الشرح الميسر لزاد المستقنع

عناصر الدرس
* قوله: "والتييم آخر الوقت لراجي الماء أولى".
* صفة التيمم.
* باب: إزالة النجاسة، وشرح الترجمة.
* لم قدم المصنف هذا الباب على الحيض، والنفاس؟
* النجاسة الحكمية على المذهب ثلاثة أقسام.
* قوله: "ويجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض" المسألة.
* كيفية تطهير نجاسة الكلب، وهل يقاس عليه الخنزير؟
* قوله: "ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه"، والصحيح في المسألة.
* قوله: "ولا يطهر متنجس بشمس، ولا ريح، ولا دلك، ولا استحالة".

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
مازال الحديث فيما يتعلق بمسائل باب التيمم وقد وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى) أليس كذلك؟ (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى) الوقت المراد به هنا الوقت المختار بمعنى أنه إذا فقد الماء - حينئذٍ - إما أن يكون راجي لو جود الماء في آخر الوقت وإما أن يكون عالم بوجود الماء في آخر الوقت وإما أن يستوي عنده الأمران وإما أن يظن وجوده أو يظن عدم وجوده فالصور تكون خمسة، إما أن يكون عالم بوجوده آخر الوقت وإما أن يظن وجوده آخر الوقت وإما أن يستوي عنده الأمران لا يرجح أحدهما على الآخر وإما أن يغلب على ظنه عدم وجوده أو يعلم عدم وجوده لثلاث الصور مذهب الحنابلة أنه يتيمم آخر الوقت وذلك فيما إذا رجا وجود الماء أو كان عالماً أنه سيأتي قاطعاً جازماً بأن الماء سيأتي في آخر الوقت ولمن استوى عنده الأمران هذه ثلاث صور مذهب الحنابلة التيمم في آخر الوقت أولى بمعنى أنه لو تيمم في أول الوقت لكان مجزئ إلا أنه من باب الأفضلية والأرجحية يؤخر التيمم إلى آخر الوقت بقي صورتان أن يتحقق عدم وجود الماء فالتقديم أولى أن يظن عدم وجوده فالتقديم أولى - حينئذٍ - هذه الصور الخمس حصل فيها تعارض بين أصلين؛ أولاً: تقديم الصلاة في أول الوقت، الثاني: الصلاة بطهارة الماء على الأصل لأنه إذا راع الأحاديث الواردة في أفضلية تقديم الصلاة في أول الوقت وعمل بذلك - حينئذٍ - صلى بدون طهارة مائية ولو أخر مع ظنه وجود الماء أو علمه بوجود الماء - حينئذٍ - صلى بطهارة مائية ولكنه أخر إلى آخر الوقت أيهما أولى بالمراعاة أي الأصلين لا شك أن الصلاة بطهارة مائية أولى ومراعاته أولى فمتى ظن وجود الماء في آخر الوقت أو عدم هاتين الصورتين فالأفضل في حقه أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت وأما إذا استوى عنده الأمران أو ظن عدم وجود الماء أو قطع بعدم وجود الماء فهذه الصور الثلاث فالأولى أن يتيمم في أول الوقت خلاف لما ذهب إليه المصنف إذاً في صورتين نقول يتيمم في آخر الوقت وهو إذا علم وجود الماء في آخر الوقت - حينئذٍ - يترجح تأخير الصلاة عن أول وقتها إذا ظن وجود الماء كذلك الحكم أنه يتأخر بقي ثلاث صور على الصحيح إذا استوى عنده الأمران لم يرجح أحد الأمرين على الآخر لا يدري هل يجد الماء في آخر الوقت أم لا؟ أو ظن عدم وجود الماء أو قطع لعدم وجود الماء فهذه صور ثلاث نقول أن يترجح فيها أن يصلي في أول الوقت، ولذلك قال هنا (والتيمم آخر الوقت) يعني المختار (لراجي الماء) هذا شرط في المسألة، قال الشارح [أو العالم وجوده - وهذا كذلك يسلم له - ولمن استوى عنده الأمران] وهذا لا يسلم له بل التقديم يكون أفضل في حقه إذاً (لراجي الماء) هذا له مفهوم فإن يأس من وجوده استحب له التقديم قوله (أولى) إن صلى بتيممه في أول الوقت أجزأه ولكن الكلام في الأولوية الدليل على ذلك هو من باب التقعيد والتأصيل من باب الاجتهاد ولكن أوردوا قولاً لعلي رضي الله تعالى عنه في الجنب (يتلوم ما بينه


وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم) (يتلوم) أي يتأن (ما بينه وبين آخر الوقت) يتأن في وجود الماء (فإن وجد الماء) في آخر الوقت (وإلا تيمم) بمعنى أن علي رضي الله تعالى عنه يرى أن من كان على جنابة لا يتعجل في التيمم إنما ينتظر إلى آخر الوقت فإن وجد الماء - حينئذٍ - الطهارة المائية مقدمة وإلا تيمم، ثم قال رحمه الله تعالى (وصفته) يعني التيمم ما هي الكيفية التي يتيمم بها قال (أن ينوي) يعني يأتي بالنية والنية كما سبق هي الاستباحة هنا ولا ينوي رفع الحدث (أن ينوي) أي ينوي استباحت ما تيمم له على الصحيح من المذهب وعلى المذهب كذلك يعتبر معه ما يتيمم له قبل الحدث هذا على الصحيح من المذهب إذاً ينوي استباحت فرض الصلاة من الحدث الأصغر أو الأكبر يتيمم له يتيمم منه لابد من مراعاة النوعين في المذهب يعني ينوي استباحت الصلاة فرضاً هذا لابد منه؛ من ماذا؟ من الحدث الأصغر أو من الحدث الأكبر يعني تيمم لشيء من شيء فلابد أن ينوي الأمرين على المذهب (ثم) تفيد الترتيب يعني يأتي بالنية أولاً ثم يأتي بالتسمية من أجل أن التسمية عندهم واجبة هنا كالوضوء - حينئذٍ - لابد أن تكون النية مصاحبة لجميع صفة التيمم من أوله إلى آخره (ثم يسمى) يعني يقول بسم الله [وهي هنا كوضوء] هكذا قال الشارح يعني هنا كوضوء يعني تجب مع الذكر وتسقط مع السهو - حينئذٍ - حكمها الوجوب في التيمم - حينئذٍ - نطالب بالدليل ما الدليل على أن التسمية مشروعة في التيمم؟ قياساً على الوضوء وإذا كان الأمر كذلك نقول القياس هنا باطل ولا يصح فيبقى التيمم على أصله وهو أنه لا تشرع له التسمية لأن هذا القياس هنا في محل نظر؛ لماذا؟ لأن الوضوء عبادة مستقلة كما ذكرنا آنفاً وغسل الجنابة ونحوه كذلك عبادة مستقلة والوضوء كذلك عبادة مستقلة - حينئذٍ - لا يقاس أحدهما على الآخر فإذا شرعت التسمية في الوضوء - حينئذٍ - لا نقيس عليه غسل الجنابة لأن كل منهما طهارة والأصل عدم المشروعية فما جاء النص به - حينئذٍ - وقفنا عنده والتيمم كذلك عبادة مستقلة وإن كانت بدلاً عن الوضوء إلا أنه لا يلزم أن يكون البدل مساوياً للمبدل عنه من كل وجه فلا تشرع التسمية في التيمم لكونها مشروعة في الوضوء وهو أصل للتيمم نقول هذا قياس فاسد - حينئذٍ - نرجع إلى الأصل (ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع) (ويضرب التراب) (يضرب) الصحيح من المذهب أن المسنون والواجب ضربة واحدة (يضرب) ضربة واحدة لا ضربتين وهو من المفردات، قال في الإنصاف [وهو المسنون والواجب على الصحيح من المذهب] وفي المبدع [والمنصوص ضربة واحدة وهي الواجب بلا نزاع] لأنه جاء في الأحاديث هكذا جاء في حديث عمار قال في التيمم ضربة واحدة للوجه واليدين (ضرب ضربة واحدة) قيدها بكونها واحدة - حينئذٍ - لا نزيد الثانية فزيادة الثانية هنا كزيادة غسلة رابعة في الوضوء كما أنه محدث هناك لا يشرع وإنما يكتفا بالعدد الوارد في التثليث فيما جاء به التثليث والمسح مرة واحدة في الرأس ولا يشرع التثنية ولا التثليث على الصحيح كذلك يقال في التيمم إنما المشروع هو ضربة واحدة فلا نزيد ضربة ثانية - حينئذٍ - زيادة ضربة ثانية يكون شيء قد زاده من ضرب يعني


من عنده ولا يكون مشروعاً ألبته لأن الأصل في هذا المقام التعبد لله بما ورد فما لم يرد فالأصل عدم مشروعيته إذاً ضربة واحدة للوجه واليدين وفي الصحيحين (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وعن أبي الجهيم (وضع يديه على الجدار فمسح بوجهه وكفيه) وقيل لأحمد [التيمم ضربة واحدة؟ قال: نعم للوجه والكفين ومن قال ضربتين فإنما هو شيء زاده] يعني لا يصح وأما حديث (التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) فهذا حديث ضعيف لا يثبت، إذاً (ويضرب) ضربة واحدة، لو وضع يده ولم يضرب معلوم أن الضرب مساس بالقوة لو وضع يده هكذا على رمل ونحوه أو تراب وصار الغبار في يده هل هذا مجزئ أو لا؟ نقول نعم مجزئ ولا يشترط فيه الضرب لو وضع هكذا - حينئذٍ - نقول صح التيمم فهل يشترط في التيمم ضرب الأرض بيديه أو يصح ولو بدون ضرب كأن يضع يديه على الأرض؛ والصحيح أنه لا يشترط وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فلو وضعهما على الأرض أجزأه بدليل حديث أبي الجهيم السابق (وضع يديه على الجدار فمسح بوجهه وكفيه) (وضع يديه على الجدار) إذاً لم يرد فيه الضرب كذلك جاء قوله تعالى (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا) فأمر بالمسح ولم يعتبر الضرب داخل في مسمى التيمم وأما حديث عمار وفيه (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه أو كفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه) فلا يدل على وجوب الضرب وإنما هذه الصفة الكاملة بدليل ماذا؟ أنه ذكر النفخ ثم نفخ فيهما قال ماذا؟ (فضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما) فلو قيل بأن هذه الصفة واجب لدل على أن النفخ واجب وهو ليس بواجب - وحينئذٍ - الضرب مسنون ومشروع وهو صفة كمال لكن لو وضع يديه على التراب نقول هذا يعتبر مجزئ ولا إشكال فيه، قوله التراب) (ويضرب التراب) بناء على المذهب لم يقل الأرض لأنه يشترط عندهم التراب والصحيح أنه لا يتعين التراب (بيديه) المراد باليدين هنا الكفين (مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى ما بينهما ليحصل الاستيعاب لأنه لابد أن يستوعب الضرب - حينئذٍ - إذا ضرب بيديه لابد أن يفرج بين أصابعه من أجل أن يدخل التراب بين الأصابع فيحصل الاستيعاب ولكن ظاهر السنة كما في الأحاديث التي ذكرناها أنفاً ليس فيها تفريج الأصابع لأنه في حديث عمار (ضرب ضربة واحدة للوجه واليدين) ولم يذكر تفريج الأصابع وجاء في الصحيحين (ثم ضرب الأرض ضربة واحدة) - حينئذٍ - نقول تفريج الأصابع هذا إنما هو شيء زادوه من عندهم من باب الاجتهاد فحسب وإلا ظاهر السنة أنه لا يفرج بين أصابعه وأنه لا يشترط على الصحيح الاستيعاب إذاً قوله (مفرجتي الأصابع) فيه نظر فظاهر السنة لم يرد أنها كانت مفرجتي الأصابع وإنما جاء فيها الإطلاق فضرب بيديه هكذا - حينئذٍ - كيفما ضرب أجزأ؛ لماذا نقول كيفما ضرب أجزأ؟ لأن النص جاء مطلق غير مقيد (ضربة واحدة للوجه واليدين) (ضرب بيديه الأرض) كيفما ضرب أجزأ لأن النص جاء مطلقاً - حينئذٍ - يبقى على إطلاقه ولا نقيده بأي صفة كانت فتقيده بصفة والتزامها يعد من الأمور الزائدة على النص بل من الأمور الزائدة على التعبد - حينئذٍ - يكون أمراً محدثاً نعم لو فعله مرة وتركه


مرات دون أن يقصد السنية لا بأس به أما أن يتعمد مثل ذلك الفعل ولم تثبت به سنة - حينئذٍ - نقول هذا التعمد خلاف السنة فإن التزمه صار بدعة إذاً العلة في المذهب ليصل التراب إلى ما بينها يعني بين الأصابع ليحصل الاستيعاب (يمسح وجهه بباطنها) لم يذكر النفخ؛ لماذا؟ لأنه ليس بواجب وهل هو جائز أم لا؟ المذهب فيه تفصيل إذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه في المذهب عندنا الحنابلة لحديث عمار السابق الذي فيه (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما) قالوا (ونفخ فيهما) هذا محمول على أنه ...


لأنهم يشترطون ماذا؟ أن يكون تراب له غبار لابد أن يكون له غبار إذاً لابد أن يكون باقياً في اليد فيمسح به الوجه واليدان إذاً لابد أن يكون أثر التراب باقيا - حينئذٍ - لو نفخه فأزاله كله قال هذا منافي إذاً نحن نقرر أنه لابد أن يكون تراب له غبار من أجل الاستيعاب وأن يصل شيء منه إلى الوجه واليدين - حينئذٍ - لو جوزنا لو جوزنا النفخ مطلقاً لصار فيه نوع تناقض ولكن عندهم تفصيل قالوا إذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه لحديث عمار قال أحمد [لا يضره فعل أو لم يفعل] إذا كان كثير [لا يضره فعل أو لم يفعل] وإن كان التراب خفيفاً قليلاً يعني لو نفخه لزال قالوا هذا يكره له أن ينفخه يكره له النفخ - حينئذٍ - لو نفخ وهو قليل خفيف فطار الغبار لم يبقى عليه شيء قالوا وجب عليه أن يعيد الضرب لماذا؟ لكونه أزال الغبار الذي هو شرط في صحة ضرب التراب باليدين والصحيح على ما سبق أنه لا يشترط أن يكون له غبار - حينئذٍ - لو ضرب يديه علق تراب أو لم يعلق - حينئذٍ - إذا جوزنا أنه يصح التيمم ولو لم يعلق غبار بيديه - حينئذٍ - لو علق ونفخه وطار كله - حينئذٍ - لا إشكال فيه وهذا التفصيل في المذهب بناء على اشتراط أن يكون التراب له غبار والصحيح أنه لا يشترط وعليه يستحب ونفخ مطلقاً سواء علا على يديه تراب كثير أم خفيف أو لم يعلو على يديه تراب الصحيح أنه يستحب مطلقاً (يمسح وجهه بباطنها) عندكم بباطنهما وهو غلط (بباطنها) الضمير يعود إلى باطن الأصابع (يمسح وجهه بباطنها) أي باطن الأصابع (وكفيه براحتيه) الراحة باطن اليد هذا استحباباً؛ لماذا؟ قالوا لأنه لو مسح وجهه بباطن يديه ثم مسح كفيه لكان متيمماً بتراب مستعمل والماء المستعمل كما سبق عندهم إذا استعمل في طهارة واجبة صار ماذا؟ صار طاهراً غير مطهر فلو تطهر بماء طاهر ما صح وضوؤه فالماء المستعمل في طهارة واجبة هو طاهر فلو توضأ به ما صح وضوؤه كذلك التراب طهور وطاهر ونجس فإذا استعمل التراب في طهارة واجبة ثم استعمله مرة آخر لكان مستعمل لتراب طاهر إذاً هذا التفريق بين باطن الأصابع وباطن الراحة مبني على أصل عندهم وهو إثبات التراب الطاهر والصحيح أن التراب إما طهور وإما نجس والقسمة الثلاثية إنما هي واردة في الماء فحسب الماء ينقسم إلى ماء طهور وطاهر ونجس وأما التراب فهذا قول محدث بمعنى أنه اجتهاد من أصحاب المذهب ولا دليل عليه يدل على إثبات هذا القول، إذاً (يمسح وجهه بباطنها) أي باطن الأصابع يعني قسموا باطن الأصابع يجعلها للوجه ثم راحة باطن اليد الراحة يجعلها للكفين؛ لماذا؟ لأنه لو مسح الوجه كله بباطن الأصابع والراحة ثم استعملها في الكفين لكان مستعمل لتراب قد استعمل في استباحة ما ترتب على التيمم كصلاة ونحوها - حينئذٍ - صار التراب طاهراً وإذا كان كذلك إذا كان التقسيم هنا مبني على تعليل أو علة ضعيفة صار التقسيم كذلك محدث كسابقه بمعنى أنه لم يرد في السنة هذا التقسيم أولاً جاء في الحديث (ضربة واحدة للوجه واليدين) ولم يتأتي فيه تفصيل مما دل عليه المذهب - حينئذٍ - نبقى على الأصل فنقول كما قال تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) فيمسح الوجه كيفما مسح ويمسح اليدين كيفما مسح


وعلى الصحيح سواء قدم مسح الوجه على اليدين أو قدم مسح اليدين على الوجه لا بأس به وكيفما مسح أجزأه وأما التفصيل الذي يذكره الفقهاء هذا لا دليل عليه، إذاً (يمسح وجهه بباطنها) أي بباطن أصابعه (وكفيه) أي يمسح كفيه (براحتيه) الراحة باطن اليد استحباباً فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره صح أو عكس صح لماذا؟ لأنه لا يشترط فيه الترتيب واستيعاب الوجه والكفين واجب سوى ما يشق وصول التراب إليه ذكرنا أن الأئمة الأربعة على أنه يجب الاستيعاب وأن ابن حزم رحمه الله تعالى لا يرى ذلك لأن فيه شيء من المشقة إذاً هذه الصفة التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى ثم قال (ويخلل أصابعه) وجوباً في المذهب بخلاف الوضوء فيستحب لماذا لأنه لا يتمكن من إيصال التراب إلى ما بين أصابعه إلا بالتخليل وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف ماذا؟ بخلاف الوضوء قلنا في الوضوء في الجملة هو مستحب تخليل الأصابع ذكره في (باب السواك وسنن الوضوء) أن تخليل الأصابع من المستحبات وقلنا الصحيح التفصيل أنه قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً فإذا لا يمكن إيصال الماء بنفسه إلى الموضع - حينئذٍ - وجب التخليل لأنه لابد من إيصال الماء وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وأما إذا وصل الماء بنفسه - حينئذٍ - لا نحتاج إلى التخليل هذا في الوضوء وأما في التيمم لا يمكن التراب أن يصل بنفسه - حينئذٍ - ارتفع نوع من أنواع وصول الماء إلى الموضع وأما التراب هنا فيتعين أن يكون واجباً لأن الاستيعاب واجب ولا يمكن إيصال التراب إلى هذا الموضع الذي هو بين الأصابع إلا بتخليله فتعين التخليل فصار واجباً بناء على قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وعلى ما سبق نقول الصحيح أنه لا يشرع تخليل الأصابع بمعنى أنه لا يعتقده سنة ولا يداوم عليه من باب أولى والصحيح أنه ليس بواجب بل ليس بسنة لماذا؟ لعدم الدليل عدم الدليل لماذا؟ لأن الأصل هنا التوقيف عدم المشروعية - حينئذٍ - تقول الدليل هو عدم الدليل إذاً من قال بأن تخليل ما بين الأصابع مستحب أو أنه واجب نقول ائتي بنص من كتاب أو سنة فإن جاء به فعلى العين والرأس وإلا رجعنا إلى الأصل وهو عدم المشروعية، إذاً قوله (ويخلل أصابعه) وجوباً ليصل التراب إلى ما بينها نقول هذا فيه نظر إذاً الصفة التي ذكره المصنف في الجملة لم تثبت لأنه قال (ينوي) هذا واضح (إنما الأعمال بالنيات) - حينئذٍ - النية شرط لطهارة الأحداث كلها وضوء وغسلاً وتيمماً (ثم يسمي) نقول لا يشرع التسمية يضرب التراب بيديه ويمسح بهما وجهه ويديه هذه الصفة التي جاءت في الكتاب (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) - حينئذٍ - نقول نبقى على ظاهر النص كيفما مسح وجهه أجزأه وكيفما مسح يديه أجزأه سواء قدم الوجه على اليدين أو عكس نقول هذا لا بأس به وإن كان موافقة القرآن مستحبة لكن لا على جهة الإيجاب وهنا قوله (يمسح وجهه بباطنها وكفيه براحتيه) هذا التقسيم وهذا التفصيل كذلك ليس عليه دليل (ويخلل أصابعه) كذلك ليس عليه دليل.


ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (باب إزالة النجاسة) أي باب بيانها وبيان أحكامها وتطهير محالها وما يعفى عنه منها وما يتعلق بذلك هذا النوع الثاني من نوعي الطهارة المجمع عليها بين الفقهاء سبق حد الطهارة (وهي ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث) قلنا هذان نوعان مجمع عليهما في الجملة يعني من حيث التقسيم الأصلي عندنا طهارة الحدث وطهارة الخبث طهارة الحدث هذه تشمل نوعين طهارة صغرى وهي الوضوء وطهارة كبرى وهي غسل الجنابة ونحوه وبدل عنهما وهو التيمم - حينئذٍ - بقي ماذا؟ النوع الثاني وهو طهارة الخبث وهو الذي عناه بهذا لباب (باب إزالة النجاسة) إذاً هذا شروع منه في بيان النوع الثاني المجمع عليه بين أهل العلم وهو طهارة الخبث وقدم هذا الباب على باب الحيض والنفاس لا شك أن موجبات الغسل منها الحيض والنفاس إذاً الحيض والنفاس له ارتباط بموجبات الغسل فلما فصل بين ما يتعلق بالغسل موجباته من الجنابة والحيض والنفاس فصل بين هذه الأبواب بالنوع الثاني وإن كان باب الحيض والنفاس له علاقة بالطهارة السابقة طهارة الحدث نقول الجواب أن إزالة النجاسة هذا مشترك بين الرجال والنساء وأما الحيض والنفاس فهذا مختص بالنساء - حينئذٍ - إذا تعارض أمران من حيث التقديم والتأخير فما كان مشتركاً أولى بالتقديم مما كان مختصاً أليس كذلك؟ ولذلك قدموا هذا الباب على باب الحيض والنفاس (باب إزالة النجاسة) (إزالة) هي التنحية يقال أزلت الشيء إزالة والنجاسة اسم مصدر وجمعها أنجاس والنجاسة كما سبق التعريف الصحيح الذي لا ينتقض ولا يقع الإنسان فيه تعارض مع أصول أخرى هو أن قول النجاسة {عين مستقذرة شرعاً}، وهذا النجاسة العينية {عين} يعني مما له جرم أو طعم أو لون أو رائحة {مستقذرة شرعاً} يعني الاستقذار جاء من جهة الشرع لأن الاستقذار نوعان: قد يستقذر من جهة الطبع كالمخاط والبصاق ونحوه هذا مستقذر طبعاً لكنه ليس بنجس لماذا؟ لعدم ورود الدليل الدال على نجاسته كذلك المني هذا مستقذر طبعاً لكنه بنجس إذاً ليس كل مستقذر يكون نجساً وإنما يكون من جهة الشرع {شرعاً} لإدخال ما لا يستقذر طبعاً وإنما يستقذر شرعاً كالخمر الخمر في الجملة عند أربابها وأصحابها عند أربابها أما الذين تعافه نفسهم ذلك هذا شيء آخر عند أصحابها هي غير مستقذرة بل هي مشروبات روحانية كما يقال - حينئذٍ - نقول هي غير مستقذرة إذاً عند جماهير أهل العلم وحكي الإجماع إن كان فيه شيء من النظر أن الخمر نجس - حينئذٍ - هو مستقذر من جهة الشرع لا من جهة الطبع واضح هذا إذاً ثلاث كلمات تحفظها في بيان حقيقة النجاسة {عين مستقذرة شرعاً} وأما التعريف المشهور كل عين حرم تناولها مع إمكانه لا لحرمته ...


إلى آخر التعريف المذكور هذا تعريف فاسد؛ لماذا؟ لأنهم أخذوا التحريم قيد في حد النجاسة يلزم منه أن كل محرم لا لما ذكر منفي في الحد يكون نجساً - حينئذٍ - التحريم يستلزم التنجيس وهذه قاعدة باطلة كل نجس محرم لكن ليس كل محرم يكون نجس إذا أخذنا التحريم قيداً في تحريم النجاسة لزم منه هذه القاعدة ولذلك يقرر بعض الفقهاء ليس من المتقدمين هم أصحاب أصول مضطردة إنما من المعاصرين يقرر أن قاعدة كل محرم نجس قاعدة باطلة ثم يعرف النجس أو النجاسة بهذا الحد نقول هذا تعارض هذا تناقض إذا قررت بأن قاعدة كل محرم ليس بنجس وأن قاعدة كل محرم نجس هذه قاعدة فاسدة وجب إخراج لفظ التحريم من حد النجاسة - حينئذٍ - التعريف المشهور {كل عين حرم تناولها} أخذ التحريم قيد هنا فنقول يلزم منه أن كل محرم لا لما ذكر يكون نجساً وهذه قاعدة باطلة على كل أدركتم هذا أو لا نقول التعريف الصحيح {عين مستقذرة شرعاً} انظر لم نذكر اصطلاح التحريم لا يلزم منه أن يكون من كل محرم نجس بل العكس هو الصحيح (باب إزالة النجاسة) نقول الأصل في الأعيان الطهارة إذاً أصل في هذا الباب بمعنى أن لا نحكم على الشيء بكونه نجساً إلا بدليل لماذا؟ لأن الأصل في الأعيان الطهارة كل باب له أصول من أصول هذا الباب إزالة النجاسة أن الأصل في الأعيان حتى المائعات ومنها أي داخلت في حقيقة الأعيان الأصل فيها الطهارة قال ابن حزم رحمه الله تعالى [من ادعى نجاسة أو تحريماً لم يصدق إلا بدليل] [من ادعى نجاسة] يعني قال بأن هذا الشيء نجس [لم يصدق] خبره [إلا بدليل من نص القرآن أو سنة صحيحة] فإذا ادعى بأن هذا لشيء نجس نقول أثبت هذا بالقرآن والسنة فإن جاء بدليل واضح بين لا يحتمل وكان ظاهر في الحكم بالنجاسة قبلنا الحكم فإن لم يأتي بدليل أو جاء بدليل لكن ليس بظاهر - حينئذٍ - حكمنا بكون الشيء طاهراً ونرجع إلى الأصل قال الله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) (خلق لكم ما) اسم موصول بمعنى الذي يعم وامتن الله عز وجل هنا بما خلق لنا في الأرض - حينئذٍ - لا يمتن إلا بشيء طاهر مباح وأما النجس فلا يمتن به ألبته وقال تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميع منه) كذلك امتن بما سخره لنا في السموات والأرض - حينئذٍ - نقول هذا يدل على أنه طاهر لأن الله تعالى لا يمتن بشيء نجس ألبته قال الله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة وأن النجاسات محصاة مستقصاة - يعني معدودة تعد فيقال كذا وكذا وكذا نجس وما عداه فهو طاهر كما تقول نواقض الوضوء كذا وكذا وكذا وما عداه لا ينقض الوضوء موجبات الغسل كذا وكذا وكذا وما عداه لا ينقض الوضوء - وما خرج عن الضبط والحصر فهو طاهر كما يقولون فيما ينقض الوضوء ويوجب الغسل وما لا يحل نكاحه وشبه ذلك] إذاً الأصل في الأعيان الطهارة كذلك قال (باب إزالة النجاسة) من الأصول المعتمدة وإن كان فيها خلاف بين أهل العلم أن الأصل في إزالة النجاسة أنه لا يجوز إزالتها بغير الماء الطهور - حينئذٍ - لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غير الماء الباقي على خلقته حقيقة أو حكماً


وهذا كما سبق بيانه وإن كان ثَمَّ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية أن النجاسة تزال بكل مائع مزيل كالخل ونحوه وهو مذهب أبو حنفية ولكن هذا مذهب ضعيف والأرجح هو الأول لعله مر شيء معنا من الأدلة إذاً لا يجوز إزالتها بغير الماء الطهور وهو المذهب مطلقاً قال الخطابي [إنما تزال النجاسة بالماء دون غيره من المائعات وهو قول الجمهور] ونسبه النووي في المجموع إلى جماهير السلف والخلف، النجاسة ثلاثة أقسام: الأولى: نجاسة معنوية، والثانية: نجاسة عينة، والثالثة: نجاسة حكمية، معنوية هي نجاسة الشرك قال الله تعالى (إنما المشركون نجس) يعني بنجاسة الشرك وأما أعيانهم فهذه في حال الحياة ليسوا بأنجاس أما في الممات فهم أنجاس (إنما المشركون نجس) إذاً بنجاسة الشرك وطهارتها تكون بالتوحيد وأما بدن المشرك فهو طاهر وكذلك عرقه وريقه وما يصنعه فطاهر على الأصل، ثانياً: نجاسة عينية وهي التي عرفناها فيما سبق عين مستقذرة شرعاً - حينئذٍ - نقول ما له جرم أو طعم أو رائحة أو لون فهو نجاسة عينية يعني ما يدرك بالبصر وعين جامدة يابسة أو رطبة أو مائعة فهذه لا تطهر بحال وليست دخلة معنا في هذا الباب ألبته يعني النجاسة العينية ليست هي المرادة هنا وسميت عينية لأنها تدرك بحاسة البصر وإن لم تكن مختصة به يعني تدرك بالشم وبذوق وليست منحصرة في ذلك ولكن سميت عينية نسبة إلى العين لأن في الغالب إنما تدرك بالبصر وليست منحصرة في إدراك البصر بل قد تدرك بغير ذلك، النوع الثالث: نجاسة حكمية وهذه هي التي عنون لها المصنف هنا إذاً ليست النجاسة العينية وليست النجاسة المعنوية وإنما المراد بها النجاسة الحكمية وهي لا يمكن أن تفهم إلا بمعرفة النجاسة العينية؛ وحقيقتها: هي الطارئة على محل طاهر؛ النجاسة الحكمية هي الطارئة على محل طاهر يعني نجاسة عينية تقع على بدن طاهر فنحكم على البدن هو في الأصل طاهر فنحكم على البدن بكونه نجساً هل هو نجس عيناً أو بحلول هذه النجاسة عليه؟ لا شك أنه الثاني ويكون الثوب طاهراً نقياً فيقع عليه قطرة بول - حينئذٍ - نقول البول نفسه نجاسة عينية والثوب نجاسة حكمية؛ لماذا؟ لأنه في الأصل هو طاهر وإنما حكمنا عليه بكونه نجساً حكماً؛ لماذا؟ لوقوع النجاسة العينية عليه إذاً الحكمية هي الطارئة على محل طاهر فالأصل يكون طاهر تقع عليه نجاسة عينية فنحكم على هذا الطاهر بكونه نجساً لكن ليست نجاسة عينية وإنما هي نجاسة حكمية والحكمية بعضهم قال ما ليس لها ذلك يعني ما ليس لها جرم أو طعم أو رائحة أو لون وهو كذلك كالبول إذا جف وعدمت صفاته مع تيقن إصابته سميت حكمية لأنها لا تدرك بحاسة من الحواس الخمس فلا يشاهد لها عين ولا يدرك لها طعم ولا رائحة ومع وجود ذلك فيها تحقيقاً أو تقديراً هذه النجاسة الحكمية على أربعة أنواع: سيتعرض لها المصنف لكن دون تقسم النوع الأول: وهذا عند الحنابلة وعند الشافعية أقسام النجاسة أربعة: النوع الأول: نجاسة مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير، ثانياً: نجاسة مخففة وهي نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ونجاسة المذي لأنه جاء فيه الرش النضح دون الغسل، ثالثاً نجاسة متوسطة بين ذلك


يعني فيها غسل ولم تغلظ بأن يجعل التراب فيها ولم يخفف فيها بأن يجعل أو يكتفا بالنضح والرش دون الغسل وهو ما عدا ما ذكر يعني ما عدا نجاسة الكلب والخنزير وبول الغلام الذي لم يأكل الطعام - حينئذٍ - نقول هذه نجاسة متوسطة لأنه لم يشترط التتريب التراب وكذلك لم يخفف يعدل عن الغسل إلى النضح، رابعاً: نجاسة معفو عنها كيسير الدم وأثر الاستجمار في محله على المذهب وإن قلنا فيما سبق أن الصحيح أنه طاهر، قال المصنف رحمه الله تعالى (يجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تَذْهَب بعين النجاسة) (تُذْهِب تَذْهَب) (يجزئ في غسل النجاسات) النجاسات أل هنا للعموم يعني يعم كل النجاسات ولو كانت من كلب أو خنزير (كلها) (في غسل النجاسات كلها) هذا من باب التأكيد لكن قيدها المصنف (إذا كانت على الأرض) بمعنى أنها لم تكن على البدن ولم تكن في محل الاستجمار مثلاً ولم تكن على الثوب وإنما الحكم هنا خاص بالنجاسة الواقعة على الأرض (يجزئ في غسل النجاسات كلها) دون تفصيل بين نجاسة الكلب والخنزير وغيره من النجاسات بشرط أن (إذا كانت على الأرض) لأن قوله (إذا كانت على الأرض) مفهومها هذه الجملة إذا لم تكن على الأرض فليس الحكم فيها ما ذكر (إذا كانت على الأرض) فالحكم فيها أنه يجب إزالتها بغسلة واحدة وأما إذا لم تكن على الأرض فالحكم مختلف ويأتي تفصيله (إذا كانت على الأرض) قال الشارح [وما اتصل بها] يعني ليس المراد الأرض فحسب وإنما ما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور والجبال والأشجار لو وقعت نجاسة على جبل رأس جبل فالحكم واحد لو وقعت نجاسة على الجدار فالحكم واحد لو وقعت نجاسة على رأس شجرة فالحكم واحد إذاً الأرض وما اتصل بها يعني وما ثبت مكانه بمكان الأرض ما الذي يجزئ؟ قال (غسلة) (يجزئ) (غسلة) (غسلة) بالرفع على أنه فاعل (يجزئ) (يجزئ) (غسلة واحدة) لكن بماء طهور لأنه يشترط في إزالة النجاسة أن تكون بماء طهور (تذهب بعين النجاسة) هذا هو الشرط في تحقق هذه الغسلة (غسلة واحدة تذهب) هذه الغسلة (بعين النجاسة) الدليل على ذلك؟ ما جاء في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم حديث الأعرابي (أريقوا على بوله سجلاً من ماء أو قال ذنوباً من ماء) (أريقوا على بوله) أين وقع؟ وقع على الأرض (سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء) - حينئذِ - أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإراقة وهذه إنما تحصل بغسلة واحدة يعني بإراقة واحدة يقال هل اشترط النبي صلى الله عليه وسلم بالنص هنا عدداً معيناً؟ الجواب لا، - حينئذٍ - لما كان الحكم معلق على عين النجاسة - حينئذٍ - يدور بدوران النجاسة فمتى زالت هذه النجاسة بهذا الماء الطهور مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث - حينئذٍ - نقول لا تزال النجاسة إلا بزوالها يعني لا يزال حكمها إلا بزوال عينها ولذلك قال المصنف (تذهب) أي هذه الغسلة (بعين النجاسة) فإن لم تذهب بالغسلة الواحدة تعينت غسلة الثانية فإن لم تذهب عين النجاسة بالغسلة الثانية تعينت الثالثة إذاً تعين الثانية والثالثة هل هو لذات الحكم أو لأمر زائد على الحكم؟ هل هو لذات الحكم بمعنى أنه يشرع ابتداء سبع غسلات أو ثلاث أم لكون الحكم مرتباً على عين


النجاسة؟ لا شك أنه الثاني لأنه قال (غسلة واحدة) إذاً المشروع هو غسلة واحدة فإذا زالت النجاسة بغسلة واحدة حكمنا على المحل بكونه طاهراً إذاً الحاصل نقول تطهر أرض متنجسة بمائع كبول أو بنجاسة ذات جرم أزيل عنها ولو من كلب أو خنزير وما اتصل بها بمكاثرة الماء عليها وهي المراد بقوله (غسلة واحدة) يعني تطهر بالمكاثرة لكن لابد من إزالة عين النجاسة أول الجرم لابد من إزالته فإن كان مائع يذهب مع الماء في أجزاء الأرض اكتفينا بالغسلة الواحدة وإن كان ثَمَّ أجزاء لها جرم يدرك بالبصر لابد من إزالته - حينئذٍ - سواء كان هذا الجرم مائع أو جامداً يزال أولاً ثم بعد ذلك تكاثر الأرض بالماء لحديث أنس قال (جاء عرابي فبال في طائفة المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو قال ذنوباً من ماء) متفق عليه ولو لم يطهر بذلك لكان تكثيراً للنجاسة وهو كذلك ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم في تطهيرها العدد دفعاً للحرج والمشقة، إذاً إذا كانت النجاسة على الأرض إنما يكون تطهيرها بغسلة واحدة تذهب هذه الغسلة بعين النجاسة فإن كانت جرماً يدرك بالبصر والحس - حينئذٍ - لابد أولاً من إزالة هذا العين ثم إراقة الماء على الأرض، (وعلى غيرها سبع إحداها بتراب في نجاسة كلب وخنزير ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) هذا ما يتعلق بالنجاسة المغلظة تطهير النجاسة المغلظة وهي نجاسة كلب وخنزير فقال المصنف (وعلى غيرها) يعني ويجزئ في نجاسة على غيرها الضمير يعود على الأرض يعني على غير الأرض أما إذا كانت نجاسة الكلب والخنزير على الأرض فالحكم كما سبق غسلة واحدة، إذاً تأخذ من هذا أن ليس كل نجاسة كلب يشرع فيه التسبيع والتتريب وإنما فيه تفصيل فيقال ولوغ الكلب مثلاً أو نجاسة الكلب على جهة العموم إذا وقعت على الأرض - حينئذٍ - لا تسبيع ولا تتريب وإنما يجزئ غسلة واحدة وإذا وقعت نجاسة الكلب والخنزير على غير الأرض - حينئذٍ - جاءت مسألة التسبيع والتتريب (على غيرها) أي على غير الأرض (سبع) بالتنوين التنوين هنا عوض عن المضاف إليه يعني سبع غسلات كما قال الشارح (سبع) هذا عدد هل له مفهوم أم لا؟ هل له مفهوم أم لا؟ نقول نعم له مفهوم باعتبار الأقل يعني لا ست لا خمس لا أربع لا غسلة واحدة فإن غسل أدنى وأقل من سبع لم يجزئ ولو زالت النجاسة إن قلنا للنجاسة لا للتعبد؛ هل له مفهوم باعتبار الزيادة؟ الجواب لا ليس له مفهوم باعتبار الزيادة بل لو لم تطهر وأدركنا ذلك بالحس إلا بثامنة بتاسعة بعاشرة وجب؛ لماذا؟ لأن الحكمية النجاسة تطهير النجاسة الحكمية إن كانت موجودة النجاسة - حينئذٍ - ما اشترط فيه العدد كسبع ولم تزل عين النجاسة بالسبع وجب زيادة العدد؛ لماذا؟ لأن المراد من الحكم هنا وهو وجوب الغسل إزالة العين وما ترتب عليه فإذا كانت العين باقية- حينئذٍ - تعلق الحكم بها فلابد من زيادة ثامنة وتاسعة وعاشرة لأن الحكم معلق بعين النجاسة - حينئذٍ - لو لم تذهب عين النجاسة بسبع قلنا ما أجزأت السبع؛ لماذا؟ لأن الغسل إنما وجب لإزالة العين والعين باقية - حينئذٍ - يتعين الزيادة، إذاً (سبع) له مفهوم باعتبار الأقل


فأقل من سبع لا يجزئ ولو زالت النجاسة وما زاد على سبع فهو بالنظر في عين النجاسة متى ما وجدت النجاسة وجب الزيادة ومتى ما ذهبت توقفنا عند السبع (على غيرها سبع) أي سبع غسلات قال (إحداها بتراب) ظاهر المتن لأنه لم يعين هل هي الأولى؟ هل هي الثانية؟ هل هي السابعة؟ قال (إحداها) ظاهره أنه لا أولوية لأنه قال (إحداها بتراب) إذاً التراب يكون في واحدة من هذه الغسلات السبع أي هذه الغسلات هي أولى؟ لم يعين المصنف فكأنه استوى عنده الأمران جعلها في أولها جعلها في آخرها جعلها في أثنائها الحكم واحد إذاً ظاهر كلام الماتن أنه لا أولوية فيه وهو رواية عن الأمام أحمد وعنه رواية أخرى وهي التي اختارها الشارح الأَولى أن يكون في الغسلة الأُولى وهو الصحيح الأولية من حيث الأجزاء أجزأ لا إشكال فيه لكن الأفضل والأحسن والأولى أن تكون في الأولى وعنه رواية ثالثة أن تكون الأخيرة أولى لكن الرواية الثانية هي أرجح لحديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب) وجاء في رواية (إحداهن بالتراب) وجاء في رواية (أخراهن بالتراب) إحداهن لا تعارض بينها وبين أولاهن أو أخراهن؛ لماذا؟ لأنها تصدق إحداهن أولاهن يحتمل أن إحداهن هي الأولى فلا تعارض كذلك إحداهن مع أخراهن هذه لا تعارض - حينئذٍ - لا تعارض بين رواية إحداهن مع الروايتين الأخريتين؛ أين وقع التعارض؟ أولاهن وأخراهن؛ أيهما أرجح؟ كلاهما صحيحتان ثابتة وإنما الأرجحية هنا كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى [فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة والأولى أرجح - من حيث ماذا - من حيث الأكثرية - رواتها أكثر من رواة أخراهن - والأحفظية - يعني رواة أولاهن أكثر حفظاً من رواة أخراهن - والمعنى] يعني النظر؛ ما هو النظر؟ قالوا إذا جعلنا التراب في الأخيرة لزم منه تلويث الموضع ونحتاج إلى ثامنة ونحن المشروع عندنا سبعة إذاً لو جعلناها الأولى لجاء الماء بعدها منظفاً ومطهراً لها إذاً من حيث المعنى ومن حيث ما يليق بالتطهير أن نجعل التراب في الأولى وهذا هو الأرجح إذاً (إحداها) أي إحدى الغسلات (بتراب) والأولى أولى لما ذكرناه سابقاً ولا خلاف بينهم أنه لو جعل التراب في أي غسلة شاء أنه يجزئ وإنما الخلاف في الأولوية والصحيح أن الأولى هي الأولى قال (بتراب) يعني يضع التراب مع الماء في الغسلة الأولى؛ وهل هو شرط أم مستحب؟ فيه خلاف حتى في المذهب والصحيح أنه شرط بمعنى أنه واجب ولذلك نقول الصحيح من المذهب اشتراط التراب في غسل نجاسة الكلب والخنزير مطلقاً قال الشارح بتراب طهور احترازاً من الطاهر احترازاً من النجس لا إشكال فيه إذا علمنا بأن هذا التراب نجس لا يصح استعماله في تطهير نجاسة الكلب وهذا واضح وأما التفريق بين الطهور والطاهر فكما سبق لا أصل له فكل تراب لم يكن نجساً صح أن يجعل في إحدى هذه الغسلات (إحداها بتراب في نجاسة كلب) (في نجاسة كلب) هنا فيه عموم (في نجاسة كلب) أطلق المصنف - حينئذٍ - نجاسة الكلب هنا تعم سواء كان من جهة الولوغ أو من جهة روثه أو من جهة عرقه أو من جهة ما يخرج من أنفه فهو عام يشمل البول والروث والولوغ وعرقه كل ما يخرج منه -


حينئذٍ - كل ما خرج من الكلب فيشرع بل يجب في تطهير نجاسته أن يكون بسبع أولاهن بتراب هذا الذي أراده المصنف قال (في نجاسة كلب) إذاً (في نجاسة كلب) فيه شمل لأنواع النجاسة الصادرة عن الكلب فكل نجاسة خرجت من كلب ولم تقع على أرض - حينئذٍ - نقول تطهيرها يكون بهذه الصورة التي ذكرها المصنف والصحيح أن الحكم خاص بولوغه لأن الحكم جاء معلقاً بالولوغ - حينئذٍ - قوله (إذا ولغ الكلب) إذاً إذا بال الحكم يختلف إذا خرج من عرق الحكم يختلف فإذا نص الشارع على حكم ورتب عليه شيء - حينئذٍ - نكتفي بما هو عليه (إذا ولغ الكلب) إذاً الحكم معلق بالولوغ (في نجاسة كلب) أطلق المصنف الكلب لأن الكلب أنواع منه معلم ومنه غير معلم فقوله (نجاسة كلب) يشمل المعلم وغير المعلم سواء كان صغيراً جرواً أو كان كبيراً سواء كان مما يباح اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والحراسة أو لا فالحكم عام قالوا سواء كان حضرياً أو بدوياً فالحكم عام إذاً كل كلب بقطع النظر عن نوعه فالحكم عام لأن قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب) بأل أل هذه للجنس وهي من صيغ العموم كلب هذا علم اسم دخلت عليه أل - حينئذٍ - يعم فلا يختص بنوع دون نوع آخر فمن أخرج كلب الصيد والماشية والحراسة عن الحكم بالمشقة نقول هذا اجتهاد مخالف للنص لماذا؟ اجتهاد مخالف للنص لأن هذه الأفراد داخلة في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب) نقول هذه أل تفيد الجنس وهي تفيد العموم كل أنواع الكلاب داخلة في هذا النص - حينئذٍ - إذا كان من صيغ العموم لا يخرج فرد من أفراد العموم بالاجتهاد ومنه القياس على الصحيح فإذا كان كذلك فدعوا إخراج ما أبيح اقتناؤه نقول هذا بالاجتهاد وهو اجتهاد مقابل للنص لأن هذه الأنواع داخلة في مفهوم هذا الحديث إذاً (في نجاسة كلب) فيه عمومان عموم من جهة أنواع النجاسة الولوغ وما عداه والصحيح أن الحكم خاص بالولوغ وفيه عموم آخر وشمول وهو لأنواع الكلاب وهو الصحيح مسلم للمصنف؛ قال (وخنزير) خنزير معلوم معروف؛ ما الدليل على أن الحكم يستوي في الكلب والخنزير؟ أما الكلب فالنص وأما الخنزير قالوا هذا قياساً على الكلب لأنه شر منه - حينئذٍ - نقول هل هذا الدليل مستقيم أم لا؟ كان الخنزير معروفاً وإن لم يكن بجزيرة العرب ولم يكن في المدينة النبوية التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ذكره موجود في القرآن فإذا كان كذلك لما خص النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بالكلب دل على أن الحكم معلق على مسماه وهو الكلب - حينئذٍ - قياس غيره عليه يكون قياساً في مقابلة النص؛ ما هو النص الذي معنا؟ لأن النص هنا يدل بالمنطوق على إثبات الحكم للكلب ولوغ الكلب ويدل بالمفهوم على نفي الحكم عن غير الكلب واضح فله دلالة بالمنطوق وله دلالة بالمفهوم - حينئذٍ - نقول المفهوم دليل شرعي وقياس الخنزير على الكلب مصادماً لمفهوم هذا النص لأنه قال (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله) هذا له مفهوم شرط وهو معتبر إذا ولغ غير الكلب لا يغسل سبعاً ولا يغسل إلا على الأصل إن كان نجساً والخنزير نجس بالإجماع - حينئذٍ - نقول إلحاقه بالكلب فيه نظر بل الصواب أن الحكم خاص بالكلاب إذاً (إحداها بتراب


في نجاسة كلب وخنزير) لحديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم) (في إناء أحدكم) (إناء) إذاً الشيء الذي يكون صغيراً (أحدكم) الحكم خاص بالمسلمين أو أنه عام يشمل الكافرين هل هو خاص أم عام؟ الصحيح أن هذه الفروع عامة في شأن المسلم والكافر فهي عامة لكن يشترط في الكافر أنه يسلم أولاً (فليغسله) الفاء وقع في جواب الشرط واللام هذه لام الأمر ولام الأمر تدل على الوجوب (فليغسله) إذاً صار الغسل واجباً دل على أن ولوغ الكلب في الإناء فيه شيء مما يدل على نجاسته على أنه نجس وقوله (سبعاً) (فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب) نقول (سبعاً أولاهن بالتراب) هل هو داخل في المأمور به أم أنه قدر زائد على صيغة الأمر؟ انتبه لهذه هذه من المزالق قوله صلى الله عليه وسلم (فليغسله) بعض الفقهاء يقف هنا (فليغسله) يقول هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب إذاً الغسل واجب بقي شيء آخر وهو التسبيع والتتريب قوله (سبعاً) داخل في مفهوم الغسل - حينئذٍ - لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمطلق الغسل اغسله فقط لا ليس هذا المأمور به وإنما المأمور به غسل وعلى كيفية معينة كما أمر بالوضوء وبكيفية معينة إن وقع الوضوء على هذه الكيفية كان ممتثلاً فإن لم يقع هذا الوضوء على الكيفية المعينة شرعاً لم يكن ممتثلاً كذلك هنا أمر بغسل بكيفية معينة إن وقع هذا الغسل بهذه الكيفية المعينة كان ممتثلاً وإن لا فلا نأخذ من هذا التقرير تقعيد أن التسبيع واجب لقوله (فل ... )


اللام هذه للوجوب نأخذ بأن التراب واجب لقوله (فليغسله) إذاً لام الأمر دلت على الوجوب وجوب الغسل لكن بصفة معينة فإن وقع بهذه الصفة المعينة كان ممتثلاً وإن لا لم يكن ممتثلاً وأما الوقوف مع صيغة الأمر فحسب والمتعلقات التي تعلقت بهذا الفعل تترك وتهجر أو تجعل أنها من المسنونات أو أن الأمر لا يدل عليه هذا مخالف للتقعيد الصحيح عند الأصوليين ولذلك قال بعض الأصوليين لو أمر الشارع بأن قال صوم يوم الاثنين فصام يوم الثلاثاء؛ هل هذا ممتثل أو لا؟ لم يمتثل؛ لماذا مع كونه قد أوقع صياماً؟ لأنه لم يأمر بصيام مطلق أليس كذلك؟ وإنما أمر بصيام مقيد - حينئذٍ - يكون الامتثال بالصيام المقيد لا بمطلق الصيام، كذلك إذا أمر بماذا؟ إذا أمر بغسل ثم حدد هذه الغسلات وإحدى هذه الغسلات تكون بتراب - حينئذٍ - إذا جاء بالسبع كان ممتثلاً وإن لم يأتي بالسبع لم يكن ممتثلاً إن جاء بالسبع وإحداهن إحدى الغسلات السبع بتراب كان ممتثلاً وإلا فلا، ثم قال رحمه الله تعالى (ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) (يجزئ عن التراب) يعني لو لم يضع، النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أولاهن بالتراب) فالأصل الوقوف مع النص؛ لماذا؟ لأن الحكم هنا وإن كان مدركاً من جهة التعليل تعليل الأصل قلنا أن الحكم معلل بالنجاسة لكن لا يلزم أنه إذا كان الحكم معللاً بالنجاسة أن يكون الطريق في إزالة النجاسة كذلك مدركاً بالعقل يعني قد يكون الأصل معللاً والوسيلة أو الطريق في التحصيل تعبدي ولذلك الزكاة مثلاً وهذه قاعدة ذكرها ابن دقيق العيد في إحكام الإحكام قاعدة نفيسة؛ الزكاة ركن من الدين الإسلام وهي واجبة وهذا الحكم معلل مواساة الفقراء إلى آخره - حينئذٍ - نقول تعليل صحيح ودلت عليه نصوص لكن في أربعين شاة شاة معلل أم تعبدي؟ في عشرين مثقال من الذهب كذا وكذا معلل أم لا؟ معلل؟! غير معلل؛ ليه ما خص الأربعين لما لو كان الحكم تسع وثلاثين شاة هل وجبت الزكاة؟ ما وجبت الزكاة؛ ما الفرق؟ واحدة، لو كان الحكم مدركاً بالعقل لقيل الأربعون وإذا نقصت واحدة لا فرق لا أثر فيها عند من أخرج وعند غيره - حينئذٍ - نقول أصل الزكاة معلل وهو مواساة الفقراء - ومن جهة التكافل ونحوه - وأما أنصبت وتحديد من يخرج له أصحاب الأصناف الثمانية نقول هذا غير معلل فالتعبد وقع في كيفية إخراج الزكاة وإن كان الأصل معللاً هنا إذا قيل إذا ولغ الكلب كان معللاً بالنجاسة لا يلزم أن يكون الطريق الذي هو الغسل السبع والتتريب أن يكون معللاً لأن النجاسة قد تزول بالأولى أو الثانية - حينئذٍ - لما لابد من إيصاله للسابعة نقول التسبيع غير معلل فهو تعبدي لأنه قد يكون إدراك الولوغ وهو قد زال بالأولى والثانية وقد يضع التراب بالأولى وينظف الإناء كما كان بالثانية أو الثالثة وجب عليه أن يوصل العدد إلى سبع لماذا؟ تعبداً لما لابد من وضع التراب نقول تعبداً لو جاء شيء آخر غير التراب كالأشنان ولو كان أنظف وقوى في التنظيف نقول جاء الشرع بالتنصيص على التراب وغيره لا يجزئ إذاً قوله (ويجزئ عن التراب أشنان) يعني ولو مع وجود التراب ونحوه من كل ما له قوة في الإزالة كالملح ونحوه والأشنان بضم الهمزة وكسرها شجر يدق ويكون


حبيبات كالسكر تغسل به الثياب سابقاً وهو خشن كالتراب منظف ومزيل يعني يؤدي ما يؤديه التراب بل أبلغ من التراب - حينئذٍ - هل نقول أولاهن بالتراب إذاً إذا عند تراب وهذا أنظف إذاً أولاهن بالأشنان أو بغيره من الأمور المستحدثة الآن نقول لا ليس الأمر كذلك لماذا؟ أولاً إتباعاً للنص نص النبي صلى الله عليه وسلم على التراب والأشنان كان موجوداً آن ذاك وغيره غير التراب من المطهرات كان موجوداً آن ذاك وقتئذ - حينئذٍ - كون النبي صلى الله عليه وسلم ينص على التراب دل على أنه مقصود بذاته فلا يعدل عن غيره ألبته فإتباعاً للنص نبقى على أنه لا يجزئ غير التراب كذلك وجود الأشنان والسدر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشر إليها ثالثاً التراب أحد الطهورين كون النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين التراب والماء لآن التراب يكون بدلاً عن الماء في طهارة الحدث الأصغر أو الأكبر إذاً قوله (ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) الصحيح أنه لا يجزئ، وإذا لم يجد التراب - حينئذٍ - نقول سقط يسقط عنه التراب لماذا؟ لأنه واجب في الغسل ولا واجب إلا مع القدرة فإذا عجز عنه أو فقده - حينئذٍ - يسقط عنه، ثم قال (وفي نجاسة غيرهما سبع) (في نجاسة غيرهما) غير ماذا؟ الكلب والخنزير ويجزئ (في نجاسة غيرهما) أي غير الكلب والخنزير (سبع) أي سبع غسلات لكن مفهوم نجاسة غيرهما دخل فيه نجاسة بول الغلام هذا يؤخذ عليه أليس كذلك؟ (وفي نجاسة غيرهما) يعني غير الكلب والخنزير (سبع) إذاً نجاسة بول الغلام تغسل سبع على هذا لكن هذا ليس مراد وإنما في نجاسة غير الكلب والخنزير وغير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام والمذي لابد من استثنائه هذا يؤخذ على المصنف من حيث العموم لأن العموم له مفهوم هنا - حينئذٍ - دخل معه بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ودخل معه كذلك المذي والصحيح أنه سيأتي حكمه فيما يأتي إذاً (سبع) يعني سبع غسلات بماء طهور إن أنقت السبع فإذا لم تنقي وتنظف المحل - حينئذٍ - وجب الزيادة لما ذكرناه سابقاً وإنما المراد بالسبع هنا أن لا تقل عن سبع فلو ظهر المحل بخمس وجب زياد السادسة والسابعة لماذا؟ لأن العدد هنا دل عليه الشرع وهو مراد وهو متعبد به فالحكم هنا ليس معلق بعين النجاسة فحسب وإنما بإزالة حكمها ولا تزال إلا بسبع فإن أنقت السبع - حينئذٍ - كفا فإن لم تنقي زاد حتى ينقي في كل النجاسات من نجاسة كلب وغيره يعني فيما سبق قال الشارح [مع حت وقرص لحاجة] يعني دلك إذا احتاج بأن النجاسة عين النجاسة لا تزول إلا بالدلك وجب الدلك وإلا الأصل فيه صب الماء فقط هذا الذي هو واجب وأما الدلك هل هو واجب كما سبق في لغة العرب الدلك ليس داخل في مفهوم الغسل بل يصدق بمجرد صب الماء على الموضع - حينئذٍ - الدلك هل واجب في إزالة النجاسة أم لا؟ تقول إن احتيج إلى القرص وإلى الحت وإلى النتف بأظفر أو غيره - حينئذٍ - نقول وجب وإلا فلا، ما الدليل على أنه في غير نجاسة الكلب والخنزير لابد من السبع؟ يعني لو وقعت قطرة بول على الثوب يجب أن تغسل الثوب الذي هو الموضع سبع غسلات وجب أن تغسله سبع غسلات فلو غسلته مرة واحدة ما أجزأ ولو غسلته أربع ما أجزأ ولو غسلته خمس أو ست ما أجزأ


ولو كانت قطرة واحدة لابد أن تستوفي السبع؛ ما الدليل؟ قالوا عندنا دليل قوله قول ابن عمر (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) (أمرنا) إذا قال الصحابي أمرنا من الآمر؟ النبي صلى الله عليه وسلم إذاً هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب (أمرنا بغسل الأنجاس) كل الأنجاس؟ هذا هو الأصل لأن أل تفيد العموم ودخلت على الجمع فهي تفيد العموم استثنينا نجاسة الكلب والخنزير لما سبق لحديث (إذا ولغ الكلب) وقيس عليه الخنزير صار مخصصاً لهذا الحديث كذلك بول الأعرابي صار مخصصاً لهذا الحديث بقي (أمرنا بغسل الأنجاس) إذا لم تكن على الأرض لحديث الأعرابي حديث أنس وإذا لم تكن نجاسة كلب للحديث السابق حديث أبي هريرة وقيس عليه الخنزير ما عدا هذه النجاسات - حينئذٍ - (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) يخص منها كذلك ما جاء في بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام، إذاً قال (سبعاً) وهو داخل في مفهوم قوله (أمرنا) هذا الدليل الأول الذي ذكره، ثانياً قياساً على نجاسة الكلب والخنزير وهذا قياس فاسد لأن النص إنما عين الكلب فحسب فإذا نفينا قياس الخنزير وهو شر من الكلب فمن باب أولى وأحرى أن ننفي قياس غير الخنزير على ذلك - حينئذٍ - يبقى النظر في أثر ابن عمر والصحيح أن الأثر هذا ضعيف لا يثبت وإذا كان كذلك نرجع إلى الأصل، إذاً (في نجاسة غيرهما سبع) للنص المذكور - وحينئذٍ - نقول الحكم هنا معلل وهو إزالة النجاسة - حينئذٍ - متى ما زالت النجاسة حكمنا بكون المحل قد طهر وأصل إزالة النجاسة يكون بغسلة واحدة فتكون هي المتعينة - حينئذٍ - ما كان على الأرض يكون بغسلة واحدة وكذلك ما كان على البدن أو غير الأرض على جهة العموم ما عدا نجاسة الكلب أو ولوغ الكلب فيكون كذلك بغسلة واحدة وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأدلة وهو رواية عن أحمد لذا قال المحشي [وعنه تكاثر بماء حتى تذهب عينها ولونها وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية] وهذا هو الصحيح أنه لا يشترط فيها التسبيع لأن النص الوارد حديث ابن عمر ضعيف وإذا كان ضعيفاً لا تثبت به أحكام شرعية بل لا تثبت به حتى الفضائل على الصحيح وقياسه على نجاسة الكلب أو ولوغ الكلب قياس مع الفارق وإذا كان كذلك رجعنا إلى الأصل وهو أن الحكم معلق بإزالة عين النجاسة وإنما يتعين المرة الواحدة فإن لم تكفي زدنا حتى تزول النجاسة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأسماء (اغسله بالماء) ولم يعين عدداً فدل على أن الغسل إنما يكون بمرة الواحدة وقال في دم الحيض (فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء) ولم يعين عدداً فدل على أن العدد غير معتبر فهي نجاسة كالنجاسة الواقعة على الأرض، ثم قال رحمه الله تعالى (بلا تراب) يعني لما قاس هذه النجاسة على نجاسة الكلب - وحينئذٍ - نجاسة الكلب لابد أن يكون في إحدى الغسلات تراب فإذا كان كذلك لابد من استواء الفرع مع أصله؛ ما هو الفرع؟ نجاسة غير الكلب فرع كبول يقع على بدنك - حينئذٍ - إذا قيس هذا الموضع على إناء أحدكم الذي ورد فيه التسبيع مع التتريب الأصل الاستواء إذا قلنا هذا يجب أن يكون سبعاً لحديث (إذا ولغ) إذاً لابد أن يكون فيه تراب قالوا (بلا تراب) إذاً هذا اعتراض أم لا؟ هذا فيه شيء من التناقض لأن الفرع إنما يأخذ


حكم أصله دون تفريق إذا كان حكم الأصل مركباً وحكم الأصل مركب وهو غسل مع تسبيع مع تتريب وهنا أخذوا الغسل مع التسبيع وتركوا التتريب لذا قال (بلا تراب) لأنه لم يرد في النص قصراً على مورد النص قال الشارح هنا [ولا يضر بقى لون أو ريح - يعني النجاسة - أو ما له عجز] يعني إزالة النجاسة إذا كانت على الثوب مثلاً أو على بساط أو على أي موضع كان فبقي لون النجاسة لا يضر أو بقي ريح النجاسة كذلك لا يضر أو بقي اللون والرائحة معاً لعجز يعني ما استطاع أن يزيله كذلك لا يضر بخلاف بقاء الطعم إذا كان مما يطعم لأن الطعم يدل على أن ثَمَّ أجزاء باقية في الموضع إذاً يستثنى اللون ويستثنى الرائحة في كل منهما فلا يضر بقاؤه أو هما معاً للعجز وأما الطعم فلا يستثنى منه شيء ألبته، ثم قال رحمه الله تعالى (ولا يطهر متنجس بشمس ولا ريح ولا دلك) عرفنا فيما سبق أن الماء متعين لابد من إزالة النجاسة بماء طهور فلو زالت النجاسة بشمس يعني ضربته الشمس فلم يبقى له أثر زالت الرائحة واللون والطعم - حينئذٍ - هل طهر المحل؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لكون النجاسة باقية حكماً ويشترط فيه الماء كذلك (ولا ريح) لو جاء الهواء والريح وأزال عين النجاسة وأثرها ولونها ورائحتها ولم يبقى لها أثر هل طهر المحل؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأنه لم تزل بالماء فيشترط فيه الماء وهو المذهب وهو الصحيح، (ولا يطهر متنجس) قال المصنف (متنجس) متنجس هذا نكرة في سياق النفي - حينئذٍ - يعم؛ يعم ماذا؟ أرضاً أو ثوباً أو بدناً أو كل ما يقع عليه النجاسة فلا يختص الحكم بالثوب مثلاً ولا بالأرض (ولا يطهر متنجس بشمس ولا ريح - ولا جفاف - ولا دلك) أما الطهارة بالشمس هذا مسلم له وأما الطهارة بالريح كذلك مسلم له لا يجزئ وأما الدلك فهذا محل تفصيل فما جاء النص فيه كذيل المرأة وأسفل النعل والخف فهو مستثنى من الأصل - حينئذٍ - نقول يطهر ذيل المرأة إذا مر على شيء طاهر ولو علق بنجاسة وكذلك إذا حلت النجاسة في أسفل النعل أو الخف ثم مر على تراب طاهر - حينئذٍ - يطهر وهذا لا ينقض الأصل؛ لماذا؟ لأن الأصل هو إزالة النجاسة بالماء قد جاءت بعض المواضع بالاستثناء من باب التخفيف وإثبات الرخصة لما عم أو تعم به البلوى كالاستجمار الاستجمار المذهب كما سيأتي أنه لا أو مر معنا أنه لا يطهر وإنما يعفى عن يسيره وقلنا الصحيح أنه مطهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله مع وجود الماء فدل على أنه مطهر في ذاته وكذلك للحديث السابق (أنهما لا يطهران) فدل على غيرهما يطهر كذلك قال في ذيل المرأة (يطهره ما بعده) - حينئذٍ - ما جاء به النص نجعله كالمستثنى من القاعدة والأصل العام فإذا دلت النصوص على أن إزالة النجاسة بل الطهارة على جهة العموم طهارة الحدث وطهارة الخبث لا ترفع ولا تزال إلا بالماء وجب التسليم لهذا النص ولهذا الأصل ولهذه القاعدة فإن جاء الاستثناء في إزالة النجاسة ببعض المواضع أنها تزال بغير الماء - حينئذٍ - نقول هذا تخصيص ويبقى على محله وهو رخصة ولا يقاس عليه غيره كما نقول الأصل في رفع الحدث إنما يكون بالماء وجاء الدليل بأن التراب يقوم مقام الماء في الجملة ولا يلزم منه رفع الحدث - حينئذٍ -


نكتفي بما جاء به النص ولا نقول بأنه يجوز التيمم مع وجود الماء ولا قائل به؛ لماذا؟ لأنه إنما جعل رخصة كذلك هنا في هذا الموضع قوله (ولا دلك) نقول فيه تفصيل فما جاء به النص - حينئذ - بقي على ما هو عليه، قال [(ولا دلك) ولو أسفل خف أو حذاء أو ذيل امرأة] والصحيح أنه يطهر في هذا الموضع وأما ما عداه فلا فلو وقعت نجاسة على ساعة مثلاً ودلكها بشيء ما بمنديل ونحوه هل تطهر؟ نقول لا؛ لماذا؟ لكونه لم يرد به نص وإنما نرجع إلى الأصل إن وقعت نجاسة أو حلت بذيل امرأة أو عباءة امرأة وهي ماشية - حينئذٍ - نقول إن مر على تراب طهره؛ لماذا؟ لورود النص لأن النجاسة وإن كانت مدركة من حيث الأصل وهي أن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً إلا أن كيفية التطهير في الجملة تعبدي ولذلك لا يسأل لماذا يخص به الماء مع كون الخل يزيل النجاسة؟ بل نبقى على الأصل، قال (ولا استحالة) هذا النوع الرابع مما نفاه المصنف يعني لا يطهر متنجس باستحالة الاستحالة استفعال من حال الشيء عما كان عليه إذا زال وذلك مثل أن تصير العين النجسة رماداً أو وقع كلب كالمثال المشهور وقع كلب في مملحة ملح كثير وقع فيه كلب فصار الكلب ملح أين الكلب؟ لا يوجد عندنا كلب أين هو؟ استحال صار ملحاً ما حكم هذا المحل الذي صار من الكلب إن قلنا بأن الاستحالة مطهرة - حينئذٍ - صار الملح طاهراً وإن قلنا بأن الاستحالة غير مطهرة فالملح نجس المذهب عند الحنابلة أن الاستحالة لا تطهر ولذلك قال (ولا استحالة) يعني لا يطهر متنجس باستحالة فلو تغير كان عذرة مثلاً ثم صار رماداً إذاً هذا رماد ليس اسمه عذرة هذا ملح وليس اسمه كلب كان كلباً - حينئذٍ - زوال الاسم سقوط الاسم لم يسقط الحكم بقي الحكم على أصله وهو أنه نجس وهنا قال [وذلك مثل أن تصير العين النجسة رماداً أو غير ذلك كما لو أحرق سرجين فصار رماداً وكالدم إذا استحال قيحاً أو صديداً] على المذهب لا تعد من المطهرات ولذلك قال [فرماد النجاسة نجس ودخان النجاسة نجس وغبار النجاسة وبخار يعتبر من النجاسات] وفرق بين دخان النجاسة وبين النجاسة عينها وفرق بين النجاسة التي تجعل حطباً بين رمادها لأن الاسم تغير هل تغير الأسماء يسقط الأحكام؟ يعني تتبدل الأحكام بتغير الأسماء أم لا؟ هو هذا الذي وقع فيه النزاع لأن عندنا ماذا؟ عندنا كلب هو نجس إذاً عندنا اسم على مسمى على ذات كلب الحكم نجس، تغير الكلب ما صار كلب صار ملح هل يبقى الحكم أم يزول لتغير الأسماء؟ هذا محل خلاف والصحيح أن الأحكام تتبدل وتتغير بتغير أسمائها ولذلك قال ابن حزم [الأحكام للأسماء والأسماء تابعة للصفات التي هي حد ما هي فيه إذا زال الاسم زال الحكم] إذا كان الحكم تابعاً للاسم - حينئذٍ - نقول الحكم النجاسة تابع للكلب فإذا بقي الكلب كلب كما هو في صورته المعهودة فالحكم باقي وإذا تغير وزال وصف الكلب وهيئته إذاً سقط الحكم وعليه نقول الصحيح أن الاستحالة تعتبر من المطهرات، فالأصح أن الاستحالة مطهرة لأن هذه الأعيان المستحيلة لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى وإنما جاء النص بكون الكلب نجساً إذاً نص الشارع على الكلب وهذا ليس بكلب هذا ملح - حينئذٍ - لابد من تغير الحكم


فنقول الحكم يتبع الاسم وأيضاً اتفقوا على أن الخمر إذا صارت خلاً بفعل الله صارت حلالاً طيباً وهذه مثلها ومن فرق بينهما قالوا الخمر تنجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير وهذا ضعيف، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بأن النجاسة طهرت بالاستحالة فإن نفس النجس لم يطهر بل استحال] إذا الشيء نفسه عينه قد تغير كان كلباً فصار ملحاً - حينئذٍ - نقول الحكم لآن على كلب أو على ملح في الطور الثاني كلب استحال؛ صار ماذا؟ صار ملحاً - حينئذٍ - إذا حكمنا على الشيء الثاني الذي استحال الكلب إليه نحكم على كلب أو على ملح؛ ما اسمه؟ اسمه ملح - فحينئذٍ - نقول الأصل في الملح الطهارة فيبقى على أصله، إذاً (ولا استحالة) يعني لا يطهر متنجس باستحالة والصحيح أنه يطهر فإن التنجيس والتحريم يتبع الاسم والمعنى الذي هو الخبث (غير الخمرة) هذه مستثناة (غير الخمرة) الخمرة هذه فيها نزاع بعضهم يرى أنها نجسة المذاهب الأربعة على أنها نجسة وبعضهم يرى أنها طاهرة [(غير الخمرة) إذا انقلبت بنفسها خلاً] يعني انقلبت بنفسها يعني استحالة إذاً الاستحالة على المذهب لا تطهر واستثنوا نوعاً واحداً من الاستحالة وهي استحالة الخمرة بشرط أن تكون بفعل الله عز وجل يعني ليس بقصد من المكلف - حينئذٍ - قالوا بالاستحالة بكونها مطهرة؛ لماذا؟ لورود النص ولذلك جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر تتخذ خلاً قال (لا)، الخمر تتخذ خلاً إذاً هي كانت خمراً فصارت خلاً إذاً ارتفع الاسم أو لا؟ قال (لا) وإنما قال لا هنا لكونه جاء الفعل تتخذ إذاً بفعل فاعل بالعمد يعني قصداً فقال (لا) عليه الصلاة والسلام مفهومه أنها لو صارت خلاً دون اتخاذ الجواب نعم (غير الخمرة) الخمرة اسم لكل مسكر وسميت بذلك لتخميرها العقل أي تغطيتها إياه، قال ابن هبيرة [واتفقوا على أن الخمرة إذا انقلبت خلاً من غير معالجة الآدمي طهر] وإنما إذا انقلبت خلاً بفعل فاعل فلنص حديث أنس - حينئذٍ - لا تطهر تبقى على الأصل فإن خللت يعني نقلت لقصد التخليل لم تطهر للحديث السابق قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الخمر تتخذ خلاً قال (لا) رواه مسلم وغيره عن أنس وقال عمر (لا تأكلوا خل خمر إلا خمر بدء الله بفسادها) وثبت عن طائف من الصحابة، قال ابن القيم [ولا يعلموا لهم - في الصحابة - مخالف وذلك لأن اقتناء الخمر محرم فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرماً فلا يكون سبباً للحل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه داء وليست بدواء] إذاً على المذهب الاستحالة ليست بمطهرة إلا في مسألة الخمر ثم مسألة الخمر قد تكون بفعل فاعل وقد تكون بفعل الله عز وجل فالأول هي نجسة باقية على أصلها وفي الثاني هي طاهرة للنص، قال (أو تنجس دهن مائع) هذا يأتي في محله.
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.