الآخرة) وهذا له وجهه وهو المعتمد إن شاء الله تعالى إذاً وجود هذه العلة في المضبب ثانياً: يقال المحرم مفسدة الشارع لا يأمر سواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ولا ينهى عن شيء نهي تحريم أو نهي تنزيه إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة حينئذٍ آنية الذهب والفضة فيها مفسدة ولا شك وإذا علق الحكم على كل حينئذٍ يصحبه ولو في أجزائه بمعنى أن الكل إذا حرك حينئذٍ التحريم يتبع أجزاءه فكل جزء من تلك الأجزاء هي محرمة فإذا نهي عن استعمال الكل حينئذٍ ينهى عن استعمال الأجزاء فكما أن الشارع نهى عن استعمال آنية الذهب والفضة الخالصة حينئذٍ كلما وجد شيء من الذهب والفضة ولو في إناء في أصله ليس من الذهب والفضة فالحكم واحد إذاً المحرم مفسدة فإن كان خالصاً فمفسدته خالصة وإن لم يكن خالصاً ففيه بقدر هذه المفسدة وتحريم الشيء مطلقاً يقتضي تحريم كل جزء منه النهي عن الشيء ما مطلقاً نهي عن بعضه وإذا نهى عن آنية الذهب حينئذٍ هو نهى عن بعض الذهب فإذا استعمل الخالص من الذهب في الأكل والشرب حينئذٍ ما تضمن الذهب ولو شيء يسير فحكمه واحد والنهي عن بعضه المحرم فإذا استعمل جزء من الإناء فقد استعمله كله فيكون مستعملاً للذهب والفضة، قال (ولو على أنثى) بمعنى أن هذا


الحكم عام في الذكور والإناث فلا يقال على أن الإجماع العملي دل على أن النساء يتزين بالذهب والفضة بالذهب الخالص نقول هذا إجماع عملي وهو مستثنى وما عدا التزين الحلي حينئذٍ يكون الحكم واحد في الذكور والإناث إذاً هذا الحكم إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً بهما إنه يحرم اتخاذه واستعماله عام في الذكور والإناث لماذا؟ لعموم النصوص (لا تشربوا) الواو هذه من صيغ العموم فتعم الذكر والأنثى الكبير والصغير (ولا تأكلوا) الواو هذه صيغة عموم فتعم الذكر والأنثى كذلك الكبير والصغير حينئذٍ استويا في الحكم هل وجد مخصص يدل على جواز استعمال الإناث لآنية الذهب والفضة؟ الجواب لا إذاً يبقى على عمومه فالنصوص عامه (الذي يشرب في آنية الذهب) الذي هذا يعتبر من صيغ العموم إذاً قوله (ولو على أنثى) هذا للإدخال أو للإخراج؟ هذا للإدخال فالحكم عام يستوي فيه الذكور والإناث ولذلك قال الشارح للعموم الأخبار وعدم المخصص يعني لم يأتي نص يدل على التخصيص كما جاء في استعمال الحل وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إلى التزين لزوج وهو محل إجماع أمهات المؤمنين قد تحلين بالذهب وحصل إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ نقول هذا محل إجماع بين الصحابة فضلاً عن غيرهم ثم، قال رحمه الله تعالى (وتصح الطهارة منها) هذا ينبني على ما سبق إذا تقرر أن آنية الذهب والفضة والمضبب بهما أو بأحدهما محرم الاستعمال مطلقاً في الأكل والشرب وفي غير الأكل والشرب من غير الأكل والشرب استعمال هذه الآنية في الطهارة سواء كانت الطهارة كبرى أو صغرى ما الحكم إذا استعملها الإناء محرم واستعماله محرم هل هذا الاستعمال يعود على طهارته بالبطلان بمعنى أنه لو توضأ من آنية ذهب أو فضة إناء من ذهب أخذ الماء وتوضأ ما حكم وضوؤه ما حكم غسله قال المصنف (وتصح الطهارة منها) والصحة حكم شرعي وهذا مذهب الجمهور (وتصح الطهارة منها) بأن يغترف منها ولذلك يقولون تصح منها وبها وفيها وإليها؛ منها بأن يغترف منها وبها بأن يجعلها آلة يأخذ بالإناء ويكون الإناء هو الذي وهذا إذا أغتسل غسلاً مثلاً حينئذٍ إذا أغترف بمغراف وهذا المغراف يكون مصنوعاً من ذهب خالص حينئذٍ نقول توضأ بها أو أغتسل بها وإليها بأن يجعلها مصباً كالمغاسل مثلاً إذا كانت من ذهب أو فضة حينئذٍ يتوضأ ويصل الماء إليها وفيها بأن يكون الإناء واسعاً فيدخل فيه ويغتسل هذا فيها وبها وإليها ومنها هذا الوجوه كلها عند المصنف رحمه الله تعالى يعتبر من الأمور التي يأثم بفعلها لأنه محرم الاستعمال لكن هذا الإثم لا يعود على الطهارة بالبطلان بل الطهارة صحيحة ولكنه مع الإثم ولذلك قال (وتصح الطهارة منها) أي من هذه الآنية وهي محرمة وكذلك الطهارة بها وفيها وإليها وعلتهم أن الإناء ليس شرط ولا ركن في العبادة حينئذٍ يقول فهذه الجهة منفكة الماء الذي في الإناء هذا مباح فإذا أخذه وتمضمض به حينئذٍ هذا الإناء ليس شرط داخلاً في مفهوم الوضوء بل الوضوء متصوراً دون الإناء حينئذٍ إذا كانت الجهة منفكة فنقول يأثم على استعماله لهذه الآنية مع كون الطهارة صحيحة والأصح أن يقال الطهارة لا تصح لماذا؟ لأن النهي عن الشيء يقتضي فساد المنهي عنه ولذلك قال


بعض أهل العلم لا تصح سواء توضأ منها أو بها أو فيها أو إليها واختاره أبو بكر القاضي والشيخ يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى في المسألة المذكورة لأنه استعمل المحرم في العبادة يعني أتى بالعبادة على وجه محرم ومعلوم أن النهي يقتضي التحريم ويقتضي فساد المنهي عنه وإذا كان كذلك على الصحيح في هذه القاعدة بأن الحكم عام يعني يستوي في متحدة فيه الجهتان أو ما قيل بأن الجهة فيه منفكة فالحكم يعتبر واحد والدليل على هذه القاعدة هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني فهو مردود عليه حينئذٍ كل عمل ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه يعني من حيث الصحة الوجود الشرعي ومن حيث ما يترتب عليه الإثم وهذه المسألة ملحقة بما دل عليه هذا النص ثم إذا قيل بانفكاك الجهة لو أكل منها حينئذٍ نقول الأكلة التي أخذها هذه مباحة وهم لا يقولون بهذا واضح هذا فإذا قيل بأنه غمس يده في الماء وأخذ غرفة فوضعها ما حكم هذه الغرفة الماء هذا ما حكمه مباح الاستعمال أو محرم هم يقولون مباح وإنما استعمل الإناء وهو محرم نقول لو قيل بهذا لقلنا بأن الأكل الذي يكون في الإناء أخذ من الإناء الأكلة نفسها إذا وضعها في فمه نقول هذه مباحة وليست محرمة وليس الأمر كذلك بل هذا الأكل الذي وضعه في فمه يعتبر حراماً واستعماله للإناء يعتبر حراماً كذلك الماء إذا أخذه يعتبر حينئذٍ هذا الماء محرم فيكون قد استعمل ماء محرماً في طهارة فعاد عليه بالبطلان وهكذا الشأن في الماء المغصوب والماء المسروق والماء الموقوف فلا تصح به الطهارة لا صغرى ولا كبرى فإذا كان ثَمَّ ماء موقوف في طريق المسلمين وهو سبيل ما يعبر عنه بالسبيل توضأ منه لا تصح الطهارة لأنه ممنوع الاستعمال إلا في شيء واحد حينئذٍ الواقف يعتبر حكمه فأوقفه على الشرب فلا يتعدى استعماله فلو توضأ من هذه المياه فنقول الوضوء يعتبر باطلاً إذاً قوله (وتصح الطهارة منها) هذا هو المذهب والصحيح أنها لا تصح لما ذكرناه (إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة) هذا استثنى من قوله (ومضبباً بهما) المضبب قلنا هذا في الأصل أنه من خشب أو حديد أو صفر وضعت فيه ضبة هذه الضبة سلسة لإصلاح الإناء من فضة أو من ذهب سواء كانت كبيرة أو صغير لحاجة أو لغير حاجة استثنى نوع دل عليه الدليل وهو ما أشار إليه بقوله (إلا ضبة) حينئذٍ هذا مستثنى من المستثنى فيه خلاف عند النحاة والصواب جوازه حينئذٍ قال (إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً) ثم قال (إلا ضبة) استثنى من المستثنى وهو جائز إذاً ما اشتمل على هذه الشروط يعتبر مستثنى من المضبب إذ الأصل في المضبب التحريم إلا نوع واحد وهو ما دل عليه النص جاء في حديث أنس رضي الله تعالى عنه (أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشَّعب سلسلة من فضة) الشِّعب أو الشَّعب سِلسِلة سَلسَلة من فضة يجوز فيه الكسر والفتح سلسلة بكسر السين القطعة وبالفتح المصدر فعلك أنت الإلحاق يسمى سلسلة أنت سلسلة هذا الإناء بهذه الفضة والسلسلة نفس القطعة تسمى سلسلة (قدح النبي) لا شك أن القدح صغير فحينئذٍ يروي رجلين وما يقاربهما (انكسر) وتكسر يعني انشق! ذاَ حصل له ظرف


فيحتاج إلى إصلاح (فاتخذ مكان الشعب) الصدع والشق الذي فيه (سلسلة من فضة) خص الفضة إذاً بهذه القيود نقول المضبب يجوز استعماله فيكون مستثنى مما سبق وهذه الشروط التي أخذها المصنف كلها مأخوذ منه (إلا ضبة) عرفنا الضبة الأصل فيه أنها من حديد ونحوه (يسيرة) لأن هذا هو الغالب لأنه قال (قدح النبي) قدح صغير في الأصل فإذا انكسر أو احتاج إلى شيء حينئذٍ يحتاج إلى شيء يسير لو انكسر من نصفه حينئذٍ انتفت الفائدة منه صار عديم الفائدة ولكن هذا فيه فائدة يمكن استعماله لكن لهذا الشق أو لهذا الانكسار لكونه يسيراً حينئذٍ أصلح بهذه الفضة فدل على أن الذي وضع يسيراً لا كثيراً (إلا ضبة يسيرة) لأن هذا هو الغالب في القدح وهو كونه يسيراً فإذا انكسر فلا يحتاج إلى شيء كثير والأصل التحريم فنقتصر على ما هو الغالب واليسير هنا ضد الكثير فحينئذٍ يكون المرجع هو العرف فما تعارف عليه الناس الأوساط بأن هذا يسير حينئذٍ اعتمد ليس فيه تشديد من حيث الكثرة أو القلة قد يكون يسيراً عند أناس كثيراً عند آخرين وإنما المعتبر أوساط الناس يعني الذي ليس عنده شكك ولا وسوسة (من فضة) يعني لا ذهب لأن النص جاء بذلك الأصل في استعمال الذهب هو التحريم في آنية الذهب والفضة والأصل في الفضة كذلك التحريم وكونه قال أنس من فضة دل على أنه ليس من ذهب إذاً الذهب سواء كان كثيراً أو يسيراً سواء كان لحاجة أو لا حينئذٍ لا يستعمل (من فضة لحاجة) إذا لم تكن ثَمَّ حاجة حينئذٍ لا يستعمل لأنه قال في الحديث (انكسر) إذاً احتاج إليه فإذا لم يحتج حينئذٍ لا يجوز استعمالها (إلا ضبة يسيرة) لا كبيرة (من فضة) لا من ذهب (لحاجة) لا لزينة دون حاجة، قال هنا الحاجة أن يتعلق بها غرض غير الزينة يعني كلما احتجت لهذه الضبة لكن بشرط ألا يكون من أجل التزين حينئذٍ تسمى حاجة أما إذا لم يوجد غير الفضة هذا لا يسمى حاجة وإنما يسمى ضرورة وإذا اضطر حتى إلى الذهب جاز وأما إذا لم يكن غير الفضة حينئذٍ صار ضرورة وليس حاجة فلا بأس بها حينئذٍ بهذه الشروط التي سبق ذكرها والنص واضح في الدلالة عليها، ثم قال (وتكره مباشرتها لغير حاجة) إذاً إذا ضبب الإناء بضبة يسيرة من فضة لحاجة استعمال هذا الإناء نقول جائز أو محرم؟ جائز بدلالة النص عليه طيب بقي شيء آخر وهو أنه قد تكون هذه الضبة في محل الشرب هل يتعطى الشرب من حيث هذه الضبة أو يتحاشاها ويتجنب الموضع التي تكون فيه الضبة الأصل مادام أنه جاز استعمال الضبة على ما سبق ولم ينقل في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يباشر هذه الضبة حينئذٍ نقول الأصل فيه العموم بمعنى أنه سواء احتاج إلى مباشرته أو لا الأصل فيه الجواز لأنه أطلقه في الحديث السابق ومادام أنه جاز حينئذٍ استعمالها ولو تعمد وضع شفتيه على هذا المحل نقول جائز بلا كراهة ولكن المصنف نظر إلى الأصل وهو كونها محرمة حينئذٍ اعتبر أن الحاجة مزيلة لتحريم فبقية المباشرة على وضع هو أدنى من الإباحة أو وسط بين الإباحة والتحريم والصواب أنه لا يراع هذا الأصل لأن الأصل صار في حكم المنسوخ في مثل هذا الموضع فنقول مادام أنه جاز أن يستعمل هذه الضبة اليسيرة من فضة لحاجة حينئذٍ سواء


باشرها بفمه شفتيه أو لا فالحكم سواء بل يباح له مباشرتها ولو لم يحتج إلى ذلك (وتكره مباشرتها) الكراهة حكم شرعي فيحتاج إلى دليل (مباشرتها) يعني مباشرة الضبة المباحة ومادام أنها مباحة لماذا نكره بل نبقى على الأصل مادامت أنها مباحة الاستعمال فكذلك حينئذٍ المباشرة مباحة لأنه ما بني على المباح فهو مباح هذا الأصل فيه حينئذٍ نحتاج إلى دليل وضح بين وليس ثَمَّ دليل إلا التعليل وفيه شيء من النظر (وتكره مباشرتها) مصدر باشره أي وليه بشفتيه (لغير حاجة) أما إذا احتاج وهذه قاعدة عندهم في المكروهات كلها في هذا المقام وفي غيره كل مكروه حكم بالكراهة إن احتاج إليه فهو مباح ترتفع الكراهة وهنا كذلك لغير حاجة تكره مباشرتها تكره لغير حاجة (لغير حاجة) متعلق بقوله (تكره) حينئذٍ إذا كانت ثَمَّ حاجة ارتفعت الكراهة قال هنا تعليلاً للحكم لأن فيه استعمالاً للفضة فكان ماذا إذاً الأصل هو التحريم لكن مادام أن الشرع دل على الجواز مثل هذه المسألة فالأصل الإباحة لكنهم راعوا الأصل مع الدليل حديث أنس فجعل للمباشرة حكماً وسطاً بين التحريم الذي هو الأصل والإباحة سلسلة الإناء قالوا الذي دل عليه هو كون الضبة توضع في هذا الإناء وليس فيه ما يدل على المباشرة لكن نقول المباشرة فرع عن استعمال الإناء فإذا جاز الإناء وهو مضبب والأصل فيه التحريم حينئذٍ مباشرتها لا وجه للقول بالكراهة والصواب هو الإباحة (لغير حاجة) لأن فيه استعمالاً للفضة فإذا احتاج إلى مباشرتها أبيحت بلا خلاف هذا الحكم ليس خاص بهذه المسألة بل هو عام ثم انتقل إلى مسألة أخرى وهي ما يتعلق بآنية الكفار قال المصنف رحمه الله تعالى ونحن في باب الآنية وأنت مسلم وتحتاج إلى طهارة في إناء حينئذٍ استعملت آنية المسلمين فالأصل أنها مباحة وأنها طاهرة وأما الكافر فالأصل فيه المجانبة والمباعدة حينئذٍ إذا استعمل إناء أو آنية الكفار هل هذا جائز أم لا؟ وإن جاز هل يجوز بكراهة أو بدون كراهة قال المصنف رحمه الله تعالى (وتباح) هذا حكم شرعي فيحتاج إلى دليل والدليل هنا هو استصحاب الأصل وعرفنا الأصل أنه الإباحة والطهارة (وتباح آنية الكفار) الكفار جمع كافر وأل هنا تفيد العموم بمعنى أنه سواء كان كافر أصلياً أو مرتداً سواء كان من أهل الكتاب أو من غيره فكل كافر وهو ما ليس بمسلم (تباح آنية الكفار) قال في الشرح إن لم تعلم نجاستها حينئذٍ نقول آنية الكفار وكذلك ثيابهم يعني ملابسهم هذه إن لم تستعمل فإن كانت مستوردة مصنوعة مثلاً قولاً واحداً بإباحتها وطهارتها إن غسلت بعد الاستعمال قولاً واحداً بطهارتها وإباحة استعمالها إذاً قبل الاستعمال بأن كانت جديدة مثلاً مباحة بالاتفاق وهي طاهرة بالاتفاق كذلك إذا استعملوها وغسلوها هي مباحة وطاهرة بالاتفاق ماذا بقي؟ بقي إذا استعملوها ولم تغسل حينئذٍ لها حالتان إما أن تعلم نجاستها أو لا إذا استعملوها أكلوا في أوانيهم وأردنا أن نتوضأ أو نأكل في هذه الآنية ما حكم هذه الآنية؟ نقول إن علمت نجاستها رأيت الخمر فيها أو الخنزير قولاً واحداً يحرم استعمالها إلا بعد غسلها يعني قبل الغسل محرم الاستعمال ماذا بقي؟ بقي إذا استعملوها ولم تعلم نجاستها


حينئذٍ تردد بين أصلين أو تعارض أصل وظاهر الأصل الإباحة والطاهرة والظاهر أنهم قد يباشرون النجاسات حينئذٍ نقول اليقين لا يزول بالشك فحكم عليه بكونها طاهرة مباحة واضح هذا ولذلك قال المصنف هنا (وتباح آنية الكفار) قال الشارح إن لم تعلم نجاستها فإن علمت نجاستها يقيناً حينئذٍ يحرم استعمالها قبل غسلها قال الماتن (ولو لم تحل ذبائحهم) هذا للإدخال أو للإخراج هذا للإدخال لأن قوله الكفار قلنا هذا عام يشمل أهل الكتاب وغير أهل الكتاب أهل الكتاب هذا جاء النص (طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وطعام هذا يشمل ماذا إذا أبيح الطعام ومنه ما هو مطبوخ هل سيقدم لك هذا الطعام بإناء أو بدون إناء لا شك أنه بإناء فإباحة الطعام دليل على إباحة الإناء وهذا وضح بين وما عدا أهل الكتاب حينئذٍ نقول نرجع إلى الأصل وهو الإباحة والطهارة (ولو لم تحل ذبائحهم) ولو هذه إشارة خلاف والمسألة فيها خلاف والصحيح ما ذكرناه (ولو لم تحل ذبائحهم) كالمجوس هؤلاء يعبدون النار وقيل الشمس والقمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة مزادة امرأة مشركة ولا شك أن المشركين ليسوا من أهل الكتاب وإن كان أهل الكتاب الصحيح أنهم مشركون لكن إذا أطلق الشرك فالأصل أنه ينصرف إلى عبدت الأوثان ونحوهم حينئذٍ نقول النبي صلى الله عليه وسلم كونه توضأ من مزادة امرأة مشركة وهي ليست من أهل الكتاب ولم تحل ذبائحهم دل على أن الأصل هو الإباحة (وثيابهم إن جهل حالها) يعني وتباح ثياب الكفار (ثيابهم) أي ثياب الكفار ولو ولية عوراتهم بمعنى أن ما يلي عورات الكفار وهو مظنة للنجاسة فإذا أبيح هذا النوع فما عده من العمامة وما علاه من الجسم أو كان أدنى من العورة يكون من باب أولى وأحرى وهنا كما ذكرنا في السابق أنه إن علمت نجاستها قولاً واحداً أنه لا يجوز استعمالها بل هي نجسة وإن لم تعلم حينئذٍ تردد بين أصل وظاهر فحينئذٍ يستصحب الأصل بأن اليقين لا يزول بالشك والأصل أنها طاهرة والأصل أنها مستصحب ولا نرتفع عنه إلا بشيء واضح بين وهذا منتفي حينئذٍ لو صلى مسلم في ثياب كافر لبس سروال كافر وصلى به ما حكم صلاته؟ نقول صحيحة لماذا؟ لكونه قد لبس شيء طاهراً وكون الكافر قد لبسه هذا لا يخرجه عن كونه طاهراً كما ذكرنا (إن جهل حالها) ولم تعلم نجاستها لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وعليه إذا تقرر ذلك نقول هذا الحكم عام في المسلم وفي غيره وإنما نص على الكافر لأن الأصل أن الكافر قد يلابس النجاسة وإذا لابس المسلم بأن يكون فاسقاً وشرب الخمر مثلاً فالحكم واحد يستوي مع الكافر إن علمت النجاسة لم يجز استعماله لأنها نجسة يعني الكأس يعتبر نجس وإن لم يعلم ولو علمت أن ممن يلابس ويشرب الخمر فالأصل هو الطهارة فالحكم يكون عاماً إذاً ت (تباح آنية الكفار ولو لم تحل ذبائحهم وثيابهم إن جهل حالها) يعني حالها هل هي طاهرة أم نجسة أما إذا علم حالها بكونها طاهرة لم تلبس ولم تستعمل في أكل وشرب فقولاً واحداً بأنها مباحة طاهرة إن علم حالها بأنها نجسة حينئذٍ قولاً واحداً أنها محرمة نجسة إن جهل حالها لا تدري هل هي طاهرة أم نجسة؟ حينئذٍ الأصل الإباحة والطهارة، ثم قال المصنف رحمه الله


تعالى (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) انتقل إلى نوع من أنواع الأواني وهو ما يصنع من جلود الميتة هل يكون طاهرة هل يجوز استعماله الماء الذي وضع في هذا النوع هل يكون نجساً أم طاهراً ينبني على هذه المسألة، الميتة اسم لكل حيوان خرجت روحه بغير ذكاة وفي المصباح الميتة ما مات حتف أنفه أو قتل بطريقة غير مشروعة يعني كل ما لم يستوفي شروط الذكاة الشرعية أو مات بنفسه حتف أنفه سقط متردية ونطيحة ونحوها أو قتل بغير الطريقة الشرعية الصعق والكهرباء ونحو ذلك نقول هذا يعتبر ميتة والميتة اسم مسماه الحيوان ظاهراً وباطناً هذه فائدة مهمة الميتة اسم لفظ يعني يصدق على أي شيء يصدق على الحيوان الذي فقد روحه ظاهراً وباطناً يعني الجلد وما علا الجلد والعظم والأمعاء والدم كل ما يصدق عليه أو يكون جزء للحيوان فالميتة صادق عليه حينئذٍ الأصل في الجلد أنه محرم والأصل الشعر والوبر ونحو ذلك الأصل فيه أنه محرم سيأتي الدليل على استثناه والأصل في عظمه ولبنه يعني لبن الميتة وعظمها وقرنها أنها محرمة ونجسة قال الله تعالى (حرمت عليكم الميتة) والميتة قلنا يصدق على الحيوان ظاهراً وباطناً حينئذٍ الجلد جزء من الميتة فهو محرم وقال هناك (إلا أن يكون ميتة أو دم مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس) وعرفنا أن الميتة اسم للحيوان مسماه ظاهراً وباطناً حينئذٍ نقول كل جزء من أجزاء الميتة فهو نجس فالأصل في الجلد أنه نجس الأصل في لبن الميتة لأنه داخل في مسماها أنه نجس والأصل في عظم الميتة أنه نجس وهكذا بهذه القاعدة وهو أن لفظ الميتة يصدق على الحيوان كله ظاهراً وباطناً وجاء التحريم بالدليل بقوله (حرمت عليكم الميتة) وجاء الدليل بالتنجيس (إلا أن يكون ميتة) ثم قال (فإنه رجس) قال هنا (جلد ميتة) (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) عرفنا في أول كتاب الطهارة أنه ما يحصل به الطهارة أربعة أشياء الماء والتراب والدابغ والحجر هذه أربعة أشياء الدابغ هو الذي عناه هنا (بدباغ) والدباغ هو ما يدبغ به من قرض وغيره ينزع به فضول الجلد من لحم ودم ونحوهما مما يعفنه ويمنع النتن والفساد يعني أشبه ما يكون بأداة لتنظيف الجلد وهذا يختلف من زمن إلى زمن قد يكون في السابق يتخذ ورق من الشجر يتخذ الملح مثلاً ونحو ذلك يوضع في الشمس هذا فيما سبق وقد يكون ثَمَّ ما هو موجد في العصر الحديث من الأدوات المطهرة حينئذٍ نسميه دابغ لأن الدبغ يختلف من عصر إلى عصر المراد أن هذا الجلد يزال منه النتن والفساد ولا يعلق به شيء من الدم أو اللحم ونحو ذلك هذا كما ذكرنا يختلف من زمن إلى زمن آخر حينئذٍ الدبغ هو تنظيف الجلد من الأذى والقذر بواسطة مواد تضاف إلى الماء قال المصنف (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) عرفنا الميتة نجسة وجلدها جزء منها إذاً جلد الميتة نجس وهذا محل وفاق محل إجماع أن جلد الميتة قبل الدبغ أنه نجس فإذا دبغ هل يطهر أو لا يطهر محل خلاف والمذهب عند الحنابلة أنه لا يطهر مطلقاً حينئذٍ كل جلد ميتة إذا دبغ وضع عليه مواد من أجل تنظيفه فحكمه أنه نجس وهذا الدبغ الذي حصل والتنظيف الذي حصل قالوا هذا ليكسبه ولا يفيده الطهارة بل يبقى على أصله ما دليل؟ قالوا حديث عبدالله بن عكيم قال: (أتانا


كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو شهرين ألا تنتفعوا من الميتة بإيهاب ولا عصب) رواه الخمسة ولم يذكر التوقيت غير أبي داوود وأحمد وقال الإمام أحمد ما أصلح إسناده وقال حديث ابن عكيم أصحها ورواه عن يحي بن سعيد الأنصاري عن شعبة عن الحكم عن بن أبي ليلى عن عبدالله وفي رواية الطبراني ودار القطني (كنت قد رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاء كتاب هذا إلى آخر الحديث) وهو دال على سبق الرخصة اعتماداً على هذا النص (لا تنتفعوا من الميتة بإيهاب ولا عصب) وقال (قبل وفاته بشهر أو شهرين) وقال (وكنت قد رخصة لكم) فدل على أنه أذن أولاً ثم بعد ذلك منع حينئذٍ يعتبر ناسخاً لحديث ميمونة وحديث ابن عباس إلى آخر ما ورد ولذلك المذهب المعتمد عند الحنابلة أنه لا يطهر جلد ميتة بدباغ بناء على هذا النص والصحيح أن يقال بأنه يطهر جلد ميتة بشرط أن تكون هذه الميتة طاهرة في الحياة يعني في حال الحياة وهذا الحديث حديث ابن عكيم يعتبر حديث معلول مضطرباً ضعيف وإن صح فحينئذٍ قوله (ولا تنتفعوا من الميتة بإيهاب) الإيهاب اسم للجلد قبل الدبغ وهذا محل وفاق ألا تنتفعوا من الميتة بإيهاب كأنه قال الإيهاب الذي هو جلد الميتة قبل الدبغ لا تنتفعوا به فيكون نصاً في تحريم استعمال الجلد قبل دبغه وهذا لا خلاف فيه هذا إن صح الحديث يحمل على أن الإيهاب اسم للجلد قبل الدبغ يدل عليه حديث ابن عباس (أيما إيهاب دبغ) دل على أن الإيهاب اسم للجلد قبل الدبغ وهذا عليه محققو هل اللغة حينئذٍ يكون المعتمد ما رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لقوله صلى الله عليه وسلم (هل أخذتم إيهابها فدبغتموه) رواه مسلم وغيره كذلك حديث ميمونة (إنها ميتة قال يطهره الماء والقرض) وهو ورق شجر تدبغ به الجلود وكذلك حديث (دباغ الأديم طهوره) هذا كله يعتبر متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم منه ما هو في الصحيح ومنه ما هو صح سنده حينئذٍ يكون مقدم على ما جاء في حديث عبدالله بن عكيم إن صح وقلنا هو حديث ضعيف معلول مضطرب حينئذٍ لا إشكال لا يعارض هذه النصوص حينئذٍ يصح أن يقال بأن الصحيح أن جلد الميتة إذا دبغناه حينئذٍ يكون الجلد طاهراً وإذا كان طاهراً جاز استعماله في اليابسات والمائعات على الصحيح (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) قال الشارح روي عن عمر وابنه وعائشة وعمران بن حصين رضي الله تعالى عنهم استناداً إلى النص السابق وثَمَّ رواية عن الإمام أحمد بما ذكرناه وهو أنه يطهر جلد الميتة ما كان طاهراً في حال الحياة ونقل جماعة أنها آخر قولي أحمد بمعنى أنه قال أولاً أنه لا يطهر جلد ميتة بدباغ ثم رجع عن قوله فقال أنه يطهر جلد الميتة بالدباغ بشرط أن تكون الميتة طاهرة في حال الحياة حينئذٍ يكون آخر قولي الإمام أحمد هو القول بكون هذا الجلد قد طهر بالدبغ وهذا لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) (أيما) هذه تعتبر من صيغ العموم لأنها شرطية و (إيهاب) هذه نكرة في سياق الشرط حينئذٍ يعم كل إيهاب كل جلد (فقد طهر) قد هذه للتحقيق الحديث رواه مسلم وهو يتناول المأكول وغيره يعني لا يشترط في جلد الميتة مما تحله الذكاة يعني ما كان حلالاً أكله إذا ذكي على


الطريقة الشرعية وما لم يكن كذلك فحينئذٍ نقول الأصل فيه أنه نجس الصواب أن النص عام (أيما إيهاب دبغ) هذا يشمل مأكول اللحم كالشاة إذا ماتت نأخذ جلدها فندبغه فيطهر وكذلك ما لم يكن مأكول اللحم كالهر مثلاً حينئذٍ إذا أخذنا جلده فدبغ نقول هذا طاهر في حال الحياة وإن لم يكن مأكولاً فهو داخل في هذا النص (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) يتناول المأكول وغيره والطاهر وغيره لكن نستثني النجس ما كان نجس في حال الحياة كالسباع ونحوها لأن النصوص وردة بالنهي الخاص عنها ولذلك جاء في حديث نهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي داوود (نهى عن ركوب النمور ونهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها) وروى الترمذي (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش جلود السباع) هذا يدل على أنها غير مستعمله وإذا لم يكن كذلك عدة هذه النصوص كالمخصصة لهذا النص فيقال (أيما إيهاب دبغ) يحمل على عمومه ويستثنى ما كان نجس في حال الحياة فيختص الحديث بماذا؟ بما كان طاهراً في حال الحياة، وأما حديث (ذكاة الأديم دباغه) وهذا استفاد بعضهم بأن هذا فيه إشارة إلى أن ما كان مأكول اللحم هو الذي ينفع فيه الدبغ وما لم يكن كذلك ولو كان طاهراً في الحياة نقول هذا لا يدل على ما ذكر لأن اللفظ هنا استعمل في مجازه لأن الحديث يحتمل ماذا؟ يحتمل أنه أراد بالذكاة التطييب من قوله رائحة ذكية أي طيبة وهذا يطيب الجميع ويدل على هذا أنه أضاف الذكاة إلى الجلد خاصة والذي يختص به الجلد هو تطيبه وطهارته وأما الذكاة أو الذبح فلا تضاف إلا إلى الحيوان كله إذاً ما جاء في حديث (ذكاة الأديم دباغه) هذا لا يعتبر مخصصاً ويحمل النص (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) على مأكول اللحم بل نقول هذا عام وهذا النص محتمل وإذا كان محتملاً حينئذٍ ضعف الاستدلال إذاً الحاصل أن المذهب لا يطهر جلد ميتة بدباغ مطلقاً سواء كان طاهراً في الحياة أو مأكول اللحم أو نجس والصحيح أنه يطهر جلد الميتة بالدباغ بشرط أن تكون الميتة طاهرة في حال الحياة ولا يشترط أن تكون من مأكول اللحم كما قاله بعض الفقهاء، ثم قال المصنف (ويباح استعماله بعد الدبغ في يابس) يعني إذا دبغ في المذهب ما حكمه نجس أم طاهر؟ نجس كما هو هل يجوز استعماله؟ يعني هل يجوز الانتفاع به وهو نجس؟ أما المائعات فقولاً واحداً في المذهب لا يصح لماذا؟ لأنه ينجس الماء لأن الماء بمجرد الملاقاة تنجس بهذا الجلد وهو نجس لأنه نجس وإذا وضع فيه الماء مباشرة تنجس الماء إذاً لا يجوز استعماله في المائعات أما اليابسات فالقاعدة عندهم أنه ليس بين جافين نجاسة يعني لابد أن يكون بين رطبين أو يابس ورطب أما يابس مع يابس هذا ليس بينهما نجاسة يعني لا تنتقل لو مسك شيء نجس بيده ومسه لا تنتقل النجاسة إلا إذا كانت يده رطبة أو كانت النجاسة نفسها رطبة حينئذٍ إذا تقرر بأن الجلد إذا دبغ لا يخرج بالدبغ عن كونه نجساً حينئذٍ إذا وضع فيه شيء يابس لا تنتقل النجاسة ولذلك قال هنا (ويباح) هذه إباحة وهو المذهب مع القول بنجاسته بعد الدبغ أي استعمال الجلد بعد الدبغ لا قبل ولا حين أما قبله فمحل وفاق وأما حينه فحينئذٍ اليابس مع الرطب انتقلت النجاسة فلا يعتبر بعد الدبغ فيجوز


الانتفاع به حينئذٍ لقوله صلى الله عليه وسلم (ألا أخذوا إيهابها فانتفعوا به) إذاً النبي صلى الله عليه وسلم أم بالانتفاع، كيف ينتفع به؟ قالوا هذا الحديث يحمل على ما إذا دبغ الجلد مع الحكم بنجاسته بأنه ينتفع به بما لا تنتقل النجاسة الشيء الموضوع في ذلك الجلد وهو اليابس وفي لفظ (ألا أخذوا إيهابها فدبغوه فانتفعوا به) فدل هذا النص على أنه يجوز الانتفاع بالإيهاب بعد الدبغ في يابس، (في يابس) له مفهوم وهو متعلق بقول (يباح) وهو أنه لا يجوز استعماله في غير اليابسات كالمائعات ونحوها سواء كان ماء أو شيء كالتمر مثلاًً وهو رطب لا يجوز استعمال هذا الجلد النجس في هذه المائعات (ويباح استعماله بعد الدبغ في يابس) قال الشارح هنا بعد الدبغ بطاهر منشف للخبث قال في الرعاية ولا بد فيه من زوال الرائحة الخبيثة بمعنى أنه يشترط فيما يدبغ به أن يكون منشفاً للرطوبة بمعنى أنها لا تبقى لأن علة النجاسة هي كونه رطب حينئذٍ يشترط فيما ينخل به الحكم من عدم جواز الاستعمال إلى جواز الاستعمال مع كونه نجساً في الحالين على ما ذهب إليه المصنف أن يكون هذا الدابغ منشفاً للرطوبة منقياً للخبث بحيث لو نقع الجلد بعده في الماء لم يفسد وزاد ابن عقيل أن يكون قاطعاً للرائحة والسبوكة ولا يظهر منه رائحة ولا طعم ولا لون خبيث إذ انتفع به بعد دبغه في المائعات، على كل المراد هنا أنه لابد من إزالت النتن والفساد من الجلد بأي وسيلة كانت، قال (من حيوان طاهر في الحياة) يعني هذا متعلق بالمسألة السابقة (يباح استعماله) أي استعمال الجلد إذا كان من ميتة وهذا الحيوان طاهر في الحياة وأما النجس في الحياة كما ذكرنا النصوص وردة على النهي عن استعمال جلود النمور ونحوها فدل على أنه لو دبغت هذه الجلود لم ينتفع بها مطلقاً لأن الجلوس عليها هذا انتفاع به في اليابسات (من حيوان طاهر في الحياة) يعني في حال الحياة حكمنا عليه بكونه طاهراً فلما مات صار ميتة حينئذٍ نقول صار نجساً والطاهر في الحياة على المذهب أربعة: مأكول اللحم هذا محل وفاق، من الهر فأقل وهذا سيأتي بحثه لحديث (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم)، ثالثاً ما لا نفس له سائلة، رابعاً الآدمي لكن الآدمي لا يجوز اتخاذ الآنية من جلده أو من عظمه لأنه محرم لحرمته وهذا محل إجماع، إذاً الطاهر في حال الحياة أربعة على المذهب مأكول اللحم، من الهر فأقل، ما لا نفس له سائلة، الآدمي، ولذلك قال الشارح مأكولاً كان كالشاة أو لا كالهر حينئذٍ إذا مات هر ما حكمه نقول نجس في حال الحياة هو طاهر بالنص (إنها ليست بنجس) حينئذٍ إذا مات هر نحكم عليه بكونه نجس أخذنا جلده فدبغناه على المذهب لا يطهر هل يجوز استعماله؟ نعم في اليابسات، هل تحقق فيه الشرط؟ نعم هو من حيوان طاهر في الحياة وعلى الصحيح أنه يطهر مطلقاً سواء كان من مأمول اللحم أو لا، ولذلك قال هنا أما جلود السباع كالذئب ونحوه مما خلقته أكبر من الهر فهذا منهي عنه لا يصح ولا يؤكل فلا يباح دبغه ولا استعماله قبل الدبغ ولا بعده ولا يصح بيعه وعليه ما قد يكون الآن مثلاً قد تصنع بعض الحقائب من جلود الميتة وقد تصنع بعض الساعات إستيك مثلاً من جلود الحيات أو


يصنع النعل مثلاً من جلود النمور ونحوها فالحكم ينزل على ما ذكرناه إن كان من نجس في حال الحياة فلا يجوز استعماله لا بيعها ولا شراؤها ولا استعمالها وإن كان من طاهر في الحياة حينئذٍ نقول الأصل أنه يجوز فإذا صلى بساعة وقد صنع هذا الإستيك مثلاً من حيوان نجس حينئذٍ فيه خلاف بين أهل العلم هل صلاته صحيحة أم باطلة لأنه استعمل النجاسة مع العلم به كذلك لو حملت امرأة حقيبة وهي مصنوعة من جلد نجس في حال الحياة الحكم واحد كذلك ما يسمى بالجاعد ما يجلس عليه نقول هذا قد يصنع من نجس إن صنع من طاهر في حال الحياة لا شك أنه طاهر فلو صلى عليه صلاته صحيحة على المذهب لا تصح إذاً ضبط هذه المسألة لابد من استيعابها وجميع وجوها لأنها مهمة ولذلك بسط القول فيها، ثم قال (ولبنها وكل أجزائها نجسة) لم نص المصنف على اللبن وكل أجزائها لأن بعض الفقهاء استثنى قال اللبن هذا يجوز ليس بنجس له شربه ولو كان من ميتة وبعضهم استثنى عظم الميتة حينئذٍ نحتاج إلى دليل من الذي يطالب بالدليل؟ هل القائل بأن اللبن طاهر أم نجس هل القائل بأن العظم طاهر أم نجس؟ على الأصل السابق إذا قلنا أن الميتة اسم للحيوان ظاهراً وباطناً وقد حكم الله بالتحريم والتنجيس إذاً من قال بأن اللبن طاهر يحتاج إلى دليل من قال بأنه نجس لا يحتاج إلى دليل من قال أن عظم الميتة نجس لا يحتاج إلى دليل لأنه الأصل ومن قال بأنه طاهر احتاج إلى دليل ولذلك في هذه المسائل التي ذكرها المصنف الصحيح ما ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى بأن اللبن نجس وبأن كل أجزاء الميتة إلا ما استثناه من الشعر ونحوه لورود النص فحينئذٍ يعتبر نجساً لعموم النص وليس ثَمَّ ما يدل على التخصيص ومن قال بأن اللبن طاهر يحتاج إلى أن يبرز دليل واضح بين يعتبر مخصصاً للدليل السابق أو الإطلاق التقيد ومن قال بأن عظم الميتة طاهر وليس بنجس لأنه لا تحله الحياة ونحو ذلك نقول هذا اجتهاد مقابل للنص حينئذٍ يكون فاسد الاعتبار فلا يعول عليه (ولبنها) أي لبن الميتة (وكل أجزائها) كقرنها وظلفها وعصبها وعظمها وحافرها وانفحتها وجلدتها نجسة فلا يصح بيعها ولا شرب اللبن ونحو ذلك ولذلك سئل ابن عباس عن الجبن يصنع فيه أنافح الميتة فقال لا تأكلوه رواه سعيد بن منصور وقال ابن مسعود لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب رواه البيهقي ولأنه مائع في وعاء نجس الأصل الجلد نجس تنجس بمجرد الموت وقد سبق معنا أن الصحيح أن المائعات ومنها الماء بمجرد ملاقاة النجاسة أنه ينجس (وكل أجزائها) ودخل فيه العظم لأن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يستثني العظم وهو نجس لقوله (حرمت عليكم الميتة) والعظم من جملتها فيكون محرماً وتحله الحياة خلافاً لما ادعاه البعض بأنه لا تحله الحياة لقوله تعالى (قل من يحي العظام وهي رميم) وما يحيا فهو يموت ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والألم في العظم أشد منه في اللحم والجلد وكذلك الضرس يتألم به الإنسان ويحس ببرد الماء وحرارته وما تحله الحياة يحلها ويحله الموت فدل على أنه داخل في المسمى السابق (غير شعر ونحوه) نحو (غير شعر) هذا استثناء (ونحوه) يعني ونحو الشعر والشعر يكون للمعز والبقر ونحوه


كالصوف وهو للغنم والوبر للإبل والريش للطيور من طاهر في الحياة فلا ينجس بالموت هذا نحتاج إلى دليل لأن النص السابق عام وهو (حرمت عليكم الميتة) ومن جملتها الشعر وما ذكر معه (إلا أن يكون ميتة) ثم قال (فإنه رجس) دل على الميتة وبأجزائها ومنه الشعر ونحوه أنه نجس فنحتاج إلى دليل يستثني نقول الدليل قوله تعالى (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين) والآية هنا سيقت مساق الامتنان فالظاهر حينئذٍ شمولها في حالتي الحياة والموت فيه عموم والريش مقيس على الثلاثة لأنه نص على الأصواف والأوبار والأشعار ولم يذكر الريش حينئذٍ مقيس على ما ذكر من هذه الثلاثة إذاً (غير شعر ونحوه) نقول هذا طاهر بدلالة النص وعليه تكون ماذا؟ الميتة ثلاثة أقسام: نجس لا يطهر بحال، ونجس يطهر بالدبغ، وطاهر، الميتة صارت ثلاثة أجزاء: نجس لا يطهر بحال مثل ماذا؟ كل الميتة ما عدا الجلد، نجس يطهر بالدبغ وهو الجلد على جهة الخصوص، طاهر وهو الوبر وما عطف عليه، ثم قال رحمه الله تعالى خاتماً للباب (وما أبين من حي فهو كميتته) (ما أبين) يعني والذي فصل قطع (من حي) يعني من حيوان حي ما حكمه قطعت رجل شاة وهي باقية كما هي ما حكم هذا الجزء من الشاة حكمه حكم ميتتها، ميتتها لو ماتت نجسة لو ماتت الشاة فهي نجسة إذاً حكم هذا الجزء نجس كذلك لو قطع من الآدمي شيء فحكمه أنه طاهر كذلك من السمك من الجراد لأن ميتة هذه الثلاثة تعتبر طاهرة فما أبين منه فحكمه حكم ميتة ما أبين منه يعني ما قطع فحكم اليد التي تنفصل عن الآدمي بأن هذه اليد طاهرة وليست نجسة لأن الآدمي إذا مات فهو طاهر على الصحيح سواء كان مسلماً أو كافراً وكذلك الجراد والسمك وأما الجمل ونحوه فإذا أبين شيء منه حينئذٍ نقول الأصل فيه أنه نجس (وأما أبين) أي فصل من حيوان (حي فهو كميتته) طاهرة ونجاسة وحل وحرمة فما قطع من السمك فهو طاهر وما قطع من بهيمة الأنعام مع بقاء حياتها فهو نجس لحديث (ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، قال المصنف غير مسك وفأرته يعني ما لم تكن الإبانة بالطبع الإبانة إذا كانت بالطبع كالمسك وفأرته أو تكن الإبانة ذكاة له كالطريدة حينئذٍ تكون مستثناه هذا يأتي بحثها في كتاب الصيد كما قال المصنف رحمه الله تعالى إذاً ختم الباب بهذه ويعتبر نصاً نبوياً وكذلك هو قاعدة عامة
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأجمعين