تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة

باب جزاء الصيد
القارئ: يجب الجزاء في الصيد لقول الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وهو ضربان ما له مثلٌ من النعم وهي بهيمة الأنعام فيجب فيه مثله للآية وهو نوعان الضرب الأول ما قضت الصحابة فيه فيجب فيه ما قضت لأنه حكم مجتهد فيه واجتهادهم أحق أن يتبع فمن ذلك الضبع قضى فيها عمر وابن عباسٍ بكبش وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيها بذلك رواه أبو داود وغيره وقال الترمذي هو حديثٌ حسنٌ صحيح.
الشيخ: قال الله تبارك وتعالى في جزاء الصيد (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) وأول من يدخل في هذا الوصف وهو العدالة الصحابة رضي الله عنهم فما قضت به الصحابة لا يجوز العدول عنه أولاً لأنهم هم أعلم منا وأقرب إلى الصواب وأقوى أمانة.
وثانياً أنه لو فتح الباب لكل واحدٍ أن يجتهد لم يقر قرارٌ للناس لكان كل قومٍ يأتون يقول هذا ليس مثل هذا بل مثله كذا فتضطرب الأمة فلهذا نقول ما قضت به الصحابة فلا عدول عنه ومن ذلك الضبع فيها كبش وقضاء الصحابة أن في الضبع كبشاً يدل على أنها حلال وأنها من الصيد وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها كما قاله الإمام أحمد رحمه الله إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى فيها بكبش.
القارئ: والنعامة قضى فيها عثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية ببدنة.
الشيخ: لأن أقرب ما يكون شبهاً به البدنة.
القارئ: وحمار الوحش فيه روايتان إحداهما فيه بقرة لأن عمر قضى فيه بها والثانية فيه بدنة لأن أبا عبيدة وابن عباسٍ قضيا فيه بها وقضاء عمر أولى لأنه أقرب إلى ما قضي به وعن ابن مسعودٍ أنه قضى في بقرة الوحش ببقرة وقال ابن عباسٍ في الأيل بقرة.
الشيخ: على كل حال الآن اختلف عمر وابن عباس وأبو عبيدة والصواب مع عمر لا شك لأنه أقرب.


القارئ: وقال ابن عمر في الأروى بقرة وقضى عمر في الظبي بشاة وفي اليربوع بجفرة وهي التي لها أربعة أشهرٍ من المعز.
الشيخ: هذه كلها أنواع من الظباء الآيل والتيتل والأروى كلها أنواع من الظباء.
القارئ: وفي الأرنب بعناق وهي أصغر من الجفرة وفي الضب بجدي.
الشيخ: في الأرنب عناق مع أن الأرنب أكبر بكثير من اليربوع ومع ذلك جزاؤه أقل من أجل المماثلة فهي ليست من باب التقويم بل من باب المماثلة.
القارئ: والضرب الثاني ما لم تقضِ فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة لقول الله تعالى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ويجوز أن يكون القاتل أحدهما لدخوله في العموم ولما روى طارق بن شهاب قال خرجنا حجاجاً فأوطأ منا رجل يقال له إربد ضباً ففزر ظهره فقدمنا إلى عمر فسأله إربد فقال له احكم فيه يا إربد قال أنت خيرٌ مني يا أمير المؤمنين وأعلم فقال عمر إنما أمرتك أن تحكم ولم آمرك أن تزكيني فقال إربد أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر فذلك فيه رواه سعيد بن منصور ولأنه واجبٌ لحق الله فجاز أن يكون من وجب عليه أميناً فيه كالزكاة.
الشيخ: وقيل إنه لا يصح أن يكون حكماً إذا كان هو القاتل لأن الله قال (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وقاتل الصيد في الإحرام ليس بعدل حتى يتوب ولأنه متهم فيما يجب عليه والفرق بينه وبين الزكاة أن هذا غرمٌ منفصل وأما الزكاة فهو إخراج واجبٍ في ماله فكان أخف وهذا الأثر إن صح عن عمر فلعله لسببٍ رآه لأن هذه قضية عين فلعله رأى أن إربد تاب لله عز وجل فصح أن يكون حكما.
القارئ: وفي كبير الصيد كبيرٌ مثله وفي صغيره صغيرٌ مثله وفي كل واحدٍ من الصحيح والمعيب مثله وإن فدى الذكر بالأنثى جاز لأنها أفضل وإن فدى الأنثى بالذكر ففيه وجهان أحدهما لا يجزئ لذلك والآخر يجزئ لأن لحمه أوفر وهو المقصود.
الشيخ: ولكن الأقرب أنه لا يجزئ الذكر عن الأنثى لأن الأنثى أطيب لحماً وأرق.


القارئ: وإن فدى أعور بعينٍ من أخرى جاز لأن المقصود منهما واحد وإن فدى معيباً بمعيبٍ من جنسٍ آخر لم يجز لأنهما مختلفان.
الشيخ: مثال معيب بعيبٍ من جنس آخر مثل لو كان أعور وأعرج فلا يجزيء أحدهما عن الآخر لاختلاف الجنس وأما إذا كان أعرج بيد وأعرج برجل فالظاهر أن الجنس واحد وأنه يجزئ هذا عن هذا.
القارئ: وإن أتلف صيداً ماخضاً ففيه قيمة مثله ماخضاً قاله القاضي لأن قيمته أكثر من مثله وقال أبو الخطاب فيه مثله ماخض للآية.
الشيخ: وقول أبي الخطاب أقرب إلى الصواب ولكن إذا لم يجد بأن وجد أنثى غير حامل ففي هذه الحال يخرجها ويخرج الفرق بين الحامل والحائل.
القارئ: وإن جنى على ماخضٍ فأتلف جنينها ففيه ما نقصها كما لو جرحها وإن خرج حياً ثم مات ضمنه بمثله.
الشيخ: فصارت المماثلة تكون في الجنس وفي الشبه وفي الصغر وفي الكبر وفي العيب والسلامة بقدر الإمكان.
القارئ: والثاني ما لا مثل له وهو الطير وشبهه من صغار الصيد ففيه قيمته إلا الحمام فإن فيه شاة لأن عمر وعثمان وابن عمر وابن عباسٍ قضوا في حمام الحرم بشاة والحمام كل ما عب الماء وهدر كالحمام المعروف واليمام والجوازل والقماري والرقاطي والدباسي والقطا لأن هذا كله حمام وقال الكسائي كل مطوقٍ حمام فعلى هذا يكون الحجل حماما وعلى الأول ليس بحمام وما كان أصغر من الحمام ففيه قيمته لأنه لا مثل له وما كان أكبر منه ففيه وجهان أحدهما فيه قيمته لأن القياس يقتضيها في جميع الطير تركناه في الحمام لقضاء الصحابة ففي ما عداه يبقى على القياس والثاني فيه شاة لأن إيجابها في الحمام تنبيهٌ إلى إيجابها فيما هو أكبر منه وقد روي عن ابن عباسٍ وجابرٍ أنهما قالا في الحجلة والقطا والحبارى شاة شاة وإن نتف ريش طائرٍ ففيه ما نقص فإن عاد فنبت ففي ضمانه وجهان كغصن الشجرة إذا نبت وفي بيض الصيد قيمته.


الشيخ: فصارت الطيور كلها تضمن بالقيمة إلا الحمام لقضاء الصحابة وإلا ما كان أكبر من الحمام ففيه الوجهان الوجه الأول أنه يضمن بالقيمة لأنه لا مثل له والثاني يضمن بالشاة لأن إيجاب الصحابة رضي الله عنهم شاةً في الحمامة يدل على أن ما فوقها من باب أولى والراجح أن مالم تقضِ فيه الصحابة من الطيور ففيه القيمة فقط.

فصلٌ
القارئ: ومن وجب عليه جزاء صيدٍ فهو مخير بين إخراج المثل أو يقوم المثل ويشتري بقيمته طعاما ويتصدق به أو يصوم عن كل مدٍ يوما لقول الله تعالى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما) فأو للتخيير، وعنه أنها للترتيب فيجب المثل فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام ككفارة القتل وعنه لا إطعام في الجزاء وإنما ذكره ليعدل الصيام والمذهب الأول لأنه ظاهر النص فلا تعويل على ما خالفه.


الشيخ: صحيح لكن هل يقوم المثل أو يقوم الصيد؟ المؤلف يقول إنه يقوم المثل وقيل إنه يقوم الصيد لأنه هو الذي حصل به العدوان وأما المثل فلا يقوم ولكلٍ من القولين وجه أما من قال يقوم المثل فقال إن التقويم بدلٌ عن الأصل والأصل هو المثل وأما من قال إنه يقوم الأصل يعني الصيد قال إن المثل إنما جعله الشارع قيمةً للصيد فإذا لم يأخذ به الإنسان فإنه يرجع إلى الأصل وهي قيمة الصيد وأياً كان تارةً يكون قيمة الصيد أكثر وتارةً تكون قيمة المثل أكثر أما إذا تساوت القيمتان فلا يظهر أثرٌ للخلاف لكن إذا اختلفت القيمتان بأن كان هذا الصيد نادر الوجود فأقول إن المسألة محتملة هل يقوم المثل أو يقوم الصيد؟ ولم يظهر لي ترجيح في هذا من زمان ولكن إذا قلنا إنه يقوم المثل فبما يعادله من الطعام إذا لم يختر المثل الطعام ربما يكون كثيراً فإذا قدرنا أنه قوم المثل بمائتي ريال والصاع بريالين فيكون فيها مائة صاع أي أربعمائة مد فنقول لهذا الرجل صم أربعمائة يوم هذا عدل الطعام!! فالنفس في قلق من هذا والله عز وجل يقول (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) وأطلق سبحانه وتعالى (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً) أي ما يعادل إطعام المسكين صياماً وهي في الحقيقة من المسائل التي تحتاج إلى تحريرٍ تام في باب المناسك.

فصلٌ
القارئ: وإن اشترك جماعةٌ في قتل صيدٍ فعليهم جزاءٌ واحد وعنه على كل واحدٍ جزاء لأنها كفارة قتلٍ أشبهت كفارة قتل الآدمي وعنه إن كفروا بالمال فجزاءٌ واحد وإن كفروا بالصيام فكفارات والأولى أولى لأن ذلك يروى عن عمر وابنه وابن عباس ولأنه بدلٌ متلفٌ يتجزأ فيقسم بدله بين المشتركين كالديات وقيم المتلفات.
الشيخ: لكن في الصيام إذا قدرنا أنه سيكون على كل واحد صيام عشرة أيام ونصف يجبر النصف ولا بد لأن الصوم لا يصح إلا يوماً كاملاً فيلزم كل واحد أن يصوم أحد عشر يوما.


القارئ: وإن اشترك حلالٌ وحرام فلا شيء على الحلال وهل يكمل الجزاء على الحرام أو يكون حكمه حكم المشارك الحرام فيه وجهان.
الشيخ: والأقرب أنه ليس عليه إلا النصف لأن القتل حصل من فعلين.
القارئ: وإن جرح صيداً ضمنه وفي ضمانه وجهان أحدهما يضمنه بمثله من مثله لأن ما وجب ضمان جملته بمثله وجب في بعضه مثله كالمكيلات.
الشيخ: وعلى هذا يكون معنى قوله جرح صيداً أي قطع منه عضواً لأن الجرح لا يكون فيه جزءٌ متلف ولهذا قال يضمنه بمثله من مثله فإذا قطع يده مثلاً وجب عليه يدٌ من مثله أو أذنه وجب عليه أذنٌ من مثله وإن كانت الأذن ليست لها قيمة ولكن قد يكون لها قيمة باعتبار تقويمها مع الجملة.
القارئ: والآخر تجب قيمة قدره من مثله لأن الجزء يشق إخراجه فصرنا إلى قيمته.
الشيخ: لكن هذا يجاب عنه بأنه إذا شق إخراجه عجزنا عن ضبط المماثلة فحيئذٍ يكون كالصيد الذي ليس له مثل يرجع إلى القيمة.
القارئ: وإن جرح صيداً فأزال امتناعه فقتله حلالٌ أو سبع فعلى المحرم جزاء جميعه لأنه سبب تلفه وإن قتله محرمٌ آخر فعلى الأول ما نقصه والباقي على الثاني وإن برئ وزال نقصه فلا شيء فيه كالآدمي وإن نقص فعليه نقصه وإن برئ غير ممتنعٍ فعليه جزاء جميعه لأنه عطله فصار كالتالف وإن غاب ولم يعلم خبره فعليه نقصه لأنه المتيقن.

فصلٌ
القارئ: والقارن والمفرد والمعتمر سواءٌ في جزاء الصيد وسائر الكفارات لأنهم سواءٌ في الإحرام فوجب استواؤهم في ذلك.

فصلٌ
القارئ: وصيد الحرم حرامٌ على الحلال والحرام لما روى ابن عباسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يختلى خلالها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها فقال العباس إلا الإذخر فإنا نجلعه لبيوتنا وقبورنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر) متفقٌ عليه وحكمه في الجزاء حكم صيد الإحرام.


الشيخ: في هذا الحديث دليلٌ على عظمة تحريم هذا البيت وأن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض فإن قال قائل أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إن إبراهيم حرم مكة) فنقول بلى لكن المراد بتحريم إبراهيم مكة أنه أظهر تحريم مكة وبينه وإلا فإن هذا البلد حرامٌ بحرمة الله منذ خلق السماوات والأرض إلى أن تقوم الساعة وفي هذا الحديث دليلٌ على جواز مراجعة الحاكم وولي الأمر لأن العباس راجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليه وفيه دليل على أن الفاضل قد يغيب عنه ما يظهر للمفضول مثل قول العباس إلا الإذخر فإنه لبيوتهم وغيره والنبي عليه الصلاة والسلام يعلم هذا لا شك لكن قد يغيب على الإنسان الفاضل ما يتبين لمن دونه وفيه دليلٌ على جواز الاستثناء بدون اتصال في المستثنى منه لأن العباس ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد انتهاء الخطبة وفيه دليل على أنه لا يشترط في الاستثناء أن ينويه قبل تمام المستثنى منه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينوِ ذلك وهذا والذي قبله هو الصحيح أن الاستثناء يجوز وإن لم ينوه إلا بعد تمام المستثنى منه وأنه يجوز ولو حصل فصل لكن بشرط أن يكون الكلام واحداً فإن استثنى بعد الانقطاع وبعد مفارقة المجلس فإنه لا يصلح الاستثناء بل لا بد من إعادة الجملة السابقة حتى يصح الاستثناء منها وفيه أيضاً في هذا الحديث دليل على أن بعض الناس قد يكون مفتاحاً للخير والتيسير وعلى العكس من ذلك من يكون سبباً للتضييق على الناس ولهذا جاء في الحديث (من أعظم الناس جرماً رجلٌ سأل عن مسألةٍ لم يحرمها الله فحرمت من أجل مسألته) لأنه يكون بذلك سبباً للتضييق على الناس وفيه دليل على حرمة الآدمي في مكة لأنه إذا ثبتت هذه الحرمة للأشجار وهي جماد وثبتت للصيد أيضاً فما بالك بالإنسان وفيه أيضاً دليل على أنه لا يجوز قطع الشوك من الشجر في مكة لقوله (ولا يعضد شوكها) وما لا شوك


فيه من باب أولى فإن قال قائل الناس يضطرون إلى طريق فيه أشجارٌ كثيرة من الشوك فهل يجوز لهم أن يزيلوها عن الطريق الجواب نعم إذا لم يكن لهم طريقٌ إلا هذا فإنه يجوز كما لو اضطر الإنسان إلى أكل الصيد في الحرم فإنه يقتله ويأكله فإن قال قائل إذا كانت الشجرة في أرضٍ لي نبتت بفعل الله وأنا أريد أن أبني هذه الأرض نقول إذا كان يمكنك أن تبني في الجانب الذي ليس فيه شجرة فافعل وإن كان لا يمكنك بحيث تكون الأشجار منتشرة أو المكان صغيراً فالظاهر أن هذا من جنس الاضطرار وأن له أن يقلعها لا يقال إن لها حرمة لأننا نقول حرمة الآدمي أوكد وأعظم وإذا فرضنا مثلاً أن جميع مكة مفروشة بالأشجار نقول لأهل مكة لا تبنوا هذا فيه صعوبة.
الشيخ: وأضاف في الحديث (خلاها)، (شوكها) هذا إلى مكة ليخرج به ما ينبته الآدمي فإن ما يغرسه الآدمي كالنخل والعنب وما أشبهها ليس بحرام لأن هذا ينسب إلى مالكه الذي غرسه والمراد الأشجار التي نبتت بغير فعل الآدمي كما أن القول الراجح أن الإنسان إذا أدخل صيداً إلى الحرم فإنه ملكه حلال ولا يلزمه إطلاقه وله أن يذبحه.
القارئ: وحكمه في الجزاء حكم صيد الإحرام لأنه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء والسمك في التحريم كصيد البر لعموم قوله (لا ينفر صيدها) ولأن حرمته بمحله وهما في المحل سواء وعنه لا يحرم لأنه لا يحرمه الإحرام فلم يحرمه الحرم كالسباع وسائر الحيوانات كلها.
الشيخ: وهذه الرواية الثانية هي الصواب بلا شك وأن صيد البحر في الحرم ليس حراماً فلو فرض أن بحيرة صارت في الحرم وظهر فيها أسماك فإن الأسماك هذه حلال لأن الله تعالى يقول (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً).


القارئ: وسائر الحيوانات حكمها في الحرم حكمها في الإحرام فما حرمه الإحرام من الصيد حرمه الحرم وما أبيح فيه من الأهلي وغير المأكول لم يحرمه الحرم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم) رواه مسلم، إلا أن القمل لا يحرمه الحرم رواية واحدة.
الشيخ: وسبق لنا أن القمل القول الراجح فيه أنه لا يحرم وأنه يجوز للمحرم أن يتفلى.
القارئ: ويجب الجزاء على كل قاتل في الحرم مسلما كان أو كافرا صغيرا أو كبيرا لأن حرمته لمحله وهو ثابت بالنسبة إلى كل قاتل.
الشيخ: فإذا قال قائل ليس الكافر مكلفا بشرائع الإسلام حتى يسلم قلنا إن هذا من باب ضمان الإتلاف ويستوي فيه الكافر وغيره.
فإن قال قائل كيف يقتل الكافر صيدا في الحرم؟ فالجواب يمكن إما أن يقتله وهو في الحل والصيد في الحرم وإما أن يدخل معاندا وهو كافر فيدخل الحرم المهم أن المقصود التصوير فهل إذا قتل الكافر صيدا في الحرم يلزم بالجزاء؟ الجواب نعم لا تعبداً لله ولكن ضماناً للمتلف.
وإن أحرم الكافر وقتل الصيد وهو محرم؟ نقول لا يصح إحرامه ولا جزاء عليه فيما قتل من الصيد إلا أن يكون في الحرم.
القارئ: ولو قتل محرم صيدا حرميا لزمه جزاء واحد لأن المقتول واحد فكان جزاؤه واحدا كما لو قتله حلال.
الشيخ: وقيل إذا قتل المحرم صيدا في الحرم لزمه جزاءان لأنه اجتمع سببان للتحريم كونه في الحرم وكونه محرما ولكن الراجح أنه جزاء واحد وهذا كما قيل في القارن إنه إذا قتل صيدا لزمه جزاءان لأنه جامع بين الحج والعمرة أي بين نسكين والصحيح أنه لا يلزمه إلا جزاء واحد في المسألتين جميعا.

فصل
القارئ: ومن ملك صيدا في الحل فأدخله الحرم لزمه رفع يده عنه وإرساله فإن تلف في يده أو أتلفه ضمنه وإن ذبحه صار ميتا لأن الحرم سبب لتحريم الصيد فحرم استدامة إمساكه كالإحرام.


الشيخ: وسبق أن الصحيح أن له الدخول به وأنه ملكه والفرق بينه وبين الإحرام الذي قاسه عليه أن هذا ليس صيد حرم فهو لم يدخل في التحريم أصلاً وأما الإحرام فإن المحرم ممنوع من أن يتملك الصيد وممنوع من أن تكون يده المشاهدة عليه.
القارئ: وإن أمسكه في الحرم فأخرجه إلى الحل لزمه إرساله كالمحرم إذا أمسك الصيد حتى حل.
الشيخ: هذا صحيح.
القارئ: وإن رمى من الحل صيدا في الحرم أو أرسل كلبه عليه فقتله أو قتل صيدا على غصن في الحرم أصله في الحل ضمنه لأنه صيد حرمي معصوم بمحله.
الشيخ: وإن قتله على غصن شجرة أصلها في الحرم والغصن في الحل فلا شيء عليه.
القارئ: وإن رمى من الحرم صيدا في الحل أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم فلا ضمان فيه لأنه صيد حل قاتله حلال فلم يضمن كما لو كان قاتله في الحل وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينفر صيدها) يدل بمنطوقه على تحريمه في الصورة الأولى وبمفهومه على حله في الثانية وعن أحمد فيهما جميعاً روايتان فإن كانا جميعا في الحل فدخل السهم أو الكلب الحرم ثم خرج فقتل صيدا في الحل لم يضمن بحال لأن الصيد والصائد جميعا في الحل وإن رمى صيدا في الحل فدخل السهم الحرم فقتل فيه صيدا ضمنه لأن العمد والخطأ واحد في الضمان.
الشيخ: والصحيح أنه لا يضمن يعني أنه رمى صيدا في الحل وهو أيضا في الحل ثم إن السهم طاش وأصاب صيدا في الحرم فالصحيح أنه لا ضمان عليه لأن الله اشترط في وجوب الضمان أن يكون متعمدا.
القارئ: وإن أرسل كلبه على صيد في الحل فدخل فقتله في الحرم أو قتل غيره ففيه روايتان إحداهما لا يضمن لأن للكلب اختيارا وقد دخل باختياره فلم يضمن جنايته بخلاف السهم والثانية إن كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه لتفريطه بتعرضه للاصطياد في الحرم وإن كان بعيدا لم يضمن لعدم تفريطه ولا يؤكل لأنه صيد حرمي وقال أبوبكر عليه الضمان بكل حال.


الشيخ: الصواب أنه لا يضمن لو دخل الكلب لأن للكلب اختيارا.
السائل: هل الصلاة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة في الحل؟
الشيخ: لا الصحيح أنها في المسجد الذي فيه الكعبة فقط لأنه روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) فنص على مسجد الكعبة لكن الصلاة في مساجد الحرم أفضل من الصلاة في مساجد الحل والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل بالحديبية في جانب الحل منها وكان يصلي في الحرم فدل ذلك على أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل لكن المضاعفة المخصوصة إنما هي في مسجد الكعبة ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام) ومن المعلوم أن الرحال لا تشد إلى مسجد في مكة غير مسجد الكعبة فالذي تضاعف فيه الصلاة هو الذي تشد إليه الرحال.
السائل: هناك بعض المحلات إذا اشتريت أكثر من خمسين ريالا يعطونك ورقة لسحب جائزة تكون سيارة أو ما شابه ذلك هل هذا يجوز؟
الشيخ: إذا كنت لا تشتري الحاجة إلا لأجل الدخول في المسابقة فهذا لا يجوز أو كان هذا المحل قد رفع قيمة السلعة من أجل المسابقة فلا يجوز أيضا أما إذا كنت محتاجا إلى السلعة وكان ثمنها كالثمن في بقية المحلات فإن ذلك لا بأس به لأنك في هذه الحال إما أن تكون سالما أو أن تكون غانما فلا يكون من الميسر.
السائل: وإذا اشتريت نوعاً من البضاعة يعطونك بعض الأشياء المصاحبة لهذه البضاعة هل هذا جائز؟
الشيخ: نعم هذا جائز أيضا لأنه إذا كان الإنسان إما سالما وإما غانما فلا بأس.


السائل: مقدار الأضحية في البحرين حوالي مئتين وسبعين ريالا لكنك تشهد الأضحية وفي بنغلاديش والهند وما شابه ذلك حوالي مائة وخمسين ريال لكن من باب التسهيل على المواطنين نريد تنزيل إعلان حتى يكون مقدار الأضحية حوالي مائتين وخمسين ريالا والجمعية لها الحق أن تنحر هذه الأضحية في المكان المناسب هل هذا يجوز؟


الشيخ: لا يا أخي هذا في الحقيقة تعطيل لهذه الشعيرة المقصود من الأضحية التعبد لله عز وجل بسفك دمها هذا هو الأصل كما قال الله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) وليس المقصود مجرد انتفاع الفقير باللحم فمجرد الذبح قربة فلا أرى لكم أن تفتحوا هذا الباب دعوا الناس يضحون في بيوتهم ويظهرون شعائر الإسلام في البيوت ويعرف أن هذا عيد أضحى وأن أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل فدعوا هذا وحذروا منه أيضا حتى لا تتعطل الشعيرة لأن أكثر الناس الآن كما تعرف عندهم كسل وإذا أتى الله بقوم يأخذون منه الدراهم يخرجها من جيبه ويذهب إلى بنغلاديش أو غيرها من البلاد ويذبح هناك على أننا لا ندري ماالذي يذبح ولا ندري من الذابح ولا ندري كيف تفرق ولا ندري هل تذبح في الوقت أو بعده كل هذه الاحتمالات واردة كيف نذهب في هذه الشعيرة إلى مثل هذه المخاطر لو أن الناس انكبوا على هذا بقيت البلاد بلا شعيرة أضحية مع أن الله قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وقال (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِس) فبدأ بالأكل ومتى يأكل الإنسان إذا كان هو في البحرين أو في المملكة السعودية وتذبح أضحيته في بنغلاديش أو في غيرها من البلاد الإسلامية ومن أراد أن ينفع إخوانه وهو صادق فلينفعهم بدراهم وليتقرب إلى الله تعالى بذبح أضحيته يذكر اسم الله عليها (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (36) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) ما قال لأجل أن ينتفع الفقراء (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34) فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) فمع الأسف


أن كثيراً من الناس الآن صاروا يظنون أن الواجبات المالية التي أوجبها الله ما هي إلا انتفاع مادي فقط ولا يشعرون بالتقرب إلى الله والتعبد له بذبح الأضاحي مثلا أو ذبح العقيقة أو إخراج صدقة الفطر في مكانهم وهذا غلط وسفه.
السائل: يا شيخ هل ترون عدم جواز إخراج الأضحية إلى خارج البلد؟
الشيخ: أنا أرى أنها لا تصح بمعنى أنها ليست أضحية كما ضحى النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام ضحى في المدينة وذبح أضحيته بيده وسمى وكبر هذه هي السنة ولهذا لما أراد الهدي بعث هدياً إلى مكة لكن في الأضاحي ما بعثها إلى مكة ضحى بها في المدينة.
السائل: هناك من يخبرنا أن من إخواننا في الهند والنيبال وبنغلاديش لا يذوقون اللحم ولا مرة في السنة؟
الشيخ: يا أخي أضف إلى أضحيتك التي تشتريها بمئتين وسبعين ريال مثلا أضف مائة ريال وأرسل المائة ريال إلى النيباليين والبنغلاديشيين وغيرهم واشتروا لهم لحما هناك.
السائل: هل المحاذاة للمواقيت تكون بأن يصل الإنسان إلى نقطة تبعد من مكة قدر بعد الميقات الأصلي؟ أم أن يصل الإنسان إلى نقطة على خط يصل بين ميقاتين أصليين؟ أم أن يصل الإنسان إلى أقرب نقطة في الميقات من الميقات الأصلي في طريقه إلى مكة؟
الشيخ: الجواب إذا كان أقرب المواقيت إليه يبعد عن مكة يومين مثلاً فإذا بقي عليه يومان على مكة أحرم أي على قدر المسافة لكن لا بد أن ينظر إلى أقرب المواقيت إليه.
القارئ: وإن جرحه في الحل فدخل في الحرم فمات فيه لم يضمنه وحل أكله لأنه ذبحه في الحل وإن وقف صيد في الحرم والحل فقتله ضمنه تغليباً للتحريم.
الشيخ: هذه المسائل تكاد تكون فرضية لأنه كيف يتصور أن يعلم الإنسان أن مقدم هذا الصيد في الحرم ومؤخره في الحل يعني ما هناك حد فاصل كحد السيف لكن العلماء رحمهم الله يذكرون مثل هذه المسائل التي قد لا تقع لأجل التمرين.


القارئ: وإن أمسك طائرا في الحل فهلك فراخه في الحرم ضمن الفراخ وحدها لأنه أتلفها في الحرم.
الشيخ: هذه الجملة تدلنا على أنه لا ينبغي للإنسان أن يصيد الطيور في وقت فراخها لأن هذا يقتضي هلاك الفراخ لكننا لا نقول إنه حرام لأنه لم يقصد أن يهلك الفرخ ولهذا ترمى المدن والقرى بالمنجنيق وإن قتلت من لا يجوز قتله لأن هذا غير مراد وسبق لنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام حرق نخيل بني النضير مع أنه قد يكون في النخيل حشرات أو طيور وما أشبه ذلك لأن هذا غير مقصود.
القارئ: وإن أمسك الطائر في الحرم فهلك الفراخ في الحل ضمن الطائر وحكم الفراخ حكم ما لو رمى من الحرم صيدا في الحل لأن صيد الحل هلك بسبب كان منه في الحرم وإن نفر صيدا حرميا فهلك في نفوره بسبع أو غيره في حل أو حرم ضمنه لأنه هلك بتنفيره المنهي عنه.
الشيخ: لكن لو قال قائل هذا يخالف القاعدة إذا اجتمع متسبب ومباشر فالضمان على المباشر والجواب عنه أن نقول المباشر لا يمكن إحالة الضمان عليه هو نفر صيدا في الحرم فأكله السبع نقول الضمان على المنفر لأنه لا تمكن إحالة الضمان على المباشر الذي هو السبع.
القارئ: وإن سكن من نفوره ثم هلك لم يضمنه لأن هلاكه بغير سببه وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه حمام فخاف أن يبول عليه فأطاره فانتهزته حية فقال أنا أطرته فسأل من معه فحكم عليه عثمان ونافع بن عبد الحارث بشاة.
الشيخ: هذا الأثر في نفسي منه شيء أولا أن الحمام لا يبول وإنما يزرط ولهذا يقال زرط الحمام.
وثانيا أن عمر رضي الله عنه قال إني أطرته يعني فضمنه وهذا قد يكون على سبيل الاحتياط وأما على سبيل الوجوب فليس بظاهر لأن هذا إنما أطاره لدفع أذاه وخوفه من أن يتأذى الرداء وهل نقول إن الإنسان إذا أراد أن يتخلص من أذى أحد فعليه الضمان؟ هذا بعيد.

فصل


القارئ: ويحرم قلع شجر الحرم وحشيشه كله لحديث ابن عباس (إلا الإذخر) وما زرعه الإنسان لأنه كالحيوان الأهلي.
الشيخ: قوله (إلا الإذخر) وجه الاستدلال بهذا الاستثناء على العموم ما ذكره بعض العلماء الأصوليين أنه قال الاستثناء معيار العموم وهذا صحيح لأن الاستثناء يدل أن الحكم يشمل ما سوى المستثنى فيكون في ذلك دليل على العموم وانتبه لقول المؤلف شجر الحرم وحشيشه حيث إن المراد بذلك الشجر المضاف إلى الحرم والحشيش المضاف إلى الحرم فأما شجرالآدمي الذي زرعه وحشيشه فلا يحرم ولهذا قال المؤلف وما زرعه إنسان وقوله لأنه كالحيوان الأهلي هذا في الحقيقة تعليل عليل بل نقول إن ما زرعه الإنسان لم يدخل في لفظ النص لأن لفظ النص أضيف الحشيش والشجر إلى الحرم فلا يحتاج إلى استثناء لأنه لم يدخل أصلا.
القارئ: وإن غرس شجرة فقال أبو الخطاب له قلعها لأنه أنبته الآدميون فأشبه الزرع وإن أخذه من الحرم فغرسه لم يبح قلعه لأنه حرمي ويحتمل كلام الخرقي تحريم قلع الشجر كله لقوله عليه الصلاة والسلام (ولا يعضد شجرها).
الشيخ: لكن كلام الخرقي رحمه الله الذي ذكر المؤلف أنه يحتمل ضعيف جدا والصواب كلام أبي الخطاب بلا شك أن الشجر إذا غرسه الآدمي فهو ملكه يتصرف فيه بما شاء وكذلك الزرع.
القارئ: وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه يباح قطع الشوك والعوسج لأنه بمنزلة السباع في الحيوان والحديث صريح في أنه (لا يعضد شوكها) واتباعه أولى.
الشيخ: أولى هنا بمعنى أوجب ولا شك أنه أوجب إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نص على الشوك قال (لايعضد شوكها) فكيف يجوز أن نقول يجوز قطع الشوك هذا مخالفة لنص صريح ومعلوم أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار.


القارئ: ولا بأس بقطع ما يبس لأنه بمنزلة الميت وأخذ ما تناثر أو يبس من الورق أو تكسر من الشجر والعيدان بغير فعل الآدمي لذلك وما قطعه آدمي لم يبح له ولا لغيره الانتفاع به في ظاهر كلام أحمد لأنه قطع محرم لحرمة الحرم فأشبه ذبح الصيد ولا يجوز أخذ ورق الشجر الأخضر لأن في بعض الألفاظ (ولا يخبط شجرها) ولأنه يضر بالشجر أشبه نتف ريش الطير.

فصل
القارئ: ويجب الجزاء في ذلك فيجب في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة لما روي عن ابن عباس أنه قال في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة والدوحة الكبيرة والجزلة الصغيرة وإن قطع غصنا ضمنه كأعضاء الحيوان فإن خلف مكانه فهل يسقط الضمان؟ على وجهين أحدهما لا يضمنه كشعر الآدمي والثاني يضمنه لأنه أتلفه وإن قلع شجرة لزمه ردها إلى موضعها كمن صاد صيدا لزمه إرساله فإن أعادها فيبست ضمنها لأنه أتلفها وإن نبتت كما كانت لم يضمنها كالصيد إذا أرسله وإن نقصت ضمن نقصها كالصيد سواء.
الشيخ: في هذا الفصل بين المؤلف رحمه الله الجزاء في شجر الحرم والصحيح أنه لا جزاء فيه لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما روي عن ابن عباس فإن صح عنه فإنه يحمل على أن هذا من باب التعزير والتعزير بالمال جائز على القول الراجح ويدل لعدم الوجوب أن الأصل براءة الذمة وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر تحريم قلع الشجر وقطعه لم يبين للناس جزاءً ولا يصح أن يقاس على الحيوان لأن الحيوان ذو روح مأكول يأكله الآدمي ويتنعم به والنفس تدعو إليه فجعل الجزاء ليكون ذلك أبلغ في الردع عن انتهاك الصيد فالقياس قياس مع الفارق.
السائل: قطع الإذخر لغير حاجة هل يجوز؟
الشيخ: هذا سؤال مهم الظاهر أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أجازه للحاجة.
فائدة: حكم ماتزرعه البلدية في الشوارع كحكم ما يزرعه الآدمي لنفسه.

فصل


القارئ: ويحرم قطع حشيش الحرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يختلى خلاها) ويضمنه بقيمته كما يضمن صغار الصيد بقيمته وإن استخلف، فهل يسقط الضمان؟ على وجهين.
الشيخ: يقول رحمه الله ويحرم قطع حشيش الحرم واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يختلى خلاها) وهذا حق والحكمة من تحريم قطع الأشجار والحشائش تأكيد الأمان في هذا المكان لأنه إذا كانت الأشجار والحشائش محترمة في هذا المكان والصيود وهي غير آدمية محترمة فالآدمي من باب أولى فالحكمة من ذلك تأكيد التحريم وتأكيد الأمان في هذا المكان وأما قوله ويضمنه بقيمته كما يضمن صغار الصيد فقد قدمنا أن القول الراجح أنه لا ضمان في شجرالحرم وحشيشه لعدم وجود الدليل في ذلك وأما قوله كما يضمن صغار الصيد فهذا فيه نظر فقد مر علينا في جزاء الصيد أن الصغير يضمن بمثله ولو قال كبيض الصيد لأنه لا مثل له لكان أقرب مع أن الاختلاف بين الحشيش وبين الصيد ظاهر لأن الصيد وردت الشريعة بجزائه وأما الحشيش والشجر فلم ترد.
القارئ: وفي إباحة رعيه وجهان أحدهما يباح لأن الحاجة تدعو إليه فأشبه قطع الإذخر والثاني يحرم لأنه تسبب إلى إتلافه كإرسال الكلب على الصيد.
الشيخ: هذا قياس في مقابلة النص وقياس لا يصح هل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه مائة من الإبل ومعه راحلته والصحابة معهم رواحلهم هل كمموا أفواهها؟ أبدا ولهذا لا حاجة إلى هذا القياس بل نقول إن الرعي لا بأس به بل إنه ثبت أن رسول الله رخص للرعاة أن يدعوا الرمي أيام التشريق بل يرمون يوما ويتركون يوماً إذاً لا شك في جواز الرعي وسواء رعت البهيمة بنفسها أو أرسلها ترعى لا فرق في هذا.
القارئ: وتباح الكمأة لأنه لا أصل لها فأشبهت الثمرة.
الشيخ: الكمأة هي الفقع وقوله الكمأة المراد كل أنواع الكمأة سواء كانت كمأة أو عساقل أو بنات الأوبر لأنها ثلاثة أصناف وإليها يشير الشاعر بقوله:


ولقد جنيتك أكمأً وعساقلاً ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
فالمهم أن الكمأة لا بأس بها فإذا وجدت كمأة في الحرم فلا بأس أن تأخذها.
إذا قال قائل إذا كان الحشيش قد ملأ الأرض واحتجت إلى وضع الفراش على هذا الحشيش ومن المعلوم أنه إذا وضع عليه الفراش فسوف يتكسر ويذبل وييبس فهل يجوز لي ذلك؟ نعم يجوز ولا شك في هذا لأن ذلك لا يمكن التحرز منه إطلاقا، وهل يضمن؟ إذا قلنا بالجواز فعلى قول من يرى أن فيه الضمان يضمنه لأنه أتلفه لمصلحة نفسه فهو كالرأس إذا حلقه لمصلحة نفسه ولكن كما علمتم أن القول الراجح أنه لا ضمان في الحشيش والشجر.

فصل
القارئ: ويكره إخراج تراب الحرم وحصاه لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كرهاه ولا يكره إخراج ماء زمزم لأنه يستخلف ويعد للإتلاف فأشبه الثمرة.
الشيخ: والصحيح أنه لا يكره إخراج الحصى فإن صح ما روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما فلعلهما خافا من أن يكون هناك غلو في هذه الحصاة وتعلق بها وأما إذا كان أمرا عاديا فلا كراهة لأن الحصى نفسه ليس له حرمة حتى نقول إنه أخرجه من مكان احترامه إلى مكان امتهانه.

فصل
القارئ: ويحرم صيد مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشجرها لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال (اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثلما حرم إبراهيم مكة) وفي لفظ (ولا يقطع شجرها) متفق عليه. ولا جزاء في صيدها وشجرها لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام فأشبه صيد وج.
الشيخ: هذا التعليل يسمونه تعليل اللقب ليس له تأثير في الواقع (لأنه موضع يجوز دخوله بلا إحرام فلم يكن في صيده جزاء كوادي وج) لكن للقائل أن يعكس فيقول فيه الجزاء لأنه صيد محرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلما حرم إبراهيم مكة) فجعل تحريم المدينة كتحريم مكة وعلى هذا يكون في صيدها الجزاء وفيه خلاف يذكره المؤلف رحمه الله.


القارئ: ولأن الإيجاب من الشارع ولم يرد به وعنه فيه الجزاء وهو سلب القاتل لآخذه لما روي أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاء أهل العبد فكلموه أن يرد عليهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم رواه مسلم وفي لفظ قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم وقال من وجد أحدا يصيد منه فليسلبه رواه أبو داود.
الشيخ: وهي رواية عن أحمد رحمه الله أن فيه الجزاء وهو سلب القاتل ولعل هذا والله أعلم من باب التعزير وليس من باب الواجب.
القارئ: وحد حرمها ما بين لابتيها بريد في بريد وقال أحمد هكذا فسر أنس بن مالك وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما بين لابتيها حرام) متفق عليه.
الشيخ: وقد ورد تحديد ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام (ما بين عير إلى ثور) وعير جبل معروف في المدينة ولا يزال حتى الآن بهذا الإسم وثور قيل أنه جبل صغير وراء أحد وهذه المسافة كما قال المؤلف بريد في بريد والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال.
السائل: هل يجوز قطع السدر في الحرم للحاجة قياساً على الإذخر؟
الشيخ: إذا عمت الحاجة في ذلك فلا بأس أما الحاجة الخاصة فقد يقال إنه يجوز وقد يقال لا يجوز لأن قطعه متحقق المضرة وهي مخالفة الشرع والانتفاع به في الدواء قد يفيد وقد لا يفيد أما لو اضطر إليه ليأكل فيسلم من الموت فهذا لا شك أنه جائز يعني لو أن إنسانا جائعاً ووجد شجراً له أوراق وهو محتاج إلى أكل هذه الأوراق وإن لم يفعل هلك فحينئذ نقول لا بأس للضرورة.

فصلٌ
القارئ: ويفارق حرم مكة في أن من أدخل إليها صيدا من خارج فله إمساكه وذبحه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول (يا أبا عمير ما فعل النغير) متفق عليه وهو طائر كان يلعب به فلم ينكر عليهم إمساكه.


الشيخ: سبق أن القول الراجح أنه يجوز إدخال الصيد إلى حرم مكة وهو ملك لصاحبه لا يلزمه إطلاقه ويجوز له ذبحه وعلى هذا فلا فرق يعني مثلاً لو اصطاد أرنبا خارج حرم مكة ودخل حرم مكة فهي له يمسكها ويذبحها ويأكلها وكذلك في الجراد لو أنه أمسك جرادا في خارج الحرم وملأ الأكياس منه فلما دخل الحرم فعلى المذهب يجب عليه أن يفك أفواهها ويطير الجراد ولكن هذا الجراد ملكه لو أن أحداً أمسكه خارج الحرم رجع عليه به لأنه ملكه ولكن الصحيح إذا دخل الحرم ومعه صيد فالصحيح أنه ملكه يمسكه ولا حرج عليه وعلى هذا فلا فرق بين مكة وبين المدينة وأما ما ذكره عن النغير فهذا طائر صغير مع شخص صغير يلعب به وكان قد فرح به فرحا كثيرا فمات فاغتم الصبي فكان النبي عليه الصلاة والسلام يمازحه يقول (يا أبا عمير ما فعل النغير) فاستدل به العلماء على فوائد كثيرة منها جواز تكنية الصغير لأنه كناه فقال يا أبا عمير ومنها مداعبة الصبيان ومنها جواز تسليط الصبي على الطيور يعني لو أمسكنا عصفوراً وأعطيناه الصبي فلا بأس لكن إذا شاهدناه يعذبه لا نمكنه.
القارئ: ويجوز أن يأخذ من شجرها ما تدعو الحاجة إليه للمساند والوسائد والرحل ومن حشيشها ما تدعو الحاجة إليه للعلف لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا يا رسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح وإنا لا نستطيع أرضا غير أرضنا فرخص لنا فقال القائمتان والوسادة والعارضة والمسند فأما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شيء) رواه الإمام أحمد.
الشيخ: ولقائل أن يقول ليس هذا بفرق لأن النبي صلى عليه وسلم استثنى من حرم مكة ما يحتاج الناس إليه كالإذخر وعلى هذا فيكون استثناء ما ذكر في المدينة لأن الناس أصحاب زرع وحرث فهم محتاجون لهذه الأشياء وعليه فلا يكون هناك فرق بين شجر مكة وشجر المدينة.


القارئ: فأما صيد وج وشجره وهو واد من أودية الطائف فحلال لأن الأصل الحل وقد روي فيه حديث ضعفه أحمد وذكره الخلال في كتاب العلل.
الشيخ: هذا الوادي معروف حتى الآن بوادي وج وهو واد كبير وقد ورد فيه حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمه ولكن الحديث ضعيف وعلى تقدير صحته فإنه يحمل على أنه حرمه أي حماه كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحمي بعض الأراضي لإبل الصدقة وإبل الجهاد وما أشبه ذلك.
وعلى هذا فلا يكون هناك حرم في الأرض إلا حرمان حرم مكة وحرم المدينة ويكون في قول بعض الناس إن المسجد الأقصى ثالث الحرمين يكون فيه نظر وذلك لأنه يوهم أنه حرم وإن كان من حيث اللغة لا يوهم لأنه قال ثالث الحرمين ولم يقل ثالث المحرمات فالإضافة إلى الحرمين لكن البعد عن الاشتباه أحسن فيقال ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال وهذا يكون مطابقا تماما للحديث.
السائل: قول بعضهم الحرم الجامعي ونحوه هل يجوز ذلك؟
الشيخ: هذا حرم لغوي لا شرعي مثل قول الفقهاء حريم البئر كذا وكذا فهو حرم لغوي لكن إن كان يخشى أن يشتبه على بعض الناس فليتجنب لكن الظاهر الآن أنه صار عرفا اصطلاحيا حرم الجامعة يعني ما ضمه سورها.
السائل: الآن ياشيخ دخلت الأشهر الحرم فهل للصبيان ونحوهم صيد العصافير؟
الشيخ: الطيور وخصوصا العصافير الآن الظاهر أنها ما تصاد لأنها بدأت تفرخ هذا وقت فراخها أما الأشهر الحرم فلا يمتنع فيها الصيد بل إن العلماء اختلفوا هل يحرم فيها القتال أو لا؟ أكثر العلماء على أن تحريم القتال منسوخ في الأشهر الحرم والصحيح أنه ليس بمنسوخ وأنه لا يجوز إبتداء الكفار بالمقاتلة في الأشهر الحرم ويجوز قتال الدفاع ويجوز استمرار القتال السابق عن الأشهر كما في قصة قتال الطائف فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتلهم في ذي القعدة.


مسألة: حرم المدينة أخف من جهة أن حرم مكة مجمع عليه ومن جهة أن حرم مكة يشرع لقاصده الإحرام ومن جهة أن حرم مكة فيه بيت الله عز وجل وقبلة المسلمين أما المدينة ففيها خلاف بين علماء السلف والخلف هل هي حرم أو غير حرم ولكن الصحيح أنها حرم.
السائل: الذي يسافر بمفرده بالطائرة في هذه الأيام فهل ينطبق عليه الحديث (المسافر شيطان) علماً بأن الطائرة مزدحمة بالناس؟
الشيخ: لا، كم في الطائرة من راكب؟ أقول هذه ما فيها إشكال، نحن الآن نرى أن المسافر في سيارته في الخطوط المعمورة ليس منفردا يعني مثلا عندنا الآن طريق الرياض القصيم لو ذهب الإنسان وحده في سيارته فهو غير مسافر وحده لأن الخط مملوء فهو كالذي يسير وحده بسيارته في داخل البلد.
السائل: أحسن الله إليكم شيخنا ما حكم إيداع مبلغ من المال في بنك ربوي عندما يأمر المسؤول بذلك؟
الشيخ: الموظفون ليس عليهم ذنب إذا أحيلوا على البنوك والذنب على من أودع في البنوك هذا إن كان في ذلك ذنب لأن الإيداع في البنوك إن كانت لا تتعامل إلا بالربا مائة بالمائة فالإيداع فيها حرام لأن المودع يعلم أن ماله سيذهب في الربا أما إذا كان للبنوك موارد أخري غير الربا كالمقاولات والتجارات وما أشبه ذلك فالإيداع فيها ليس بمحرم لكن تركها أولى.
السائل: أحسن الله إليكم يا شيخنا هل يجوز لشخص يحج مجانا لكونه عاملا أو نحوه أن يحج عن غيره حجة بدل ويستفيد من مال حجة البدل لنفسه؟
الشيخ: نعم إذا وافق من أعطاه المال فلا بأس وإلا فلا يجوز إلا إذا كان ذهابه مع هذه الحملة يعمل يعني بمعنى أنهم أسقطوا عنه النفقة والأجرة من أجل عمله فهنا لا بأس بذلك لأن أهل الحملة في هذا الحال لن يمنوا عليه.

فصل


القارئ: وما وجب من الهدي والإطعام جزاء للصيد لزم إيصاله إلى مساكين الحرم لقول الله تعالى (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) وكذلك دم التمتع والقران لأنه نسك فأشبه الهدي ودم فدية الأذى يختص بالمكان الذي وجب سببه فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالذبح والإطعام بالحديبية ولم يأمر بإيصاله إلى الحرم ونحر علي رضي الله عنه حين حلق رأس الحسين بالسقباء وفي معناه ما وجب بلبس أو طيب أو نحوه وقال القاضي ما وجب بفعل محظور فيه روايتان إحداهما محله حيث وجد سببه كفدية الأذى والإحصار والثانية محله الحرم لقول الله تعالى (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وقال ابن عقيل إن فعل المحظور لعذر يبيحه فمحل هديه موضع فعله وإن فعل لغير عذر فمحله الحرم وأما هدي المحصر فمحل نحره محل حصره لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية روى البخاري نحوه وبين الحديبية والحرم نحو ثلاثة أميال ولأنه جاز التحلل في غير موضعه للحصر فيجوز النحر في غير موضع النحر وعن أحمد لا يجوز نحره إلا في الحرم لقول الله تعالى (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) فعلى هذا يبعثه إلى الحرم ويواطئ من يبعثه على اليوم الذي ينحره فيه فيحل حينئذ وأما الصيام كله فيجزئه بكل مكان لأنه لا نفع فيه لأهل المكان فلم يختص بالمكان كرمضان.
الشيخ: هذه القطعة تفيد أن الدماء الواجبة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول ما يجب أن يكون في الحرم وهو جزاء الصيد ودم المتعة والقران وكل دم وجب لترك واجب فهذا يجب أن يكون في الحرم أي داخل حدود الحرم سواء في مكة أو في منى أو في مزدلفة أو في غيرها من الأمكنة المهم أن يكون داخل حدود الحرم.


والثاني ما يكون حيث وجد سببه وهو دم الحصار إذا أحصر الإنسان أي منع من الوصول إلى مكة فإنه يذبح هدي الإحصار حيث كان حصره ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نحر هديه في الحديبية حيث حصر ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يدخل الهدي إلى داخل الحرم بل نحره في مكانه ومعلوم أن الحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نازلا في الحل ويصلي في الجانب الحرمي منها.
الثالث ما وجب لفعل محظور كحلق الرأس ولبس الثياب وما أشبه ذلك غير جزاء الصيد فهذا على المذهب يخير بين أن يذبحه في مكان فعل المحظور لأنه مكان سببه أو في مكة لأن الأصل في الهدايا أن تبلغ الكعبة وهذا هو المذهب وهو الصحيح أن الإنسان يخير في ما وجب لفعل محظور سوى جزاء الصيد بين أن يذبحه في مكانه لوجود سببه فيه أو ينقله إلى مكة لأن الأصل في الهدايا أن تكون بالغة الكعبة.
وذكر المؤلف الخلاف في هذه المسألة أن بعض الأصحاب قال لا بد أن يوصله إلى مكة قياسا على جزاء الصيد وبعضهم قال بالتفصيل إن كان فعله لعذر ففي مكانه لحديث كعب بن عجرة وإن فعله لغير عذر فيجب أن يوصله إلى الكعبة أي إلى الحرم لكن المذهب هو الأول وهو الصحيح.
السائل: قول المؤلف رحمه الله وما وجب من الهدي والإحصار جزاء للصيد وجب إيصاله إلى مساكين الحرم فهل يعني هذا أنه لا يجوز إخراج لحم الهدي خارج مكة؟
الشيخ: الهدي الذي يجب توزيع جميعه لا يجوز أن يخرج عن مكة مثل ما وجب لترك واجب أو فعل محظور هذا لا بد أن يوزع جميع لحمه في مكة وأما الذي يجوز الأكل منه مثل دم المتعة فيجوز أن ينقل منه إلى خارج مكة بعد أن يذبح في الحرم لكن يجب أن يعطى فقراء الحرم منه ولكن إذا قبضته الدولة فالدولة نائبة عن الفقراء فإذا قبضته فكأنه قبضه الفقراء وحينئذ لها أن ترسله إلى الخارج.

فصل
(في وجوب الذبح في الحرم)


القارئ: وما وجب لمساكين الحرم لم يجز ذبحه إلا في الحرم وفي أي موضع منه ذبح جاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وطريق) رواه ابن ماجه مفهومه أنه لا يجوز النحر في غيره مما ليس في معناه.
الشيخ: إذاً لا بد فيما وجب في الحرم أن يذبح في الحرم ويفرق في الحرم وبناءً على ذلك لو أن الإنسان ذبح هدي المتعة والقران في عرفة كما فعله بعض الناس لأنها أوسع من منى وأوسع من مزدلفة فلو ذبح هديه في عرفة ثم دخل بلحمه إلى الحرم فإنه لا يجزئه لأنه لم يذبحه في مكان ذبحه.
وقيل إنه يجزئ لأن العلة في ذبحه في الحرم من أجل إيصاله إلى أهل الحرم وقد أوصله إذا دخل بلحمه إلى الحرم لكن الأقرب أنه لا يجزئ لأن المقصود أمران:
أحدهما أهم من الآخر الأمر الأول الذبح لله عز وجل وهو عبادة مستقلة بنفسه.
والثاني نفع الفقراء فإذا تخلف الأول وذبحه في مكان آخر ومن المعلوم أن الحل دون الحرم في الفضيلة يعني لو أنه ذبحه في الحرم فقد انتقل من مفضول إلى أفضل لكن كونه يذبحه في الحل فيذبحه في مكان مفضول معرضا عن الفاضل فهذا لا يجزئ فالصواب أنه لا يجزئ إذا ذبحه خارج الحرم ولو فرق لحمه في الحرم إذاً ما وجب في الحرم يجب ذبحه وتفريق ما يجب تفريقه من لحمه في الحرم.
القارئ: وإذا نحره وفرقه على المساكين فإن أطلقها لهم يقتطعونها جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنات خمسا ثم قال من شاء فليقتطع. رواه أبو داود.
الشيخ: إذاً إذا ذبحه جاز أن يفرقه بنفسه وأن يأذن للمساكين أن يأخذوا منه.


فإن ذبحه وتركه فإنه لا يجزئه إلا إذا كان حوله مساكين أخذوه أما إذا ذبحه ورمى به فلا يجزئه لأن الله قال (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) ومن ذبح ورمى به وليس حوله من يأخذه فلم يطعم فلا يجزئ وعلى هذا ما نشاهده في أماكن كثيرة في منى وحولها مما ذبح وترك لا يجزئ أهله لأنه لا بد من أمرين إما أن يفرق هو بنفسه اللحم الواجب تفريقه وإما أن يأذن لهم بأخذه.
القارئ: ومساكين الحرم من حله من أهله وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها لمن حضره.
الشيخ: وفيهم من ليس من أهل مكة فالحجاج الذين مع الرسول عليه الصلاة والسلام نحو مائة ألف وأهل مكة في ذلك الوقت قليل أقل بكثير من هذا فإذا قيل مساكين الحرم فالمراد من كان في الحرم من المساكين من مستوطن وغير مستوطن.
لم يذكر المؤلف رحمه الله ما الذي يجب توزيعه من الهدي فنقول القاعدة كل ما وجب جبرانا فإنه لا يؤكل منه كالدم الذي لترك واجب والدم الذي لفعل محظور فهذا لا يؤكل منه بل يعطى المساكين لأنه لجبران نقص أو انتهاك محرم فيكون كالكفارة وما وجب شكرانا فهذا يأكل منه الإنسان ويهدي ويتصدق مثل دم المتعة والقران فالإنسان يأكل منه ويهدي ويتصدق وما يجب بذله من ذلك فهو أقل ما يقع عليه اسم اللحم.


أما دم الإحصار فإن غلبنا جانب الجبران قلنا لا يؤكل وإن غلبنا جانب الشكران قلنا إنه يؤكل وإذا نظرنا إلى الأمر وجدنا أننا نغلب جانب الشكران أنه شكر لله عز وجل على التحلل من النسك الذي تلبس به ولهذا لا يجزئ هذا النسك عن الفريضة ولو كان جبرانا لأجزأ عن الفريضة لأنه يجبرها فهو من باب الشكران ولهذا عبر الله عنه كما عبر عن دم المتعة فقال جل وعلا (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وقال تعالى في التمتع (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وقال في جزاء الصيد وفدية الأذى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فدل ذلك على الفرق وعليه فدم الإحصار يجوز أن تأكل منه وأن تهدي وتطعم الفقراء لكن لا بد من إطعام الفقراء.
أما الزمن فدم المتعة والقران زمنه كزمن الأضحية يعني في يوم العيد وما بعده ثلاثة أيام.
وأما غيره فوقته وقت وجود سببه مثل ما وجب لفعل محظور أو ترك واجب أو ما أشبه ذلك فحيث وجد السبب.