شرح زاد المستقنع للخليل

باب الشروط في البيع
- ثم قال - رحمه الله -:
- باب الشروط في البيع.
هذا الباب من أهم الأبواب، وربما نقول هو يلي في الأهمية الشروط لأنه قل أن يخلو عقد من شرط.
قوله - رحمه الله -: (باب الشروط): الشرط في اللغة: العلامة.
وفي الاصطلاح: إلزام أحد المتعاقدين الآخر ماله فيه منفعة بسبب العقد. فإن كان الإلزام ليس بسبب العقد فليس من الشروط. وإن كان الإلزام من رجل آخر ليس أحد العاقدين فليس من الشروط. فلابد أن يكون من أحد العاقدين ولابد أن يكون الإلزام بسبب العقد ولابد أن يكون له فيه منفعة.
- قال - رحمه الله -:
- منها صحيح.
تنقسم الشروط إلى قسمين:
- القسم الأول: شروط صحيحة.
- والقسم الثاني: شروط فاسدة.
ـ القسم الأول: الشروط الصحيحة، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
__________
(1) - ملاحظة: كانت في التسجيل فلا بأس: والصحيح ما أثبت بمراجعة شيخنا - حفظه الله -.


- القسم الأول: من الشروط الصحيحة: اشتراط ما هو من مقتضى العقد:
كأن يشترط عليه أن يقبضه السلعة.
أو أن يشترط عليه أن يتصرف - يعني: البائع - بالسلعة كيفما يشاء.
فهذا النوع من الشروط هو من الشروط التي هي تحصيل حاصل، لأن العقد يقتضيها بدون الشرط، وهي جائزة بالإجماع، بل هي واجبة لأن العقد يقتضي هذه الشروط وإنما لم يذكر المؤلف - رحمه الله - هذا النوع لما قلت لك: من أن العقد يقتضي هذه الشروط فلا حاجة للكلام عنها، مع العلم أن الأصل ذكر هذا الشرط - أصل الكتاب وهو المقنع ذكر هذا الشرط - فهذه من المسائل التي تركها المؤلف - رحمه الله - وتركه إياها جيد لأن هذا الشرط تحصيل حاصل.
- القسم الثاني: هو الذي بدأه المؤلف - رحمه الله - بقوله: (كالرهن وتأجيل الثمن، وكون العبد كاتباً).
- فالقسم الثاني هو: اشتراط ما فيه منفعة للبائع أو للمشتري. غالباً لا تكاد تخرج عن أن تكون: صفة في المبيع أو صفة في الثمن أو لتوثيق البيع كاشتراط الرهن. فلا تكاد تخرج شروط الناس عن هذه الأنواع الثلاثة.
وهذا القسم الثاني هو القسم الأول عند المؤلف.
- قال - رحمه الله -:
- كالرهن.
أي: كأن يشترط البائع على المشتري أن يرهنه مقابل الثمن سلعة أخرى فيقول بعت عليك هذا البيت بشرط أن ترهنني هذه الأرض. فهذا العقد وهذا الشرط: صحيح.
لأن في هذا الشرط منفعة للبائع.
- قال - رحمه الله -:
- وتأجيل الثمن.
الأول من شروط البائع والثاني من شروط المشتري.
كأن يقول: اشتريت منك هذه السلعة بشرط: أن تؤجل الثمن.
فهذا الشرط صحيح، ويلزم البائع أن يؤجل الثمن.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون على شروطهم) وهو حديث صحيح إن شاء الله.
* * مسألة/ فإن اشترط التأجيل فلابد من العلم بالأجل، فإن لم يذكر بطل الشرط.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الثنيا إلا أن تعلم).
- ولأنه - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن الغرر).
وفي تأجيل الثمن لا إلى موعد محدد غرر وإقحام للمتعاقدين في الخلاف.
= القول الثاني: أنه يجوز تأجيل الثمن إلى موعد معروف وإن لم يحدد كقوله: (إلى الحصاد)، (أو إلى الجذاذ).


والأقرب والله أعلم أنه لابد من تحديد الأجل بموعد محدد. لأن إطلاق العقود والشروط بلا تحديد وإن ربطت بموعد متعارف عليه يؤدي غالباً أو دائماً إلى الاختلاف والشجار بين المتبايعين.
وإذا كان موعد الجذاذ معروفاً فليذكر في العقد، وموعد الجذاذ يحتمل أن يقصد به أول بداية الموعد ويحتمل أن يقصد به آخر موعد الجذاذ، ويحتمل أن يكون في وسط موعد الجذاذ. وهذه المدة طويلة غالباً ما تكون خلاف بين المتبايعين.
لذلك الأقرب أنه لابد من تحديد موعد معروف محدد باليوم لتسليم الثمن.
-
ثم قال - رحمه الله -:
- وكون العبد كاتباً.
هذا شرط في السلعة.
إذا اشترط المشتري أن يكون العبد كاتباً: صح الشرط ولزم الإتيان به.
فإن أخل: فسيأتينا ماذا يترتب على الإخلال.
- ثم قال - رحمه الله -:
- أو خصياً.
إذا اشترط أن يكون العبد خصياً أو اشترط أن يكون العبد فحلاً. فإنه لابد من الإيفاء بالشرط.
لأن هذا فيه منفعة للمشتري. سواء اشترط أن يكون خفياً أو اشترط أن يكون فحلاً.
فإن اشترط أن يكون خصياً: فصار فحلاً. أو فحلاً فصار خصياً. فسيأتينا ماذا يترتب على الإخلال بالشرط.
- قال - رحمه الله -:
- أو مسلماً.
إذا اشترط أن يكون العبد مسلماً فبان كافراً فقد اختل الشرط.
أما إن اشترط أن يكون كافراً فبان مسلماً فلا خيار للمشترط.
إذا قال: أشترط أن يكون العبد كافراً ثم تبين أنه مسلم فإنه عند الإمام أحمد - رحمه الله - لا خيار.
لماذا؟
- لأنه لا يمكن أن نجعل صفة الإسلام نقصاً في السلعة، بل هي كمال مهما كان مقصود المشترط، فهذا الشرط يسقط.
* * مسألة/ قال ابن مفلح: فإن اشترطه أحمقاً فبان ذكياً فلا خيار. يعني: لو قال: أنا أشترط في العبد أن يكون أحمقاًَ فبان ذكياً فلا خيار له عند ابن مفلح - رحمه الله -. لأن صفى الذكاء أكمل من صفة الحمق.
والصواب: أن له الخيار. وأن الإخلال بهذا الشرط إخلال بمقتضى الشرط الذي في العقد.
لأن الحمق قد يكون مقصوداً لبعض الناس لأن عمل هذا العبد لا يناسب فيه أن يكون رجلاً أو عبداً ذكياً بل لابد أن يكون عبداً أحمقاً، فإن كان ذكياً ضره .. ((الأذان)).
نتم القسم الثاني من النوع الأول.
-
يقول - رحمه الله -:
- والأمة بكراً.


يعني: إذا اشترط أن تكون الأمة بكراً فبانت ثيباً فقد أخل بالشرط.
- لأن البكارة مقصوده.
فإن اشترطها ثيباً فبانت بكراً: فلا خيار له.
- لأن صفة البكارة أكمل من غيرها.
والصواب: أنه إذا اشترطها ثيباً وبانت بكراً فله الخيار إذا كان له مقصود صحيح بهذا الشرط، فإن بعض الناس قد يشترط أن تكون الأمة ثيباً ويقصد من هذا قصداً صحيحاً فلا حرج عليه، ولا نقول ليس لك خيار ما دامت بكراً ما دام أنه هو يريدها ثيباً ولا نقول: ليس لك خيار ما دامت بكراً ما دام هو يريدها ثيباً.
فالصواب أنه أن يثبت له فيها الخيار.
وبهذا انتهى النوع الأول من الشروط الصحيحة.
وسيأتينا: ماذا يترتب على الإخلال بهذا النوع ثم نتطرق غداً إن شاء الله للنوع الثاني من الشروط.


شرح كتاب البيع الدرس رقم (7)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم الكلام عن أقسام الشروط الصحيحة وذكرنا الشرط الأول وهو الشرط الذي لم يذكره المؤلف - رحمه الله - والشرط الثاني وصور ونماذج من الشرط الثاني وانتهينا من تقرير صور الشرط الثاني.
باقي من مسائل الشرط الثاني: مسألة واحدة وهي: الحكم إذا أخل بالشرط:
فإذا اشترط عليه صفة مقصودة مرادة ثم أخل بها البائع أو أخل بها المشتري إذا كانت مشترطة على المشتري، فالحكم على التفصيل التالي:
ـ ينقسم الحكم إلى قسمين:
- القسم الأول: أن يتعذر رد السلعة المبيعة: فإذا تعذر فليس لمن فقد الشرط في حقه إلا الأرش، وسيأتينا كيفية تقدير الأرش.
- القسم الثاني: إذا أمكن الرد ولم يتعذر فلمن فقد الشرط في حقه الخيار بين الإمضاء مع أخذ الأرش أو فسخ العقد، فهو مخير إن شاء فسخ وأخذ كامل الثمن وإن شاء أخذ السلعة وأخذ معها الأرش.
وكيفية تقدير الأرش:
هو بأن نقدر قيمة السلعة بدون هذه الصفة المطلوبة ونقدر قيمة السلعة إذا كانت هذه الصفة المطلوبة فيها والفرق بين القيمتين يدفعه البائع.


نقدر قيمة السلعة بلا صفة وقيمة السلعة مع الصفة والفرق بين القيمتين يدفعه البائع للمشتري.
وفهم من هذا التفصيل أن البائع فيما إذا كان هو الذي أخل بالشرط أنه لا خيار له، إنما الخيار فقط للمشتري.
وهذا صحيح فيما إذا أخل البائع بالشرط عمداً مع العلم، وليس بصحيح إذا أخل بالشرط معذوراً بجهل أو نسيان فحينئذ يثبت الخيار للطرفين.
مثال ذلك: اشترط المشتري على البائع أن تكون الأمة معلمة، تقرأ وتكتب وتحفظ القرآن، والبائع نسي هذا الشرط أو جهل أنه يجب عليه الإيفاء بالشرط فباعه أمة تخلو من هذا الشرط فحينئذ نقول للمشتري الخيار وللبائع الخيار فإذا اختار المشتري الإمضاء مع أخذ الأرش فالبائع أيضاً له الخيار إما بالقبول أو باسترداد السلعة ودفع الثمن، يعني إرجاع الثمن للمشتري، فالجميع بالخيار - طرفي العقد بالخيار.
هذه الصورة فيما إذا كان البائع أخل بالشرط بعذر مع العلم أن غالب العقود يكون فيها الإخلال بغير عذر، فإذا كان الإخلال بغير عذر فالحكم هو ما سمعت أنه له الخيار بين الإمضاء مع أخذ الأرش وبين رد السلعة وأخذ الثمن.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ونحو أن يشترط البائع: سكنى الدار شهراً.
قوله: (ونحو أن يشترط البائع).
بدأ المؤلف - رحمه الله - بالقسم الثالث من أقسام الشروط الصحيحة، وهذا الشرط - يعني: هذا القسم الثالث - تعريفه: أن يشترط نفعاً معلوماً في السلعة أو نفعاً من البائع في السلعة.
والأمثلة التي ذكرها المؤلف - رحمه الله - توضح المقصود كما سيأتي التعليق عليها.
حكم هذا الشرط:
= ذهب الجماهير إلى صحة هذا الشرط، وأنه شرط لازم.
واستدلوا على هذا:
- بأن جابر - رضي الله عنه - لما اشترى منه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيره اشترط جابر - رضي الله عنه - على النبي - صلى الله عليه وسلم - حملانه إلى المدينة - يعني اشترط ظهر البعير إلى المدينة، فهذا اشتراط نفع في المبيع.
= والقول الثاني: أن هذا الشرط باطل ولا يصح.
واستدلوا على بطلانه:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وشرط. وهذا بيع وشرط.
والراجح والله أعلم مذهب الجماهير وهو صحة هذا النوع من الشروط.


والجواب على هذا الحديث: أنه حديث ضعيف، بل قال الإمام أحمد - رحمه الله - هو حديث منكر. فهذا الحديث لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فتبين معنا أن الراجح صحة هذا الشرط وأنه يعمل به ويلزم من اشترط عليه أن يؤدي ويفي بالشرط.
-
قال - رحمه الله -:
- ونحو أن يشترط البائع: سكنى الدار شهراً.
هذا هو المثال الأول للقسم الثالث من الشروط الصحيحة وهو:
- أن يشتري الدار ويشترط على المشتري سكنى الدار لمدة سنة. فيقول: أبيع عليك الدار بشرط أن أسكنها لمدة سنة أو لمدة شهر أو لأي مدة يتفقون عليها، فهذا الشرط صحيح.
ويدل على صحة هذا الشرط:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الثنيا إلا أن تعلم.
وفهمنا من كلام المؤلف - رحمه الله - أن اشتراط المنفعة لابد أن يكون معلوماً محدداً وإلا فإن الشرط يبطل.
واستدلوا على هذا:
- بنفس الحديث الدال على صحة الشرط وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، وهذه من الثنيا فقد استثنى البائع شيئاً من المبيع وهو المنفعة.
= والقول الثاني: أنه يجوز استثاء شيء من المبيع ولو إلى مدة غير معلومة ولو إلى الممات.
واستدلوا على هذا:
- بأن أم سلمة - رضي الله عنها - أعتقت الصحابي الجليل سفينة واشترطت عليه خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يموت. فاستثنت - رضي الله عنها - منفعة غير محددة بل تستمر إلى الموت.
والراجح أنه لابد من معرفة المستثنى وأن يكون معلوماً محدداً.
وأما الحديث: فإن ثبتت صحته فإنه يجاب عنه بأن العقد الذي أجرته أم سلمة عقد عتق وهو ليس من عقود المعاوضات، ويتسامح في هذا العقد ما لا يتسامح في عقود المعاوضات.
هذا إذا صح. فالراجح أنه إذا أراد أن يشترط شرطاً في ذات السلعة أو في منفعتها فلابد أن يكون معلوماً محدداً خروجاً من النزاع الذي سيقع قطعاً إذا لم تحدد فترة الانتفاع.
- ثم قال - رحمه الله -:
- أوحملان البعير إلى موضع معين.


هذا الشرط جاء منصوصاً عليه في حديث جابر - رضي الله عنه - كما تقدم فالسنة الصحيحة نصت على هذا الشرط فهو شرط صحيح ويلزم من اشترط عليه الإيفاء به لما تقدم معنا من حديث جابر - رضي الله عنه - فلا إشكال فيه إن شاء الله.
-
ثم قال - رحمه الله -:
- أو يشرط المشتري على البائع: حمل الحطب أو تكسيره أو خياطة الثوب أو تفصيله.
ذكرنا أن القسم الثالث هو: اشتراط منفعة في المبيع أو اشتراط نفع من البائع في المبيع فهذا القسم أو هذا التمثيل للقسم الثاني: وهو اشتراط منفعة البائع في المبيع كأن أقول: أشتري منك هذا الحطب بشرط أن تحمل الحطب إلى الدار فهذا الشرط يتعلق بمنفعة البائع لكن في المبيع - يعني منفعة تتعلق بالمبيع.
فهذا الشرط صحيح وجائز:
- لأن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - اشترى من ذمي حطباً واشترط عليه أن يحمله إلى منزله.
- كما أن النصوص الدالة على صحة هذا النوع الثالث من الشروط الصحيحة دالة على صحة هذا النوع الخاص من الشرط.
- كما أن في هذا الشرط منفعة مباحة لا بأس باشتراطها.
* * مسألة/ فإذا اشترط هذا الشرط: صار هذا العقد يتضمن بيعاً وإيجارة، فالبيع للحطب والإيجارة لنقله. وتقدم معنا أن الجمع بين عقدين بثمن واحد صحيح ولا حرج فيه ولو اختلفت أحكام كل عقد وهذا النوع من هذه العقود فإذاً لا بأس أن يشترط نفع البائع في المبيع.
* * مسألة/فإن اشترط نفع البائع في غير المبيع: كأن يقول: اشتريت منك هذا الحطب على أن تبني لي هذا الجدار.
فالآن النفع ليس في المبيع وإنما في عين أخرى وهذا العقد أيضاً صحيح لأن النصوص تدل على صحته ولا يشتمل أي نوع من الغرر أو الظلم فهو متوافق مع مقاصد الشريعة ويدخل ضمن الحديث العام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط الثنيا إلا أن تعلم فهو عقد صحيح إن شاء الله ولا فرق بين أن يشترط الإنسان منفعة من البائع في المبيع أو منفعة من البائع في غير المبيع، وأي فرق بين الصورتين فالشرط في الصورتين صحيح إن شاء الله ويلزم من اشترطه بالأداء والوفاء بما اشترط على نفسه أو بما التزم على نفسه.

-
ثم قال - رحمه الله -:
- وإن جمع بين شرطين: بطل البيع.


إذا جمع الإنسان بين شرطين فغن البيع عند الحنابلة: باطل. وهذا الحكم يتعلق فقط بالقسم الثالث الأخير.
أما إذا شرط شرطين في القسم الأول والثاني فلا حرج عليه. إنما هذا القيد يعود إلى اشتراط منفعة في المبيع أو اشتراط نفع البائع في المبيع.
فالقسم الأول: لو قال: اشتريت منك هذه السيارة بشرط أن تقبضني إياها وأن أتصرف فيها كيفما أشاء، كم اشترط من شرط؟ شرطين: وهذا يدخل تحت القسم الأول.
وإذا قال: اشتريت منك هذه السيارة بشرط أن يكون لونها أبيض وأن تكون جديدة فالآن اشترط شرطين وهذا يدخل تحت القسم الثاني.
وإذا قال: اشتريت منك هذا الحطب بشرط أن تحمله وأن تكسره، فاشترط شرطين وهذا في القسم الثالث وهذا لا يجوز عند الحنابلة، والعقد باطل والشرط باطل.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وسلف وعن شرطين في بيع وعن بيع ما لا يملك.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: فهذا نص في النهي عن الشرطين.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - اختارها شيخ الإسلام وابن القيم وعدد من المحققين. أن اشتراط شرطين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل: صحيح.
- لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون على شروطهم)، فقوله (على شروطهم) عام وهو جمع يشمل الشرط والشرطين والثلاثة والأكثر والأقل.
- واستدلوا بالقياس على صحة أكثر من شرط في القسم الأول والثاني من الشروط الصحيحة.
بقينا في الجواب عن الحديث: فإن الحديث نص: نهى عن شرطين في بيع.
فالجواب عليه: أن أهل العلم اختلفوا في معنى هذا الحديث: أي في معنى نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شرطين، اختلفوا إلى خمسة أقوال:
= القول الراجح منها: أن معنى النهي عن الشرطين أن يقول: بعت عليك هذا الشيء نقداً بكذا واشتريته منك نسيئة بأكثر منه. وهي صورة العينة، فحملوا الحديث: النهي عن شرطين. على صورة العينة.

واستدلوا على هذا:
- بأنه يعهد في الشرع وفي اللغة تسمية الشيء ببعضه. فالنهي عن الشرط هنا يقصد بالشرط العقد، فالشرط هنا هو المشروط، كما أن نطلق الضرب على المضروب.


- والدليل الثاني على حمل هذا الحديث على هذا المعنى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا. وإذا أردت أن تطبق هذا الحديث على صور المعاملات فإنه لا ينطبق إلا على العينة، فإذا باع الإنسان بيعتين النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن له أوكسهما أو الربا. أوكسهما: يعني: أقلهما. والمقصود بأقلهما هنا: رأس المال. فإذا باع سيارة بنقد بعشرة آلاف واشتراها نسيئة بعشرين ألف فأيهما الأوكس والأقل؟ النقد وهو العشرة آلاف. وهو رأس المال.
وإذا أردت أن تطبق هذا الحديث على صور المعاملات المنهي عنها فستجد أنها تنطبق تماماً على العينة فهي التي فيها ثمنين أحدهما أكثر من الآخر وهي التي إذا لم يأخذ الأقل وقع في هذه الصورة في الربا. وقع في المعاملة هذه في الربا.
إذاً: لحمل هذا الحديث على خلاف ظاهره نحتاج إلى أشياء قوية تخرجنا عن ظاهر نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شرطين. والإمام أحمد - رحمه الله - يقول: هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن شرطين. نص صريح وواضح وصحيح ولذلك نحتاج للخروج عن هذا الظاهر هذه الأدلة التي انتصر لها ابن القيم - رحمه الله - بالذات وشيخ الإسلام - رحمه الله - أيضاً لكن ابن القيم - رحمه الله - هو الذي أطال فيها وبين أن معنى النهي عن شرطين الذي لا ينطبق إلا عليه هو العينة بدلالة هذين الأمرين.
أن الشرط يطلق على العقد وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: فله أوكسهما أو الربا وهذه الصورة لا تنطبق إلا على صورة العينة.
والراجح والله أعلم: القول الثاني وهو: أنه يجوز أن يبيع الإنسان بشرط وبشرطين وبثلاثة. في القسم الأول والثاني والثالث.
أولاً: لأن هذا الحديث وإن كان حديثاً صحيحاً إلا أنه يتعين حمله على هذا المعنى جمعاً بين النصوص والآثار. ولأنه لا يعلم علة واضحة معقولة للنهي عن شرطين وإجازة شرط لا سيما أنا نجيز الشرطين في القسم الثاني بالإجماع ولا فرق بين القسم الثاني والقسم الثالث.


ولذلك نحن نقول إن شاء الله الرواية الثانية عن الإمام أحمد - رحمه الله - هي الصواب إن شاء الله وأنه يجوز للإنسان أن يشترط شرطاً أو شرطين أو ثلاثة وأكثر وأقل للنصوص التي ذكرت.
-
ثم قال - رحمه الله -:
- ومنها فاسد: يبطل العقد، كاشتراط أحدهما على الآخر عقداً آخر: كسلف وقرض وبيع وإجارة وصرف.
القسم الثاني من الشروط: الشروط الفاسدة. والشروط الفاسدة: يحرم على الإنسان أن يشترطها، فإن اشترط شرطاً فاسداً فهو آثم. لأنها مخالفة للشرع، ولا يجوز للإنسان أنة يقتحم العقود المحرمة.
وهذا القسم الثاني ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: من الشروط الفاسدة: أن يشترط عقداً في عقد آخر، اشتراط عقد في عقد، ولا تخلط بين هذه الصورة وبين جمع عقدين بثمن واحد، فتلك ليس فيها شروط أما هذه الصورة فهو يشترط عقد في عقد آخر.
فإذا اشترط عقداً في عقد آخر فهو باطل.
مثاله:
- يقول المؤلف - رحمه الله -: (كسلف وقرض).
السلف: المقصود به هنا: السلم.
صورة المسألة: أن يقول: أسلمك بشرط أن تقرضني. فهو اشترط عقداً آخر وهو عقد القرض. فهذا صورة السلف والقرض.
- قال - رحمه الله -: (وبيع).
أيضاً: صورة البيع ظاهرة: كأن يقول: أبيع عليك هذه السيارة بشرط أن تقرضني ألف ريال. فهو أضاف إلى عقد البيع شرطاً آخر وهو: عقد القرض.
- ثم قال - رحمه الله -: (وإجارة).
نفس الشيء. كأن يقول: أقرضك هذا المبلغ بشرط أن تؤجرني بيتك سواء كان بأجرة المثل أو بأكثر أو بأقل، فمجرد اشتراط أن لا يقرضه إلا إذا أجره فهذا اشتراط عقد في عقد وهو من الشروط الفاسدة كما سمعت.
-
قال - رحمه الله -: (وصرف)
والصرف كذلك نفس الصورة. كأن يقول: لا أوأجرك بيتي بشرط أن تصارفني هذه الدراهم بالدنانير. أو هذه الريالات بالدولارات. فيشترط عبيه بعقد الإجارة عقد الصرف.
إذاً: هذه هي الصور التي ذكرها المؤلف - رحمه الله - لاشتراط أحدهما على الآخر عقداً آخر.
حكم هذه المسألة:
حكمها: أنها لا تجوز. وأن العقد والشرط باطل:
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة، وهذا أجرى بيعتين في بيعة، وذلك بسبب اشتراطه عقداً آخر في العقد الأول.


- واستدلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -:نهى عن بيع وسلف. مما يدل على تحريم اشتراط عقد في عقد آخر.
= القول الثاني: في هذه المسألة: أنه يجوز اشتراط عقد في عقد آخر وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - واختارها شيخ الإسلام وابن القيم.
- لأنه ليس في النصوص الشرعية ولا في القواعد والمقاصد الشرعية ما يدل على تحريم اشتراط عقد في عقد آخر.
- والأصل في المعاملات الحل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (المسلمون على شروطهم).
ويستثنى على القول الثاني: بيع وسلف. ويستثنى اشتراط عقد القرض في أي عقد آخر. فلا يجوز للإنسان أن يشترط عقد القرض في أي عقد آخر أما باقي العقود فلا بأس بها، فلو قال: أبيعك بشرط أن تؤجرني، أصارفك بشرط أن تبيعني، أسلم إليك بشرط أن تؤجرني فلا حرج في هذه العقود، لكن لو قال: أؤجرك بشرط أن تقرضني فإنه لا يجوز.
أما دليل الجواز: فذكرناه.
وأما دليل المنع: في صورة القرض إذا دخل على عقد آخر: - فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل قرض جر نفعاً.
وإذا اشترط عقداً آخر في القرض فقد جر قرضه له نفعاً زائداً وهو العقد الآخر.
ولذلك نحن نقول أن العقد الآخر سواء تم بمثل القيمة السوقية أو بأكثر أو بأقل لا يجوز لأن النفع الذي جره هوم نفس العقد الآخر. سواء كان بأقل أو بكثر وحتى لو كان بأقل من سعر السوق فما دام مشترطاً لإجراء القرض فهو ممنوع ومحرم.

= والقول الثالث: أن البيع صحيح والشرط فاسد.
فإذا قال: أبيع عليك بشرط أن تؤجرني. فأي منهما الفاسد على القول الثالث؟ الإجارة. فالإجارة المشترطة هي الفاسدة والعقد الأول صحيح.
والراجح والله اعلم: القول الثاني.
وأما الجواب عن حديث: نهى عن بيعتين في بيعة. فهو أن يحمل على عقد العينة كما سبق تفصيله الآن وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة ولكن بين هذا بقوله: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) وهذه الصورة لا تنطبق إلا على العينة.
وما هو الجواب عن دليلهم الثاني: وهو أنه - رحمه الله - نهى عن بيع وسلف؟


الجواب: أنا لا نحتاج إلى جواب لأنا نقول بمفهوم هذا الحديث ونستثني صورة القرض، وإنما يجيب الإنسان عن حديث لم يعمل به لعارض أقوى منه أو لفهم آخر للحديث.
إذاً: القول الراجح إن شاء الله لعقد بيعتين في بيعة أنه جائز ولا حرج فيه وكثير من الناس اليوم يحتاج إلى هذا العقد حاجة ماسة ومن أبرز صور الحاجة: الذين يبيعون بيوتهم التي يسكنون فيها غالباً ما يشترطون على المشتري أن يؤجرهم بيتاً آخر. أما إن اشترطوا منفعة السكنى فهذا لا بأس به، لكن غالباً ما يشترطون: يقول: أبيع عليك البيت بشرط أن تؤجرني بيتك الآخر. فهذا العقد صحيح وفيه منفعة للبائع وفيه منفعة للمشتري وفيه منفعة للمجتمع ولا يوجد فيه أي محظور شرعي ولا يتعارض مع أي من مقاصد الشرع.
فإن شاء الله أن هذا القول هو الصواب وحاجة الناس تمس إليه.

ثم بدأ بالثاني:
- فقال - رحمه الله -:
- وإن شرط أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلاّ رده، أو لايبيع ولا يهبه ولا يعتقه، أو إن أعتق فالولاء له، أو أن يفعل ذلك: بطل الشرط وحده.
النوع الثاني من الشروط الفاسدة: أن يشترط ما ينافي العقد لكن يصح معه العقد وإنما يبطل الشرط، بخلاف القسم الأول فإن العقد والشرط كلاهما باطل.
صور هذه المسألة:
- ـ يقول - رحمه الله -: (وإن شرط أن لا خسارة عليه).
الخسارة في اللغة العربية: هي النقص.
فإذا قال: أنا أشتري منك هذه السلعة بشرط أن لا خسارة علي فإن بعتها بخسارة فالعقد الأول باطل وتكون الخسارة على البائع الأول.
فهذا الشرط باطل عند الحنابلة.
لأن هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، لأن العقد يقتضي أن يكون الضمان على المشتري إذا انتقلت إليه السلعة فهذا العقد في الحقيقة ينافي مقتضى العقد. وسياتينا الخلاف فيها.
- ـ قال - رحمه الله -: (أو متى نفق المبيع وإلاّ رده).
نفق: يعني: بيع. وهو ضد الكساد.
فيقول: أنا أشتري منك هذه السلعة بشرط أن تباع وتمشي في السوق وإلا فإني أردها.
فالأول: اشترط عدم الخسارة. والثاني: اشترط أن تباع السلعة ولو بدون ربح.
فهذا ينافي مقتضى العقد للتعليل السابق.
- ـ قال - رحمه الله -: (أو لايبيع ولا يهبه ولا يعتقه).
اشترط عليه: أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق.


يقول: أنا أبيع عليك هذه السيارة بشرط أن لا تبيع هذه السيارة ولا تهب هذه السيارة وإنما تبقى معك.
وأنا أبيع عليك هذا العبد بشرط أن لاتهبه ولا تبيعه ولا تعتقه. فيشترط عليه هذا الشرط.
فعلى المذهب: العقد صحيح والشرط فاسد.
فنقول للمشتري: لك أن تبيع ولك أن تهب ولك أن تعتق وأن تصنع ما تشاء لأن العقد صحيح والشرط فاسد.
-
ـ قال - رحمه الله -: (أو إن أعتق فالولاء له).
يقول: أنا أبيع عليك هذا العبد بشرط إذا أعتقته فولاء هذا العبد لي.
فهذا الشرط أيضاً: باطل. والعقد صحيح.
- ـ قال - رحمه الله -: (أو أن يفعل ذلك).
يعني: أن يبيع وأن يهب وأن يعتق.
فالمنفي يصبح مثبتاً في العبارة.
فيقول: انا أبيع عليك هذه السيارة بشرط أن تبيع هذه السيارة.
أنا أبيع عليك هذه السيارة بشرط أن تهب هذه السيارة.
إذاً: يشترط عليه عكس المنفي في الأمثلة السابقة.
فكذلك هذا الشرط باطل والعقد صحيح.
- قال - رحمه الله -:
- بطل الشرط وحده.
هذا هو الحكم. هذا حكم النوع الثاني من الشروط الفاسدة:
أن الذي يبطل هو الشرط وحده وأما العقد فهو صحيح.
واستدل الحنابلة على هذا الحكم:
- بان بريرة - رضي الله عنها - جاءت إلى عائشة وقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني. قال - رضي الله عنها: إن شئت نقدن لك الثمن دفعة واحدة ويكون الولاء لي. فذهبت إلى أهلها فأبو أن يكون الولاء لعائشة. فرجعت فلما رجعت - رضي الله عنها - ودخلت على عائشة فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - عند عائشة - رضي الله عنها - فأخبرت بالأمر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: (خذيها - يعني اشتريها - واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن اعتق) ثم قام - صلى الله عليه وسلم - خطيباً في الناس فقال: (ما بال رجال يشترطون شروطاً ليس في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق).
فالحديث صحيح ونص في إبطال الشرط وصحة العقد.
وهذا الحديث في الصحيحين لا إشكال في ثبوته.
والإمام أحمد - رحمه الله - تمسك بهذا الحديث وقال: هذا النوع من الشروط هو الباطل والنبي - صلى الله عليه وسلم - صحح العقد وانتقلت بريرة إلى عائشة وصار الولاء لها.


= القول الثاني: أن هذا النوع من الشروط صحيح. بشرط: أن يكون لمشترطه قصد صحيح. وهذا الشرط بالذات في هذا القسم لابد منه: أن يكون لمشترطه قصد صحيح. وإلى هذا ذهب أيضاً شيخ الإسلام وابن القيم - رحمهما الله -.
واستدلوا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلمون على شروطهم) فكل شرط يحقق غرضاً صحيحاً ولا يتنافى مع الشرع فإنه صحيح ويؤخذ به.
- واستدلوا: بأن امرأة ابن مسعود باعت عليه عبداً من عبيدها أو أمة من إمائها واشترطت عليه أنه إذا باعها فهي لها بالثمن. فهذا هو عين هذا الشرط الثاني. ولما سأل ابن مسعود عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: صحح الشرط.
بقينا في الجواب على قضة بريرة: ما هو الجواب على قصة بريرة؟
الجواب: أنه مخالف للنص. فالجواب أنا قلنا في القول الثاني أنهم يقولون كل شرط فيه مصلحة لأحد العاقدين ولا يخالف نصاً من النصوص. فهذه الشروط جائزة بهذين الشرطين:
1 - أن يكون فيه منفعة لأحد العاقدين.
2 - وأن لا يخالف نصاً من النصوص.
فمثلاً: اشتراط الولاء لغير المعتق هذا يخالف نصاً والنص هو: (إنما الولاء لمن أعتق).
فهذا الشرط مناقض تماماً لمقتضى العقد.
أما الشروط الأخرى التي ليس في المنع منها نص شرعي ولا قاعدة تدل عليها النصوص فليس هناك دليل يدل على إبطالها.
فإذا قال: بعت عليك هذا العبد بشرط: أن لا تبيعه أبداً إلا لي. وهذا هو نفس شرط امرأة ابن مسعود فهذا شرط صحيح لأن للمشترط غرض ومن أعظم أغراض المشترط الحفاظ على سلامة هذا العبد.
كأن يكون من طلاب العلم لا سيما في القرن الثاني والثالث كان سادة الناس من الموالي أئمة الناس من الموالي. فهؤلاء لابد أن يعاملوا معاملة خاصة ولذلك إذا باعه الإنسان فإنه لا يبيعه إلا وقد ضمن عدم الإضرار به، وهذا مثال.
وكأن يقول: بعت عليك هذه العمارة بشرط أن لا تبيع هذه العمارة إلا لي وأنا آخذها منك بالثمن.
من أمثلة النفع الحاصل للمشترط: أن كثيراً من الناس قد يبيع العمارة على شخص ويراعيه ويحابيه فيها في ثمنها فيريد أن هذا الذي اشترى إذا كان يريد أن يبيع ولا ينتفع بهذه العمارة أن ترجع لمن؟ للبائع.


فعلى كل حال: كل شرط لا يخالف نصاً وفيه نفع لمشترطه فهو صحيح.
إذا قال أحدهم: بعت عليك هذه السيارة بشرط أن لا تبيعها. فقلنا له: لماذا اشترطت هذا الشرط؟ قال: ليس لي أي غرض. لكن هكذا أريد. أريد أنه لا يبيعها. فهل هذا الشرط صحيح أو باطل؟
باطل. لماذا؟ لأنه ليس له غرض صحيح. فلابد أن نراعي هذه القضية.
فإذا كان لمجرد التحكم وليس لغرض صحيح فإنه فعلاً يناقض مقتضى العقد، لكن إذا كان لغرض صحيح فلا بأس به.
- ثم قال - رحمه الله -:
- إلاّ إذا شرط العتق.
إذا شرط العتق فالشرط صحيح حتى عند الحنابلة.
كأن يقول: بعت عليك هذا العبد بشرط أن تعتقه. فالشرط صحيح ويلزم المشتري أن يعتق العبد الذي اشترى.
الدليل على هذا:
- أن أهل بريرة اشترطوا على عائشة شرطين: - الأول: أن تعتق بريرة. والثاني: أن الولاء لهم. فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراط الولاء وصحح اشتراط الإعتاق.
فدل هذا على أن هذا الشرط بالذات صحيح.
- الدليل الثاني: أن الشارع متشوف للعتق ويرغب فيه ويتطلبه بشتى الوسائل من ذلك: إذا اشترط البائع على المشتري أن يعتق من اشتراه.
إذاً دل على صحة اشتراط العتق دليلان.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ((وَبِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إِلَى ثَلاَثٍ وَإِلاَّ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا)) صح.
صح: يعني صح البيع والتعليق.
فإذا قال له: بعتك هذه السيارة على أن تأتيني بالثمن قبل مضي ثلاثة أيام وإلا فإنه لا بيع بيننا. يعننيك وإلا فإنني أفسخ البيع.
فهذا العقد والتعليق صحيح. يدل عليه دليلان:
- الأول: أنه روي عن عمر - رضي الله عنه - تصحيح هذا الشرط.
- والثاني: القياس على خيار الشرط كما سيأتينا تفصيله.
- الثالث: عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون على شروطهم).
فهذه الأدلة تدل على صحة هذه الصورة وهو صحيح.
-
ثم قال - رحمه الله -:
- ((وَبِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا أَوْ رَضِي زَيْدٌ))، أو يقول للمرتهن: ((إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ وَإِلاَّ فَالرَّهْن لَكَ)) لا يصح البيع.

- ـ قوله - رحمه الله -: (وَبِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا أَوْ رَضِي زَيْدٌ).


هذا هو النوع الثالث من الشروط الفاسدة: وهو: أن يعلق البيع على شيء آخر.
فإذا علق البيع على شيء آخر: فالشرط فاسد.
استدل الحنابلة - رحمهم الله - على فساد هذا النوع من الشروط:
- بأن مقتضى البيع نقل الملك - يعني: في المبيع - والتعليق يمنع ذلك.
فإذاً: صار هذا النوع من الشروط أيضاً أبطلوه لأنه يناقض مقتضى العقد، فغالباً ما تجد الحنابلة يدورون في الشروط الفاسدة حول هذا المعنى. وهو أن الشرط يناقض مقتضى العقد.
= القول الثاني: أن هذا النوع من الشروط صحيح وأنه يدخل تحت العمومات ولا يتضمن أي محذور من محذورات عقود المعاوضات، لا ظلم ولا غرر ولا ربا. فهو صحيح.
فإذا قال: بعت عليك هذا الشيء إن جاء زيد: صح. فإن جاء زيد فتم البيع وإلا فلا.
وإن قال: بعت عليك هذه السيارة إن نجحت: فكذلك.
وإن قال: بعت عليك هذا البيت إن تزوجت: فكذلك.
وهذه الشروط صحيحة ولا تخالف شيئاً من قواعد الشرع.
والقول الثاني: هو الصحيح. وأن هذا الشرط صحيح والعقد صحيح خلافاً للمذهب.
- ـ قوله - رحمه الله -:أو يقول للمرتهن: ((إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ وَإِلاَّ فَالرَّهْن لَكَ)) لا يصح البيع.
هذه الصورة من جهة مستقلة ومن جهة داخلة تحت القسم الثالث، لأن فيها تعليقاً فهي من هذه الجهة داخلة تحت القسم الثالث من الشروط الفاسدة وهي مسألة مستقلة لأن فيها نصاً خاصاً.
إذا قال الراهن للمرتهن: - الرهن هو: المدين. والمرتهن هو: الدائن. - إذا قال له: إن جئتك بالثمن قبل كذا وكذا وإلا فالرهن لك.
فالبيع والشرط كلاهما باطل عند الحنابلة.
استدلوا على هذا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغلق الرهن من راهنه). والإمام أحمد - رحمه الله - فسر هذا الحديث تماماً بهذه الصورة. فقال - رحمه الله -:معنى هذا الحديث أن يقول: إن جئتك بالثمن إلى كذا وإلا فالرهن لك. ففسره - رحمه الله - تماماً بهذا.
= والقول الثاني: أن هذه الصورة جائزة وأنه لا حرج فيها.
والجواب على الحديث من وجهين:
- الوجه الأول: أنه ضعيف.
- والوجه الثاني: أن معناه: أخذ الرهن بمقتضى العقد بدون شرط. (أخذ الرهن: يعني من قبل المرتهن. بنقتضى العقد بدون شرط). هذا هو المنهي عنه. ((الأذان)).


إذاً مسألة: (إن جئتك بحقك وإلا فالرهن لك لا يصح البيع).
تبين معنا الآن أن القول الثاني: صحة البيع. وصحة العقد وهو رواية عن أحمد واختارها كما قلت لكم شيخ الإسلام وابن القيم.
وأجابوا عن الحديث: بأحد جوابين: - إما أن نقدح في صحته ونقول لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. - أو أن نحمله على أخذ المرتهن للرهن بمجرد العقد - يعني: إذا تأخر عن السداد.
والراجح إن شاء الله: صحة هذا الشرط لأنه لا ينافي شيئاً من مقاصد الشريعة ولعموم: (المسلمون على شروطهم).


شرح كتاب البيع الدرس رقم (8)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- قال المؤلف - رحمه الله -:
- وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب مجهول: لم يبرأ.
لا يصح عند الحنابلة: أن يشترط البراءة من كل عيب مجهول.
والبراءة من كل عيب تنقسم إلى قسمين:
ـ القسم الأول: أن يبرأ إليه من كل عيب معلوم سماه، وأوقف المشتري عليه. كأن يقول في هذه السلعة: العيب الفلاني، فهذه البراءة صحيحة وليس للمشتري بعد ذلك أنه يرد السلعة بالعيب.
وهذه الصورة غير داخلة في كلام المؤلف - رحمه الله -.
ـ القسم الثاني: البراءة من العيب المجهول. أي الذي لم يسمه ولم يبينه البائع أثناء العقد.
فهذه البراءة عند الحنابلة لا تصح. وهو شرط ساقط وللمشتري أن يطالب بخيار العيب.
واستدل الحنابلة على هذا القول:
- بأن خيار العيب لا يثبت إلا بعد العقد فليس أن يسقطه قبل ذلك.
= والقول الثاني: في مسألة البراءة من كل عيب مجهول: وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله -. أن البراءة من كل عيب:
- إن كان العيب غير معلوم للبائع صحت البراءة منه.
- وإن كان معلوماً للبائع لم تصح البراءة منه ولو شرطه.
واستدل الإمام أحمد - رحمه الله - على هذا الحكم:
- بأن هذا هو فقه الصحابة والذي أفتوا به.
واستدل على هذا:


- بأن (عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - باع غلاماً على زيد بن ثابت بثمانمائة درهم واشترط عليه البراءة من كل عيب ثم قال زيد: بعد ذلك في الغلام عيب لم تسمه واختصما فارتفعا إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فنظر في المسألة ثم قضى بأن يحلف بن عمر أن ليس في العبد عيب يعلمه فأبى ابن عمر أن يحلف وارتجع الغلام ثم صح الغلام فباعه ابن عمر بألف وخمسمائة درهم - بضعف الثمن تقريباً - وإنما رفض ابن عمر - رضي الله عنه - أن يحلف لأنه لم يرد أن يجعل الأيمان داخلة في بيعه وشرائه تورعاً، ولذلك والله أعلم يسر الله أمره بأن باع العبد بضعف الثمن.
فهذا الأثر دال على أن البائع إذا برئ من كل عيب وهو لا يعلم الآن عيوب السلعة فالبراءة صحيحة وإن برئ من كل عيب وهو يعلم هذه العيوب فإن البراءة باطلة وللمشتري أن يطالب بخيار العيب بعد ذلك ولو كان مشترطاً.
وهذا القول اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وهو قول صحيح تدل عليه الآثار وتدل عليه المقاصد العامة التي تدل على اعتبار الشروط التي لا تخالف مقتضى الشرع وهذا الشرط منها.
- ثم قال - رحمه الله:
- وإن باعه داراً على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر ... صح
إذا باعه داراً أو أرضاً على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر يعني: بانت خمسة عشر ذراعاً مثلاً: صح البيع.
- لأن هذا النقص نقص على المشتري، فإذا أسقطه فله الحق كما إذا أسقط خيار العيب.
ووجه أن هذه الزيادة نقص على المشتري أن هذه الزيادة ستدخل عليه بملكه شريكاً، ودخول الشريك في الملك نقص في المعنى.
إذاً زيادة الأذرع نقص على المشتري مع أنها زيادة لكن هي نقص في المعنى لأنه سيدخل عليه شريكاً في الملك، لأن هذا الزائد سيبقى في ملك البائع لأنه إنما باع له عشرة أمتار أو عشرة أذرع فقط وإذا بقيت الزيادة في ملك البائع صار شريكاً في الأرض أو في البيت للمشتري وهذا هو وجه النقص.
- ثم قال - رحمه الله:
- أو أقل: صح.
إذا بانت أقل: فأيضاً يصح. إذا بانت أقل فهو صحيح بأن تبين أن الدار تسعة أذرع وهو نقص على البائع فإذا رضي به صح كما إذا وجد عيب في الثمن.


ووجه النقص على البائع في هذه الصورة: أن الثمن سيقسط على السلعة وبذا ينقص الثمن الذي استلمه البائع، وبهذا ينقص الثمن الذي اشتراه البائع.
فإذاً إذا تبين النقص فالبيع صحيح لكن لكل من المشتري والبائع في هذه الصورة الخيار كما سيأتينا لكن الكلام الآن عن صحة العقد.
وصحة العقد ثابتة والسبب في صحة العقد هو أنه نقص إما على البائع أو على المشتري وهذا النقص الذي على البائع أو على المشتري إذا رضي به من عليه النقص: جاز، كما إذا أسقط خيار العيب.
- ثم قال - رحمه الله:
- ولمن جهله وفات غرضه: الخيار.
إذاً مع صحة العقد إلا أنه يثبت للبائع والمشتري الخيار لكن بشرطين:
1 - أن يجهل الزيادة أو النقص.
2 - وأن يفوت بذلكم غرضه.
فإن لم ينطبق الشرطان بأن كان البائع يعلم بأن الأرض زائدة فإنه لا خيار له بل الخيار فقط للمشتري وكذلك لو كان يعلم أنها ناقصة فلا خيار له بل الخيار للمشتري.
وأيضاً في المقابل إذا كان المشتري يعلم أن هذه الأرض التي بيعت عليه على أنها عشرة أذرع هي في الحقيقة أكثر من هذا المقدار أو أقل فليس له الخيار والخيار للبائع فقط.
إذاً يثبت الخيار لمن جهل وأيضاً لمن فات غرضه أما إذا لم يفت الغرض فلا خيار له.
* * مسألة/ (يتبين فيها فوات الغرض وعدمه) إذا رضي البائع ببذل الزيادة بنفس القيمة فلا خيار للمشتري: لأنه لا ضرر عليه ولأن مقصوده لا يفوت، إلا إذا ترتب على الزيادة فوات غرض المشتري.
وهذا قد يتصور وممكن أن الإنسان يتكلف له أمثلة لكنه قليل جداً، قليل جداً أن يفوت غرض المشتري بزيادة الأمتار، فهذا يعني: يتلمس له الإنسان أمثلة وهي قليلة جداً والاشتغال به في الحقيقة ليس له فائدة كبيرة ولذلك الفقهاء لما ذكروا هذه المسألة لم يقولوا إلا إن فات غرض المشتري لأنه صورة نادرة جداً.
لكن إذا تصور أن المشتري يفوت غرضه بزيادة الأمتار لأي سبب من الأسباب لأي سبب كان من الأسباب فإنه لا حرج عليه أن يرد البيع وإلا فالأصل أن البائع إذا بذل الزيادة بنفس الثمن أنه لا خيار عليه.
- الصورة الأخرى: إذا رضي المشتري بشراء الأرض الناقصة بنفس الثمن فلا خيار للبائع لأنه لا ضرر عليه مطلقاً.


ونفس الشيء إذا فات غرض البائع فإنه له الخيار.
وفوات غرض البائع في هذه الصورة أقل وأبعد وأكثر تكلفاً من فوات غرض المشتري فيما إذا زادت الأمتار فإنه لا يكاد الإنسان يتصور مثالاً مستقيماً ليس فيه تكلف لمسألة إذا باع الإنسان أرضاً على أنها عشرة فبانت تسعة ورضي البائع ببذل كامل الثمن فأي ضرر يدخل على البائع ومتى نتصور أنه فات غرضه.
أما في الصورة الأولى ربما - يعني: أقرب من هذه الصور - ربما يكون للمشتري غرض بأرض محددة بدون زيادة ولا نقص - ربما - لكن العكس هذا قليل جداً.
إذاً: إذا بذل المشتري الثمن على الناقص أو رضي البائع بالثمن على الزائد فلا خيار حينئذ لأنه لا ضرر على كل من البائع والمشتري في كل صورة تخصهما.
وبهذا تم الباب.
وقبل أن ننتقل إلى باب الخيار نذكر بصورة مختصرة مسألة التورق لأنا نسينا أن نتطرق إليها عند الكلام على العينة ونقول:
التورق.
التورق: تعريفه: أن يشتري السلعة بثمن مؤجل ليبيعها بثمن حال أقل منه. فإن كان اشترى السلعة بثمن مؤجل ليبيع بثمن مماثل أو بأكثر فليست من التورق. وهذه في السابق قد لا تتصور ولكن الآن قد تتصور. فقد يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل ليبيع بثمن حال أو مساوي لا سيما في السلع التي لا تختلف القيم فيها بالتأجيل والحلول كالأسهم مثلاً.
فالأسهم مثلاً - ربما يشتري الإنسان السهم بثمن مؤجل ولو كان أكثر من الحال ثم قبل أن يبيع يرتفع السوق ويبيع بمثل أو بأكثر مما اشترى به مؤجلاً. هذا مثال.
على كل حال نحن نقول: التورق إنما يكون إذا باع بثمن حال أقل مما اشترى به مؤجلاً.
هذه هي صورة التورق.
حكمها: = ذهب الجماهير: جماهير أهل العلم من السلف والخلف إلى صحة هذه المعاملة، بشرط أن يبيع على غير من اشترى منه. يعني: يشتري السلعة مؤجلة ثم يبيع حال بأقل على غير من اشترى منه.
واستدل الجماهير على هذا:
- بأن الأصل في المعاملات الحل.
- وبأن الربا صورته لا توجد. لأن الأصل في الربا أن يدفع المرابي نقداً ليأخذ أكثر منه نسيئة. وهذه الأمر لم يتحقق في بيع التورق لأن الآخذ شخص آخر غير المعطي.


- واستدلوا أيضاً بدليل وجيه: وهو قول بعض الفقهاء ومنهم الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي: أن الإنسان قد يشتري السلعة لينتفع بها أكلاً أو شرباً أو لبساً أو ركوباً وقد يشتري السلعة لينتفع من ثمنها ولا فرق بين أن يشتري السلعة لينتفع منها أو لينتفع من ثمنها.
وهذا دليل إذا تأملته تجد أنه دليل جيد وفيه فقه وفهم لصورة المسألة.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها ونصرها وتمسك بها شيخ الإسلام بن تيمية وقال ابن القيم: كنا نراجعه مراراً في هذه المسألة فلا تزيده المراجعة إلا ثباتاً على القول وكان يقول لنا إذا راجعناه في التورق: الحيل لا تزيد العقود إلا تحريماً، يعني: لا تزيد العقود المحرمة إلا تحريماً.
وذهب إلى هذا القول أيضاً عمر بن عبد العزيز.
واستدل هؤلاء:
- بأن عقد التورق حيلة على الربا.
- وأن أي عقد المقصود منه دفع المال الكثير المؤجل لأخذ مال قليل حال فهو ربا.
والراجح رجحاناً ليس بيناً رجحاناً ضعيفاً: صحة التورق وأنه جائز.
أولاً: لما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي وهو من وجهة نظري جيد وفيه فقه.
ثانياً: لأن هذا القول هو قول عامة فقهاء المسلمين بل قبل شيخ الإسلام ربما الذين يرون التحريم يعدون بالأصابع: رواية للإمام أحمد واختيار عمر بن عبد العزيز وربما إذا بحثت بحثاً دقيقاً تجد مع هؤلاء واحد أو اثنين وأما باقي الفقهاء فكلهم يون الجواز.
ثالثاً: لأن القاعدة الشرعية التي قررها عدد من أهل العلم منهم شيخ الإسلام: أن العقود التي بالناس إليها حاجة ملحة وليس لها بديل فإن الشرع لا يمنعها. وإذا طبقت هذه القاعدة على التورق تجد أنه ينطبق تماماً.
ولذلك نقول: من يتعاطى التورق لحاجة ملحة عارضة فهو أقرب إلى الحل والإباحة ممن يتعاطى التورق لمزيد الاستثمار والتوسع في الأموال. لأنا نقول أن التورق جائز بناء على هذه القاعدة الشرعية. فينبغي أن يضبط بهذا القيد.
ولذلك: فإن شيخنا - رحمه الله - يشترط لجواز التورق هذا الشرط وهو: أن يكون عن حاجة.
لكن لا نستطيع في الحقيقة أن نشترط هذا الشرط ونجعله شرطاً للجواز، بمعنى: أن الذي يريد التورق لغير حاجة يحرم عليه لعدة أمور:


ـ أولاً: أن هذا الشرط لم يشترطه أحد من الفقهاء. بل الذين قالوا بالجواز قالوا: هو مطلقا. يعني: قرروا الجواز. وقرروا أنه جائز مطلقاً بدون شرط أو قيد.
ـ ثانياً: لأن النصوص التي استدل بها المجيزون تدل على مطلق الجواز. لأنهم يستدلوا بالعمومات والعمومات تدل على الجواز المطلق.
لكن مع ذلك نقول: ينبغي للإنسان أن لا يتعاطى عقد التورق إلا مع حاجة واضحة. لأنه حينئذ يقرب تماماً للجواز ولا يبقى في النفس شيء وتردد من منع هذا العقد.
وأما إذا أخذه تزيداً وتوسيعاً للتجارات فإنه يكون في النفس من جوازه شيء. وإن كان الراجح الجواز لكن تعلمون أنتم كما تقدم معنا مراراً أن المسائل الفقهية ليست أبداً على مستوى واحد من الوضوح وأن بعض المسائل يجزم الإنسان بأنها مباحة وجائزة وبعضها يتوقف فيها وبعضها تكون قريبة للجواز مع أن الإنسان ينبغي أن يحتاط وينبغي لطالب العلم أن يعلم ذلك وأن المسائل ليست على حد سواء وإنما المسائل على حد سواء عند العوام والجهَّال الذين عندهم المسائل قسمين فقط: حلال وحرام. هذا عند العوام. أما طالب العلم الذي يتعاطى النصوص يجب أن يعلم أن المسائل ليست على مستوى واحد وأن دلالات النصوص عليها تختلف فينبغي أن يتعامل معها على قدر دلالة النص على الجواز أو المنع.