تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة

باب
صفة الصلاة
القارئ: وأركانها خمسة عشر القيام وهو واجب في الفرض لقول الله تعالى (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري.
فإن كبر للإحرام قاعدا أو في حال نهوضه إلى القيام لم يعتد به لأنه أتى به في غير محله.
ويستحب القيام إلى المكتوبة عند قول المؤذن قد قامت الصلاة لأنه دعاء إلى القيام فاستحب المبادرة إليه.
الشيخ: هنا علل القيام عند قد قامت الصلاة بأنه دعاء إلى القيام وقال بعض العلماء يقوم عند قوله حي على الصلاة لأن معنى حي أقبل وقال بعضهم يقوم إذا شرع وقال بعضهم يقوم إذا كبر الإمام للتحريمة قال الإمام مالك رحمه الله والأمر عندنا في هذا واسع ما في التوقيت يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
القارئ: ويستحب للإمام تسوية الصفوف لما روى أنس بن مالك قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه يعني عوداً في المحراب ثم التفت وقال (اعتدلوا سووا صفوفكم) ثم أخذه بيساره وقال (اعتدلوا سووا صفوفكم) رواه أبو داوود

فصل


القارئ: ثم يكبر للإحرام وهو الركن الثاني لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) وقال (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داوود وقال (لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر ولا يجزئه غيره من الذكر ولا قوله الله الأكبر ولا التكبير بغير العربية لما ذكرنا فإن لم يحسن العربية لزمه التعلم فإن خشي خروج الوقت ففيه وجهان أحدهما يكبر بلغته لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه كلفظة النكاح والثاني لا يكبر بغير العربية لأنه ذكر تنعقد به الصلاة فلم يجز التعبير عنه بغير العربية كالقراءة فعلى هذا يكون حكمه حكم الأخرص فإن عجز عن بعض اللفظ أو عن بعض الحروف أتى بما يمكنه وإن كان أخرص فعليه تحريك لسانه لأن ذلك كان يلزمه مع النطق فإن عجز عن أحدهما بقي الآخر ذكره القاضي ويقوى عندي أنه لا يلزمه تحريك لسانه لأن ذلك إنما وجب على الناطق ضرورة القراءة وإذا سقطت سقط ما هو من ضرورتها كالجاهل الذي لا يحسن شيئاً من الذكر ولأن تحريك لسانه بغير القراءة عبث مجرد فلا يرد الشرع به.
الشيخ: هذا الذي قاله إنه يقوى عنده هذا هو المتعين حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال ينبغي أن يقال ببطلان صلاته لأنه حركة لا ثمرة منه رجل أخرس لا ينطق إذا أراد يحرك لسانه وشفتيه صارت حركة كثيرة متوالية لأنه سوف يحركه من حين يبدأ إلى أن يختم فهي حركة كثيرة متوالية عبث فالصواب ما قاله المؤلف رحمه الله أنه لا يحرك لسانه أخرص لا يستتطيع النطق يسقط عنه لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وأما الذي يعجز عن التكبير بالعربية فله أن يكبر بلغته وذلك لأن التكبير لا يتعبد بلفظه بخلاف القرآن فإذا كبر بلغته أو دعا بلغته أو سبح بلغته فلا بأس.


القارئ: ويبين التكبير ولا يمططه فإن مططه تمطيطاً يغير المعنى مثل أن يمد الهمزة في اسم الله تعالى فيجعله استفهاما.
الشيخ: يقول آلله أكبر؟ إذا قال آلله صار استفهاماً مثل قوله (آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ).
القارئ: أو يمد أكبار فيزيد ألفاً فيصير جمع كبر وهو الطبل لم تجزه.
الشيخ: يعني أن أكبار جمع كبر كأسباب جمع سبب فإذا قال المكبر الله أكبار قلنا صلاتك باطلة ولم تنعقد لأنك قلت أكبار وأكبار بمعنى الطبول.
السائل: إذا قال في الأذان الله أكبار؟
الشيخ: نفس الشيء ما يصح أذانه.
السائل: هل يستحب تسوية الصفوف أم يجب؟
الشيخ: الاستحباب هذا للإمام أما المأمومون فيجب عليهم تسوية الصفوف لكن الإمام هو الذي يستحب له أن يأمر الناس يقول استووا سووا صفوفكم اعتدلوا ويجب عليه إذا رأى أحد متقدم أو متأخر يجب ولهذا قوله يستحب للإمام تسوية الصفوف أن يقول استووا.
السائل: ما هو الراجح في القيام في الصلاة هل واجب أم ركن؟
الشيخ: القيام في صلاة الفرض ركن لا تصح الصلاة إلا به.
القارئ: ويجهر بالتكبير إن كان إماماً بقدر ما يسمع من خلفه وإن لم يكن إماماً بقدر ما يسمع نفسه كالقراءة.
الشيخ: قولهم بقدر ما يسمع من خلفه هذا أدنى الواجب وليس المعنى إذا كان جهوري الصوت أن يخفضه حتى لا يسمعه إلا من خلفه بل أدنى الواجب أن يسمع من خلفه.

فصل
القارئ: ويستحب أن يرفع يديه ممدودتي الأصابع مضموماً بعضها إلى بعض حتى يحاذي بهما منكبيه أو فروع أذنيه لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود) متفق عليه.


ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه لأن الرفع للتكبير فيكون معه فإن سبق رفعه التكبير أثبتهما حتى يكبر ويحطهما في حال التكبير وإن لم يرفع حتى فرغ من التكبير لم يرفع لأنه سنة فات محلها وإن ذكر في أثنائه رفع لأن محله باق فإن عجز عن الرفع إلى حذو المنكبين رفع قدر ما يمكنه وإن عجز عن رفع إحدى اليدين رفع الأخرى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
الشيخ: وإن لم يقدر إلا أن يرفعهما أكثر مثل أن تكون اليد ما تنثني فهو إما أن يرفع جداً أو يترك فهل يرفع أو يترك؟
يرفع لأن هذه مخالفة في الصفة فقط.
والرفع بيَّن أنه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، فروع أذنيه أي أعلاهما والمنكبان هما الكتفان فهل هما صفتان أو صفة واحدة لأن السنة وردت بهذا وهذا لكن هل هما صفتان أو صفة واحدة قال بعضهم إنهما صفتان وقال بعضهم صفة واحدة لكن من ذكر الكتفين فالمراد أسفل الكف ومن ذكر فروع الأذنين فالمراد أعلى الكف والخطب في هذا سهل أما ابتداء الرفع يقول إنه مع ابتداء التكبير فهذا أيضاً جاءت به السنة وجاءت السنة بأن يكبر ثم يرفع وأن يرفع ثم يكبر فالصفات إذاً ثلاث صفات.

فصل
القارئ: فإذا فرغ استحب وضع يمينه على شماله لما روى هُلْب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه قال الترمذي هذا حديث حسن ويجعلهما تحت السرة لما روى عن علي أنه قال السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة رواه أبو داوود وعنه فوق السرة وعنه أنه يخير ويستحب جعل نظره إلى موضع سجوده.
الشيخ: لم يذكر المؤلف الصفة التي هي أولى وأحسن والتي دل عليها حديث وائل بن حجر أنه يضعهما على صدره وهذا أصح لأن حديث علي ضعيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام يضعهما تحت السرة فالصواب أنه يضعهما على صدره.
القارئ: ويستحب جعل نظره إلى موضع سجوده لأنه أخشع للمصلي وأكف لنظره.


الشيخ: ويستثنى من ذلك إذا كان في التشهد أو في الجلسة بين السجدتين فإنه ينظر إلى محل إشارته يعني إلى أصبعه ويستثنى من ذلك إذا كان في صلاة الخوف فإنه ينظر إلى العدو لقول الله تعالى (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) واستثنى بعض العلماء إذا كان في المسجد الحرام فإنه ينظر إلى الكعبة والأخير ليس بصحيح بل الذي في المسجد الحرام ينظر إلى موضع سجوده وقال بعض العلماء السنة أن ينظر تلقاء وجهه لأن هذا ظاهر فعل الصحابة حيث كانوا يحكون اضطراب لحية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهم سئلوا بماذا تعرفونه يقرأ قالوا باضطراب لحيته وهذا يدل على أنهم ينظرون تلقاء وجوههم وكذلك في صلاة الكسوف رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النار تلقاء وجهه ولو قيل بأن الأمر في هذا واسع أيضاً لم يكن بعيداً من الصواب أن يقال إما أن تنظر تلقاء وجهك أو تجعل نظرك في موضع سجودك فإذا كان أخشع لك أن يكون نظرك في موضع سجودك فافعل وإذا كان أريح لك أن تجعل نظرك منطلقاً إلى الأمام فلا بأس.
السائل: النظر إلى موضع السجود للوجوب أو الاستحباب؟
الشيخ: لا، ليس للوجوب.
السائل: الذين يقولون الأولى تنظر إلى موضع سجودك كيف يردون على الأحاديث التي فيها أن الصحابة ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك فعله في صلاة الكسوف؟
الشيخ: يقولون فسر كثير من السلف قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) الذين ينظرون إلى مواضع سجودهم وأما فعل الصحابة لعلهم يقولون إن هذا لأن الرسول عليه عليه الصلاة والسلام يقتدى به وهو أسوة وإمام فنظرهم إليه يحتاجون له وعلى كل حال ينبغي أن ينظر لما هو أصلح له وفعله أيضاً يمكن يجيبون عنه بأن هذه حال طارئة لأن الله أراد أن يعرض عليه الجنة والنار، الأمر في هذا واسع.
السائل: ما هو التوجيه في عدم صحة استحباب النظر إلى الكعبة في المسجد الحرام؟


الشيخ: أنه لم يرد به نص والأصل أن العبادات مبنية على التوقيف.
السائل: وهل النظر إلى موضع السجود ورد به النص؟
الشيخ: كما قلت لك أن بعض المفسرين فسر قوله (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ينظرون إلى مواضع سجودهم ثم النظر إلى الكعبة ولا سيما في أيام الطواف تلهي الإنسان وأما النظر تلقاء الوجه يصح ما لم يكن هناك ما يشغله إن كان فيه ما يشغله لا ينظر ويستفاد من هذا أيضاً أن الإنسان لا يغمِّض عينيه وهو كذلك وتغميض العينين مكروه إلا لحاجة مثل أن يكون أمامه أشياء لو فتح عينيه لأشغلته فلا بأس.

فصل
القارئ: ويستحب أن يستفتح قال أحمد أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر يعني ما رواه الأسود أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر فقال (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) رواه مسلم ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح كان حسناً أو قال جائزاً وإنما اختاره أحمد لأن عائشة وأبا سعيد قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال ذلك وعمل به عمر بمحضر من الصحابة فكان أولى من غيره وصوب الاستفتاح بغيره مثل ما روى أبو هريرة قال قلت يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول قال (أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) متفق عليه قال أحمد ولا يجهر الإمام بالاستفتاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر به.


الشيخ: يعني فيجوز الاستفتاح بهذا وبهذا بما كان عمر يستفتح به (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) أو بما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يستفتح بذلك وقد رجح بعض العلماء حديث أبي هريرة لأنه في الصحيحين ومرفوع صريحاً إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجح بعضهم ما رواه عمر وقال إن كون أمير المؤمنين يجهر به يعلمه الناس يدل عنايته به وأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد رجح ابن القيم في زاد المعاد هذا من نحو عشرة أوجه أي الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك إلى آخره ولكن الأرجح أنه يأخذ بهذا تارة وبهذا تارة لأن الكل سنة ولا يجمع بينهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل ما تقول لم يذكر إلا نوعاً واحداً فقط بخلاف أدعية الركوع مثلاً فإنه يجوز أن يجمع بينهما لأنه ما ورد في الركوع أنه كان يقتصر على واحد منها أما هذا ورد أنه يقتصر على واحد منها.

فصل
القارئ: ثم يستعيذ بالله فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) قال ابن المنذر وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).

فصل


القارئ: ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بها لما روى أنس ابن مالك قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد ومسلم وفيها روايتان إحداهما أنها آية من الفاتحة اختارها أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص لما روت أم سلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين) ولأن الصحابة أثبتوها في المصاحف فيما جمعوا من القرآن فدل على أنها منها والثانية ليست منها لما روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى حمدني عبدي فإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي فإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي فإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) رواه مسلم، ولو كانت بسم الله الرحمن الرحيم منها لبدأ بها ولم يتحقق التنصيف ولأن مواضع الآي كالآي في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ولا تواتر فيما نحن فيه.
الشيخ: وهذا الذي قاله هي الرواية الأخرى أصح أن البسملة ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور أما كونها ليست من الفاتحة فلوجهين:
الوجه الأول أن الله عز وجل لما قال (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) بدأ بالحمد ولو كانت البسملة منها لبدأ بها.


الوجه الثاني أننا لو قلنا إنها من الفاتحة لكان للفاتحة ثمان آيات وهي بالإجماع سبع آيات فإما أن تقول ثمان آيات وإما أن تكون سبع آيات غير متناسبة لأنه إذا جعلنا البسملة آية صار قوله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) كلها آية وهذا طويل ثم إننا إذا قسمناها فيما بين الله وبين العبد نصفين تعين أن لا تكون البسملة منها لأن (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ثلاث آيات هذه لله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الرابعة هذه بين الله وبين العبد (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) هذه الثلاث آيات للعبد فتكون الثلاث آيات الأولى لله خالصة والرابعة بينه وبين العبد والخامسة والسادسة والسابعة خالصة للعبد فهذا هو الصحيح أنها ليست من الفاتحة وكذلك ليست من غيرها والدليل على ذلك حديث عائشة في كيفية بدء الوحي أن جبريل قال له (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ولم يذكر البسملة.
القارئ: ومن نسي الاستفتاح حتى شرع بالاستعاذة أو نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة أو البسملة حتى شرع في الفاتحة على الرواية التي تقول ليست من الفاتحة لم يرجع إليها لأنها سنة فات محلها.
الشيخ: وهذه عندهم ضابط كل سنة فات محلها فإنها لا تقضى لأنك لو قضيتها لأتيت بها في غير محلها ولكن على هذه القاعدة يقال لو نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة فهو لا زال في محل الاستعاذة فلو قيل بأنه يستعيذ لكان خيراً كما أنه لو نسي الركوع مثلاً في الصلاة رجع إليه وركع فلو قيل بأنه يرجع إذا نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة أو نسي البسملة حتى شرع في الفاتحة أنه يرجع لكان له وجه.


السائل: ما معنى حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم عدها آية؟
الشيخ: هذا ضعيف فإن صح فالمراد عدها آية يعني مستقلة.
السائل: ما رأيك في قول الصنعاني في سبل السلام أنه لم يقل أحد من العلماء أنه يكبر قبل أن يرفع يديه.
الشيخ: هذا غريب منه لأن هذا جاء في مسلم.

فصل
القارئ: ثم يقرأ الفاتحة وهي الركن الثالث في حق الإمام والمنفرد لما رواه عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه ولا تجب على المأموم لقوله (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما لي أنازع القرآن) قال فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم رواه مالك في الموطأ ولأنها لو وجبت عليه لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان لكن إن سمع قراءة الإمام أنصت له ويقرأ في سكتاته وإسراره لأن مفهوم قوله فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه أنهم يقرؤون في غيره.


الشيخ: قال المؤلف الموفق رحمه الله في كتاب الكافي ثم يقرأ الفاتحة وهي الركن الثالث في حق الإمام والمنفرد فبين أنها ركن ولكنه قيد ذلك بحق الإمام والمنفرد ثم استدل بآية وحديث أما كونها ركناً فاستدل بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ومن المعلوم أن الدليل هنا أعم من المدلول على كلام المؤلف يقول لا تجب إلا على الإمام والمنفرد والحديث عام (لمن لم) ومن هذه اسم موصول من صيغ العموم فكان الدليل هنا أعم من المدلول ولا يمكن أن نخصص الدليل إلا بدليل وبناءً على ذلك على هذه القاعدة استدل بهذا التخصيص فقال رحمه الله ولا تجب على المأموم لقوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وهذا الدليل أخص من المدلول عكس الأول، الأول الدليل عام والمدلول المستدل له خاص هنا الدليل أخص من المدلول لأنه قال لا تجب على المأموم لا في السرية ولا في الجهريه واستدل بقوله (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وهذا يقتضي أن تكون غير واجبة على المأموم فيما إذا سمع قراءة الإمام وعليه فإذا كانت الصلاة سرية فهل يمكن أن نستدل بهذه الآية على سقوطها عن المأموم؟ لا وكذلك إذا كان بعيداً لا يسمعه فإنه لا يمكن أن نستدل وكذلك إذا كان بعد أن فرغ الإمام من الفاتحة فإنه في الحقيقة لم يسمعها فلم يقرأها ولم يستمع إليها على كل حال نقول الآية عامة (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وهذا منطوق عام مفهومه إذا لم نسمعه لم يلزمنا الإنصات وعلى هذا فيكون مقتضى الدليل أن تجب على المأموم في حالين في حال السرية وفيما إذا لم يسمع إمامه وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما لي أنازع القرآن) فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه النبي صلى الله


عليه وعلى آله وسلم رواه مالك في الموطأ (ما لي أنازع القرآن) يعني أنهم ينازعون النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن فهم يقرؤون وهو يقرأ فينازعونه ويشوشون عليه فقال عليه الصلاة والسلام (ما لي أنازع القرآن) فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا أيضاً يدل على أن المراد الصلوات الجهرية التي يكون فيها منازعة للإمام ولكن المؤلف رحمه الله عدل عن حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم انفتل من صلاة الصبح فقال (ما لكم تقرؤون خلف إمامكم) ثم قال (لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا صريح في أنها تجب على المأموم في الصلاة الجهرية وعلى هذا فيكون قوله هنا فانتهى الناس أن يقرؤوا يعني في غير الفاتحة وكانوا في الأول يقرؤون مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفاتحة وغير الفاتحة والمسألة هذه فيها خلاف بين العلماء على خمسة أقوال:
القول الأول أن الفاتحة لا تجب على أحد وأن الواجب أن يقرأ ما تيسر من القرآن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث المسيء في صلاته (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله وقال إن النفي في قوله (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) نفي للكمال وليس نفياً للصحة.
والقول الثاني أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد بكل حال حتى المسبوق لو جاء والإمام راكع وأدرك الركوع فإنها لا تجزئه الركعة وهذا مقابل لذاك تقابل طرفين مقابلة تامة مع القول الأول.
القول الثالث أنها تجب على الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية إلا المسبوق فإنها تسقط عنه.


القول الرابع تجب على المأموم في الصلاة السرية ولا تجب عليه في الصلاة الجهريه وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو قول أقيس من غيره لولا الدليل يعني لولا حديث عبادة بن الصامت الذي أشرنا إليه آنفاً لكان هذا القول هو القول المتعين لأن الأدلة تجتمع به.
القول الخامس لا تجب على المأموم في السرية ولا في الجهرية وهذا هو المشهور من المذهب مذهب الإمام أحمد لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) والقول الراجح الوجوب مطلقا إلا في حق المسبوق وإنما رجحنا هذا القول لعموم الأدلة (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولحديث عبادة بن الصامت في صلاة الفجر وهو نص في الموضوع إلا المسبوق فإن المسبوق لا تجب عليه لحديث أبي بكرة رضي الله عنه حين جاء والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف ثم دخل في الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعادة الركعة ولأن المسبوق لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة فسقطت عنه الفاتحة بسقوط محلها كما يسقط غسل اليد إذا قطعت فإنه يسقط غسلها في الوضوء لأنه فات المحل.
أما الإجابة عما قال المؤلف فنقول الآية (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) الآية عامة وحديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) يخصصها وأما حديث أبي هريرة فنقول نعم هو عام فيما جهر فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يقرؤوا فيه لكن يخصصه حديث عبادة بن الصامت حين انفتل من صلاة الصبح وقال (لا تفعلوا) أي لا تقرؤوا مع إمامكم (إلا بأم الكتاب) وهذا الذي نراه هو مذهب الشافعي رحمه الله وكذلك ذهب إليه كثير من المتأخرين كالشوكاني والشوكاني ممن يرى أيضاً أنها لا تسقط الفاتحة ولا عن المسبوق ولكن سقوطها عن المسبوق أصح وكذلك اختار هذا القول شيخنا عبد العزيز بن باز أنها ركن في حق الإمام والمأموم والمنفرد.


أما تعليله رحمه الله ولأنها لو وجبت لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان فالجواب عن ذلك أن يقال سقطت بالدليل والدليل مقدم على التعليل وعلى القياس والدليل هو ما ذكرنا من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ولأن المسبوق لم يدرك المكان أو الموضع الذي هو محل القراءة.
السائل: لشيخ الإسلام كلام معناه أوجب القراءة في السرية دون الجهرية هل هذا صحيح؟ وما توجيهه لحديث عبادة؟
الشيخ: نعم صحيح هذا رأيه هذا رأي الشيخ، وأما حديث عبادة بن الصامت الذي ذكرته لكم في صلاة الفجر بعض العلماء ضعفه ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لكن غيره صححه.
السائل: بالنسبة لمن ترك الفاتحة ناسياً، فما حكمه؟
الشيخ: كغيرها من الأركان إذا تركها نسياناً لغت الركعة التي نسيها فيها وإذا كان جهلاً فإن كان من الجهل الذي يعذر به فلا إعادة عليه وإلا أعاد.
القارئ: وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة لما روى أبو قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأخيرتين بأم القرآن) متفق عليه وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسيء في صلاته فقال (اقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر) ثم قال (اصنع في كل ركعة مثل ذلك) ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة فتكرر في كل ركعة كالركوع.
الشيخ: يقول إن الفاتحة تجب في كل ركعة واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الأخريين بأم الكتاب وهو حديث متفق عليه ووجه الاستدلال منه لا يتم حتى يضاف إليه وقال (صلوا كما رأيتموني أصلي) لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب فضلاً عن الركنية فحديث أبي قتادة لا يمكن الاستدلال به إلا بإضافة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).


أما الحديث الثاني وروي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله بصفة التمريض مع أن أصله في الصحيحين لكن اللفظ يختلف، هنا قال (اصنع في كل ركعة مثل ذلك) وفي الصحيحين (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) ولفظ الصحيحين يحتمل أن المعنى افعل ذلك فيما بقي من صلاتك أو في صلاتك كلها في كل الصلوات يعني افعل ذلك في العصر والظهر والمغرب والعشاء والفجر فلما كان لفظه في الصحيحين محتملاً أتى باللفظ الصريح (ثم اصنع في كل ركعة مثل ذلك).
السائل: لو قيل بوجوب قراءة الفاتحة في الجهرية لا أنها ركن بحيث يكون هذا هو الوسط وبهذا تجتمع الأدلة؟
الشيخ: لولا حديث عبادة بن الصامت في صلاة الصبح يعني لو ثبت أن هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة لكان الواجب الأخذ بالقول بالتفصيل لكن إذا ثبت وقد قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ولهذا الذين لا يثبتونه رأيهم واضح، وأما القول بالوجوب ما يمكن لأن نفي الصحة يدل على الركنية.
السائل: إذا صلى رجل مأموم في صلاة جهرية ولم يقرأ بالفاتحة هل تصح صلاته؟
الشيخ: ما تصح صلاته.
السائل: متى يقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية هل عند قراءة الإمام؟
الشيخ: لا الأفضل أن ينصت للفاتحة لأن الإنصات لها أفضل حيث إن قراءة الإمام يجب الاستماع لها فكونه يستمع للإمام وهي ركن في حق الإمام أولى من كونه ينصت لما هو ليس بركن وأما إذا رددها معناه أنه سينشغل عن استماع الآيات إذا قال الحمد لله رب العالمين الإمام سيقول الرحمن الرحيم فإذا كان هو يقول الرحمن الرحيم وأنت تقول الحمد لله رب العالمين اشتغلت عن استماعه
وأما إذا قال الفاتحة قبل الإمام عند الاستفتاح مثلاً والإمام أطال الاستفتاح لا بأس.
السائل: اشرح قول المؤلف ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة؟


الشيخ: ذكر المؤلف الدليل، والتعليل قال ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة، قوله لا تفتتح به الصلاة احترازاً من تكبيرة الإحرام لأنه لو قال ولأنه ركن فتكرر في كل ركعة لقال لك قائل إذاً تكبيرة الإحرام فاحترز عن ذلك بقوله ركن لا يفتتح به الصلاة فكأنه رحمه الله صنع العلة حتى تكون موافقة لما يريد.
القارئ: وعنه لا تجب إلا في الأولتيين لأنها لو وجبت في غيرهما لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأولتين ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية.
الشيخ: هذا ضعيف والصحيح أنها واجبة لكل ركعة وأما كونه لا يجهر بالأخريين فكما أن السنة أن يقتصر على الفاتحة فكذلك لا يجهر.
القارئ: ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية فإن قطع قراءتها بذكر كثير أو سكوت طويل عامداً أعادها وإن فعل ذلك ناسيا أو كان الذكر أو السكوت يسيرا أتمها لأن الموالاة لا تفوت بذلك وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة.
الشيخ: يقول يجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة فيقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إلى آخره متوالية يعني غير متفرقة فإن قطع قراءتها بذكر كثير مثل عندما وصل إلى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) جعل يدعو كثيراً أو سكوت طويل بشرط أن يكون غير مشروع فإن كان مشروعاً كسكوته لاستماع قراءة إمامه فإنه لا يضر إذا علم أن إمامه سيسكت فيما بعد هذه القراءة حتى يتمكن من إتمامها أما إذا كان يعلم أن إمامه من عادته أنه لا يصمت إذا فرغ من القراءة فإنه يستمر في قراءتها ولو كان الإمام يقرأ.
السائل: قال المؤلف وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة هنا أفاد أنه إن نوى قطع الصلاة انقطعت وكنتم ذكرتم أحسن الله إليكم من قبل بأنه إن نوى قطع وضوئه لم ينقطع.


الشيخ: إن نوى قطع الوضوء في أثناء الوضوء انقطع وإن كان بعد الوضوء ما ينقطع وهذا بعد الصلاة ما تنقطع ولا فرق بين الوضوء والصلاة أبداً ما دام أنه متلبس بالعبادة فهو إذا نوى قطعها انقطعت فإذا فرغ منها ونوى رفعها ما تنقطع لأن نية قطعها بعد التمام معناه نية الرفع، ولا يقال بأن هناك فرق بأن الصلاة إن نوى إبطالها بعد أدائها ما يصح لأنها وقعت بخلاف الوضوء سيستقبل به صلاة أخرى فيقال إن هذا أثر الوضوء لكن نفس العبادة انتهت.
السائل: لو نوى أن يقطع الصيام هل ينقطع؟
الشيخ: لو نوى قطع الصيام انقطع لأن الصيام نية فقط ما هناك فعل يفعله حتى نقول إذا انتهى وقطعه بعد انتهائه لم ينقطع وفي أثنائه ينقطع وأصل الصيام مبني على النية فإذا قطعه انقطع وهذا في كل العبادات ما دام متلبساً بها أما إذا فرغ ما يمكن يرفعها إلا الحج فإنه مستثنى.
السائل: بعض الأئمة في الصلاة السرية أو الجهرية وخاصة في الفترة الأخيرة يسرع جداً فما تستطيع أن تقرأ الفاتحة معه؟
الشيخ: هذه مهمة جداً بعض الأئمة لا يمكنك أن تقرأ الفاتحة معه فماذا تصنع؟ يجب أن تنفرد لأنه هنا لا يمكن أن تجمع بين قراءة الفاتحة وبين المتابعة.
القارئ: ويأتي فيها بإحدى عشرة تشديدة فإن أخل بحرف منها أو بشدة لم تصح لأنه لم يقرأها كلها والشدة أقيمت مقام حرف وإن خفف الشددة صح لأنه كالنطق به مع العجلة.
الشيخ: الفاتحة فيها إحدى عشرة تشديدة والبسملة ليست منها والحرف المشدد عن حرفين (ربُّ) أصلها ربب لكن أدغمت الباء بالباء فالقارئ إذا ترك تشديدة معناه أنه لم يقرأ الفاتحة كاملة.

فصل


القارئ: فإذا فرغ منها قال آمين يجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة لما روى وائل بن حجْر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال (ولا الضآلين قال آمين يرفع بها صوته) رواه أبو داوود ويؤمن المأمومون مع تأمينه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين) وفي لفظ (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفرله) متفق عليه ويجهرون بها لما روى عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد للجة رواه الشافعي في مسنده.
الشيخ: إذاً يكون (إذا أمن الإمام فأمنوا) معناه إذا شرع وقد فهم بعض الناس وأعني بهم من لم يراجع بقية الألفاظ أن المعنى إذا أمن أي إذا فرغ من التأمين وهذا غفلة عما ثبت في صحيح مسلم (إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين) وعلى هذا فيتعين أن يكون معنى قوله (إذا أمن) أي إذا شرع في التأمين ولهذا قال المؤلف يؤمن المأموم مع تأمينه.
السائل: كثير من الناس يتهاون في الفاتحة في الصلاة السرية فإما يقرأها في قلبه أو بتحريك اللسان دون الشفتين؟
الشيخ: لابد من النطق بالقراءة الذي يقرأ بالقلب ما يقال قرأ لكن هل يجب إسماع نفسه أو يكفي إظهار الحروف؟ فيه قولان للعلماء بعض العلماء يقول لابد أن يسمع نفسه والصحيح أنه لا يشترط، الشرط أن يظهر الحروف من مخارجها أما مجرد أنه يمر القراءة على قلبه لا يكفي بل كل ما ذكر فيه من قال كذا من قرأ كذا هو لابد من إظهار الحروف.
القارئ: فإن نسيه الإمام جهر به المأموم ليذكره فإن لم يذكره حتى شرع في القراءة لم يأتِ به لأنه سنة فات محلها وفي آمين لغتان قصر الألف ومدها مع التخفيف فإن شدد الميم لم يجزئه لأنه يغير معناها.


الشيخ: يعني على كلام المؤلف يجوز أن أقول أمين بغير مد كما يقال آمِيْن بمد الألف وتخفيف الميم، أما آمِّين بمد الألف وتشديد الميم، فهذا لا يجوز لأن آمِّين بمعنى قاصدين لكن حتى أمين من الأمانة فلهذا ينظر فيها هل هذا ثابت في اللغة أو لا؟ إن ثبت لغة فلا بأس فيكون هذا من باب المشترك أن أمين تكون بمعنى اللهم استجب وتكون بمعنى ضد الخائن كما قال الزجاج في قول القارئ بعد فراغه من فاتحة الكتاب آمين فيها لغتان: تقول العرب (أمين) بقصر الألف و (آمين) بالمد وهو أكثر.

فصل
القارئ: فإن لم يحسن الفاتحة لزمه تعلمها فإن ضاق الوقت عن ذلك قرأ سبع آيات من غيرها وهل يجب أن تكون في عدد حروفها على وجهين أحدهما يجب لأن الثواب مقدر بالحروف فاعتبرت كالآي والثاني لا يعتبر لأن من فاته صوم يوم طويل لم يعتبر كون القضاء في يوم طويل مثله فإن لم يحسن سبعاً كرر ما يحسن بقدرها فإن لم يحسن إلا آية من الفاتحة وشيئاً من غيرها ففيه وجهان أحدهما يكرر آية الفاتحة لأنها أقرب إليها والثاني يقرأ تمام السبع من غيرها لأنه لو لم يحسن شيئاً من الفاتحة قرأ من غيرها فما عجز عنه منها وجب أن يأتي ببدله من غيرها فإن لم يحسن الفاتحة بالعربية لم يجز أن يترجم عنها بلسان آخر لأن الله تعالى جعل القرآن عربيا ويلزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال (قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) رواه أبو داوود.


الشيخ: كم هذه من كلمة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس فإن قال قائل كيف يغني خمس كلمات عن الفاتحة وهي أكثر منها قلنا لأن البدل من غير جنس المبدل منه هنا بخلاف ما لو قرأ آيات من القرآن غير الفاتحة فإنه يجب أن يكون بقدر الفاتحة لأنه من الجنس.
السائل: إذا لم يحسن شيئاً من القرآن ولا الذكر؟
الشيخ: هذا يقف بقدر القراءة.
السائل: إذا المصلي قرأ الفاتحة بغير تشديد هل تبطل صلاته؟
الشيخ: لو قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) لم يشدد حرف الباء والدال لم يصح ولو بجهل لكن إذا كان جاهلاً وقد مضى أوقات طويلة وهو ممن لا يعلم هذه الأشياء فالصحيح أنه لا شيء عليه.
القارئ: ولأنه ركن في الصلاة فقام غيره مقامه عند العجز عنه كالقيام فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره فإن لم يحسن شيئاً وقف بقدر القراءة.

السائل: القول الذي نقلتموه عن الشيخ عبد العزيز بن باز في أنه يرى في قراءة الفاتحة الركنية كقولكم قديماً أو حديثاً، لأنه في فتاوى نور على الدرب يرى الوجوب ولا يرى الركنية؟
الشيخ: حديثاً وقديماً لكن هو يتسامح في مسألة المأموم فيما لو نسي مثلاً لكن يلزم على القول بأنها ركن أنه لا يصح تركها ولو نسياناً.

فصل
القارئ: ويستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة يقرأ فيها من خلفه لما روى سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) رواه أبو داوود قال أبو سلمة بن عبد الرحمن للإمام سكتتان تغتنم فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا افتتح الصلاة وإذا قال (وَلا الضَّالِّينَ).


الشيخ: وهذه السكتة ليست كما زعم بعض العلماء أنها تكون بمقدار ما يقرأ المأموم الفاتحة ولكنها سكتة خفيفة ليتراد إليه النفس ولينظر ماذا يقرأ بعد الفاتحة وأما من قال إنه من أجل أن يقرأ المأموم الفاتحة فقال إنه يسكت بقدر الفاتحة قيل له يلزمك أن تقول إن الإمام يسكت بعد قراءة السورة بقدر ما يقرأ المأموم السورة فإذا قرأ سورة ق نقول اسكت بقدر ما يقرأ المأموم سورة ق وهذا لا يقول به أحد ولهذا كان الصحيح أن هذه السكتة ليست من أجل أن يكمل المأموم قرأة الفاتحة ولكن من أجل أن يتراد إليه النفس وينظر ماذا يقرأ ثم المأموم يشرع في قراءة الفاتحة ويكمل ولو قرأ الإمام على القول الراجح.
السائل: الحديث الذي رواه أبو داوود هذا الحديث ضعيف ضعفه الألباني لأنه من رواية الحسن عن سمرة وهي مختلف فيها؟
الشيخ: رواية الحسن عن سمرة مختلف فيها والبخاري وجماعة من المحققين الحافظين قالوا إنه سمع منهم والحديث قال الحافظ بن حجر في فتح الباري إنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فصل
القارئ: ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي سائرهن من أوساطه.
الشيخ: أول المفصل معروف لكم أوله (ق) وطواله من (ق) إلى (عم) وأوساطه من (عم) إلى (الضحى) وقصاره من (الضحى) إلى آخر القرآن وسمى مفصلاً لكثرة فواصله.
القارئ: لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ (ق) رواه مسلم وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج ونحوهما من السور رواه أبو داوود، وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دحضت الشمس صلى الظهر ويقرأ بنحو (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، والعصر كذلك والصلوات كلها إلا الصبح فإنه كان يطيلها رواه أبو داوود وما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك أجزأه يعني في إصابة السنة.

السائل: هناك من قال إن المفصل يبدأ من الدخان؟


الشيخ: لا المشهور هو ما قلته لكم أن ق هي أول المفصل.
السائل: صرَّح بعض العلماء أن الإمام أو المنفرد إذا أطال السكتة فإنها بدعة، فما رايكم؟
الشيخ: الذي نرى أنه لا وجه لذلك، الشيء الذي اختلف فيه علماء السنة لا يقال إنه بدعة أما الذي قال به أهل البدع نعم أما ما اختلف فيه علماء السنة فإننا لا نقول بدعة وإلا كان كل مسألة فيها خلاف يكون المخالف فيها مبتدعاً ثم من نحن الذين نحكم على الناس بأنهم مبتدعة أليس من الممكن أن نكون نحن المبتدعين ممكن ولهذا نعتبر هذا المسلك غلط لأن علماء السنة الفقهاء لهم خلافات طويلة عريضة هل نقول لكل مخالف أنه مبتدع هل نقول لمن توضأ عند أكل لحم الإبل والآخر لا يراه نقول لمن توضأ إنه مبتدع هل نقول لمن رفع اليدين عند الركوع والآخر لا يراه نقول مبتدع لا، لا يستقيم هذا أبداً.
السائل: شيخ الإسلام رحمه الله بدع الإمام الذي يقف ليقرأ المأمومون الفاتحة كلها؟
الشيخ: نعم صحيح، وإن كان هناك من يقول به لكن العلماء الذين قالوا به ليسوا من الأئمة.
القارئ: ويستحب له أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأولتين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحياناً وكان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ويقرأ في العصر في الركعتين الأولتين بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية متفق عليه وفي رواية فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى ولا يزيد على أم الكتاب في الأخيرتين من الرباعية ولا الثالثة من المغرب لهذا الحديث.


الشيخ: وقال بعضهم لا بأس أن يزيد لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولكن لا شك أن حديث أبي قتادة أرجح منه لأن حديث أبي سعيد يقول كنا نحزر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والحزر هو التخمين والتقدير وأما حديث أبي قتادة فصريح لكن لو أن الإنسان فعل أحياناً فلا بأس.

فصل
القارئ: ويسن للإمام الجهر بالقراءة في الصبح والأولتين من المغرب والعشاء والإسرار فيما وراء ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يسن الجهر لغير إمام لأنه لا يقصد إسماع غيره وإن جهر المنفرد فلا بأس لأنه لا ينازع غيره وكذلك القائم لقضاء ما فاته من الجماعة وإن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاة النهار عجماء) وإن فاتته صلاة نهار فقضاها ليلاً لم يجهر لأنها صلاة نهار وإن فاتته ليلاً فقضاها ليلاً في جماعة جهر.


الشيخ: هذه مسائل أولاً إن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن صلاة النهار عجماء) والصحيح أنه يجهر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس وصلاها قال (فصنع كما يصنع كل يوم) وهذا يشمل الجهر بها ولعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وهذا كما أنه يراد في ذات الصلاة فيراد به أيضاً هيئة الصلاة وكيفيتها وصفتها فالصواب أنه حسب المقضية إن قضى صلاة الليل في النهار جهر وإن قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر وانظر إلى كلام المؤلف قال وإن فاتته صلاة نهار فقضاها ليلاً لم يجهر وهذا غريب يعني إن قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر وإن قضى صلاة الليل في النهار لم يجهر وكان مقتضى هذا أن تكون الثانية بالعكس يعني أنه إذا قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر لأنه قضى صلاة سر نقول كذلك إذا قضى صلاة الليل في النهار جهر لأنه قضى صلاة جهر قال وإن فاتته ليلاً فقضاها ليلاً في جماعة جهر وإن فاتته صلاة نهار فقضاها في نهار لم يجهر.
السائل: هل صلاة النهار إذا قضاها ليلاً لا يجهر؟
الشيخ: نعم صحيح القضاء يحكي الأداء هكذا قال العلماء القضاء يحكي الأداء وأما صلاة الجمعة إذا فاتت فلا تقضى على صورتها لأنها سقطت يقضي بدلها والبدل لا يلزم أن يكون مساوياً للمبدل منه.
السائل: على القول بصحة حديث سمرة أنه ذكر سكتتين بالإطلاق فما الذي قيدها بالقصر؟
الشيخ: السكتة تطلق على القليل والكثير ولو كانت سكتة طويلة لشرع فيها ذكر.
القارئ: وإذا فرغ من القراءة استحب له أن يسكت سكتة قبل الركوع لأن في حديث سمرة في بعض رواياته وإذا فرغ من القراءة سكت.

فصل


القارئ: ثم يركع وهو الركن الرابع لقوله تعالى (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ويكبر للركوع لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه يفعل ذلك في صلاته كلها) رواه البخاري وفي هذه التكبيرات روايتان إحداهما أنها واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) متفق عليه ولأن الهوي إلى الركوع فعل فلم يخلو من ذكر واجب كالقيام والثانية لا يجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للمسيء في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
الشيخ: والصواب الأول الصواب أن هذه التكبيرات واجبة وأنه لا يجوز إسقاطها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا كبر الإمام فكبروا) ولأنه كان يكبر في كل خفض ورفع ولأن ذلك هو الفاصل بين الركنين فالصواب أنها واجبة وأما قوله رحمه الله وكذلك قال غيره إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته فجوابه أن يقال ولم يعلمه التشهد أيضاً والتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة والنبي عليه الصلاة والسلام إنما علمه ما أساء فيه فقط ولو أننا لا نقول بشيء واجب في الصلاة إلا ما دل عليه حديث المسيء لقلنا أيضاً الفاتحة لا تجب لقوله (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) فالصواب أن هذه التكبيرات تكبيرات الانتقال واجبة.
القارئ: ويستحب أن يرفع يديه مع التكبير لحديث ابن عمر وقدر الإجزاء الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يسمى راكعاً بدونه.


الشيخ: هذا مقدار الإجزاء في الركوع الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه قال الفقهاء رحمهم الله بشرط أن يكون وسطاً يعني أنه ليس طويل اليدين ولا قصير اليدين لأن بعض الناس تكون يداه قصيرتين فيحتاج إلى انحناء كثير وبعض الناس تكون يداه طويلتين فلا يحتاج إلى انحناء إلا قليلاً وبعض العلماء يقول أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام وذلك لأنه الآن بين ركنين بين قيام تام وركوع تام فإذا كان أقرب إلى الركوع التام منه إلى القيام التام فهذا هو المجزئ لأنه يصدق عليه أنه ركع والظاهر والله أعلم أن كونه يستطيع أن يمس ركبتيه بيديه قريب من كونه إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام.
القارئ: ويجب أن يطمئن راكعاً وهو الركن الخامس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً) متفق عليه ويستحب أن يضع يديه على ركبتيه قابضاً لهما يسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا يقبضه ويجافي يديه عن جنبيه لما روى أبو حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره) وفي لفظ (ركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع) وفي رواية (ووضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه) حديث صحيح.
الشيخ: كل هذه الصفات معروفة.
السائل: حديث (صلاة النهار عجماء) فهل للإنسان الجهر في صلاة النهار؟ وماذا يقال عن صلاة الجمعة؟
الشيخ: لا السنة أن لا يجهر وأما صلاة الجمعة فإنها فريضة مستثناة صلاة الجمعة والاستسقاء والعيدين وسبب استثنائها هو كثرة الجمع فلكثرة الجمع وكونهم على إمام واحد كل أهل البلد صار من المناسب أن يقرأ الإمام لتكون القراءة للجميع واحدة من المناسب أن يجهر لأجل أن يكونوا على قراءة إمام واحد.
السائل: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على الجهر ألا يدل على الوجوب؟


الشيخ: ربما يستدل بها على الوجوب ربما داوم على هذا ولم يحفظ عنه أنه أسر لكن الذين قالوا أنه مستحب قالوا لأن هذا وصف للقراءة أو صفة للقراءة والذي جاءت به النصوص وجوب القراءة نفسها وهذا صفة فقط.
السائل: إذا صلى إمام بالناس وكان يسرع ولا يستطيع من خلفه متابعته؟
الشيخ: إذا كان الإمام يسرع بحيث لا يمكن المأموم متابعته فإنه ينفصل عنه ينوي الانفراد وإن حصل لكل المصلين يقدمون واحداً يصلي بهم صلاة تامة لأنه مشكلة الآن يتعذر الجمع بين المتابعة وبين القيام بركن ولا يقال إن هذا فيه فتنة لا ليس هناك فتنة يتقدم واحد من الناس ويجعل الإمام مكانه لا يجره يتركه يصلي لنفسه وهؤلاء المصلون ما دام أنهم ما أخلوا بشيء من الأركان لا يستأنفون ولكن ما أكثر الناس الذين يحبون صلاة هذا الإمام وعلى هذا نقول الذي لا يستطيع أن يتابع ينفصل ويبقى في مكانه، على كل حال إذا كان لا يمكنك متابعة الإمام فانفصل عنه وأكمل لنفسك هذه القاعدة إن أدركت ركعة فكتبت لك إدراك جماعة وإن لم تدرك فأنت منفرد لكن لإصلاح صلاتك.

فصل
القارئ: ثم يقول سبحان ربي العظيم وفيه روايتان إحداهما يجب لما روى عقبة بن عامر أنه لما نزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوها في ركوعكم) فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال (اجعلوها في سجودكم) رواه أبو داوود ولأنه فعل في الصلاة فلم يخلو من ذكر واجب كالقيام والثانية ليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته.
الشيخ: عرفتم أن الطريقة هذه وهي الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته غير صحيحة لأن هناك أركان معروفة ومع ذلك لم تذكر في حديث المسيء وأجبنا عن ذلك بأن لم تذكر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما علمه ما أساء فيه فقط.


القارئ: وأدنى الكمال ثلاث لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثاً وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) رواه الأثرم والترمذي وإن اقتصر على واحدة أجزأه لأنه ذكر مكرر فأجزأت الواحدة كسائر الأذكار.

فصل
القارئ: ثم يرفع رأسه قائلاً سمع الله لمن حمده حتى يعتدل قائما وهذا الرفع والاعتدال الركن السادس والسابع لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) وفي حديث أبي حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (سمع الله لمن حمده) ورفع يديه واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه معتدلاً وفي وجوب التسميع روايتان لما ذكرنا في التكبير ولا يشرع للمأموم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ويقول في اعتداله ربنا ولك الحمد وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا.
الشيخ: إذاً المأموم إذا رفع من الركوع في حال الرفع يقول ربنا ولك الحمد والإمام والمنفرد في حال الرفع يقولان سمع الله لمن حمده وبعد انتهاء الرفع وتمام القيام يقولان ربنا ولك الحمد.
القارئ: وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال قد روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث عن أنس وعن أبي سعيد عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه وإن قال ربنا لك الحمد جاز نص عليه لأنه قد صحت به السنة.
الشيخ: السنة صحت في هذا بثلاثة أوجه:
أولاً اللهم ربنا ولك الحمد.
والثاني اللهم ربنا لك الحمد.
والثالث ربنا ولك الحمد.
والرابع ربنا لك الحمد كلها صحت بها السنة ويفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً كما هو القاعدة.
السائل: هل ورد: سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده؟
الشيخ: نعم ورد فيها حديث بهذا المعنى ولا بأس به.


السائل: استدل المؤلف على عدم وجوب سبحان ربي الأعلى أو سبحان ربي العظيم كما في الرواية الثانية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته مع أنها وردت عند أبي داود؟
الشيخ: نعم هذا مما يؤيد الوجوب لكن المؤلف وغيره من العلماء أكثر ما اعتمدوا في حديث المسيء على ما في الصحيحين.
القارئ: ويستوي في ذلك كل مصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وأمر به المأمومين ويستحب أن يقول ملء السماوات وملء ما شئت من شيء بعد لما روى أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال (سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) رواه مسلم ولا يستحب للمأموم الزيادة على ربنا ولك الحمد نص عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فقولوا ربنا ولك الحمد) ولم يأمرهم بغيره وعنه ما يدل على استحباب قول ملء السماء وهو اختيار أبي الخطاب لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم كالتكبير.
الشيخ: وهذا ليس صحيح، الصحيح أنه يشرع للمأموم وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) فهذا في مقابل سمع الله لمن حمده ولم يتعرض للذكر الذي يكون بعد القيام.
القارئ: وموضع ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد اعتداله وللمأموم حال رفعه لأن قوله إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم وهي حال رفعه.

السائل: ما معنى (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)؟


الشيخ: اختلف العلماء في معنى قوله (ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) فقيل المعنى أنه لو كان أجساماً لملأ ذلك يعني حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه لو كان أجساماً لملأ ذلك وقيل بل معنى (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) أن كل ما خلقه الله عز وجل في السماوات والأرض وما شاء بعد ذلك فإنه فعله وفعله محمود عليه فكأنه قال لك الحمد على كل ما في السماوات والأرض لأن كل فعله عز وجل محمود ولعل هذا أقرب من القول بأن المعنى لو كان أجساماً لملأ ذلك.
السائل: هل يقتصر في الركوع على ذكر واحد كما في الاستفتاح ولا يجمع بين الأذكار الأخرى؟
الشيخ: لا ثبت عنه أنه كان يقول سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح وثبت عنه في حديث عائشة كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.
السائل: ما حكم من يقول أذكاراً فيها تعظيم وتسبيح دون التخصيص على سبحان ربي العظيم سبحان ربي الأعلى؟
الشيخ: يمكن هذا أخذه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام (فعظموا فيه الرب) ولكن نقول ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو خير والعدول عما جاءت به السنة في الأذكار لا ينبغي حتى لو فرض أنه هناك لفظاً يصح أن يعتمد عليه في العموم كهذا الذي ذكرت عظموا فيه الرب فالمحافظة على ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أولى.
السائل: لو ذكر في الركوع أذكاراً واردة لكن ليست فيها لفظ التعظيم مثل (سبوح قدوس ... )؟
الشيخ: فإنه لا يجزئه لابد أن يقول سبحان ربي العظيم لقوله (عظموا فيه الرب) لو نسي لقلنا اسجد للسهو.

فصل


القارئ: ثم يخر ساجداً ويطمئن في سجوده وهم الركن الثامن والتاسع لقوله تعالى (اسجدوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً) وينحط إلى السجود مكبرا لحديث أبي هريرة ولا يرفع يديه لحديث ابن عمر ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه لما روى وائل بن حجر قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) رواه أبو داود والسجود على هذه الأعضاء واجب لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين) متفق عليه وفي الأنف روايتان إحداهما لا يجب السجود عليه لأنه ليس من السبعة المذكورة والثانية يجب لإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنفه عند بيان أعضاء السجود ولا يجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء إلا الجبهة فإن فيها روايتان إحداهما يجب لما روي عن خباب قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا رواه مسلم، والثانية لا تجب وهي ظاهر المذهب لما روى أنس قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود رواه البخاري ومسلم ولأنها من أعضاء السجود فجاز السجود على حائلها كالقدمين.
الشيخ: وهذه المسألة الصحيح أنه يكره أن يضع الإنسان شيئاً دون جبهته مما هو متصل به كثوبه ومشلحه وغترته وأما إذا كان منفصلاً فلا بأس لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سجد على الخمرة وقد قال العلماء بهذا الصدد إن السجود على حائل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول أن يسجد على حائل من أعضاء سجوده مثل أن يضع يديه هكذا ويضع جبهته على يديه فهذا لا يجزئ.


الثاني أن يسجد على حائل متصل به كثوبه ومشلحه وغترته فهذا يكره إلا إذا كان هناك حاجة كشدة الرمضاء لحديث أنس أو أن تكون الأرض فيها شوك متعب أو فيها حصىً صغيرة تتعب الجبهة ولا يطمئن فلا بأس.
الثالث أن يكون الحائل منفصلاً عنه وليس من أعضاء السجود منفصلاً عنه مثل أن يضع غترته ويسجد عليها أو منديلاً ويسجد عليه فلا بأس إلا أنهم قالوا لا يخصص الجبهة وحدها بشيء ساتر لأنه إذا فعل ذلك أشبه الرافضة الذين لا يسجدون إلا على شيء من الأرض والله أعلم.
القارئ: ويستحب أن يجافي عضديه عن كتفيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم جافى عضديه عن أبطيه ووصف البراء سجود النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد رواه أبو داوود.
الشيخ: وقال أهل العلم وينبغي أن يرفع ظهره ولا يمد ظهره يرفعه يعني يرفعه للأعلى فوق ولا يمده وما يفعله بعض الطلبة الصغار إذا سجد يمتد حتى تكاد تقول إنه قد انبطح فهذا لا أصل له والمجافاة هو أن الإنسان يسجد معتدلاً في سجوده ولكن يرفع ظهره.
القارئ: ويستحب أن يضم أصابع يديه بعضها إلى بعض ويضعهما على الأرض حذو منكبيه ويرفع مرفقيه ويكون على أطراف أصابع قدميه ويثنيهما نحو القبلة لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع كتفيه حذو منكبيه وفي لفظ سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة وفي رواية فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد.
الشيخ: هذا أيضاً يشهد لما ذكرت لكم فانتصب على كفيه لأنه لو امتد لم يكن منتصباً ثم إن هذا الامتداد أيضاً فيه مشقة كبيرة على الإنسان.
القارئ: وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب) صحيح متفق على معناه ويقول سبحان ربي الأعلى.


الشيخ: الكيفية عرفنا اليدان يضم أصابعها بعضها إلى بعض هكذا وتوجه إلى القبلة وفيها صفتان الصفة الأولى أن تكون حذو المنكبين والصفة الثانية أن تكون حذو جبهته بحيث يسجد بينهما أخرجه مسلم وعلى هذا فيكون في موضع اليدين صفتان الصفة الأولى إلى حذو المنكبين والثانية يقدمهما قليلاً حتى يسجد بينهما.
فائدة: السنة مجافاة اليدين مع ارتفاع الظهر ثم إن المجافاة أيضاً سنة ما لم يحصل بها أذية فإن حصل بها أذية مثل أن يكون الإنسان في وسط الصف ويخشى أن يؤذي صاحبه فلا يفعل لأنه لا ينبغي أن تفعل السنة ويترتب عليها أذى وتشويش على الغير وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بعضهم على بعض خوفاً من الأذى فهذا من باب أولى، وبعض الناس يفرج يديه ويجعل الأصابع تكاد تكون متقابلة وهذا غلط الذي ينبغي أن تكون الأصابع إلى جهة القبلة.
القارئ: ويقول سبحان ربي الأعلى وحكمه حكم تسبيح الركوع في عدده ووجوبه لما مضى فإذا أراد السجود فهوى على وجهه فوقعت جبهته على الأرض أجزأه لأنه قد نواه وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناوياً السجود أجزأه وإن لم ينو لم يجزئه ويأتي بالسجود بعده.
الشيخ: هذه المسألة واضحة مثلاً لو أن إنساناً أراد أن يسجد من قيام ثم حصلت له دوخة فسقط على الأرض ووقعت جبهته على الأرض واستقر ساجداً فهنا نقول يصح لأنه قد نوى وحصل والانتقال من أعلى إلى أسفل إنما هو من أجل الوصول إلى الأرض فليس الهوي معتداً به في ذلك وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناوياً السجود أجزأه مثل أيضاً لو سقط على الجنب ثم قام انقلب ووضع جبهته على الأرض أجزأه أيضاً إذا نوى السجود وإن لم ينوه لم يجزئه يعني لو قال أراد أن ينقلب انقلاباً لأجل أن لا يكون على الجنب فقط فإنه لا يجزئه ويأتي بالسجود بعده.

فصل


القارئ: ثم يرفع رأسه مكبرا ويعتدل جالسا وهما الركن العاشر والحادي عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم ارفع حتى تطمئن جالسا) ويجلس مفترشا يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لقول أبي حميد في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن عُقبة الشيطان رواه مسلم، ويسن أن يثني أصابع اليمنى نحو القبلة لما روى النسائي عن ابن عمر أنه قال من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ويكره الإقعاء وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه بهذا فسره أحمد لحديث أبي حميد وعائشة وعن أحمد أنه قال لا أفعله ولا أعيب من فعله العبادلة كانوا يفعلونه وقال ابن عباس هو سنة نبيك صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
الشيخ: لكن معروف في الإقعاء الذي ذكره ابن عباس أنه ينصب قدميه ويجلس على عقبيه لا أنه يفرش قدميه ويجلس على عقبيه وهذه الصفة أيضاً مع كونها مكروهة هي شاقة على الإنسان لو فرشت رجليك وقعدت على العقبين ففيه مشقة، فالإقعاء يقول المسؤول بن عباس أنه سنة نبيك والإمام أحمد يرى أنه مكروه وفي رواية أنه يقول لا عيب على من فعله ولكنه لا يفعله والظاهر لي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن ابن عباس كان على الصفة الأولى وأنه نسخ ولكنه لم يعلم بالناسخ كما فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا ركع يطبق بين يديه ويضعهما بين ركبتيه وكان إذا قام معه اثنان جعل أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره وكل هاذين الفعلين منسوخ لكن ابن مسعود لم يعلم بهذا النسخ فلا يبعد والله أعلم أن ابن عباس رضي الله عنهما بنى على سنة سابقة لأن جميع الذين وصفوا جلوس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين السجدتين يقولون إنه يفرش اليسرى وينصب اليمنى.


السائل: قال المؤلف رفع الرأس من السجود ركن وأما الهوي إلى السجود ليس بركن فما الفرق؟
الشيخ: الرفع لابد منه لكي يجلس الهوي لأجل أن يسجد وهذا ارتفاع من نزول وهذاك هوي من أعلى ولهذا لم يعده أحد من أهل العلم أنه ركن قالوا السجود ولم يقولوا الهوي للسجود مع أن بعض العلماء لم يعد رفع الرأس من السجود ولا رفع الرأس من الركوع لم يعده ركناً قال لأننا إذا قلنا الجلوس بين السجدتين يغني عن الرفع لأنه من لازمه فعلى هذا يكون الهوي والرفع إنما كان للزوم السجود له.
السائل: ما معنى (وينهى عن عقبة الشيطان)؟
الشيخ: فسرها بعضهم بأن يجلس على عقبيه ومراد الإمام أحمد في الإقعاء غير مراد ابن عباس وهذا الذي تبين لي لأن مراد الإمام أحمد واضح أنه صعب متعب وأما ما ذكره ابن عباس فليس كذلك لكنه ليس فيه استقرار مثل ما إذا فرش اليسرى ونصب اليمنى يبقى كأنه مستوفي.
القارئ: ويقول ربي اغفر لي لما روى حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين ربي اغفر لي رواه النسائي والقول في وجوبه وعدده كالقول في تسبيح الركوع وإن قال ما روى ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين الله اغفر لي وارحمنى واهدني وعافني وارزقني فلا بأس رواه أبو داوود.
الشيخ: لو قال المؤلف رحمه الله فحسن كان أحسن لأن قوله فلا بأس لا يدل على أنه مطلوب وأما حديث حذيفة فإن ذلك كان في صلاة الليل وذكر أنه كان يقول ربِّ اغفر لي ربِّ اغفرلي ربِّ اغفرلي ولكنه مع ذلك كان يطيل عليه الصلاة والسلام الجلسة بين السجدتين في صلاة الليل كما يطيل الركوع والسجود والقيام بعد الركوع لعله أراد فلا بأس إن كان أحداً من العلماء قال إنه لا يطيل هذا الركن فله وجه وإلا فالأصل أن يقال فهو حسن.

فصل


القارئ: ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى سواء وفيها ركنان ثم يرفع رأسه مكبراً لحديث أبي هريرة وهل يجلس للاستراحة فيه روايتان إحداهما يجلس اختارها الخلال لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه، وصفة جلوسه مثل جلسة الفصل لما روى أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم نهض حديث صحيح وقال الخلال روى عن أحمد من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على إليتيه وقال الآمدي يجلس على قدميه ولا يلصق إليتيه بالأرض والرواية الثانية لا يجلس بل ينهض على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه رواه الترمذي وفي حديث وائل بن حجر وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه وفي لفظ فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه رواه أبو داود ولا يعتمد بيديه على الأرض لما ذكرنا إلا أن يشق ذلك عليه لضعف أو كبر ولا يكبر لقيامه من جلسة الاستراحة لأنه قد كبر لرفعه من السجود
الشيخ: الجلسة فيها ثلاثة أقوال للعلماء:
القول الأول أنها ليست بسنة مطلقة وهذا هو المشهور عند المتأخرين أصحاب الإمام أحمد رحمه الله.
والثاني يجلس مطلقا.


والثالث التفصيل وهو أنه إن احتاج إليها فلا يتعب نفسه بالقيام بلا جلوس وإن لم يحتاج إليها فإن الأفضل أن لا يجلس وهذا القول المفصل هو اختيار الموفق رحمه الله من كتابه المغني واختيار ابن القيم في زاد المعاد وهو عندي أقرب الأقوال وذلك لأن هذه الجلسة ليست مقصودة بدليل أنه لا تكبير لها ولا ذكر فيها ولأن ظاهر فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها أنه كان لحاجة لأنه كان إذا أراد أن ينهض اعتمد على يديه والاعتماد لا يكون إلا من حاجة فأعدل الأقوال عندي في هذا أوسطها وهو أنه إن احتاج الإنسان إليها لكبر أو مرض في ركبتيه أو ما أشبه ذلك فالسنة أن لا يشق على نفسه وإلا فالأفضل أن ينهض نهوض الرجل القوي النشيط.
السائل: لو أن المصلي وهو في أثناء السجود رفع يديه لكي يحك رأسه؟
الشيخ: هذا لا يجوز لكن إن أشغلته الحكة فليرفع من السجود إذا أتى بالقدر الواجب من الطمأنية وحصل على الحكة وإن كان الإمام لم يرفع فليتصبر ما هناك شيء يشق عليه (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم).
السائل: إذا كان الإمام يرى جلسة الاستراحة والمأموم لا يراها فهل المأموم يتأخر في السجود أو يجلس؟
الشيخ: الأفضل أن يجلس مع إمامه متابعة له وبالعكس الأفضل أن لا يجلس لو كان الإمام لا يراها والمأموم يراها فالأفضل أن لا يجلس.
السائل: هل الأذكار القولية واجبة أم سنة؟


الشيخ: كما قال المؤلف فيها خلاف التسبيح فيه خلاف والتكبير فيه خلاف ما عدا تكبيرة الإحرام والتسبيح فيه خلاف وإذا أردنا أن نقول لا يجب تكبير ولا تسميع ولا تسبيح ولا ربِّ اغفر لي ماذا يكون عدا الفاتحة ماذا تكون الصلاة؟ مجرد أفعال فقط فالصواب أنها واجبة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولا يمكن أن تكون الصلاة مجرد أفعال فقط ولهذا يقال إن أحد العلماء كان يخاطب أحد الأمراء وهو على مذهب من لا يرى وجوب قراءة الفاتحة ولا الطمأنية ولا التكبيرات ولا لفظ الله أكبر فأراد أن يصلي أمامه فقال الله أجل مدهامتان ثم حنى ظهره يسيراً ثم رفع ولم يقل شيئاً ثم استمر في صلاته والتشهد الأخير قرأ التشهد ثم ضرط لأنه يقول لا يجب التسليم، الواجب أن يفعل ما ينافي الصلاة من كلام أو حدث أو أكل أو شيء قال الملك هذه صلاتنا قال نعم إذا أخذنا بمذهبك فهذا مجزئ فعدل عن الأخذ بهذا.

فصل
القارئ: ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها) إلا في النية والاستفتاح لأنه يراد لافتتاح الصلاة.
الشيخ: قوله إلا في النية والاستفتاح ما معنى إلا في النية؟ يعني أنه لا يجدد نيته في الركعة الثانية اكتفاءً بالنية الأولى وأما الاستفتاح فبينه رحمه الله والاستعاذة فيها روايتان.
القارئ: وفي الاستعاذة رواياتان إحداهما يستعيذ لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فيقتضي أن يستعيذ عند كل قراءة والثانية لا يستعيذ لما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت رواه مسلم ولأن الصلاة جملة واحدة فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى كالاستفتاح فإن نسيها في أول الصلاة أتى بها في الثانية والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه.


الشيخ: لأن الاستفتاح سنة فات محلها فإذا نسيه في الركعة الأولى سقط والاستعاذة إنما هي في مقدمة القراءة بين يدي القراءة فإذا نسيه في القراءة الأولى شرع له عند القراءة الثانية وبناءً على هذا القول وهو أن قراءة الصلاة قراءة واحدة نقول لو قرأ في الركعة الأولى سورة ثم قرأ في الركعة الثانية ما قبلها فإنه يكون منكساً مثل أن يقرأ في السورة الأولى القارعة وفي الثانية العاديات فإنه يكون منكساً أما إذا قلنا لكل ركعة قراءة مستقلة فإن هذه تنفصل عن هذه ولو قرأ في الركعة الثانية ما قبل الركعة الأولى لم يكن منكساً ولكن الأظهر أن قراءة الصلاة قراءة واحدة.

فصل
القارئ: ثم يجلس مفترشاً لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى وفي لفظ فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته) صحيح ويستحب أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع مستقبلاً بأطرافها القبلة أو يلقمها ركبته ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يعقد الوسطى مع الإبهام عقد ثلاث وخمسين ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى ويقبض الخِنْصَر والبِنْصَر لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم وعنه يبسط الخنصر والبنصر لما روى ابن الزبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة يدعو ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى يدعو وفي لفظ وألقم كفه اليسرى ركبته رواه مسلم وفي لفظ وكان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها رواه أبو داود.


الشيخ: يقول وعنه يبسط الخنصر والبنصر نرى الحديث لما روى ابن الزبير قال (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة يدعو ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى يدعو) هذا كلام المؤلف لكن الحديث لا يدل عليه لكن على كلام المؤلف هو يقول هكذا يعني إما أن يحلق أو يقول هذا لكن الصفة الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام هي هكذا تحليق أو هكذا هذا هو الوارد قوله يبسط الخنصر والبنصر فيه صعوبة ثم استدل المؤلف ببسط الخنصر والبنصر بحديث ابن الزبير مع أنه على خلافه، على كل حال ما دلت عليه السنة أولى.
يقول وفي لفظ كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها كيف يشير ولا يحرك الإشارة لابد فيها من تحريك ولكنه ورد في حديث آخر يحركها يدعو بها وجمع بينهما بأن المراد أنه لا يحركها هكذا دائماً وإنما يحركها عند الدعاء إشارة إلى علو الله عز وجل.
أما إلقام اليسرى للركبة يقول هكذا لأن فيه بسط على الفخذ وفيه إلقام كلها وارد.
السائل: كيف تكون الأصابع في الإلقام؟
الشيخ: هكذا مع الضم.

فصل
القارئ: ثم يتشهد بما روى ابن مسعود قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) متفق عليه قال الترمذي هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فاختاره أحمد لذلك فإن تشهد بغيره مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن عباس وغيره جاز نص عليه ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس.


الشيخ: في حديث ابن مسعود يقول علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه لماذا جعل كفه بين كفيه من أجل الاهتمام والعناية، وقوله كما يعلمني السورة من القرآن أيضاً يدل على عنايته بهذا التشهد وتشهد ابن مسعود هو أصح ما ورد في التشهد ولكن إذا تشهد بما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا بأس إلا أن هذا التفريع الذي ذكره المؤلف فيه نظر وهو قوله ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس هذا فيه نظر لأنه إذا قلنا بهذا القول صار يمكن أن يأتي بتشهد ملفق من هذا كلمة ومن هذا كلمة ولكننا نقول الصواب أنه لا يخل بلفظة من تشهد أراد أن يتشهد به فإذا أراد أن يتشهد تشهد ابن مسعود فإنه لا يخل بلفظة أو بحديث ابن عباس فإنه لا يخل بلفظة منه لأنه ورد أي التشهد على هذه الكيفية المعينة أما أن يأخذ من هذا لفظة ومن هذا لفظة ويسقط ما لم يتفقا عليه فهذا فيه نظر ظاهر.
القارئ: فإذا فرغ منه وكانت الصلاة أكثر من ركعتين لم يزد عليه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يجلس في الركعتين الأولتين كأنه على الرضف) رواه أبو داود لشدة تخفيفه ثم ينهض مكبراً كنهوضه من السجود ويصلي الثالثة والرابعة كالأولتين إلا في الجهرية ولا يزيد على فاتحة الكتاب لما قدمناه.

السائل: إذا نقص في التشهد فهل تبطل صلاته؟
الشيخ: أما الواجب إذا تعمد بطلت صلاته يعني التشهد الأول وإذا كان ناسياً يدخله سجود السهو وأما التشهد الثاني فإن صلاته لا تصح ولو ناسياً.
السائل: (وحده لا شريك له) هل هذه الزيادة موجودة في تشهد ابن مسعود؟
الشيخ: زيادة لا شريك له هذه ليست في الصحيحين.

فصل


القارئ: فإذا فرغ جلس فتشهد وهما الركن الثاني عشر والثالث عشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وعلمه ابن مسعود ثم قال (فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك) رواه أبو داود وعن ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا التحيات لله) فدل هذا على أنه فرض ويجلس متوركاً يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه لقول أبو حميد في وصفه فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب اليمنى فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وجلس متوركاً على شقه الأيسر وقعد على مقعدته رواه البخاري وقال الخرقي يجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ويجعل إليتيه على الأرض لأن في بعض حديث أبي حميد جلس على إليتيه وجعل باطن قدمه اليسرى عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى وقال ابن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه رواهما أبو داود وأيهما فعل جاز.
الشيخ: الصواب في الحديث هذا جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه هكذا رواية مسلم وهي أولى لأن قوله تحت فخذه وساقه ليس لها معنى فإنها إذا كانت تحت الساق صارت تحت الفخذ ولا حاجة لينص عليه فصواب الرواية ما في صحيح مسلم بين فخذه وساقه، ثم إن كانت رواية أبي داود محفوظة فهي صفة رابعة ولا مانع لكن إذا كان مخرج الحديث واحداً والرواة واحداً ما يمكن نصف صفتين هذه تحمل على أن أحد الرواة وهم فيها في سياق رواية أبي داود.
القارئ: ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما لأنه جعل للفرق ولا حاجة إليه مع عدم الإشارة.


الشيخ: وعلى هذا يكون التورك له ثلاث صفات الصفة الأولى أن ينصب اليمنى ويخرج اليسرى من تحتها من تحت الساق ويجلس بإليتيه على الأرض والثانية أن يفرشهما جميعاً ويخرج اليسرى من تحت الساق وثالثاً أن يفرشهما جميعاً ويجعل اليسرى بين الفخذ والساق وهذا ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وكل واحدة من الصفات الثلاث جائزة لكن إن أمكن أن يأتي بهذا مرة وبهذا مرة فهو أفضل بناءً على القاعدة الصحيحة أنه إذا تنوعت العبادات فالأفضل أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة.
السائل: بعض الإخوان يرفعون الركبة عن الأرض وهم متوركون؟
الشيخ: قد يكون بعض الناس ما يستطيع أن يضع الركبة على الأرض إذا جعل رجله اليسرى تحت الساق، على كل حال هو الأحسن أن تكون الركبة على الأرض لكن أحياناً يكون فيها مشقة.

فصل
القارئ: ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وفيها روايتان إحداهما ليست واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (فإذا فعلت فقد تمت صلاتك) والثانية أنها واجبة قال أبي زرعة الدمشقي عن أحمد قال كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة ووجهها ما روى كعب بن عجرة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال (قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) متفق عليه قال بعض أصحابنا وتجب الصلاة على هذه الصفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها والأولى أن يكون الأفضل هذا وكيفما أتى بالصلاة أجزأه لأنها رويت بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزئ منها ما اجتمعت عليه الأحاديث.


الشيخ: هذه القطعة فيها فائدة من حيث الأصول أولاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأخير وهو الذي يعقبه السلام سواء في ثنائية أو ثلاثية أو رباعية فيها روايتان عن أحمد إحداهما أنها ليست بواجبة وأن الإنسان إذا اقتصر على التشهد الأول وسلم أجزأه والدليل قوله (إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك) والثانية أنها واجبة ووجهها ما روى كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا إلى آخره ووجه ذلك أنه قال (قولوا اللهم صلِّ على محمد) لكن في بعض الروايات فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا وهذا يدل على أنه من المتقرر عندهم أنهم يصلون عليه في الصلاة أما لو كان اللفظ كما قال المؤلف فقط لكان قوله (قولوا اللهم صلِّ على محمد) ليس للوجوب لكن لبيان الكيفية لأنهم سألوا عن الكيفية ولم يسألوا عن أصل الصلاة فعلى هذا يكون الأمر في قوله (قولوا) بياناً للكيفية لا للوجوب لكن إذا نظرنا إلى الرواية التي ذكرتها (إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا) فإن هذا يدل على أن الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام كانت متقررة وبهذا يمكن أن نقرر الوجوب.
ثم إذا قلنا بوجوب الصلاة عليه فهل يكتفى بقوله اللهم صلِّ على محمد كما هو المشهور من المذهب أو لابد أن نقول كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا خلاف أشار إليه المؤلف فبعض الأصحاب قال لابد أن نقول الصيغة التي وجه إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه قال (قولوا اللهم صلِّ) ثم ذكر الحديث وبعضهم يقول إذا قلت اللهم صلِّ على محمد كفى لأنك أتيت بالمقصود ولكن الكيفية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى وأفضل.


ثم قال المؤلف بأنها رويت بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزئ منها ما اجتمعت عليه الأحاديث هذا فيه نظر وقد سلكه الأصحاب رحمهم الله في التشهد الأول فقالوا إذا أتى بما اجتمعت عليه الأحاديث كفى وهذا فيه نظر ظاهر لأن كل صفة في الأحاديث صفة مستقلة عن الأخرى فكيف نلفق ونقول ما اجتمعت عليه الأحاديث فهو الواجب وما اختلفت فيه فليس بواجب بل يقال إذا كانت الأحاديث وردت على صفة معينة فيكتفى بإحدى الصفات لا بأن نلفق لأنك إذا لفقت لم تكن أتيت لا بهذا اللفظ ولا بهذا اللفظ فكيف يقال إننا نلفق فالطريقة التي مشى عليها هنا طريقة ضعيفة ولكن يقال لو أتى الإنسان بأدنى ما ورد أجزأه عن أعلى ما ورد.
وفي قول الإمام أحمد كنت أتهيب ذلك دليل على ورعه رحمه الله في إلزام الناس ما لم يدل الدليل على الإلزام به وهو أنه يجب على الإنسان أن يتهيب أن يقول هذا واجب والله لم يجبه أو هذا محرم والله لم يحرمه لكن يقال لا يفعل أو يفعل ويكتفي وإن كان بعض الناس يلزم الإنسان ولابد أن تقول إما واجب أو حرام ولكن إذا لم يتبين لك التحريم أو الوجوب فقل لا أنا أقول يفعل هذا أو أقول يترك هذا ولست بملزم أن تقول فيما لا تعلم يقيناً أنه واجب أو أنه محرم إنه واجب أو محرم.
الراجح والله أعلم أنه يكتفى باللهم صلِّ على محمد لكن المؤلف رحمه الله لم يبين أنها ركن بل قال إنها واجبة وهذا أحد الأقوال الثلاثة في المسألة، المسألة فيها ثلاثة أقوال أنها سنة، واجب، ركن والمشهور من المذهب أنها ركن ولا تصح الصلاة إلا بها.
السائل: هل الركن هو التشهد الأول أم الثاني؟
الشيخ: الركن هو الثاني سبق وأن التشهد الأول واجب وأن الأفضل الاقتصار على قوله أن محمداً عبده ورسوله في التشهد الأول.
السائل: ما هو دليل تخصيص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني دون الأول؟


الشيخ: لأنه في حديث ابن عباس وحديث ابن مسعود أن الرسول علمه التشهد وكان كما مر علينا كان يخفف التشهد الأول حتى كأنه على الرضف يعني على الحجاره المحماة.

فصل
القارئ: ويستحب أن يتعوذ من أربع لما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) متفق عليه ولمسلم (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع) وذكره وما دعا به مما ورد في القرآن والأخبار فلا بأس إلا أن يكون إماماً فلا يستحب له التطويل كي لا يشق على المأمومين إلا أن يؤثروا ذلك وقد روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاءً أدعو به في صلاتي قال قل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) متفق عليه.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله أنه يستحب أن يتعوذ من أربعة وذكرها وقال بعض العلماء إنه يجب أن يتعوذ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك وأمر به قال (إذا تشهد أحدكم) وفي رواية (التشهد الأخير) كما في صحيح مسلم (فليستعذ بالله من أربع) والأصل في الأمر الوجوب لا سيما وأن هذه الأربع من الأمور التي لو أحاطت بالإنسان لأهلكته فلأجل ما تشتمل عليه من الهلاك وأن الإنسان يستعيذ بربه منها كانت واجبة وقد ذكر عن طاووس رحمه الله أنه أمر ابنه لما لم يستعذ بالله من هذه الأربع أمره أن يعيد الصلاة والقول بالوجوب قوي ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدعها وأنتم الآن كما شاهدتم دليل وجوبها أقوى من دليل وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


أما حديث أبي بكر رضي الله عنه فإنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه دعاء يدعو به في صلاته لكن لم يبين موضعه والظاهر أنه بعد التشهد لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في حديث ابن مسعود (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) لكن المؤلف رحمه الله يقول إذا كان إماماً فإنه لا يستحب له التطويل لأن لا يشق على المأمومين إلا أن يؤثروا ذلك يعني إلا أن يرضوا بذلك ولكن هذا بشرط أن يكونوا محصورين أما إذا كانوا غير محصورين فكيف يمكن أن نعلم أنهم رضوا بهذا.

فصل
القارئ: ولا يجوز أن يدعو فيها بالملاذ وشهوة الدنيا وما يشبه كلام الآدميين مثل اللهم ارزقني زوجة حسناء وطعاماً طيبا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم ولأن هذا يتخاطب بمثله الآدميون أشبه تشميت العاطس ورد السلام.


الشيخ: هذا القول ضعيف جداً وهو أنه لا يجوز أن يدعو فيها بملاذ الدنيا وشهواتها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وقال (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) وقال في حديث ابن مسعود (إذا فرغ أحدكم من التشهد فليدعو بما شاء) وأما استدلاله على أنه لا يجوز بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) فيقال أين كلام الناس في هذا هل الإنسان إذا قال يا ربي ارزقني زوجة حسناء هل هو يقول يا فلان اخطب لي زوجة حسناء أبداً هو يخاطب ربه ويدعو ربه والدعاء عبادة فهذا الاستدلال بهذا الحديث لا شك أنه بعيد من الصواب كذلك أيضاً قوله ولأن هذا يتخاطب بمثله الآدميون فيقال وإذا كان يتخاطبون بمثله فهل أنا أخاطب آدمياً والمراد بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) مخاطبة الناس وأما دعاء الله بما يشبه كلام الناس فلا بأس به فالصواب في هذه المسألة أن الإنسان يدعو بما شاء ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً فلا يجوز لأنه من باب الاعتداء في الدعاء.
السائل: ما دليله على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؟
الشيخ: ليس هناك دليل واضح.
السائل: لو اقتصر المصلي على التشهد دون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ: إذا قلنا بأنها سنة صارت صحيحة وإذا قلنا بالوجوب لا تصلح مع العمد ومع النسيان يكفي فيها سجود السهو وإذا قلنا بأنها ركن لابد أن يأتي بها فيعود إلى صلاته ويأتي بها ويسلم ثم يأتي بالسهو.

فصل


القارئ: ثم يسلم والسلام هو الركن الرابع عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مفتاح الصلاة الطُّهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داود والترمذي ولأنه أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالأول ويسلم تسليمتين ويلتفت عن يمينه فيقول السلام عليكم ورحمة الله ويلتفت عن يساره كذلك لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وفي لفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه وعن يساره رواه مسلم ويكون التفاته في الثانية أوفى قال ابن عقيل يبتدئ بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت قائلاً ورحمة الله عن يمينه ويساره لقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه معناه ابتداء السلام ويستحب أن يجهر بالأولى أكثر من الثانية نص عليه واختاره الخلال وحمل أحمد حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة على أنه يجهر بواحدة ويستحب أن لا يمد السلام لأن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حذف السلام سنة) ورواه الترمذي وقال حديث صحيح قال ابن المبارك معناه لا يمده مدا قال أحمد معناه لا يطول به صوته.
الشيخ: هذا في التسليم يقول السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله عن اليمين والشمال ويلتفت وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلتفت حتى يرى بياض خده.
وأما ما ذكره ابن عقيل ففيه نظر أنه يقول السلام عليكم تجاه القبلة ثم يقول ورحمة الله بل مقتضى حديث ابن مسعود ومقتضى اللفظ أيضاً الخطاب أنه يلتفت من حين أن يبتدئ بالسلام لأن عليكم خطاب لمن وراءه فلابد أن تكون الكاف بعد التفاتته.


وكذلك أيضاً في كونه يجهر بالأولى أكثر من الثانية هذا يحتاج إلى دليل فإن وجد دليل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذاك وأما حمل ما ورد أنه يسلم تسليمة واحدة على أنه يجهر بالأولى أكثر من الثانية ففي النفس منه شيء إذ من الممكن أن نقول إن الاقتصار على تسليمة واحدة لبيان الجواز وليس لأنه يخفيها.
السائل: القاعدة (إن ورد لفظ خاص يوافق حكم العام لا يدل على التخصيص) حديث (فليستعذ بالله من أربع) ورد في رواية (إذا تشهد أحدكم) وورد في رواية أخرى (التشهد الأخير) فهل ينطبق هذا على القاعدة؟
الشيخ: يقيد بالتشهد الأخير، وهذا فيه شرط هذا ما ينافي القاعدة.

فصل
القارئ: والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة لأن عائشة وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فسلم تسليمة واحدة ولأنه إجماع حكاه ابن المنذر وعنه أن الثانية واجبة لأن جابراً قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) رواه مسلم ولأنها عبادة لها تحللان فكان الثاني واجباً كالحج.
الشيخ: الحديث الأول حديث الثلاثة إذا صح فهو دليل واضح لكن بعض العلماء حمله على أنه في صلاة النفل وقال لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه اقتصر على تسليمة واحدة في صلاة الفرض وأما حديث جابر الذي ذكره الأخير فهذا إنما قاله النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم إذا سلموا قالوا بأيديهم هكذا كأنها أذناب خيل شمس فقال (إنما كان يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخية من على يمينه وشماله) وهذا بيان لحالهم التي كانوا يفعلون يسلمون عن اليمين وعن الشمال وليس صريحاً بأنه لابد من تسليمتين المعنى يكفي أحدكم بدل أن يقول هكذا.

فصل


القارئ: وإن اقتصر على قوله السلام عليكم فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يجزئه نص عليه في صلاة الجنازة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تحليلها التسليم) وهو حاصل بدون الرحمة وعن علي أنه كان يسلم عن يمينه ويساره السلام عليكم السلام عليكم وقال ابن عقيل الصحيح أنه لا يجزئ لأن من وصف سلام النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة قال فيه ورحمة الله ولأنه سلام ورد فيه ذكر الرحمة فلم يجزئه بدونها كالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ويأتي بالسلام مرتباً فإن نكسه فقال عليكم السلام أو نكس التشهد لم تصح وذكر القاضي وجهاً في صحته لأن المقصود يحصل وهو بعيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله مرتبا وعلمهم إياه مرتبا ولأنه ذكر يؤتى به في أحدي طرفي الصلاة فاعتبر ترتيبه كالتكبير.

السائل: في حديث عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه) ما الحكم إذا صح هذا الحديث؟
الشيخ: إذا صح لابد أن نقول به كل شيء يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام لابد أن نقول به فنجمع بين حديث عائشة وبين حديث ابن مسعود بأنه لا منافاة لأنه إذا ابتدأه من القبلة وأنهاه عن اليمين أوالشمال حصل المقصود.
السائل: ما معنى حذف السلام؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله أما بعض الناس يقول السلام عليكم ورحمة الله يمد مرة في الثانية السلام عليكم ورحمة الله يمدها كثيراً حتى أن بعض المسبوقين يقوم فهذا خلاف السنة، السنة أن لا يفعل.
القارئ: وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فإن لم ينو لم تبطل صلاته نص عليه لأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها ولأنها عبادة فلم تجب النية للخروج منها كسائر العبادات وقال ابن حامد تبطل صلاته لأنه أحد طرفي الصلاة فوجبت فيه النية كالآخر.


الشيخ: والغالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينوي الخروج هذا الغالب لكن ربما يعزب عن خاطره نية الخروج فينوي أنها كغيرها من الأذكار فكما أنه لا ينوي التشهد ولا ينوي الركوع ولا ينوي السجود لأنها داخلة في عموم الصلاة فكذلك لا ينوي السلام والصحيح أنه لا يشترط نية السلام وأن الإنسان لو سلم على أنه ركن من أركان الصلاة دون أن يخرج به من الصلاة فلا بأس.
القارئ: وإن نوى بالسلام على الحفظة والمصلين معه فلا بأس نص عليه لحديث جابر الذي قدمناه وفي لفظ (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض) رواه أبو داود.

فصل
القارئ: ويستحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة ودعاؤه واستغفاره قال المغيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) متفق عليه وقال ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا إنصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً وقال (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) رواه مسلم، وقال ابن عباس (إنَّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) متفق عليه.


الشيخ: هذا الفصل بين فيه رحمه الله أنه يستحب بعد الصلاة أن يذكر الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وما استدل به من الأحاديث يدل على أنه يجهر به وهو كذلك يجهر به قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته والقول بأنه لا يجهر به وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما جهر به للتعليم قول ضعيف أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمه الناس فإنه قال للفقراء (تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) ثانياً أن التعليم يحصل بمرة واحدة ولا يداوم عليه كلما صلى ثالثاً أننا لو سلمنا أنه للتعليم فنقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يعلمهم نفس الذكر وكيفية النطق به فيكون التعليم في أصل الذكر وفي كيفية النطق وأنه يكون جهراً ومثل هذه التأويلات التي يسلكها بعض العلماء رحمهم الله وعفا عنا وعنهم إنما يلجؤون إليها بناءً على أنهم اعتقدوا ثم استدلوا فإذا اعتقد الإنسان ثم استدل تجده يلوي أعناق النصوص حتى توافق ما يعتقده والواجب أن الإنسان يستدل أولاً ثم يعتقد ويعمل ثانياً حتى يكون هو التابع للأدلة وليست الأدلة تابعة له فإذا تجردنا من التقليد ونظرنا إلى هذه الأحاديث وجدنا أنها نص صريح في أن الإنسان يجهر بالذكر بعد الصلاة ولكن لو فرضنا أن إلى جانبك رجال يقضون الصلاة أو أن أمامك رجالاً يقضون الصلاة ولو جهرت لشوشت عليهم فإنك لا تجهر إتقاءً للأذية والسنة تأتي بها في وقت آخر والله الموفق.

فصل


القارئ: ويكره للإمام إطالة الجلوس في مكانه مستقبل القبلة لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) رواه ابن ماجة فإن أحب قام وإن شاء انحرف عن قبلته لما روى سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه رواه البخاري ومسلم.
وينصرف حيث شاء عن يمينه أوشماله لقول ابن مسعود لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته يرى أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره متفق عليه.
فإن كان مع الإمام رجال ونساء فالمستحب أن تثب النساء ويثبت هو والرجال بقدر ما ينصرف النساء لقول أم سلمة رضي الله عنها إن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال قال الزهري فَنُرى أن ذلك لكي يبعد من ينصرف من النساء رواه البخاري ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء ولا يثب المأمومون قبل انصراف الإمام لأن لا يذكر سهواً فيسجد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إني إمامكم فلا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف) رواه مسلم
فإن إنحرف عن قبلة أو خالف السنة في إطالة الجلوس مستقبلاً القبلة فلا بأس أن يقوم المأموم ويدعه.
الشيخ: هذا الفصل كما رأيتم فيه عدة مسائل:


المسألة الأولى إطالة الإمام الجلوس في مكانه مستقبل القبلة فإن هذا مكروه أولاً الحديث الذي ذكره المؤلف عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وثانياً لأنه يحبس المأمومين فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تسبقوني بالانصراف) وإذا بقي مطيلاً للجلوس مستقبل القبلة أحرج الناس لأن الذي يريد أن يمتثل النهي (لا تسبقوني بالانصراف) سوف يجد حرجاً إذا تأخر الإمام.
المسألة الثانية أنه إذا انحرف عن القبلة هل ينحرف جهة اليمين أو جهة اليسار نقول ينحرف أحياناً من جهة اليمين وأحياناً من جهة اليسار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينحرف من هاهنا ومن ها هنا وليس لازماً أن تنحرف دائماً من جهة اليمين وإذا انحرف هل يجعل المأمومين على يمينه أو على يساره أو يستقبلهم؟ نقول يستقبلهم.
المسألة الثالثة أنه إذا اجتمع رجال ونساء فإن الأفضل أن يتأخر الرجال قليلاً عن الخروج وأن تبادر النساء فيخرجن وذلك من أجل أن لا يختلط الرجال بالنساء وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المسألة الرابعة أن المؤلف رحمه الله قال لا يثب المأمومون قبل انصراف الإمام إلا إذا أطال استقبال القبلة جالساً فللمأموم أن ينصرف وإلا فإنه يكره له أن ينصرف قبل انصراف إمامه والعجيب أنه رحمه الله ذكر التعليل قبل الدليل والأولى أن يكون الأمر بالعكس هو قال لأن لا يذكر سهواً فيسجد ثم قال وقد قال النبي فذكر التعليل قبل الدليل والأولى أن يكون بالعكس ثم هذا التعليل الذي ذكره غير مسلم لأن هذا الذي ذكره احتمال والأصل عدمه فالأولى التعويل على الدليل هذا هو الأولى.
السائل: هل الصلاة قبل الإمام مكروه لأنكم قلتم إن الانصراف قبل الإمام مكروه فلماذا لم يقل إنه محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبادروني بالركوع) ومعلوم أن سباق الإمام بالركوع محرم؟


الشيخ: المعروف أن دلالة الاقتران لا توجب التساوي في الحكم (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) مع أن الخيل تؤكل فالذي أخرج هذا هو أن الأول في الركوع وفي السجود قد أخرج بنهي صريح وهو قوله (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا ولا ترفعوا حتى يرفع) إلى آخره أما هذا فلم يذكر مع المحرمات.
السائل: في قوله (ولا بالانصراف) فلماذا لم يحمل النهي على التحريم؟
الشيخ: ما في شك أنه نهي ولولا النهي لم يكن مقبولاً وصرف النهي إلى الكراهة لأن الإمام إذا سلم انتهت صلاته فانتهى اتصال المأموم به على وجه اللزوم.
السائل: هل انصراف الإمام عن اليمين أوعن الشمال سنة؟
الشيخ: نعم سنة أحياناً عن اليمين واحياناً عن الشمال لكنه يستقبل المأمومين ولا يبقى يجعلهم على جنب.

فصل
القارئ: ويكره للإمام التطوع في موضع صلاة المكتوبة نص عليه وقال: كذا قال علي بن أبي طالب وللمأموم ان يتطوع في موضع صلاته فعله ابن عمر وروى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يتطوع الإمام في مقامه الذي يصلي به الناس) رواه أبو داود فإن دعت إليه ضرورة لضيق المسجد انحرف قليلاً عن مصلاه ثم صلى.
الشيخ: هذا الفصل يتضمن مسألتين:
المسألة الأولى تطوع الإمام في مكان صلاته وذكر أنه مكروه واستدل الإمام أحمد بقول علي.
والمسألة الثانية تطوع المأموم في موضع صلاته فذكر أنه لا بأس به ولكن الأفضل أن ينتقل عن مكانه إلى مكان آخر.

فصل


القارئ: ويرتب الصلاة على ما ذكرنا وهو الركن الخامس عشر فصارت أركان الصلاة خمسة عشر لا يسامح بها في عمد ولا سهو وواجباتها المختلف فيها تسعة التكبير سوى تكبيرة الإحرام والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة وقول: سمع الله لمن حمده وقول: ربنا ولك الحمد وقول: ربِّ اغفر لي بين السجدتين مرة والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليمة الثانية وقد ذكرنا في وجوب جميعها روايتين.
وما عدا ذلك فسنن تتنوع ثلاثة أنواع النوع الأول سنن الأقوال وهي اثنتا عشرة الاستفتاح، والاستعاذة، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وقول آمين، وقراءة السورة بعد الفاتحة، والجهر والإخفات في موضعهما، وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، وقول ملء السماء بعد التحميد، والدعاء، والتعوذ في التشهد الأخير، وقنوت الوتر.
الشيخ: هذه سنن قولية لكن في قوله رحمه الله الجهر والإخفات في موضعهما في قوله إنهما من سنن الأقوال نظر لأن الجهر والإخفات صفة القول وليس هو القول فقول الإنسان الحمد لله رب العالمين سراً ليس هو القراءة وقولها جهراً ليس هو القراءة بل الإخفات والجهر صفة للقول ولهذا ذكرهما بعض الفقهاء من سنن الأفعال.
السائل: في موضوع الانصراف عن اليمين أو عن اليسار هل هذه الصفة خاصة بالإمام أو المأموم أيضاً؟
الشيخ: لا المأموم ليس له صفة يقوم كيفما تيسر له.
السائل: لكن قول ابن مسعود رضي الله عنه مع أنه لا يخاطب أئمة وإنما يخاطب مأمومين يقول لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته.
الشيخ: نعم المأموم بينصرف لكن إذا التزم أن لا ينصرف إلا عن اليمين ما هو صحيح المأموم ينصرف كما يشاء.
السائل: إذا جعل المأموم أكثر انصرافه من جهة اليسار وانصرف أحياناً من جهة اليمين؟
الشيخ: ما في شيء.
السائل: كيف يكون للشيطان حظ؟


الشيخ: الحظ للشيطان يرى أنه لا ينصرف إلا عن اليمين ليس من أجل الفعل ولكن من أجل كونه يعتقد أنه لا ينصرف إلا عن يمينه هذا له حظ حيث اعتقدت أن شيئاً جائزاً ليس بجائز.
القارئ: النوع الثاني سنن الأفعال وهي اثنتان وعشرون: رفع اليدين عند الإحرام والركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى.
الشيخ: بقي عليه الموضع الرابع لم يذكره والصحيح أنه منها القيام من التشهد الأول.
القارئ: ووضع اليمنى على اليسرى ووضعهما تحت السرة.
الشيخ: وسبق لنا أن الراجح أن يجعلهما على صدره.
القارئ: والنظر إلى موضع سجوده.
الشيخ: وسبق أنه يستثنى من ذلك في حال الإشارة فإنه لا يجاوز بصره إشارته وذلك إذا جلس بين السجدتين أو في التشهد فإنه عند الإشارة ينظر إلى أصبعه وسبق أنه يشير عند كل دعاء.
القارئ: والنظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على الركبتين في الركوع، ومد الظهر والتسوية بين ظهره ورأسه، والتجافي فيه، والبداءة بوضع الركبتين قبل اليدين في السجود، ورفع اليدين قبل الركبتين في النهوض، والتجافي فيه، وفتح أصابع رجليه فيه، وفي الجلوس، ووضع يديه حذو منكبيه مضمومة، مستقبلاً بها القبلة.
الشيخ: فتح أصابع رجليه في حال السجود هذا لا يمكن إلا إذا اتكأ على الأصابع أما إذا وضعها بدون اتكاء فإنها ستبقى ملتئمة اللهم إلا إذا اتكأ على الإبهام كبعض الناس ما يستطيع أنه يتكئ على كل الأصابع يتكئ على الإبهام فحينئذٍ يكون المنفرج ما بين الإبهام والسبابة.
القارئ: والتورك في التشهد الأخير، والافتراش في الأول، وفي سائر الجلوس، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلقة والإشارة بالسبابة، ووضع اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة، والالتفات عن يمينه وشماله في التسليم، والسجود على أنفه، وجلسة الاستراحة في إحدى الروايتين فيهما.


الشيخ: وسبق أن الصحيح أن السجود على الأنف ركن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أمرت أن أسجد) وفي رواية (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم على الجبهة) وأشار إلى أنفه.
وقوله جلسة الاستراحة على إحدى الروايتين فيهما وماذا يعني (فيهما)؟ السجود على الأنف وجلسة الاستراحة.
القارئ: والنوع الثالث ما يتعلق بالقلب وهو الخشوع ونية الخروج في سلامه.
الشيخ: الخشوع يعني بذلك حضور القلب وهذا هو لب الصلاة صلاة بلا خشوع كجسد بلا روح وقد اختلف العلماء فيما لو غلب الوسواس يعني الهواجيس على أكثر الصلاة هل تبطل أو لا والصحيح أنها لا تبطل لكنها ناقصة جداً فلذلك لو قيل بوجوب الخشوع لكان له وجه وقد قيل به.
وقوله نية الخروج في سلامه الخروج من ماذا؟ من الصلاة عند السلام.
السائل: ما رأيكم في أكل العلك أمام الناس؟
الشيخ: أمام الناس ما نرى أنه يفعلها الإنسان حتى لو فيها مصلحة أقول ما نرى أنه يأكله أمام الناس وإن كان مباحاً وهو ليس فيه فائدة يمكن بعض الناس أحياناً إذا اضطربت معدته يعني إذا حمى كبده كما يقول العامة يركدها العلك قد يستفيد منها وإذا كان في الطيارة يكون ضغط على أذانه وإذا كنت تعلك يخفف عليك على كل حال أمام الناس ما نرى أن يفعله الإنسان لأنه يتهم.

فصل


القارئ: ولا يسن القنوت في صلاة فرض لأن أبا مالك الأشجعي قال قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا في الكوفة نحواً من خمس سنين أكانوا يقنتون قال أي بني محدث قال الترمذي هذا حديث حسن وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه رواه مسلم فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم رواه سعيد في سننه وليس ذلك لآحاد المسلمين ويقول في قنوته نحواً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر: وكان عمر يقول في القنوت (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك) رواه أبو داود.
الشيخ: هذا الفصل تضمن مسائل:


المسألة الأولى القنوت في صلاة الفرض هل هو سنة أو لا؟ الصحيح أنه ليس بسنة إلا لسبب لكن مع ذلك قال الإمام أحمد رحمه الله لو ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه وهذا من فقه الإمام رحمه الله لأن عدم متابعته شق للكلمة وكلما كان شق الكلمة كلمة المسلمين أكبر كان أعظم ولهذا كان الخروج عن الإمام أعظم بكثير من مخالفة إمام الصلاة وإمام الصلاة إمامة صغرة فالإمام إمام الصلاة مطاع هل يقول للناس اركعوا إذا ركعت أو قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قد قاله الرسول فهو إمام يقتدى به فلا ينبغي أن يشق العصا فيخالف ولهذا كان إذا قام عن التشهد الأول مع وجوبه وجب على المأموم أن يتابع وإذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية وجب عليه أن يجلس مع أنها في حقه هي الركعة الأولى كل هذا متابعة للإمام ولعدم مخالفته والاختلاف عليه إذا كان كذلك فإنه يوجد في صلاة التراويح بعض الأئمة يرون استحباب الدعاء عند ختم القرآن فإذا ائتم الإنسان بمن يرى هذا فهل يخرج ويقول هذه بدعة وكل بدعة ضلالة؟ لا، يتابع ويؤمن لأن المسألة مسألة اجتهاد فيتابع ويؤمن وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن تكون له على بال وهي عدم المخالفة كلما أمكن التأليف تأليف القلوب فهو أحسن حتى إنه من أكبر مقاصد الشرع في وجوب صلاة الجماعة في المساجد هو تأليف القلوب والاجتماع على الطاعة نعم لو فعل شيئاً محرماً شيء آخر يعني لو كان الإمام لا يطمئن في صلاته فأنا لا أتابعه.


المسالة الثانية هل يقنت في الفرائض إذا وجد سبب؟ الجواب نعم يقنت إذا وجد السبب لكن ما هو السبب هل هو السبب العام أو الخاص يعني لو أن الإمام شاب تعسر عليه أن يتزوج كل من خطب منه ما أجاب فهل يقنت في صلاة الفريضة لأنه الإمام يقول اللهم زوجني الجواب لا، إذا كان أمراً عاماً إذا نزل بالمسلمين نازلة أما الخاص فلا الخاص يدعو الإنسان لنفسه في السجود أو بعد التشهد الأخير أما القنوت فلا يقنت إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة.
المسالة الثالثة وإذا وجدت النازلة مثل ما يوجد الآن في البوسنة والهرسك وغيرها من البلاد الإسلامية فهل يقنت كل أحد لا، لا يقنت إلا الإمام فقط الإمام الأعظم ليس الإمام أئمة المساجد الإمام الأعظم يعني مثلاً هنا في المملكة ما يقنت إلا الملك فهد فقط أما غيره فلا يقنت لماذا لأنه لم يحفظ أن أحداً من مساجد المدينة قنت إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ولأن المعني بأمور المسلمين هو الإمام بالدرجة الأولى وإلا فكل الناس معنيون بإخوانهم فلهذا قال الفقهاء لا يقنت إلا الإمام الأعظم فقط وقيل يقنت الإمام الأعظم ونوابه كالأمراء وقيل يقنت كل إمام مسجد فقط دون آحاد الناس وقيل يقنت كل مصلي وهذا هو الأصح أنه يسن أن يقنت كل مصلي لكن في المساجد مساجد الجماعة لا ينبغي أن تتفرق الكلمة ينبغي أن يصدروا عن رأي واحد إذا قال المسؤول في البلد عن المساجد اقنتوا قنتوا أما أن يكون هذا يقنت وهذا لا يقنت فهذا يفرق المسلمين ويوجب أن يُطعن في أحد الإمامين إما الذي يقنت أو الذي لا يقنت، الذي يقنت يطعن فيه الناس أنه يعتد بنفسه ويقنت دون غيره والذي لا يقنت يقول هذا رجل لا يهتم بأمر المسلمين ولا يقنت انظر للإمام الفلاني الذي يهتم بأمور المسلمين يقنت لهذا نرى أننا وإن اخترنا القول بأن القنوت عام لا ينبغي لأئمة المساجد إلا أن يصدروا عن رأي واحد لتجتمع الكلمة ولأن لا تلوك ألسن الناس بأئمة المساجد.


المسألة الرابعة هل يستمر القنوت؟ الجواب إذا زال السبب الذي من أجله شرع القنوت فإنه يزول مثلاً نقنت لانتصار قوم يحاربون الكفار نقنت حتى ينتصروا نقنت لأن قوماً من الكفار قتلوا مثلاً قراءنا أو علماءنا نقنت حتى نظفر بهم ونجري عليهم ما يجب إجراؤه.
المسألة الخامسة ما ذكره عن عمر وهو قوله اللهم العن كفرة أهل الكتاب هم اليهود والنصارى لكن كيف قال كفرة أهل الكتاب وهل في أهل الكتاب مؤمن؟ نعم يوجد مؤمن من آمن بالرسول عليه الصلاة والسلام مثل عبد الله بن سلام والنجاشي، عبد الله بن سلام من أحبار اليهود وعلمائهم والنجاشي من علماء النصارى وأمرائهم.


لم يذكر عمر جميع الكفرة نقول نعم لأن كفرة أهل الكتاب أحق بالذنب من غيرهم لأن عندهم كتاباً يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم فكفرهم عن عناد ليس عن جهل فكانوا أغلظ فلذلك كان عمر يدعو عليهم رضي الله عنه وهم جديرون بهذا إن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته يقول (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ونحن نسأل الله تعالى أن يتابع عليهم لعائنه إلى يوم القيامة فهم أهل للعن وأهل للسب وأهل للذنب وأهل لأن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون هذا الذي أمر الله (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) لكن متى يكون ذلك إذا قدرنا على هذا أما والأمة الإسلامية على وضعها الحالي شعوباً وحكاماً فنحن عاجزون في الحقيقة عاجزون عن هذا عاجزون عن تنفيذ هذا الأمر الإلهي ثم نحن إن قاتلناهم على الإسلام هم أو غيرهم لسنا نريد أن نسيء إليهم نريد أن نحسن إليهم في إدخالهم لدين الإسلام الذي ينجون به في الدنيا والآخرة أما إذا بقوا على كفرهم فإن نجو فإنما ينجون في الدنيا أما في الآخرة فلا نجاة لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن) يعني بما جاء به الرسول (إلا كان من أصحاب النار) إذاً نحن عندما نقاتل الكفار لا نقاتلهم تعصباً ولكن نقاتلهم رحمة بهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام وإذا دخلوا في الإسلام فهم إخواننا وإن كانوا أبعد ما يكونون عنا نسباً وبلاداً هذه خمس مسائل في هذا الفصل.
السائل: ماالحكم إذا استمر سبب القنوت طويلاً؟


الشيخ: إذا استمر فالظاهر أننا نقيده بالشهر ثم إذا تجدد أو تطور إلى أكثر نعيد القنوت.
السائل: إذا دعا الإمام في الصلاة لنفسه هل يؤمَّن على دعائه؟
الشيخ: ورد في الحديث أن الإمام إذا خص نفسه في الدعاء فقد خان المأمومين هذه خيانة وهذه والله أعلم هي الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى جعل الفاتحة بصيغة التعظيم أو بصيغة الجمع (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل إياك أعبد مع أن القارئ واحد لأن الله تعالى يعلم أن هذه السورة ستقرأ لأناس متعددين ولهذا تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بالجمع لكن في الدعاء الآخر الذي يسر به يقول الإنسان أعوذ بالله من عذاب جهنم ولا يقول نعوذ بالله لأن هذا دعاء له وذاك دعاء للجميع.