شرح زاد المستقنع للخليل

باب إزالة النجاسة
• قال - رحمه الله -:
باب إزالة النجاسة.
لما أنهى المؤلف الكلام عن التطهر بالماء وبدله وهو التيمم انتقل إلى الطهارة القسيمة لطهارة الحدث وهي الطهارة من النجاسة.
فقال: باب إزالة النجاسة:
المقصود بالنجاسة في هذا الباب النجاسة الحكمية والمقصود بالنجاسة الحكمية: هي النجاسة الطارئة على عين طاهرة.
فخرج بذلك النجاسة العينية فإنها لا يمكن أن تطهر مثاله: البول والغائط والكلب والخنزير والحمار على المذهب فكل هذه أعيان نجسة نجاسة عينية لا يمكن أن تطهر بحال من الأحوال إلا بطريقة واحدة فقط وهي الاستحالة وسيأتي ذكر الخلاف فيها.
فعرفنا ماذا يريد الفقهاء بالنجاسة في هذا الباب خاصة.
• قال - رحمه الله -:
يجزئ في غسل النجاسات كلها: إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة. وعلى غيرها سبع إحداها بتراب في نجاسة كلب وخنزير.


الحنابلة يقسمون النجاسات إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون على الأرض.
والقسم الثاني أن يكون على غير الأرض.
بدء المؤلف بما كان على الأرض:
• فقال:
إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة:
إذا كانت النجاسة على الأرض فإنه يكفي فيها عند الحنابلة غسلة واحدة ولكن يشترط في هذه الغسلة أن تذهب بعين النجاسة وعلامة ذهاب عين النجاسة أن لا يبقى منها لون ولا رائحة.
والدليل على هذا الحكم: الحديث الصحيح أن أعرابياً دخل المسجد فبال في ناحية المسجد فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يراق على بوله ذنوباً من ماء ففي الحديث غسل هذه النجاسة وهي بول الأعرابي مرة واحدة بإراقة الماء على بوله.
وهذا الحكم يختص بالنجاسة التي ليس لها أجزاء.
فإن كانت النجاسة لها أجزاء فإنه لا يكتفي بغسلها مرة واحدة بل يجب إزالة أجزاء النجاسة ثم يغسل أثرها مرة واحدة.
إذاً النجاسة على الأرض: إما أن تكون مائعة أو أن يكون لها جرم.
فإن كانت مائعة اكتفي بغسلها مرة واحدة تذهب بعينها بدليل حديث الأعرابي.
وإن كانت النجاسة ذات أجزاء فإنه يجب أن تزال هذه الأجزاء ثم يغسل أثر هذه النجاسة مرة واحدة.
ثم انتقل المؤلف إلى الكلام على النجاسة إذا لم تكن على الأرض فقال: وعلى غيرها سبع إحداها بتراب في نجاسة كلب وخنزير.
وعلى غيرها: يعني على غير الأرض إذا كانت النجاسة على غير الأرض فتنقسم عند الحنابلة إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون نجاسة كلب أو خنزير.
القسم الثاني: أن تكون نجاسة غيرهما.
نبدء بالقسم الأول:
ونقول: إذا كانت النجاسة على غير الأرض كما لو كانت في الأواني وكانت من الكلب أو الخنزير فإنه يجب أن تغسل سبع غسلات إحداها بالتراب.
الدليل على هذا: حديث أبي هريرة - في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب.
هذه رواية مسلم وفي رواية غيره إحداهن.
فهذا الحديث دليل على التسبيع.
وبقي أن ننظر: هل التراب يكون في الغسلة الأولى أو الأخيرة أو في أي واحدة منها بلا تعيين أو في الثامنة؟
كم صارت الأقوال؟
أربعة.
الراجح منها أنها في الأولى.
والاحتمالات التي ذكرناها هي أقوال للفقهاء.
سبب الترجيح:
أن رواية أولاهن هي أصح الروايات التي حددت موضع غسلة التتريب.


ثانياً: أن التراب إذا كان في الغسلة الأولى جاء بعده الماء فطهر الإناء بخلاف إذا كانت في الغسلة الأخيرة فإنه يحتاج إلى غسلة زائدة.
إذاً هذا القول هو الراجح ويليه في القوة أن يكون التتريب غسلة ثامنة منفصلة عن السبع لما ثبت في حديث عبد الله بن مغفل - أن النبي ‘ قال وعفروه الثامنة بالتراب.
فإثبت ثمان غسلات وحديث بن مغفل هذا فيه زيادة علم يجب المصير إليه فهو قوي والسنة صريحة فيه.
• ثم قال:
وخنزير:
أي أن الخنزير يماثل الكلب في التسبيع والتتريب وهذا مذهب الحنابلة قيل للإمام أحمد أرأيت الخنزير فقال الإمام أحمد هو شر من الكلب فعبارة الإمام أحمد حملت الدليل على قياس الخنزير على الكلب وهو أن الخنزير شر من الكلب.
والقول الثاني: لجماهير العلماء أن الخنزير يغسل كغيره من الحيوانات ولا يترب ولا يسبع لأن النص جاء في الكلب والخنزير موجود في عهد التشريع ومذكور في القرآن ومع ذلك نص النبي ‘ على الكلب ثم في وجه آخر أن غسل سؤر الكلب سبع مرات أمر تعبدي وكل حكم تعبدي لا يمكن أن يقاس عليه.
وهذا القول هو الراجح.
بقينا في مسألة: نذكر فيها القول الراجح فقط. هل الكلب والخنزير نجس أو طاهر أو فيه تفصيل؟
القول الصواب - إن شاء الله - أن الكلب والخنزير نجسة إلا الشعر منها فإنه طاهر وهو اختيار شيخ الاسلام وفيه توسعة على المسلمين.
بناء على هذا: إذا ابتل الكلب ثم مس شعره ثوب الإنسان فعند الجمهور يجب أن يغسله لأن شعر الكلب نجس. وعلى القول الصواب لا يجب عليه أن يغسل ما أصاب الثوب من شعر الكلب أو الخنزير لأنه طاهر.
• ثم قال ’:
ويجزئ عن التراب: أُشنان ونحوه.
المقصود بنحوه كالصابون أو أي مادة تستخدم للتنظيف فمذهب الحنابلة أنه يجزئ عن الإشنان أي مادة فيها تنظيف واختار هذا القول أيضاً ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
والقول الثاني: أن غير التراب لا يقوم مقامه فيشترط أن يغسل بالتراب وهذا القول هو الراجح.
ومذهب الحنابلة الذي اختاره الشيخ وتلميذه ضعيف.


والسبب أن في التراب خاصية لا توجد في غيره ولذا نص عليه الشارع وهي أنه يقتل ما يوجد في سؤر الكلب مما يؤذي الإنسان بخلاف غيره من أدوات التنظيف فإنها لا تفعل هذا الفعل. وأثبت هذه الحقيقة الطب الحديث بل واعتبر هذا من معجزات النبي ‘.
وكما سبق الإشنان موجود في العهد النبوي ومع ذلك لم يذكره النبي ‘.
ثم انتقل إلى النوع الثاني من النجاسات التي توجد على غير الأرض:
• فقال:
وفي نجاسة غيرهما سبع بلا تراب.
في نجاسة غير الكلب والخنزير يشترط للتطهير أن يغسل الإنسان سبع مرات ولو طهر المحل في الغسلة الأولى أو الثانية أو الثالثة فإنه يشترط أن يكمل الغسل إلى أن يصل إلى سبع غسلات.
استدل الحنابلة: بأثر ابن عمر أنه قال أمرنا بغسل الانجاس سبعاً وإذا قال الصحابي أمرنا فإنه ينصرف إلى المشرع وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني: أن النجاسات غير الكلب والخنزير أو على القول الراجح على غير الكلب فإنها تغسل بلا عدد معين بل إلى ذهاب النجاسة فإن ذهبت في الغسلة الأولى اكتفي بها. أو في الثانية اكتفي بها وهكذا.
الدليل على هذا القول: أن النبي ‘ لما سأل عن دم الحيض يصيب الثوب قال حتيه ثم اقرصيه ثم انضحيه بالماء. ولم يذكر النبي ‘ عدداً.
وكذلك في حديث الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد أمر النبي ‘ بصب ذنوب من ماء ولم يذكر عدداً.
وهذا القول هو الصواب الذي تدل عليه النصوص الشرعية.
وحديث ابن عمر السابق ضعيف.
انتهينا الآن من الأنواع التي تتنجس وأنها تنقسم إلى ما يكون على الأرض وما يكون على غيرها.
وأن ما يكون على غير الأرض ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون نجاسة كلب وخنزير أو يكون نجاسة غيرهما.
فصارت الأقسام أربعة.
• ثم انتقل المؤلف ’ إلى كيفية التطهير فقال:
ولا يطهر متنجس: بشمس ولا ريح ولا دلك.
يرى الحنابلة أنه لا يمكن تطهير النجاسات إلا بالماء فقط ولا تطهر بالشمس ولا بالدلك ولا بغيرهما.
الدليل: استدلوا بحديث الأعرابي وحديث أسماء السابقين. حيث ذكر النبي ‘ الماء للتطهير.
والقول الثاني: أن النجاسة إذا ذهبت بأي مزيل كان فقد ذهب حكمها وطهر المحل لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.


واستدلوا بدليل من السنة وهو صحيح ثابت وهو حديث ابن عمر أن الكلاب كانت تدبر وتقبل في المسجد في عهد النبي ‘ ولم يكونوا يغسلون شيئاً من ذلك فعلم أن هذه الكلاب التي تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولا يغسل أثر هذا البول أن المطهر له هو الشمس والريح.
وفي الباب أدلة كثيرة لهذه المسألة.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب الذي تدل عليه النصوص الصحيحة.
• قال ’:
ولا استحالة غير الخمرة.
الحنابلة يرون أن الاستحالة لاتطهر لأنهم في الأصل يرون أن النجاسة لا يمكن أن تطهر إلا بالماء لكن بخصوص مسألة الاستحالة لهم دليل آخر وهو أن النبي ‘ نهى عن لحوم الجلالة وألبانها.
والجلالة هي الحيوان التي غالب أكله من النجاسات. وسيأتينا - بإذن الله في كتاب الأطعمة تفصيل كثير حول أحكام الجلالة لكن يعنينا هنا أن نعرف ماهي فقط؟
وجه الاستدلال: قالوا: أن الجلالة إذا أكلت النجاسة استحالت في بدنها إلى الدم واللحم ومع كون النجاسة استحالت فقد نهى اللنبي ‘ عن أكلها.
وهذا دليل قوي.
والقول الثاني: أن الاستحالة تطهر النجاسات واختاره ابن تيمية وتلميذه رحمهما الله. وانصروا لهذا القول بأدلة كثيرة من أهم هذه الأدلة أن النجاسة في الاستحالة ذهب لونها وريحها وطعمها فلم يبق للنجاسة أثر.
الدليل الثاني: أن أحكام الأعيان - وهذه قاعدة جيدة ومفيدة لطالب العلم - تتبع حقيقة الأعيان وصفاتها.
أي أننا نحكم على العين بحسب حقيقتها وصفاتها. والعين النجسة إذا استحالت فقد تغيرت جميع الصفات والحقائق لها.
فمثلاً: في المثال الشمهور الذي يذكره الفقهاء إذا وقع الكلب في مملحة وبقي فيها وقتاً طويلاً انقلب إلى ملح وحقيقة وصفات الملح تختلف عن حقيقة وصفات الكلب.
مثال آخر: وهو وإن كان أسهل فهو لا يرد على الحنابلة لأنهم يبرون أنها تطهر - الخمر.
فالخمر قبل أن تستحيل لها صفات وحقائق معروفة. إذا تخللت الخمر أصبحت خلاً وبين الخمر والخل فرق كبير من حيث الحقيقة والصفة.
فقالوا هذا الخمر لم يعد خمراً وإنما أصبح خلاً كما أن ذاك الكلب الذي وقع في المملحة لم يعد كلباً وإنما أصبح ملحاً وهكذا.
إذاً هذا المثال يبين القاعدة التي ذكرها شيخ الاسلام ابن تيمية ’.


وهذا القول الثاني هو الصواب: أن الاستحالة تفيد التطهير.
• قال ’:
غير الخمرة. فإن خللت أو تنجس دهن مائع: لم يطهرا.
قوله غير الخمرة: هذا استثاء من الاستحالة: يعني: أن الأعيان النجسة لا تطهر بالاستحالة ما عدا الخمر فإنه يطهر بالاستحالة.
ففرقوا بين جميع النجاسات وبين الخمر فجميع النجاسات لا تطهر بالاستحالة والخمر فقط يطهر بالاستحالة.
دليل الحنابلة: قالوا: الخمر أصله طاهر ولذا إذا استحال فقد رجع إلى أصله. فالخمر أصله طاهر لأنه من الفواكه: من العنب أو من التمر أو من غيرهما.
لكن يشترط عند الحنابلة أن يكون تخلل الخمر بنفسه - من الله بدون فعل أحد - تتخلل بلى تخليل من الآدمي فإن سعى الإنسان في تخليلها بنقلها أو تعريضها إلى حرارة أو بأي طريقة من الطرق فإنها تبقى نجسة لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي ‘ سأل عن الخمر تتخذ خلاً قال: لا.
ولأن النبي ‘ لما جاءه الرجل ومعه إناء فيه خمر لم يأمره بتخليله وإنما تركه يريقه ولو كان التخليل ينفع في الخمر لما أضاع المال ولأمره بتخليل هذا الخمر.
إذاً الخلاصة بالنسبة للخمر عند الحنابلة - خاصة من بين سائر النجاسات - أنه إذا تخلل فإنه يطهر بشرط أن يتخلل بنفسه فإن خلل بفعل الآدمي فإنه يبقى نجس وإن تخلل وعرفنا أدلة الحنابلة من السنة وهي أدلة صحيحة.
تبين من هذا التقرير أن الحنابلة يرون أن الخمر نجس وهذه المسألة محل خلاف طويل بين أهل العلم: فالجماهير وحكي إجماعاً أن الخمر نجس واستدلوا بأدلة كثيرة منها:
قوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام/145]
قال ابن القيم قوله فإنه يعود على الجميع ولا يختص بالخنزير فأطلق الله على الخمر أنه رجس.

الدليل الثاني: أن الصحابة لما نزل تحريم الخمر أراقوها فدل هذا على أنه لا يمكن الانتفاع منها بشيء لأنها نجسة.
الدليل الثالث: قوله تعالى فسقاهم ربهم شراباً طهوراً وهذا استدل به الشافعي مفهوم هذه الآية أن خمر الدنيا لا يعتبر طهوراً وإنما هو نجس.
القول الثاني: أن الخمر طاهرة وهذا ينسب لبعض السلف واختاره الصنعاني وكثير من المعاصرين.


واستدلوا: أولاً بأن الأصل في الأعيان الطهارة ولا دليل على نجاسة الخمر.
وثانياً: أنه لما نزل تحريم الخمر أراق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الخمور في طرق المدينة ولو كان الخمر نجساً لم ينجسوا به طرقات المسلمين لا سيما وأن طرق المدينة لم تكن على الأقل كلها واسعة. بل فيها الواسع والضيق.
وأجاب أصحاب هذا القول على أدلة الجماهير:
عن الاستدلال بقوله تعالى فسقاهم ربهم شرابا طهوراً أن الله سبحانه وتعالى حكم على أشربة الجنة اللبن والماء والخمر بأنها طهورة فهل يعني هذا أن لبن وماء الدنيا نجسة الجواب: لا. فكذلك الخمر.
وهذا القول بالنسبة لنجاسة الخمر في الحقيقة قول قوي ووجيه وتمس الحاجة إليه في وقتنا هذا بالذات بسبب كثرة دخول الخمر في مركبات الأدوية ونحن لا نرجح طهارة الخمر بسبب أنهم يستخدمونه في الأدوية.
لكن من أسباب الترجيح أن في القول بطهارة الخمر توسعة من هذا الجانب.
الخلاصة أنه والله أعلم القول بالطهارة هو الأقرب لأنه لا يوجد دليل صريح على النجاسة.
وإن كان يضع الإنسان في ذهنه أن القول بالنجاسة مذهب الجماهير الأئمة الأربعة وجملة أئمة المسلمين إلا ثلاثة أو أربعة من السلف.
أما المتأخرون من بعد الصنعاني - فهو - رحمه الله - الذي نشر هذا القول وانتصر له - فهم كثر لكن الكلام عن أئمة المسلمين المتقدمين.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو تنجس دهن مائع لم يطهرا.
الدهن عند الحنابلة ينقسم إلى قسمين:
إما أن يكون مائع أو جامد فإن كان مائعاً ووقعت فيه نجاسة وجب أن يلقى برمته - أن يراق جميع الدهن.
لحديث ابن عباس فإن كان مائعاً فلا تقربوه.
ولأنه لا يمكن أن يغسل بالماء مع كون الدهن مائعاً.
وإن كان جامداً فإنه تلقى النجاسة وما حولها والباقي حلال طاهر.
انتهى مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أن الدهن الجامد والمائع حكمهما واحد وهو أن يراق ما حول النجاسة مع النجاسة والباقي طاهر. وينتفع به بدليل حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن فأرة وقعت في سمن فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوها وما حولها وأن ينتفعوا بالباقي.
وهذا الحديث صحيح وفيه لم يفرق بين المائع والجامد وإنما حكم على الجميع بحكم واحد.


فدل الحديث على أن جميع المائعات حكمها حكم الماء وهو أنه لا تنجس إلا بالتغير كما تقررمعنا في أول باب المياه.
فجميع المائعات الدهن والسمن وأي مائع كان فحكمه حكم الماء في أنه لا ينجس إلا بالتغير.
مسألة: إذا وقعت فأرة في سمن فأزلنا الفأرة وما حولها فهل يطهر المحل أو لم يطهر؟
................................ ((يطهر))
فإن وجدنا بعد الإزالة للفأرة وما حولها أن السمن تغير بالنجاسة مع إزالة الفأرة وما حولها فيعتبر نجساً.
إذاً طالب العلم لا يتخذ القضايا العلمية مسلمة وإنما يفهم تنوع الأحكام.
فنحن نقول إذا وقعت الفأرة في السمن فإنها تزال وما حولها والباقي طاهر ولكن يجب عليك أن تربط بين هذا وبين الأحكام الأخرى وهي أن المائعات إذا تغيرت بالنجاسة فتعتبر نجسة.
فبالربط بين الحكمين تعرف حكم الصورة أو المسألة التي ذكرت لك الآن.
مالجواب عن حديث ابن عباس الذي استدل به الحنابلة؟
الجواب: أنه حديث منكر. وأشار البخاري إلى ضعفه.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن خفي موضع نجاسة: غُسل حتى يجزم بزواله.
غسل: أي الموضع.
النجاسة إما أن تكون في الثوب أو في البدن أو في البقعة.
فإذا وقعت النجاسة في أحد هذه الثلاثة أشياء فإما أن يعلم مكانها أو يجهل.
فإن علم فالأمر ظاهر أنه يغسل.
وإن جهل فإنه يغسل حتى يجزم بزوال النجاسة.
ويستثنى من هذا الحكم إذا وقعت النجاسة في بقعة كبيرة كما إذا وقعت في فضاء واسع فإنها إذا كانت وقعت في فضاء واسع فإنه لا يشترط أن يغسل ولا أن يتحرى للمشقة.
والقول الثاني في هذه المسألة أن النجاسة إذا وقعت في البدن أو الثوب أو البقعة المحدودة وأمكن التحري - وهذا شرط مهم - فإنه يتحرى لأنه إذا جاء الشرع بالتحري في عدد الركعات فمن باب أولى أن يتحرى في تحديد البقعة النجسة.
والأحوط في الحقيقة مذهب الحنابلة أنه إذا اشتبهت النجاسة في البقعة أو البدن أو الثوب المحدود فإنه يغسل حتى يجزم بزوال النجاسة لأن النجاسة وجدت قطعاً فإذا كانت النجاسة موجودة يقيناً فإنه يسعى إلى إزالتها باليقين أيضاً وذلك بأن يغسل إلى أن يجزم بزوال النجاسة.
وهذا القول كما قلت أحوط وأقرب إلى القواعد الشرعية.
انتهى الدرس،،،


• قال - رحمه الله -:
ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام: بنضحه.
بدء المؤلف ببيان بعض النجاسات التي يدخلها التخفيف فبدء ببول الغلام:
فإذا بال الغلام على ثوب أو بدن أو بقعة الإنسان فإنه يكفي في تطهيره أن ينضح.
والنضح هو: إراقة الماء على ...... (انقطع التسجيل) ....... وعرف من قول المؤلف بول غلام لم يأكل الطعام: أن الغلام الذي بدء بأكل الطعام لا ينطبق عليه الحكم.
وأن غائط الغلام الذي لم يأكل الطعام لا ينطبق عليه الحكم.
وأن بول الجارية وإن كانت لم تأكل الطعام لا ينطبق عليه الحكم وإنما يختص ببول الغلام الذي لم يأكل الطعام فهذا البول ينضح نضحاً ولا يجب فيه الغسل.
دليل ذلك حديث أم قيس أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بغلام لها فأخذه - صلى الله عليه وسلم - ووضعه في حجره فبال عليه فدعا - صلى الله عليه وسلم - بماء ونضحه على ثوبه ولم يغسل) هكذا في الحديث نص على عدم الغسل.
وهذا من فقه الصحابي راوي الحديث وهذا الحديث في الصحيحين.
فهذا نص في أن بول الغلام نجاسته نجاسة مخففة يكفي فيها النضح كنجاسة المذي - على ما سيأتينا إن شاء الله.
بقينا في العلة التي من أجلها خصص بول الغلام بهذا الحكم:
في الحقيقة لم أقف على أي علة مقنعة ولذلك فالأقرب أن الأمر تعبدي.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويعفى في غير مائع ومطعوم: عن يسير دم نجس من حيوان طاهر، وعن أثر استجمار.
جملة مذهب الحنابلة في هذه المسألة أنهم يرون أنه لا يعفى عن يسير شيء من النجاسات إلا في أمرين:
- يسير الدم من حيوان طاهر حال الحياة.
- وأثر الاستجمار.
في غير المائعات فقط هذا الذي يعفى عن يسيره وأما ما عداه من باقي النجاسات كالبول والغائط والقيء - لأنه نجس عند الحنابلة فلا يعفى عن يسيرها عند الحنابلة.
القول الثاني:
أنه يعفى عن يسير جميع النجاسات بلا استثناء والدليل على هذا أن الشارع عفا عن يسير أثر الاستجمار.
ويسير أثر الاستجمار يقصد به: ما يبقى من النجاسة اليسيرة بعد الاستجمار.
فهذه النجاسة قد عفا عنها الشارع فيقاس عليها جميع النجاسات.
وهذا القول - الثاني - هو اختيار شيخ الاسلام وهو الذي تدل عليه النصوص إن شاء الله.
نرجع نأخذ مذهب الحنابلة عبارة عبارة.


يقول ’ ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم من حيوان طاهر.
هذا الأمر الأول: لماذا استثنى الحنابلة الدم والاستجمار فقط؟
الجواب: استثنوا ذلك للإجماع فقالوا إن هذا محل إجماع.
وبالنسبة للإستجمار بالإضافة إلى الإجماع النصوص الدالة على جواز الاستجمار تدل على العفو عن يسيرة لأنه لا بد أن يبقى بعد الاستجمار يسير من الخارج من السبيل لأن الحجارة ونحوها لا يمكن أن تزيل جميع الخارج.
وقول المؤلف: يسير دم نجس من حيوان طاهر: يفيد أن الدماء ليست على حد واحد عند الحنابلة. وهو كذلك فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: دم نجس يعفى عن يسيره. مثاله: الآدمي والحيوانات الطاهرة.
القسم الثاني: دم نجس لا يعفى عن يسيره. وهو: الدم الخارج من السبيلين.
القسم الثالث: دم طاهر. كدم السمك ودم الشهيد وما يبقى في عروق الذبيحة التي ذبحت على مقتضى الشرع وكذلك دم الحيوانات التي ليس لها نفس سائلة. وسيأتينا ذكر عدد من الأمثلة في ثنايا كلام المؤلف.
وقد ذكر هذا التقسيم أكثر من عالم من فقهاءالحنابلة وهو تقسيم جيد يسهل ويجمع أطراف المسألة.
وعلم من قول المؤلف: يسير دم نجس. أنه يرى أن الدم نجس وهذا القول حكي فيه الاجماع من عدد من العلماء وحكى الإجماع عالم هو من أشد الناس في الإجماعات وهو الإمام أحمد فقال: الدم لا يختلفون فيه.
وتقدم معنا أن حكاية الإجماع تختلف قوتها من عالم لعالم وإذا كان حكى الإجماع مثل الإمام أحمد فهذا إجماع قوي لأنه يتشدد في الإجماع لا يكاد يثبت إجماع إلا عن الصحابة.
فإذا أثبت الإجماع فهو إجماع قوي.
الأدلة: أولاً: العمومات: كقوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام/145]
وهذا نص.
ثانياً: أن أسماء لما سألت عن دم الحيض يصيب الثوب أمر النبي ‘ بغسله غسلاً كاملاً فقال حتيه ثم اقرصيه ثم انضحيه بالماء.
ولا يوجد دليل على أن هناك فرق بين دم الحيض وغيره من الدماء.
القول الثاني في هذه المسألة المهمة: أن الدم طاهر استدلوا بأدلة:


الدليل الأول: قصة الصحابي الذي صلى ثم رمي بسهم وآخر وثالث وظل يصلي فدل ذلك على أن الدم طاهر وإلا كيف صلى والدم يخرج منه؟
الجواب على هذا الدليل: أن هذا أثر لا يثبت.
الدليل الثاني: وهو من أقوى أدلتهم أن الحسن البصري صح عنه أنه يقول مازال المسلمون يصلون بجراحاتهم.
والجواب على أثر الحسن: أنه يقصد رحمه الله - أن الدم لا ينقض الوضوء ولا يقصد أنه طاهر بدليل أنه صح عنه ’ - أن الدم نجس.
الدليل الثالث - الأخير: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - صلى وجرحه يثعب دماً.
والجواب عليه: أن هذا للضرورة.
ولذلك الإمام أحمد ’ وهو ممن يرى نجاسة الدم بل يحكي الإجماع على هذا الحكم لما ضرب في الحبس ’ وخرجت منه الدماء بكثرة صلى في السجن والدماء تملأ جسده وثوبه فقال له صاحبه يا أبا عبد الله أتصلي والدم فيك هكذا فقال الإمام ’: صلى عمر وجرحه يثعب دماً.
فاستدل بقصة عمر وإن كان ’ ممن يرى نجاسة الدم لأن هذا موضع ضرورة وموضع الضرورة لا يقاس عليه حال الاختيار.
لذلك فالأقرب عندي بوضوح أن الدم نجس لاسيما وأنه حكي فيه الإجماع وعلى هذا النحو ولا يكاد يعرف مخالف.
ثم انتقل المؤلف ’ إلى الأعيان التي لا تعتبر نجسة.
• فقال ’:
ولا ينجس الآدمي بالموت.
يعني أن الآدمي طاهر حال الحياة والممات والدليل على هذا الحكم:
أولاً: قول النبي ‘ إن المؤمن لا ينجس.
وثانياً: أن النبي ‘ أمر بتغسيل الميت. ما هو وجه الاستدلال هنا؟ الجواب: أن الميت لو كان نجس العين فلا ينفع فيه التغسيل لأنا أخذنا أن النجس نجاسة عينية لا يمكن أن يطهر إلا بالإستحالة على الخلاف فيها.
والقول الثاني: أن الكافر طاهر حال الحياة نجس بعد الموت.
وهذا القول قوي جداً لأن النصوص التي ذكرنا كلها يختص بالمؤمن.
أما طهارة الكافر في حال الحياة فلا إشكال فيها.
لكن الخلاف في طهارته بعد الموت.
ولذلك فالأحوط أن لايمس الإنسان جسد الكافر بعد الموت أو يغسل يده إذا أصيبت بشيء رطب من جسد الكافر بعد الموت مراعاة لهذا الخلاف القوي.
أما الحنابلة فهم يرون أن الآدمي مسلماً أو كافراً صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى جسده طاهر.
• ثم قال ’:
وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر.


قاعدة المذهب أن كل حشرة لانفس لها سائلة ومتولدة من طاهر فتعتبر طاهرة في الحياة وفي الممات.
إذاً كم شرط؟ ذكروا شرطين.
الأول: أن لا يكون لها نفس سائلة.
والثاني: أن تكونة متولدة من طاهر.
ومعنى أن لا يكون لها نفس: النفس هنا يعني الدم. وقوله سائلة: أي لا تجري.
وإلا فمن المعلوم أن أحشرة فيها دم لكن الشرط أن لا يكون هذا الدم سائلاً.
وأن تكون متولدة من طاهر.
بناء على هذا فالبعوض والعقرب والخنفساء وما شابه هذه الحشرات كلها طاهرة في الحياة وفي الممات ولو وقعت في ماء بعد الموت فيبقى طهورٌ حتى عند الحنابلة.
وأما إن كانت حشرة لها نفس سائلة فهي نجسة بعد الموت وقبل الموت هناك تفصيل لكن بعد الموت تعتبر نجسة.
ومثل الإمام أحمد على هذا بالوزغ. فقد اعتبر أن الوزغ له نفس سائله فإذا مات وسقط في الماء فإنه ينجس به.
الدليل على أصل هذه المسألة أن النبي ‘ قال إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليلقه.
وإذا غمس الإنسان الذباب في الإناء الذي يحمل سائلاً حاراً فسيموت ومع ذلك أمر النبي ‘ بالانتفاع بالسائل فهذا دليل على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت.
قوله متولد من طاهر: أي أنه إذا تولد من نجس فإنه ينجس ولو لم يكن له نفس سائلة ومثلوا لهذا بصراصير الكنف. فإنها متولدة على حد قولهم من نجاسة.
وإذا كانت متولدة من نجاسة فإنها تصبح نجسة إذا ماتت.
وعلى القول الثاني: تصبح طاهرة لأنا أخذنا أن الاستحالة تطهر بها الأعيان النجسة وهذه الحشرات استحالت من النجاسات إلى هذه الحشرة المعروفة.
فالأقرب أنها طاهرة.
تنبيه: نبه بعض الفقهاء إلى شيء مهم وهو أنه يشترط في هذه الحشرات التي نقول أنها لا تُنَجِّسْ ما تقع فيها من المياه أن لا تكون هي متلوثة بنجاسات فإن غالب هذه الحشرات قد تتلوث بعض أجزائها بالنجاسة فإذا لم تكن متلوثة بالنجاسة فإن الماء الذي وقعت فيه يبقى طهور.
• ثم قال ’:
وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه ..... طاهر.
بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه عند الحنابلة طاهر.
والدليل على ذلك.
الأول: حديث العرنيين حيث أمرهم النبي ‘ أن يلحقوا بإبل الصدقة وأن يشربوا من ألبانها وأبوالها.


فدل هذا على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر.
والدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل أنصلي في مرابض الغنم فقال نعم.
ولو كانت أبوالها وأرواثها نجسة لم يأذن - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة في مرابضها.
وأما المني: فقياساً على البول فهو أطهر منه من باب أولى. بدليل - هذا دليل الأولوية - أن بول الانسان نجس ومنيه طاهر.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومني الآدمي.
مني الآدمي طاهر عند الحنابلة والدليل ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تفرك ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المني ثم يخرج فيصلي في ثوبه.
وجه الاستدلال: أن الفرك عادة لا يزيل جميع الأجزاء فدل على أن المني طاهر.
والقول الثاني: أن المني نجس لما ثبت أيضاً في الحديث أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تغسل ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخرج إلى الصلاة وهي ترى بقع الماء بعد الغسل.
وجه الاستدلال: أن الغسل يكون للنجاسات.
والجواب عليه: أن غسلها - رضي الله عنها - كان تكميلاً للنظافة جمعاً بين الغسل والفرك وقد بين الحديث الآخر أن الفرك لليابس والغسل للرطب.
وغسلها - رضي الله عنها - أيضاً هو من باب إماطة الأذى كما يغسل المخاط وإن كان طاهراً.
والراجح أن المني طاهر.
• ثم قال - رحمه الله -:
ورطوبة فرج المرأة.
رطوبة فرج المرأة نحتاج إلى معرفة عدد من الأشياء عنه:
الأول: تعريفه. الثاني: مكانه. الثالث: حكمه.
تعريفه: هو ماء أبيض بين المذي والعرق ولو سألنا هل رقيق أو ثخين؟
فالجواب: رقيق. لأنه سبق معنا أن المذي ماء أبيض رقيق وهذا الماء قلنا أنه بين المذي والعرق وكل منهما رقيق فهو أيضاً رقيق.
فإذا أردت أن تزيد في إيضاح التعرف فتقول ماء أبيض رقيق بين المذي والعرق والفقهاء لم يذكروا كلمة رقيق لأنه معلوم فما دام أنه بين العرق والمذي فهو رقيق.
مكانه (مكان خروجه): يخرج هذا السائل من مخرج الولد وهو فتحة في أدنى فرج المرأة كما أن البول يخرج من فتحه في أعلى فرج المرأة.
فنحن نتحدث عن السائل الذي يخرج من مخرج الولد الذي يتصل بالرحم ولسنا نتحدث عن أي سائل يخرج من مخرج البول.
حكمه: مذهب الحنابلة فهو طاهر عندهم. واستدلوا بدليلين:
الأول: أن الأصل في الأعيان الطهارة.
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المجامع بغسل الذكر.


وجه الاستدلال: أن في الجماع غالباً سيلتصق شيء من هذا السائل بذكر الرجل ولو كان نجساً لأمر - صلى الله عليه وسلم - بغسل الذكر بعد الجماع.
- كأن هناك انقطاع
واستدلوا بأن القاعدة عند العلماء والأصل العام أن كل خارج من السبيلين فهو نجس.
الجواب: يجاب عن هذا الاستدلال بأن مقصود الفقهاء بالسبيلين ما يخرج من مخرج البول والغائط.
والراجح أن هذه الرطوبة طاهرة. بل القول بنجاستها يدخل على المرأة حرج ومشقة. لا سيما إن صح ما ذكره بعض الأطباء أنه لا يوجد امرأة من بنات حواء إلا ويخرج منها هذا السائل. أي أنه لا يختص ببعض النساء دون بعض.
فهذا مما يؤكد طهارة هذا السائل.
• ثم قال - رحمه الله -:
وسؤر الهرة، وما دونها في الخلقة: طاهر وسباع البهائم والطير والحمار الأهلي والبغل منه: نجسة.
السؤر: يقصد به هنا بقية الطعام والشراب.
فسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر.
الدليل: حديث أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن الهرة إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات.
قال الحنابلة ويقاس على الهرة كل ما كان أصغر منها حجماً. وسيأتينا الخلاف في هذه المسألة في المسألة التي تليها لأن المؤلف - رحمه الله - يقول هنا: وسباع البهائم والطير والحمار الأهلي والبغل منه نجسة.
قاعدة المذهب أن كل ما لايؤكل لحمه مما هو أكبر من الهرة فهو نجس سؤره وأجزائه.
فإذا ضبطت هذه القاعدة: فإذا سألت عن أي حيوان فستعرف هل هو طاهر أو نجس.
فالبقر مثلاً: طاهر. لأنه يؤكل لحمه.
الحمار: نجس. لأنه لا يؤكل لحمه.
الدليل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل عن بئر بضاعة وما ينوبه من السباع فقال - صلى الله عليه وسلم - إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
فمفهوم هذا الحديث أن الماء إذا كان أقل من القلتين ونابته السباع فإنه ينجس. فالاستدلال بالمفهوم.
وأيضاً استدلوا بحديث أبي قتادة السابق. فجعلوا مناط الحكمة على الحجم. فما كان أكبر من الهرة فهو نجس إذا لم يكن مأكول اللحم.
وما كان أصغر فهو طاهر.
القول الثاني: أن مناط الطهارة هو التطواف أو الطواف. فالحيوان الذي يكثر طوافه بين الناس ومساسه بهم فإنه طاهر. وما لا فلا.
والكلام الآن فيما لا يؤكل لحمه أما مأكول اللحم فطاهر.


الدليل على هذا المناط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على ذلك فقال إنها من الطوافين عليكم والطوافات.
الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام ما زالوا يركبون الحمار والبغل وقد يصيب ملابسهم شيء من سؤرها وقد تصيب ملا بسهم رطوبة شعر الحمار مع كثرة الملابسة والاستخدام ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بغسل شيء من ذلك.
فدل على أن الحمار شعره وريقه طاهر بسبب كثرة الطواف ومساسه للناس.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب.
بقينا في إشكال كبير وهو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر لما ذبح الناس الحمار وطبخوا لحمه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أريقوا اللحم فإنه رجس.
فسمى لحم الحمار رجساً فدل على أن الحمار نجس.
الجواب: على هذا الحديث: أن لحم الحمار نجس وهذا صحيح وفيه نص ولكن الحديث لم يتعرض لشعره ولا عرقه ولا ريقه.
فلا يصح الاستدلال على نجاسة غير اللحم لوجود أدلة أخرى تدل على ((((نجاسة)))) الأجزاء المذكورة وهي الشعر والريق والعرق.
بهذا انتهى الكلام على الأعيان النجسة والتفاصيل التي فيها وننتقل إلى باب الحيض.