الشرح الميسر لزاد المستقنع

عناصر الدرس
* باب: نواقض الوضوء، وفيه:
* الناقض الأول: "ينقض ما خرج من سبيل"، ودليل المسألة.
* الناقض الثاني: "وخارج من بقية البدن"، وضابطه، ودليل المسألة.
* الناقض الثالث: "وزوال العاقل"، ودليل المسألة، وما استثنى منها.
* الناقض الرابع: "ومس ذكر متصل"، ودليل المسألة.
* الناقض الخامس: "ومسه امرأة بشهوة أو تمسه بها"، ودليل المسألة، والراجح فيها.
* الناقض السادس: "وينقض غسل ميت"، ودليل المسألة، والراجح فيها.
* الناقض السابع: "وأكل اللحم خاصة من الجزور"، ودليل المسألة، والراجح فيها.
* الناقض الثامن: "وكل ما أوجب غسلا أوجب وضوءً"، ودليل المسألة، والراجح فيها.
* مسائل في الشك في الطهارة.
* ما يحرم على المحدث.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
قال المصنف رحمه الله تعالى (باب نواقض الوضوء) بعد ما بين لنا ما يتعلق بالطهارة الصغرى وهي أركان الوضوء وصفة الوضوء وما يتعلق بذلك من المسح على الخفين بين لنا أن هذه الطهارة الصغرى لها نواقض يعني مفسدات وإذا وجد ناقض منها حينئذٍ حكمنا على الشخص المتطهر بأنه قد خرج عن وصفه بكونه متطهراً إلى نقيضه وهو الحدث وليعلم بأن الأصل في هذا الباب هو التوقيف بمعنى أنه من صحت طهارته لا يحكم على وضوئه بالنقض أو بأنه محدث إلا بنص إلا بدليل ولذلك إذا لم يكن نص حينئذٍ رجعنا إلى الأصل أن هذا الناقض المدعى ليس بناقض وإذا وجد الاحتمال في الدليل فنرجع إلى الأصل وهو اليقين وهو الطهارة حينئذٍ لا نحكم على طهارته بالناقض وهكذا، وهذا الأصل الذي ينبغي اعتباره في الباب وغيره من النواقض والمبطلات فما لم ينقضه الشارع حكمنا على الأصل بكونه باقياً على طهارته وإذا وقع نزاع بين أهل العلم ولم يتبين راجح من مرجوح حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو الحكم بالطهارة (باب نواقض الوضوء) نواقض جمع ناقض قال [أي مفسداته] يعني فسر النواقض بالمفسدات كما أنها تفسر المبطلات لأنه في الأصل من نقضت الشيء إذا أفسدته ونواقض الوضوء مفسدات الوضوء يعني مبطلات الفائدة منه حينئذٍ لا يترتب عليه صحت الصلاة ولا جواز المسح ولا جواز مس المصحف ولا الطواف ولا غير ذلك مما يترتب على الطهارة الصغرى ونواقض الوضوء أحداث وأسباب بمعنى أن الشارع جعل هذا الشيء حدثاً بنفسه كخروج الغائط مثلاً البول والريح أو سبباً بمعنى أنه إن وجد هذا الشيء فهو مظنة لو وجود الحدث كالنوم مثلاً أو اللمس فهو مظنة لوجود أو خروج الريح ونحوها حينئذٍ أحداث وأسباب؛ أحداث بكون الشارع حكم بأن هذا الفعل حدث بنفسه كخروج البول والغائط والريح، البول حدث بنفسه ناقض، وأما النوم فليس حدث بنفسه ولكنه مظنة بمعنى أنه يظن أن يخرج منه ريح وهو لا يشعر حينئذٍ ليس بحدث في نفسه وإنما هو سبب لأنه مظنة للحدث، فالأحداث ما نقض الوضوء بنفسه والأسباب ما كان مظنة لخروجه كالنوم واللمس، قال [وهي ثمانية] الشارح عد المصنف رحمه الله تعالى ثمانية من نواقض الوضوء وبعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه يعني ما هو مجمع عليه بين أهل العلم فالغائط والبول ونحوها ستة أمور وبعضها مختلف فيه هل ناقض أو لا؟ والحجة هنا هي الاستقراء والتتبع للنصوص الشارع قال (ينقض ما خرج من سبيل) (ينقض) أي يُفْسِد ويُبْطل لأن النقض بمعنى الإفساد والإبطال (يَنْقُض) يعني ينقض الوضوء والشارح هنا جعله هنا متعدي بنفسه ينقض الوضوء (ما خرج) ما هذا فاعل بقوله (ينقض) أليس كذلك؟ ينقض فعل مضارع وما اسم موصول بمعنى الذي وهو فاعل (ينقض) ماذا؟ ينقض الوضوء قدر الشارح هنا المفعول المحذوف إذاً يفسد ويبطل وينقض (ما خرج من سبيل) وهو المعبر عنه بالخارج من سبيل والسبيل المراد به هنا الطريق وخص بمخرج البول أو الغائط يعني القبل والدبر فكل ما خرج من سبيل يعني من مخرج البول فهو ناقض فكل ما خرج من سبيل وهو مخرج


للغائط فهو ناقض بقطع النظر بكونه نجساً أو لا معتاداً أو لا عمداً أو لا مطلقاً فكل ما خرج من هذين المخرجين فهو ناقض إذاً الخارج من السبيل يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وعندهم الخارج من السبيلين ضربان: معتاد ونادر، معتاد يعني يكثر وقوعه ويشترك فيه جمهور الناس وأما النادر فهذا لا يكثر وقوعه وإنما يقع من بعض دون بعض، المعتاد ستة أمور: وهي البول، والغائط، والمني، والمذي، والودي، والريح؛ هذه ستة ولكلها تنقض الوضوء بالإجماع لا خلاف بين أهل العلم أن هذه الستة تعتبر ناقضة للوضوء البول والغائط والمني والمذي والودي والريح، النوع الثاني وهو النادر: كالدم الدم هذا خروجه من الدبر أو القبل ليس يشترك فيه كل الناس وإنما هو على جهة المرض مثلاً فهذا يكون في بعض دون بعض إذاً يعبر بكونه نادراً؛ كالدم، والدود، والحصى، والشعر، فينقض الوضوء أيضاً لكنه مختلف فيه ليس متفق عليه والصحيح أنه يعتبر ناقضاً لماذا؟ لأنه خارج من السبيل أشبه المذي والمذي قد جاء فيه النص ولأنه لا يخلو من بِلة تتعلق به والأصل في هذه البلة أنها نجسة حينئذٍ خرج منه شيء نجس فينتقض الوضوء بها قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ولا شك أن دمها نادر غير معتاد لأنها مريضة المستحاضة ليس شأن النساء كلهن أنها مستحاضة وإنما هي قليل في النساء وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء لكل صلاة فدل ذلك على أن هذا الدم الخارج ناقض ويحمل عليه قياساً كل نادر بنفي الفارق بين النوعين، (ينقض ما) اسم موصول بمعنى الذي فهو عام (ما خرج) يشمل كل خارج قليلاً كان أو كثيراً معتاداً أو غير معتاد طاهراً كالمني أو نجس مطلقاً كل ما خرج من السبيلين فيعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لكن قيد بعضهم قوله (ما خرج من سبيل) على وجه الصحة بمعنى أن من كان حدثه دائم هذا خرج منه لكنه لا على وجه الصحة هذا مستثنى ولذلك قالوا إلا من حدثه دائم فلا يبطل وضوؤه بالحدث للحرج والمشقة وهذا أمر مستثنى ويذكره الفقهاء في مثل هذا الموضع، إذاً (ما خرج من سبيل) يعني من قبل أو دبر فهو نوعان: معتاد وغير معتاد، أما الغائط فهذا ناقض بنص الكتاب والسنة والإجماع أما النص فقوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) هذا نص في الغائط دل على أنه ناقض من نواقض الوضوء وقال عليه الصلاة والسلام (ولكن من غائط أو بول) كما في حديث صفوان فدل على أن البول والغائط كل منهما ناقض فثبت النقض بالغائط بالكتاب والسنة وكذلك الإجماع إجماع العلماء وثبت النقض بالبول بالسنة والإجماع وأما الكتاب فلم يرد فيه نص وإنما جاء في السنة كما حديث صفوان (ولكن من غائط أو بول) فثبت البول بالسنة وكذا بالإجماع والقياس على الغائط ولا نحتاج إلى القياس ولكن يذكره الفقهاء، قال النووي رحمه الله تعالى [وأما البول فبالسنة المستفيضة والإجماع والقياس على الغائط] وكذا المذي هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة كما جاء في حديث (يغسل ذكره ويتوضأ) فبين أن الوضوء مركب على خروج المذي وحكا الإجماع على النقض به وبالمني والودي بن المنذر والموفق وغيرهما، قال بن المنذر [لست أعلم في وجوب الوضوء منه اختلافاً بين أهل العلم] قاله في


المذي [لست أعلم في وجوب الوضوء اختلافاً بين أهل العلم] وإنما الخلاف هل يغسل ذكره كله مع الأنثيين أم يكتفا بالذكر دون الأنثيين؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم وأما الغسل هذا متفق عليه، وقال بن تيمية في المذي [ينقض ويغسل ذكره وأنثييه]، إذاً ما خرج وهو معتاد فهو ناقض بإجماع أهل العلم، قال بن المنذر [أجمع أهل العلم على أن خروج الخارج حدث ينقض الوضوء] وأما غير المعتاد النادر هذا ليس فيه نص إلا ما جاء في دم المستحاضة وقيس عليه غيره ففي قول عامة أهل العلم أن دم الاستحاضة يعتبر ناقض من نواقض الوضوء لحديث بنت أبي حبيش كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (فتوضئ) أمرها بالوضوء (فتوضئ وصلي فإنما هو دم عرق) فأمرها بالوضوء ودمها غير معتاد وقيس عليه ما سواه وهذا واضح بين، وأما الريح ففي الأحاديث الصحيحة والإجماع يعني الريح أنه ناقض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) وهذا حدث وقال (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) (لا ينصرف) يعني فإن سمع أو وجد ريحاً فلينصرف فيترتب عليه الوضوء، قال بن القيم رحمه الله تعالى [وألحقت الأمة أنواع الحدث الأصغر على اختلافها في نقضها بها بالغائط] هذا محل وفاق إذاً الريح الصحيح أنه إجماع أنها ناقضة بنفسها ولذلك قال بن المنذر [أجمع أهل العلم على أن الخروج الريح من الدبر حدث ينقض الوضوء] وقال بن حزم رحمه الله تعالى [والريح من الدبر خاصة لا من غيره بصوت خرجت أو بغير صوت وهذا أيضاً إجماع متيقن] إذاً ما خرج من سبيل سواء كان نادراً أو معتاداً سواء نجساً أو طاهراً سواء كان كثيراً أو قليلاً عامداً أو لا جاهلاً أو عالماً فهو ناقض للوضوء بدون استثناء ولذلك المصنف هنا رحمه الله تعالى قال (ينقض ما خرج) ما اسم موصول بمعنى الذي فيعم، الثاني من النواقض الثمانية أشار إليه بقوله رحمه الله تعالى (وخارج من بقية البدن إن كان بولاً أو غائطاً أو كثيراً نجساً غيرهما) ما يخرج من البدن إما أن يكون من السبيلين أو لا؛ إن كان من السبيلين مضى في الناقض الأول وإن لم يكن من السبيلين مخرج البول والغائط حينئذٍ إما أن يكون بولاً أو غائطاً أو لا؛ فإن كان بولاً أو غائطاً وخرج من غير السبيلين فهو ناقض مطلقاً بدون استفصال وبدون تفصيل بمعنى أنه ناقضاً سواء كان قليلاً أو كثيراً فلذلك قال (خارج) هذا معطوف على (ما) يعني ينقض خارج (من بقية البدن) سوى السبيلين لأن ما بتعلق بالسبيلين مضى في الناقض الأول قيده بقوله (إن كان بولاً أو غائطاً) نقض ولو كان قليلاً أو كثيراً؛ لماذا؟ لأنه نجاسة خارجة من البدن والقول بأن بكونه قليلاً أو كثيراً نقول لعموم الأدلة وجمعاً بين الأخبار والنصوص وقد جاء قوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) ورتب عليه الوضوء ولم يستفصل هنا ولم يفصل (أو جاء أحد منكم من الغائط) سواء تغوط من المكان المعتاد وهو السبيل أو لا؛ فعم النص فدل ذلك على أن خروج الغائط مطلقاً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء؛ وكذلك جاء قوله عليه الصلاة والسلام (ولكن من غائط وبول) يعني الغائط خروجه من البدن سواء كان من مكانه المعتاد أو لا؛ يعتبر ناقضاً


من نواقض الوضوء، إذاً لعموم الأدلة تدل على أن خروج البول والغائط من البدن مطلقاً بدون استفصال ولا تفصيل يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهذا أمر واضح بين، إذاً لعموم الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن من غائط وبول) وقوله تعالى قبل ذلك (أو جاء أحد منكم من الغائط) ولأن ذلك خارج معتاد أشبه الخارج من المخرج يعني مثله ما الفرق بينهما؟ لا فرق بينهما حينئذٍ لما خرج البول أو الغائط من موضعه المعتاد ومثله لو خرج من غير موضعه المعتاد الحكم واحد تعلق عليه النقض دون تفصيل (إن كان بولاً أو غائطاً) قليلاً كان أو كثيراً سواء كان من تحت المعدة الفتحة التي فتحت أو فوقها على الصحيح مطلقاً وإن فصل بعضهم والصواب أنه مطلق لأنها قد تفتح للإنسان فتحة إما فوق المعدة أو تحتها من أجل إخراج هذه الفضلات على العموم لعموم النصوص يحمل على النوعين سواء فتحة فتحت تحت المعدة أو فوقه فالحكم واحد وسواء كان السبيلان مفتوحين أو مسدودين لأن النصوص عامة لم يستفصل أو يفصل الرب جل وعلا فقوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) وكذلك النص النبوي فيحمل على عمومه، إذاً القاعد أن البول والغائط متى ما خرجا من البدن مطلقاً قل أو كثر من موضعه المعتاد أو لا؛ يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء إذاً ما كان خارجاً من غير السبيلين وكان بولاً أو غائطاً عرفنا الحكم، ما لم يكن بولاً أو غائطاً؛ إما أن يكون طاهراً أو يكون نجساً؛ فإن كان طاهراً سواء قل أو كثر لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء فخروج الطاهر من البدن لا يعتبر ناقضاً بخلاف خروج الطاهر من السبيلين يعتبر ناقضاً اليسير من الطاهر الذي يخرج من البدن من غير السبيلين كالبصاق مثلاً والمخاط والدمع نقول هذا يعتبر ماذا؟ الحكم أنه طاهراً وهو يسير؛ هل يعتبر ناقضاً؟ الجواب لا يعتبر ناقضاً، الطاهر الكثير إذا خرج من البدن كالعرق مثلاً قد يعرق الإنسان ويكون عرقه كثيراً؛ هل يعتبر ناقضاً؟ الجواب لا، إذاً ما خرج من سوى السبيلين وكان طاهراً سواء كان يسيراً أو كثيراً لا يعتبر ناقضاً، ما يقابل الطاهر النجس؛ هل خروج النجس من سائر البدن غير السبيلين يعتبر ناقضاً أو لا؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم فليس من المسائل المتفق عليها المصنف وهو المذهب اختار إن كان كثيراً نجساً نقض، إن كان كثيراً يقابله اليسير حينئذٍ اليسير النجس إذا خرج من غير السبيلين ولم يكن بولاً ولا غائطاً لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء قوله (نجساً) أفاد أنه إن كان كثيراً طاهراً لم يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهو كذلك (أو كان كثيراً) يعني كان الخارج من غير السبيلين (كثيراً) هذا قيد أول لأن له محترز إن كان يسيراً فلا يعتبر ناقضاً (نجساً) كالدم مثلاً أو القيء هذا يعتبر نجساً على المذهب وهذا قد يكون كثيراً وقد يكون قليلاً خروج الدم قد يكون كثيراً وقد يكون كثيراً كذلك القيء نجس على المذهب وقد يكون كثيراً وقد يكون قليلاً إذاً له مفهوم وهو مفهوم مخالفة (كثيراً نجساً غيرهما) يعني غير البول والغائط؛ ما الدليل على ذلك على أن النجس الخارج من البدن من غير السبيلين يعتبر ناقضاً؟ قالوا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة (أنه دم


عرق فتوضئ لكل صلاة) (أنه) أي الخارج (دم عرق فتوضئ لكل صلاة) أمرها النبي صلى الله عليه وسلم هنا بالوضوء وعلل بـ (أنه دم عرق فتوضئ) علل إيجاب الوضوء بكونه دم عرق حينئذٍ كل ما وجدت العلة وجد الحكم لأن الدم الذي يخرج من سائر البدن كله دم عرق حينئذٍ كل ما وجد دم العرق وجب الوضوء هذا وجه الاستدلال من النص وأما كون القليل من ذلك لا ينقض فلمفهوم قول بن عباس في الدم رضي الله تعالى عنهما (إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة) مفهوم كلامه إذا لم يكن فاحشاً فليس عليه الإعادة لصحة صلاته لكون وضوئه لم ينتقض إذاً ثَمَّ نص لكون الخارج يعتبر ناقضاً وهو حديث فاطمة السابق (إنه دم عرق) والذي يخرج من اليد دم عرق والذي يخرج من الرأس دم عرق وهكذا فكل ما خرج الدم من البدن من غير السبيلين فهو دم عرق إذاً لما علل النبي صلى الله عليه وسلم دم الاستحاضة لكونه دم عرق ورتب عليه إيجاب الوضوء إذاً لو خرج من رأسه فهو دم عرق كذلك يجب فيه الوضوء فيعتبر ناقضاً وأما كونه كثيراً فلقول بن عباس (إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة) ولأنه نجاسة خارجة من البدن أشبه الخارج من السبيل والفاحش الذي عبر عنه المصنف هنا بقول (كثيراً) وهو ما عبر عنه بن عباس بقوله (إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة) إذا لم يكن كثيراً بأن كان قليلاً لا يعتبر ناقضاً حينئذٍ يرد التفريق بين النوعين؛ متى نحكم على الدم بكونه يسيراً ومتى نحكم على الدم بكون كثيراً؟ قالوا [ما فحش في النفس] يعني نفس كل أحد بحسبه إن حكم الإنسان المعتدل ليس المفرط ولا الموسوس بكون هذا الدم قليلاً فهو قليل برؤيته هو بعرفه وإذا حكم عليه بكونه كثيراً حكم عليه بكونه كثيراً واضح هذا حينئذٍ يرجع إلى الشخص نفسه وينظر فيه لكن بشرط أن يكون معتدلاً هذا المذهب وهو المرجح عندهم وثَمَّ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن خروج النجاسة من بقية البدن لا ينقض مطلقاً لا يعتبر ناقضاً ما عدا البول والغائط يعني ما ذكره النوع الثاني (أو كان كثيراً نجساً غيرهما) ثَمَّ رواية عن الإمام أحمد أنه لا يعتبر ناقضاً؛ لماذا؟ لكون لا نص فيه هذا أولاً، ثانياً لا يصح قياسه على السبيلين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة (أنه دم عرق فتوضئ) هذا مركب من شيئين كونه دم عرق وكونه خارج من السبيل حينئذٍ وجود إحدى جزئي العلة لا يستلزم الحكم مطلقاً بمعنى أن العلة هنا مركبة وهي كونه أن دم عرق وكونه خارجاً من السبيل فإذا وجد بهذا القيد حكمنا عليه بكونه ناقضاً وأما كونه دماً فقط لكونه دم عرق ولم يكن خارج من السبيلين نقول هذا وجد فيه جزء العلة ولم توجد فيه العلة كاملة وإذا كان كذلك فلا يتبعه الحكم ألبته وإذا كان كذلك رجعنا إلى الأصل وهو صحت الطهارة وعدم وجود نص يعتمد عليه فالحكم بكون كثير الدم النجس أو قليله مطلقاً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهذا هو المرجح والله أعلم، إذاً (أو كان كثيراً نجساً غيرهما) هذا محل نظر والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً، قال البغوي [وهو قول أكثر الصحابة والتابعين] أنه لا يعتبر ناقضاً وروي عن جابر في الذين يحرسان في غزوة ذات الرقاع (فرمي أحدهما بسهم فنزعه ثم بآخر ثم بالثالث وركع وسجد


ودماؤه تجري) رواه أبو داود بسند حسن، ولما روي عن الصحابة فإن بن عمر رضي الله تعالى عنهما (عصر بكرة فخرج دم وصلى ولم يتوضأ) ثَمَّ ما ورد عن الصحابة أنهم صلوا بدمائه في الحروب والمعارك ونحو ذلك وهذا يدل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الوضوء مع أن الأصل عدم النقض حتى يثبت الشرع ولذلك النووي رحمه الله تعالى [لم يثبت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الوضوء من ذلك] وقال مالك [الأمر عندنا] إذاً الصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً نواقض الوضوء فمن توضأ وتقيء قل أو كثر لم ينتقض وضوؤه لماذا؟ على الصحيح لأنه لا يوجد دليل واضح بين على النقض، وعلى المذهب إن كان كثيراً تقيء قيئاً كثيراً وجبت عليه إعادة الوضوء وإذا كان يسيراً حينئذٍ لا يلزمه الوضوء، كذلك لو خرج دم من يديه ينظر فيه إن كان يسيراً على المذهب لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وإن كان كثيراً فحش في نفسه حينئذٍ يعد ناقضاً من نواقض الوضوء وعلى الصحيح قل أو كثر لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لعدم الدليل الصحيح الذي اعتمد عليه، (وزوال العقل) هذا الثالث من نواقض الوضوء (وزوال العقل) قال الشارح [أو تغطيته] لماذا؟ لأن زوال العقل على ضربين على نوعين: نوم وغيره الكلام هنا إما في النوم وإما في غير النوم فأما غير النوم وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشيه من الأدوية المزيلة للعقل فهذا ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً الذي يزول معه العقل بالكلية أو يغيب معه العقل بالكلية هذا دون تفصيل سواء كان يسيراً أو كثيراً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، فمن توضأ فجن نقول انتقض وضوؤه، من توضأ وسكر ولا يدر ما يفعل وما يقول نقول نقض وضوؤه بالإجماع، من توضأ فأغمي عليه نقول انتقض وضوؤه بالإجماع؛ لماذا؟ لكونه فاقداً لعقله ويصدق عليه قوله (زوال العقل) ويحمل على أنه بالكلية، قال بن المنذر [أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه] لأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم سيأتي أن النائم إن كان إذا يشعر بنفسه انتقض وضوؤه؛ لماذا؟ لأن النوم مظنة يعني يظن محل بأن يخرج منه ريح ولا يدري إذاً علقنا الحكم على النوم فإذا فقد إحساسه وإدراكه وهو نائم حينئذٍ نعين عليه إعادة الوضوء يعني يعتبر ناقضاً فمن باب أولى وأحرى المجنون والسكران والمغمى عليه لأنهم أشد لفقد حواسهم من النائم فلما جاء حديث صفوان (ولكن من غائط وبول ونوم) دل على أن النوم يعتبر ناقضاً لكن على التفصيل الآتي أولى منه بناء على نفي الفارق المجنون لأن النائم إذا كان فاقد الإحساس المجنون من باب أولى وأحرى وكذلك السكران وكذلك المغمى عليه إذاً هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه لو نبهه ما انتبه بخلاف النائم لو أيقظه في الغالب أنه ينتبه، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه لما هو آكد منه، إذاً هذا الضرب الأول وهو غير النوم وهو محل وفاق وهناك خلاف عند أهل العلم في قضاء الصلوات على المغمى عليه وليس في إيجاب الوضوء انتبه لا تلبس عليك المسألة ثَمَّ خلاف هل يقضي أو لا يقضي؟ المذهب ثلاثة أيام فما دون وبعضهم يرى خمسة أيام إلى آخره فثَمَّ خلاف بين أهل العلم لكن


إيجاب الوضوء محل وفاق والصحيح في باب الصلاة أنه لا يقضي فلو دخل الوقت وخرج وهو مغمى عليه الصحيح أنه لا يقضي لماذا؟ لأنه غير مكلف لأن شرطي التكليف العقل وفهم الخطاب وهذا لم يفهم انتفى عنده الثاني وإن كان العقل موجود باعتبار الأصل لكنه لم يفهم فدل ذلك على أنه سقط عنه التكليف فهو غير مكلف وأما نقض الوضوء بالإغماء فهذا محل وفاق، وفرق بين المغمى عليه والذي يتعاط البنج - البنج هذا مسألة آخري ليس كالمغمى عليه - بل حكمه أنه يقضي وأنه يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، إذاً الأول غير النوم الثاني النوم، قال (زوال العقل) أي بالكلية أو تغطيته، قال أبو الخطاب وغيره [ولو تلجم ولم يخرج منه شيء إلحاق بالغائط] بمعنى أنه لو تلجم يعني غطا فرجه دبره من أجل أن لا خرج ريح ونام أو سكر ثم بعد ذلك بعد أن توضأ بعد ذلك هل هو باقي على طهارته أو لا؟ نقول لا؛ انتقض وضوؤه؛ لماذا؟ لأن هذه تعتبر أسباباً رتب عليها الشارع النقض ولو تعاط المتعاطي ما لو يمنع خروج الريح فنرجع إلى الأصل إذاً زوال العقل والأصل فيه حديث صفوان (ولكن من غائط وبول ونوم) رواه أحمد والشافعي والترمذي وصححه وقال نووي بأسانيد صحيحة وما ذكر من الجنون وغيره أبلغ من النوم الذي هو مظنة لخروج شيء من الدبر والمظنة للحدث أقيمة مقامه، قال (إلا يسير نوم من قاعد أو قائم) هذا يتعلق بالنوم النوم الكثير داخل في قوله (زوال العقل) فشمل النوعين النوم وغير النوم لكن يستثنى حالة واحدة من النوم لا تعتبر ناقضاً على المذهب وهي (يسير نوم) يسير يقابله كثير (يسير نوم من قاعد أو قائم) يقابله يسير نوم من مضطجع أو مستلق أو متكئ هذا حكمه يختلف فهو داخل فيما سبق وإنما استثنى حالة واحدة مركبة من وصفين أولاً يسير النوم ثانياً كل نوم يسير لا يعتبر ناقضاً؟ قال لا؛ النوم اليسير يعتبر ناقضاً فيما إذا لم يكن واحد من هذين الشخصين القاعد والقائم فالمضطجع نومه مطلقاً يسيراً كان أو كثيراً فهو ناقض والمتكئ والمستلقي هذا نومه مطلقاً سواء كان يسيراً أو كثيراً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء إذاً (إلا يسير) يعني لا كثير والفرق بينهما بين الكثير واليسير يرجع إلى العرف على المذهب يرجع إلى العرف فما عد يسيراً في عرف المعتدل لا الموسوس ولا المفرط فهو يسير وما عد كثيراً فهو كثير، (إلا يسير نوم) هذا استثني اليسير واعتبر خارج من قول المصنف (زوال العقل) لحديث أنس مع كون النص حديث صفوان عام (ولكن من غائط وبول ونوم) هنا لم يستفصل عمم كون النوم ناقضاً من نواقض الوضوء حينئذٍ يحتاج إلى دليل يعتبر مخصصاً أو مقيداً للنص العام بكون اليسير لا يعتبر ناقضاً أوردوا حديث أنس وفيه حتى (تخفق رؤوسهم) (كانوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون) والحديث في الصحيح إذاً تخفق رؤوسهم وهم قائمون أو جالسون إذاً قاعدون وهم قاعدون والقعود والجلوس بمعنى واحد إذاً حتى تخفق رؤوسهم نقول هذا في اليسير ثم هو في القاعد دون غيره فهو في اليسير متيقن وفي الكثير محتمل يحتمل أنه تخفق رؤوسهم أنه في النوم الكثير لكن المتيقن اليسير فيحمل عليه النص ودلت


الأحاديث على النقض مطلقاً كما في حديث صفوان السابق فنحملها على الكثير في العموم ولأن نقض الوضوء بالنوم معلل بإفضائه إلى الحدث والكثير لا شك أنه أشد في الاحتمال من اليسير والقائم بمعنى القاعد لانضمام الدبر بمعنى أن القاعد يعني مع وجود مظنة خروج الريح إلا أنه مع يسير النوم وكونه قد وضع مقعدته على الأرض حينئذٍ خروج الريح من الدبر هذا فيه شيء من البعد كأنه متكئ على دبره فأغلقه لأن لا يخرج منه شيء وكذلك القائم لكونه منطبقاً بإليتيه على دبره كأنه أغلقها حينئذٍ الاحتمال وإن كان موجوداً إلا أنه فيه شيء من البعد فاستثني هاتان الحالتان وفيه نص كذلك وهو حديث بن عباس (فقمت إلى جنبه الأيسر فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني) متفق عليه وهذا دل على أنه كان قائم في الصلاة، إغفاء والإغفاء عند كثير من أهل العلم هو جزء من النوم، إذاً المذهب أن النوم الأصل فيه أنه ناقض من نواقض الوضوء ويستثنى حالة واحدة وهي مركبة من شقين ما كان فيه النوم يسيراً وضبط هنا يكون للعرف بشرط أن يكون هذا اليسير وهو الضابط الثاني من قاعد أو قائم، ويعتبر حديث أنس (حتى تخفق رؤوسهم) مقيد لحديث صفوان وهو (ولكن من غائط وبول ونوم) (ونوم) هنا جاء مطلقاً ولكن يخص بحديث أنس هكذا قال المصنف رحمه الله تعالى، والصحيح أن النوم يعتبر ناقضاً في الجملة والمرد في ذلك بين كونه ناقضاً أو لا؛ إلى إدراك الحس بمعنى أن جعلنا النوم مظنة لو كان حدث بنفسه لقلنا مطلقاً هو ناقض كالريح والبول والغائط لكن جعلناه ماذا؟ جعلناه سبباً إذاً هو في نفسه ليس بناقض أولاً مادام أنه ليس في نفسه ناقضاً وإنما جعلناه مظنة للنقض فحينئذٍ ننظر إلى الإدراك وعدمه متى ما شعر بنفسه أنه لو خرج منه ريح لانتبه فليس بناقض قل أو كثر ومتى ما فقد ذلك فهو ناقض قل أو كثر لأن الناس يختلفون في قضية النوم ليست النسبة واحدة بين كل أحد فاليسير عند بعضهم قد يكون كثيراً عند آخر؛ منذ أن يغمض عينه فإذا به يذهب في الأحلام والرؤى ومتى ما رأى عند أهل العلم فهو كثير وليس يسير حينئذٍ نرده إلى إدراك الحس فمتى ما كان الإدراك إدراك خروج حس يشعر بنفسه معه باقي نقول هذا النوم ليس بناقض؛ لماذا؟ لأن علقنا الحكم هنا بالمظنة فارتفاع المظنة هنا مدرك بحسه وإذا لم يكن كذلك فجعلناه ناقضاً ولذلك إذا لم يكن مدرك لما يقول يدل على ذلك حديث (العين وكاء السهي فمن نام فليتوضأ) هذا تعليل واضح بين (العين) (وكاء السه) وكاء بكسر الواو الخيط تربط به القربة ونحوها والسهي المراد به الدبر وهو كناية على أن العين إذا كانت مفتوحة فالسه أو السهي يكون مربوطاً وإذا ذهبت العينان حينئذٍ السهي ينطلق واضح هذا وهذا إنما يكون مرده إلى الحس، إذاً النوم فيه تفصيل لا من حيث اليسير أو قاعد أو قائم وإنما من حيث الإدراك والشعور فمتى ما شعر أنه لم يخرج منه شيء فالأصل بقاء الطهارة ولا نحكم بنقض الوضوء وإذا شعر حينئذٍ حكمنا بنقض الوضوء، (مس ذكر متصل أو قبل بظهر كفه أو بطنه) هذا الناقض الرابع وهو مس الذكر ومس الذكر على المذهب وهو الصحيح أنه يعتبر من النواقض نواقض الوضوء (ومس الذكر) [نقض مطلقاً] يعني سواء ذكر نفسه أو غيره


سواء كان الغير صغيراً أو كبيراً حياً أو ميتاً مسه لشهوة أو لا؛ سهواً أو عمداً سواء كان الذكر صحيحاً أو أشل مطلقاً فالحكم عام (من مس ذكره فليتوضأ) سواء مس ذكر نفسه أو غيره والغير سواء كان حياً أو ميتاً صغيراً أو كبيراً عامداً أو غير متعمد سواء كان صحيحاً أو أشل نقول هذا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لعموم النص (من مس ذكره فليتوضأ)، (مس ذكر) (مس) المماسة إنما تكون من غير حائل وهو الصحيح لأن النص علق على وصف (من مس) فالذي يمس ذكره بثوب لا يعتبر ماساً المماسة لا تكون إلا بشرة بشرة اللمس والمس لا يكون إلا بشرة ببشرة وأما أن يكون بينهما حائل فلا يعطى الحكم ألبته إذاً المماسة تكون من غير حائل وهو الصحيح، قال بن حزم [الماس على الثوب ليس ماساً] يعني لا يسمى مساً حتى في لسان العرب وإذا جاء كذلك في الشرع فلا يترتب عليه حكم (مس ذكر) ذكر هنا أطلقه فيشمل ذكر نفسه وذكر غيره وهو الصحيح للعموم النص (مس ذكر) آدمي وليس من حيوان فلو مس بالحيوان ذكر لا ينتقض الوضوء لأن المخاطب هنا المكلف وهم بنو آدم وأما الحيوانات فليست داخلة ألبته (مس ذكر) يعني مس ذكر من نفسه أو غيره وقيدناه بآدمي والذكر هنا يشمل الذكر الصحيح والأشل وهذا الحكم عام لعموم النص والآدمي هنا مقيد للخطاب، كذلك قوله (مس ذكر) يعم العمد وغير العمد لأن العلة متى ما وجدت تعلق الحكم بها، متى ما وجد المس انتقض الوضوء سواء كان عامداً أو لا وقيده بعضهم بالعمد وهذا محل نظر لماذا؟ لأننا جعلناه ناقضاً والنقض لا ينظر إليه إلى كونه متعمداً أو لا؛ مختاراً أو مضطراً، لأن لو قلنا هنا استثنينا غير المعتمد كالساهي إذاً لو سها فأخرج ريحاً أو لم متعمداً فأخرج ريحاً هل يعتبر ناقضاً أو لا؟ يعتبر ناقضاً فلا يفرق في النواقض كلها؟ بين العمد وغيره حينئذٍ نقول في هذا الناقض حكمه حكم غيره واستثنى من استثنى أنه إذا لم يكن عامداً لا ينقض الوضوء هذا محل نظر (متصل) بمعنى أنه في محله فلو قطع وفصل هذا لا يعتبر ناقضاً لأنه لا يسمى ذكراً وهو لحمة لا يعتبر ناقضاً أو مس محله بعد القطع لا يعتبر ناقضاً لأنه لم يمس ذكراً هذا ليس بذكر (أو قبل) يعني (أو) مس (قبل) من امرأة وهذا شأن المرأة وهو فرجها الذي بين أسكتيها بضم الهمزة أي ناحيتي الفرج وهو مخرج البول فالحكم عام كما سيأتي في النص ولذلك جاء (من مس فرجه) هذا يعم الذكر للذكر ويعم القبل للأنثى ويعم الدبر منهما لأن الفرج مأخوذ من الانفراج فهو الحكم يعتبر عاماً (مس ذكر متصل أو قبل) لقوله صلى الله عليه وسلم (من مس ذكره فليتوضأ) هذا أمر يقتضي الوجوب رواه مالك والشافعي وغيرهما وصححه أحمد والترمذي وقال البخاري هو أصح شيء في هذا الباب وصححه الدار القطني وغيره وله شواهد وطرق قيل أنها تبلغ حد التواتر، كذلك حديث (من مس فرجه - وهو رواية أخرى - فليتوضأ) (من مس فرجه) فرج مأخوذ من الانفراج وهو اسم لمخرج الحدث ويتناول الذكر والدبر وفرج المرأة، وكذلك جاء حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً (أيما رجل مس ذكره فليتوضأ) هذه صيغة عموم (وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ) رواه أحمد والترمذي قال البخاري هذا عندي صحيح، إذاً ثبتت


الأحاديث بالدلالة على أن مس الذكر يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء مطلقاً سواء كان الذكر صغيراً أو كبيراً رضيعاً أو لا فالحكم يعتبر عاماً وهذا هو الصحيح، (بظهر كفه أو بطنه) إذا علمنا أن مس الذكر يعتبر ناقضاً؛ بماذا يمسه هل إذا مسه برجله يعتبر ناقضاً أم برأسه أم بيده بذراعه أم فيه تفصيل؟ نقول الحكم جاء مقيداً بيده كما جاء في الحديث (من أفضى بيده والحكم المعلق على مطلق اليد يحمل على اليد التي يعتبر من رؤوس الأصابع إلى الكوع يعني التي تقطع في السرقة حينئذٍ يخص الحكم بهذا المحل بالمس فإن مس بذراعه لا يعتبر ناقضاً وإن مس هو ذكر نفسه بفخذيه لا يعتبر ناقضاً وهكذا الحكم لأنه مقيد باليد التي تعتبر من رؤوس الأصابع إلى الكوع كما قال مصنف هنا (بظهر كفه أو بطنه) بظهر الكف هذه من مفردات المذهب أم بطنه هذا عام يعني موجود في غير مذهب الحنابلة (بظهر كفه أو بطنه) غير الظفر فإن مسه بالظفر حينئذٍ لا يعتبر ناقضاً لأن له حكم الانفصال لو مس ذكره بنفسه بظفره هذا لا يعتبر ناقضاً لماذا؟ لأن الظفر يعتبر في حكم المنفصل وما كان كذلك لا يعطى حكم اليد وقد جاء الحكم معلق باليد [أو حرفه] الحرف الذي يعتبر من الجهة تجمع بين البطن والكف، لعموم حديث (من أفضى بيده) والإفضاء الوصول واللمس من غير حائل (من أفضى بيده إلى يده ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء) والحديث هذا صحيح وجاء كذلك في صحيح الجامع (إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ) فدل ذلك على أن الحكم مقيد باليد سواء كان بظهر الكف أو ببطنه وما عدا ذلك فالأصل غير ناقض، (ولمسهما من خنثى مشكل) الخنثى المشكل هو الذي له آلة ذكر وآلة أنثى ولم يتبين هل ذكر أم أنثى حينئذٍ (لمسهما) يعني لمس الذكر والقبل معاً في وقت واحد من خنثى مشكل يعتبر ناقضاً؛ لماذا؟ لأنه إن كان ذكراً فقد مس ذكره وإن كان أنثى فقد مس قبله وعلى الحالين يعتبر ناقضاً وينقض (لمسهما) أي لمس الذكر والقبل معاً في وقت واحد (من خنثى مشكل) سواء كان لشهوة أو لا؛ إذ أحدهما أصلي قطعاً لأنه لا يخرج إما ذكر أو أنثى فإن تبين أنه فقد مس ذكره وإن تبين أنه أنثى فقد مس قبله (ولمس ذكر ذكره) يعني وينقض أيضاً (لمس ذكر ذكره) أي ذكر الخنثى المشكل لشهوة إذا مس أحد العضوين ولم يمس النوعين لو مس الآلتين انتقض مطلقاً لشهوة أو لا، لكن إن مس ذكره لشهوة حينئذٍ انتقض مطلقاً؛ لماذا؟ لأنه إن ظهر أنه ذكر فقد مس ذكره وإن لم يتبين أنه ذكر فقد مسه لشهوة وهو ناقض من نواقض الوضوء كما سيأتي واضح، إذا مس الآلتين معاً انتقض الوضوء مطلقاً يعني بشهوة أو لا؛ لما ذكرنا، إن لم يمس الآلتين بل مس إحدى الآلتين إن مس ذكر الخنثى لشهوة حينئذٍ انتقض الوضوء؛ لماذا؟ لأنه إن تبين أنه ذكر فقد مس ذكره ومس الذكر ناقض من نواقض الوضوء، وإن لم يتبين أنه ذكر أو تبين أنه أنثى حينئذٍ لم يمس ذكره؛ لماذا؟ لم يمس قبله فينتقض الوضوء فكيف حكمنا على الوضوء بالنقض نقول للناقض الآتي وهو لمسه امرأة لشهوة وهذا يعتبر نواقض، ولذلك قال (ولمس ذكر) يعني رجل (ذكره) ذكر الخثنى لشهوة لأنه إن كان ذكراً فقد مس ذكره وإن كان امرأة فقد لمسها بشهوة فإن لم يمسه لشهوة أو مس


قبله لم ينتقض وهذا واضح، (أو أنثى قبله) أي ينقض لمس أثنى قبل الخنثى المشكل (لشهوة فيهما) يعني أثنى مست قبل خنثى مشكل انتقض الوضوء أو لا؟ وهنا مقيد بالشهوة؟ نقول انتقض الوضوء مطلقاً يعني سواء تبين أنه ذكر أو أثنى إن تبين أنه أثنى فهي أنثى مست قبل أنثى وإن لم تكن أثنى بل كان ذكراً حينئذٍ أثنى مست ذكراً لشهوة فانتقض الوضوء ولذلك قال (أو أثنى قبله لشهوة فيهما) يعني في هذه والتي قبلها؛ لماذا؟ لأنه إن كان أنثى فقد مست فرجها وإن كان ذكراً فقد لمسته لشهوة ففي هاتين الأخريتين يدخل الناقض الآتي الذي هو الخامس مع هذا الناقض وهو اعتبار الشهوة على كل هذا الناقض قليل الوقوع، قال (ومسه امرأة بشهوة) هذا الناقض الخامس (مسه) أطلقه المصنف هنا لأنه لم يقيده باليد كما قيد في السابق أو ظهر كفه أو بطنه لأن الحكم هنا عام فالمس مطلقاً سواء كان بكفه بذراعه برجله برأسه أين كان فيعتبر ناقضاً بشرطه أن يكون مساً البشرة للبشرة مسه أي الذكر وهذا عام يشمل الصغير والكبير والعاقل والجنون والحر والعبد مطلقاً كل من مس بشهوة امرأة أجنبية حينئذٍ انتقض وضوؤه (مسه امرأة بشهوة) الباء هذه للمصاحبة يعني الحكم مركب من شيئين مس مع شهوة إن وجدت الشهوة كانتشار دون مس لم ينتقض الوضوء إن وجد المس دون شهوة لم ينتقض الوضوء بل لابد من اجتماعهما معاً مس بشرة ببشرة ويكون لشهوة إن وجد المس دون شهوة لا ينتقض الوضوء إن وجدت الشهوة دون مس لا ينتقض الوضوء لأن الناقض هنا مركب من شيئين ولذلك قال (لشهوة) يعني مع شهوة ونص الشارح على أن الباء هنا للمصاحبة (ومسه امرأة بشهوة) لأنها تدعوا إلى الحدث، (أو تمسه بها) يعني ينقض مسها للرجل بشهوة فالحكم عام لأن النساء شقائق الرجال فمادام ثبت أن الرجل إذا مس امرأة بشهوة انتقض وضوؤه فالعكس بالعكس إذا مست امرأة رجل بشهوة نحكم على وضوئها بالانتقاض والدليل على ذلك قالوا جمع بين الآية والأخبار لقوله تعالى (أو لامستم النساء) وفي قراءة (أو لمستم النساء) واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد هذا الأصل الجس باليد مماسة لكن البشرة بالبشرة ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها اللمس قوله (أو لمستم النساء) هذا يقتضي أن المس ناقضاً للوضوء مطلقاً (أو لمستم) (أو لامستم) (لامستم) هذه مفسرة بالمجامعة الجماع وليست داخلة معنا، (أو لمستم) هذه أعم لأنها تدل على ماذا؟ على الجس باليد وقد يبالغ فيحصل الجماع يعني غاية ما يكون من الجس باليد ما يتبعه الجماع أدنى ما يكون الجس باليد حينئذٍ هذا يدل على أن اللمس مطلقاً يعتبر ناقضاً سواء كان لأجنبية أو لذات محرم سواء كان بشهوة أو بدون شهوة لكن دلت النصوص على أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومس زوجته عائشة رضي الله تعالى عنها حينئذٍ أخرجنا هذا النوع من المس وأبقينا نوع واحد وهو المس أو الجس بشهوة هذا هو المذهب تقرير أن المذهب أن يقال: قوله تعالى (أو لامستم النساء) هذا محمول على الجماع وقراءة (أو لمستم) هذه عامة يقتضي أن المس ناقض للوضوء مطلقاً لشهوة أو بغير شهوة وخص في الأخبار الواردة بأن المس بدون شهوة لا ينقض الوضوء لقول عائشة رضي الله تعالى عنها (فوقعت يدي على بطن


قدميه وهما منصوبتان) رواه مسلم وكان يتوضأ ويصلي ما انتقض وضوؤه لو كان مجرد المس ناقض لانتقض وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم ينتقض كذلك جاء قولها (فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فصلى) كذلك وهو حامل أمامة فاعتبر الحالة التي يدعوا فيها المس إلى الحدث وهي الحالة بشهوة فخص النص الذي قوله تعالى (أو لمستم النساء) بشهوة فحسب ولذلك قال المصنف (ومسه امرأة بشهوة) (امرأة) لقوله (أو لمستم) (بشهوة) لأن النص عام فخص منه ما دل عليه حديث عائشة وغيره ولأن اللمس يقال فيه ما قيل في النوم ليس بحدث بنفسه وإنما هو مظنة لخروج المذي أو المني حينئذٍ اعتبر فيه الشهوة وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعوا فيها إلى الحدث وهي حالة الشهوة وهي مظنة الحدث إذاً هذا تعليل للمذهب وهو المعتمد عندهم، والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً ألبته سواء مس رجل امرأة بشهوة أو مسته هي بشهوة لما ذكرناه في أول الباب أن النص لابد أن يكون واضح بين في الدلالة على كون هذا الناقض ناقضاً وأما قوله تعالى (أو لمستم) فسرها بن عباس على الجماع فهي محمولة على الآية الأخرى حينئذٍ لا فرق بين (لامستم) أو (لمستم) وقد جاء في القرآن التعبير عن الجماع والمجامعة بـ (لمستم) ولذلك جاء قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) فالمس يطلق ويراد به الجماع (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) إذاً المس يطلق ويراد به الجماع واللمس يطلق ويراد به الجماع حينئذٍ لا فرق بين هذه الآيات وبين قوله (أو لمستم) وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل وخرج إلى المسجد والتقبيل لا ك أنه مظنة للشهوة فدل ذلك على أنه لا بأس به وأن هذا الناقض يعتبر ساقطاً من أصله والراجح أنه لا ينقض مس امرأة بشهوة أو مس امرأة رجلاً بشهوة، (ومس حلقة دبر) هذا داخل فيما سبق يعني ينقض مس حلقة دبر لأنه فرج لعموم قوله (من مس فرجه فليتوضأ) (من مس ذكره فليتوضأ) لا فرق بينهما إلا أن قوله فرجه أعم فيشمل، الذكر خاص بالرجل - طيب - والأنثى القبل دل عليه قوله (فرجه) لأن الفرج مأخوذ من الانفراج فدخل فيه قبل المرأة وكذلك الدبر والحكم عام في الذكر والأنثى إذاً ينقض (مس حلقة دبر) لأنه فرجه ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من مس فرجه) الحديث، (لا مس شعر وسن وظفر وأمرد ولا مع حائل ولا ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة) كل هذه خرجت بما سبق يعني إذا علق الحكم على المس في الحالتين في الناقضين السابقين مس ذكره بيده حينئذٍ لو مسه بظفره لا ينتقض لو مسه بشعره كان كثيف الشعر على الكف مثلاً على ظاهر كفه نقول هذا لا يعتبر ناقضاً لأن الذي مس هو الشعر لا اليد وفرق بينهما ولأن الشعر وما ذكر معه له حكم المنفصل (وظفر) منه أو منها يعني لو مس رجل امرأة بشهوة بظفره لا ينتقض الوضوء أو مسته هي بشهوة لكن بظفرها نقول لا ينتقض الوضوء لو مس شعر امرأة بشهوة لا ينتقض الوضوء لأن المراد هو؛ وهذا فيه شيء من العلة لماذا؟ لأن إذا جعل مظنة لخروج الشهوة فالأصل أنه لو مسها أو مس ما يدعو إلى خروجه فهذا الأصل أن يعتبر ناقضاً والأصل هذا يرد على المذهب على كل هذا مرادهم (لا مس شعر وسن وظفر) منه أو


منها ولا المس بها لأنها لها حكم المنفصل والحكم جاء مقيد بالمس وهذا لا يكون إلا بيد ولا مس رجل لأمرد ولو بشهوة أمرد لو مس أمرد والأمرد كما قال هنا هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته يعني ما يفتتن به سواء كان صغيراً أو كبيراً حينئذٍ لو مسه بشهوة لا ينتقض وضوؤه وهذا أيضاً يرد على المذهب لأنهم علل الحكم السابق بمظنة خروج الخارج فالأصل أنه إذا مس أمرد بشهوة وجد السبب لوجود المظنة وهو خروج الحدث فالأصل أن يكون الحكم تابعاً فيرد عليهم والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً لأنه لو مس امرأة التي هي آكد وجاء فيها النص كما قالوا لو مس امرأة بشهوة لا ينقض الوضوء فمن باب أولى وأحرى لو مس أمرد، (ولا ملموس بدنه) يعني لو مس امرأة بشهوة على المذهب انتقض وضوؤه وهي الممسوسة ينتقض وضوؤها أو لا؟ لا؛ لماذا؟ لأن النص ورد في الماس لا في الممسوس ولو وجد فيه شهوة هذا كذلك يرد عليهم لو مس رجل بشهوة فتحركت شهوتها ينتقض وضوؤها أو لا؟ لا ينتقض وضوؤها وهو ينتقض وضوؤه هذا تعليل عليل على كل لما سبق والصحيح في المسائل كلها أنه لا يعتبر ناقضاًً فالناقص من أصله إسقاطه أولى، السادس قال (ينقض غَسلُ الميت) وهذا يعتبر من مفردات المذهب (ينقض غسل الميت) الميت عام هنا سواء كان الميت مسلماً أو كافراً ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً ولو رضيعاً يعتبر غسله وتغسيله ناقضاً من نواقض الوضوء (غسل الميت) ولو غسل بعضه وأكمل غيره هل يعتبر ناقضاً؟ المذهب نعم يعتبر ناقضاً، غسل الميت وغسل بعض الميت كغسله كله حينئذٍ يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهو الصحيح في المذهب والغاسل عندهم هو من يقلبه ويباشره ولو مرة لا من يصب عليه الماء أو ييممه هذا لا يعتبر غاسلاً إنما الذي يقلبه هو الذي يعتبر غاسلاً الذي يباشر الغسل وأما الذي يصب الماء فليس الحكم متعلق به؛ ما الدليل؟ قالوا ليس ثَمَّ نصوص واضحة بينة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما روي عن بن عمر وبن عباس رضي الله تعالى عنهما (أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء) غاسل الميت يأمرانه بالوضوء، ولذلك أثر بن عباس رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال (سئل بن عباس أعلى من غَسل ميت غُسل؟ قال: لا إذاً نجسوا صاحبهم ولكن وضوء) إذاً عليه ضوء إذاً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لعدم الدليل الصحيح الواضح البين الذي يصلح أن يكون متمسكاً في هذا النص ولذلك رواية عن الإمام أحمد [لا ينقض وفاق] قال الشارح والموفق وغيرهما هو قول أكثر العلماء وهو الصحيح لأن لم يرد فيه نص صحيح ولا هو في معنى المنصوص عليه بل جاء عن بن عمر أنه قال (كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل) وسكت عن الوضوء صححه الحافظ في التلخيص وقال [وهو أحس ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث] إذاً يستحب الغسل ولا يقال بإيجابه لورود النصوص أو الفتاوى عن الصحابة أما الوجوب وأنه ناقض من نواقض الوضوء هذا لا يعتبر سديداً لعدم وجود النص وأما (من غسل ميت فليغتسل) هذا سيأتي في باب الغسل وهو ضعيف لا يعتمد عليه، (وأكل اللحم خاصة من الجزور) هذا السابع من نواقض (أكل) إذاً خرج الشرب فلو شرب من لبن


الجزور لا يعتبر ناقضاً لأن الحكم معلقاً بالأكل (أكل اللحم خاصة) يعني دون غيره (من الجزور) المراد به البعير ذكراً كان أو أنثى يعني الإبل فحينئذٍ أكل اللحم خاصة دون غير اللحم هذا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وليس من كل لحم بل من لحم الجزور وهذا يعتبر من مفردات المذهب فلا ينقض بقية أجزائها يعني غير اللحم؛ اللحم المراد به الهبر الأحمر هذا ما عداه لا يعتبر ناقضاً فلا ينقض بقية أجزائها كالكبد والقلب والطحال والكرش كِرش وكَرش والشحم والكُلية واللسان والرأس والسنام والأكارع والمصران قال [لأن النص لم يتناول هذه المذكورات] وإنما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الإبل فقال فيه الوضوء، ما عدا اللحم لا وضوء فيه وهذا الذي عليه مذهب الحنابلة أنه لو أكل كبداً من إبل لا ينتقض وضوؤه ولو أكل كِرشاً من إبل لا ينتقض وضوؤه؛ لماذا؟ لأن النص جاء في اللحم والمعروف اللحم إذا أطلق المراد به اللحم الأحمر الذي يسمى هبراً عند العامة سواء كان نيئ أو مطبوخاً وشرب اللبن يعتبر ليس ناقضاً من نواقض الوضوء في المذهب ولو طبخ لحمها وصار مرقاً شرب المرق كذلك على المذهب لا يعتبر ناقضاً إذاً لا يختص الحكم في المذهب إلا إذا أكل اللحم مباشرة وما عدا ذلك من اللبن والمرق والكبد وغير اللحم فلا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، الدليل على ذلك حديثان كما قال أحمد [فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة] أما حديث البراء (فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل - قال لحوم - فقال توضئوا منها، قال وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؛ فقال: لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين) الحديث، وحديث جابر بن سمرة (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ، نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) فدل لذلك هذان النصان على أن أكل لحم الجزور أو الإبل يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء فخص المذهب اللحم دون غيره لورود النص، والصحيح أنه لا فرق بين اللحم وبقية الأجزاء ولا يستثنى إلا اللبن فقط وما عداه يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لأن اللحم في لغة الشرع يشمل الأجزاء كلها بدليل قوله (ولحم خنزير) هاه هل الحكم خاص باللحم أو ما عداه؟ ما رأيكم؟ حرم اللحم الذي هو الهبر والكبد يجوز أو لا يجوز؟ نقول يجوز أو لا يجوز؟ على المذهب إذا خصصنا اللحم بالهبر وما عداه نقول هذا يجوز وإذا قلنا إطلاق اللحم في الشرع المراد به البهيمة عينها فحينئذٍ يدخل فيها اللحم وما عداه تباعاً لأن اللحم مقصود وما عداه مقصود قد تتعلق النفس بالكبد أكثر من اللحم أو بالكرش أكثر من اللحم حينئذٍ نقول المقاصد مختلفة فإذا دل ذلك على أن الشرع استعمل اللحم وأراد به كل الأجزاء فيحمل اللفظ هنا على العموم ويستثنى اللبن فقط لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين بأن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها لم يأمرهم بالوضوء من ألبانها ترك البيان هنا حينئذٍ لو كان ناقضاً لوجب بيانه تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فدل ذلك لكونه لم يأمرهم بالوضوء على أن شرب اللبن لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وإنما


يختص الحكم بما عداه إذاً (أكل لحم الإبل خاصة من الجزور) نقول نعم (من الجزور) هذا نص وما عداه لا يعتبر ناقضاً وأما تخصيصه اللحم فقط ففيه نظر والصحيح أنه عام، الأخير الناقض الأخير أشار إليه بقوله (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً إلا الموت) (كل ما أوجب غسلاً) كالإسلام وانتقال المني ونحوهما مما سيأتي في الباب الآتي باب الغسل يعتبر موجباً للوضوء حينئذٍ لو خرج منه مني أوجب الغسل وأوجب الوضوء لو أسلم أوجب الغسل وأوجب الوضوء فكل موجب للغسل فهو موجب للوضوء (كل ما أوجب غسل) كإسلام وانتقال مني (أوجب وضوء) وإن لم يكن خارج من السبيل (إلا الموت) فهذا يوجب ماذا؟ الموت يوجب الغسل دون الوضوء وإنما الواجب المتعين الذي هو فرض كفاية الغسل وأما الوضوء فيعتبر من السنن، إذاً (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوء إلا الموت) والصحيح أنه لا يعتبر موجباً للوضوء، من وجب عليه طهارة كبرى فاغتسل دون أن يتوضأ أو ينوي رفع الحدث هل يرتفع حدثه أو لا؟ عليه جنابة وأراد الصلاة فاغتسل ولم يتوضأ هل يصلي مباشرة ولو لم ينوي رفع الحدث أو لا؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم وهو ينبني على هذا الناقض (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوء) والصحيح أنه من اغتسل بنية رفع الحدث الأكبر حينئذٍ ارتفع عنه الحدث الأصغر وهو قول عامة الصحابة أو أكثر الصحابة؛ لماذا؟ جمهور العلماء أن الحدث يرتفع في الصورة التي ذكرناها لأن الله تعالى لم يذكر الوضوء في القرآن لأنه قال (وإن كنتم جنباً فاطهروا) ماذا قال في أول الآية؟ (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) فإما أن تكون محدثين حدثاً أصغر وإما أن تكون محدثين حدثاً أكبر الأول بين له قال (فاغسلوا وجوهكم) إلى آخره، الثاني بين له بقوله (فإن كنتم جنباً فاطهروا) يعني اغتسلوا لم يوجب الوضوء والحكم هنا معلق بالصلاة فلو كان الوضوء واجباً مع الطهارة الكبرى لبينه وإنما أوجب الطهارة الكبرى فحسب حينئذٍ يكون داخلاً فيه فإذا اغتسل يكون داخلاً فيه الوضوء بشرط أن لا يمس ذكره أثناء غسله وإنما يغسل ويتطهر قبل الاغتسال فإن مس ذكره أثناء غسله اغتساله انتقض فلا يعتبر هذا الغسل إلا على رأي من يرى أن مس الذكر لا يعتبر من نواقض الوضوء، ولحديث البخاري في قصة الرجل الذي أجنب ولا ماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (خذ هذا الماء فأفرغه عليك) فدل على أنه لو كان الوضوء واجباً لأمره به قال بن عبدالبر رحمه الله تعالى [الله عز وجل إنما فرض على الجنب الغسل دون الوضوء] لقوله (ولا جنب إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) ولم يوجب الوضوء ولقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) قال حافظ [قام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجباً] ليس بإجماع إنما هو قول أكثر أهل العلم، إذاً قوله (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوء إلا الموت) ليس بناقض من نواقض الوضوء، ثم قال (ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو بالعكس بنى على اليقين) هذه مر مثلها في أول الأحكام المتعلقة بالمياه (من تيقن الطهارة) (تيقن) اليقين ضد الشك (تيقن الطهارة وشك) أي تردد قال في القاموس [الشك خلاف اليقين] حينئذٍ الشك يكون بين وجود الشيء وعدمه سواء استوى الاحتمالان أو رجح أحدهما فالظن داخل في


الشك عند الفقهاء القسمة المشهورة العلم والظن والشك هذه قسمة أصولية فهو تقسيم أصولي وليس بتقسيم فقهي ويفترق الفقهي عنه عن الأصوليين بأن الظن داخل في الشك، الشك عند الأصوليين ما تردد بين احتمالين والظن ما تردد بين احتمالين هو في أحدهما أظهر هذا النوع الثاني داخل في الشك عن الفقهاء ولذلك قال (ومن تيقن الطهارة وشك) قال [أي تردد] يعني بين وجود الشيء وعدمه استوى الاحتمالان أو رجح أحدهما، قال النووي [هذا معناه في اللغة واستعمال الفقهاء] قال بن القيم [مرادهم به التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء تساوى الاحتمالان أو رجح أحدهما فدخل الظن في حد الشك]، (من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو بالعكس) بأن تيقن الحدث وشك في الطهارة (بنى على اليقين) سواء كان في الصلاة أو خارجها تساوى عنده الأمران أو غلب على ظنه أحدهما حينئذٍ إذا تيقن الطهارة بأنه متطهر وشك هل مس امرأة بشهوة أو لا؟ هل خرج منه ريح أو لا؟ نقول الأصل الطهارة واليقين لا يزول بالشك، لو تيقن أنه محدث وشك هل تطهر أم لا؟ نقول اليقين أنه محدث والطهارة مشكوك فيها واليقين لا يزول بالشك وهذه قاعدة مهمة من القواعد الخمس الكبرى أصلها قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رده إلى الحس وأما الشك هذا يعتبر مطروحاً، ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إذا وجد أحدكم في بطنه شيء فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي لا ينصرف حتى يتيقن سماع الصوت أو وجود الرائحة ولا يشترط السماع ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم ما يرفع الأصل هذا هو الأصل لكن القول بأنه إذا غلب على ظنه الحكم كذلك هذا فيه شيء من النظر بل لو غلب على ظنه أنه أحدث حينئذٍ العبرة بالحدث لا بالطهارة والعكس بالعكس حينئذٍ يكون الشك هنا مراد به فيما إذا استوى الاحتمالان بمعنى أنه لم يرجح وأما إذا رجح أحد الاحتمالين بقرائن أو بغلبة ظن فهذا معتبر لأن غلبة الظن معتبرة في سائر الأحكام الشرعية وهنا كذلك، (فإن تيقنهما) يعني تيقن الطهارة والحدث وجهل السابق (فهو بضد حاله قبلهما) يعني تيقن أنه أحدث وتيقن أنه تطهر لكنه ما يدري هل أحدث فتوضأ أم توضأ فأحدث ما الحكم؟ قالوا الحكم هنا (فهو بضد حاله قبلهما) وهذا يتصور فيما إذا ضبط الوقت مثلاً قبل الزوال يعلم أنه محدث قطعاً ثم بعد الزوال وقع منه حدث ووقع منه طهارة لكن لا يدري أيهما أسبق الطهارة أم الحدث نقول (فهو بضد حاله قبلهما) يعني قبل الحدث والطهارة فنقول له قبل الزوال ما حالك قال أن محدث إذا أنت الآن متطهر قال أن قبل الزوال متطهر إذا أنت الآن محدث (فهو بضد حاله قبلهما) لماذا؟ لأن إذا تيقنَّ أنه قبل الزوال محدث حينئذٍ تيقن رفع الحدث لأنه تيقن له متطهر وشك في وجود الحدث هل سابق على الطهارة أم بعده؟ وحينئذٍ على الأصل اليقين لا يزول بالشك فإذا كان محدث قبل الزوال وتيقن الطهارة قبل الزوال فالحدث مشكوك فيه حينئذٍ اليقين لا يزول بالشك وإذا كان بالعكس كأن يكون متطهراً قبل الزوال ثم شك في طهارة وحدث حينئذٍ نقول اليقين أنه محدث والطهارة مشكوك فيها ولذلك قال (وإن تيقنهما) تيقن


الطهارة والحدث وجهل السابق منه لا يدري أيهما أسبق (فهو بضد حاله قبلهما) إن علم فإن كان قبلهما متطهراً فهو الآن محدث وإن كان محدث فهو الآن متطهر؛ لماذا؟ لأنه قد تيقن زوال تلك الحالة إلى ضدها فإذا كان قبل الزوال على حدث فهو على يقين أنه انتقل من الحدث إلى ضده لأنه قد أوقع طهارة إذاً حصل اليقين بالتطهر الحدث مشكوك فيه وإذا كان قبل الزوال متطهراً فقد وقع حدث بيقين إذاً انتقضت تلك الطهارة حينئذٍ الطهارة مشكوك فيها وإن لم يعلم حاله قبلهما وجب عليه أن يتطهر وإذا أراد أن يستريح يتوضأ مباشرة، (ويحرم على المحدث مس المصحف) بعد ما بين لنا ما سبق بين ما يترتب على المحدث مما يحرم عليه من الأحكام الشرعية (ويحرم) والتحريم معروف وهو ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً (على المحدث) سواء كان حدث أكبر أو حدث أصغر (مس المصحف) والمصحف ما كتب فيه القرآن سواء كان كاملاً أو غير كامل لا يشترط فيه أن يكون القرآن كاملاً لا؛ لو لم يكن القرآن كامل بل ولو آية واحدة كتبت في ورقة ولم يكن معها شيء فيه قرآن يعني يحكم لها بحكم المصحف لو وجد ورقة واحد وليس فيها إلا آية حينئذٍ يحكم لها بحكم المصحف فحكم البعض كحكم الكل يحرم مس المصحف الذي بين دفتيه القرآن كاملاً ويحرم مس المصحف ولو كان آية واحدة كتبت في ورقة بشرط أن لا يكتب معها شيء آخر، والدليل على ذلك قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) يعني من الجنابة والحدث، وقوله صلى الله عليه وسلم في ما كتبه في كتابة لعمرو بن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه النسائي وغيره متصلاً قال بن عبدالبر [إنه أشبه التواتر لتلقي الناس له بالقبول] وهذا مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، قال بن هبيرة [أجمعوا على أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف]، الثاني مما يحرم على المحدث الصلاة قال (والصلاة) يعني ولو نفلاً سواء كانت فريضة أو نفلاً وهذا محل وفاق، والمراد بالصلاة هنا التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم يعني النظر هنا إلى التكبير والتسليم لأن الصلاة على نوعين صلاة ذات ركوع وسجود وصلاة ليست ذات ركوع وسجود الأول معروفه المكتوبات وغيرها النوافل والثاني صلاة الجنازة كلاهما يشترط لصحتهما الطهارة من الحدثين وهذا محل وفاق وإن نازع في صلاة الجنازة بعضهم كابن جرير رحمه الله تعالى وغيره والصحيح أنها تشرط لها الطهارة، إذاً (الصلاة) المراد به هنا التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم سواء كانت ذات ركوع وسجود أم لا، فتدخل صلا ة الجنازة حينئذٍ يحرم على المحدث أن يقبل على صلاة ولو نافلة ولو جنازة دون أن يكون متطهراً فإن أقبل وهو متعمد ففي كفره قولان لأنه مستهزئ والجمهور على أنه ليس بكافر وإن لم يكن متعمداً فهو معذور ولا أثم عليه والأصل في ذلك قوله جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى آخر الآية ولحديث (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) قال ابن القيم [صلاة الجنازة صلاة لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وهو قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرف عنهم فيه خلاف وقول الأئمة الأربعة وثبت عن النبي صلى الله عليه


وسلم تسميتها صلاة وكذلك عن أصحابه وحملة الشرع كلهم يسمونها صلاة وكل ما كان تحريمه التكبير وتحليله التسليم فلابد من افتتاحه بالطهارة] وأما سجود التلاوة الشكر فالصحيح أنهما ليسا بصلاتين حينئذٍ لا يشترط لهما الطهارة لعدم وجود النص، (والطواف) يعني يحرم على المحدث سواء كان حدثاً أو أصغر أو أكبر يحرم عليه أن يطوف سواء كان الطواف فرضاً واجباً كعمرة أو حج أو كان نفلاً واستدل المصنف هنا بقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف في البيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) هذا موقوف ولا يصح رفعه وإن كان الحكم صحيحاً بمعنى أنه لا يجزئ طواف بلا طهارة هذا هو المرجح وهو الصحيح ويدل على ذلك أولاً حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (إن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم - يعني مكة - أنه توضأ ثم طاف بالبيت) (أنه توضأ ثم طاف) دل على أنه لا طواف إلا بوضوء وهذا وقع بيناناً لقوله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) والفعل إذا وقع من النبي صلى الله عليه وسلم بياناً لمأمور به أخذ حكمه، ولذلك (خذوا عني مناسككم) فالأصل مثلاً يقول المبيت بمنى واجب لأنه وقع تفسيراً لأمر في الكتاب أو في السنة كذلك هنا قال (وليطوفوا بالبيت العتيق) هذا واجب فجاء النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف دل على أن الوضوء واجب وهذا من أصرح الأدلة على أن الطواف لا يجزئ بدون طهارة ثانياً حديث عائشة وفيه (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهر) هذا نص واضح بين يؤيد ما سبق بأنه لا يجزئ طواف إلا بطهارة وهذا الحديث متفق عليه وكذلك حديث صفية لما حاضت قال (أحابستنا هي) لو كان الطواف يجزئ لقال لها اذهبي وطوفي لما قال (أحابستنا هي) ولما قال لعائشة (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) لماذا منعها؟ لكونها حائضاً هل لكون الحائض لا تدخل المسجد لا ليس هذا المراد لأنها تستطيع أن تتحفظ وتدخل وتمنع من سقوط الأذى في المسجد يعني يمكن حفظ المسجد عن الأذى هذا ممكن وإنما منعها لكونها غير طاهر ولذلك قال (حتى تطهر) وهذا فعل معلق بوصف وهو الطهارة والطهارة في الشرع إنما تطلق على أي شيء؟ الوضوء أو الغسل هذا المراد، قوله تعالى (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) إذا أمر بتطهير مكان الطائف فبدنه من باب أولى هذا استئناس على كل الأدلة الثلاثة واضحة بينة على كون الطواف لا يصح إلا بوضوء وأما قول من يقول بأنه يجزئ ولا دليل نقول كيف يقال ولا دليل وهذه الأدلة واضحة بينة يستدلون في مواضع عديدة بوجوب أشياء وقعت فعل النبي صلى الله عليه وسلم لكونها بيان لمأمور به في الكتاب والسنة وهي قاعدة يمكن لم تكن منضبطة عند كثير من المتأخرين.
والله أعلم
وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين