تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة باب نواقض الطهارة
الصغرى
القارئ: وهي ثمانية.
الشيخ: نواقض الطهارة الصغرى احترازاً من الكبرى والكبرى يعبر عنها العلماء
بموجبات الغسل وهذه نواقض الوضوء ونواقض الوضوء هي مفسدات الوضوء وإذا فسد
الوضوء وجب عند الصلاة الوضوء ولهذا لو عبر عن نواقض الوضوء بموجبات الوضوء
لصح مثل ما عبروا عن الغسل بموجبات الغسل فهي اختلاف تعبير في الحقيقة
فنواقض الوضوء مفسداته يعني التي إذا طرأت على الوضوء أفسدته.
القارئ: وهي ثمانية الخارج من السبيلين وهو
نوعان معتاد فينقض بلا خلاف لقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ) (النساء: من الآية43) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن من
غائط وبول ونوم) وقوله (فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وقال في
المذي (يغسل ذكره ويتوضأ) متفق عليه.
الشيخ: المذي هو الماء الذي يخرج مع الشهوة لكن بدون إحساس هذا يوجب الوضوء
وغسل الذكر والأنثيين.
القارئ: النوع الثاني نادر كالحصى والدود والشعر والدم فينقض أيضا لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة (توضئي لكل صلاة) رواه أبو داود
ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيل أشبه المعتاد ولا فرق بين القليل
والكثير.
الشيخ: هذا هو الصحيح أنه لا فرق بين المعتاد وغير المعتاد فلو خرج من دبره
حصى أو دود أو شعر أو ما أشبه ذلك فإنه ناقض للوضوء ودليل هذا قوله عليه
الصلاة والسلام (حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) فإذا كانت الريح وهي لا جرم
لها تنقض الوضوء فما له جرم من باب أولى.
مسألة: معنى المعتاد هو الذي من عادة البشر والمستحاضة تعتبر مرض طارئ
والحيض عادي المهم أن الاستحاضة وسلس البول وما أشبه ذلك هذا لا ينقض
الوضوء في حال وجوده ولكن لا تتوضأ إلا لكل صلاة.
القارئ: الثاني خروج النجاسة من سائر البدن وهو نوعان غائط وبول فينقض
قليله وكثيره لدخوله في النصوص المذكورة.
القارئ: الثاني دم وقيح وصديد فينقض كثيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لفاطمة بنت أبي حبيش (إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة) رواه الترمذي فعلل
بكونه دم عرق وهذا كذلك ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من
السبيل ولا ينقض يسيره لقول ابن عباس في الدم إذا كان فاحشا فعليه الإعادة
قال الإمام أحمد عدة من الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى
ولم يتوضأ وابن أبي أوفى عصر دملا وذكر غيرهما ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم
فكان إجماعا.
الشيخ: الثاني خروج النجاسة من سائر البدن
وهو نوعان غائط وبول وهذا يقع كثيرا نسأل الله لنا ولكم العافية يُعْمَل له
عملية فتحة يخرج منها البول ويخرج منها الغائط فنقول هذه الفتحة ما خرج
منها من البول والغائط فهو ناقض قليله وكثيره والثاني غير البول والغائط
مثل الدم والقيح والصديد وماء الجروح وما أشبهه فالمشهور من المذهب أنها
ناقضة للوضوء والصحيح أنها غير ناقضة وحديث فاطمة بنت أبي حبيش لا يدل على
ما ذكره المؤلف لأن هذا الدم الخارج دم الاستحاضة من أين؟ من السبيل وهناك
فرق بين الخارج من السبيل وغيره فالصواب أن الخارج من غير السبيلين إذا لم
يكن بولا ولا غائطا فإنه لا ينقض لا قليله ولا كثيره والدليل على هذا هذه
الآثار التي ذكرها المؤلف أن ابن عمر عصر بثرة فخرج دمه فصلى ولم يتوضأ
وابن أبي أوفى عصر دملا ولم يتوضأ وأيضا الصحابة رضي الله عنهم كانوا
يصابون في
المغازي بالجروح الكثيرة الدم ومع هذا لم يؤمروا بالوضوء من هذا الدم
فالصحيح أن جميع ما يخرج من غير السبيلين ليس بناقض كالدم والقيح والصديد
وماء الجروح والقيء كل هذا لا ينقض.
السائل: ما معنى بثرة؟
الشيخ: البثرة هذه في العين والدمل الخراج الذي يخرج في الجلد يكون له نبرة
ويؤلم على كل حال ثم يشق
السائل: بالنسبة للفتحة التي تفتح للمرضى قد يكون الخارج يستمر خروجه سواء
أكان من الغائط أو البول؟
الشيخ: تكون هذه مثل سلس البول يعفى عنها ويتوضأ لكل صلاة.
القارئ: وظاهر مذهب أحمد أنه لا حد للكثير إلا ما فحش لقول ابن عباس قال
ابن عقيل إنما يعتبر الفاحش في نفوس أوساط الناس لا المبتذلين ولا
الموسوسين كما رجعنا في يسير اللقطة الذي لا يجب تعريفه إلى ما لا تتبعه
همة نفوس الأوساط، وعن أحمد أن الكثير شبر في شبر وعنه قدر الكف فاحش وعنه
قدر عشر أصابع كثير وما يرفعه بأصابعه الخمس يسير قال الخلال والذي استقر
عليه القول أن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.
الشيخ: هذا الأخير من الغرائب والآن فهمنا
من كلام المؤلف أن ما خرج من غير السبيلين فإن كان بولا أو غائطا نقض قليله
وكثيره وإن كان غيرهما نقض الفاحش الكثير ولكن ما هو الميزان في الكثرة؟
قيل الميزان أوساط الناس لا الموسوسين ولا المتهاونين وقيل إنه ما يفحش في
نفس كل إنسان بحسبه وهذه مشكلة لأن المتهاون لا يفحش في نفسه شيء والموسوس
كل شيء لو كان عين جرادة قال هذا فاحش فالقول بأن المرجع إلى أوساط الناس
هذا قول عدل متوسط لا نعتبر الموسوسين ولا نعتبر المتهاونين
السائل: لو خرج الآن كثير قيح وصديد فهل يبطل الوضوء؟
الشيخ: على رأي المؤلف يبطل الوضوء والقول الصحيح لا يبطل أي خارج من البدن
إلا البول والغائط أو ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين أيا كان فإنه
ناقض للوضوء.
السائل: قلنا إن النادر كالحصى والدود والشعر ينقض الوضوء مع أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فإذا كان الريح
الذي ليس له جرم ينقض فالحصى من باب أولى لكن الشارع ما علق القضية بالحجم
يعني لو علق القضية بالجرم لقلنا إن هذا القياس يصح لكن الشارع علق القضية
بشيء معين وهو الريح والبول والغائط ولم يعلق بكل ما خرج من السبيلين يعني
لو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نص بأن كل ما خرج من السبيلين ناقض
لقلنا هذا القياس.
الشيخ: يقول العلماء إنما قيد بحسب الواقع لا مفهوم له هذا قيد أغلبي لأنه
يندر أن أحداً يخرج من بطنه حصاة وبالنسبة للبول أحياناً تخرج حصاة من
الكلى يراها الناس
بالمنظار تمشي مع العروق حتى تطلع وكذلك الشعر أندر من هذا في الواقع أن
الشعر نادر لكنه يخرج مع الغائط أحياناً يكون الإنسان يأكل من رأس البهيمة
ويكون ما أزيل الشعر تماما وهو رجل شره في اللحم ويأخذ اللحمة ويبلعها هي
وشعرها ثم يخرج الشعر.
القارئ: الثالث زوال العقل وهو نوعان
أحدهما النوم فينقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن من غائط وبول
ونوم) وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ)
رواه أبو داود، ولأن النوم مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظان
الشيخ: الآن علل المؤلف رحمه الله لزوال العقل بدليلين أثري ونظري الأثري
(ولكن من غائط وبول ونوم) والنوم مزيل للعقل وأما التعليل فقال رحمه الله
ولأن النوم مظنة الحدث فقام مقامه كسائر الأحداث أو كسائر المظان وهو كذلك
والإنسان إذا نام فإنه لو أحدث ما يحس بنفسه فعلق الحكم بالمظنة لما تعذرت
المئنة.
القارئ: ولا يخلو من أربعة أحوال:
أحدها أن يكون مضطجعا أو متكئا أو معتمدا على شيء فينقض الوضوء قليله
وكثيره لما رويناه.
والثاني أن يكون جالسا غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما روي من أن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا
ثم يصلون ثم يتوضئون) رواه مسلم بمعناه ولأن النوم إنما نقض لأنه مظنة
لخروج الريح من غير علمه ولا يحصل ذلك هاهنا لأنه يشق التحرز منه لكثرة
وجوده من منتظري الصلاة فعفي عنه وإن كثر واستثقل نقض لأنه لا يعلم بالخارج
مع استثقاله ويمكن التحرز منه
الشيخ: النوم يقول المؤلف إن له أربع أحوال:
الحال الأولى أن يكون مضطجعا أو متكئا إلى آخره والصحيح في هذه المسألة أنه
ليست العبرة بحال النائم من حيث أنه مضطجع أو نائم أو متكئ أو ما أشبه ذلك
العبرة بحال النائم من حيث الإحساس فإن كان يغلب على ظنه بقاء طهره لكونه
لو أحدث لأحس فإنه لا ينتقض وإن كان لو أحدث لم يحس بنفسه فإنه ينقض الوضوء
إذاً المدار على الإحساس إذا كان لو أحدث لأحس بنفسه فهو ينقض الوضوء وإلا
فلا والله أعلم
الضابط (إذا غلب على ظنه بقاء طهره حتى لو طال النوم فإن طهارته باقية).
القارئ: الحال الثالث القائم ففيه روايتان
إحداهما إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه والثانية ينقض يسيره لأنه لا
يتحفظ حفاظ الجالس.
الرابع الراكع والساجد وفيه روايتان أولاهما كالمضطجع لأنه ينفرج محل الحدث
فلا يتحفظ فأشبه المضطجع والثانية أنه كالجالس لأنه على حال من أحوال
الصلاة أشبه الجالس والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف ما عد كثيرا فهو
كثير وما لا فلا لأنه لا حد له في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض
والإحراز.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله المرجع في يسير النوم وكثيره إلى العرف ثم
أشار إلى قاعدة معروفة وهي قوله رحمه الله (لأنه لا حد له في الشرع فرجع
فيه إلى العرف كالقبض والإحراز) ويصح والحرز وهذه قاعدة منظومة عندكم في
قواعد الفقه
وكل ما أتى ولم يحدد ... بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
وهذه القاعدة صحيحة لأنه إذا لم يحده
الشارع وأطلقه يرجع فيه إلى العرف ومن ذلك السفر على رأي كثير من العلماء
ومنهم مؤلف الكتاب فالسفر لا حد له فيرجع به إلى العرف فلا يحد بالكيلوات
ولا بغيرها وقول المؤلف كالقبض ماذا يعني القبض يعني قبض المبيع مثلا قبض
الهبة قبض الرهن (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) (البقرة: من الآية283) مثلا قبض
الهبة لا تلزم إلا بقبض وقبض المبيع لا يباع إلا بعد قبضه وما أشبه ذلك
والحرز يعني حرز الأموال بما يحفظ الوديعة لابد أن يحفظها في حرزها التي
تحرز به عادة إذا سرق سارق المكان لابد أن يكون من حرز والحرز ما تعارف
الناس عليه ولكن سبق أن الصحيح أنه ليس الضابط في النوم أنه يسير أو خفيف
الضابط (أنه متى غلب على ظنه بقاء طهارته فهو على طهارة) فإذا كان لو أحدث
أحس بنفسه فإن النوم لا ينقض الوضوء وذلك لأن النوم مظنة الحدث وليس حدثا
لأن النوم لو كان حدثا بنفسه لاستوى قليله وكثيره كالبول لكنه مظنة الحدث
والذين حدوه باليسير والكثير قالوا لأن الكثير مظنة الحدث واليسير بخلاف
ذلك ولكننا نقول مادام أن النوم مظنة الحدث فإنه يرجع إلى المظنة ومتى غلب
على ظنه أنه لم يحدث فإنه على طهارته.
القارئ: وإن تغير عن هيئته انتقض وضوؤه لأنه دليل على كثرته واستثقاله فيه.
الشيخ: تغير عن هيئته مثل لو واحد نائم متكيء ثم سقط هذا معنى تغير عن
هيئته فإن سقوطه يدل على أنه مستثقل وأنه نوم ثقيل أما إذا طاح ثم من حين
ما أهوى فز ثم استيقظ فهذا النوم يسير.
القارئ: النوع الثاني زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر ينقض الوضوء لأنه
لما نص على نقضه بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء لأنها أبلغ في إزالة
العقل ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير لأن صاحب هذه الأمور لا
يحس بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه وإن خرج منه شيء قبل استثقاله في
نومه أحس به
الشيخ: زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر
ينقض مطلقا قليله وكثيره.
السائل: بالنسبة لغلبة الظن في النوم إذا تساوى الظن هل ينتقض الوضوء أو لا
ينتقض؟
الشيخ: الأصل الطهارة.
مسألة: السكر مظنة حدث لكنه لما كان لا يحس بنفسه إطلاقا صار ينقض بكل حال
لكن لو كان يحس فلا ينقض الوضوء.
القارئ: والرابع أكل لحم الجزور فينقض الوضوء لما روى جابر بن سمرة (أن
رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت
فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم توضأ من لحوم
الإبل) رواه مسلم قال أبو عبد الله فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة ولا فرق بين قليله
وكثيره ونيئه ومطبوخه لعموم الحديث وعنه فيمن أكل وصلى ولم يتوضأ إن كان
يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء منه فعليه الإعادة وإن كان
جاهلا فلا إعادة عليه.
الشيخ: والصحيح الأول أنه ينقض سواء كان عالما أم جاهلا وسواء كان جاهلا
بالحكم أم جاهلا بالحال لا يدري هل هو لحم إبل أو لحم غنم لكن الجاهل
بالحكم إذا كان في بلد يرون أنه لا ينتقض وضوؤه وكان تابعا لهم فلا شيء
عليه حتى لو تبين له بعد وجوب الوضوء فإنه لا شيء عليه لأنه معذور.
القارئ: وفي اللبن روايتان إحداهما لا ينقض لأنه ليس بلحم والثانية ينقض
لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (توضوؤا من لحوم
الإبل وألبانها) رواه أحمد في المسند وفي الكبد والطحال وما لا يسمى لحما
وجهان أحدهما لا ينقض لأنه ليس بلحم والثاني ينقض لأنه من جملته فأشبه
اللحم وقد نص الله على تحريم لحم الخنزير فدخل فيه سائر أجزائه.
الشيخ: ذكر المؤلف اللبن والكبد والطحال
وما أشبه ذلك فذكر في اللبن روايتان عن أحمد إحداهما ينقض والثانية لا
والصحيح أن اللبن لا ينقض ودليل ذلك قصة العرنيين الذين أمرهم النبي صلى
الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها ولم
يأمرهم بالوضوء مع دعاء الحاجة إلى البيان
فسكوته عن ذكر الوضوء يدل على أنه ليس
بواجب وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد فالظاهر أن ذكر الألبان شاذ وإن
صح فيحمل على الاستحباب لا على الوجوب جمعا بينه وبين حديث العرنيين أما
الكبد والطحال وما لا يسمى لحما ففيه وجهان لا روايتان والفرق بين
الروايتين والوجهين أن الروايتين عن الإمام أحمد والوجهين عن أصحاب الإمام
أحمد والصحيح أن الوضوء واجب من الكبد والطحال والأمعاء والكرش وما أشبهها
لأنه من جملة لحم الإبل بل إننا لو قارنا بين اللحم الخالص وغيره لكان غيره
مساويا له أو أكثر منه فإن البعير فيها شحم كثير فيها أمعاء فيها كرش فيها
كبد فيها رأس وغير ذلك من الأشياء الكثيرة التي لا تسمى لحما في العرف فكيف
يوجب الشرع الوضوء من لحم الإبل ثم نحمله على الأقل منه هذا خلاف المعهود
ثم إنه مقيس على لحم الخنزير لما حرم الله لحم الخنزير صار عاما لجميع
أجزائه ثم إنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية حيوان تختلف أجزاؤه حلا وحرمة
أو تأثيرا لكن في شريعة اليهود يوجد (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا
كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ
شُحُومَهُمَا) (الأنعام: من الآية146) أما في شريعتنا الحيوان واحد جميع
أجزائه في الحل والحرمة لا يوجد حيوان بعضه حلال وبعضه حرام وكذلك في الأثر
المترتب على الأكل لا يوجد شيء بعض لحمه يؤثر وبعض لحمه لا يؤثر إلا هذه
المسألة مسألة النزاع والصحيح فيها أنه عام وأن جميع أجزاء البعير ناقض
للوضوء ولكن هنا هل يلزم الإنسان إذا أكل عند إنسان طعاما أن يسأل ويقول ما
لحمك؟ لا يلزم ولكن هل يلزم صاحب المحل أن يخبرهم؟ نعم يلزم كما لو رأى
ماءً نجسا يريد أن يستعمله أحد فإنه يلزمه أن ينبهه لقول الله تعالى
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: من الآية2) وهذا من
البر أن يتوضأ الإنسان من لحم الإبل ماذا يقول له إذا أراد أن ينبهه؟ هذا
لحم إبل
وبعض العامة يقول هذا رغاية لا ثغاية
فالإبل لها رغاء ترغي صوته يسمى رغا والشاة ثغاء.
السائل: اللبن أليس من أجزاء البعير فلماذا لاينقض الوضوء؟
الشيخ: اللبن ليس لحماً وهو جزء منفصل وهو يشبه البول والروث.
مسألة: لما قال في الغنم إن شئت وقال في الإبل نعم دل هذا على أن الإبل لا
مشيئة له.
القارئ: ولا ينقض الوضوء مأكول غير لحم الإبل ولا ما غيرت النار لقول النبي
صلى الله عليه وسلم في لحم الغنم (إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)، ويروى
أن (آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت
النار) رواه أبو داود.
مسألة: المرق لأصحاب الإمام أحمد فيه وجهان وجه بوجوب الوضوء ووجه آخر عدم
الوجوب والصحيح عدم الوجوب لأنه لا يصدق على من شرب مرقها أنه أكل لحمها
وصحيح أن طعم اللحم بلا شك يكون في الماء لكن نقف على النص ولهذا الذين
قالوا بوجوب الوضوء قالوا إن معنى اللحم موجود في المرق.
السائل: المرقة إذا كان فيها قطع لحم هل تنقض الوضوء؟
الشيخ: إذا كان فيها قطع لحم ينقض لأنه أكل وكذلك إذا كان اللحم مطحوناً
فأحياناً ترى في المرق شيء كالعش مثلا فهذا ينقض لأنه لحم وكذلك إذا كان
اللحم موجوداً في قاع الإناء.
القارئ: والخامس لمس الذكر فيه ثلاث روايات إحداهن لا ينقض لما روى قيس بن
طلق عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره وهو في
الصلاة قال هل هو إلا بضعة منك) رواه أبو داود ولأنه جزء من جسده أشبه يده
والثانية ينقض وهي أصح لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (من مس ذكره فليتوضأ) قال أحمد هو حديث صحيح وروى أبو هريرة نحوه وهو
متأخر عن حديث طلق لأن في حديث طلق أنه قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة
قدم حين فتحت خيبر فيكون ناسخا له والثالثة إن قصد إلى مسه نقض ولا ينقض من
غير قصد لأنه لمس فلم ينقض بغير قصد كلمس النساء.
الشيخ: الآن هذه ثلاث روايات رواية النقض
والرواية الثانية عدم النقض والثالثة التفريق بين القصد وعدمه وفيه قول
رابع التفريق بين الشهوة وعدم الشهوة إن مسه لشهوة نقض وإن مسه لغير شهوة
لم ينقض ووجه هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم علل هذا النقض بأنه
بضعة فإذا مسه الإنسان كما يمس سائر الأعضاء فإنه لا ينقض وإن مسه لشهوة
فإنه ينقض لأنه في هذه الحال يخرج عن مشابهة بقية الأعضاء لأن الأعضاء غير
الذكر لا يمسها الإنسان أبداً لشهوة لا يمكن أن يمسها لشهوة لكن الذكر يمكن
فهذا التفصيل يقول إن مسه لشهوة انتقض وضوؤه وإلا فلا ويوجه هذا القول
بالتعليل الذي علله النبي صلى الله عليه وسلم وهو إنما هو بضعة منك يقول إن
مسه كما يمس سائر جسده لم ينتقض وإن مسه لشهوة انتقض قال ولأنه إذا مسه
لشهوة كان مظنة الحدث لأن كثيرا من الناس يكون مذاء بمجرد ما يحس بالشهوة
يمذي وقد لا يشعر بذلك فلما كان مظنة الحدث ألحق بالحدث وهناك قول خامس أنه
لا ينقض وأن الأمر بالوضوء للاستحباب وأضعف هذه الأقوال القول بالنسخ لأن
النسخ يشترط فيه شرطان الشرط الأول أن لا يمكن الجمع والشرط الثاني أن يعلم
التأريخ وهذان النصان يمكن الجمع بينهما بأن يحمل أحدهما على الشهوة
والثاني على عدم الشهوة أو يحمل أحدهما على الاستحباب والثاني على عدم
الوجوب لأن حديث طلق بن علي سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء
وعلى تفيد الوجوب فيكون الجواب نفياً للوجوب لا للاستحباب ثم القول بأنه
متأخر بمجرد أن طلق قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة تأخر إسلامه لا يصح
لأنه من الجائز أن أبا هريرة رواه عن غيره وأرسله ومن الجائز أن طلقا أيضا
قدم في هذا الوقت وسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم متأخرا فعلى كل حال
أقرب الأقوال قولان إما أن يحمل الأمر على
الاستحباب فيستحب لمن مس ذكره أن يتوضأ مطلقا لشهوة أو لغير شهوة وإما أن
يقال من مسه لشهوة انتقض وضوؤه ومن لا فلا ينتقض والأقرب عندي أنه لا يجب
مطلقا لكنه يستحب إلا إذا صح حديث أبي هريرة (من مس فرجه فقد وجب عليه
الوضوء) فإن صح بهذا اللفظ تعين أن يحمل على أنه إن مسه لشهوة وجب الوضوء
وإن مسه لغير شهوة لم يجب الوضوء.
السائل: أحسن الله إليك في قوله سئل الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة ألا يوحي
بأن المس كان بحائل؟
الشيخ: لا لأنه إذا كان المس بحائل فلا يقال مسه فالمس حقيقته أن لا يكون
هناك حائل ويكون مباشرة.
السائل: ألا نعمد يا شيخ إلى الترجيح فنصحح حديث بسرة ونضعف حديث طلق؟
الشيخ: الحديث ليس بضعيف وبعض الحفاظ قال إنه أحسن من حديث بسرة وأصح.
السائل: طلق بن عدي أتى وهم يبنون المسجد يعني في أول عهد النبي صلى الله
عليه وسلم ورجع إلى قومه ولم يعرف له لقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد
ذلك؟
الشيخ: عدم المعرفة ليس دليلا على العدم يمكن التقى به في حجة الوداع أو
لغير ذلك وما دام فيه احتمال لا يسقط والجمع ممكن الآن لماذا نلزم أنفسنا
بأن حديث أبي هريرة متأخر والجمع ممكن ولنفرض أنه متأخر أليس الجمع ممكنا
وإذا أمكن الجمع لا نلجأ إلى النسخ
القارئ: وفي لمس حلقة الدبر ومس المرأة فرجها روايتان إحداهما لا ينقض لأن
تخصيص الذكر بالنقض دليل على عدمه في غيره والثانية ينقض لأن أبا أيوب وأم
حبيبة قالا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من مس فرجه فليتوضأ) قال
أحمد حديث أم حبيبة صحيح وهذا عام ولأنه سبيل فأشبه الذكر وحكم لمسه فرج
غيره حكم لمسه فرج نفسه صغيرا كان أو كبيرا لأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكر
نفسه ولم يهتك به حرمة تنبيه على نقضه بمسه من غيره.
الشيخ: القول بنقض الوضوء بمس الدبر أضعف
من القول بنقض الوضوء بمس الذكر وأما مس ذكر غيره فالقول بنقض الوضوء به
قياسه على نقض الوضوء بمس ذكر نفسه واضح جدا لأن مس ذكر غيره فيه انتهاك
حرمة له ومس ذكر نفسه ليس فيه انتهاك حرمة فإذا انتقض الوضوء بمس ذكر نفسه
مع أنه ليس فيه انتهاك حرمة فانتقاضه بمس ذكر غيره من باب أولى.
السائل: ومس المرأة فرجها هل ينقض الوضوء؟
الشيخ: مثل الذكر إن مست المرأة فرجها لشهوة انتقض وإلا فلا.
السائل: هنا يقول كان آخر الأمر ترك الوضوء مما مست النار فهل أكل لحم
الإبل يدخل في هذا الحديث لأنه مسته نار.
الشيخ: هذا بينه عموم وخصوص فالأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل يعم النيء
والمطبوخ وترك الوضوء مما مست النار يخص ما مست النار ويعم لحم الإبل وغيره
فبينهما عموم وخصوص من وجه فيقال في الذي مسته النار كان في أول الأمر
أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضؤوا مما مست النار ثم بعد ذلك رخص
لهم.
السائل: لو كان الممسوس صغيراً فهل ينتقض الوضوء بمس ذكره؟
الشيخ: نعم ولو كان صغيراً ولكن على القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء لأن
مس ذكر الصغير لا يمكن أن يكون فيه شهوة لا سيما أن النساء كثيرا يغسلن
أولادهن ويطهرن الأولاد من الأوساخ ويلمسن الذكر والدبر فعلى القول الراجح
أنه لا نقض بذلك.
القارئ: وفي مس الذكر المقطوع وجهان لا ينقض كمس يد المرأة المقطوعة والآخر
ينقض لأنه مس ذكر وإن سد المخرج.
الشيخ: هذه من المسائل التي عابها بعض
الناس على الفقهاء يعني لو أن رجلا قطع ذكره بجناية أو قصاص وألقي في الأرض
وجاء شخص ومسه هنا يقول فيه وجهان أحدهما ينقض والثاني لا ينقض فمثل تصوير
هذه المسائل وإن كانت قد تقع لكنها نادرة جدا ولو تركت لكان أحسن كما ذكر
بعض الناس الذين كتبوا رسائل وزعت قبل سنين أن بعض الفقهاء قال لو شق ذكر
الإنسان كما تشق الجريدة يعني طولا ثم أدخل أحد المشقوقين في فرج الأنثى هل
يلزمه الغسل يعني مسائل كان الأولى بالفقهاء أن لا يذكروها إلا إذا وقعت
فإن المسألة إذا وقعت جاء الله بحلها أما مسائل فرضية قد تكون بعيدة كل
البعد فالأولى أن لا يمثل بها لكن الفقهاء رحمهم الله يأتون بمثل هذه
التمثيلات لتمرين الطالب على تصوير المسائل وإن كانوا يعتقدون أن هذا نادر
الوقوع لكن يقولون ربما الإنسان يسوي عملية في ذكره يشق طولا وتجرى عملية
وينفصل الذكر بعضه عن بعض ويبقى أليس كذلك لكن هل في هذه الحال يتمكن من
الانتشار والجماع أو لا يتمكن؟ هذه لا نعرفها إنما الفقهاء رحمهم الله
يعتذر عنهم بأنهم يأتون بمثل هذه المسائل النادرة جدا جدا من أجل تمرين
الطالب على تصوير المسائل وهم يشكرون على هذا العمل لكنها صورة غريبة.
مسألة: التعليل بأنه بضعة يعني أنك مسسته كما تمس سائر الجسد مس عادي بدون
شهوة فالرسول صلى الله عليه وسلم علل بعلة لا يمكن زوالها وإذا علل الحكم
بعلة لا يمكن زوالها فمعناه أن الحكم لا يمكن زواله لأنه علل بعلة ثابتة لا
يمكن أن تزول فإذاً لا يمكن أن يزول هذا الحكم لأنه ربط به.
القارئ: وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم
ينقض مسه لأنه ليس بفرج ولا ينقض مس فرج البهيمة لأنه لا حرمة لها ولا مس
ذكر الخنثى المشكل ولا قبله لأنه لا يتحقق كونه فرجا وإن مسهما معا نقض لأن
أحدهما فرج وإن مس رجل ذكره لشهوة نقض لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره وإن
كان امرأة فقد مسها لشهوة وإن مست امرأة قبله لشهوة فكذلك لما ذكرنا واللمس
الذي ينقض هو اللمس بيده إلى الكوع ولا فرق بين ظهر الكف وبطنه لأن أبا
هريرة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره
ليس بينهما شيء فليتوضأ) من المسند ورواه الدارقطني بمعناه واليد المطلقة
تتناول اليد إلى الكوع لما نذكره في التيمم ولا ينقض مس غير الفرج كالعانة
والانثيين وغيرهما لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه.
الشيخ: الموفق رحمه الله وفَّى الكلام على
مس الذكر إلى حد أنه ذكر مس ذكر الخنثى والخنثى هو الذي له فرج وذكر فإذا
مس الإنسان ذكر الخنثى لم ينتقض وضوءه وإن مس فرجه لم ينتقض وضوءه لأنه
مشكل والآن لا ندري هل الذكر هذا ذكر أصلي أو لا؟ ولا ندري هل الفرج أصلي
أو لا؟ ومعلوم أن الشك لا تزول به الطهارة ولكن إذا كان مس ذكر الخنثى أو
قبله لشهوة فهل ينتقض؟ فيه تفصيل إن كان الذي مس ذكرا والماس ذكر انتقض
الوضوء وإن كانت الماسة أنثى والذي وقع عليه اللمس هو الفرج انتقض الوضوء
وإن لمس الذكر فرجه لشهوة لم ينتقض الوضوء وإن لمست الأنثى ذكره لشهوة لم
ينتقض الوضوء هذه أربع صور إذا مس الفرجين جميعا في الخنثى فحكمه انتقض
الوضوء لأن أحدهما قطعا أصلي وإذا مس أحدهما لغير شهوة لم ينتقض الوضوء
مطلقا لأنه لا يدرى هل هو أصلي أو لا وإذا مس لشهوة فإن كان الماس له مثل
الذي مس انتقض وضوءه وإن لم يكن له مثله لم ينتقض الوضوء هذا التفصيل
فالأقسام أربعة إذا مسهما لغير شهوة انتقض وإذا مس أحدهما لغير شهوة لا
ينتقض وإذا مس أحدهما لشهوة فإن كان للامس مثله انتقض وضوءه وإن لم يكن له
مثله لم ينتقض وضوءه فإذا مس الذكر ذكره انتقض وضوءه وإذا مست الأنثى فرجه
انتقض وضوءه وإن مست الأنثى ذكره لم ينتقض وإن مس الذكر فرجه لم ينتقض وقد
تقولون إن العكس هو الصواب يعني إذا مست الأنثى ذكره لشهوة انتقض وضوءه وإن
مس الذكر فرجه لشهوة انتقض وضوءه لكن نقول لا إذا مس الذكر ذكر الخنثى
لشهوة انتقض وإذا مست الأنثى فرجه انتقض أما العكس فلا والإنسان يتخيل أول
ما يتخيل ويظن أن العكس هو الصواب ولكن إذا فهمنا التعليل زال الإشكال إذا
مس الذكر ذكره لشهوة فإن كان الخنثى ذكرا فقد مس ذكره وإن كان أنثى فقد
مسها لشهوة ومس الذكر الأنثى لشهوة ينقض الوضوء والمرأة إذا مست فرجه لشهوة
نقول إن كان أنثى فقد مست فرجها وإن كان ذكرا فقد مسته لشهوة، أعيد المسألة
مرة
أخرى لكي تتضح لكم عندنا خنثى له ذكر وله
فرج ولا يُدرى أذكر هو أم أنثى هل ينتقض وضوء من لمس فرجه؟ الجواب أولاً إن
لمس فرجيه انتقض وضوءه يعني واحد لمس ذكر خنثى وفرجه نقول انتقض وضوءه على
كل حال، والتعليل لأن أحد الفرجين يقين أصلي وقد مسهما جميعا وهذا كله على
القول المرجوح فالمؤلف مفرع على القول الذي رجحه هو وليس على ما رجحنا أما
على القول الراجح فليس فيه وضوء وكلامنا على القول الذي رجحه المؤلف
التفريع من المؤلف على الذي هو يختار لا على الذي أخترناه فإذا مس إنسان
متوضئ فرجي الخنثى انتقض لماذا؟ لأن عندنا يقين أن أحدهما أصلي وإذا مس
واحد منهما بدون شهوة لا ينتقض مطلقا لأنه لا نعلم هل هو أصلي أو لا يعني
رجل مس ذكره بدون شهوة ما ينتقض الوضوء أنثى مست فرجه بدون شهوة ما ينتقض
الوضوء أنثى مست ذكره ما ينتقض الوضوء رجل مس فرجه ما ينتقض الوضوء لماذا؟
لأننا لا ندري هل الذي مسه أصلي أو زائد وإذا مس أحد فرجيه لشهوة ففيه
تفصيل إن كان للامس مثله انتقض الوضوء وإن لم يكن له مثله لم ينتقض فإذا مس
الذكر ذكره انتقض الوضوء وإن مست الأنثى فرجه انتقض وضوؤه لأن لها فرجا وإن
مست الأنثى ذكره لشهوة لم ينتقض وضوءه وإن مس الرجل فرجه لم ينتقض وضوؤه
والتعليل لأن الذكر إذا مس ذكره فإن كان الذكر أصليا انتقض وضوء اللامس
لأنه مس ذكره وإن كان غير أصلي انتقض وضوؤه لأنه ذكر مس امرأة بشهوة
والأنثى إذا مست فرجه نقول إن كان ذكرا والفرج زائد فقد مسته لشهوة وإن كان
أنثى فقد مست فرجه.
وأنا أسأل الآن لو مس ذكر ذكراً لشهوة وليس
المراد فرج الخنثى المراد رجل مس ذكرا لشهوة أو مسَّ أمرداً لشهوة فهل لا
ينتقض؟ لا ينتقض وضوؤه فالمذهب ما يمكن ينتقض الوضوء بمسٍ لشهوة إلا إذا
كان من غير جنس اللامس هذا في غير الخنثى يعني رجل مس امرأة لشهوة ينتقض
وضوؤه امرأة مست رجل لشهوة ينتقض وضوؤها رجل مس ذكره لشهوة لا ينتقض وضوؤه
امرأة مست أنثى لشهوة لا ينتقض وضوؤه والآن الخنثى إذا مس الذكر ذكره لشهوة
انتقض على كل حال لأنه إن كان الذكر أصليا فقد مس ذكره وإن كان زائدا فقد
مس امرأة لشهوة أما المرأة إذا مست ذكر الخنثى لشهوة فنقول لا ينتقض وضوؤها
لأنه يحتمل أن يكون الذكر أصليا فينتقض وضوؤها ويحتمل أن يكون غير أصلي
فتكون مست امرأة لشهوة ومس المرأة المرأة شهوة لا ينقض الوضوء.
القارئ: السادس لمس النساء وهو أن تمس بشرته بشرة أنثى وفيه ثلاث روايات
إحداهن ينقض بكل حال لقوله تعالى (أَوْلامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (النساء: من الآية43) الثانية لا ينقض لما
روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ) رواه أبو
داود.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت
أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد) رواه النسائي ومسلم ولو
بطل وضوؤه
لفسدت صلاته والثالثة هي ظاهر المذهب أنه
ينقض إذا كان لشهوة ولا ينقض لغيرها جمعا بين الآية والأخبار ولأن اللمس
ليس بحدث إنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت فيه الحالة التي تدعو فيها إلى
الحدث كالنوم ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة وذوات المحارم وغيرهن لعموم
الأدلة وإن لمست امرأة رجلا ففيه روايتان إحداهما أنها كالرجل لأنها ملامسة
توجب طهارة فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع والثانية لا ينقض وضوءها لأن
النص لم يرد فيها ولا يصح قياسها على المنصوص لأن اللمس منه أدعى إلى
الخروج وهل ينقض وضوء الملموس فيه روايتان وإن لمس سن امرأة وشعرها أو
ظفرها لم ينتقض وضوءه لأنه لا يقع عليها الطلاق بإيقاعه عليه وإن لمس عضوا
مقطوعا لم ينتقض وضوءه لأنه لا يقع عليه اسم امرأة وإن مس غلاما أو بهيمة
أومست امرأة امرأة لم ينتقض الوضوء لأنه ليس محلا لشهوة الآخر شرعا.
الشيخ: هذا الفصل الذي ذكر فيه المؤلف رحمه
الله حكم مس المرأة هل ينقض الوضوء وذكر فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد
رحمه الله الرواية الأولى أنه ينقض بكل حال والثانية لا ينقض بكل حال
والثالثة التفصيل فأما الذين قالوا إنه ينقض بكل حال فاستدلوا بالآية (أَوْ
لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) (النساء: من الآية43) وفي قراءة سبعية (أو لمستم
النساء) ولكن لا دليل في الآية لأن المراد بالملامسة أو اللمس الجماع ودليل
ذلك أن الله قال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) (النساء: من
الآية43) وهذا ذكر لسبب الطهارة الصغرى يعني الحدث الأصغر (أَوْ لامَسْتُمُ
النِّسَاءَ) (النساء: من الآية43) وهذا ذكر لسبب الطهارة الكبرى وهو الجماع
ولو جعلنا الملامسة هنا اسما لسبب الطهارة الصغرى لكان في الآية تكراراً
بذكر سببين وقصوراً بعدم ذكر السبب الموجب للغسل مع أن الآية ذكر فيها
الطهارتان الصغرى والكبرى والطهارتان الأصل والبدل الماء والتيمم والسببان
الموجب للصغرى والموجب للكبرى وبذلك تطرد الآية ولا يكون فيها تكرار ولا
يكون فيها قصور فلا دلالة في الآية وأيضا لو فرض أن في الآية احتمالا
للدلالة لقلنا هذا الاحتمال لا يوجب ذلك لأن من المعروف أنه إذا وجد
الاحتمال بطل الاستدلال والقول الثاني أنه لا ينقض بحال واستدلوا بأن عائشة
رضي الله عنها مست قدمي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ولم ينتقض وضوءه
ولو انتقض لبطلت الصلاة فقولهم صحيح أنه لا ينقض مس المرأة واستدلالهم
بالحديث غير صحيح لأن النبي عليه الصلاة والسلام ملموس وليس بلامس والكلام
الآن في وضوء اللامس وعلى هذا فالاستدلال غير صحيح لكن ما هو الدليل؟
الدليل أن الرسول كان يقبل نساءه ولا يتوضأ فإن قال قائل لا دلالة في هذا
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لأربه قلنا ولكن الأصل فيه الأسوة
ثم هنا إذا لم يقم هذا الاستدلال فلنا دليل ظاهر وهو البقاء على الأصل فإن
طهارته قد ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا
ننقضها إلا بدليل شرعي لأن اليقين لا يزول بالشك لقول النبي عليه الصلاة
والسلام حين شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال (لا
ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) فإذا كانت
هذه الطهارة قائمة فإننا لا نبطلها بأدلة غير واضحة فالأصل بقاء ما كان على
ما كان عليه وهذا هو الدليل الواضح الذي ليس عليه اعتراض الرواية الثالثة
عن أحمد وهي المذهب التفصيل بين أن يمسها لشهوة أو لغير شهوة فإن مس لشهوة
انتقض الوضوء وإن مس لغير شهوة لم ينتقض الوضوء وهذا له تعليل لأن اللمس
بشهوة مظنة الحدث فألحقت المظنة بالمئنة أي باليقين ولكن نقول إن هذا إلحاق
للظن باليقين فلا يبطل ما كان متيقنا قطعا بدون إلحاق وهو بقاء الطهارة
ونقول إن خرج منه شيء بهذا اللمس لشهوة فليتوضأ فالقول الراجح في هذا الفصل
أنه لا نقض بمس المرأة مطلقا لشهوة أو لغير شهوة أما ما ذكره أخيرا وهو أنه
إن لمس عضواً مقطوعا فإنه لا ينتقض وضوءه فما قاله صحيح وكذلك يقول لو مس
غلاما أو بهيمة أو مست امرأة امرأة لم ينتقض الوضوء لأنه ليس محلاً لشهوة
وهذا أيضا صحيح بناءً على أنه لا نقض بالمس بشهوة أما إذا جعلنا المس لشهوة
ناقضا فإن مس هذه الأشياء إذا كان لشهوة ينقض لأنه لا فرق فإن من الناس من
يبتلى بمحبة الغلمان فقوم لوط قال لهم نبيهم (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ
مِنَ الْعَالَمِينَ (65) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ) (الشعراء: من الآية166) فهم والعياذ بالله ابتلوا بهذا
الشيء فصاروا يأتون الرجال ولا يأتون النساء وكذلك أيضا البهيمة من الناس
من يفتن بالبهائم ويكون إتيانه للبهيمة كما يأتي المرأة وكذلك لو مست امرأة
امرأة هذا أيضا يعني كلامنا نفي للوجوب مع القول بأن المس لشهوة ينقض غير
صحيح لأن من النساء من تميل إلى الفتيات كما يميل الرجل إليها فإذا قلنا
بنقض الوضوء بالمس لشهوة فلا
فرق بين أن يمس الرجل امرأة أو المرأة رجلا
أو امرأة امراة أو رجل رجلا أو رجلا بهيمة كله سواء أو بهيمة رجلا مثل
القرد فلو لمس القرد امرأة بشهوة فهل ينتقض وضوءها إذا قلنا بأن الممسوس لا
ينتقض وضوءه فلا نقض وإن قلنا ينتقض تأتي المسألة هل ينقض مس البهيمة أو لا
وعلى كل حال القول الراجح الذي نستريح به من هذه التقريرات هو أن لا نقض
بمس المرأة لشهوة أو بمس المرأة الرجل بشهوة إلا إذا خرج شيء.
القارئ: السابع الردة عن الإسلام وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو
يشك شكا يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوؤه لقول الله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: من الآية65) ولأن الردة حدث لقول ابن عباس
(الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان) فيدخل في عموم قوله عليه السلام (لا يقبل
الله صلاة من أحدث يتوضأ) متفق عليه ولأنها طهارة عن حدث فأبطلتها الردة
كالتيمم.
الشيخ: الصحيح أن الردة لا تنقض الوضوء والآية (لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: من الآية65) هذا حبوط الثواب وحديث ابن
عباس لا يدل على هذا أن الحدث حدثان ولو أخذنا بهذا لقلنا كل إنسان يعصي
الله فهو محدث يجب عليه الوضوء وأما الحديث فهو صحيح (لا يقبل الله صلاة من
أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه ولكن يبقى أن يقال إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام
وجب عليه الاغتسال عند كثير من
أهل العلم وكل ما أوجب غسلا أوجب وضوءا إلا الموت فإنه يوجب الغسل ولا يوجب
الوضوء على خلاف في هذا أيضا لأن حتى بعض العلماء يقول يجب الوضوء في تغسيل
الميت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها).
السائل: مامعنى قوله فأبطلتها الردة كالتيمم؟
الشيخ: معناه إن التيمم إذا ارتد الإنسان بطل ولكن يقال قاس شيئا مختلفا
فيه على شيء مختلف فيه.
مسألة: الراجح أنه يكفي تغسيل الميت بدون وضوء لأن قول الرسول (اغسلوه بماء
وسدر) ولم يذكر الوضوء.
القارئ: الثامن غسل الميت عده أصحابنا من
نواقض الطهارة لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وقال
أبو هريرة أقل ما فيه الوضوء ولأنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع
الحدث ولا فرق بين الميت المسلم والكافر والصغير والكبير في ذلك لعموم
الأثر والمعنى وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب فإنه قال أحب إلي أن
يتوضأ وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الخبر الوارد فيه موقوفا على
أبي هريرة ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص والأصل عدم وجوبه
فينتفي وما عدا هذا لا ينقض بحال.
الشيخ: الصحيح عدم وجوب الوضوء من تغسيل الميت مثل ما قال الإمام أحمد أحب
إلي أن يتوضأ.
فصل
القارئ: ومن تيقن الطهارة وشك هل أحدث أم لا فهو على طهارته لما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه
هل خرج شيء أو لم يخرج فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) رواه
البخاري ومسلم.
الشيخ: هنا يؤخذ على المؤلف رحمه الله أنه قال لما روي فذكره بصيغة التمريض
وهو في الصحيحين.
القارئ: ولأن اليقين لا يزال بالشك وإن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث
لذلك وإن تيقنهما وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما فإن كان متطهرا
فهو محدث الآن لأنه تيقن زوال تلك الطهارة بحدث وشك هل زال أم لا فلم يزل
يقين الحدث بشك الطهارة وإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهر لما ذكرنا في
التي قبلها.
الشيخ: إذاً يكون على ضد حاله قبلهما إذا تيقن الحدث والطهارة وشك أيهما
السابق نقول هو على ضد حاله قبلهما فمثلا إذا قال أنا منذ أذن الظهر إلى أن
جاء وقت إقامة الصلاة وأنا أتيقن إنه حصل مني حدث ووضوء لكن لا أدري أيهما
الأول نقول أنت على ضد حالك قبل أذان الظهر فإذا كنت قبل
الأذان محدثا فأنت الآن متطهر وإن كنت
متطهرا فأنت الآن محدثٌ لماذا؟ لأنه تيقن زوال تلك الحال الأولى إلى ضدها
وشك في بقائها فإذا صار محدثا قبل فقد تيقن أنه تطهر وشك في زوال هذه
الطهارة والأصل بقاؤها وإذا كان قبل ذلك متوضئاً فقد تيقن زوال هذا الوضوء
وشك في الطهارة والأصل عدم الطهارة.
والخلاصة: إذا تيقن الطهارة والحدث في زمن وشك أيهما أسبق نقول ما حالك قبل
هذا الزمن الذي حدث فيه الشك؟ إذا قال أنا متطهر فهو الآن محدث إذا قال أنا
محدث فهو الآن متطهر لماذا لأنه تيقن أن حاله الأولى التي قبل الشك قد زالت
فإذا كان محدثا فقد زالت لطهارة وشك في بقاء هذا الشيء والأصل بقاؤه على ما
كان عليه ولكن الاحتياط في هذا أن يتطهر يعني حتى لو قلنا بهذا الحكم الذي
قال المؤلف الاحتياط أن يتطهر حتى لا يبقى في قلق نفسي من الحال التي هو
عليها.
فصل
القارئ: ولا تشترط الطهارتان معا إلا لثلاثة أشياء الصلاة لقول النبي صلى
الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ) والطواف لقول النبي
صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح الكلام فيه) رواه
الشافعي في مسنده، ومس المصحف لقول الله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79) وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن
حزم (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) رواه الأثرم.
ولا بأس بحمله في كمه بعلاقته وتصفحه بعود لأنه ليس بمس له ولذلك لو فعله
بامرأة لم ينتقض وضوؤه وإن مس المحدث كتاب فقه أو رسالة فيها آي من القرآن
الكريم جاز لأنه لا يسمى مصحفا والقصد منه غير القرآن ولذلك كتب النبي صلى
الله عليه وسلم إلى قيصر في رسالته (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) (آل عمران: من الآية64)
الشيخ: المؤلف استدل للأول وهو الطواف
بحديث (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) وهذا الدليل ليس
فيه تصريح بوجوب الوضوء للطواف هذا من جهة ومن جهة أخرى أنه ليس من كلام
النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا الكلام منتقض بعدة مسائل وكلام النبي صلى
الله عليه وسلم لا ينتقض فالطواف يخالف الصلاة ليس في الكلام فقط بل
يخالفها في أشياء كثيرة منها أنه يباح فيه الأكل والشرب ومنها أنه لا يشترط
فيه استقبال القبلة ومنها أنه لا يشترط فيها الموالاة على رأي كثير من
العلماء ومنها أنه ليس فيه تكبير في أوله ولا سلام في آخره ولا تشهد فهو
يخالف الصلاة في مسائل كثيرة وهذه المخالفات تقتضي أن لا يكون هذا الكلام
من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإذا فرض أنه من كلام النبي صلى الله
عليه وسلم فإنه يحمل على أن الطواف له حكم الصلاة في الثواب والأجر لأنه
عمل يختص بالمسجد كصلاة الجماعة وأما مس المصحف فكما رأيتم استدل المؤلف
بالآية
(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
والآية ليس فيها دليل على ذلك لأن الضمير في قوله (لا يَمَسُّهُ) يعود إلى
الكتاب المكنون قال الله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ
كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79) أي لا يمس هذا الكتاب المكنون إلا المطهرون
وأيضا الآية (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: من الآية79) ولم يقل إلا
المطَّهرون والمطَّهر هو الذي طهَّره غيره وهذا لا ينطبق إلا على الملائكة
فليس فيه دليل أما حديث عمرو بن حزم فنعم فيه دليل على أنه لا يمس القرآن
إلا طاهر ولكن مع ذلك نازع بعض العلماء في الاستدلال بهذا الحديث وقال إن
كلمة طاهر لفظ مشترك بين المؤمن وبين المتطهر من الحدث فالمؤمن طاهر لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) ولقوله تعالى (إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة: من الآية28) والمتوضيء طاهر والمطهِّر
بدنه من النجاسة طاهر فلما كان لفظا مشتركا لم يصح أن يستدل به على أحد
المعاني إلا بدليل يعين ذلك ولكنا نقول حمله على المؤمن فيه نظر لأن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يكن يعبر بكلمة طاهر عن المؤمن أبدا ولو أراد المؤمن
لقال لا يمس القرآن إلا مؤمن كما قال لا يدخل الجنة إلا مؤمن والمتطهر من
الحدث يسمى طاهرا قال الله تعالى لما ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم (مَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ) (المائدة: من الآية6) وسمى النبي عليه الصلاة والسلام
التراب طهورا فيدل على أن من استعمله فهو طاهر وقال تعالى (وَيَسْأَلونَكَ
عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ
وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ
مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللَّهُ) (البقرة: من الآية222)
ونحن لا ننازع في أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء ولكن ننازع في الاستدلال
بهذا والصحيح أن حديث عمرو بن حزم دال على ذلك على أنه لا يمس القرآن إلا
من هو طاهر من الحدث الأصغر والأكبر.
القارئ: وإن مس المحدث كتاب فقه أو رسالة فيها آي من القرأن جاز لأنه لا
يسمى مصحفاً والقصد منه غير القرآن ولذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
قيصر في رسالته (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ
سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) (آل عمران: من الآية64) متفق عليه وكذلك
إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن وإن مس درهما مكتوبا عليه آية فكذلك في
أحد الوجهين لما ذكرنا والثاني لا يجوز.
الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن لا
يقال إن ظاهره جواز تطريز الثوب بآية من القرآن لأنه لا يلزم من فعل الشيء
أن يكون حلالا ولا شك بأن تطريز الثوب بآيات من القرآن امتهان للقرآن وأن
ذلك ليس بجائز لكن إذا فعل فهل تأخذ حكم المصحف أو لا؟ هذا مراد المؤلف
رحمه الله فيقول إنها تأخذ حكم المصحف وإن مس درهما مكتوبا عليه آية فكذلك
في أحد الوجهين لأنهم كانوا فيما سبق يكتبون على الدراهم آيات من القرآن
يكتبون قل هو الله أحد يكتبون آيات أخرى تناسب المقام ويستعملها الناس وهذا
وإن كان الفاعل قد أراد التعبد بكتابة القرآن لكنه أخطأ لأن كتابة القرآن
على الدراهم جدال للقرآن وامتهان له لأنه يكون في أيدي الصبيان والسفهاء
ويرمى به وما أشبه ذلك فهو لا يجوز.
مسألة: في حكم مس كتب التفسير الراجح في
ذلك أنه إذا كان الذي فيه من القرآن أكثر من التفسير فإنه لا يمس وإذا كان
مثله أو أقل فإنه يمس وقد ذكروا أن تفسير الجلالين إذا كان مجردا عن القرآن
يعني معناه ما كتب القرآن فيه كاملا في الوسط قالوا إن التفسير أكثر من
القرآن وعلى هذا فإذا وجدنا تفسير الجلالين مجرداً عن القرآن جاز مسه.
السائل: ماحكم التطريز على الثياب بالآيات؟
الشيخ: لا يجوز.
مسألة: الستارة معلقة والمكتوب عليها آيات نرى أنها من جنس تعليق الأوراق
وأرى أن هذه أدنى ما فيها أنها بدعة لأن السلف ما كانوا يفعلونها
القارئ: والثاني لا يجوز لأن معظم ما فيه من القرآن وفي مس الصبيان ألواحهم
وحملها على غير طهارة وجهان أحدهما لا يجوز لأنهم محدثون فأشبهوا البالغين
والثاني يجوز لأن حاجتهم ماسة إلى ذلك ولا تتحفظ طهارتهم فأشبه الدرهم ومن
كان طاهرا وبعض أعضائه نجس فمس المصحف بالعضو الطاهر جاز لأن حكم النجاسة
لا يتعدى محلها بخلاف الحدث
الشيخ: الظاهر أن الأحسن أن لا يمسه إلا بطهارة لكن إلزامهم بهذا وهم غير
مكلفين فيه نظر.
فصل
القارئ: ويستحب تجديد الطهارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يتوضأ لكل
صلاة طالبا للفضل) رواه البخاري (وصلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد
ليبين الجواز) رواه مسلم.
السائل: ما المقصود بمس المصحف هل من الداخل أو من الخارج؟
الشيخ: من الداخل ومن الخارج إلا الجراب الذي يوضع فيه المصحف فهذا ليس
منه.
السائل: المرتد هل نلزمه بالاغتسال إذا أسلم؟
الشيخ: إن ألزمنا الكافر الأصلي بالاغتسال ألزمنا المرتد فحكمه حكم الكافر
الأصلي وإلزام الكافر الأصلي في النفس منه شيء لأن كثيرا من الصحابة رضي
الله عنهم أسلموا ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال وحديث أن
الرسول أمرهم بالاختتان وإزالة شعر الكفر عنه والاغتسال ما هو إلى ذاك
الدرجة لكن الاحتياط أن يغتسل.
السائل: وعليه لا يكون ناقضاً هنا
الشيخ: على هذا ما يكون ناقضا.
|