الشرح الميسر لزاد المستقنع

عناصر الدرس
باب السواك، وسنن الوضوء وفيه:

* ما يستاك به، وشروطه، ومتى يتأكد السواك.
* بأي يد يمسك السواك عند التسوك؟
* هل تجب التسمية في الوضوء؟
* تعريف الختان، وحكمه للذكر والأنثى.
* تعريف القزع، وحكمه.
* سنن الوضوء، ودليل كل واحدة منها.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
قال المصنف رحمه الله تعالى (باب السواك وسنن الوضوء) هذا بيان ما يتعلق بالسواك من حيث الحقيقة وبما يكون ومن حيث بيان حكمه وكذلك ما يتعلق بسنن الوضوء ولا شك أن السواك متعلق بسنن الوضوء وهو واحد منها حينئذٍ يكون قوله (سنن الوضوء) من عطف العام على الخاص هذا وجه ذكر مناسبة هذا الباب في هذا المحل لأن كما سبق ذكر الاستنجاء وما يتعلق به ثم ما يتعلق بسنن الوضوء ثم سنن الوضوء على قسمين منها ما تكون سابقة للوضوء عند بعض أهل العلم ومنها السواك ومنها غسل الكفين ثلاثاً وجوباً عند استيقاظه من نوم لليل أو على جهة الاستحباب إذا لم يكن كذلك وسنن الوضوء منها ما هو داخل في جنس الوضوء ولذلك ناسب أن يذكر هذا الباب قبل بيان فرائض الوضوء كذلك صفته (باب السواك) سواك فِعال بكسر السين يجمع على سُوك فُعُل ويخفف بإسكان الواو وربما يهمز فيقال سُؤْكٌ ولكن المشهور هو السواك على وزن فِعال ولذلك قال أهل اللغة السواك بكسر السين وقد يطلق على الفعل وعلى العود الفعل الذي هو الدلك استعمال العود في الأسنان أو في اللثة أو في اللسان هذا يسمى ماذا؟ يسمى فعلاً حينئذٍ يطلق السواك الذي يطلق السواك على الفعل ويطلق السواك على ما يستاك به على الآلة نفسها يقال هذا سواك وهذا سواك إذاً السواك اسم للعود الذي يتسوك به وكذلك يطلق على الفعل نفسه وهو الدلك وهو مذكر قال الليث وتؤنثه العرب قال الأزهري هذه من أغاليط الليث القبيحة يعني لا تؤنثه العرب، ومختلف فيه أن يقال هذا سواك وهذه سواك أم أنه مذكر مطلق على خلاف بين أهل اللغة والخلاف سهل في مثل هذه المواضع والسواك فعلك بالمسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكاً فإن قلت استاك من تسوك لم تذكر الفم استاك تسوك لا يقال وإنما يقال ساك فمه يقال ماذا؟ ساك فمه يسوك وأما استاك بمعنى أنه استعمل السواك الذي هو العود في دلك فمه ثم قيل السواك مأخوذ من ساك إذا دلك وقيل من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالاً، قال هنا (باب السواك وسنن الوضوء) إذاً السواك عرفنا أنه يطلق على الآلة وعلى الفعل وهو يذكر النوعين سيذكر الآلة وسيذكر الفعل كذلك (وسنن الوضوء) جمع سنة وهي لغة: الطريقة، وإذا أطلق في مقابلة الواجب فالمراد بها المستحب، وهو المراد هنا لأن سيذكر في الباب الآتي فرائض الوضوء وهنا ذكر سنن الوضوء حينئذٍ أراد بالسنة ماذا؟ أراد بها ما يقابل الواجب وهو ما طلب الشارع فعله طلباً غير جازم فاختص بذلك، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله فرض صيام رمضان وسننت قيامه) صح الحديث حينئذٍ قابل هنا الفرض بالسنة، (الوُضوء) بضم الواو الوُضوء اسم للفعل الذي هو المصدر وأما بالفتح فهو اسم للماء الذي يتطهر به يقال الوَضوء ويقال الوُضوء؛ الوُضوء الفعل نفسه أخذك الماء ثم سيلانه على الأعضاء وأما الفتح فهو الوَضوء فهو الماء الذي تستعمله في الوضوء وأصله مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة إذاً (باب السواك وسنن الوضوء) عرفنا السواك هو من سنن الوضوء حينئذٍ نقول أراد المصنف هنا


التنصيص على السواك لأنه هو الذي يعتبر مقدماً لما سيأتي وأما سنن الوضوء فهذه سيأتي ذكرها في ذكر الوضوء نفسه ويذكر في هذا الموضع ما يتعلق بسنن الفطرة ولذلك بعضهم يعنون بهذا الباب (باب السواك وسنن الفطرة) حينئذٍ يشمل الادهان والاكتحال والاختتان والاستحداد وما يتعلق باللحية وتحريم حلقها والقزع وكل ما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى وهو داخل في جنس ما يذكر وهذا طريقة الفقهاء رحمهم الله تعالى أنهم يلتمسون بعض المسائل لأنها تتعلق بها أحكام شرعية حينئذٍ أين يذكرون هذه المسائل في أقرب ما يمكن أن يلحق به يعني لا يلزم أن يكون ثَمَّ مناسبة ظاهرة بين الباب وبين ما يذكر حينئذٍ الاستحداد هذا واضح أنه من سنن الوضوء فإذا قال (باب السواك وسنن الوضوء) ما الذي أدخله؟ نقول من باب ذكر الشيء بذكر ما يتعلق به ولو من وجه بعيد ومرادهم ذكر الأحكام الشرعية بأن يكون هذا الكتاب جامع لكل ما يحتاجه المسلم حينئذٍ لابد من ذكرها قال المصنف رحمه الله تعالى (التسوك بعود لين مُنَقٍ أو مُنْقٍ - يجوز فيه الوجهان التخفيف والتثقيل - غير مضر لا يتفتت لا بإصبع أو بأصبعه - كما في بعض النسخ - وخرقة مسنون كل وقت لغير صائم بعد الزوال) التسوك مسنون أراد أن يبين الحكم الشرعي للسواك وقال (التسواك) بما ذكر لبيان الآلة التي يستاك بها قال (مسنون) إذاً حكم السواك أنه مسنون كما سيأتي (التسواك بعود لين) التسواك الذي أراد به المصنف هنا الفعل التسواك هو الفعل عرفه هنا في الشرح [هو دلك الفم بالعود لإزالت نحو تغير]؛ [دلك الفم] قال [الفم] والفم لا شك أنه أعم من أن يقال دلك الأسنان لأن السواك لا يختص بالأسنان وإنما قد يكون محله ثلاث محله الأسنان واللثة واللسان ولذلك فاقد الأسنان لا يقال بأنه ساقط عنه الحكم بأنه لا يسن له السواك لا يسن له السواك ويبقى له محلان وهما اللسان واللثة [دلك الفم] إذاً يشمل الأسنان واللسان واللثة [بالعود] خص العود لأن المذهب يرون أنه خاص بالعود فلا يجزئ غيره لا تتحقق السنة إلا بالعود [لإزالت نحو تغير] بمعنى أنه مشروع لإزالت الأذى هذا هو الأصل ولا يمنع أنه مشروع للتعبد بمعنى أن الفم قد يكون طاهراً مطهراً بمعنى أنه ليس فيه تغير حينئذٍ يشرع له السواك وقد يكون متغيراً فحينئذٍ يتأكد السواك ولذلك سيأتي (متأكداً عند صلاة وانتباه ونغير فم) متى ما تغير الفم حينئذٍ تأكد السواك إذا لم يكن ثَمَّ تغير حينئذٍ نقول السواك مشروع مطلقاً في أي وقت من الأوقات ولأي سبب من الأسباب فلا يختص بإزالة نحو تغير بل الحكم يعتبر عاماً إذاً التسوك عرفنا حده [دلك الفم بالعود لإزالت نحو تغير] (التسواك) هذا مبتدأ قوله (مسنون) خبره (بعود) هذا متعلق به (التسوك بعود) جار ومجرور متعلق بقوله (التسوك) هل أراد به الاحتراز القيد هنا؟ قل نعم؛ بمعنى أن التسوك لا يكون إلا بعود فإن لم يكن بعود لا يحصل السواك ولذلك نص على هذا المفهوم بقوله (لا بإصبع وخرقة) وليس المراد به عين الإصبع أو الخرقة وإنما المراد كل ما يمكن أن يستاك به غير العود حينئذٍ اختص الحكم هنا بالعود ما عدا العود لا يستاك به ألبته وهذا هو المذهب عند الحنابلة إذاً (التسوك


بعود) نقول (بعود) هذا متعلق بقوله (التسوك) ودخل فيه كل أنواع الأعواد بمعنى أنه لا يختص بعود دون عود فهو جنس وظاهره التساوي بين جميع ما يستاك به وهو المذهب وعليه الأصحاب، والمذهب أن كل عود يمكن بالشروط التي سيذكرها (لين منق غير مضر لا يتفتت) بهذه القيود يصح الاستياك به وتحصل به السنة حينئذٍ لا يشترط أن يكون من أراك أو زيتون أو عرجون ونحو ذلك وإنما الأولى أن يكون من واحد من هذا الأمور الثلاثة لأن قوله (بعود) جنس دخل فيه كل أنواع العيدان سواء كانت من جريد النخل أو من عرجينها أو من غيرها وخرج بقوله (بعود) التسوك بالأصابع أو الخرقة سينص عليه المصنف فليس بسنة على المذهب وهو الذي عليه الأصحاب وصف هذا العود بقوله (لين) إذاً هذا العود يشمل اللين ويشمل اليابس حينئذٍ اليابس لا يسن الاستياك به ولو كان عوداً (بعود لين) إذاً لين خرج به القاسي أو اليابس فإنه لا يستاك به لعدم الفائدة التي تكون في اللين وقد يضر اللثة ولذلك احتاج الاحتراز عنه إذاً (لين) سواء كان رطباً أخضر بنفسه أو يابساً مندى بمعنى أنه إذا كان يابساً قاسياً حينئذٍ لك وجهان إن أردت استعماله هكذا دون تليينه بأن تبلله بالماء مثلاً أو الريق حينئذٍ لا يشرع لك التسوك به بل يكره على المذهب لماذا؟ لأن السنة إنما تحصل بالعود اللين وأما العود اليابس القاسي فهذا لا تحصل به السنة لأنه مضر ولا يؤدي فائدة العود اللين أو النوع الثاني يكون يابساً ولكنه يندى بمعنى أنه يبلل بالماء ونحوه حينئذٍ يكون داخلاً في مفهوم اللين إذاً لين بنفسه أو بما أضيف إليه لين (بعود لين) بنفسه بذاته يكون أخضر حينئذٍ هذا واضح بين أو يكون لين لكن بتليينه بالماء أو الريق أو نحو ذلك قال في الشرح [من أراك أو زيتون أو عرجون أو غيرها] اقتصر بعض الأصحاب على هذا الثلاثة الأراك أو الزيتون أو العرجون وما عداها فهو منفي لن يستاك به والصحيح أنه للعموم وإن كان الأولى وهو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استاك بعود أراك فيبقى هو سنة من حيث تخصيصه وغيره لا ينافي السنية من حيث تشريع السواك فيبقى حينئذٍ الحكم عاماً في الأراك أو الزيتون أو العرجون أو غيرها لكن يبقى التنصيص على أن الأراك هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم بل أمر به كما جاء في وفد عبد قيس [فأمر لنا بأراك] هكذا قال [فأمر لنا] يعني النبي صلى الله عليه وسلم [بأراك فقال استاك بهذا] ولأبي يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال [كنت اجتنيه - اقطفه - لرسول الله صلى الله عليه وسلم] ولأحمد عنه موقوفاً إذاً (بعود) يدخل فيه كل عود سواء كان من أراك أو من غيره وهذا هو الصحيح (لين) احترز به عن اليابس غير المبلل حينئذٍ لا يشرع التسوك به لأنه مضر (بعود لين مُنْق) بالتخفيف اسم فاعل من أنقى ينقي فهو مُنْق ويصح أن يقال (مَنَق) اسم فاعل من نقى ينقي فهو مَنَق يجوز فيه الوجهان والمراد به المنظف بمعنى أنه يزيل الأذى الذي في الفم لأن الغرض من هذا التسوك هو تنظيف وتطهير الفم هذا هو الأصل حينئذٍ فما لا يحصل به التطهير حينئذٍ لا يكون مشروعاً وإنما يكون مشروعاً إذا حصل الغرض (السواك مطهرة للفم) مَطْهرة مِطْهرة بمعنى


أنه آلة للتطهير فإذا كان كذلك صار الحكم معللاً لأن مطهرة مشتق من الطهارة وهي النظافة حينئذٍ ما لم يؤدي النظافة والطهارة والنزاهة حينئذٍ لا يشرع التسوك به (منق) إذاً منق لماذا؟ منق للفم على العموم الذي ذكرناه سابقاً حينئذٍ يكون منظفاً خرج به الذي لا ينق مثل العود الذي لا شعر له أو يكون رطباً رطوبة شديدة يتفتت في الفم حينئذٍ نقول هذا لا ينقي منذ أن تستاك به فإذا به يتفتت في الفم نقول هذا ليس منق ولو كان عوداً رطباً لابد أن يكون منق (غير مضر) هذا احترازاً من المضر والصحيح من المذهب كراهة التسوك بذلك وقيل يحرم حينئذٍ لو كان مضراً بمعنى أنه يحصل به الضرر للفم حينئذٍ يكره على المذهب وقيل وهو قول في المذهب أنه يحرم لأن ما يترتب عليه الضرر الأصل فيه التحريم (غير مضر) أي غير جالب للضرر قال في الشرح [احترازاً من الرمان والآس وكل ما له رائحة طيبة] يعني تنقلب إلى رائحة خبيثة قيل الذي يكون له رائحة طيبة في نفسه زكية لو استاك به انقلبت هذه الرائحة إلى رائحة خبيثة هذا بالتجربة معروف حينئذٍ قالوا يكره التسوك به (لا يتفتت) بمعنى أنه لا يتكسر ولا يتساقط فإنه حينئذٍ يؤذي الذي أراد أن يستاك (لا يتفتت) كذلك لا يجرح وهذا داخل في قوله (غير مضر) ويكره بعود يجرح أو يضر أو يتفتت كل ما احترز به المصنف هنا منه هذا الأنواع مقابله يكره على المذهب التسوك به حينئذٍ غير العود لا تحصل به السنية غير اللين بنفسه أو بتليينه وهو القاسي أو الجاف هذا يكره التسوك به لأنه يكون مضراً غير المنظف المنقي هذا يكره التسوك به لماذا؟ لأنه لم يأتي بالسنة (غير مضر) المضر يكره التسوك به وقيل يحرم (لا يتفتت) إذاً ما تفتت حينئذٍ يكون مؤذياً فيكره التسوك به (لا بإصبع وخرقة) هذا تنصيص للمفهوم الذي ذكره بقوله (بعود) ولو لم يذكره لأخذناه بقوله (التسوك بعود) لأن الفقهاء في مثل هذا المواضع إذا نصوا على أمر حينئذٍ مفهومه يكون مراداً يكون مقصوداً ولذلك يعترض على المصنف إذا دل على المفهوم على حكم لا يريده يعترض عليه كان الأولى أن يحترز عن هذا المفهوم إذاً قوله (بعود) كل من استاك بغير عود ولو حصل تطهير الفم أو تطيبه بغير العود لا يكون من السنية بشيء ولذلك قال (لا بإصبع) يعني لا يصيب السنة من استاك بإصبع يعني لو مر أصبعه على أسنانه ولو زال شيء من الأثر قالوا لا يصيب السنة كذلك لو استاك بخرقة أو منديل أو ما يسمى الآن بالفرشاة ونحوها ولو كان معها شيء من المعجون ونحوه هذا لا يكون من السنة في شيء على المذهب حينئذٍ يكون استعمال الناس لهذا الفرشاة لا يكون مصيباً للسنة ولو كان تأثيرها في التنظيف أكثر من العود ولا شك أن تأثير هذه الفرشاة من حيث التنظيف وتطهير الفم أنه أشد من عمل العود وهذا لا يلزم منه ترك العود وإنما المراد به التنبيه على أنه قد يصيب السنة يعني من حيث الأثر والترتب بالفرشات ما لم يصيبه بالعود إذاً بالإصبع والخرقة والمنديل ونحوها لا يصيب السنة من استاك بها لماذا؟ قالوا لأن الإصبع لا تسمى سواكاً الإصبع والخرقة ونحوها لا تسمى سواكاً وإنما تقول نظفت فاك بإصبعك كذلك بالخرقة أو بالفرشات فلا يسمى سواكاً ولا أي في


معناه هذا تعليل المذهب ولم يرد به شرع يعني لم يرد الشرع إلا بالعود فقط ولا يحصل به الإنقاء الحاصل بالعود يعني الإصبع والخرقة ونحوها وكل هذه تعليلات في بعضها أو في كثير شيء من النظر والصحيح أن نقول يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها حينئذٍ من استاك بغير العود نقول إن حصل وترتب عليه تطهير الفم الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم (مِطهرة مَطهرة للفم) حينئذٍ نقول حصل من السنة بقدر ما حصل من التطهير لأن الحكم معلل (السواك مطهرة) بمعنى أنه طهرة للفم فإذا كان معللاً حينئذٍ كل ما أدى إلى تحصيل هذه العلة فهو مجزئ وقصورها على السواك الذي هو العود هذا قصور على اللفظ كما قصر بعضهم الاستجمار على الأحجار ولم يعمم فالحكم الذي ذكر في باب الحجار هناك أن غيرها مساوي لها هو الذي يذكر في هذا الموضع ولذلك قال النووي رحمه الله تعالى [وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل الاستياك] ولذلك روى البيهقي والحافظ في المختار قال [لا بأس بإسناده عن أنس مرفوعاً (يجزئ من السواك الأصابع)] إن صح الحديث حينئذٍ يكون فاصلاً في المحل وإن لم يصح حينئذٍ نقول العلة عامة لقوله عليه الصلاة والسلام (السواك مطهرة للفم) وفي المغني بلفظ (أصبعيك السواك عند وضوؤك أمرهما على أسنانك) وعن علي في صفة الوضوء فأدخل أصبع في فيه رواه أحمد وروي عنه أيضاً التشويص بالمسبح والإبهام سواك وفي الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت (يدخل أصبعيه في فيه) أيضاً وردت بعض الأحاديث منهم من حسنها ومنهم من ضعفها وعلى كل إن ثبتت حينئذٍ تكون هي المعول وإن لم تثبت نقول الثابتة بالحديث السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، (مسنون) هذا خبر المبتدأ يعني التسواك (مسنون) التسوك بما ذكر مسنون بمعنى أنه سنة (مسنون كل وقت) خبر قوله (التسوك) أي يسن كل وقت ليلاً كان أو نهاراً لحديث (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) والحديث دل على مشروعية السواك لأنه سبب لتطهير الفم وموجب لرضاء الله تعالى عن فاعله وقد أطلق فيه السواك قال (السواك) ما قال السواك في الليل أو السواك في النهار أو السواك في الصباح أطلقه حينئذٍ يكون مطلق فيعم يعم ماذا؟ يعم جميع الأوقات حينئذٍ من استثنى وقت من الأوقات نقول ائتي لأنه يكون يعتبر تقييداً لهذا النص فإن لم يأتي بدليل بقينا على ظاهر النص ولم يخص بوقت معين ولا بحالة مخصوصة فأشعر بمطلق شرعيته وهو من السنن المؤكدة وليس بواجب في حال من الأحوال لحديث (لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، (مسنون) إذاً (مسنون كل وقت) قال المصنف (لغير صائم بعد الزوال) هذا تخصيص من اللفظ العام السابق (مسنون كل وقت لغير صائم) أو لصائم قبل الزوال فالأحوال ثلاثة إما أن يكون صائماً وإما أن لا يكون صائماً من لم يكن صائماً مسنون كل وقت إن كان صائماً ففيه تفصيل له حالان إما أن يكون قبل الزوال أو بعد الزوال إن كان قبل الزوال فهو مسنون له على تفصيل آتي وإن كان بعد الزوال فهو مستثنى لذلك قال (لغير صائم بعد الزوال فلا يسن له بل يكره) فيكره السواك على المذهب للصائم بعد


الزوال بعد زوال الشمس حينئذٍ ما حكمه انتقل من كونه مسنوناً إلى كونه مكروهاً لكن باعتبار شخص معين وهو الصائم وبتقييد لوقت وهو كونه بعد الزوال الحديث السابق كما علمنا أنه مطلق (السواك) عام للصائم ولغيره وللصائم قبل الزوال وبعد الزوال حينئذٍ نحتاج إلى دليل واضح بين يستثني هذه الحالة فيقال الصائم بعد الزوال لا يسن له بل يكره السواك (لغير صائم بعد الزوال) فيكره سواء كان الصوم فرضاً أو كان نفلاً لحديث (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي)؛ (إذا صمتم) أطلق هنا الصوم فرضاً كان أو نفلاً (فاستاكوا بالغداة) أو النهار قبل الزوال (ولا تستاكوا بالعشي) والعشي بعد الزوال هذا الحديث أخرجه البيهقي عن علي رضي الله تعالى عنه لكنه حديث ضعيف ولما كان حديثاً ضعيفاً قال (ولا تستاكوا) هذا نهي والأصل في النهي أنه محمول على التحريم وإذا تردد الفقهاء في صحت الحديث حينئذٍ لا يذهبون بكون الحكم المنوط بالنهي أنه للتحريم بل للتردد في ثبوت الحديث يقولون بالكراهة حينئذٍ يتوسطون فكأنهم يجعلون التردد في ثبوت الحديث أو أنه ضعيف يجعلونه قرينة صارفة من التحريم إلى الكراهة إذاً هذا دليلهم وهذه حجتهم هذا الحديث قال الحافظ إسناده ضعيف وضعفه كذلك الشيخ الألباني في الإرواء وأما أحاديث كما في قول عامر بن ربيعة (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يتسوك وهو صائم) هذا حسنه الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى قالوا هذا مقيد بما قبل الزوال حينئذٍ يجمعون بين الأحاديث الواردة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استاك وهو صائم يقيد بالحديث الذي ذكر فيحملون الأحاديث كقول عامر بن ربيعة (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يتسوك وهو صائم) يعني قبل الزوال وأما بعد الزوال حينئذٍ المرجع لحديث علي وكذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم (من خير خصال الصائم السواك) الحديث فيه نظر لكن جعلوه حجة في هذا المقام قال هذا كذلك محمول على ما قبل الزوال إذاً على المذهب أن التسوك للصائم مكروه حجتهم (ولا تستاكوا بالعشي) حينئذٍ نقول هذا المخصص إذا لم يكن ثابتاً من حيث الدليل ومن حيث القبول له حينئذٍ يبقى المطلق على إطلاقه فنقول مسنون كل وقت ولو لصائم بعد الزوال لماذا؟ لأن النصوص مطلقة أولاً حديث عائشة السابق (السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب) (السواك) أطلقه بمعنى أنه السواك للصائم ولغير الصائم للصائم قبل الزوال وبعد الزوال تخصيصه يحتاج إلى دليل كذلك قول عامر بن ربيعة وهو حسن علقه البخاري (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يتسوك وهو صائم) محمول على إطلاقه يعني قبل الزوال وبعد الزوال حينئذٍ نقول نبقي هذه الأحاديث على إطلاقها وما ورد من مخصص ننظر فيه أو من مقيد فننظر فيه فإن كان ثابت في نفسه صحيحاً مقبول جمعنا ببينهما وكان المذهب هو الصحيح لكن فإذا بالحديث أنه ضعيف حينئذٍ نرجع إلى الأصل ولذلك نقول الصواب أنه مسنون كل وقت مطلقاً ولا يستثنى منه حال من الأحوال وأما احتج به بعضهم وهذا مذكور في بعض الشروحات أنه يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح


المسك) نقول هذا الخلوف ليس مخرجه أو مصدره هو الفم من أجل أن السواك يزيله وإنما هو خارج من المعدة حينئذٍ لا تأثير للسواك وإن كان مخففاً له لكن لا علاقة الخلوف بالسواك بل هذا مشروع وهذا تعليل لشيء آخر فبينهما انفصال من حيث الحكم من حيث المسألة من أصلها إذاً (مسنون كل وقت) دون أن ننظر إلى تفصيل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أما قبل الزوال قالوا يستحب له بيابس ويباح برطب يستحب ويباح وكل منهما حكم شرعي حينئذٍ نقول يستحب له بيابس لعموم الأدلة وأما يباح له برطب يعني أخضر يباح ولا يستحب لماذا؟ لأنه مظنة لأن يتفتت فيصل إلى حلقه شيء من ذلك الفتات نقول نبقى على الأصل وهو النصوص مطلقة والتقييد يحتاج إلى دليل واضح بين إذاً بين أنه (مسنون كل وقت) قال (متأكد) هذا خبر ثاني (مسنون) هذا خبر أول (متأكد) هذا خبر ثاني بمعنى أن السنة على نوعين سنة يقال فيها سنة وسنة يقال فيها سنة مؤكدة بمعنى أن الشرع طالب بتحصيلها أكثر من النوع الأول ولذلك عند بعض المذاهب كالحنفية ونحوهم السنة المؤكدة يأثم بتركها هي قريبة من الواجب ولذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الصلاة الجماعة سنة مؤكدة يأثم بتركها (متأكد) خبر ثاني للتسوك بمعنى أن طلبه مؤكد زيادة على سائر الأوقات ولذلك قال المحشي [ولذلك كانت السنة المؤكدة قريبة من الواجب في لحوق الإثم بل نص بعضهم إلى أنه يأثم] إذا ترك السنة المؤكدة لكن الصواب أنه لا يأثم لأن الواجب واجب كاسمه وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه والمسنون بأنواعه سواء سمي سنة أو مستحب أو نفلاً أو رغيبة أو فضيلة أو سنة مؤكدة كل هذه بأنواعها نقول ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه [فضيلة والندب والذي استحب ... ترادفت] وكذلك الحكم من حيث ما يترتب عليه (متأكد عند صلاة) وأطلق المصنف هنا الصلاة فحينئذٍ يعم الصلاة المكتوبة الفرائض الخمس وصلاة النفل وكذلك صلاة الجنازة لأنه أطلق وهذا الإطلاق مبني على حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) كل من صيغ العموم فيعم كل ما يسمى صلاة في الشرع حينئذٍ الصلاة الفرائض المكتوبات واضح دخولها وكذلك صلاة الجنازة واضح دخولها لأنها تسمى صلاة في الشرع وأما السجود الشكر وسجود التلاوة وكذلك الطواف هل هو داخل في هذا النص النبوي الحديث؟ مبنية على الخلاف هل تسمى سجدة الشكر صلاة أو لا؟ فمن سماها صلاة حينئذٍ استحب له أن يستاك ومن لم يسمها صلاة وهو الصحيح حينئذٍ لا يستحب له السواك يعني لا يستحب التنصيص في هذا الموضع واستدلالاً بهذا الحديث إذاً (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ولذلك استدل بهذا الحديث على أن السواك ليس بواجب (عند) هذا ظرف زمان ومكان يعني يأتي بهذا ويأتي بذاك ويفيد كما سبق يفيد القرب (عند كل صلاة) بمعنى أنه إذا قرب وقت الصلاة يعني فعل الصلاة حينئذٍ سن له في ذلك الموضع فلا تتحقق السنية إلا إذا كان قريباً من تكبيرة الإحرام وأما إذا كان ثَمَّ فاصل طويل بينهما حينئذٍ لا تأتي السنية كما ذكرنا فيما سبق فإذا دخل الخلاء قال وإذا خرج عند خروجه قال فلابد أن يكون ثَمَّ فاصل بينهما لكنه لا


يخالف لفظ عند لأن عند هذه في لسان العرب تدل على قرب المكان أو قرب الزمان (عند) للقرب وكلما قرب كان أفضل (عند صلاة) مطلقاً فرضاً كانت أو نفلاً (وانتباه) وأما ما يرد من الأحاديث (لأن أصلي ركعتين بسواك أحب إلى من أصلي سبعين ركعة) لا يثبت هذا النص وإنما يكتفا بالسابق (لولا أن أشق على أمتي ... )


(وانتباه) يعني متأكد عند انتباه كذلك العندية هنا على بابها لأن انتباه هذا بالخفض معطوف على الصلاة عند (انتباه) يعني استيقاظ من نوم ليل أو نوم نهار لحديث حذيفة في الصحيحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) (يشوص) يقال شاصه وماصه إذا غسله يعني كان يتمضمض ويغسل فمه بالسواك (يشوص فاه) يعني يغسله بالسواك رواه الجماعة إلا الترمذي والشوص هو الدلك ولأحمد وأبي داود عن عائشة رضي الله عنها (لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ) وله شواهد ولأنه إذا نام ينطبق فمه حينئذٍ تتغير رائحته فيشرع السواك للعلة السابقة إذاً (عند انتباه) المراد به الاستيقاظ من نوم ليل أو نوم نهار مطلقاً للحديث الذي سبق (وتغير فم) هذا النوع الثلاث الذي يتأكد عنده السواك وعند (تغير فم) أي رائحة الفم على حذف المضاف لأن السواك مشروع للتطييب الفم وإزالت رائحته وهذه الثلاث متفق عليها قال النووي رحمه الله تعالى [السواك مستحب في جميع الأوقات لكنه في خمسة أوقات أشد استحباباً] وذكر ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وزاد عند الوضوء وقراءة القرآن؛ عند الوضوء لحديث (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) وفي بعضها (عند كل وضوء) وكذلك قراءة القرآن لأنه ورد أحاديث أن الملك يضع فاه على فم القارئ حينئذٍ يحتاج إلى تطييب لأنه مجرى للتلاوة والذكر حينئذٍ شرف العبادة يقتضي شرف الطريق المكان والمجرى ولذلك استحب في هذا الموضع إذاً هذه المواضع الثلاثة أو الخمس يتأكد بمعنى أن الشارع ازداد طلبه في هذا الموضع أشد من غيره والسنة حينئذٍ تتفاوت السنة ورد الشرع بطلبها وحث في إيجادها وترتب الثواب عليها، ثم بين رحمه الله تعالى بعد أن بين المواضع التي يستاك عندها قال (ويستاك عرضاً مبتدأ بجانب فمه الأيمن) الصواب أن يقال كيف ما حصل الاستياك والمقصود منه حصلت السنة كيف ما حصل الاستياك حصلت السنة كما هو الشأن في مسح الرأس لكن مسح الرأس وردت فيه صفة منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقال يستحب كذا وكيف ما حصل مسح الرأس أجزء وأما هنا لم ينقل فيه وردت بعض الأحاديث لكن فيها شيء من الضعف إذاً كيف ما حصل الاستياك والمقصود منه حصلت السنة (يستاك عرضاً) استحباباً بالنسبة إلى الأسنان هذا هو المذهب ويكون محل الاستياك (يستاك عرضاً) على أي شيء محل الاستياك يكون على أسنانه يعني يضع طرف السواك على أسنانه (ولثته) وعلى لثته بكسر اللام وفتح المثلث المخففة وهي ما حول الأسنان من اللحم (ولسانه) قال أبو موسى (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يستاك على لسانه) متفق عليه (أع أع) كما جاء في النص حينئذٍ دل على أن هذه المواضع الثلاث هي التي تكون محلاً للاستياك ولكن إذا استاك على الأسنان حينئذٍ يستاك عرضاً يعني بالنسبة إلى الفم، الفم له طول وله عرض والأسنان لها طول ولها عرض، عرض الأسنان هكذا ... أن يأتي بالسواك هكذا ... ،


لكنه باعتبار الفم طولاً هذا طول يعتبر للفم وهذا عرض وأما الأسنان فهذا يعتبر عرضاً وهذا يعتبر طولاً، حينئذٍ يستحب له أن يستاك عرضاً بالنسبة للأسنان طولاً بالنسبة للفم وليس عندهم إلا علة ورد بعضهم أن إبليس يستاك طولاً ذكره بعض الفقهاء حينئذٍ نخالف إبليس فكما أنه يستاك طولاً نستاك عرضاً لكن هذا لا يثبت من الذي أخبر أن إبليس يستاك طولاً على كل قالوا إذا استاك طولاً بالنسبة للأسنان قد يضر اللثة إذا فعل بالسواك هكذا قد يصيب لثته حينئذٍ يقع أو شيء من النزيف يكون مضراً له وإنما يستاك عرضاً ليتحرز عن ذلك (ويستاك عرضاً) إلا اللسان فيستاك طولاً هذا واضح بين (مبتدأ بجانب فمه الأيمن) يعني ثَمَّ طرفان جانب أيمن وجانب أيسر، هل يبدأ هكذا من اليسرى أو يبدأ من اليمين؟ لا شك أنه إذا تعارض أمران أو كان عندنا شيئان أحدهما يمين ويقابله اليسار حينئذٍ صارت السنة أن يبدأ باليمين (كان يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره - ولا شك أن السواك من الطهور - وفي شأنه كله) إذاً (يستاك عرضاً مبتدأ بجانب فمه الأيمن) قلنا ليس ثَمَّ دليل واضح بين ورد حديث (ويستاك عرضاً) لكنه ضعيف و (إذا استكتم فاستاكوا عرضاً) رواه الطبراني والضياء بلفظ (أنه كان يستاك عرضاً) كلها أحاديث ضعيفة لم تثبت وإنما عندهم التعليل الذي ذكرناه سابقاً لكن يمسك السواك هنا، هل يمسكه بيده اليسرى أم بيده اليمنى؟ المذهب بيده اليسرى مطلقاً لأن الغرض من الاستياك إما أن يكون لطهارة الفم إزالت الأذى وإما أن يكون من باب التعبد على الحالين على المذهب بيده اليسرى وهو الذي اعتمد في المذهب وقال بن تيمية رحمه الله تعالى [ما علمت إماماً خالف بالاستياك باليسرى كأنه نقل إجماع بأنه لا يستحب الاستياك إلا باليسرى] قال في المبدع وهو تلميذ بن مفلح [وفيه نظر] يعني أطلق بن تيمية رحمه الله تعالى هنا بأنه ما علم شخصاً من الأئمة يقول بأنه يستاك باليمنى هذا فيه نظر؛ بل نقل عن جمع من أهل العلم بأنه يستاك باليمين مطلقاً والمذهب أنه يستاك باليسار مطلقاً وعند الحنفية التفصيل وهو أنه إذا استاك لإزالت الأذى فيكون باليسرى وإن استاك من أجل التعبد إحياء السنة وليس لإزالت الأذى فيكون باليمين وهذا أقرب إلى السنة لأنه لم يرد نص إذا لم يرد نص حينئذٍ نرجع إلى الأصول وسبق معنا أن القاعدة الكبرى العظمى المطردة أنه إذا كان ثَمَّ يمين ويسار حينئذٍ اليمين تكون للإكرام واليسار تكون للأذى فإذا كان التسوك لمجرد التعبد والتسنن والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس ثَمَّ أذى حينئذٍ يمسكه بيده اليمنى وإذا لإزالت الأذى حينئذٍ يمسكه بيده اليسرى، ثم ذكر بعض المسائل المتعلقة بالآداب العامة فقال (ويدهن غباً ويكتحل وتراً) (يدهن) الادهان مأخوذ من الدَهن بالفتح فهو مصدر والدُهن بالضم الاسم من دهن الشيء إذا بله؛ بله بزيت ونحوه يختلف باختلاف الأزمنة واختلاف الأماكن ومحل الدَهن أو الدُهن إنما يكون في البدن وفي الشعر يعني يدهن شعره سواء كان شعر رأسه أو شعر لحيته لأن الحكم عام أو في بدنه إن كان يحتاج إلى ذلك قال (استحباباً) بمعنى أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ثابت من جهة


العلية يعني حكم ثبت بالعلة حينئذٍ يثبت له الحكم يعني تعليل الشرع يستلزم الحكم الشرعي (غباً) يقال غب الإبل بمعنى أن يرد الماء يوماً ويدعه يوماً آخر حينئذٍ تدهن غباً بمعنى أنك تفعله يوماً وتتركه اليوم الآخر (ويدهن غباً) يوماً يدهن ويوم لا يدهن يعني يتركه وهذا هو المذهب وظاهره أن اللحية كالرأس لأنه أطلق المصنف هنا قال (ويدهن) يدهن ماذا؟ بدنه عام ورأسه وشعره وهذا عام يشمل شعر الرأس وشعر اللحية لأنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن الترجل إلا غباً) والترجل هو تسريح الشرع ودهنه (نهى عن الترجل) وهو كان يترجل عليه الصلاة والسلام لكنه نهى عن ماذا؟ عن صفة لا عن أصله (نهى عن الترجل إلا غباً) (إلا غباً) فجوزه فدل ذلك على أن الحكم هنا من حيث النهي متعلق بصفة واحدة وهو كونه يترجل كل يوم هذا منهي عنه هو الذي ورد النهي عنه يعني المواظبة على ذلك لأنه مبالغة في التزين وتهالك في التحسين ونهى عليه الصلاة والسلام أن يمتشط كل يوم لكن إن كان ثَمَّ حاجة فلا بأس أن يمشط لحيته كل يوم حينئذٍ نقول هذا لا بأس به كذلك شعره لا بأس به إن احتاج إلى ذلك فإن لم يحتج حينئذٍ نقول الحكم عام إذاً (يدهن غباً) يفعله يوماً ويتركه يوماً لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غباً فإذا كان غباً فليس منهياً عنه وإذا كان مواظباً عليه فهو منهي عنه إلا إذا كان لحاجة (ويكتحل وتراً) (يكتحل) مشتق من الاكتحال إذا جعل في العين الكحل والاكتحال أصناف كثيرة والمشهور منه الإثمد الأسود (ويكتحل وتراً) يعني في كل عيناً (وتراً) أطلق المصنف هنا ولكن المعتمد في المذهب أنه يكتحل في عينيه ثلاثاًَ ثلاثاً في العين اليمنى ثلاثاً وفي العين اليسرى ثلاثاً هذا هو المذهب وقيل في اليمنى ثلاثاً وفي اليسرى اثنان حينئذٍ يكون المجموع خمسة هذا اكتحل وتراً، والوتر لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) ونقل بن القيم رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل هذا ثابت منقول عنه في سيرته وترجمته عن الصلاة أنه كان يكتحل وإذا كان كذلك حينئذٍ نحتاج إلى صفة هذا الاكتحال وذكر أهل العلم أنه يكتحل ثلاثاً ثلاثاً (لما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة قبل أن ينام) رواه أحمد وغيره عن بن عباس ولفظه (كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال) هذا الحديث فيه كلام ضعفه الشيخ الألباني في الإرواء وحسنه غيره على كل الاكتحال ثابت لكن صفة هذه فيها شيء من الكلام، ثم قال رحمه الله تعالى (وتجب التسمية في الوضوء مع الذُكْر) هذا ما يتعلق بالتسمية لأنها قبل الوضوء هي منفكة عن صفة الوضوء لأن أول الوضوء من حيث الوجوب الفعل هو المضمضة ومن حيث الاستنان السنة الفعلية هي غسل الكفين ثلاثاً إذا لم يكن ثَمَّ قيام من نوم ليل (وتجب التسمية) (التسمية) يعني قول بسم الله ومحلها يعني وقتها بعد النية وصفتها على ما ذكرناه بسم الله ولا نقول بسم الله الرحمن الرحيم وإنما نقول بسم الله ولو قال بسم القدوس أو بسم الرحيم كل هذا لا يجزئ وقوفاً على النص ومحلها اللسان لا القلب والوجوب


معلوم أنه ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً حينئذٍ كون التسمية واجبة في الوضوء بأن لا يفتتح وضوؤه إلا بقول بسم الله وتعلقه بالوجوب يحتاج إلى دليل والدليل عندهم قوله أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني في الإرواء وذكر بعض أهل العلم أنه لكثرت أسانيده وطرقه يقوي بعضها بعضاً فيرتق لدرجة الحسن لغيره حينئذٍ إذا ثبت الحديث هو الذي أعتمده المصنف رحمه الله تعالى (لا صلاة لمن لا وضوء له) هنا نفي للصلاة وإذا نفيت الصلاة فالأصل أنها محمولة على الحقيقة الشرعية بمعنى أن الوضوء شرط في صحت الصلاة إذا نفي الشيء عن الشيء دل على أنه شرط أو ركن وهنا كذلك هذه العبارة مستقيمة ولا إشكال فيها (لا صلاة) بمعنى أن الصلاة لا تصح وهي منفية لمن لا وضوء له فمن لم يتوضأ وصلى صلاته لا تصح نفس الجملة ونفس التقرير (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) (لا وضوء) بمعنى أن الوجود الشرعي هنا منفي وعلق بماذا؟ علق بذكر اسم الله عليه حينئذٍ صارت التسمية شرطاً في صحت الوضوء هذا ظاهر النص بأنه لا فرق بين من ترك الوضوء في الصلاة بأن الصلاة لا تصح وبين من ترك التسمية في الوضوء فوضوؤه لا يصح لكن نزل المذهب هنا درجة الشرطية أعلى ما يمكن أن يأخذ من هذا النص نزلوا درجة إلى القول بالوجوب لا بالشرطية للكلام والاختلاف في النص وهذه قاعدة عندهم كل ما وقع خلاف في النص وصار عندهم نوع تردد لا يقولون بظاهره وإلا والأصل لو ثبت الحديث ثبوتاً واضحاً بيناً بأن كان صحيحاً ولا خلاف فيه لقلنا بأن التسمية هي شرط في صحت الوضوء فمن تركها سواء تركها عمداً أو سهواً أو جاهلا ً فوضوؤه لا يصح ولم يقولوا بهذا وإنما قال (تجب) ثم قيده (مع الذُكر) يعني مع القدرة وعدم النسيان كل ذلك للخلاف في ثبوت النص (وتجب التسمية في الوضوء مع الذُكر) هذا له مفهوم (الذُكر) بضم الذال يعني ضد النسيان؛ النسيان معلوم معروف أنه الذهول عن المعلوم، هنا إذا تذكر التسمية فتركها لا يصح وضوؤه إن نسي حينئذٍ صح وضوؤه إذا لم يتذكر إلا بعد الوضوء فإن تذكر في أثناء الوضوء فثَمَّ خلاف عند الأصحاب هل يسمي ويبني أو يسمي ويستأنف؟ ثَمَّ خلاف في الإقناع يسمي ويبني وفي المنتهى يسمي ويستأنف عندهم إذا اختلف الإقناع والمنتهى قدم المنتهى هكذا قالوا على كل (وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر) وتسقط حينئذٍ بالنسيان ودليلهم ما ذكرناه من الحديث السابق إن قيل بأنه ثابت فلا إشكال وإن قيل بأنه ضعيف حينئذٍ سقطت المسألة من أصلها وعلى تسليم بأن الحديث ثابت نقول ثَمَّ ما يدل على أن التسمية ليست بواجبة وهي الاتفاق في نقل صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يسمع منه أنه سمى ثم قوله تعالى وهو متأخر النزول كما في آية المائدة (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) فدل هذا النص على أن الله تعالى إنما ذكر في هذه الآية هي الأركان والواجبات فقط الأركان الأربعة حينئذٍ لو كان هذا النص ثابتاً لدل على أنه شرط أو على أنه ركن فلما لم يذكر في آية المائدة دل على أنه ليس بشرط وليس بركن وليس بواجب


وإنما هو من المستحبات حينئذٍ نقول الصحيح في التسمية أنها من المستحبات وهي رواية عن أحمد رحمه الله تعالى اختارها الخرقي والموفق والشارح وبن منذر وغيرهم لأن الله تعالى قال (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) بدء بغسل الوجه والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء ولم يذكر إيجاب التسمية والحديث قال الحافظ وغيره يروى بأسانيد كلها ضعاف لا تقوم بها الحجة على كل لو ثبت الحديث الكلام ليس في بثبوت الحديث وإنما لو ثبت الحديث نقول النصوص الأخرى تدل على أنه مصروف يعني (لا وضوء - كامل - لمن لم يذكر اسم الله عليه)، ثم قال رحمه الله تعالى (ويجب الختان ما لم يخف على نفسه) (يجب الختان) هنا هذا من سنن الفطرة، ختان بكسر الخاء مصدر خَتَنَ أي قطع والخَتْن قطع بعض المخصوص من عضو مخصوص وهو عام في الذكور والإناث والاختتان والختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان فعل الخاتن يقول اختتن واختتان وكذلك الموضع الذي يقطع يسمى اختتاناً قال هنا (يجب) إذاً طلب الشارع فعله طلباً جازماً بمعنى أنه لو تركه أثم مطلقاً لو تركه مع القدرة حينئذٍ يأثم ولذلك قال (ما لم يخف على نفسه) فإن خاف على نفسه سقط عنه الوجوب لا واجب مع العجز الواجبات كلها متعلقة بالاستطاعة (فاتقوا الله ما استطعتم) فكل واجب حكم عليه بأنه واجب حينئذٍ سواء نص أهل العلم أو لم ينص نقول هو متعلق بالقدرة (فاتقوا الله ما استطعتم) (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فكل واجب مقيد ولذلك قعدوا قاعدة وهي أنه لا واجب مع العجز إذاً يجب الختان، الختان واجب والوجوب متعلق بالبلوغ لأن من كان دون البلوغ لا يجب عليه شيء لأنه غير مكلف والتكليف إنما يتعلق بأصناف خاصين وأما الصبي الذي هو دون البلوغ فلا يتعلق به وجوب ولا تحريم حينئذٍ الوجوب هنا نقول مخاطب به نفس الذي أمر بالاختتان ليس الولي وإنما يجب الختان بأن يختن نفسه إن استطاع أو أن يمكن غيره لكن متى عند البلوغ وأما قبل البلوغ فليس بواجب قال (ما لم يخف على نفسه) الضرر هذا ممكن يعني الأمر ليس متعلق بالمسلمين فحسب قد يكون أسلم وعمره سبعون سنة ما تقول له اختتن حينئذٍ يكون مضراً له حينئذٍ يسقط عنه لا واجب مع العجز الحكم ينظر فيه باعتبار متعلقة (ما لم يخف) يعني مدة عدم خوفه على نفسه تلفاً أو ضرراً حينئذٍ يسقط للنصوص العامة (ويجب الختان) لم يذكر المصنف هل يجب على الذكر دون الأنثى أو أنه واجب عليهما؟ لإطلاقه نعمم لأنه لو أراد أنه واجب على الذكر دون الأنثى لقيده لكنه لم يقيد حينئذٍ نحمل اللفظ على عمومه وهو المذهب عند الحنابلة بأنه يجب على الذكر والأنثى استدل من أوجبه بحديث (ألقي عنك شعر الكفر واختتن) هذا حديث ثابت (واختتن) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب رواه أحمد وأبو داود وقال الحافظ فيه انقطاع وحسنه الألباني في الإرواء وفي الحديث (من أسلم فليختتن) أمر والأمر يقتضي الوجوب وقال الزهري [كان الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان وإن كان كبيراً] ولقوله تعالى (أن اتبع ملة إبراهيم) وثبت أنه ختن نفسه بالقدوم وفي الحديث (اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة) الحديث متفق عليه في الصحيحين ولكشف العورة له العورة الأصل


فيها التحريم تحريم النظر ولا يكشف إلا لواجب ولو لم يكن واجباً لم يجز كشفها له كذلك أنه قطع شيء من البدن وهذا الأصل فيه أنه لا يجوز والحرام لا يستباح إلا بواجب ومنه أنه يقوم به ولي اليتيم وهو اعتداء عليه يعني من ماله واعتداء على بدن اليتيم وهذا لا يكون إلا في فعل واجب حينئذٍ أخذ المذهب وكثير من أهل العلم أن الاختتان سواء كان للذكر أو الأنثى أنه واجب لهذه النصوص وما ثبت في حق الذكر هو ثابت في حق الأنثى ولذلك جاء في الحديث (إذا التقى الختانا) فدل على أن المرأة تختتن كما أن الرجل يختتن وثَمَّ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه واجب في حق الذكر وسنة في حق المرأة كونه سنة ليس بواجب قوله عليه الصلاة والسلام (إذا التقى الختانا فقد وجب الغسل) حينئذٍ أقره النبي صلى الله عليه وسلم وهو موجود في ذاك الزمن وأما كونه مستثنى من النصوص السابقة قال لأن الحكم معلل لأنه للرجل لأنه يراد به تطهير للصلاة وأما المرأة فليست لها هذه العلة وإنما يعتبر مكرمة لها من أجل ماذا؟ تخفيف شهوتها هكذا قال أهل العلم وليس فيه تعلق من حيث النجاسة بالصلاة وعدمها حينئذٍ قالوا بأنه واجب في حق الذكر وسنة في حق النساء ولكن من حيث الأدلة الأول أقوى والله أعلم فالذكر كيف يختتن؟ بأخذ جلدة الحشفة يقال لها قلفة والأنثى بأخذ جلدة فوق محل الإيلاج مخرج الحيض والمني والولد وتحت مخرج البول شبه عرف الديك ويستحب أن لا تأخذ كلها إذاً يجب الختان مطلقاً على الذكر والأنثى لعموم النصوص السابقة لكن كله مقيد بماذا؟ بعدم خوف الضرر على النفس، ثم قال رحمه الله تعالى (ويكره القَزَع) القزع بفتح القاف والزاي مأخوذ من قزع السحاب تقطعه وحلق بعض الرأس وترك البعض حلقه يعني بالموس مرة يشيله أو حلقه بالتخفيف يترك بعضه ويزيل البعض حلق بعض الرأس وترك البعض وكذا حلق القفا من غير حجامة ونحوها قال بن القيم [وهو أربعة أنواع] القزع الذي ورد فيه الحديث قديماً وحديثاً أربعة أنواع [الأول أن يحلق من رأسه مواضع من هاهنا ومن هاهنا] يحلق بالموس يحلق من هنا ويترك هذا إلى آخره [الثاني أن يحلق وسطه ويترك جوانبه] يحلق الوسط ويترك الحافة [وأن يحلق وجوانبه ويترك وسطه] عكسه [وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره] هذا كله من القزع قال المصنف (يكره) والكراهة حكم شرعي وهو ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم والدليل على الكراهة قالوا حديث بن عمر رضي الله تعالى عنهما (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع) متفق عليه زاد أبو داود وغيره قال (أحلقه كله أو دعه كله) وروى أبو داود والنسائي بسند صحيح عن بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاه قال (أحلقوه كله أو دعوه كله) إذاً هذه النصوص منها ما هو أمر ومنها ما هو نهي قالوا لما كان القزع متعلق بالآداب جعلت هذه قرينة صارفة للنهي عن التحريم إلى الكراهة (وحلقه كله أو دعه كله) من الوجوب إلى الندب حينئذٍ جعله في مرتبة الكراهة وإذا تقرر عندنا هذه القرينة قرينة باطلة لا دليل عليها وأنها استثنى وتخصيص بغير مخصص حينئذٍ ما نهى عنه الشارع فهو للتحريم إلا إن دل دليل من


كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح هنا ليس ثَمَّ دليل واضح بين لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة والصواب أن يقال بأنه يحرم القزع لماذا؟ لقول بن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهى والنهي يقتضي التحريم حينئذٍ نحتاج إلى قرينة واضحة بينة إما أن تقول قال الله أو قال رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع أو قياس صحيح إن جئت بواحدة من هذه الأربعة جعلناه قرينة صارفة للنهي عن التحريم إلى الكراهة ولكن ليس عندهم قرينة إلا كونه متعلق بالآداب نقول هذه ليست بقرينة صارفة إذاً (يكره القزع) فيه نظر والصواب أنه يحرم، ثم قال رحمه الله تعالى (ومن سنن الوضوء السواك) (من سنن الوضوء) شرع المصنف في بيان ما يتعلق بالسنن لأنه ذكر أولاً السواك وبين حكمه ثم قال (ومن سنن الوضوء السواك) (السواك) أيش إعرابه؟ مبتدأ مؤخر (ومن سنن) متعلق بمحذوف خبر؛ السواك من سنن الوضوء (من سنن الوضوء السواك) إذاً قدم ما حقه التأخير (سنن) عرفنا أنه جمع سنة وهي لغة: الطريقة، وفي الاصطلاح: هي ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، (ومن سنن الوضوء السواك) وتقدم أنه يتأكد فيه يعني في الوضوء ومحله عند المضمضة وهو مذهب الجمهور جمهور أهل العلم لحديث (لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) مع تقتضي ماذا؟ تقتضي المصاحبة يعني يغسل كفيه أولاً ثم يتمضمض ويستاك مع الوضوء يصاحبه وقيل قبل الوضوء برواية (عند كل وضوء) فالعندية لا تقتضي المصاحبة لكن نقول عند كل وضوء ومع كل وضوء يحمل على هذا وذاك حينئذٍ لا بأس أن يفعل قبل الوضوء وأن يفعل مع الوضوء وأما أن نقول قبل الوضوء ونهجر رواية مع كل الوضوء هذا فيه نظر، (وغسل الكفين ثلاثاً) (غسل الكفين) تثنية كف وسميت الكف كفاً لأنه يكف بها الأشياء تدفع إذا جاءك عدوك هكذا مباشرة تدفعه هذا يسمى كفاً (غسل الكفين ثلاثاً) في أول الوضوء ولو تحقق طهارة الكفين لأن المراد هنا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس من نجاسة لو كانت للنجاسة أو لقيام من نوم ليل لوجب والمراد هنا فيما إذا كانت الكفان طاهرتين (وغسل الكفين ثلاثاً) يعني من سنن الوضوء غسل الكفين ثلاثاً في أوله لما رواه أحمد والنسائي عن أوس قال أريت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فستوكف ثلاثاً أي غسل كفيه ثلاثاً ولأن الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه يغسل كفيه ثلاثاً في أوله وليس بواجب لآية المائدة (ويجب - هذا الغسل غسل الكفين ثلاثاً - من نوم ليل ناقض لوضوء) على ما سبق في بيان أحكام المياه وجاء مر معنا حديث (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما الإناء) وهذا قلنا الصحيح أنه واجب وأنه تعبدي حينئذٍ صار عندنا غسلان ثلاثاً إذا استيقظ من نوم ليل يغسل كفيه ثلاثاً من أجل قيامه من نوم ليل وهذا واجب وغير معلل ثم يغسل مرة ثانية ثلاثاً ويكون من أجل تحقيق السنية فيغسل ستة ولا نقول هنا بأن السنة داخلة في الواجب وإنما يغسل ثلاثاً للقيام من نوم ليل ويغسل ثلاثاً من أجل الوضوء (غسل الكفين ثلاثاً ويجب) وهو المذهب غسلهما ثلاثاً بنية وتسمية تسمية لا ليس بصحيح المذهب أنه يسمى النية نعم لابد منها وأما التسمية فلا (من نوم ليل


ناقض لوضوء) لما تقدم في أقسام المياه وهي طهارة مفردة بمعنى أنها مستقلة ليست داخلة في مسمى الوضوء ولذلك لو استيقظ من نوم ليل ولم يرد الوضوء يجب أو لا يجب؟ نعم يجب لو استيقظ لأنها طهارة مستقلة لا علاقة لها بالوضوء لكن قد يجتمعان وقد يفترقان قد يتوضأ ولم يكن مستيقظاً من نوم ليل فلا إشكال يغسل ثلاثاً فقط وقد يستيقظ من نوم ليل ولا يريد الوضوء فيغسل ثلاثاً وجوباً وقد يجتمعان حينئذٍ لابد من هذه الثلاثة وهذه الثلاثة، (والبَدَاءة - أو البُدَاءة أو البِدَاءة مثلث الباء - بمضمضة ثم استنشاق) سيأتي معنى المضمضة ومعنى الاستنشاق والمراد هنا التركيب بين المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه لأن غسل الوجه هذا ركن واجب فرض وداخل في مفهومه المضمضة والاستنشاق هذه ثلاثة أشياء تعميم والوجه يتمضمض يستنشق أي واحد فعل ابتداء أجزأه لا يشترط فيه الترتيب يعني له أن يستنشق أولاً ثلاثاً ثم يتمضمض ثلاثاً ثم يغسل وجهه له أن يعمم وجهه أولاً ثم يتمضمض ثم يستنشق فعل أي واحد من هذه أجزأه لكن الترتيب الذي يعتبر سنة أن يتمضمض أولاً ثم يستنشق أو يجمع بينهما بكف ثم يعمم غسل وجهه وهذا الذي عناه المصنف هنا وسيأتي المضمضة في موضعه إذاً من سنن الوضوء (البداءة بمضمضة ثم استنشاق) وثم هنا للترتيب ثلاثاً ثلاثاً بيمينه ويستنثر بيساره ولم يذكر الاستنثار لأن الغالب أن من استنشق استنثر فلابد منه لإكمال السنة (والبداءة) بمعنى أنه يجعله مقدماً البداءة بالشيء تقديمه على غيره بدأت (بمضمضة ثم استنشاق) (والمبالغة فيهما لغير صائم) هذه سنة أخرى غير الترتيب أن يبالغ في المضمضة هذا سنة المضمضة واجبة في أصلها بمعنى أنه يدخل الماء الفم ويديره أدنى إدارة لابد من تحريكه لأن المضمضة لا تصدق إلا بتحريك الماء لأنه مأخوذ من مضمض الماء في الإناء حينئذٍ حركه لابد أن يحركه أدنى تحريك أجزأه وأما المبالغة بأن يعمم ويوصل الماء إلى أقصى فمه نقول هذا مستحب وكذلك الاستنشاق مأخوذ من النشق وهو جذب الماء إلى الأنف بالنفس أن يجذبه في أدنى الأنف هذا لابد من تحقيقه وهو أقل ما يصدق عليه الاستنشاق وأما أن يجذبه بنفس قوي إلى أقصى الأنف هذا مبالغة في الاستنشاق ويعتبر من السنة إذاً أصل المضمضة واجب المبالغة فيها مستحب وأصل الاستنشاق واجب والمبالغة فيه مستحب والمراد هنا بالسنة متعلقة بماذا؟ بالمبالغة في النوعين (المبالغة) يعني ومن سنن الوضوء (المبالغة) مفاعلة بالغ في الأمر يبالغ مبالغة اجتهد فيه وبذل وسعه في كماله (فيهما) أي في المضمضة والاستنشاق وأقل الواجب في المضمضة أن يدير الماء في الفم أدنى إدارة وأقل الواجب في الاستنشاق جذب الماء ليدخل مناخره (لغير صائم) هذا للحديث (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) سواء كان الصوم فرضاً أو نفلاً فالحكم يكون عاماً حينئذٍ (إلا أن يكون صائماً) هذا راجع للمبالغة لا لأصل الاستنشاق والذي دل على أنه سنة المبالغة (وبالغ) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب لماذا صرفناه لماذا لم نقل المبالغة واجبة؟ من يجيب (وبالغ) أمر ونحن دائم نحتج عليها في صرف الأمر عن الوجوب لأدنى دليل (قوله إلا أن تكون صائماً) صائماً هذا نكرة فيشمل


الفرض والنفل حينئذٍ تترك المبالغة لأجل الصوم النفل ولا يترك الواجب لنفل فدل على أن قوله (أن تكون صائماً) قرينة صارفة لقوله (بالغ) من الوجوب إلى النفل حينئذٍ (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً تقرير الدليل: (بالغ) هذا أمر والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب صرفناه عن الوجوب إلى الندب ما هي القرينة الصارفة؟ نقول قوله (إلا أن تكون صائماً) (صائماً) يشمل الفرض ويشمل النفل لو كانت المبالغة واجبة لما سقطت بنفل الصوم لأن الواجب لا يسقط بنفل وإنما يسقط النفل بنفل هذا تقرير الدليل وهو الذي جعله صارف لما ذكر (لغير صائم) وأما الصائم فتكره تكره المبالغة لأنه مظنة لدخل الماء إلى جوفه (وتخليل اللحية الكثيفة) يعني من سنن الوضوء (تخليل اللحية) (تخليل) تفريق الشعر والأصابع وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه إدخال الشيء في خلال الشيء هكذا أو اللحية نفسها هكذا يدخل أصابعه في داخل شعره (تخليل اللحية الكثيفة) تقيد لأن الخفيفة هذه يجب غسلها وما تحتها سيأتي أن الشعر الذي يكون في الوجه أو في الغسل على جهة العموم ما كان كثيفاً وجب غسل ظاهرة وما كان خفيفاً وجب غسله وما تحته والفرق بينهما أن الكثيف ما لا يرى منه باطن أو لون الجلد هذا يسمى ماذا؟ يسمى كثيفاً وأما أن كنت ترى الجلد من تحته حينئذٍ يسمى خفيفاً الكثيفة وهي ما تستر البشرة فيجب غسل ظاهرها ولا يجب إدخال الماء إلى داخلها وعلى المذهب كما سيأتي وما سترسل منها وأما الخفيفة وهي التي تصف البشرة فإنه يجب غسلها وما تحتها لأنها داخلة في حد الوجه إذاً تخليل اللحية يعتبر من السنن ويشترط في هذه اللحية أن تكون كثيفة لحديث عثمان أنه توضأ وخلل لحيته حين غسل وجهه ثم قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلت) رواه الترمذي وصححه وحسنه البخاري قال بن القيم رحمه الله تعالى [كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ولم يكن يواظب عليه] يعني يفعله تارة ويتركه تارات وجاء من حديث أنس مرفوعاً (كان إذا توضأ أخذ كف من ماء فجعله تحت حنكه وخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي) وروى الترمذي وبن ماجه وصححه أن كان يخلل لحيته على كل المسألة فيها شيء من الخلاف وعلى ما ذكره أهل العلم أن الأحاديث بمجموعها حسنة حينئذٍ يفعله تارة ويتركه تارات وصفة التخليل: أن يأخذ كف ويضعه من تحت حنكه ثم يخلل به لحيته وهل يفعل بعد الوضوء أو أثناء غسل الوجه؟ يفعل تارة هذا وتارة هذا وإن كان ظاهر النصوص أنه يفعله مع غسل الوجه (والأصابع) يعني من سنن الوضوء تخليل الأصابع كما أنه تخلل اللحية (والأصابع) أطلق المصنف هنا تشمل حينئذٍ أصابع الرجلين وأصابع اليدين وحينئذٍ يفصل في تخليل الأصابع إن كان الماء لا يصل بين الأصابع إلا بتخليلها حينئذٍ يكون واجباً لأن غسل الرجلين يعتبر من أركان وفرائض الوضوء وما لا يصل إليه الماء إلا بالتخليل وجب التخليل وحينئذٍ تكون السنية معلقة بماذا؟ بما أمكن وصول الماء بنفسه ثم يتأكد من باب الزيادة فقط والاطمأننا حينئذٍ يخلل أصابعه هذا المراد بالسنية وإما إذا كان الماء لا يصل إلا بالتخليل وجب التخليل لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وإيصال


الماء إلى جميع بشرة الرجلين أو اليدين نقول هذا متعين وإذا كان لا يتم إلا بالتخليل صار التخليل واجباً وأما إذا وصل الماء بنفسه ولا يحتاج إلا تخليل حينئذٍ صار التخليل سنة لحديث لقيط (وخلل بين الأصابع) وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم فيشمل أصابع اليدين وأصابع الرجلين كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وهل هناك صفة له؟ في الشرح ذكروا صفات خلل بخنصره كلها لم يدل عليها دليل بل هي أقرب إلى البدع من السنة، (والتيامن) يعني من سنن الوضوء (التيامن) وهذا خاص بالأعضاء الأربعة فقط وهما اليدان والرجلان أما الوجه فيغسل مرة واحدة وأما مسح الرأس فيمسح مرة واحدة ليس فيه تيامن لا يقول أمسح هكذا ثم يأتي بالجهة اليسرى نقول لا بل يمسح مرة واحدة وكذلك غسل الوجه يغسل مرة واحدة حينئذٍ يكون التيامن في ماذا؟ بين اليدين والرجلين وهما أربعة أعضاء (والتيامن) وهذا لا خلاف فيه لحديث - قال أحد الطلاب عائشة - قال الشيخ: ما هو؟ قالوا (كان يعجبه التيامن ... )


قال الشيخ: قالت (في طهوره) والطهور يشمل الوضوء ويشمل الغسل، (والتيامن) هو البداءة باليمن في غسلها قبل اليسرى ونحو ذلك وفي الصحيحين (كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) وفي السنن وصححه بن خزيمة (إذا توضأ أحدكم فليبدأ بيمينه)، (وأخذ ماء جديد للأذنين) مسح الأذنين تابع للرأس الأذنان من الرأس حينئذٍ يكون واجباً مسحها مع الرأس هذا هو الصحيح ليس من السنن لأن الرأس وجب مسحه حينئذٍ ما كان داخل في مسماه فحكمه واحد وهو الوجوب لكن هنا كلامه متعلق بماذا؟ ليس في أصل المسح وإنما في كونه يأخذ ماء جديد للأذنين وإلا إذا مسحه بماء رأسه أجزأه ولكن يأخذ ماء جديد وقالوا أنه مستحب (وأخذ ماء جديد للأذنين) بعد مسح رأسه والأذنين تثنية أذن مشتق من الأَذَنِ وهو الاستماع لما روى البيهقي (أنه النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ماء لأذنيه غير الماء الذي أخذ لأرسه) وهذا مذهب مالك والشافعي والصحيح أنه لا يستحب أن يأخذ ماء جديداً للأذنين بل يمسحان بماء الرأس وفاقاً لأبي حنيفة رحمه الله تعالى قال بن القيم [لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لهما ماء جديداً] والذي ذكر من حديث البيهقي هذا شاذ قال بن دقيق العيد رحمه الله تعالى الذي في ذلك الحديث [ومسح رأسه بماء غير فضل يديه] قال الحافظ [وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ (ومسح برأسه بماء غير فضل يديه)] يعني مسح الرأس بماء غير فضل يده بمعنى أنه يأخذ ماء جديد لمسح الرأس ليس للأذنين وهذا هو الصحيح وهو المحفوظ إذاً (وأخذ ماء جديد للأذنين) نقول الصواب أنه لا يستحب وليس من السنن، (والغسلة الثانية والثالثة) يعني من سنن الوضوء أن يغسل العضو فيما يغسل دون ما يمسح وهو الرأس فإنه لا يستحب تكراره وإنما يمسح مرة واحدة وما عدا ذلك الذي يغسل الغسلة الأولى واجبة وهذه محل وفاق إذا عمت والغسلة الثانية والغسلة الثالثة هاتان مستحبتان لأن النبي صلى الله عليه وسلم ورد كما في صحيح البخاري (توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً) وقوله مرتين مرتين فيما يستحب تكراره وثلاثاً ثلاثاً فيما يستحب تكراره وأما مسح الرأس فليس بداخل في ذلك (والغسلة الثانية والثالثة) حينئذٍ تكون من السنن وأما الأولى فهي واجبة والمراد بالغسلة تعميم العضو ليس المراد أخذ الماء تأخذ مرة واحدة فقط حينئذٍ الثانية تكون مستحبة ... لا؛ تعمم العضو كاملاً بماء سواء أخذته مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو عشرة هذه غسلة واحدة إذا عممت العضو بأخذ الماء مرة أو مرتين أو ثلاثة بغسلة واحدة ثم إذا عممته حينئذٍ أجزأك ذلك الغسل وبقي ما عداه فهو سنة
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين