شرح زاد
المستقنع للخليل باب الغسل
• قال - رحمه الله -:
باب الغسل.
الغسل: هو استعمال الماء في جميع البدن على وجه مخصوص. هكذا عرفه الفقهاء
وقول الإنسان الغسل أسها من هذا التعريف. فما يتبادر إلى ذهن المسلم منى
معنى الغسل أسهل من هذا التعريف الذي يذكره الفقهاء.
• قال - رحمه الله -:
وموجبه: خروج المني.
يخرج من الإنسان أربع سوائل:
المني والمذي والودي والرابع من المرأة وهو ماء المرأة.
فيحتاج طالب العلم أن يعرف الفرق بينها.
فالمني: ماء أبيض ثخين أو غليظ. فهو ماء ولونه أبيض وثخين ورائحته وهو رطب
كرائحة العجين. ورائحته وهو يابس كرائحة البيض إذا جف.
المذي: ماء أبيض لكنه رقيق.
فيتوافق مع المني في أن كلاً منهما ماء وأبيض إلا أنه رقيق بخلاف المني فهو
ثخين. ومن علاماته الخروج بعد الملاعبة أو التفكير.
الودي: ماء أبيض ثخين. ومن علاماته الخروج بعد البول.
فإن قلت كل من المني والودي يشتركان بنفس التعريف: ماء أبيض ثخين لكن لا
يمكن أن يقع الخلط بين المني والودي لأن المني كما سيأتينا لا يخرج إلا
دفقاً ولأن الودي يخرج بعد البول.
ماء المرأة: الذي يقابل المني بالنسبة للرجل. قال الفقهاء ماء أصفر رقيق.
فحصل بهذا التفريق بين هذه المياه التي
تخرج وكل منها يوجب ما لا يوجبه الآخر - حسب التفصيل الذي سيأتينا في هذا
الباب.
• قال - رحمه الله -:
خروج المني دفقاً بلذة.
إذاً أول موجب من موجبات الغسل خروج المني دفقاً بلذة.
والدليل على أن هذا من موجبات الغسل مارواه أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - أنه قال: الماء من الماء.
الماء الأول ماء الاغتسال. والماء الثاني: يقصد به المني.
وهذا الحديث في صحيح مسلم.
إذاً حديث الماء من الماء. دليل على أصل المسألة وهو وجوب الاغتسال من خروج
المني.
ثم قال: دفقاً بلذة.
إذاً يشترط الحنابلة لوجوب الاغتسال بخروج المني أن يخرج دفقاً بلذة.
وهذا مذهب الحنابلة بل هو مذهب الجمهور. - الحنابلة والمالكية والأحناف.
واستدلوا بحديث علي بن أبي طالب - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
إذا فضخت الماء فاغتسل.
قال أهل اللغة: والفضخ هو خروج الماء على وجه الغلبة والسرعة.
فالحديث نص في أنه إذا لم يخرج فضخاً فإنه لا يوجب الاغتسال فإذا خرج من
الإنسان مني بسبب المرض فإنه عند الجمهور لا يوجب الاغتسال وإنما يوجب أن
يغسل الإنسان الموضع ويتوضأ فقط.
إذا يشترط لكي يوجب الاغتسال أن يخرج دفقاً بلذة.
وذهب الشافعية: إلى أن خروج المني بحد ذاته ولو لم يكن دفقاً ولا لذة يوجب
الاغتسال.
واستدلوا: بحديث أبي سعيد السابق الماء من الماء. والنبي - صلى الله عليه
وسلم - في هذا الحديث لم يشترط إلا خروج الماء.
أجاب الجمهور عن هذا الحديث بجوابين:
الأول: قالوا هو منسوخ بحديث علي.
والجواب الثاني: - وهو أقوى - أن الماء في حديث أبي سعيد يقصد به الخروج
الغالب وهو أن يكون دفقاً بلذة. لأن الأصل في خروج المني من الرجل أن يخرج
دفقاً بلذة.
أما خروجه بسبب مرض فهو أمر عارض لا يتحدث عنه النص.
إذاً نحمله على الغالب نحمل حديث الماء من الماء على الغالب.
وبهذا يكون ما قرره الجمهور وهو اشتراط أن يكون دفقاً بلذة يوجب الاغتسال
هو الصواب الذي تدل عليه النصوص.
بسم الله الرحمن الرحيم
• يقول المؤلف - رحمه الله -:
لا بدونهما من غير نائم.
معنى قوله لا بدونهما: أي أن المني إذا خرج بلا دفق ولا لذة فإنه لا يوجب
الاغتسال وهذا تقدم معنا.
لكن المؤلف أكد على هذا المعنى ليعطف عليه قوله من غير نائم.
المراد أن النائم ونحو النائم كالسكران والمغمى عليه والمجنون هؤلاء لا
يشترط في وجوب الغسل أن يكون خروج المني دفقاً بلذة بل مجرد خروج المني من
هؤلاء يوجب الاغتسال.
والأصل فيهم النائم: وقيس عليه المجنون والسكران والمغمى عليه.
الدليل: قالوا أن هذا الوصف - الوصف بدفقاً بلذة - لا يشعر به أمثال هؤلاء
فعلق الحكم على مجرد الخروج فإذاً النائم لا يشترط أن يكون دفقاً بلذة.
ولو وجدنا سكراناً على ثيابه آثار المني فنقول يجب أن تغتسل وكذا المغمى
عليه ولا يشترط أن يذكر هذا المعنى.
مسألة - مهمة يذكرها أهل العلم عند الحديث في أحكام النائم:
إذا استيقظ الإنسان من النوم ووجد بللاً فما الحكم؟
نريد أن نذكر هذا المعنى بصورة مبسطة فنقول:
إذا استيقظ النائم ووجد بللاً فإن المسألة لا تخرج عن ثلاث صور.
الأولى: أن يتحقق أنه مني: فنقول يجب عليك أن تغتسل ولو لم تذكر احتلاماً.
الثانية: أن يتحقق أنه ليس منياً. فلا جب عليه أن يغتسل وإما عليه الوضوء
وغسل ما أصابه هذا البلل من ثيابه وجسده.
الثالثة: إذا قال لا أدري: - وهذه الصورة محل الإشكال - فنقول في هذه
الصورة لا يخلو الأمر من ثلاث صور:
1. إما أن يسبق النوم تفكر أو ملاعبة فنقول هذا البلل مذي لأن المذي يخرج
بعد الملاعبة أو التفكر.
2. أو أن يذكر احتلاماً فنقول هذا البلل مني ويجب عليك أن تغتسل
3. أن يتردد ولا توجد قرائن أخرى فهنا اختلف الفقهاء رحمهم الله:
القول الأول: من الفقهاء من قال يجب أن يغتسل وهو مذهب الحنابلة واختيار
ابن القيم لأن الأصل في الخارج من النائم أن يكون منياً.
والقول الثاني: قالوا: أنه لا يجب بهذا البلل شيء لأن الأصل السلامة وعدم
الوجوب.
وهذا القول هو الراجح.
فلو قيل لك: متى يجب على النائم إذا استيقظ ووجد بللاً أن يغتسل؟
فتقول: في صورتين: - أن يتيقن أنه مني
- أن يتذكر احتلاماً وإن لم يتحقق أنه مني.
في ما عدا هاتين الصورتين على القول الراجح
لا يجب على من وجد بللاً أن يغتسل وهذا في الحقيقة ضابط يريح كثيراً من
الناس وهذه كما تعلمون مسألة تمس الحاجة إليها ويقع فيها كثير من الناس.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له.
هذه المسألة من مفردات الحنابلة وهي:
أن الاغتسال يجب بمجرد انتقال المني. دليلهم: قالوا: إذاً انتقل من مكانه
فقد صدق عليه اسم الجنابة لأن الجنابة مشتق من البعد وهذا باعد مكانه.
وإذا كانت الجنابة شتقة من البعد صدق على هذا الشخص الذي انتقل منيه من
مكانه أنه أصابته جنابة.
والقول الثاني: أن انتقال المني بمجرده بلا خروج لا يوجب الاغتسال.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - الماء من الماء ولحديث أم سلمة أنها
قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - نعم إذا هي رأت الماء.
ففي الحديثين تعليق وجوب الغسل بخروج المني لا بمجرد الانتقال.
وفي الحقيقة هذه من أضعف مفردات الحنابلة.
والراجح قول الجمهور وهو عدم الوجوب.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن خرج بعده لم يعده.
يعني إذا انتقل المني من مكانه ثم اغتسل ثم خرج بعد ذلك مني يعني بعد
الاغتسال فإنه لا يجب عليه أن يعيد الاغتسال لسببين:
الأول: أنه موجب واحد فلا يوجب غسلين.
والثاني: أن خروج المني عادة سيكون بدون دفق ولا لذة - وتقدم معنا أن خروجه
بهذه الصفة لا يوجب الاغتسال.
إذاً انتهينا من تحرير مذهب الحنابلة في مسألة انتقال المني وعرفنا تفصيل
القول عندهم رحمهم الله. والقول الثاني وأيهما أقرب إلى الدليل.
• قال - رحمه الله -:
وتغييب حشفة أصلية في فرج أصلي، قبلاً كان أو دبراً، ولو من بهيمة أو ميت.
الموجب الثاني من موجبات الغسل: تغييب الحشفة فإذا غيب الإنسان الحشفة في
فرج أصلي فقد وجب عليه الغسل.
- وضابط التغييب أن يتحاذى محل القطع منه ومنها فإذا تحاذى المحلان فقد وجب
الاغتسال ولا يمكن أن يكون محل القطع من الذكر محاذياً لمحل القطع من فرج
الأنثى إلا بتغييب قدر الحشفة.
والدليل على الوجوب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة
الصحيح إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل.
وفي رواية في صحيح مسلم وإن لم ينزل.
فإذاً عرفنا من كلام المؤلف أن تغييب
الحشفة بمجرده يوجب الاغتسال وإن لم ينزل المجامع وقد كان عدد من أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - يرون أنه لا يجب الاغتسال إلا بالإنزال وإن
أولج بلا إنزال فلا غسل ثم لما بلغهم أن هذا الحكم منسوخ رجعوا إلى الحكم
الناسخ وهو ما في حديث أبي هريرة من وجوب الغسل وإن لم ينزل.
وعلى هذا استقر الأمر بين العلماء أن مجرد الإيلاج يوجب الاغتسال وإن لم
ينزل.
قوله: حشفة أصلية في فرج أصلي: إذاً يجب أن تكون الحشفة أصلية والفرج
أيضاً أصلي احترازاً من الخنثى لأن آلة الخنثى زائدة ولا حكم للزائد ولا
حرمة له لأنه عضو زائد لا تتعلق به الأحكام.
إذاً عرفنا أن هذا القيد قيد معتبر.
• ثم قال - رحمه الله -:
قبلاً كان أو دبراً.
سواء أولج الرجل في القبل أو أولج في الدبر فإن الغسل واجب أما القبل فأمره
واضح وأما الدبر فقال الفقهاء الدبر فرج أصلي فيصدق عليه أنه إذا أولج فيه
وجب الغسل.
وهنا نتنبه إلى قاعدة أشار إليها عدد كبير من الفقهاء المعاصرين
والمتقدمين:
أن الفقهاء أحياناً يذكرون المثال ويبينون حكم المثال بغض النظر عن الحكم
التكليفي للفعل.
فجماع الزوج لزوجته من الدبر محرم بل اعتبره عدد من العلماء من الكبائر
ومنهم الذهبي ولكن المؤلف لا يريد بيان حكم الجماع مع الدبر وإنما يريد
بيان أحكام الغسل فلا يؤخذ من هذا الموضع حكم الجماع في الدبر.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولو من بهيمة أو ميتة.
يعني أنه يجب الإغتسال حتى لو جامع بهيمة أو حتى لو جامع امرأة ميتة.
الدليل: قالوا: الدليل أن النصوص عامة لم تفرق بين الحي والميت. فالماء من
الماء عام.
والقول الثاني: أن جماع الميتة لا يوجب غسلاً لأن النبي - صلى الله عليه
وسلم - يقول ثم جهدها والميتة لا تجهد لأنها ميتة والصحيح مذهب الحنابلة.
أن هذا يوجب الغسل لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - ثم جهدها خرج مخرج
الغالب لا للتقيد.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإسلام كافر.
الموجب الثالث: إسلام كافر. د
ذهب الحنابلة واختاره ابن القيم إلى أن إسلام الكافر يوجب الاغتسال
واستدلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسلم قيس بن عاصم أمره بأن
يغتسل والأمر دليل الوجوب.
وذهب الجمهور إلى أن اغتسال الكافر إذا أسلم لا يجب.
واستدلوا: بأن عدداً كبيراً من أصحاب النبي
- صلى الله عليه وسلم - ومن الوفود التي وفدت عليه أسلموا ولم ينقل أنه
أمرهم بأن يغتسلوا. ولو أمرهم لنقل.
ودليل الجمهور في الحقيقة دليل قوي.
أي القولين أرجح؟
في الحقيقة المسألة الخلاف فيها قوي والاحتياط أن يغتسل لأن الأدلة فيها
نوع تعارض وقوة في الاستدلال والثبوت.
• ثم قال - رحمه الله -:
وموت.
الموت يوجب الغسل: فيجب على أولياء الميت أن يغسلوه.
والدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات الحاج الذي وقصته الناقة
قال اغسلوه بماء وسدر فأمر بغسله لما مات وأيضاً في حديث أم عطية أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال للنسوة اللاتي غسلن ابنته اغسلنها ... الحديث.
وهذا أمر وهو يدل على الوجوب.
ولا أعلم أن في المسألة خلافاً.
فصار الدليل من الإجماع والسنة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وحيض.
من موجبات الغسل الحيض لقوله تعالى {حتى يطهرن فإذا تطهرن} قال المفسرون
معنى قوله فإذا تطهرن أي اغتسلن والأولى حتى يطهرن: أي حتى يتوقف الحيض
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمستحاضة فإذا ذهبت عنك - يعني الحيضة
- فاغتسلي.
فصار الدليل مركب من الآية والحديث. وأيضاً هو محل إجماع.
• ثم قال - رحمه الله -:
ونفاس.
وهو الموجب السادس. النفاس موجب من موجبات الاغتسال والدليل عليه الاجماع
فلم يختلف العلماء في وجوب الاغتسال وأيضاً القياس على الحيض.
• ثم ذكر مسألة من مسائل النفاس فقال - رحمه الله -:
لا ولادة عاريَة عن دم.
يعني أن المرأة إذا ولدت ولم يخرج مع الولد دم مطلقاً - فهي طاهرة مباشرة
ولا يجب عليها اغتسال أصلاً. وهل يتصور أن تلد المرأة بلا دم؟
قال الأطباء والفقهاء: أنه يتصور وقد وقع.
الأمر الثاني: مالدليل على أن المرأة إذا ولدت بلا دم لا غسل عليها.
الدليل أن الشارع الحكيم: إنما أمر النفساء بالاغتسال لخروج الدم بدليل أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى الحيض نفاساً فقال لعائشة في الحج أنفست.
فعلمنا من هذا الحديث أن موجب الاغتسال هو خروج الدم لا مجرد الولادة وهذه
المسألة قليلة الوقوع لكن لا بد من معرفة حكمها الشرعي.
لما انتهى من تعداد موجبات الغسل انتقل إلى ما يترتب على هذا الحدث الأكبر.
• فقال - رحمه الله -:
ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءَة القرآن، ويعبر المسجد لحاجة، ولا يلبث فيه
بغير وضوء.
ومن لزمه الغسل: من هو الذي يلزمه الغسل؟
الحائض والجنب والنفساء.
الحائض والنفساء حكمهما واحد.
والجنب حكمه مستقل.
بعد أن عرفنا من الذي يلزمه الغسل فنبدأ بأحكام كل من واحد من المشمولين
بهذه العبارة:
أولاً: الجنب: ذهب جماهير الأئمة - منهم الائمة الاربعة وغيرهم من الفقهاء
إلى أن الجنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن واستدلوا بحديث علي أنه قال لا
يحجب النبي ‘ عن القرآن شيء ليس الجنابة.
وهو نص في أن النبي ‘ إذا كان جنباً أنه لايقرأ القرآن.
وهذا الحديث ضعفه الإمام أحمد ومال الإمام الدارقطني إلى أنه موقوف على
علي.
الدليل الثاني: أنه صح عن أمير المؤمنين عمر أنه كره للجنب أن يقرأ القرآن.
وفي الباب أدلة كثيرة ومنازعات لكن لا يصح في هذا الباب أي حديث مرفوع إلى
النبي ‘.
القول الثاني: وذهب إليه: قلة من أهل العلم منهم ابن عباس فقد صح عنه في
صحيح البخاري أنه يرى جواز قراءة الجنب للقرآن.
وذهب إلى هذا القول سعيد بن المسيب وداود الظاهري ونصره بقوة ابن حزم.
واستدلوا بحديث عائشة أنها قالت كان النبي ‘ يذكر الله على كل أحيانه.
والقرآن ذكر.
واستدلوا بأنه لا يوجد دليل على المنع والخلاف في هذه المسألة قوي
والاحتياط فيها متعين ومن حيث الأدلة فإن الراجح الجواز.
مالجواب عن أثر عمر -؟ - فإنه يجب أن يعتاد طالب العلم أن يقف مع آثار
الصحابة ويقف أكثر مع أقوال الخلفاء الأربعة.
وأن لا تمر عليه الآثار عن أبي أو عمر أو عثمان أو علي هكذا.
الجواب: أن قاعدة الإمام أحمد أن الصحابة إذا اختلفوا اجتهدنا نحن في النظر
في الأدلة. وهنا اختلفوا فقد صح عن ابن عباس قول يختلف عما صح عن علي وعمر
فننظر في الأدلة وإذا نظرنا فيها فإنه لا يوجد ما يدل على التحريم مع كثرة
اتصاف المسلمين في العهد النبوي بالجنابة. وإن كان كما قلت أن الاحتياط في
هذه المسألة متعين لأن الجماهير والائمة الاربعة والفقهاء السبعة إلا سعيد
بن المسيب كلهم يرون التحريم.
ثانياً: الحائض: أيضاً ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز للحائض أن تقرأ القرآن
واستدلوا بحديث ابن عمر لا أحل القرآن لحائض ولا جنب والجواب عليه أنه حديث
ضعيف.
والقول الثاني: الجواز - جواز قراءة الحائض
للقرآن - وهو رواية عن الامام أحمد ومذهب مالك واختيار شيخ الاسلام ابن
تيمية وأيضاً نصره ابن حزم.
- إذا قيل لك - قبل ذكر الأدلة أيهما أقوى - أي أيهما الاحتياط فيه أهون في
قراءة الجنب أو في قراءة الحائض؟
الجواب: الحائض. إذاً الخلاف في الحائض أقوى لأن كثيراً من أهل العلم يرى
أن الاختلاف في قراءة الجنب ضعيف وأن الأصل أنه لا يقرأ.
وقالوا - أصحاب القول الثاني: أنه لا يوجد دليل صريح صحيح يدل على منع
الحائض من قراءة القرآن.
والدليل الثاني: أن النبي ‘ قال لعائشة لما حاضت في الحج افعلي ما يفعل
الحاج غير أن لا تطوفي فلم يستن إلا الطواف ومعلوم أن الحاج كثير العبادة
وأن من أعظم العبادات في عشر ذي الحجة للحاج وغيره قراءة القرآن ومع ذلك لم
يمنعها إلا من الطواف.
وإذا كان الراجح في الجنب جواز قراءة القرآن فمن باب أولى في الحائض.
لا حظنا أن مجموعة من أهل العلم فرقوا بين الحائض والجنب في هذه المسألة
وهذا التفريق شن عليه ابن حزم حملة قوية جداً وقال أن هذا التفريق ليس له
أي معنى. كيف تفرقون بين الحائض والجنب؟
فإن قلتم أن مدة الحيض أطول من مدة الجنابة: قال هذا دليل عليل وضعيف
لماذا؟ لأن القراءة إذا كانت محرمة لا يؤثر فيها طول وقصر المدة.
وبحث ابن حزم في هذه المسألة بحث جيد من حيث الاستدلال وإن كان لا يوافق
أبدا على الالفاظ التي يستخدمها في حق الائمة لأنه ’ يستخدم أساليب وألفاظ
قوية لاتنبغي مع الائمة وهذا يجب ان يحذر منه طالب العلم إذا قرأ في المحلى
فإنه ليس من أخلاق أهل العلم أن يستخدموا ألفاظاً غير مهذبة مع أقوال
الأئمة وإن كان الإنسان يرى أنها مرجوحة.
• ثم قال ’:
ويعبر المسجد لحاجة.
أفادنا المؤلف حكمين:
أولاً أنه يجوز للجنب أن يعبر.
ثانياً: أنه يجوز بشرط الحاجة.
هذا مذهب الحنابلة الدليل: استدلوا: بقوله سبحانه وتعالى: ولا جنبا إلا
عابري سبيل.
فالآية نصت على جواز عبور المسجد بالنسبة للجنب.
يحتاج الحنابلة الآن على دليل: اشتراط
الحاجة والواقع ليس لهم دليل ولذلك القول الثاني: وهو مذهب الحنابلة جواز
المرور ولو لغير حاجة والدليل عموم الآية لأن الآية لم تفرق بين وجود
الحاجة وعدمها.
وهذه المسألة من المسائل التي خالف فيها الماتن المذهب الاصطلاحي للحنابلة.
فإذا قيل لك: ماهو مذهب الحنابلة فماذا تقول؟
جواز المرور مطلقاً.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يلبث فيه بغير وضوء.
أفاد المؤلف - رحمه الله - أيضاً حكمين:
الأول: أنه لايجوز للجنب أن يلبث في المسجد.
الثاني: أنه يجوز إذا توضأ.
فنحتاج دليلاً: للأمرين:
الدليل على أنه لا يجوز للجنب أن يلبث في المسجد. قوله تعالى: ولا جنباً
إلا عابري سبيل.
فغير العابر ممن يريد اللبث لا يجوز له أن يبقى في المسجد بصريح الآية.
بقينا في الدليل على أنه يجوز اللبث إذا كان بوضوء:
الدليل أثر عن عطاء بن يسار وهو من كبار التابعين. قال رأيت عدداً من أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - يبيتون ويمكثون في المسجد وهم جنب إذا توضؤوا
وضوء الصلاة.
وهذا الأثر اسناده إلى عطاء جيد وممن صححه ابن مفلح في المبدع وإن كان ليس
من أهل الصنعة لكن على كل حال قال إسناده صحيح.
فهذا الأثر يدل على أن الصحابة كانوا إذا توضأوا بقوا في المسجد وإذا لم
يتوضؤوا لم يمكثوا في المسجد.
وبهذا انتهى المؤلف - رحمه الله - من بيان الأحكام المترتبة على اتصاف
الإنسان بالجنابة وهي:
تحريم قراءة القرآن. وتحريم اللبث في المسجد وجوازه مع الوضوء.
ثم لما انتهى المؤلف من بيان الموجبات وما يتعلق بها انتقل إلى المسنونات
قبل الصفة.
• قال - رحمه الله -:
ومن غسل ميتاً، أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم: سن له الغسل.
يسن الغسل في مسألتين:
من غسل ميتاً ومن أفاق من جنون أو إغماء.
- ومن غسل ميتاً سن له الغسل: لحديث أبي هريرة من غسل ميتاً فليغتسل ومن
حمله فليتوضأ.
فقوله من غسل ميتاً فليغتسل نص صريح وهو يدل على الوجوب فلماذا يقول
الحنابلة أنه مندوب؟
قالوا: حملناه على الندب لدليل آخر وهو أن أسماء بنت عميس لما غسلت أبي بكر
الصديق - سألت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت هل ترون علي من
غسل قالوا: لا.
فهذا شبه إجماع من الصحابة. فإذا جمعت بين النصين عرفت أن حكم الاغتسال من
تغسيل الميت أنه سنة.
القول الثاني: أن الاغتسال من تغسيل الميت
ليس بسنة.
الدليل: قالوا: حديث أبي هريرة صوب الامام أحمد أنه موقوف فهو فتوى من أبي
هريرة - قول صحابي وحديث أسماء دليل على عدم الوجوب ولا الندب.
وفي الحقيقة الاقوال في المسالة ثلاثة.
1. الاستحباب
2. الوجوب أخذاً بحديث أبي هريرة.
3. أنه لا يستحب ولا يجب.
لم أقف على قول رابع فلو كان قيل بهذا القول الرابع لكان هو الصواب: أن
الأمر في هذا واسع إن اعتسل فهو مباح وإن ترك فهو مباح.
لأنه صح عن ابن عمر - أنه قال كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا
يغتسل.
فهذه العبارة تفيد أن الأمر مباح وأن فيه سعة. لكن حسب اطلاعي لم أقف على
قول رابع يفيد أن الاغتسال من تغسيل الميت مباح لا سنة ولا واجب.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو أفاق من جنون أو أغماء سن له الغسل.
بالإجماع - بلا خلاف واستدلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان
مريضاً مرضه الذي مات فيه أغمي عليه فلما أفاق اغتسل. فعل ذلك مراراً فهذا
دليل على أن من أغمي عليه يسن ويشرع له بلا وجوب أن يغتسل لكن ما هو الشيء
الواجب على من أغمي عليه.؟
الوضوء. أما الاغتسال فهو مسنون بالاجماع.
• ثم بدء المؤلف - رحمه الله - بصفة الغسل فقال:
والغسل الكامل:
شرع المؤلف بمبحث مهم جداً وهو صفة الاغتسال فقال والغسل الكامل: أفادنا
المؤلف أن الغسل ينقسم إلى قسمين كامل ومجزئ.
- فالكامل: ما يشتمل على الواجبات والمسنونات.
- والمجزيء: ما يشتمل على الواجبات فقط.
وبدء بالكامل لأنه أشرف ولأنه عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والغسل الكامل: في جميع مباحثه ومسائله ينبني على حديثين.
1. حديث عائشة وهو متفق عليه.
2. وحديث ميمونة وهو أيضاً متفق عليه.
فحديثيهما - رضي الله عنهما - نقلا للأئمة صفة اغتسال النبي - صلى الله
عليه وسلم - الكاملة.
• قال - رحمه الله -:
أن ينوي:
يجب وجوباً على من أراد أن يغتسل أن ينوي.
لكن ماذا ينوي؟
الجواب: ينوي رفع الجنابة. أو ينوي ينوي رفع الحدث أو ينوي أنه سيغتسل
ليصلي.
إذاً ينوي أنها عبادة مشروعة. أياً كانت النية فإن نوى بالاغتسال التنظف لم
ترتفع الجنابة. وإن نوى بالاغتسال التبرد لم ترتفع الجنابة.
فمن شروط صحة الاغتسال أن ينوي.
• قال - رحمه الله -:
ثم يسمي.
التسمية في الغسل حكمها حكم التسمية في
الوضوء والخلاف في الوضوء كالخلاف في الغسل وقد تقدم معنا أن الصواب أن
التسمية في الوضوء سنة وأن القول بأنه غير مشروع أصلاً وجيه جداً وهو مذهب
المالكية.
• قال - رحمه الله -:
ويغسل يديه ثلاثاً وما لوثه.
أفادنا أيضاً حكمين ما هما:
1. غسل اليدين وأن يكون ثلاثاً.
2. فنحتاج دليلاًَ لكل منهما:
أما أن من أراد أن يغتسل يسن له أن يغسل يديه قبل أن يبدأ فالدليل عليه:
أولاً: الإجماع.
ثانياً: ثبت في حديث عائشة وفي حديث ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- غسل يديه.
بقفينا في حكم غسل اليدين ثلاثاً: الدليل على ذلك: فقط حديث ميمونة دون
حديث عائشة.
لأنه في حديث ميمونة قالت: ثم غسل يديه مرتين أو ثلاثاً. ففيه شك من ميمونة
أما عائشة - رضي الله عنها - فإنها لم تذكر التثليث.
• قال - رحمه الله -:
وما لوثه.
يعني أنه يندب للإنسان بعد أن يغسل يديه ثلاثاً أن يغسل ما تلوث من جسمه
لقول عائشة - رضي الله عنها - ثم أفرغ بيمينه على شماله وغسل فرجه قال
الفقهاء قول عائشة - رضي الله عنها - وغسل فرجه لا يعني تقييد الأمر بالفرج
بل يغسل الفرج ويغسل ما تلوث من باقي البدن. لحديث عائشة هذا ويجب أن تلاحظ
معي أن الترتيب مقصود للمؤلف أن هذا التدرج مقصود وهو موافق للأحاديث
الصحيحة.
وأنه يجب أن لا يقدم إذا أراد أن يغتسل الغسل الكامل أحد هذه الأشياء على
بعض وإنما يتسلسل كما ذكره المؤلف.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويتوضأ.
يسن للإنسان بعد أن يغسل ما تلوث من بدنه أن يتوضأ وضوئه للصلاة لدليلين:
- الأول أنه ثابت في الحديثين الوضوء.
- الثاني أن ابن جرير وابن بطال حكوا الاجماع. على مشروعيته.
إنما الخلاف: في هل يجب أو لا يجب؟ وهذا سيتطرق له المؤلف فيما بعد ونذكر
الخلاف في هذه المسألة لكن المقصود الآن تقرير أن الوضوء مشروع ومندوب
بالاجماع وهو موجود في الحديثين - حديث عائشة وميمونة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويحثي على رأسه ثلاثاً ترويه.
يسن للإنسان بعد أن يتوضأ كما هو صريح عبارة المؤلف وكما هو نص في الحديثين
أن يبدأ بغسل الرأس قبل الجسد لأن عائشة - رضي الله عنها - تقول أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - حثى الماء على رأسه حتى إذا ظن أنه قد أروى غسل رأسه
ثلاثاً.
وستلاحظ إذا ركزت أن بين كلام المؤلف ونص
الحديث فرق فكلام المؤلف: يدل على أن التروية تكون بالثلاث والحديث يدل على
أن التروية تكون قبل الثلاث لكن هكذا الفقهاء قالوا أنه بعد أن يتوضأ يغسل
رأسه ويرويه ثلاثاً ولعل الأمر سهل وقريب وبعض الفقهاء قالوا أن الحديث فيه
تقديم وتأخير كأنها قالت غسله ثلاثاً حتى أرواه لكن من وجهة نظري أن العمب
بمتن الحديث هو الأولى فإذا تقرر هذا نقول تروي الشعر وتكيف الماء عليه
فإذا ظننت أنه قد تروى فتغسله ثلاثاً وتكون هذه هي السنة خلافاً لما يصنعه
بعض الناس حيث يبدأ بغسل الجسد قبل أن يروي الشعر.
- في حديث عائشة في البخاري في لفظ آخر أنها أشارت إلى أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - بدأ بشقه الأيمن ثم بدأ بشقه الايسر عندما أراد أن يغسل رأسه.
(وقت الآذان)
في صحيح البخاري عن عائشة - أنها قالت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان
إذا أراد أن يغتسل بدأ بشق رأسه الأيمن ثم بشقه الأيسر.
فإذاً التثليث الذي في حديث عائشة وميمونة يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم
الوسط ...... انقطع التسجيل
انتهى الدرس،،،
بالأمس نسينا الحديث عن قول المؤلف - رحمه
الله - أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم.
والمقصود بهذه العبارة كما هو ظاهر أن من أفاق من جنون أو إغماء فإنه يسن
فقط له أن يغتسل أن يغتسل إلا إن احتلم حال الاغماء أو الجنون فإنه والحالة
هذه يجب عليه أن يغتسل لأن خروج المني كما تقدم معنا من النائم يوجب
الاغتسال.
وتقدم معنا أن خروج المني من النائم أيضاً لا يشترط أن يكون دفقاً بلذة
وتعليل الحنابلة لاستثناء النائم.
ثم ذكر المؤلف الكلام عن الغسل الكامل وتحدثنا عن ترتيب الغسل الكامل إلى
أن وصلنا إلى قوله ويحثي على رأسه ثلاثاً ترويه: وأخذنا المباحث وهو أنه
يغسل وأنه يروي وأخذنا لفظ حديث عائشة وأنه يفيد أن الترويه تسبق التثليث
وظاهر كلام الفقهاء أن التثليث تحصل به التروية وذكرت لكم أن الأخذ بظاهر
الحديث أولى.
ثم وقفت على كلام الحافظ ابن رجب. قال أن هذه سنة غفل عنها أكثر الفقهاء
ذكره في كتابه فتح الباري - كتاب حافل عظيم مفيد لطالب العلم ولا ينبغي أن
تخلو مكتبة طالب علم منه.
• ثم قال ’:
ويعم بدنه غسلاً ثلاثاً.
- في حديث عائشة وفي حديث ميمونة ذكر لتعميم البدن.
- ففي حديث عائشة قالت: ثم أفاض على بدنه.
- وفي حديث ميمونة قالت: ثم أفرغ على بدنه.
وهذه نصوص صحيحة صريحة في أن الإنسان بعد أن يغسل رأسه ثلاثاً على التفصيل
السابق فيشرع له أن يعمم البدن بالغسل.
وفي هذه المناسبة أحب أن أنبه أن حديث عائشة أهم من حديث ميمونة والسبب أن
حديث عائشة أخبرت به عن عادة النبي ‘ فقالت كان إذا أراد أن يغتسل فكأن هذا
هو فعل النبي ‘ الدائم.
بينما في حديث ميمونة روت اغتسالاً واحداً معيناً فذكرت أنها قربت الاناء
للنبي ‘ لما راد أن يغتسل فاغتسل ... الخ.
فتحدثت عن اغتسال معين بينما في حديث عائشة تحدثت عن اغتسال معتاد.
قال: ثلاثاً:
تثليث البدن سنة عند الحنابلة. ودليلهم القياس على الوضوء فإذا كان التثليث
سنة في الوضوء ففي الغسل أيضاً يكون بالتثليث. لأن كلاً منهما طهارة لرفع
هذا الحدث الأكبر وهذا الحدث الأصغر.
والقول الثاني: أن التثليث في غسل البدن لا يستحب ولا يشرع.
واستدلوا على ذلك بأن الأحاديث الصريحة الصحيحة ليس فيها التثليث في غسل
البدن وتقدم معنا أن عائشة قالت ثم أفاض وأن ميمونة قالت ثم أفرغ على بدنه
ولم تذكرا تثليثاً.
والصواب القول الثاني أن تثليث البدن في الغسل لا يشرع. تمشياً مع الاحاديث
الصحيحة.
فصار في الغسل الذي ذكره الحنابلة ثلاث مواضع يكون فيها التثليث:
- الأول في اليدين.
- والثاني في الرأس.
- والثالث في البدن وهذا صحيح إلا في البدن فإن الصواب فيه عدم التثليث.
• ثم قال ’:
ويدلكه.
يعني يدلك بدنه والجمهور يرون أن الدلك في الاغتسال سنة.
وذهب الامام مالك إلى أن الدلك في الاغتسال واجب.
والصواب مع الجمهور وهو المذهب بدليل أن النبي ‘ كان يفرغ على جسمه
والافراغ إسالة الماء بلا دلك وإذا كان النبي ‘ يفرغ والافراغ في اللغة لا
يقتضي الدلك صار هذا دليلاً على أنه لا يجب الدلك وإنما يسن.
• ثم قال ’:
ويتيامن.
التيامن في الغسل سنة لدليلين:
الأول: حديث عائشة المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه
التيامن في تنعله وترجله وطهوره. وهذا من الطهور.
الثاني: ما تقدم معنا من أنه في رواية في صحيح البخاري لحديث عائشة أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يغسل رأسه بدأ بشقه الايمن.
والتيامن بالنسبة للغسل يكون بغسل الشق الايمن قبل الشق الايسر.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويغسل قدميه مكاناً آخر.
غسل القدمين في مكان آخر سنة عند الحنابلة والجمهور بدليل أن ميمونة أخبرت
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر غسل القدمين إلى أن انتهى من
الاغتسال.
فتأخير القدمين ثابت في حديث ميمونة.
أما حديث عائشة - رضي الله عنها - فليس فيه تأخير القدمين في البخاري: وفيه
تأخير غسلهما في صحيح مسلم والصواب أن تأخير غسل القدمين لا يثبت في حديث
عائشة لأن هذه الرواية ضعفها الامام أحمد وضعفها أكثر من حافظ من الحفاظ.
والتضعيف هو الصواب. فهي رواية شاذة - لكن بما أن التأخير ثابت في حديث
ميمونة فقال الحنابلة هو سنة.
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يسن لأنه لم يذكر في حديث عائشة.
وذهب بعضهم إلى أنه يسن إذا كان المكان غير نظيف وهو مذهب المالكية. حمعاً
بين النصوص قالوا: لم يؤخر النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل قدميه في حديث
عائشة لنظافة المكان وأخر في حديث ميمونة لا حتياجه إلى ذلك لطبيعة المكان
- جمعاً بين الأدلة.
وهذا القول - الاخير هو الصواب.
فليس بسنة مطلقاً ولا يلغى مطلقاً.
• ثم قال - رحمه الله -:
والمجزئُ:
لما أنهى الكلام على الغسل الكامل المشتمل على المسنونات والواجبات انتقل
إلى الكلام عن المجزئ وهو الذي يشتمل على الواجبات ويفهم من هذا أن أي شيء
ذكره في الكامل ولم يذكره في المجزئ فهو سنة.
• ثم قال - رحمه الله -:
أن ينوي، ويسمي.
تقدم معنا الكلام عن النية والكلام عن التسمية في الغسل الكامل فلا حاجة
إلى إعادة الكلام عليهما.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويعم بدنه بالغسل مرة.
تعميم البدن بالغسل من الواجبات في غسل الجنابة لما ثبت في حديث عمران أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً لم يصل فقال مالك لا تصلي فقال إني
جنب ولا ماء ثم أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتيمم ويصلي ثم لما
حضر الماء قال النبي - صلى الله عليه وسلم - خذه فأفرغه على نفسك ولم يأمره
النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي شيء أكثر من ذلك.
وقال النبي ‘ في حديث أم سلمة إنما يكفيك
أن تحثي الماء ثلاث حثيات على رأسك ثم تفرغي الماء فتطهرين فقال العلماء
إنما يكفيك دليل على أن ما عدا المذكور في الحديث ليس بواجب والمذكور هو
تعميم البدن بالماء.
أخذوه من قوله ‘ لها إنما يكفيك.
وعليه يكون تعميم البدن بالماء واجب وهو من أهم الواجبات.
يتعلق بهذه المسألة مسائل مهمة:
المسألة الأولى:
حكم المضمضة والاستنشاق: اختلف الفقهاء فيها:
فالقول الأول: أن المضمضة والاستنشاق من واجبات اغتسال الجنابة. فإذا عمم
بدنه بالغسل ولم يتمضمض ويستنشق فاغتساله باطل.
الدليل: قالوا: إذا كانت المضمضة والاستنشاق واجبة في الوضوء ففي الغسل من
باب أولى.
الدليل الثاني: أن النبي ‘ في حديث ميمونة قالت ثم تمضمض واستنشق فنصت على
المضمضة والاستنشاق.
القول الثاني: أن المضمضة والاستنشاق في الغسل سنة وليس بواجب.
الدليل: حديث عمران بن حصين السابق أنه أمر الأعرابي أن يفرغ الماء على
نفسه وحديث أم سلمة السابق إنما يكفيك أن تحثي الماء ثلاث حثيات.
ولم يذكر النبي ‘ في الحديثين المضمضة ولا الاستنشاق.
وهذا هو الراجح أن المضمضةوالاستنشاق سنة.
فلا يعتبر من واجبات الغسل.
المسألة الثانية: هل يجب على المرأة أن تنقض شعرها إذا أرادت أن تغتسل؟
الجواب: فيه تفصيل:
أولاً: في الجنابة: فلا إشكال أنه لا يلزمها أن تحل شعرها لحديث أم سلمة
السابق أنها قالت للنبي ‘ إني امرأة اشد ظفر شعري أفأنقضه للجنابة فقال
النبي ‘ لا إنما يكفيكي أن تحثي ثلاث حثيات.
فهذه فتوى من النبي ‘ صريحة بعدم وجوب نقض شعر الرأس المشدود في غسل
الجنابة.
ثانياً: غسل الحيض:
ذهب الجمهور إلى وجوب نقض الرأس واستدلوا بحديث عائشة أن النبي ‘ قال لها
في الحج لما كانت حائض انقضي شعرك واغتسلي وهذا دليل عل وجوب النقض.
الجواب على هذا الحديث من وجهين:
الأول: أن لفظه في البخاري انقضي شعرك وامتشطي ولم يذكر الاغتسال وإنما
الاغتسال ورد في سنن ابن ماجه.
الثاني: - وهذا هو الجواب المهم - أن هذ الاغتسال ليس لنهاية الحيض وإنما
هو اغتسال للإحرام. بدليل أن عائشة - رضي الله عنها - أفتاها النبي ‘ هذه
الفتوى يوم عرفة.
وقد ثبت أنها لم تطهر إلا يوم العيد.
إذاً لما سألت هذا السؤال كانت حائضاًَ.
فهذا الاغتسال والنقض ليس اغتسال للحيض وإنما هو اغتسال للإحرام.
إذاً فلا دليل لهذا الدليل.
القول الثاني: أن نقض الشعر في الحيض سنة وليس بواجب.
استدلوا على هذا بأن أسماء - رضي الله عنها - سألت النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن غسل الحيض فأرشدها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كيفيته ثم
قال لها ثم صبي على رأسك الماء وادلكيه دلكاً شديداً ولم يذكر نقض الشعر.
الدليل الثاني: أن ابن عمر وهو من فقهاء الصحابة كان نساؤه وجواريه يغتسلن
للحيض والجنابة بلا نقض للشعر مع تحري ابن عمر للسنة وتحريه لمثل هذه
الامور فيما يتعلق بالطهارة والاغتسال مع ذلك لم يأمر نسائه - بنقض الشعر
لا للجنابة ولا للحيض.
وهذا هو الراجح أنه لا يجب وإن كان كثير من الفقهاء يفرقون بين غسل الجنابة
وغسل الحيض. ولكن الراجح عدم الفرق والخلاف يقتضي للمرأة أن تحتاط وأن تنقض
شعرها أثناء غسل الحيض لأنه لا يتكرر في الشهر إلا مرة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويتوضأ بمد.
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بالمد والمد بالجرامات 510جرام وهو
كمية بسيطة وإذا أردت أن تعرف المد بغير الجرامات فالمد هو ملء كفي الرجل
المعتدل وهو يقارب في وقتنا هذا الكأس المعتدل.
• قال - رحمه الله -:
ويغتسل بصاع.
الصاع أربعة أمداد فيكون 2040 جرام وهو ما يقارب لترين ونصف تقريباً.
فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد وهو لا شك
أنه قليل جداً وفي هذا إشارة نبوية إلى النهي عن الاسراف في طهارة الوضوء
وفي طهارة الغسل.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن أسبغ بأقل ... أجزأ.
يعني لو أن إنساناً استطاع أن يتوضأ بأقل من المد أو أن يغتسل بأقل من
الصاع فإنه يجزئه.
فإن قيل: كيف يجزئ والنبي - صلى الله عليه وسلم - سيد الخلق ما كان ينقص عن
المد ولا ينقص عن الصاع في الضوء والغسل؟
فما هو الجواب؟
الجواب: من وجهين:
الوجه الأول: أن أكثر العلماء ذكروا أن هذا التحديد تحديد تقريبي من
الصحابة فقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.
وهذا التحديد منه - تحديد تقريبي.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالاغتسال فقال وإن كنتم جنباً
فاطهروا ومن تطهر بأقل من الصاع فإنه يصدق عليه أنه تطهر.
ولذلك نقول أنه مجزئ.
تنبيه: في الغالب لا يستطيع الإنسان أن
يطبق السنة بأن يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلا إذا كان يتناول الماء
تناولاً أما السكب فما يكفي لطهوره.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو نوى بغسله الحدثين: أجزأ.
ظاهر كلام المؤلف أنه إذا نوى بغسله أحد الحدثين ارتفع ما نواه فقط فإن نوى
الغسل وهو الغالب لم يرتفع الحدث الأصغر وهذا هو مذهب الحنابلة - أنه إذا
نوى أحد الحدثين لم يرتفع إلا من نواه وهو في الغالب في الغسل سينوي الحدث
الأكبر فيبقى الحدث الأصغر وقد تقدم معنا أن القول الثاني أن نية الاغتسال
تكفي عن نية الوضوء وأن هذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله -
وأنه هو الصواب.
فإذا نوى الانسان رفع الجنابة ارتفع الحدث الاصغر وإن لم ينوه خلافاً لمذهب
الحنابلة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويسن لجنب: غسل فرجه، والوضوء لأكل ونوم ومعاودة وطء
قبل الدخول في المسنونات نتحدث عن أمرين اختلف فيهما:
وهما الموالاة والترتيب:
- أما الترتيب فلا إشكال أنه لا يجب في الغسل لماذا؟ لأن الغسل تعميم لعضو
واحد وهو الجسد ولا يوجد ترتيب إلا بين متعددات.
مثال للإخلال بالترتيب: لو بدأ بغسل الجزء الاسفل من جسده. فإنه يجزأه ولو
لم يبدأ بغسل الجزء الاعلى وإن كان صريح السنة أن يبدأ الإنسان بالجزء
الأعلى.
- الموالاة: أيضاً الجمهور وهو الثابت عن الامام أحمد أن الموالاة سنة وليس
بواجب استدل الامام أحمد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل ولما
انتهى من الغسل وجد لمعة لم يصبها الماء فعصر - صلى الله عليه وسلم - عليها
شعره.
هذا الحديث مرسل لكن قيل للإمام أحمد أتأخذ به قال نعم آخذ به وهذا في
الغالب لثبوته عنده - رحمه الله - ..
وجه الاستدلال أن غسل هذه اللمعة تم بعد الغسل بعد أن جفت الاعضاء وتقدم
معنا في الوضوء أن الموالاة هي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله.
ففي الحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر غسل هذه البقعة التي لم يصبها
الماء من جسده إلى ما بعد الاغتسال الكامل وبعد أن جفت الاعضاء واكتفى
بغسلها مفردة.
فلو كانت الموالاة واجبة للزمه أن يعيد الغسل.
هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني:
قال الامام أحمد فرق بين الوضوء والغسل فإن
الوضوء ذكر الله فيه اعضاء مترتبة متوالية فلزم فيه الترتيب والموالاة
بينما ذكر في الاغتسال أن يتطهر فكيفما تطهر أجزأه.
وهذا الاستنباط من الإمام أحمد دقيق وهو من الشواهد التي يرد بها على من
قال أن الإمام أحمد اشتغل بالتحديث أكثر من الفقه.
وقد ساق هذا الاستدلال عدد من أهل العلم وأعجبوا به من المتقدمين.
فهو استدلال جيد من الامام أحمد.
وخلاصته أن الإمام أحمد يقول: الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نتطهر وأن نغسل
البدن فكيفما غسلنا البدن أجزأ سواء كان متوالياً أو متفرقاً.
بخلاف الوضوء فإن الله أمر فيه بغسل مرتب متوالي.
والراجح عدم الوجوب. ويميل إليه البخاري أما الإمام أحمد فهو مذهبه وقرره.
إذاً الجمهور لا يرون الموالاة من الواجبات وهو الراجح وإليه يميل البخاري.
والقول الثاني: لعدد قليل من أهل العلم أن الموالاة واجبة وهو مرجوح.
• ثم قال - رحمه الله -: - بعد أن أنهى الكلام على الغسل المجزئ.
ويسن لجنب.
هذه المسنونات خارجة عن الاغتسال وإنما هي سنن إضافية لا علاقة لها
بالاغتسال:
يسن لجنب غسل فرجه: يسن للجنب قبل أن ينام أن يغسل فرجه بدليل حديث عائشة
في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن ينام غسل
فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة.
فهذا سنة ثابتة صحيحة بلا إشكال وهذه أيضاً من السنن التي يغفل عنها كثير
من الناس.
• ثم قال - رحمه الله -:
والوضوء:
الدليل على الوضوء لمن أراد أن ينام هذا الحديث أيضاً - حديث عائشة السابق.
والدليل الثاني: حديث عائشة الآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا
أراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوئه للصلاة.
إذاً سنن ثابته وأحاديثها في الصحيحين لا إشكال فيها.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومعاودة وطء.
يسن للإنسان إذا أراد أن يعاود الوطء أن يغتسل وأيضاً حديثه في الصحيحين
وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا أراد أحدكم أن يعاود الوطء
فليتوضأ.
وفي رواية خارج الصحيحين فإنه أنشط للعود.
إذاً كل واحد من هذه السنن الثلاث ثابتة في
الصحيح لكن ظاهر كلام الحنابلة أن الجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام أو يعاود
الوطء يستحب له في الجميعأن يغسل فرجه وأن يتوضأ بينما تقدم معنا أن الحديث
الذي فيه غسل الفرج - حديث عائشة في الصحيحين - إنما نص على غسل الفرج في
حال واحدة وهي إذا أراد أن ينام فقط.
ولذلك نقول أن غسل الفرج سنة عند النوم دون الاكل ومعاودة الوطء.
لأن الحديث إنما هو فقط في مسألة النوم. وكما مر معنا أن السنن تحتاج إلى
دليل لإثباتها ولا دليل على مسألة غسل الفرج لإعادة الوطء أو الأكل خلافاً
للحنابلة.
هذه مسألة.
المسألة الثانية:
صرح الحنابلة أن الجنب إذا أراد أن ينام فإنه يستحب له أن يتوضأ فإن ترك
الوضوء كره له ترك الوضوء.
- وأريد أن أبين شيئاً: أن الأمور المستحبة لا يقال لتركها مكروه - فإذا لم
يجب الإنسان المؤذن فهل نقول أنك فعلت مكروه أو نقول أنك تركت سنة. بدون
فعل مكروه.
في هذه المسألة بالذات الحنابلة يقولون: الوضوء للنوم سنة لكن ان تركه فقد
فعل مكروهاً.
وإن تركه في الأكل والمعاودة قالوا: إن تركه في ذلك فإنه قد ترك سنة ولا
يكره.
إذاً الكراهة تختص بالنوم.
إذاً مذهب الحنابلة في النوم أنه إذا أن ينام الجنب فيستحب له أن يتوضأ.
وهذه المسألة مهمة وحاجة الناس إليها كثيرة ولذلك نذكر الخلاف في حكم النوم
بلا وضوء.
القول الأول: وهو مذهب الحنابلة أن النوم بلا وضوء مكروه - مايقال مباح -
جائز لكن مكروه.
الدليل: قالوا نحمل الأحاديث الواردة على الندب - حديث عائشة في الصحيحين
أنه كان إذا أن ينام توضأ - فيحمل على الندب.
وحديثها الآخر إذا أراد أن ينام أو يأكل توضأ - يحمل الندب.
وهذا القول هو مذهب الجماهير.
القول الثاني أن الوضوء للنوم واجب فإذا نام جنباً بلا وضوء فهو آثم.
وهذا القول منسوب إلى الامام مالك في رواية أما مذهبه فهو سنة واختار هذه
الرواية من المالكية ابن حبيب - وهو من كبار علماء المالكية.
واستدلوا بحديث عمر ابن الخطاب أنه سأل النبي ‘ أينام أحدنا وهو جنب فقال
النبي ‘ نعم إذا توضأ.
وإذا أداة شرط وهي تعني أنه إذا لم يتحقق المشروط لم يجز الفعل.
وذكر ابن عبد البر أن هذا القول شاذ لقلة
القائلين به - وإن كان يعد - رحمه الله - من علماء المالكية مع ذلك يرى أن
هذا القول شاذاً.
والمسألة فيها إشكال وهي من المسائل التي الخلاف فيها قوي والذي يظهر والله
أعلم أن الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام سنة وليس بواجب.
الدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا أراد أحدكم أن يأكل أو
ينام فليتوضأ وضوئه للصلاة فجمع بين الأكل والنوم والفقهاء أجمعوا بلا خلاف
أن الوضوء للأكل سنة وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى في هذا
الحديث بين الأكل والنوم والأكل بالإجماع لا يجب فكذلك النوم.
هذا أقوى دليل في الباب - عندي - لحمل الأحاديث على الندب وإلا في الحقيقة
فإن حديث عمر أشبه ما يكون نصاً في الوجوب ومع ذلك ذهب الجماهير كما ترون
إلى الندب ويقوي الندب أمر آخر وهو أن من رواة حديث عمر ابنه ابن عمر وقد
كان ابن عمر - إذا أن ينام توضأ ولم يغسل رجليه - يتوضأ وضوءا غير كامل.
وهذا فيه إشاره إلى أنه لا يرى وجوب الوضوء.
وإذا عرف الانسان الخلاف وقوته عرف أنه يجب أن يحتاط ولا ينام إلا متوضأً
لكن نحن نتحدث في الواجب الذي من تركه فقد أثم.
والوضوء للجن يحتاج إلى بيان الحكمة منه وبيان الحكمة يترتب عليه حكم آخر
مهم.
فما هي الحكمة من اغتسال الجنب؟
اختلفوا على قولين:
القول الأول: أن الحكمة من وضوء الجنب قبل النوم رفع الحدث الأصغر.
والقول الثاني: أن الحكمة من وضوء الجنب تخفيف الجنابة لا رفع الحدث
الأصغر. وهو اختيار شيخ الاسلام - رحمه الله -.
والراجح هو القول الثاني بل ربما يقال أن القول الأول خطأ.
أما المسألة التي تترتب على هذه المسألة وهي:
إذا توضأ - وهذه السؤال عنها كثير - الجنب للنوم أو للأكل أو للشرب أو
لمعاودة الوطء ثم أحدث فهل يشرع له أن يعيد الوضوء؟
اختلف الفقهاء رحمهم الله لأن الحكمة التخفيف وقد حصل.
الحنابلة نصوا على أنه لا يشرع فضلاً عن أن يقال يندب.
ومن الفقهاء من قال بل إذا توضأ ثم أحدث قبل أن ينام يشرع ويتأكد في حقه أن
يتوضأ مرة أخرى لينام على أحد الطهارتين.
ولكن القول الأول هو المنسجم مع الحكمة الصحيحة من الوضوء للجنب ومن أراد
أن يأكل أو يشرب أو يتوضأ.
وبهذا انتهينا من باب الغسل ....
انتهى الدرس،،،
|