تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة باب بيع النجشي والتلقي وبيع الحاضر لباد
وبيعه على بيع غيره والعينة
القارئ: وهي بيوع محرمة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر
لباد) متفق عليه ومعنى النجش أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغتر به
المشتري ويقتدي به فهو حرام لأنه خداع والشراء صحيح وعنه أنه باطل لأن
النهي يقتضي الفساد والأولى أصح لأن النهي عاد إلى غير العاقد فلم يؤثر فيه
وللمشتري الخيار إن غبن غبناً يخرج عن العادة سواء كان بمواطاة البائع أو
لم يكن لأنه غبن للتغرير بالعاقد فأثبت الخيار كتلقي الركبان ولو قال
البائع أعطيت بهذه السلعة كذا كاذبا فاشتراها المشتري لذلك فالبيع صحيح وله
الخيار لما ذكرناه.
الشيخ: هذا النجش محرم كما قال المؤلف رحمه
الله واستدل له بنهي النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من العدوان على حق
أخيه ثم ما هو سبب النجش؟ الجواب إما أن يكون كراهة للمشتري ويريد أن ينكد
عليه وإما أن يكون محاباة للبائع لأنه صاحبه أو قريبه فيريد أن يزيد الثمن
له وإما هذا وهذا يعني أنه يريد محاباة البائع ويكره المشتري فيريد أن يزيد
عليه الثمن وأما من زاد وهو يريد الشراء فهذا جائز باتفاق المسلمين ومازال
المسلمون يتزايدون في السلع فتعرض السلع فيقول هذا بعشرة ويقول الثاني بأحد
عشر والثالث بعشرين وما أشبه ذلك فبيع المزايدة ليس فيه بأس باتفاق
المسلمين ثم أنه إذا ثبت النجش فإن للمنجوش الخيار بين الإمضاء بالثمن الذي
استقر عليه العقد وبين الفسخ فإن قال قائل وهل تجعلون له الأرش بمعنى أن
تقولوا أمسك السلعة بثمنها المعتاد الخالي عن النجش كما قلتم في خيار
العيب؟ نقول لا لا نقول بهذا بل نقول للمنجوش إما أن تمسكها بالقيمة وإما
أن تردها لأن هذا ليس فوات مقصود في عين السلعة حتى نقول إنه مثل العيب بل
هذا زيادة في الثمن فإما أن تأخذها به وإما أن تردها ولو قال البائع أعطيت
في السلعة مائة ريال وهو كاذب؟ فإنه لا يجوز ويعتبر هذا من النجش فللمشتري
الخيار ولو أن البائع قدر قيمتها بأكثر بكثير من ثمنها الحقيقي وهذا يوجد
كثيراً في السباكة وغيرها فيقدر الشيء بأضعاف قيمتها والمحتاج سوف يشتري
فإذا تبين أنه قد زاد فهذا نجش للمشتري الخيار ولو قال البائع اشتريتها
بمائة وهو كاذب وإنما اشتراها بخمسين لكن قال بمائة من أجل أن يزيد الثمن
فهذا أيضاً من النجش ولو قال البائع للمشتري هي بثمانين وهو يبيع بستين لكن
جرت العادة أن الناس يماكسونه حتى ينزل من ثمنه إلى ستين فجاء رجل سليم
القلب وقال للبائع بكم هذه فقال البائع بثمانين فقال المشتري خذ هذه ثمانين
فهل يجوز أو لا؟ هذا لا يجوز بل نقول الواجب عليك إذا قدرت القيمة
بثمانين وأراد المشتري أن يأخذها أن تقول
أصبر أنا قدرتها بثمانين وحددت الثمن بثمانين بناءاً على أنك ستماكسني كما
يماكسني الناس أمَّا وأنت غير مماكس فإن قيمتها الحقيقة ستون فإذا قال
البائع هكذا وقال المشتري أنا أرضى بثمانين فهذا الأمر إليه لكن كون البائع
يحدد الثمن بزيادة عن القيمة بناءاً على أنه جرت العادة أنه يُماكس حتى
ينزل من القيمة ثم إن هذا المشتري أخذها بما حدها به فهذا لا يجوز ولابد أن
يبين البائع للمشتري أمر قيمة السلعة ومبنى المعاملات أن تعامل الناس بما
تحب أن يعاملوك به فهذا الصحيح ويُذكر أن جرير بن عبد الله البجلي وهو ممن
بايع الرسول عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم أنه اشترى فرساً
بمائتي درهم أو دينار - الشك مني - فلما أخذه وركبه وإذا هو يساوي أكثر
فرجع إلى البائع وقال إن الفرس يساوي أربعمائة فلما عاد ووجده جيداُ رجع
إلى البائع وقال يساوي ستمائة حتى أوصله إلى ثمانمائة وهذا هو الذي يبارك
له في بيعه وإن كان البائع الأول قد يكون عالماً بأن قيمته ثمانمائة لكنه
محتاج فباعه بمائتين من أجل أن يأخذ حاجته من الدراهم لكن لا شك أن من تمام
النصح إذا عرفت إن صاحبك إما مضطر وإما مغتر أن تحدد له الثمن الحقيقي.
السائل: ما الحد الأعلى فيما يأخذ البائع من الربح فأحياناً تكون بعض السلع
غير موجودة في البلد الذي هو فيه فيجلبها من الخارج ويكون مثلاً اشتراها
بمائة ولو قال بخمسمائة لشتراها منه الناس فما هو الحد الذي يأخذه ولا يكون
عليه حرام؟
الشيخ: الواجب أن ينظر إلى قيمة هذه السلعة في السوق.
السائل: إذا لم توجد في سوق البلد الذي هو فيه؟
الشيخ: ننظر في البلد المجاور وهو يعرف والتجار يعرفون.
السائل: لكن إذا كانت السلع النادرة مثلاً من خارج البلاد؟
الشيخ: أنا أرى أن هذا من جنس المحتكر فإذا
كانت السلعة لا توجد إلا عنده فإنه يبيع بما جرت به العادة من الربح ولا
يحتكر لكن المشكل أن بعض الباعة يقولون إذا قدرنا الثمن بقليل قال المشتري
هذا ليس بجيد وتركه وهذا يكثر في ملابس النساء فالمرأة إذا قلت لها هذا
الثوب بعشرين ريال وهذه هي قيمته قالت لا هذا ليس بجيد فتذهب لدكان الثاني
فإذا قال لها هذا بمائتين قالت هذا هو الطيب وأخذته وهذا واقع والآن يقولون
أنهم يشترون من بلاد مجاورة كالرياض مثلاً فيشترون الثياب الثوب بعشرين
ريال أو ثلاثين ريال ثم يأتون به إلى القصيم ويبعونه بثمانين ريال ويقولون
نخشى أن نقول بأربعين ونكسب عشرة تقول المرأة هذا ليس بجيد وتتركه وهذه
مشكلة ولكن نحن نقول لهم أنتم اتقوا الله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
السائل: أحياناً يجد الشخص الناس يتزايدون في السلعة فيقول نزيد في السعر
لا محاباة للبائع ولا إضرار بالمشتري أي أنه يزيد بدون غرض الشراء؟
الشيخ: هذا محرم هذا حرام عليه لأن هذا إضرار بالمسلمين فلا يجوز لابد أن
يكون لك غرض صحيح إما أنك تريد السلعة بنفسها أو أنها رخيصة في نظرك حتى
ارتفع سعرها وتركتها أو لأي غرض.
فصل
القارئ: وتلقي الركبان أن يخرج الرجل من المصر يتلقى الجلب قبل دخوله
فيشتريه فيحرم للخبر ولأنه يخدعهم ويغبنهم فأشبه النجش والشراء صحيح وعنه
أنه باطل للنهي والمذهب الأول لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو
بالخيار) رواه مسلم والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح ولأن النهي لضرب من
الخديعة أمكن استدراكها بالخيار فأشبه بيع المصراة وللبائع الخيار إن
غبن غبناً يخرج عن العادة فإن لم يغبن فلا
خيار له ويحتمل أن له الخيار للخبر والأول المذهب لأنه إنما يثبت لدفع
الضرر عن البائع ولا ضرر مع عدم الغبن والحديث يحمل على هذا وجعل النبي صلى
الله عليه وسلم له الخيار إذا هبط السوق يفهم منه الإشارة إلى معرفته
بالغبن فإن خرج لحاجة غير قصد التلقي فقال القاضي لا يجوز له الشراء لوجود
معنى النهي ويحتمل الجواز لعدم دخوله في الخبر والبيع للركبان كالشراء منهم
لأن النهي عن تلقيهم لدفع الغبن والشراء والبيع فيه واحد.
الشيخ: هذا أيضاً صحيح أنه يحرم تلقي الركبان ولكن ظاهر الحديث أنه لا فرق
بين الركبان الذين يعرفون السعر والذين لا يعرفون طرداً للباب وإلا فيحتمل
أن يقال الركبان الذين جرت العادة أنهم يجلبون السلع إلى هذا البلد وهم
يعرفون أقيامها لا بأس أن يتلقاهم ولكن يقال إنه ممنوع لأننا لو قدرنا أن
البائعين الذين تلقوا خارج البلد قد رضوا بالسعر بقي حق للآخرين الذين في
البلد لأن الإنسان إذا تلقى الركبان واشترى منهم قبل دخول البلد حَرَمَ أهل
البلد من السلع التي قد يريدها كثير من الناس ولا يستطيعون الخروج لها فصار
التلقي منهياً عنه مطلقا سواء كانوا قاصدين البلد وهم يعرفون أو لا ولكن هل
البيع يبطل أو يصح؟ الصواب الذي لا شك فيه أنه لا يبطل بل هو صحيح لكن
للبائع أن يختار أحد الأمرين إما أن يمضي أو لا يمضي ثم ذكر المؤلف هل له
الخيار سواء غبن أم لم يغبن وذكر في ذلك قولين فظاهر الحديث أن له الخيار
سواء غبن أم لم يغبن ويحتمل ألا يكون له الخيار إلا إذا غبن لكن الأخذ
بظاهر الحديث أولى أن للبائع الخيار فإن كان مغبوناً فليغبنه وإن كان غير
مغبون فلأجل تعزير هذا المتلقي الذي تلقى مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم
عن التلقي فيقال إن البائع له الخيار سواء غبن أم لم يغبن حتى يسد الباب
على المتلقين.
فصل
القارئ: وبيع الحاضر للبادي هو أن يخرج
الحاضر إلى جلَّاب السلع فيقول أنا أبيع لك فهو حرام للخبر ولأن فيه
تضييقاً على المسلمين إذ لو تُرك الجالب يبيع متاعه باعه برخص فإذا تولاه
الحاضر لم يبعه برخص وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله (لا
يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) وعنه لا بأس به وحمل
الخبر على أنه أختص بأول الإسلام لما كان عليهم من الضيق والمذهب الأول
للخبر والمعنى.
الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر ما هو أخصُّ من الدليل حيث أنه خصَّ البيع بما
إذا خرج الحاضر إلى البادي يعني تلقَّاه وقال أنا أبيع لك وظاهر الحديث
العموم وأن الحاضر لا يبيع للبادي مطلقا فيكون الحكم أخص من الدليل.
القارئ: قال أصحابنا إنما يحرم بشروط خمسة أحدها أن يكون الحاضر قد قصد
البادي ليتولى ذلك والثاني أن يكون البادي جاهلاً بالسعر لأنه إذا كان
عالماً به فهو كالحاضر والثالث أن يكون قد جلب السلعة ليبيعها فإن جلبها
ليدخرها فلا ضرر على الناس في بيع الحاضر له ذكر الخرقي هذه الثلاثة وذكر
القاضي شرطين آخرين أن يقصد بيعها بسعر يومها ويتضرر الناس بتأخير بيعه
فإذا اجتمعت هذه الشروط فالبيع باطل للنهي عنه وعنه أنه صحيح لأن النهي عنه
لمعنى في غيره.
الشيخ: ننظر إلى هذه الشروط هل الحديث
يؤيدها أم لا (لا يبيع حاضر لبادي دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ربما
نفهم من قوله (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) أنه يشترط أن يكون
البادي جاهلاً بالسعر لأنه إذا كان عالماً فلن يبيع إلا بالسعر وحينئذ لا
يحصل من ورائه كسب وكذلك ربما نأخذ الشرط أن يقصده الحاضر وأنه إذا قصده
البادي فإنه لم يرد أن يبيع برخص وإذا كان كذلك فيكون كالعالم بالسعر
ومازال الناس الآن على هذا تجد الرجل يأتي بسيارته مثلاً قادماً بها من
خارج البلد مما فيه الخضروات أو غيرها ثم يقف بها عند الدلال ويقول بعها لي
ولا يسع الناس العمل إلا بهذا ولو أن هذا الذي جاء جالباً قال له الحاضر لا
أبيع لأن هذا حرام ثم ذهب لثاني قال لا أبيع ثم ذهب لثالث قال لا أبيع فهنا
ربما يضطر إلى أن يبيع برخص شديد إذا لم يجد من يبيع له أو ربما يخرج إلى
بلد آخر ويبيع هناك فعمل الناس الآن على خلاف ذلك والظاهر أن اشتراط أن
يكون جاهلاً بالسعر وألا يقصده الحاضر الظاهر أنه يؤخذ من الحديث من
التعليل وهو قوله (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض).
القارئ: فأما شراء الحاضر للبادي فصحيح لأنه لا يضيق على الناس فيه فإذا
شرع ما يدفع به الضر عن أهل المصر لا يلزم شرع ما يتضرر به أهل البدو فإن
الخلق في نظر الشارع على السواء.
الشيخ: المعنى أنه إذا شرع ما يدفع به الضرر عن أهل المصر وهو عدم التلقي
لا يلزمه أن يشرع ما يتضرر به أهل البدو لأن الكل في نظر الشارع سواء
ومعلوم أنه إذا جاء البادي وقال للحاضر اشتري لي السلعة الفلانية أنه لا
ضرر لا على البادي ولا على أهل البلد.
فصل
القارئ: وأما البيع على بيع أخيه فهو أن
يقول لمن أشترى شيئاً في مدة الخيار أنا أبيعك مثله بدون هذا الثمن أو أجود
منه بهذا الثمن فيفسخ العقد ويشتري سلعته فيحرم للخبر ولأن فيه إفسادا
وشبهاً بالنجش وإن فسخ البيع فأشترى سلعته فالشراء باطل للنهي عنه وشراؤه
على شراء أخيه كبيعه على بيعه ويحتمل أن البيع صحيح لأن النهي لمعنى في غير
العقد.
الشيخ: قول المؤلف (لمن أشترى شيئاً في مدة الخيار) مفهومه أنه إذا انتهى
الخيار فلا بأس مثال ذلك اشترى شخص من زيد سيارة واشترط الخيار ثلاثة أيام
فذهب آخر إلى زيد وقال أنا أعطيك مثل هذه السيارة بأقل فهذا حرام لأنه
بإمكان المشتري الآن أن يفسخ البيع ويذهب ويشتري من الجالب الجديد فأما إذا
كان قد انتهى الخيار واشترى السيارة وتفرقا من المجلس فجاء آخر وقال لو
أتيت إليَّ لأعطيتك مثلها بأقل أو أحسن منها بمثل الثمن فظاهر كلام المؤلف
أن ذلك جائز والحديث عام (لا يبع بعضكم على بيع بعض) فيشمل ما في زمن
الخيار وما بعده لكن نعم لو طالت المدة فحينئذ لا بأس أن يأتي إلى الشخص
بعد شهر أو شهرين ويقول عندي مثلها بأقل وإنما قلنا إن الحديث عام لأن بيعه
على بيع أخيه بعد انتهاء مدة الخيار يوجب أن يقلق المشتري ويقول كيف غلبني
البائع فربما يكون في قلبه شيء على البائع ويعتقد أنه غشه وأنه خدعه وهذا
القول هو الصواب أنه يحرم سواء كان في مدة الخيار أو بعد انتهاء المدة لكن
هذا إذا كان في زمن قريب أما إذا بعد الزمن واحتمل تغير الأسعار واطمأن
المشتري لا بأس.
السائل: لو كان البائع ظالماً للمشتري فجاء آخر وقال للمشتري من باب
النصيحة ردّ هذه السلعة وتعال أنا أعطيك أحسن منها أو ردها؟
الشيخ: هذه قد نقول إنها مصلحة للمشتري
وليست للذي عرض عليه البيع يعني مثلاً لو أنه لما سأله قال اشتريت هذه
السيارة بعشرين ألف وعلم علم اليقين أن البائع قد خدعه وأنها لا تساوي إلا
عشرة فقال له ذلك فهذا من باب النصيحة وليس هناك ضرر ويكون الذي جنى على
نفسه البائع الأول.
فصل
القارئ: فأما سومه على سوم أخيه فننظر فيه فإن كان البائع أنعم للمشتري
البيع بثمن معلوم حرم على غيره سومه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال (لا يسم الرجل على سوم أخيه) رواه مسلم وإن لم ينعم له جاز
سومها لما روى أنس أن رجلاً شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الشدة والجهد
فقال له (ما بقي لك شيء) قال بلى قدح وحلس فأتاه
بهما فقال (من يبتاعهما) فقال رجل أنا أبتاعهما بدرهم فقال النبي صلى الله
عليه وسلم (من يزيد على درهم) فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه قال الترمذي
هذا حديث حسن ولأن فاطمة بنت قيس ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن معاوية
وأبا جهم خطباها فأمرها أن تنكح أسامة متفق عليه فإن ظهرت منه أمارات الرضى
من غير تصريح به فقال القاضي لا تحرم المساومة لخبر فاطمة ويحتمل أن تحرم
لعموم النهي وليس في خبر فاطمة إمارة على الرضى.
الشيخ: السوم على سومه كما قال المؤلف ينظر إن كان عارض السلعة قد أقتنع
ورضي بالسوم وما بقي إلا أن يطلق العقد فهنا يحرم السوم عليه لأنه عدوان
وأما إذا كان صاحب السلعة لم يرض بل قال من يزيد مثلاً فلا بأس تزيد على
سومه لأنك في هذه الحال لم تعتد عليه فصار السوم فيه تفصيل إن كان الجالب
قد اطمأن للسائم ورضي بذلك لكن لم يطلق العقد حرم السوم على سومه وإن كان
لم يرض بذلك ويعرف هذا بالقرائن أو بعرض صاحب السلعة السلعة على الناس فهنا
لا بأس أن تزيد.
فصل
القارئ: فأما بيع العينة فهو أن يبيع سلعة
بثمن مؤجل ثم يشتريها منه بأقل من الثمن حالا فلا يجوز لما روى سعيد عن
غُندر عن شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل قالت
دخلت على عائشة أنا وأم ولد زيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد إني بعت غلاماً
من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم
فقالت لها بئس شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب ولا تقول مثل هذا إلا توقيفاً
سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك ذريعة إلى الربا لأنه أدخل
السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة والذرائع معتبرة.
الشيخ: بيع العينة هي أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل ثم يشتريه من المشتري بأقل
نقداً مثل أن يبيع عليه هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى سنة ثم يعود ويشتريها
منه بأربعين ألفاً نقدا فهذه هي العينة وسميت عينة لأن البائع الذي باعها
أولاً احتاج إلى العين أي إلى النقد ولم يجد من يقرضه فأحتال على هذا بهذه
الحيلة على الربا والأصل سد الذرائع ومنع الحيل وقول عائشة رضي الله عنها
(أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
أن يتوب) إنما قالت ذلك لأن سيئة الربا سيئة عظيمة فهو من أكبر المحرمات
وهو من الموبقات التي عدها النبي صلى الله عليه وسلم فتكون هذه السيئة تطيح
بثواب الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا أن يتوب.
القارئ: فإن اشتراها بسلعة جاز لأنه لا ربا بين الأثمان والعروض وإن اشترها
بنقد غير الذي باعها به فقال أصحابنا يجوز لأن التفاضل بينهما جائز ويحتمل
التحريم لأن النساء بينهما محرم.
الشيخ: وهذا أقرب يعني مثلاً باعه السلعة
بذهب ثم اشتراها بفضة فالفقهاء يقولون لا بأس لأنه ليس بين الفضة والذهب
ربا فضل والمؤلف يقول (يحتمل التحريم) وذلك لأن الفضة بينها وبين الذهب ربا
نسيئة وهنا كأنه اشترى ذهباً بفضة إلى أجل وهذا محرم والمثال لو أنه اشترى
السيارة بخمسين ألف درهم مؤجلة ثم جاءه البائع وقال أعطنيها بعشرة دنانير
عشرة دنانير تساوي أربعين درهم فهذا لا يجوز والسبب لأنه حيلة على بيع ذهب
بفضة مع تأخير القبض فالاحتمال الذي ذكره المؤلف رحمه الله احتمال قوي.
القارئ: وإن اشتراها من غير المشتري أو اشتراها أبو البائع أو ابنه جاز.
الشيخ: صحيح لكن بشرط ألا يكون أبوه أو ابنه شريكاً له فإن كان شريكاً له
فلا يجوز ومثاله رجل باع هذه السيارة على زيد بخمسين ألف مؤجلة ثم اشترها
أبو زيد منه بأربعين نقداً فهنا لا بأس وذلك لأن مال الابن مستقل ومال الأب
مستقل أما إن كان شريكين فإنه لا يجوز.
القارئ: وإن نقصت السلعة لتغير صفتها جاز لبائعها شراؤها بأقل من الثمن لأن
نقص الثمن لنقصان السلعة.
الشيخ: وهذا صحيح لكن بشرط أن يكون النقص
من الثمن بمقدار نقص السلعة لا من أجل التأجيل والتعجيل أما إذا كان من أجل
التعجيل والتأجيل فهذا حرام مثال ذلك باع علي سيارة بخمسين ألف مؤجلة ثم
تغيرت صفتها بما ينقص عشر الثمن مثلاً فهنا لا نقول اشترها بما تريد من
الثمن بل نقول اشترها بحيث لا ينقص من الثمن إلا العشر فقط لأننا إذا
اعتبرنا النقص فلابد ألا ننقص عن سبب النقص وأعيد المثال للمرة الثانية
ونقول إذا باع هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى أجل ثم تغيرت صفتها بما ينقصها
عشرة آلاف فصارت الآن تساوي أربعين ألف فإذا اشتراها هذا الرجل وهو البائع
الأول بأربعين ألفاً فلا بأس لأن الذي نقص عن الخمسين في مقابل نقصها وأما
إذا اشترها بثلاثين ألفاً فلا يجوز لأنه الآن صار هناك نقص في الثمن مقابل
نقص السلعة وصار نقص آخر مقابل التعجيل والمهم أن كلام المؤلف ليس على
الإطلاق بل نقول إذا نقصت صفتها فلا بأس أن يشتريها بمقدار ما نقصت الصفة
فقط دون مراعاة التأجيل.
القارئ: وإن نقصت لتغير السوق أو زادت لم يجز شراؤها بأقل لما ذكرناه.
الشيخ: هذه مسألة نقصان السعر هل هو كنقصان القيمة أو لا؟ المذهب أن نقصان
السعر ليس كنقصان القيمة فلو فُرض أن هذه السيارة التي بيعت بخمسين ألف إلى
أجل نقصت قيمتها وصارت الآن لا تساوي إلا أربعين ألف إلى أجل فهل يجوز أن
يشتريها بأربعين؟ الجواب على كلام المؤلف لا لماذا لأن عين المبيع
ليس فيها نقص والنقص هنا إنما هو في رغبات
الناس وفي الجلب والطلب وتوضيحاً للمثال نقول باع الشخص هذه السيارة بخمسين
ألفاً مؤجلة إلى سنة فلو اشترها بأربعين ألفاً نقداً لا يجوز ثم تغير ثمن
السلعة وصارت لا تساوي إلا أربعين ألفاً مؤجلة فاشترها بأربعين ألف مؤجلة
يقول المؤلف إن هذا لا يجوز لأن نقص السعر غير معتبر مع أن البائع الأول
اشترها بما تساوي لو بيعت الآن مؤجلة إلى هذا الأجل لكن ما ذكره المؤلف
رحمه الله أحوط وأسد لباب الربا أن نقول حتى لو تغير السعر فلا تشترها أما
لو تغيرت لنقص العين فهذا يجوز بشرط أن يكون النقص عن الثمن في مقابلة نقص
العين بدون زيادة ولو سُدَّ الباب مطلقاً لكان أحسن أيضاً لأننا إذا قلنا
بشرط أن يكون النقص بقدر نقص العين ربما لا ينضبط هذا وربما يتجرأ الناس
ويجعلون الخدش اليسير ينقص به شيء كثير من أجل أن ينزلوا القيمة فسد الباب
أولى لكن لو باعها المشتري الذي اشترها بثمن مؤجل وباعها على آخر ثم اشترها
البائع الأول من الآخر بأقل فإنه يجوز ولو بأقل.
فصل
القارئ: فإن باعها بثمن حال نقده ثم اشترها بأكثر منه نسيئة لم يجز نص عليه
لأنها في معنى التي قبلها سواء.
الشيخ: هذه الصورة واضحة إنسان باع سلعة
بثمن نقد وأخذه ثم اشترها بثمن مؤجل مثل أن يبيع هذه السيارة بأربعين ألفاً
نقدا ويأخذها من المشتري ثم يعود ويشتريها منه بخمسين ألفاً إلى سنة وهذه
تسمى عكس مسألة العينة وفيها عن الإمام أحمد رحمه الله روايتان رواية يجوز
إذا لم يكن حيلة ورواية أخرى أنها كمسألة العينة ولا تجوز والصواب الرواية
الأولى وأنها تجوز إذا لم تكن حيلة لأن محذور الربا فيها بعيد في الحقيقة
والعينة إنما وردت فيما إذا باعها بمؤجل ثم أشترها بأقل منه نقداً لأن
الحيلة فيها واضحة أما هذه فلا فإن الحيلة فيها غير واضحة والأصل في
المعاملات الحل حتى يقوم الدليل على المنع والعجيب أن المؤلف رحمه الله ما
ذكر الرواية الأخرى عن الإمام أحمد وهي رواية حرب حيث نقل عن الإمام أحمد
أنها تجوز إذا كانت بلا حيلة.
فصل
القارئ: وإن باع طعاماً إلى أجل بثمن فلما حل الأجل أخذ منه بالثمن طعاما
لم يجز لأنه ذريعة إلى بيع طعام بطعام نسيئة فهو في معنى ما تقدم.
الشيخ: صورة هذه المسألة إذا باع براً بثمن مؤجل فلما حل الأجل أتى البائع
إلى المشتري وقال أعطني الثمن فقال المشتري ما عندي دراهم لكن عندي هذا
الشعير خذه عن البر يقول المؤلف إن هذا لا يجوز
لماذا؟ لأن البر بالشعير يجري بينهما ربا النسيئة ويخشى أن تكون الصفقة
الأولى ذريعة لبيع البر بالشعير بدون قبض هكذا قال والصحيح أنه جائز لأن
محظور الربا هنا بعيد فهذا رجل باع براً على شخص بدراهم فلما حل الأجل قال
ما عندي شيء لكن عندي هذا الشعير وليس عندي سواه أو قال عندي هذا الرز وما
عندي سواه فهل نقول هذا لا يجوز؟ هذا فيه نظر بل نقول يجوز لكن بشرط أن
يأخذها بسعر يومها فإذا كان الصاع من هذا الشعير يساوي ريالين فإنه لا يجوز
أن يأخذه بأقل بمعنى أن يقول أعطنيه بريالين إلا ربع لكي نزيد الاستيفاء
فهذا لايجوز لأنه حينئذ يكون ربح فيما لم يدخل في ضمانه.
القارئ: وكل شيئين حرم النساء فيهما لم يجز
أخذ أحدهما عن الآخر قبل قبض ثمنه وقياس قول أصحابنا في مسألة العينة أنه
يجوز هاهنا أخذ ما يجوز التفاضل بينه وبين الطعام المبيع.
الشيخ: هذا القياس هو الذي صححناه في الفقرة السابقة أنه لا بأس به فمثلاً
الشعير والبر يجوز بينهما التفاضل دون النساء فهنا نقول لا بأس إذا أخذه
لكن كما قلنا سابقاً بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يدخل في ضمانه.
فصل
القارئ: ومن اشترى مكيلاً أو موزوناً لم يجز له بيعه حتى يقبضه في ظاهر
كلام أحمد رضي الله عنه والخرقي وماعداهما يجوز بيعه قبل قبضه لقول النبي
صلى الله عليه وسلم (من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه) وقال ابن عمر
رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يُضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يبيعوه حتى يؤوه إلى رحالهم متفق عليهما وهذا لا يخلو من كونه
مكيلاً أو موزونا والحديث يدل بصريحه على منع بيعه قبل قبضه وبمفهومه على
حل بيع ما عداه وعن أحمد أن المنع من البيع قبل القبض يخص المطعوم لاختصاص
الحديث به وما ليس بمطعوم من المكيلات والموزونات يجوز بيعه قبل القبض وعنه
أن المنع يختص ما ليس بمتعين كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن وما بيع صبرة أو
جزافاً جاز بيعه قبل قبضه وهو قول القاضي وأصحابه لأنه يتعلق به حق توفيته
بخلاف غيره وعنه أن كل مبيع لا يجوز بيعه قبل قبضه لما روي عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار) رواه
أبو داود وقال ابن عباس أحسب كل شيء بمنزلة الطعام ولأنه لم يتم ملكه علي
أشبه المكيل والمذهب الأول.
الشيخ: هذه المسألة فيها عدة روايات الرواية الأولى وهي المذهب أيضاً أنه
إذا أشترى مكيلاً أو موزوناً سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم فإنه لا يجوز
أن يبيعه حتى يقبضه فإن باعه قبل قبضه فالبيع غير صحيح
والدليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من
ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) والدليل هنا أخص من المدعى فالدليل خاص
بالطعام والمدلول عليه وهو المدعى عمم في كل مكيل أو موزون لكن يقولون إن
الغالب أن الذي يُجلب في الأسواق هو الطعام وعلى هذا فتخصيصه بالطعام
بناءاً على الغالب وما كان مبني على الغالب فإنه لا مفهوم له وعليه فنلحق
به كل مكيل وموزون بيع بكيل أو وزن لأنه يحتاج إلى توفية إذ أن المشتري
يحتاج إلى أن يكيله أو يزنه لأنه بيع عليه بالكيل والوزن فلابد أن يكيله
ليعرف مقدار ثمنه والرواية الثانية أن المنع من البيع قبل القبض يختص
بالمطعوم وما ليس بمطعوم يجوز بيعه قبل القبض والرواية الثالثة أن المنع
يختص بما ليس بمتعين كقفيز من صبرة فمثلاً إذا كان هناك صبرة طعام يعني
كومة طعام باع عليَّ صاحبه قفيزاً منه فلا يجوز أن أبيع هذا القفيز حتى
يعين ويميز ويكال ويعطنيه وقبل ذلك لا يجوز لأنه مبهم فهو كغير المقدور على
تسليمه وما بيع صبرة جميعاً أو جزافاً جاز بيعه قبل قبضه والرواية الرابعة
أن كل مبيع لا يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً سواء مطعوم أو غير مطعوم وسواء
مكيل أو غير مكيل حتى لو كان حيواناً أو غير حيوان فالمهم كل مبيع لا يجوز
بيعه حتى يقبض ودليل ذلك ما أشار إليه المؤلف من الحديث أن الرسول صلى الله
عليه وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار) يعني إلي
رحالهم وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من
ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس رضي الله عنهما أحسب كل
شيء بمنزلة الطعام أو قال لا أحسب كل شيء إلا مثله يعني لا يباع حتى يقبض
وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يجوز بيع
الشيء حتى يقبض والعلة أنه إن كان يحتاج إلى توفية كالكيل والوزن فلأنه لم
يستوف بعد وإن كان لا يحتاج فلأنه إذا باعه فالغالب أنه لا يتعجل بيعه إلا
لربح
فيه وإذا ربح فيه وهو مكان البائع فإنه
سيبقى في قلب البائع شيء إما حسد وإما سوء ظن بالمشتري فيقول غبنني وما
أشبه ذلك فلهذا يمنع من بيع كل شيء في مكان الشراء حتى يحوزه المشتري إلى
رحله وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله واستنبطه ابن عباس من الحديث هو
الأقرب وفيه أيضاً أن الرسول (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها
التجار) فعليه نقول لا يباع الشيء في مكان شرائه حتى يحوزه المشتري لكن
يبقى عندنا إشكال وهو ما يباع في الأسواق ويجلب في محل البيع العام ثم
يبيعه البائع وينصرف فيأتي المشتري ويبيعه فهل نقول إن رفع يد البائع عنه
يعتبر قبضاً لأن السوق ليس للبائع بل السوق عام لكل أحد والتخلية بين
المشتري وبين السلعة يعتبر قبضاً؟ هذا هو الأقرب وعليه العمل تجد الآن
الفاكهي الذي يأتي بالفاكهة أو الخضروات أو ما أشبه ذلك يأتي إلى السوق
ويبيع حمولة السيارة ثم ينصرف ويبيعها الإنسان في مكان شرائها ولا يعد
الناس في ذلك غبناً ولا غرراً بل إن البائع نفسه يعرف أن المشتري سوف يربح
ولن يكون في نفسه شيء وهذا هو الذي لا يسع الناس العمل إلا به الآن يعني لو
قيل لابد أن يكون للجالبين مكان وللبائعين مكان آخر صار فيه ضيق على الناس
فهذا والله أعلم أقرب ونرجو ألا نكون أخطأنا فيه.
السائل: بالنسبة السيارات التي تباع في الموانيء البحرية تأتي السيارة من
الخارج وعليها سعر يسمونه سعر البطاقة يكون ملصقاً على زجاج السيارة
الأمامية فيأتي المشتري ويدفع السعر ويأخذ السيارة مع إن التجار المستوردين
حتى الآن ما ضموها إلى رحالهم ومعارضهم ووكالتهم؟
الشيخ: الظاهر أنها تدخل في هذا الحديث إلا إذا جرت العادة أن تنزيلها في
المكان هذا يعتبر قبضاً إذا جرت العادة أنه يعتبر قبضاً فهو قبض.
السائل: جرت عادة بعض التجار في بعض البلاد
ربما للحاجة أنهم يشترون البضاعة من مطعوم مثلاً قبل ورودها حتى إلى
الميناء بيوم أو يومين إذا أخبروا أن الباخرة التي تحمل هذه البضاعة ستصل
غداً مثلاً أو بعد يومين يبدؤن في بيع البضاعة؟
الشيخ: هذه لا يجوز بيعها بالتعيين أما بالوصف فلا بأس يقول بعت عليك مثلاً
مائة كيس رز بكذا وكذا وصفته كذا وكذا فهذا ليس فيه مانع ويكون متعلق
بالذمة لا بالحمولة أما لو باع ما في الحمولة فهذا غرر لأنه قد تعطب
السفينة بغرق أو غيره فلا يقدر عليها
السائل: لكن العادة أنه لو فعلاً غرقت سيستلم ماله؟
الشيخ: لكن يستلم ماله من أين ثم إذا قدرنا أنها إذا تلفت تتلف على حساب
البائع ربما يحصل مشاجرات ومنازعات وربما يطالب صاحب السفينة وتطول المدة
فيمنع من ذلك إلا إذا كان موصفاً في الذمة فلا بأس.
القارئ: وما بيع بصفة أو برؤية متقدمة فهو كالمكيل لأنه يتعلق به حق توفيه
فأشبه المكيل والموزون.
الشيخ: هذا إذا كان معين وبيع بالصفة وليس المقصود ما كان في الذمة لأن
الموصوف إما أن يكون في الذمة وإما أن يكون معين مثال المعين أن يقول بعت
عليك سيارتي التي في الموقف الموجودة الآن وصفتها كذا وكذا فهذا بيع معين
موصوف والذي برؤية متقدمة أن يكون المشتري قد رأى السيارة أمس وأتفق مع
مالكها اليوم فهذا معلوم برؤية متقدمة وهذا أيضاً لا يجوز بيعه حتى يقبضه
لأنه لم يستوفيه بعد.
القارئ: وما حرم بيعه قبل قبضه لم يجز بيعه لبائعه لعموم النهي ولا الشركة
فيه لأنه بيع لبعضه.
الشيخ: قوله (لم يجوز بيعه لبائعه) ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجوز
بيعه لبائعه لأن العلة من بيعه هو خوف الربح وأن يكون في قلب بائعه شيء
فإذا باعه لبائعه فلا بأس ثم إن ظاهر قوله (فلا يبيعه حتى
يقبضه أو حتى يستوفيه) يدل على أنه إذا كان
المشتري هو البائع فلا بأس لأن البائع قد قبضه والآن عند البائع وكذلك
أيضاً عند شيخ الإسلام يرى أنه إذا باعه بمثل الثمن أو أقل فلا بأس وكل هذا
في الحقيقة يعود إلى تخصيص العموم بالعلة ولكن التخصيص بالعلة لابد أن تكون
العلة مفهومة معلومة والعلة التي ذكرها الشيخ رحمه الله علة مستنبطة قد
يكون الرسول عليه الصلاة والسلام أرادها أو لم يردها فلهذا لا يقوى ذلك على
تخصيص العموم فالظاهر أنه لا يجوز بيعه لا على بائعه ولا إذا باعه برأسماله
لأن الحديث عام فيكون ما قاله المؤلف هو الأقرب.
القارئ: لعموم النهي ولا الشركة فيه لأنه بيع لبعضه ولا التولية لأنه بيع
بمثل الثمن الأول.
الشيخ: التولية كما عرفنا فإن شيخ الإسلام يجوزها ومعنى (الشركة فيه) أن
يبيع عليه بعضه مثلاً اشترى طعاماً قدره مائة صاع ثم باع منه خمسين صاعاً
فلا يجوز لأنه إذا منع بيع الكل منع بيع البعض إذ لا فرق والتولية أن يقول
بعتك إياه برأس ماله فالصواب أنه لا يجوز لعموم الحديث واختار شيخ الإسلام
رحمه الله أنه جائز وهذا يسمى تولية قد عرفنا فيما سبق في دراسة زاد
المستقنع أن البيع إما تولية والثاني شركة الثالثة مرابحة والرابع مواضعة.
القارئ: فأما الثمن في الذمة فيجوز بيعه لمن هو في ذمته لما روى ابن عمر
قال كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير ونبيع
بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
فقال (لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما شيء) رواه أبو داود.
الشيخ: وفي لفظ آخر قال (لا بأس أن تأخذها
بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فهو أوفى من هذا السياق الذي ذكره
المؤلف رحمه الله ومعنى الجملة أنه يجوز بيع الدين لمن هو في ذمته أيّ دين
كان سواء دراهم أو دنانير أو طعام أو أي شيء يجوز أن يُباع لمن هو في ذمته
ولكن بشرطين الشرط الأول أن يكون بسعر يومه والشرط الثاني القبض قبل التفرق
وهذا فيما إذا بيع بما لا يباع به نسيئة مثال ذلك إنسان في ذمته لشخص مائة
صاع بر فأراد أن يشتريها ممن هي له فقال أنا سأعطيك عوض عن هذه المائة صاع
بر بمائتي صاع شعير فهذا جائز لأن بيع البر بالشعير يجوز متفاضلاً لكن لابد
من القبض في نفس المكان لأن بيع البر بالشعير لابد فيه من التقابض ولابد
أيضاً أن يكون بسعر يومه بحيث تكون مائتين صاع من الشعير تقابل مائة صاع بر
في الثمن فإن كانت لا تقابل بأن كان الثمن مائتين صاع شعير أكثر من مائة
صاع بر فهذا لا يجوز لأنه لو فعل لكان قد ربح فيما لم يدخل في ضمانه وهذا
حرام ثم نأتي إلى حديث ابن عمر كانوا يبيعون البعير بعشرة دنانير ثم يأتي
المشتري ويقول خذ مني دراهم مائة درهم بعشرة دنانير أو يبيعها بالدراهم
ويأخذ عنها دنانير قال الرسول عليه الصلاة والسلام (لا بأس) لكن بشرط ألا
تتفرق قبل القبض لماذا؟ لأن بيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض في مجلس
العقد واللفظ الثاني (بسعر يومها) فلو
أخذها بغير سعر يومها مثاله باع البعير
بعشرة دنانير وقيمتها اليوم مائة درهم لكنه أخذ مائة وعشرة دارهم حرام لأنه
الآن جاءه ربح عشرة في سلعة لم تدخل في ضمانه لأنها مازالت في ذمة المشتري
ولو أخذ بدل عشرة دنانير تسعين درهم فهل يجوز؟ إن نظرنا إلى ظاهر الحديث
قلنا لا يجوز لكن إذا نظرنا إلى المعنى قولنا يجوز لأن هذا الرجل الذي أخذ
تسعين درهماً عن عشرة دنانير تنازل عن بعض حقه والرسول عليه الصلاة والسلام
قال (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها) احترازاً من الزيادة وأما النقص فلا بأس
وإنما اشترط النبي عليه الصلاة والسلام ذلك لأنه ليس من عادة الإنسان
غالباً أن يأخذ أقل من حقه فمنع الرسول عليه الصلاة والسلام من الزيادة لأن
هذه هو الغالب دون النقص لأنه نافذ لكن لو نقص فلا بأس.
القارئ: ولا يجوز بيعه لغير من هو في ذمته لأنه معجوز عن تسليمه فأشبه بيع
المغصوب لغير غاصبه.
الشيخ: يقول رحمه الله بيع الدين على من هو
عليه جائز وسبق أن فيه شروط الشرط الأول أن يبيعه بسعر بسعر يومه والثاني
إذا باعه بما يجري فيه الربا فلابد أن يقبضه بمجلس العقد وإذا باعه لغير من
هو عليه يقول المؤلف إنه لا يجوز مثاله في ذمة زيد لي مائة صاع بر فأتاني
آت وقال بيع عليَّ ما في ذمة فلان من البر فبعته عليه المؤلف يقول لا يجوز
وذلك لأنه غير مقدور عن تسليمه معجوز عن تسليمه إذ أن المشتري إذا ذهب إلى
من هو في ذمته قد يماطل به وقد ينكره ويحتاج إلى خصومه فهو غير مقدور على
تسلميه كالمغصوب فإنه لا يجوز أن يباع مادام في يد الغاصب لكن بعض أهل
العلم قال يجوز بشرط أن يكون المشتري قادراً على استنقاذه ممن هو في ذمته
فإذا كان قادراً فلا مانع وهذا له وجهة نظر وهو أنه معلوم مقدور على تسلمه
الآن لكن فيه إشكال من جهة أن الإنسان باع ما لم يدخل في ضمانه فهو كبيع ما
ليس عنده وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع مالا ليس عنده فهذا يجعل
الإنسان يتوقف في جواز بيعه ولو على قادر على أخذه أما المغصوب فقد سبق لنا
إنه إذا بيع على قادر على أخذه فإن البيع صحيح.
القارئ: وما كان من الدين مستقراً كالقرض فهو كالثمن وما كان غير مستقر
كالمُسلم فيه لم يجز بيعه بحال لا لصاحبه ولا لغيره لقوله عليه السلام (من
أسلَم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه أبو داود.
الشيخ: الدين المستقر كثمن المبيع على ما
سبق يعني يجوز بيعه على من هو عليه بالشرطين السابقين ألا يربح فيه وأن
يقبضه إذا باعه بما يشترط فيه القبض أما غير المستقر يقول لا يجوز بيعه لا
من هو عليه ولا على غيره ومثل لذلك بالمُسلم فيه والمُسلم فيه هو المبيع
وصورة المسألة أن يأتي الفلاح إلى التاجر ويقول أنا محتاج دراهم وليس عندي
شيء الآن فيتفق مع التاجر على أن يعطيه ألف ريال بخمسمائة صاع بر فيكون
الصاع بريالين ويتفق معه على هذا فيعطيه التاجر ألف ريال فنسمي هذا سلماً
لأن المشتري قدم
الثمن والبائع أخر السلعة المثمن إذا حل
الأجل فهل يجوز أن يبيع التاجر هذا المسلم فيه على المسلم إليه أو لا يجوز؟
يقول المؤلف إنه لا يجوز ثم أستدل بحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى
غيره) لكن الحديث ضعيف فلا يحتج به وثانياً ما المانع أن يقول للذي في ذمته
السلم أعطني بدله طعاماً آخر ما المانع؟ نقول الواقع أنه لا مانع والأصل في
البيع والشراء الحل لكن يحتاج إلى شيء وهو ألا يربح في هذا لأننا لو قلنا
بجواز الربح بقي كلما حل الأجل باعه بشيء آخر وربح وحينئذ يكون كآكل الربا
أضعافاً مضاعفة المثال بصورة أخرى لو أسلم ألف ريال بخمسمائة صاع فلما حلّ
الأجل قال صاحب الدين سلم الخمسمائة صاع قال المدين ما عندي لكن عندي
ستمائة صاع شعير فهل يجوز أن يعطيه عن البر شعيراً؟ الجواب على كلام المؤلف
لا يجوز وعلى القول الذي رجحناه يجوز بشرطين التقابض قبل لتفرق لأن بيع
البر بالشعير لابد فيه من التقابض والثاني ألا يربح بحيث تكون قيمة ستمائة
صاع شعير هي قيمة خمسمائة صاع بر ولو قلنا بجواز الربح وصارت قيمة ستمائة
صاع الشعير أكثر من قيمة خمسمائة صاع بر وقال الدائن نجعله شعيراً ستمائة
صاع فقال المدين لكن ما عندي شيء الآن إلا بعد ستة أشهر فجاءت الستة أشهر
وليس عنده شعير فحوله إلى بر بزيادة فيكون عمله كالذين يأكلون الربا
أضعافاً مضاعفة فكلما حل أجل نوع من الطعام أشترى به نوع آخر بزيادة فيكون
ربا كالذي يقول لمدينه إذا حل الأجل وهو ألف ريال قال ما عندي قال إذن
نجعله بألف ومائتين إلى سنة وحل الأجل في السنة الثانية فقال نجعله ألف
وأربعمائة وهكذا فهذا هو الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه وهو الذي قال الله
عنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً
مُضَاعَفَةً) والخلاصة أن دين السلم كغيره يجوز بيعه لمن هو عليه بشرط ألا
يربح ونزيد شرطاً آخر أن يكون القبض قبل التفرق فيما إذا باعه بشيء يشترط
فيه
القبض قبل التفرق، والخلاصة فيما سبق من
المسائل أن بيع الدين على ما هو عليه على القول الراجح جائز مطلقاً سواء
كان ثمن مبيع أو قرض أو قيمة متلف أو أرش جناية أو أي دين لكن بالشرطين
المذكورين إن كان مما يشاركه في علة الربا فإنه لابد من التقابض والشرط
الذي لابد منه على كل حال هو ألا يربح وإذا كان إذا باعه على غيره فإن كان
الغير غير قادر على أخذه فلا يجوز لأن هذه مخاطرة والغالب إن البائع الذي
باع الدين على فلان الغالب أنه سيكون الثمن أقل فسيبيع ما يساوي المائة
بثمانين والمشتري قد يقبض فيأتيه مائة بدل ثمانين وقد لا يقبض فيخسر
الثمانين فهذا لا يجوز لكن إذا كان المشتري قادراً على أخذه من المدين فهذا
جائز.
فصل
القارئ: وكل عقد ينفسخ بتلف عوضه قبل قبضه كالإجارة والصلح حكمه حكم البيع
فيما ذكرناه ومالا ينفسخ كالخلع والعتق على مال والصلح عن دم العمد جاز
التصرف في عوضه قبل قبضه طعاماً أو غيره وكذلك أرش الجناية وقيمة المتلف
والمملوك بإرث أو وصية أو غنيمة
إذا تعين ملكه فيه لأنه لا يتوهم غرر الفسخ بهلاك المعقود عليه جاز بيعه
كالوديعة والصداق كذلك قاله القاضي لأنه لا ينفسخ العقد بتلفه فهو كعوض
الخلع وقال الشريف وأبو الخطاب هو كالمبيع لأنه يخشى رجوعه بانفساخ النكاح
بالردة فأشبه المبيع.
الشيخ: هذا الضابط وهو أن كل عقد ينفسخ
بتلف عوضه قبل قبضه كالإجارة حكمه حكم البيع في أنه لا يجوز على غيره من هو
عليه ويجوز على من هو عليه الإجارة مثلاً استأجرت منك بعيراً كل يوم بعشرة
ريالات وقبضت البعير وتلف هل تثبت الإجارة أو ينفسخ العقد؟ الجواب ينفسخ
العقد أو استأجرت منك بيتاً سنة أو سنتين أو أكثر وانهدم البيت ما حكم
العقد؟ الجواب ينفسخ فالعقد هنا ينفسخ بتلف العين التي تم العقد عليها لكن
لو أن امرأة خالعت زوجها ثم لم تقدر على بذل الخلع فهل ينفسخ الخلع؟ الجواب
لا حتى لو خالعته على شيء معين وتلف على وجه تضمنه هي فإن الخلع لا ينفسخ
وعلى هذا فيكون التصرف فيه جائزاً لأنه حتى لو تلف أو عُجِز عن تسلميه
فالعوض باقي ولا ينفسخ فلا ضرر عليه ولكن القول الثاني أنه كالمبيع قول قوي
لا شك والعلة واحدة وهي عدم قدرة المشتري على الاستيفاء سواء كان عوض خلع
أو صداقاً أو قيمة متلف أو أرش جناية أو ثمن مبيع أو قرض أو أجرة فالذي
يظهر لي أن قول أبي الخطاب والشريف هو الصحيح أنه يجوز العقد على كل ما ثبت
في الذمة ثم إذا تم البيع فهو لازم لكن على من هو عليه أما على غير من هو
عليه فعرفتم أن المذهب لا يجوز والقول الثاني إذا كان قادراً عليه بلا مشقة
فلا بأس.
فصل
القارئ: وقبض كل شيء بحسبه المكيل المبيع
مكايلة قبضه كيله لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله) رواه مسلم وإن بيع جزافاً فقبضه
نقله لما روى ابن عمر قال (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه) رواه مسلم وقبض
الذهب والفضة والجوهر باليد وسائر ما ينقل قبضه نقله وقبض الحيوان أخذه
بزمامه أو تمشيته من مكانه ومالا ينقل قبضه التخلية بين مشتريه وبينه لا
حائل دونه لأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحياء
والإحراز والعادة ما ذكرناه وعنه أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية مع
التميز لأنه قبض فيما لا ينقل فكان قبضاً في غيره.
الشيخ: القبض يختلف وقد مر علينا حكم بيع الشيء قبل قبضه وحكم تلفه قبضه
وما أشبه ذلك فالقبض عليه مدار أحكام كثيرة لكن بماذا يحصل القبض؟ بينه
رحمه الله فقال (قبض كل شيء بحسبه) وعلى هذا
فيرجع في ذلك إلى العرف فما عده الناس
قبضاً فهو قبض المكيل المبيع مكايلة قبضه كيله وإن كان في مكانه فإذا باع
الإنسان هذه الصبرة كل صاع بدرهم فلا يكفي في قبضها أن ينصرف البائع ويقول
خذ صبرتك بل لابد من أن تكال فإذا كيلت فهذا قبض وإن كانت في مكانها وكذلك
إذا بيع جزافا فقبضه نقله أي نقله من مكانه إلى مكان المشتري أو إلى مكان
آخر إذا كان يريد أن يبيعه في سوق آخر وظاهر الأدلة أن ما يباع مجازفة في
السوق فإنه لا يجوز لمشتريه أن يبيعه حتى ينقله إلى سوق آخر والظاهر أنه
إذا كان السوق طويلاً ونقله من طرفه إلى طرفه الآخر كفى وسبق لنا أن عادة
الناس الآن أنا ما أوتي به إلى السوق العام فإن قبضه يكون بالتخلية بينه
وبين المشتري لأن السوق ليس ملكاً لفلان دون فلان أما الذهب والفضة قبضه
يكون باليد خذ وهات هذا قبض وأما ما ينقل يكون قبضه بنقله مثل الطعام إذا
لم يباع مكايلة أو الأدوات أو الآلات مثل مكائن السيارات وما أشبهها فهذه
يكون قبضها بنقلها وأما قبض الحيوان فيكون بأخذه بزمامه أو تمشيته عن مكانه
وهل يكفي أن يركب الحيوان بدون أخذ الزمام؟ نعم وظاهر كلام المؤلف أنه لا
يكفي لكن نقول إذا جرت العادة بأن ركوب المشتري للحيوان كأخذه لزمامه قلنا
هذا قبض مادام أن المرجع للعرف وأما ما لاينقل فقبضه التخلية بين مشتريه
وبينه ومثل ما لاينقل كالأخشاب والأشياء الكبيرة كالأحجار فهذا قد لا ينقل
بمعنى أن الشخص لو اشترى خشباً فإنه لا يمكن أن ينقله على الكتف ويمشي به
ولهذا يكفي التخلية بينه وبين المشتري ليحصل القبض ومن ذلك أيضاً البيوت لا
تنقل فإذا أعطاه المفتاح وخلا بينه وبينها فهذا قبض لها ولهذا علل فقال
المؤلف (لأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالأحياء
والإحراز) الإحياء يعني إحياء الأرض الميتة مثلاً إذا استولى شخص ما على
أرض بيضاء ليست ملكاً لأحد فهل تكون له بمجرد أن يضع يده عليها؟ الجواب لا
لابد من إحيائها والإحياء يكون بما جرت
العادة أنه إحياء وسيأتينا إن شاء الله في باب إحياء الموات وقوله
(الإحراز) الإحراز يعني الحفظ وليس له حد معين بل يختلف فحرز الذهب والفضة
يكون بالصناديق وراء الأبواب المغلقة وحرز الطعام يختلف إذا كانت البلاد
آمنة يمكن أن يكون إحرازه بأن تضعه على عتبة الباب في الدكاكين مثلاً
فتختلف الأحراز بحسب الأزمان وبحسب الأماكن وبحسب الولاة بعض الناس يكون في
بلد ولاته أقوياء يكون الحرز الضعيف جداً قوياً وكذلك يختلف باختلاف
الإيمان فالناس يختلفون إذا كان الشعب مؤمناً ويرى تحريم أخذ المال ويحترم
حدود الله عز وجل فهو ليس كالشعب المتهاون في ذلك، ثم قال المؤلف (وعنه أن
القبض في جميع الأشياء بالتخلية مع التميز) والتخيلة يعني أن يتخلى البائع
ويميز نصيب المشتري وهذا في غير ما بيع بالكيل أو الوزن قد يكون له وجهة
نظر وبناءاً على ذلك نقول الطعام الذي يباع جزافاً ويتخلى عنه صحابه يعتبر
هذا قبضاً له فيجوز بيعه ولو في مكانه.
فصل
القارئ: وما يعتبر له القبض إذا تلف قبل قبضه انفسخ العقد وهو من مال
البائع لأنه تلف قبل تمام ملك المشتري عليه فأشبه ما تلف قبل تمام البيع
فإن أتلفه المشتري أستقر عليه الثمن لأنه تلف بتصرفه فاستقر الثمن عليه كما
لو قبضه وإن أتلفه أجنبي لم ينفسخ العقد لأنه له بدلاً يرجع إليه فلم ينفسخ
العقد كما لو تعيب ويخير المشتري بين الفسخ والرجوع على البائع بالثمن لأنه
تلف بغير فعل المشتري أشبه ما لو تلف بفعل الله وبين إتمام العقد والرجوع
ببدله لأن الملك له.
الشيخ: إذا اشترى ما يعتبر له القبض فتلف قبل قبضه كالمكيل الذي اشتراه
مكايلة فإنه يعتبر له القبض فإذا تلف قبل ذلك فله أربع حالات:
الحالة الأولى أن يتلف بفعل الله عز وجل
مثل أن يحترق بنار أو سيل أو ما أشبه ذلك فهنا ينفسخ البيع ولا رجوع
للمشتري على البائع اشترى مثلاً هذه الصبرة من الطعام مكيالة فجاءها مطر
بدون تعدٍّ ولا تفريط من البائع واقتلعها وذهب بها فهنا نقول ينفسخ البيع
لأن المشتري في هذه الحال لا يمكن أن يرجع على أحد.
الحالة الثانية إن أتلفه المشتري استقر عليه الثمن لأن إتلافه إياه كقبضه
فلو أن المشتري أتلف ما اشتراه مكايلة بفعله كأن يحرقه بالنار أو ما أشبه
ذلك ولو خطأً فإنه يتلف عليه لأنه هو المتلف ولو قال قائل في هذه الحال
لماذا لا تجعلونه على البائع لأنه لم يُقْبض فيضمنه المشتري للبائع ثم يرجع
البائع على المشتري بما ضمَّنه إياه؟ نقول هذا تطويل بلا فائدة بل نقول إذا
أتلفه المشتري فإنه من ضمانه ويستقر عليه الثمن.
الحالة الثالثة إن أتلفه أجنبي لا البائع ولا المشتري وليس من فعل الله عز
وجل فهنا يخير المشتري بين أمرين إما أن يفسخ البيع ويرجع بالثمن على
البائع والبائع يرجع بالضمان على المتلف وإما يبقي العقد ويرجع على المتلف
والبائع انتهى سُلِّم حقه وانتهت القضية من جانبه لكن هل المشتري يختار
الفسخ ويرجع بالثمن أو يختار الإبقاء ويرجع على المتلف؟ لا شك أنه سوف يتبع
الأحسن له فإن كانت القيم قد زادت وارتفعت فسوف يختار إمضاء البيع والرجوع
على المتلف وإن كان العكس فسوف يختار فسخ البيع ويرجع على البائع.
القارئ: فإن أتلفه البائع احتمل أن يبطل العقد لأنه يضمنه إذا تلف في يده
بالثمن فكذلك إذا أتلفه وقال أصحابنا الحكم فيه حكم ما لو أتلفه أجنبي.
الشيخ: هذه هي الحالة الرابعة والذي ذكره الأصحاب هو الأقرب أنه إذا أتلفه
البائع خير المشتري بين الفسخ ويرجع بالثمن وبين الإبقاء ويرجع بقيمة
المتلف وهنا كما قلنا سابقاً سيختار الأصلح والأكثر له فصارت الأقسام الآن
أربعة:
1. إذا تلف بفعل الله.
2. إذا تلف بفعل المشتري.
3. إذا تلف بفعل أجنبي.
4. إذا تلف بفعل البائع.
القارئ: وإن تعيب قبل قبضه فهو كما لو تعيب قبل بيعه لأنه من ضمان البائع.
الشيخ: معناه أن العيب كالتلف إذا تلف المبيع قبل القبض فالعيب كالتلف
تماماً (1).
فصل
القارئ: وإذا باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه ولم تكن يد بائعها عليها أنفسخ
البيع لأن الثمن هلك قبل القبض بغير فعل آدمي فإن كانت يده عليها فهو
كإتلافه له وإن باعها مشتريها ثم هلك الشعير قبل قبضه أنفسخ العقد الأول
ولم يبطل الثاني لأن ذلك كان قبل فسخ العقد وعلى بائعها الثاني قيمتها لأنه
تعذر عليه ردها وهكذا إن كان بدله شقصاً فأخذه الشفيع انفسخ البيع الأول
وعلى المشتري رد قيمة الشقص ويأخذ من الشفيع قيمة الطعام لأنه الذي اشترى
به الشقص وعلى المشتري رد قيمة الشقص ويأخذ من الشفيع قيمة الطعام لأنه
الذي اشترى به الشقص.
فصل
القارئ: ومالا يحتاج إلى قبض إذا تلف فهو من مال المشتري لما روى حمزة بن
عبد الله بن عمر عن أبيه قال مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعا
فهو من مال المشتري ذكره البخاري وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه
وسلم إلا أن يمنعه البائع قبضه فيضمنه لأنه تلف تحت يد عادية أشبه ما لو
تلف تحت يد الغاصب وسواء حبسه على قبض الثمن أو غيره إلا أن يكون قد أشترط
عليه الرهن في البيع.
__________
(1) ثم رجع الشيخ للمخطوطة ووجد العبارة (كما لو تعيب قبل بيعه) كما في
المطبوعة، وقال إن العبارة غير واضحة – وكان الشيخ قد شرحها على أنها (كما
لو تعيب قبل قبضه).
الشيخ: الذي لا يحتاج إلى قبض يكون من ضمان المشتري بمجرد تمام العقد ولو
كان في مكانه عند البائع وقوله رحمه الله (ما لم يمنعه البائع من قبضه)
صحيح فإن منعه البائع من قبضه فالضمان على البائع ويضمنه ضمان غصب يعني
يضمنه بمثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان متقوماً وقوله رحمه الله (سواء
حبس على قبض الثمن أو غيره) فيه نظر والصواب أنه إذا حبسه على قبض الثمن
فلا ضمان عليه وكيف ذلك؟ يعني إذا باعه على شخص ثم راءه يريد أن يماطل
فللبائع أن يحبسه أي يحبس المبيع عنده ويقول إذا أتيت بالثمن أعطيتك إياه
هذا هو الصواب أما المذهب فلا لا يحبسه وإن حبسه فهو ضامن ويعللون قولهم
بأن الواجب عليه أصلاً ألا يبيع على شخص مماطل فلماذا لم يحتاط لنفسه
والجواب عن هذا الإيراد أن يقال ليس كل الناس إذا أراد أن يبيع على شخص ذهب
يسأل عنه هل هو مماطل أو غير مماطل والأصل دفع الثمن لا المماطلة فيه والذي
ذكرناه أنه يجوز حبس المبيع على ثمنه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
وهو الصواب. |