شرح زاد
المستقنع للخليل باب الإجارة.
- قال - رحمه الله -:
- باب الإجارة
الإجارة من أنفع العقود التي من الله سبحانه وتعالى بها على المسلمين وفيها
توعة على الناس عظيمة جداً وهي من محاسن التشريع وكذلك المزراعة والمساقاة
إلا أن الحاجة للإجارة أشد وأكثر.
الإجارة مشتقة من الأجر والأحر معناه في لغة العرب: العوض.
حقيقة الإجارة هي أنها بيع منافع كما أن حقيقة البيع هو أنه بيع أعيان.
فالفرق بينهما فقط في أن هذا بيع أعيان وهذا بيع منافع.
وأما تعريفها في الشرع في: بذل العوض في منفعة معلومة أو عمل معلوم.
وهذا التعريف من أخصر التعريفات وأكثرها دلالة على المراد وأكثرها وضوحاً.
والإجارة من العقود المشروعة بإجماع المسلمين لم يخالف فيه أحد. ودل عليه
الكتاب والسنة.
- أما الكتاب فقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فسمى هذا العوض
أجر وذلك دال على عقد الإجارة.
- وأما من السنة فقوله - صلى الله عليه وسلم -: عن ربه تبارك وتعالى:
(ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) قال: (ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم
يعطيه أجره).
وأما الإجماع فهو محكي من أكثر من واحد من أهل العلم.
إذاً عرفنا الآن حقيقة الإجارة في اللغة وفي الشرع والحقيقة الفقهية
للإجارة لأن هذا سنحتاج إليه في مسائل كثيرة والأجلة الدالة على مشروعيته.
- يقول - رحمه الله -:
- تصح بثلاثة شروط. (أحدها) معرفة المنفعة.
معرفة المنفعة: من شروط الإجارة المتفق عليها.
ودليل اشتراط معرفة المنفعة أن المنفعة في عقد الإجارة هي المعقود عليه كما
أن العين في عقد البيع هو المعقود عليه.
فيجب أن نعرف هذا المعقود عليه أي المنفعة كما يجب أن نعرف العين المعقود
عليها.
وهذا الحكم كما قلت لكم بالإجماع. يعني: اشتراط معرفةو المنفعة.
- يقول - رحمه الله -:
- كسكنى دار وخدمة آدمي وتعليم علم.
تحصل المعرفة بأحد أمرين: - الأمر الأول: العرف.
ونكتفي بهذا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب
إليك ...
الدرس: (35) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بالأمس أخذنا أول باب الإجارة وأخذنا التعريف والمشروعية وتوقفنا عند
الشروط وتوقفنا عند الشرط الأول وهو: معرفة المنفعة. وأخذنا الدليل على
اشتراط هذا الشرط لصحة الإجارة.
وتوقفنا على مسألة وهي: بماذا تحصل المعرفة؟
تحصل المعرفة بأحد طريقين:
- الطريق الأول: العرف.
وهذا الذي ذكره المؤلف - رحمه الله - في الأمثلة فقوله: (كسكنى دار وخدمة
آدمي وتعليم علم) فهذه المنافع تعرف بالعرف.
والمنفعة التي تعرف بالعرف نكتفي بمعرفتها بالعرف ولا نشترط الوصف.
- الطريق الثاني: الوصف. وهو الذي لم يذكر له المؤلف - رحمه الله - مثالاً
ومن المعلوم أنه نوع الأمثلة بحسب الطرق لكان أسلم.
مثاله: بناء الجدار. فإذا استأجر رجلاً ليبني له جداراً فهذه المنفعة يشترط
فيها الوصف بأن يقول جدار: مكانه كذا وبناءه من المادة الفلانية وطوله كذا
وعرضه كذا ويصفه بما يتبين معه المنفعة المطلوبة.
إذاً: تبين لنا الآن كيف نعرف المنفعة في الإجارة وأنها بأحد طريقين: -
العرف. وهو الأكثر. - والوصف. وهو الأقل.
- قال - رحمه الله -:
- (الثاني) معرفة الأجرة.
الشرط الثاني: معرفة الأجرة.
والدليل على هذا الشرط من ثلاثة أوجه:
- الوجه الأول: الإجماع.
- والوجه الثاني: القياس على البيع.
- والوجه الثالث: (وهو الأول في الحقيقة) أنه روي عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه نهى عن استئجار الأجير إلا بمعرفة أجرته.
وهذا الحديث اختلفوا في رفعه ووقفه وذهب الشيخ الحافظ أبو زرعة إلى أن
الحديث موقوف على ابن مسعود ولم يصحح رفعه.
(وأقترح عليكم مراجعة كلام الشيخ في علل
ابن أبي حاتم يمكن يكون في خمسة أسطر فقط أو أقل ولكن مفيد حتى تعرف طريقة
الإمام أبو زرعة وأبو حاتم في تعليل هذا الحديث وسيكون ذهنك مشدوداً أكثر
لما تقرأ في حديث يتعلق بموضوعنا).
إذاً: ذهب أبو زرعة إلى أن الحديث موقوف على ابن مسعود. قلت ويظهر لي والله
أعلم وبوضوح أنه موقوف ولكن يظهر لي أنه مما لا مجال للرأي فيه.
وإذا صح أنه لا مجال للرأي فيه أخذ حكم المرفوع.
وعلى كل حال هو دليل صحيح سواء حكمنا بوقفه مع الحكم عليه بالرفع أو حكمنا
عليه بوقفه واعتبرناه فتوى من ابن مسعود والدليل إن شاء الله يصلح أن يتمسك
به الإنسان.
* * مسألة/ معرفة الأجرة تحصل بما يحصل به معرفة الثمن في البيع. فالمباحث
التي ذكرناها في الثمن في البيع تأتي معنا في الأجرة في عقد الإجارة. فما
تحصل به المعرفة هناك تحصل به المعرفة هنا.
- ثم قال - رحمه الله -:
- وتصح في الأجير.
لما قرر المؤلف - رحمه الله - أن معرفة الأجرة شرط من شروط صحة الإجارة بدأ
في الاستثناء كما هي العادة.
لأن الفقهاء - رحمهم الله - يقررون الحكم ثم يذكرون المسائل المستثناة.
ـ المسألة الأولى: أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته. أي يجوز أن يستأجر
الإنسان العامل بطعامه وكسوته أي وليس من الجهالة. يعني: في الأجرة.
استدل الحنابلة على هذا:
- بأن أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود استأجروا الأجير بطعامه
وكسوته.
فدل على أن هذا مشروع وليس بقادح في شرط معرفة الأجرة.
ـ المسألة الثانية:
- يقول - رحمه الله -:
- والظئر.
الظئر: هي المرضع سواء كانت هي الأم أو سواها.
والدليل على صحة هذا الحكم:
- قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فجعل مقابل
الإرضاع الرزق والكسوة بالمعروف.
فدل هذا الدليل على صحة استثناء الظئر.
- قال - رحمه الله -:
- بطعامهما وكسوتهما.
يشترط بالنسبة للظئر - يشترط لصحة الحكم: معرفة المدة.
وظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أنه يجوز استئجار الأجير والظئر بالطعام
والكسوة فقط.
فلا يجوز استئجار الدابة بعلفها.
ولا السيارة بالنزين والزيت.
ولا أي شيء آخر إلا مسألة الأجير والظئر.
= والقول الثاني: أنه يجوز استئجار كل ما
يشبه الأجير والظئر.
قيجوز أن يستأجر الدابة بعلفها.
- لأن دليل الجواز لم يقصر الحكم على هذين النوعين بدليل تعدية الصحابة
الحكم من الظئر إلى الأجير.
فدل على أنهم رأوا علة الحكم وقاسوا عليه ما يشبهه.
فنقول: كل ما يشبه هذه المسألة صحيح والحاجة داعية إليه.
ونصر هذا القول ابن القيم - رحمه الله - وبين قوة هذا القول وأنه لا فرق
بين استئجار الدابة بالطعام وبين استئجار المرأة للإرضاع بالكسوة والطعام
وأن المسألة واحدة.
- قال - رحمه الله -:
- وإن دخل حماماً أو سفينة أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطاً بلا عقد: صح بأجرة
العادة.
هذه المسائل المجموعة كلها لها حكم واحد: وهي: أنه يصح العقد ولو بلا لفظ
وإنما بمجرد العمل.
هذا القاسم المشترك بين هذه المسائل الأربع.
واستدلوا على هذا الحكم: أي: على صحة الإجارة في هذه المسائل بمجرد العمل
ولو بلا لفظ:
- بأن العرف قام مقام التصريح في تصحيح وثتبيت هذه العقود.
- يقول - رحمه الله -:
- وإن دخل حماماً.
الحمام هو المكان المخصص لاغتسال الناس. وهو موجود في البلدان قديماً في
الشام ومصر والعراق وفي كل مكان والآن انحصر ولا يوجد أبداً فيما أعلم إلا
في الشام - هكذا فهمت من بعض الناس أنه لا يوجد إلا في هذه المدينة فقط.
وكانت هذه الحمامات أماكن عامة يشترك فيها الناس والغرض منها الاغتسال
بأجرة معلومة.
فإذا دخل الإنسان هذا الحمام وفوراً بدأ بالاغتسال وانتفع بما في الحمام من
ماء حار وصابون وآلات بدون أن يعقد مع صاحب الحمام فالعقد صحيح ولو بلا
لفظ.
- لأن العرف جار على تصحيح العقد بمجرد الاغتسال.
- ثم قال - رحمه الله -:
- أو سفينة.
يعني: إذا ركب الإنسان في السفينة لنقله من شاطيء إلى شاطيء بلا عقد مع رب
السفينة فإن العقد صحيح بمجرد الركوب.
- لأنه وضع نفسه لنقل الناس فدل العرف على تصحيح عقده بمجرد الركوب.
ولا يخفى عليكم أنه تستوي بعض المواصلات الحديثة في هذا الحكم مع رب
السفينة مثل لو ركب القطار فإنه لا يوجد عقد مطلقاً وإنما يدفع التذكرة مثل
لو ركب مع أصحاب التكاسي بلا كلام فكذلك نفس الحكم.
إذاً: كل ما جرى العرف على أنه يستأجر
فالعمل والركوب معه صحيح.
- يقول - رحمه الله -:
- أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطاً ..
إذا أعطى ثوبه قصاراً ليغسله أو خياطاص ليخيطه بلا عقد لفظي: صح.
- لأنهم وضعوا أنفسهم لهذا العمل. أي: ليغسلوا ثياب الناس وليخيطوا ثياب
الناس.
واليوم العمل على هذا تجد الإنسان يدخل ويعطي ثيابه الغسال بلا عقد بينه
(يعني: بلا عقد لفظي). اكتفاءً بدلالة العرف.
فهذا معنى قول المؤلف - رحمه الله - بلا عقد. يعني: في المسائل السابقة:
(صح بأجرة العادة).
فإذا اختلفوا في الأجرة فالعقد صحيح والمرجع في تحديدها إلى العرف.
- قال - رحمه الله -:
- (الثالث) الإباحة في العين.
يشترط في صحة الإجارة أن تكون العين مباحة النفع مطلقاً.
ومعنى: (مطلقاً) أي: لا في حال الضرورة ولا في حال الحاجة.
مثال للضرورة/ آنية الذهب. فآنية الذهب اتخاذها محرم ويجوز عند الضرورة.
مثال الحاجة/ الكلب. الكلب محرم اقتناؤه والانتفاع به. إلا في حال الحاجة.
ففي حال الحاجة يجوز اقتناء الكلب للراعي أو للسقي أو للحراسة ولا يجوز في
غير حال الحاجة.
وما أبيح في حال الضرورة أو في حال الحاجة فإنه لا يتعبر مباحاً إباحة
مطلقة فلا يجوز بناء على ذلك أن يستأجر لأنه يشترط فيما يستأجر أن يكون
مباحاً إباحة مطلقة.
وهذه الأعيان ليست مباحة إباحة مطلقة.
بعبارة أخرى: إذا قيل لك: ما حكم استئجار الكلب للحراسة؟
فالجواب: أنه استئجار الكلب للحراسة لا يجوز لأنه لا يجوز أن نستأجر إلا
مباح النفع إباحة مطلقة والكلب يباح إباحة خاصة للحاجة.
إذاً عرفنا الآن مذهب الحنابلة ووجهة نظرهم في الأعيان التي يجوز أن تستأجر
والتي لا يجوز.
الدليل على ذلك:
- قوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) واستئجار الممنوع من
التعاون على الإثم والعدوان.
= والقول الثاني: إباحة استئجار ما يباح نفعه في حال الحاجة أو الضرورة في
حال الحاجة أو الضرورة. - في وقت إباحته. وهذا القول وجه عند الحنابلة
ورجحه صراحة ابن حزم - رحمه الله -.
استدل هؤلاء:
- أن هذه الأعيان في حال الحاجة تصبح
منافعها مباحة. ونحن نقول: يشترط في العين أن تكون مباحة النفع وهذه مباحة
النفع حين الاستئجار.
وهذا القول وجيه وقوي وراجح لأنه ينظر إلى العلة في المنع.
بناء على هذا: ما حكم استئجار الكلب للزينة؟
لا يجوز بالإجماع.
ما حكم استئجار الكلب للرعي؟
يحرم عند الحنابلة.
ويجوز على القول الثاني.
ما حكم استئجار الرجل للحرير للبس؟
لا يجوز.
وما حكمه إذا أراده لأن فيه حكة أو مرض؟
يجوز عند غير الحنابلة.
إذاً: تصورنا هذه المسألة وهي مسألة كثيرة الحاجة إليها فكثيرة هي الأعيان
التي تباح في حال وتمنع في حال.
فالآن عرفنا هل يجوز أن نستأجر هذه الأعيان أو لا يجوز؟
-
قال - رحمه الله -:
- فلا تصح على نفع محرم: كالزنا والزمر والغناء وجعل داره كنيسة أو لبيع
الخمر.
لا يجوز بالإجماع استئجار العين لعمل محرم.
لدليلين: - الأول: قوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
- والدليل الثاني: وهو دليل فقهي يحتاج إليه الإنسان في كثير من التعليلات
- يعني: على منواله - التعليل يقول الفقهاء: ((أن المنفعة المحرمة المطلوب
شرعاً إبطالها وإتلافها واستئجارها عكس هذا المطلوب. طبيعي أن حكم استئجار
المحرمات ظاهر للعامي والعالم. لكن هذا التعليل يساعد في معرفة مسائل أخرى
ويدرب الذهن على كيفية تعليلات الفقهاء للأحكام الفقهية التفصيلية.
نأتي للأمثلة التي ذكرها المؤلف - رحمه الله -.
- قال - رحمه الله -:
- كالزنا.
لا يجوز الاستئجار لمعصية الزنى بالإجماع. والمال المكتسب في هذا العمل سحت
وهو من أكل المال بالباطل. وأمره أوضح من أن يبين.
- قال - رحمه الله -:
- والزمر.
الزمر. هو استخدام آلة المزمار. فلا يجوز استئجار من يستخدم أو استئجار نفس
الآلة للاستخدام وهذا الاستئجار محرم وهو سحت ومن أكل المال بالباطل نسأل
الله العافية والسلامة.
ولو أن المؤلف - رحمه الله - قال بدل الزمر: (وآلة الطرب) لكان أجمل وأوسع
لأن هذا الحكم لا يختص بالمزمار وإنما يتناول جميع آلات الطرب فكلها محرمة
وتحريمها مغلظ.
- قال - رحمه الله -:
- والغناء.
المقصود بالغناء هنا أحد أمرين:
- إما الغناء المصاحب لآلات اللهو والطرب.
فهذا محرم عند جماهير السلف والخلف والخلاف فيه شاذ ولا عبرة به. وذلك
لوضوح النصوص الصريحة وفتاوى الصحابة الواضحة ولاشك في أن الغناء محرم وأن
الخلاف فيه شاذ.
- القسم الثاني من الغناء: الغناء الذي لا يصاحب آلات اللهو ويكون محرماً
لما فيه من الألفاظ المحرمة.
- قال - رحمه الله -:
- وجعل داره كنيسة.
لا يجوز تأجير من أراد أن يتخذ الدار كنيسة في بلاد المسلمين. وهو محرم.
وتقدم معنا في كتاب الجهاد الإجماع على تحريم إنشاء الكنائس في بلاد
المسلمين. - نحن نتحدث عن إنشاء الكنائس فهذا محرم بالإجماع.
بناء عليه: لا يجوز أن نؤجر الدار لشخص يريد أن يتخذها كنيسة وذلك للإجماع
على التحريم ولأن في هذا تمكين لهم بالشرك لأن الكنائس تتخذ للشرك
والتثليث.
- ثم قال - رحمه الله -:
- أو لبيع الخمر.
لا يجوز أن نستأجر آلة لبيع الخمر أو لنقل الخمر.
والأجرة محرمة. لأن في هذا أعظم إعانة على المنكر وهو شرب الخمر.
بناء على هذا: لا يجوز للإنسان إذا كان في غير بلاد المسلمين أن يتقبل
العقود التي فيها نقل للخمور.
وروي عن بعض الأئمة أنه إذا كان ينقل الخمر للذمي فلا بأس.
وأنا أنزه هذا الإمام عن أن تروى عنه هذه الفتوى وأعتقد جازماً كما قال بعض
الفقهاء المتأخرين أنها فتوى خطأ - يعني: منسوبة إليه خطأ. لأن نقل الخمر
للمسلم والذمي هو كذلك من الإعانة على المعصية لأنا نرى أن المسلم والذمي
كلاهما لا يجوز له أن يشرب الخمر.
على كل حال نقل الخمر محرم والأجرة عليه فاسدة.
- قال - رحمه الله -:
- وتصح: إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه.
تصح إجارة الحائط لوضع أطراف الخشب عليه.
- لأن هذا النفع نفع معلوم.
ولكن يتشرط لصحة استئجار الحائط معرفة المدة.
وظن بعض الفقهاء أنه لا يشترط عند الحنابلة معرفة المدة في وضع الخشب على
جدار الحائط والواقع أنها تشترط.
وصرح بهذا الحكم غير واحد من الحنابلة: أنه يشترط لصحة هذه الإجارة معرفة
مدة استئجار الحائط لوضع الخشب فيه.
والمؤلف - رحمه الله - مقصوده باستئجار الحائط لوضع الخشب فيه: أي: في
الحالات التي لا يجب على الجار أن يبذل جداره لجاره.
فإن وجب عليه فإنه يحرم عليه أخذ الأجرة.
- قال - رحمه الله -:
- ولا تؤجر المرأة نفسها: بغير إذن زوجها.
لا يجوز للمرأة أن تؤجر نفسها بغير إذن زوجها بل يشترط لصحة العقد إذن
الزوج.
وتعليل ذلك:
- أن في تأجير المرأة نفسها للغير تفويت لحقوق الزوج وتفويت لمصالحه فلا
يجوز إذن.
وعلم من تعليل الحنابلة وغيرهم من الفقهاء: أنها إذا أجرت نفسها على وجه لا
تخل به بحقوق الزوج فإنه لا يشترط رضى الزوج.
فإذا أبرمت عقد إجارة لعمل شيء داخل المنزل لا يفوت حقوق وحظوظ الزوج فإنه
لا يشترط رضا الزوج والمال ملكها لها أن تتصرف فيه كما شاءت.
تبين معنا الآن أن طلب الزوجة الوظيفة خارج البيت إما للتدريس وإما وظيفة
في أي دائرة أخرى أنه يشترط فيه رضى الزوج لأنه لا يمكن ان تخرج للتدريس أو
للعمل أو لأي عمل آخر طيلة الصباح إلا مع تفويت لبعض حقوق الزوج إما فيما
يتعلق بالبيت أو فيما يتعلق بالأولاد أو فيما يتعلق بالزوج نفسه.
فإذاً يشترط للعمل الخارجي أن يرضى الزوج. أما العمل الداخلي فهو ينقسم إلى
قسمين:
- إن كان يضر بحقوق الزوج فإنه لابد من رضاه.
- وإن كان لا يضر فإنه لا يشترط رضاه.
فصل
[في أحكام العين المؤجرة]
- قال - رحمه الله -:
- فصل.
- ويشترط في العين المؤجرة (1) معرفتها برؤية أو صفة: في غير الدار ونحوها.
عقد المؤلف - رحمه الله - هذا الفصل لبيان شروط العين المؤجرة وهي خمسة.
وهذا نظير ما تقدم معنا في البيع. حيث تحدث أولاً عن الثمن ثم تحدث عن
السلعة كذلك هنا تحدث عن الأجرة ثم سيتحدث عن العين المؤجرة.
الشرط الأول: معرفة العين المؤجرة. والمعرفة تحصل بأحد طريقين:
- إما الرؤية.
- أو الصفة.
فتشترط الرؤية في كل عين لا يمكن أن توصف وصفاً دقيقاً. ونكتفي بالوصف في
كل عين يمكن أن توصف وصفاً دقيقاً.
ولذلك: عبارة المؤلف - رحمه الله - معناها: - لاحظ معي - (معرفتها برؤية.)
انتهى الكلام (أو صفة: في غير الدار ونحوها)
- ((معرفتها برؤية.) ثم تتوقف (أو صفة: في غير الدار ونحوها)) - يعني: أنه
في الدار ونحوها لا نكتفي بالوصف وإنما نشترط مع لذك الرؤية لأنه لا يمكن
أن توصف.
إذاً: في غير الدار ونحوها يعود إلى الصفة
أو الرؤية؟ يعود إلى الصفة.
إذا عرفنا - قبل أن نذكر القول الثاني - أن مذهب الحنابلة هو: أنه يشترط في
العين المؤجرة أن تعرف برؤية أو بصفة وعرفنا متى نشترط الرؤية.
وأنه إذا أجرت بغير معرفة من خلال الرؤية أو الصفى فالعقد باطل. لأن معرفة
العين المؤجرة: شرط.
= القول الثاني: أنه لا يشترط لا الرؤية ولا الصفة ثم إذا رأى المستأجر
العين فهو بالخيار إن شاء أمضى العقد وإن شاء رده.
وهذا القول الثاني هو الراجح وتقدمت المسألة في شروط المبيع.
بقينا في مسألة/ دل كلام المؤلف - رحمه الله - أن البيت ونحوه مما لا يعرف
بالصفة. وهذا صحيح. إذا أراد الإنسان أن يستأجر بيتاً فإنه لايمكن أن يكتفي
بالصفة مهما وصف البيت وصفاً دقيقاً.
وهذا الحكم أنه لا يكفي بالنسبة لمعرفة الإنسان للبيت الوصف. يدل عليه
الشرع. ويدل عليه الواقع.
ولهذا تجد - أنت نفسك - أنه يوصف لك مكان للسكن وصفاً دقيقاً مبالغاً فيه
ثم إذا حضر الإنسان للبيت وجد أن معرفته للبيت تختلف تماماً عن الوصف, وهذا
مشاهد ومجرب.
فقول الحنابلة: أن البيت من الأعيان التي لا يكتفي فيها بالوصف: صحيح.
ولابد من الرؤية هذا على القول الأول.
وعلى القول أنه لا يشترط لا الرؤية ولا الصفة والإنسان بالخيار له أن يجري
العقد ثم إذا أجراه ورأى البيت فهو بالخيار.
-
قال - رحمه الله -:
- (2) وأن يعقد على نفعها دون أجزائها.
يشترط في العين المؤجرة أن ينتفع بها بلا إتلاف.
أي: ينتفع بنفعها من غير إتلاف للأجزاء.
إذاً القاعدة أنه لا يصح أن نستأجر ما لا ينتفع به إلا بإتلافه.
الدليل:
- قالوا الدليل: أن عقد الإجارة يقع على المنفعة والانتفاع بالأجزاء انتفاع
بالعين لا بالمنفعة.
وهذه المسألة وهي أنه يشترط أن يحصل العقد على نفع العين لا على أجزائها
صحيح في الجملة.
وسيأتينا في أفراد المسائل الخلاف في بعضها من المسائل التي تندرج تحت هذه
القاعدة.
- قال - رحمه الله -:
- فلا تصح: إجارة الطعام للأكل ولا الشمع ليشعله.
هاتان مسألتان:
ـ المسألة الأولى/ أن يستأجر الطعام ليأكله أو الشمع ليشعله.
= فعند الحنابلة: العقد باطل.
- لأن العقد وقع على أجزاء العين لا على
نفعها.
ولهذا تجد أن المؤلف - رحمه الله - يقول في عبارته: (فلا) يعني: ان الحكم
مترتب على القاعدة السابقة.
= القول الثاني: انه يجوز أن يستأجر الشمع ليشعله بأن يقول كل أوقية بدرهم.
ويعتبر العقد حينئذ عقد معاوضة غير لازم.
فلا هو بيع ولا هو إجارة.
فليس من باب الإجارات ولا من باب البيوع. بل بينهما: عقد معاوضة لكن غير
لازم.
قال أصحاب هذا القول: وليس في الشرع ما يمنع من تصحيح هذا العقد. وليس من
باب الإجارات.
وهذا القول مصرع في أكثر من موضع شيخ الاسلام بن تيمية - رحمه الله -.
ولعلك تلاحظ دائماً أن الشيخ - رحمه الله - ينحى إلى نحو معرفة حقيقة العقد
دون التعلق بالاسم. رحظ الآن هنا: يقول: هذا ليس من باب الإجارات ولا من
باب البيع وإنما هو عقد بينهما.
وتقدم معنا نظير هذا في كتاب الأراضي التي غنهما المسلمون وأوقفها ولاة
الأمر وهو أن الشيخ جعلها بين حكمين.
وهذا كثير عند شيخ الإسلام يحاول أن يعرف حقيقة العقد ويعطيه الحكم
المناسب.
هذا القول الثاني هو الصحيح إن شاء الله.
لكن أيضاً أقول - لعلك لاحظت شيء - وهو: أن هذا العقد اعتبره الشيخ ليس من
باب [الإجارة] إذاً صحيح أن الإجارة لا يعقد فيها على الأجزاء.
يعني: حتى على القول الثاني ونحن نرجح القول الثاني ونرى أن كلام شيخ
الإسلام قوي إلا أنا نقول في نفس الوقت أنه دليل أن كلام الحنابلة صحيح
لأنه حتى شيخ الإسلام - رحمه الله - أخرجه عن عقد الإجارة.
ويجب أن تلاحظ هذ.
إذاً: قاعدة الحنابلة ما زالت صحيحة لأن الشيخ لم يصحح ويبقيه داخل الإجارة
وإنما صححه وأخرجه عن باب الإجارة. إذاً: قاعدة الحنابلة ما زالت صحيحة.
- قال - رحمه الله -:
- ولا حيوان ليأخذ لبنه.
ولا يجوز استئجار الحيوان لأخذ اللبن.
- لأن العقد حينئذ يكون على أجزاء من العين المعقود عليها وهو اللبن.
فاللبن ليس من منافع الحيوان وإنما من أجزاء الحيوان.
إذاً هو مبني على القاعدة السابقة.
= والقول الثاني: أنه يجوز أن نستأحر الحيوان لنأخذ منه اللبن.
واستدل أصحاب هذا القول بدليلين:
- الدليل الأول: القياس على الظئر. تقدم
معنا أن الحنابلة يصححون استئجار المرأة لإرضاع الصبي بطعامها وكسوتها.
- الدليل الثاني: أن الأعيان التي تستخلف شيئاً فشيئاً استئجارها ألصق
بالإجارة منه في البيوع وتجويزها أقيس.
وجه ذلك: أنه في الإجارة الإنسان تأتيه المنافع تبعاً - تستخلف المنافع
تبعاً. ينتفع اليوم ثم غداً .... إلى آخره.
فهو لا يحصل على المنافع في يوم واحد وإنما تأتيه المنافع تباعاً بخلاف
البيع. فأنت إذا اشتريت شيء تحصل على المبيع جملة واحدة.
إذاً: هذا العقد ألصق بالإجارات منه في البيوع.
وبناء على هذا: قرر شيخ الإسلام قاعدة وأن كل شيء تأتي منافعه تباعاً شيئاً
فشيئاً فهو جائز وهو أقرب إلى الإجارة منه إلى البيوع.
- قال - رحمه الله -:
- إلاّ في الظئر.
يعني: فيجوز لأنه تقدم معنا جواز استئجار الظئر.
- قال - رحمه الله -:
- ونقع البئر وماء الأرض: يدخلان تبعاً.
يعني: للأرض.
فيجوز للإنسان إذا استأجر أرضاً وفيها بئر أو ماء فيجوز للإنسان أن يستأجره
بما فيه من منافع.
- لأن القاعدة تقول: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
فهم من كلام المؤلف - رحمه الله - أنه لا يجوز للإنسان أن يستأجر البئر على
سبيل الاستقلال.
لماذا؟ لأنه ينتفع بأجزاء المستأجر لا بنفعه - على قاعدة الحنابلة.
= والقول الثاني: جواز استئجار البئر.
- لأن البئر كذلك منافعه تأتي تباعاً وتستخلف. فاليوم يخرج الماء ثم غداً
ثم بعد غد .. إلى آخره. فمنافعه تستخلف.
* * مسألة/ ما حكم أن يستأحر الإنسان جالون ماء لينتفع بالماء الذي فيه؟
لا يجوز. لأن المنفعة في هذه الصورة لا تستخلف.
إذاً: عرفنا الآن ماذا يقصد شيخ الإسلام وكيف نطبق الحكم على المسائل
المختلفة.
- قال - رحمه الله -:
- (3) والقدرة على التسليم.
يشترط لصحة استئجار العين: القدرة على تسليم العين.
وهذا الشرط محل إجماع.
وهو مقيس على المسألة التي تقدمت في البيوع وهو القدرة على تسليم المبيع.
وأي فائدة في استئجار عين لا يمكن أن تسلم.
- قال - رحمه الله -:
- فلا تصح إجارة الآبق والشارد.
ولا المغصوب ونحو هذه المسائل:
- لأنه لا يمكن أن يسلم.
وتقدم معنا في البيوع أنه تستثنى مسألة/
وهي: إجارة هذه الأعيان للقادر على تحصيلها.
فكما استثنينا في البيوع كذلك في الإجارة.
فإذا أجر عبده الشارد لمن يستطيع أن يحضره. فلا بأس.
ومن أجر داره المغصوبة لمن يستطيع أن يستخلصها فلا بأس.
- قال - رحمه الله -:
- (4) واشتمال العين على المنفعة.
يشترط أن يكون في العين اشتمال العين على المنفعة.
فإن استأجر عيناً لا منفعى فيها فالعقد باطل.
الدليل: - قالوا: الدليل على ذلك. أن العقد وقع على المنفعة. ولا يمكن
تحصيل المنفعة مما لا نفع فيه.
وهذا أيضاً تعليل جميل. وإن كان واضحاً لا يحتاج إلى دليل لكنه من حيث
الصنعة الفقهية تعليل جميل.
إذاً: نقول إنه لا يجوز تأجير ما لا نفع فيه. لأنه لا يمكن تحصيل النفع مما
لا نفع فيه.
ثم ضرب المؤلف - رحمه الله - أمثلة:
- فقال - رحمه الله -:
- فلا تصح: إجارة بهيمة زمنة للحمل.
عرفنا من المثال: أن قول المؤلف - رحمه الله -: واشتمال العين على المنفعة.
عرفنا من المثال: أن المقصود على المنفعة المعقود عليها لا على أي منفعة
وإنما على المنفعة المعقود عليها.
وهو أراد بيان ذلك من خلال المثال.
فهل يجوز أن يستأجر الإنسان - يقول المؤلف (البهيمة الزمنة) والغرض منه أن
تحمل المتاع؟
لا. لأن المنفعة المعقود عليها غير موجودة لأنها لا تستطيع أن تحمل.
لكن هل يجوز أن يستأجر البهيمة الزمنة لأخذ اللبن منها؟
يجوز. لأن المنفعة المعقود عليها موجودة.
- يقول - رحمه الله -:
- ولا أرض لا تنبت للزرع.
يعني: ولا يجوز أن تستأجر أرضاً لا تنبت لتزرع فيها.
- لأن هذه العين المستأجرة لا نفع فيها. أي: النفع المعقود عليه.
فإذا أراد أن يستأجر الأرض التي لا تنبت للبناء: صحت الإجارة.
- قال - رحمه الله -:
- وأن تكون المنفعة للمؤجر أو مأذوناً له فيها.
يشترط أن تكون المنفعة المعقود عليها للمؤجر أو مأذون له فيها.
تعليل ذلك: - أنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف إلا في ملكه أو فيما وكل فيه.
وتقدم معنا خلاف في نظير هذه المسألة وهو: تصرف الفضولي.
فنقول هنا كذلك: إذا تصرف نصرفاً فضولياً وأجر منزل غيره فإن أجاز المالك
صحت الإجارة وإلا فلا.
- قال - رحمه الله -:
- وتجوز إجارة العين: لمن يقوم مقامه لا
بأكثر منه ضرراً.
تجوز إجارة العين المستأجرة ..
((الأذان)) ..
إذاً: الحنابلة يرون أنه يجوز للإنسان أن
يؤجر ما استأجر. بشرط: أن لا يكون المستأجر الثاني أكثر ضرراً من الأول.
وفهم من كلام المؤلف - رحمه الله - أنه يجوز للمستأجر أن يؤجر بمثل أو
بأكثر من الثمن الذي استأجر به.
وهو كذلك. وهو مذهب الحنابلة: أنه يجوز أن يستأجر بمثل أو بأكثر.
الدليل:
استدل الحنابلة:
- بأنه ملك المنفعة ومن ملك المنفعة جاز له أن يتصرف فيها.
= القول الثاني: أنه لا يجوز للإنسان أن يؤجر ما استأجر. فإن فعل فإن العقد
باطل.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن.
والجواب على هذا الاستدلال: أنه لم يرح فيما لم يضمن بل ربح فيما ضمن لأن
منفعة البيت دخلت في ضمانه ولو أنه لم ينتفع بالبيت مثلاً إلى انتهاء وقت
الإجار لضاعت عليه هذه المنفعة.
فهي أيضاً من ضمانه.
* * مسألة/ يجوز للمستأجر أن يؤجر قبل القبض وبعد القبض.
وجه ذلك: أن المنافع المستأجرة تدخل في ضمان المستأجر مباشرة ولو قبل القبض
بخلاف البيع فإن السلعة لا تدخل في ضمان المشتري إلا بعد القبض. فاختلفت
الإجارة عن البيع في هذه المسألة.
فتحصل معنا أنه الراجح جواز تأجير المستأجر بأكثر أو بمثل الثمن قبل أو بعد
القبض.
فالأمر واسع عند الحنابلة في هذه المسألة ومذهبهم هو الصحيح إن شاء الله.
- قال - رحمه الله -:
- وتصح إجارة الوقف.
تصح إجارة الوقف من الموقوف عليه.
- لأنه ملك المنفعة. ومن ملك المنفعة جاز له أن يتصرف فيها.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى مسألة أخرى:
- فقال - رحمه الله -
- فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده: لم تنفسخ.
يعني: إذا مات الموقوف عليه وانتقل الوقف إلى من بعده لم تنفسخ.
وظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أنها لم تنفسخ مطلقاً.
والمذهب بخلاف هذا الإطلاق.
المذهب فيه تفصيل وهو كالتالي:
ـ إن كان المؤجر هو الناظر سواء كان الناظر
أجنبياً أو هو الموقوف عليه لكنه هو الناظر فإنه إذا أجر ومات لم تنفسخ
الإجارة لأنه تصرفه هنا بموجب الولاية ومن تصرف بموجب الولاية فإن من بعده
لا ينقض تصرفه.
ـ وإن كان المؤجر هو الموقوف عليه - المستحق - فإنه إذا مات انفسخت
الإجارة. لماذا؟ قالوا: لأنه تبين أنه أجر ملكه وملك غيره.
فإن الوقت بعد الموقوف عليه الأول ملك للموقوف عليه الثاني.
= والقول الثاني: أنها لا تنفسخ مطلقاً يعني كما ذكر المؤلف - رحمه الله -.
والذي يظهر لي أن الراجح هو القول الثاني وهو أنها لا تنفسخ مطلقاً.
والسبب: أنه سيأتينا أن عقد الإجارة لا ينتقض بموت أحجد العاقدين. ولم أر
خلافاً - أو فارقاً بين هذه المسألة بعد التأمل والمسألة التي ستأتينا في
موت أحد العاقدين.
الدرس: (36) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا بالأمس حكم ما إذا مات الموقوف عليه الذي أجر وأن ظاهر كلام
المؤلف - رحمه الله - أنها لا تنفسخ.
وذكرنا ما يتعلق بهذه المسألة.
- ثم يقول - رحمه الله -:
- وللثاني حصته من الأجرة.
يعني: أن من انتقل الوقف إليه له حصته من الأجرة. وهي التي تبدأ من الوقف
..... فحينئذ يرجع على الورثة.
- ثم قال - رحمه الله -:
- وإن أجر الدار ونحوها مدة معلومة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين
فيها: صح وإن استأجرها لعمل ... إلى آخره.
المؤلف - رحمه الله - بدأ ببيان أن العين المؤجرة لا تخرج إما أن تؤجر على
مدة أو أن تؤجر على عمل.
فاستئجار البيت على مدة. واستئجار العامل على عمل.
واستئجار العامل لعمل كذلك: إما أن يحدد بمدة أو أن يحدد بالمعمول فيه كأن
يقول: احرث هذه الأرض من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر. حددت بالمدة.
النوع الثاني: أن يقول: احرث هذه الأرض من هنا إلى هنا. ولم يحدد له وقتاً.
فحينئذ صارت الأجرة على المعمول فيه.
نبدأ بالمدة كما بدأ المؤلف - رحمه الله -
بالمدة.
- قال - رحمه الله -:
- وإن أجر الدار ونحوها مدة معلومة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين
فيها: صح.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - بهذه العبارة أن الحنابلة يرون جواز التأجير
لمدة طويلة. ولو طالت جداً بشرطين:
- أن تكون المدة معلومة.
- وأن يغلب على الظن بقاء العين في هذه المدة.
إذا تحقق الشرطان فإن الحنابلة لا يرون بأساً من طول مدة الإجارة مهما
طالت.
واستدلوا على هذا: - بأن الإجارة لمدة طويلة لا تخرج عن مفهوم الإجارة فهي
نفع معلوم في مدة معلومة فتندرج ضمن النصوص الدالة على مشروعية الإجارة.
= والقول الثاني: أنه لا تجوز الإجارة لمدة طويلة.
ثم اختلف أصحاب هذا القول في تحديد المدة التي يجوز أن تؤجر الدار ونحوها
إليها. واضطربوا اضطراباً لا ضابط له وأشبه ما تكون أقوالهم بالتحكم بلا
دليل.
ـ فمنهم من يقول: سنة.
ـ ومنهم من يقول: ثلاث سنوات.
وهذا تحكم بلا دليل واضطراب ضابط القول علامة على ضعفه.
بناء على هذا: نقول الراجح إن شاء الله: مذهب الحنابلة.
واليوم أصبحت التأجير لمدة طويلة من أبرز عناصر التجارة لأنه لا يستطيع أن
ينتفع من المستأجر إلا إذا كانت المدة طويلة.
- وقول المؤلف - رحمه الله -:
- وإن استأجر داراً أونحوها.
لا يريد المؤلف - رحمه الله - تخصيص الحكم الدار بل له أن يستأجر آدمياً
لمدة طويلة. كأن يستأجر خادماً لمدة عشرين سنة. فلا حرج.
وإنما نص على الدار لأن الغالب في استئجار المدد الطويلة أن تكون في الدور
فلذلك نص عليها وإلا لو استأجر الإنسان سيارة أو آدمي أو دابة وتحقق
الشرطان فلا بأس.
فإن استأجر حماراً لمدة مائة سنة: جاز أو منع؟ منع. لأنه لا يغلب على الظن
بقاء هذا الشيء إليه.
وإ استأجر سيارة لمدة قرن؟ لا يجوز. وهكذا.
كذلك إذا لم يحدد: قال استأجرت منك هذه الدار مدة طويلة:
= فعند الحنابلة وغير الحنابلة العقد باطل.
في الحقيقة أجاد الحنابلة في أحكام الإجارة من وجهة نظري عندهم في نفس
الوقت انضباط وتوسيع.
انهينا من المدة وانتقل المؤلف - رحمه الله - إلى الاستئجار على العمل.
- فيقول - رحمه الله -:
- وإن استأجرها لعمل كدابة لركوب إلى موضع
معين، أو بقر لحرث أو دياس زرع، أو من يدلّه على طريق: اشترط معرفة ذلك
وضبطه بما لا يختلف.
العبارة تكون أوضح إذا قلت: (وإن استأجرها لعمل اشترط معرفة ذلك وضبطه بما
لا يختلف). فحينئذ ذكر الحكم والضابط.
إذاً: إذا استأجر العين لعمل معين اشترط: أن يضبط هذا العمل. وأن يعرف
معرفة دقيقة.
والدليل على هذا:
- أنه تقدم معنا أن عقد الإجارة من عقود المعاوضات. وعقود المعاوضات يجب أن
يكون طرفي العوض معلوماً محدداً. وهنا الطرف المال والطرف الآخر العمل.
فيجب أن يكون العمل واضحاً محدداً منضبطاً بصفات لا تختلف من المستأجر إلى
المؤجر أو من المؤجر إلى المستأجر.
إذاً: يجب أن يضبط هذا العمل ضبطاً دقيقاً.
ثم ذكر المؤلف - رحمه الله - بعد القاعدة الأمثلة:
- فيقول - رحمه الله -:
- كدابة لركوب إلى موضع معين.
إذا استأجر دابة يجب أن يبين هل استأجر الدابة ليركب هو أو ليحمل عليها
متاعاً آخر.
ويجب أن يبين إلى أين سيذهب بها.
وإذا بين إلى أي مكان سيذهب بها فيجب أن يبين وعورة الطريق من عدمها إذا
كان المؤجر لا يعرف الطريق.
والخلاصة: يجب أن يبين كل كا يتعلق بهذا النقل.
- قال - رحمه الله -:
- أو بقر لحرث.
إذا استأجر البقر للحرث فبديهي أنه من أول الأشياء التي يجب أن تعلم:
المساحة. كم سيحرث من الأرض؟
ثم إذا عرف يجب أن يعرف قساوة الأرض أو كون الأرض سهلة. بعد المكان من مكان
الاستئجار وقربه وسهولة القيام بمنافع الدابة عند الحري وعدمه.
المهم يجب أن يبين كل ما يتعلق بهذا الأمر.
- قال - رحمه الله -:
- أو دياس زرع.
إذا أراد أن يستأجر لدياس زرع يبين أول مايبين: الكمية.
إذاً رقم واحد في البيان أن يبين كمية الزرع لأنه عليه المعول.
ثم يبين المكان الذي فيه دياسه وسهولته ووعورته وكون الزرع حديث الحصاد أو
قديم الحصاد. ويبين كل ماله أثر في العمل.
- ثم قال - رحمه الله -:
- أو من يدله على الطريق.
إذا استأجر من يدله على الطريق: إما أن يدله بالوصف.
أو أن يدله بالذهاب معه. فإن دله بالوصف
فمعلوم أن الشيء المعقود عليه هنا أن يصف له وصفاًَ دقيقاً يتمكن معه
المستأجر من الوصول إلى المكان المراد وتنتهي المهمة.
أما إذا كان سيذهب معه فحينئذ لابد أن يبين كل ما يتعلق بتفاصيل الطريق من
حيث البعد والقرب والوعورة وسهولة الوصول للمكان المراد وعدم سهولته .. إلى
آخره.
إذاًَ ذكر المؤلف - رحمه الله - أربع أمثلة لعله اختارها لكثرة وقوعها في
زمنه.
ولكن هي مجرد أمثلة والضابط هو: أن يعرف الإنسان العمل بدقة.
- قال - رحمه الله -:
- ولا تصح: على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة.
انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى مسألة مهمة: يقول:
(ولا تصح: على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة).
معنى: (يختص فاعله أن يكون من أهل القربة).
أي: لا يمكن أن يقوم به إلا مسلم. فالمسلم هو أهل القربة. والقربة في
اصطلاح العلماء هي: كل فعل يتقرب العبد به إلى الله.
ومقصوده بقوله: (يختص فاعله أن يكون من أهل القربة) يعني: أن يكون عبادة.
وهي مسألة كبيرة ومهمة والنصوص فيها بالنسبة للمجتهد فيها تعارض في الظاهر.
قبل أن نبدأ بالمسألة تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أن العبادات التي لا تتعدى منافعها إلى الآخرين لا يجوز
فيها أخذ العوض: كالصلاة والصيام ونحوهما.
واختلفوا في العبادات التي تتعدى منافعها إلى الآخرين: مثل: الأذان -
الإمامة - تعليم القرآن - الحج. وكل مافيه تعدي منافع للآخرين.
اختلفوا فيه اختلافاً طويلاً ومتشتت جداً. نحاول تبسيطه وتلخيصه كالتالي:
= ذهب الحنابلة - وهو المذهب كما ترى - والأحناف إلى التحريم المطلق وأنه
لا يجوز للإنسان أن يأخذ أجراً على العبادة مطلقاً. أي نوع من أنواع
العبادات.
واستدلوا على هذا بعدة أدلة:
- الدليل الأول: ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عثمان بن
أبي العاص أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على
أذانه أجرا).
والحديث نص على المراد. غهو يمنع من اتخاذ المؤذن الذي يأخذ أجراً والحديث
مطلق لم يبين هل باشتراط من المؤذن أو بلا اشتراط من المؤذن.
وأجاب أصحاب القول الثاني: بحمل الحديث على الاستحباب.
وممن حمل الحديث على الاستحباب من
المتأخرين: الشيخ الصنعاني.
والواقع أن حمله على الاستحباب لا يساعد عليه اللفظ مطلقاً.
- الدليل الثاني: أنه صح عن ابن عمر وابن مسعود النهي عن اتخاذ مؤذن يتخذ
أجراً.
وهذا الأثر فيما يتعلق بالأذان ضعيف. الأثر عن ابن مسعود وابن عمر فيما
يتعلق بالأذان. لكن صح عن الصحابة أحاديث ستأتينا في النهي عن تعليم
القرآن.
المهم أن أثر ابن مسعود وابن عمر ضعيفان.
- الدليل الثالث: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أخذ قوساً على
تعليم القرآن فقد تقلد قوساً من النار). وهذا الحديث له ألفاظ عن ثلاثة من
الصحابة. له ألفاظ مختلفة تدور حول هذا المعنى وأيضاً له أكثر من مخرج فجاء
عن أكثر من صحابي.
هذه الأحاديث في الحقيقة لا تخلو أسانيدها من ضعف.
لكن بالإمكان - يعني - تحسينها بالمجموع - بمجموع الطرق لا سيما على طريقة
المتأخرين: يصححون مجموع طرق هذه الأحاديث. هذه هي أدلة الحنابلة التي
استدلوا بها على العموم - يعني: على عموم المنع.
= القول الثاني: بإزائه - وهو: الجواز مطلقاً.
واستدلوا أيضاً بأدلة كثيرة:
- الدليل الأول: قصة الرجل الذي زوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - بما معه
من القرآن. فقال له في قصة طويلة الشاهد منها - أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - لما ذهب الرجل أرسل في طلبه ثم قال: (زوجتكها بما معك من القرآن).
وفي صحيح مسلم: - وهذا لفظ مهم - (زوجتكها بما معك من القرآن تعلمها إياه).
هذا الحديث كما ترى في الصحيح ودلالته واضحة.
- الدليل الثاني: قصة النفر الذين نزلوا على بعض الأعراب فلم يضيفوهم ولدغ
سيد الحي فقالوا هل معكم من راق فقال أحدهم: نعم أنا. ولكن لا أرثي سيدكم
إلا بحعل فرقاه وأوفى القوم له وأعطوه من الغنم ما اشترط ثم لما رجع إلى
النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرهم وقال: اضربوا لي معكم بسهم - صلى الله
عليه وسلم -: فأقرهم وأكل معهم.
وفي لفظ في البخاري لهذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ختم
الفتوى بقوله: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله).
وفي لفظ للحديث في الصحيح: أن الصحابة لما
أخذوا القطيع قالوا لمن أخذه لا نأكل حتى نسأل أخذته مقابل القراءة.
فالمعنى موجود عند الصحابة. فلما رجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
أفتاهم بالجواز.
وكل هذا الملابسات تساعد في تحديد القول الراجح.
إذاً: عرفنا بهذه الروايات والألفاظ صراحة هذا الحديث في الدلالة على
الجواز.
- الدليل الثالث: قالوا: إن هذه منفعة معلومة محددة فجاز أخذ العوض عليها.
وأجاب عليهم الحنابلة: بأن هذا قياس في مقابل النص ولا عبرة بالقياس إذا
صادم النص.
= القول الثالث: أنه لا يجوز مطلقاً إلا عند الحاجة أو الضرورة.
- لأنه إذا أخذ لحاجته وضرورته فقد أخذ ليتقوى على عبادة الله ولا ينافي
ذلك أن تكون العبادة لله. لأنه أخذ لحاجته لا لأنه أدى هذا العمل.
وإلى هذا ذهب بعض الحنابلة وبعض الشافعية واختاره شيخ الإسلام بن تيمية -
رحمه الله -.
كما قلت لكم المسألة فيها إشكال وفيها نوع من التعارض في الأدلة ولذلك صرت
إلى قول فيه احتياط وهو الأخذ بالأدلة جميعاً:
فنقول: لا يجوز أخذ الأجرة إلا على تعليم القرآن ونحوه. لصراحة النصوص
بالجواز.
ولا يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإمامة ونحوها لدلالة السنة الصريحة على
المنع.
وهذا القول الذي رجحته هو نفس اختيار بن حزم - رحمه الله - إلا في نقطة
واحدة وهو أن ابن حزم يرى جواز أخذ الأجرة عن الحج. وأنا أرى أن الحج يلحق
بالأذان والإقامة. لأنه ليس فيه معنى التعليم.
وكلام الأئمة في المنع من أخذ الأجرة في الحج واضح جداً.
وهو يندرج في النصوص المانعة فيما أرى.
فيما عدا الحج تستطيع أن تقول هذا اختيار ابن حزم.
وأرى أن هذا القول يأخذ بكل الأدلة وأن جنس التعليم كجنس القراءة فيه عمل
وليس عبادة محضة فجاز له أن يأخذ مقابل هذا العمل وإن تلبس بشيء من
العبادة.
وأرى إن شاء الله أن هذا القول هو القول المتوافق مع النصوص وهو القول
الراجح وأنا أعجبت باختيار ابن حزم وأعتبره تتبع النصوص وأخذ بها إلا أنه
فقط أجاز في الحج ولم يوفق من وجهى نظري فيما يتعلق في الحج لأنه عبادة
محضة.
- قال - رحمه الله -:
- وعلى المؤجر كل ما يتمكن به من النفع:
كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه، وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط،
ولزوم البعير ومفاتيح الدار وعمارتها.
على المؤجر كل ما لا يمكن الانتفاع بالمستأجر إلا به.
هذه هي القاعدة. كل شيء لا يمكن أن ننتفع من المستأجر إلا به فهو من عمل
المؤجر.
وإذا ضبطت هذه القاعدة سهل عليك معرفة الأمثلة.
وذكر المؤلف - رحمه الله - جملة كبيرة من الأمثلة.
ولكنه صدر الحكم بالقاعدة وعلى المؤجر كل ما يتمكن به من النفع.
يقول - رحمه الله -: (كزمام الجمل): يجب وجوباً على من أجر جملاً أن يضع
معه الزمام لأنه لا يمكن أن ننتفع من الجمل إلا مع وجود الزمام. فإن أجره
فرساً لابد من اللجام. لأنه لا يمكن أن ينتفع به إلا بذلك.
ولابد في الفرس من السرج لأن ركوب الحصان عارياً مؤذن للإنسان ولا ينتفع
ولا يستطيع أن يقطع به مسافات طويلة.
وكل هذا أمثلة.
يقول - رحمه الله -: (ورحله) يعني: عليه أن يؤمن الرحل. والرحل هو ما يوضع
على الجمل للركوب.
إذ ما الفائدة أن نستأجر جملاً ليس عليه رحل: أين سيركب الإنسان؟
قال - رحمه الله -: (وحزامه). يعني: يجب أن يضع الرحل ويجب أن يربط الرحل.
فلا يكتفي بوضع الحزام ثم يقول للمستأجر اربط الحزام أنت أو ائتي بحزام من
عندك.
يقول - رحمه الله -: (والشد عليه) يعني: والشد على الرحل.
يعني والشد على الرحل.
إذاً جميع هذه الأحكام الثلاثة تتعلق بالرحل. وأطال بها لأنه لانفع من
الجمل إلا بالرحل.
ثم قال - رحمه الله -: (وشد الأحمال) يعني عليه أن يشد الأحمال وهي ما يحمل
من الأمتعة ونحوها على الجمل.
عليه أن يضع الأمتعة وأن يشد هذه الأمتعة.
فالتحميل بناء على هذا: من مهمام المؤجر.
ويظهر لي الآن أن العرف كذلك. أنه إذا استأجرت سيارة فإنه على المؤجر أن
يحمل المتاع من الأرض إلى السيارة.
وعلى هذا جرى العرف لا في السيارات الكبيرة ولا في السيارات الصغيرة.
وعلى هذا يدل كلام الحنابلة.
يقول - رحمه الله -: (والمحامل) هي ما يوضع على البعير ليركبه الناس إلا أن
الرحل في الأعلى والمحامل في الجوانب وإلا الغرض من المحامل والرحل هو
الركوب.
ثم قال - رحمه الله -: (والرفع والحط،
ولزوم البعير) يعني: وعلى المؤجر إذا استؤجر هو والدابة جميعاً أن يقوم
بمسك الزمام ورفع الأمتعة فيما إذا نزل المستأجر لحاجة شرعية أو لحاجة
طبيعية. كأن ينزل ليصلي أو ينزل ليقضي حاجته.
قال الحنابلة وليس من الحاجات الأكل لأنه يستطيع أن يأكل على الدابة وليس
من الحاجات القراءة لأنه يستطيع أن يقرأ على الدابة.
وهذا ربما يكون صحيحاً في الجمال على كلام المؤلف - رحمه الله - لكن اليوم
لا يتمكن الإنسان من الأكل على ظهر السيارة.
ولا يتمكن من أن يأكل بطريقة طبيعية وغير مضرة.
فالواجب أن يلحق الأكل اليوم بالحاجات الضرورية.
فإذا أراد الراكب أن يأكل ينبغي أن يتوقف الإنسان.
ومن المعلوم عندكم أن الأكل يختلف إذا أكلاً خفيفاً جرى العرف أنه في
السيارة.
وإذا كان أكلاً يأخذ وقتاً وتبعه فإنه لابد من النزول.
ثم يقول - رحمه الله -: (ومفاتيح الدار).
يجب على المؤجر أن يؤمن المفاتيح وأن يسلمها للمستأجر.
- لأنه لن يستطيع أن يدخل الدار ولا أن ينتفع منها بشيء إلا بالمفاتيح.
قال - رحمه الله -: (وعمارتها).
هل من الأشياء الضرورية في الدار التي تلحق بالمفاتيح المكيفات واللمبات؟
أما الأبواب فلا إشكال حتى عند المتقدمين. هل هي كذلك؟
الظاهر أنه في البلاد الحارة المكيفات تلحق بالأشياء التي لابد أن يؤمنها
المؤجر.
إلا بشرط - الشروط لا تدخل معنا في الكلام: إذا اشترط المؤجر أنه بدون مكيف
- لكن بلا شرط فالعقد يقتضي تأمين المكيف.
لأنه في الحقيقة في البلاد الحارة لا يمكن أن تنتفع بالعين المؤجرة أي:
البيت. إلا مع وجود المكيفات.
أما في الأماكن التي توصف باعتدال الجو فليس من مصالح العقد ولا من مصالح
العين المؤجرة تأمين المكيفات.
أما اللمبات فلا إشكال أبداً أنها تجب على المؤجر. ما لم يكن هناك شرط.
- يقول - رحمه الله -:
- وعمارتها.
يعني: ويجب على المؤجر أن يعمر الدار فيما إذا خربت فلو سقط باب أو خشبة أو
جدار أو ما شابه هذه الأمور فعلى المؤجر أن يقوم بإصلاح هذا الخلل.
- لأن المستأجر لا يستطيع أن ينتفع من الدار إلا بذلك.
= والقول الثاني: أنه لا يجب عليه أن يصلح
ما فسد من الدار والمستأجر بالخيارإن أراد أن يبقى بقي وإن أراد أن يخرج
خرج.
فيصبح العقد بالنسبة للمستأجر عقداً جائزاً إذل اختلت الدار.
ولعل الأقرب أنه يلزم بالإصلاح.
لأن هذا الأمر لا يمكن بدونه الانتفاع من الدار فهو يدخل بالضابط العام
الذي ذكره المؤلف - رحمه الله -.
- قال - رحمه الله -:
- فأما تفريغ البالوعة والكنيف: فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة.
تفريغ البالوعة والكنيف من مهام المستأجر.
بشرط أن يتسلم الدار وهي فارغة. يعني: والبالوعة والكنيف فارغة.
وهذا بلا نزاع عند الحنابلة كأنه من الأحكام الواضحة عندهم.
= والقول الثاني: أن مثل هذه الأشياء ترجع إلى العرف.
فاليوم العرف أن المستأجر عليه أن يفرغ الكنيف إذا امتلأ في أثناء الإقامة.
فإذا خرج فإنه لا يلزم بتفريغ الكنيف أو البالوعة.
هكذا العرف.
المهم أن الأمر يرجع إلى العرف حسب العرف تكون المسألة.
طبيعي أنه في الأماكن التي لا يوجد فيها كنف وإنما يوجد فيها تصريف فليس
على المؤجر ولا على المستأجر.
بهذا انتهى الفصل وننتقل إلى الفصل الذي بعده.
فصل
[في لزوم عقد الإجارة وما يوجب الفسخ]
- قال - رحمه الله -:
- فصل. وهي عقد لازم.
الإجارة من العقود اللازمة. وقد اتفق الفقهاء كلهم على هذا الحكم في
الجملة: أن الإجارة من العقود اللازمة التي لا يمكن أن تفسخ إلا برضا
الطرفين.
لم يخالف في هذا الحكم إلا رجل واحد وهو القاضي شريح فإنه رأى - رحمه الله
- أن عقد الإجارة عقد جائز وليس بلازم.
وهو قول غريب ومخالف لتقريرات جميع الفقهاء - رحمهم الله -. والأقرب أنه
عقد لازم.
ودليل ذلك:
- أنه من عقود المعاوضات والعقود التي فيها معاوضة في الشرع الأصل فيها
أنها لازمة. لأنها معوضة. فكيف نسمح بعد المعاوضة بالفسخ.
- قال - رحمه الله -:
- فإن آجره شيئاً ومنعه كل المدة أو بعضها: فلا شيء له.
إذا أجره - ولنفرض أنه أجره داراً ثم منعه الانتفاع بالدار فينقسم الأمر
إلى قسمين:
ـ القسم الأول: ان يمنعه من جميع الانتفاع. فحينئذ ينفسخ العقد ولا إشكال
ولا شيء للمؤجر. لأنه منه من تسليم المنفعة كما لو منع البائع من تسليم
العين.
ـ القسم الثاني: أن يمنعه من بعض الانتفاع
كأن يؤجره لمدة سنة ثم بعد مرور ستة أشهر يمنعه من الانتفاع. بإخراجه أو
بأي طريقة من الطرق.
= فعند الحنابلة أيضاً ليس للمؤجر شيء من الأجرة مطلقاً. لأنه منع المستأجر
من الانتفاع.
استدل الحنابلة على حرمان المؤجر من جميع الأجرة بقولهم:
- أن المعقود عليه الانتفاع طيلة المدة ولم يقع وإذا لم يقع المعقةد عليه
لم يستحق العوض.
= والقول الثاني: أنه إذا منعه بعض الأجرة فإنه يسقط عليه بقسطها. فإذا
منعه من النصف فإنه لا يعطى إلا نصف الإجار. والربع لا يعطى إلا ربع
الإجار. يعني: إذا منعه المؤجر من الربع فكم سيعطى ثلاثة أرباع وإذا منعه
من ثلاثة أربع فسيعطى الربع إذاً: بقسطه.
ولعلك تلاحظ أن هذا القول الثاني أقرب إلى العدل إن شاء الله من القول
الأول الذي يحرم المؤجر من جميع الأجرة مع كون المستأجر انتفع ببعض المدة
من العين. فهذا القول إن شاء الله هو الراجح.
- قال - رحمه الله -:
- وإن بدأ الآخر قبل انقضائها: فعليه.
يعني وإن بدا للمستأجر أن ينصرف باختياره فعليه كل الأجرة.
وهذا صحيح ولا أظن أن فيه خلاف.
الدليل: الدليل:
- أن المؤجر بذل المنفعة كاملة للمستأجر وهو امتنع عن الانتفاع مع وجود
العقد وصحته فلزمه العوض.
وهذا لا إشكال فيه.
نأتي إلى المسألة التي تنبني عادة على هذه المسألة/ إذا امتنع المستأجر من
الانتفاع فإنه يحرم على المؤجر أن يتصرف بالعين المؤجرة مطلقاً.
وهذا أيضاً إشكال فيه. ولا أظن أن فيه خلافاً.
إذاً: يحرم عليه أن يتصرف لأنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف في ملك غيره.
والمنفعة مدة الإجارة ملك للمستأجر.
فإن تصرف فهنا وقع بعض الإشكال.
إن تصرف: فينقسم تصرفه إلى قسمين:
ـ إما أن يتصرف قبل أن يضع المستأجر يده على العين.
ـ أو ان يتصرف بعد أن يضع المستأجر يده على العين.
/ فإن تصرف قبل أن يضع المستأجر يده على العين: انفسخت الإجارة ولا إشكال.
وعليه أن يعيد كل الأجرة إن كان استلمها أو ما استلم منها إن كان استلم
بعضها.
/ وإن كان تصرف بالعين المؤجرة بعد ان وضع المستأجر يده عليها فـ:
= عند الحنابلة: له أجرة المثل. لمن؟ للمستأجر. له أجرة المثل.
- لأنه اعتدى على مال غيره. والمال في هذا
المثال هو المنفعة.
= القول الثاني: أنه تفسخ الإجارة بقدر المدة التي اعتدى عليه فيها المالك.
فنقول للمستأجر اخصم من الأجرة بقدر المدة التي انتفع مالك العقار به فيها.
ولا يخفى عليكم من خلال المسائل السابقة أن بين القولين فرقاً كبيراً.
إذ قد تكون أجرة المثل أضعاف أجرة الاستئجار الأصلية وقد تكون أقل بكثير.
فإذا أردت أن ترجح يجب أن تراعي أن المستأجر أحياناً ينتفع وأحياناً يتضرر.
إذاً لن ننظر لا إلى انتفاعه ولا إلى تضرره. وإنما ننظر إلى العدل.
والعدل هو القول الأول. لأنه إذا اعتدي على الإنسان في حق من حقوقه المالية
فالعدل فيه أن يعطى أجرة المثل. لأن هذا المستأجر لو أجر متاعه أو عقاره في
الوقت الذي أخذه منه مالك الأصل لأخذ هذا المبلغ وهو أجرة المثل.
نذكر مثالاً يوضح هذه القضية/ لو استأجر بيت لمدة سنة بمائة ألف. وأخرجه
المؤجر بعد ستى أشهر فأجرة الستة أشهر: خمسين ألف. سألنا أجرة المثل بعد
مرور ستة أشهر من العقد: كم سيكون أجرة الستة أشهر التالية التي اعتدي على
المستأجر فيها فقالوا: أجرتها سبعين ألف.
فعلى القول الاول كم يجب للمستأجر؟ سبعين ألف.
وعلى القول الثاني: ( .......... ) لو كانت هذه السبعين ثلاثين - الأجارات
نقصت كذلك نفس الشيء سيكون [[للمؤجر]] (هكذا في الشرح).
إذاً: القول الأول إن شاء الله أعدل وهو أقرب إلى الصواب.
- قال - رحمه الله -:
- وتنفسخ: بتلف العين المؤجرة.
إذا استأجر عيناً وتلفت انفسخت الإجارة بالإجماع.
- لأنه لم يعد بالإمكان تحصيل المنفعة محل العقد. كما لو اشترى إنسان شيئاً
وتلف قبل القبض تماماً.
كذلك هنا نقول: ينتهي وينفسخ عقد الإجارة ويرجع المستأجر بماله إن كان
سلمه.
- قال - رحمه الله -:
- وبموت المرتضع.
فإذا استأجرنا ظئراص لترضع طفلاً ومات الطفل انفسخت الإجارة.
ووجه ذلك: أنه تعذر استيفاء المنفعة. إذ لا يمكن أن نستوفي المنفعة من هذه
المرأة.
فإن قيل: يمكن استيفاء المنفعة بأن نحضر طفلاً آخر. فالجواب: أن العقد وقع
على الطفل الأول والعقود في الشرع دقيقة جداً.
إذاً: العقد أن ترضع هذه المرأة هذا الطفل فقط.
فإذاً نقول: إذا مات الطفل انفسخ العقد لا
سيما وأنه في الغالب مستأجر الظئر يريد أن يرضع ابنه لا يريد أن يرضع أبناء
الناس.
إذاً: قضية أنه ىيمكن الانتفاع بشخص آخر لا ترد علينا في هذه المسألة.
- قال - رحمه الله -:
- والراكب إن لم يخلف بدلاً.
يعني: إذا استأجر الإنسان دابة ليركبها ومات فإن العقد ينفسخ: = عند
الحنابلة بشرط: أن لا يخلف هذا الراكب بدلاً عنه. فإن خلف بدلاً عنه صح
العقد. وصار الذي ينتفع بالمنفعة هو من استخلفه الميت.
= القول الثاني: ان العقد لا ينفسخ.
والسبب: أن العقد هنا على منفعة الركوب لا على ركوب هذا الشخص. ونقول: إذا
مان هذا الرجل ينتفع غيره.
وضربوا لهذا مثلاً: فقالوا لم استأجر زيد دابة لعمرو ومات عمرو فإن العقد
لا ينفسخ ولزيد أن يركب من شاء.
الصواب والله أعلم: أنه إذا مات من أجرى العقد بنفسه ينفسخ.
وإذا مات من استؤجرت له الدابة فإنه لا ينفسخ. بهذا يكتمل الحكم ويتضح أما
تصحيح العقد مع موت المستأجر فمن وجهة نظري بعيد جداً.
إذ إن المستأجر نعم العقد على منفعة الركوب لكن المنتفع هو الراكب وهو نظير
تماماً من استأجر ظئراً تماماً نفس المعنى. مالفرق بين المسألتين؟! مع ذلك
يفرق بعض الحنابلة بينهما والصواب أنه لا فرق بينهما.
- قال - رحمه الله -:
- وانقلاع ضرس أو برئه ونحوه.
يعني: إذا استأجر زيد طبيباً ليقلع ضرسه فلما وصل إلى العيادة سقط الضرس.
حينئذ انفسخت الإجارة. وليس للطبيب أي شيء ولو كان باذلاً لنفسه.
السبب: أنه يتعذر الآن استيفاء المنفعة. لأن استيفاء المنفعة متعلق بالضرس.
الصورة الثانية: البرء. يعني: استأجر الطبيب لضرس أو لعين أو لمعدة أو لرأس
وقبيل الدخول على الطبيب شفي. شعر بأنه شفي. حينئذ: عنج الحنابلة ينفسخ
العقد ولا إجارة ولا يستحق الطبيب الأجرة.
بناء على هذا نقول: تسديد الفواتير في
المستشفيات الخاصة إذا سدد الفاتورة ثم دخل على الطبيب وشفي - لما دخل على
الطبي - شفي - إذا افترضنا هذا قد يكون بعيداً لكن إذا افترضنا هذا. فإنه
يجب على المستشفى الخاص وجوباً إعادة الأجرة مع إن العمل أنه إذا دفع
الأجرة ودخل على الطبيب هم يعتبرون الدخول على الطبيب هو بحد ذاته تحصيل
للمنفعة.
لماذا؟ لأنهم يتعاملون مع الطبيب من حيث الوقت. فهم لا يعنيهم شيء كثير
المريض - أقصد طبيعة المرض - يعنيهم الوقت. بناء إنك أخذت وقتاً إذاً تدفع
مقابل هذا الوقت.
والواقع أن الفقهاء يرون أن الأجرة ليست على الوقت. وإنما على العلاج.
فإذا افترضنا أنه شفي لما دخل إلى الطبيب فالصواب أنه يجب عليهم ترجيع
المبلغ لأنه لم ينتفع الآن من الطبيب مطلقاً.
- قال - رحمه الله -:
- لا بموت المتعاقدين أو أحدهما.
موت المتعاقدين أو موت أحدهما لا يبطل العقد.
وإلى هذا ذهب: = الجماهير من أهل العلم.
- لأن العقود اللازمة. لا تبطل بموت أحد المتعاقدين.
إنما الذي ينفسخ العقود الجائزة على خلاف تقدم معنا في انسفساخها بالموت
قبل العلم وبعده. تقدم معنا.
في العقود اللازمة الموت ليس من الأشياء التي تنفسخ فيها العقود اللازمة.
لكن نحتاج الآن إلى الجمع بين كلام المؤلف - رحمه الله - الآن أنه لا تنفسخ
وبين قوله إنه إذا مات الراكب انفسخ.
فما هو الجمع؟ نحن نستطيع أن نجمع من كلام المؤلف - رحمه الله -؟
ما نريد أي زيادة على كلام المؤلف - رحمه الله - مجرد تأمل في كلام المؤلف
- رحمه الله -.
لأنه - رحمه الله - يقول: (إن لم يخلف). إذاً نحمل الصورة الثانية على أنه
خلف.
إذاً هكذا نجمع. ونحمل الصورة الثانية على أنه خلف.
وعلى القول الراجح: لا يوجد تناقض بين الكلامين. فإذا مات لا تنفسخ الأجرة.
((الأذان))
- قال - رحمه الله -:
- ولا بضياع نفقة المستأجر أونحوه.
إذا لم ينمكت المستأجر من الانتفاع بسبب من عنده فإن الأجرة تلزمه.
مثل/ أن تضيع النفقة.
ومثل/ أن يستأجر دكاناً فتحترق الأمتعة.
ومثل/ أن يستأجر الأرض ويزرع فيها ولا تنبت.
كل هذه الصور يجب عليه أن يدفع الأجرة.
لأن عدم الانتفاع لا بسبب من المؤجر وإنما
من المستأجر.
وهذا أمر إن شاء الله واضح.
-
قال - رحمه الله -:
- وإن اكترى داراً فانهدمت، أو أرضاً لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت: انفسخت
الإجارة في الباقي.
ضابط هذه المسائل: إذا حدث في العين المستأجرة ما يمنع الانتفاع بها.
حكم المسألة/ الحكم فيه تفصيل:
ـ إذا حدث في العين المستأجرة ما يمنع جميع أنواع المنافع انفسخت الإجارة
وجهاً واحداً.
يعني: أصبحت العين المستأجرة لا يمكن الانتفاع بها في أي نوع من أنواع
الانتفاع.
ـ القسم الثاني: أن تصاب العين المستأجرة بما يمنع من الانتفاع بالمعقود
عليه خاصة.
مثاله/ أن يستأجر الأرض للزرع ثم يفاجأ أن الماء غار.
هذه الأرض مستأجرة لماذا؟ للزرع. والآن لا يمكن أن ننتفع منها بالمعقود
عليه.
لكن يمكن أن ينتفع منها بأمر آخر: كأن يبني عليها أن يجعلها مكاناً للتخزين
مختلف أنواع الانتفاعات غير المعقود عليه.
هذه هي المسألة التي يريد المؤلف - رحمه الله - أن يتكلم عنها.
= فعند الحنابلة: تنفسخ الإجارة مباشرة.
- لأن المعقود عليه هنا لا يمكن استيفاؤه.
وهذا هو المذهب.
= والقول الثاني: أن العقد لا ينفسخ. وللمستأجر الخيار بين الفسخ والإمضاء.
وأظن ألأنك تعرف الفرق بين أن نقول لا تنفسخ وله الخيار في الفسخ وبين أن
نقول تنفسخ.
إذاً القول الثاني: أنها لا تنفسخ وله الخيار بين الإمضاء والانتفاع وبين
الفسخ.
ثم إذا اختار الإمضاء فإنه يجب أن يدفع كامل الأجرة.
- لأن تعطل منافع هذه العين المعقود عليها بعتبر كالعيب ومن رضي بالعيب دفع
الثمن كاملاً.
وإلى ذهب القاضي أبو يعلى من كبار الحنابلة له ترجمة ممتعة في طبقات
الحنابلة مفيد لطالب العلم مراجعتها.
والراجح والله اعلم المذهب. أخذنا هذه الصورة وهي إذا ما تعطلت المنافع
المعقود عليها بالكلية.
الصورة الثالثة والأخيرة: إذا تعطلت بعض المنافع المعقود عليها. كأن يستأجر
أرضاً ليزرعها ثم يكتشف أن جزءاً منها غير صالح للزراعة. والباقي صالح.
فحينئذ الحكم أن المستأجر مخير بين الفسخ
أو البقاء مع تقسيط الأجرة على المستأجر. فإذا استأجر الأرض بمائة ألف
وتبين أن النصف منها غير صالح للزراعة فالواجب الأجرة مقسطة وهي خمسين ألف.
وهذا القول فيه عدل: نحن نخيره بين أن يبقى أو أن يفسخ وإذا أراد البقاء لا
يدفع إلا ما يقابل الانتفاع وهذا قمة العدل.
وبهذا ننتهي من درس هذا اليوم. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد ..
الدرس: (37) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا بالدرس السابق الكلام عن أخذ الأجرة على أعمال الطاعة ومن
المسائل التي نسيت أن أنبه إليها وسأل عنها عدد من الطلاب:
مسألة/ هل ما يأخذه الأئمة والمؤذنون من وزارة الشؤون الإسلامية تدخل في
الخلاف في مسألة أخذ الأجرة على أعمال الطاعة كالأذان والإمامة؟
والجواب على هذا السؤال: أن ما يأخذه الأئمة والمؤذنون لا يدخل ضمن الخلاف
السابق أصلاً وهو خارج من نطاق الخلاف عند تحرير محل النزاع. لأن ما يأخذه
المؤذنون والأئمة هو رزق من بيت المال والرزق جائز بالإجماع.
والدليل على هذا: - أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يلون
الولايات الدينية ويأخذون عليها الأرزاق ولا يعتبرون هذا من الأخذ على عمل
القربات: فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولو الولاية العامة وأخذوا رزقاً من
بيت المال والقضاة كذلك أخذوا رزقاً من بيت المال. والعمال الذين كانوا
يرسلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لجباية الزكاة ونحوها كانوا يأخذون من
بيت المال رزقاً وكل هذا لا يتعبر من الأجرة التي تدخل في الخلاف الذي
ذكرناه في الدرس السابق.
والفرق بين الرزق والأجرة: هو أن الرزق ما يأخذه الإنسان من بيت المال
مساعدة له للقيام بالولايات الشرعية.
فقولنا: (مساعدة) يعني: أن ما يأخذه ليس معاوضة وليس مقابلاً للعمل الذي
يعمله وإنما هو إحسان وإعانة من ولي الأمر.
وهذا الفارق الجوهري بين الرزق وبين الأجرة.
تبين الآن معنا إن شاء الله حكم هذه
المسألة وأنا أطلب من كل واحد من الطلاب - ملزم - أن يرجع للفروق للقرافي -
المطبوع - ويراجع مسألة الفرق بين الرزق والأجرة ذكر - رحمه الله - فروقاً
كثيرة بالتتبع وجوهر الفروق هو ما ذكرت لك. لكن هو - رحمه الله - ذكر نحوا
من أربعة أو خمسة فروق وقراءة هذه الفروق مفيد جداً لطالب العلم وتنمي عنده
ملكة التفريق بين المسائل المتشابهة وهذا كتاب مهم فإن كان في مكتبتك فبها
ونعمت وإلا فيحسن بالإنسان أن يقتنيه وله عدة طبعات منها طبعة مرتبة على
أبواب الفقه مختصرة جاءت في مجلد واحد ومنها طبعة للكتاب كما وضعه المؤلف -
رحمه الله - محققه وهي أيضاً طبعة جيدة ولك أن تختار أي الطبعتين من هذه
الطبعات إذا لم يكن الكتاب موجوداً عندك من قبل وتقرأ في الفرق بين الرزق
والأجرة.
- قال - رحمه الله -:
- وإن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب: فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى.
قال - رحمه الله -: (وإن وجد العين معيبة فلع الفسخ).
العيب في هذه المسألة بالذات هو: ما يؤثر نقصانا على الأجرة.
أي ما تكون الأجرة معه أنقص فإن كانت العين معيبة عيباً لا أثر له على
الأجرة فإنه لا يثبت الخيار في الفسخ.
تبين معنا الآن أن العيب المذكور في هذه المسألة هو العيب الذي تصبح الأجرة
معه أقل.
يقول - رحمه الله -: (وإن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب: فله الفسخ).
يريد المؤلف - رحمه الله - أن يشير إلى أن هذا الحكم يستوي فيه ما إذا كان
العيب موجوداً في العين المؤجرة من قبل العقد ولكن لم يفطن له المستأجر ثم
علم به وبينما ما إذا حدث العيب بعد العقد.
ففي المسألتين الحكم واحد.
الحكم هو: أن له الفسخ.
يعني: أو الامضاء مجاناً ولو أن المؤلف - رحمه الله - صرح بالحكم لكان أكمل
في الحقيقة لأنه من صميم الحكم.
إذاً الحكم إذا وجد عيباً في العين المؤجرة أنه مخير بين الفسخ أو الامضاء
مجاناً. ومعنى: (مجاناً) أي بلا أرش الفرق بين العين معيبة وبلا عيب.
هذا هو مذهب الحنابلة.
إذاً إذا وجد الإنسان عيباً في العين المستأجرة فهو مخير بين الفسخ
والإمضاء: فإن اختار الإمضاء فالإمضاء يكون مجاناً.
الدليل على ثبوت خيار الفسخ إذا وجد
المستأجر في العين المستأجره عيباً:
- الأول: الاتفاق. (ونحن نتكلم الآن على الفسخ). فإن الأئمة اتفقوا على هذا
الأمر وهو أنه إذا وجد العين معيبة له الفسخ.
- الثاني: القياس على السلعة في عقد البيع. فإن الإنسان إذا اشترى عيناً
فوجد بها عيباً فإنه مخير بين الفسخ والإمضاء.
ويستثنى من هذا الحكم: وهو خيار الفسخ: ما إذا قام المؤجر بإصلاح العيب بلا
ضرر على المستأجر.
مثاله/ إذا وجد المتأجر البالوعة ممتلأه وهذا عيب من عيوب البيوت له أن
يفسخ إذا وجد البالوعة ممتلأه لكن إذا بادر المؤجر بتفريغ البالوعة مباشرة
فإنه لا خيار للمستأجر بل يجب عليه أن يبقى لأن الضرر زال وأمكنه ألأن
ينتفع بالعين على الوجه الكامل.
* * مسألة/ ذكرنا أن مذهب الحنابلة أنه إذا اختار الإمضاء فهو مجاناً.
واستدلوا على هذا:
- بأن المستأجر لما اختار الإمضاء فقد اختار العين معيبة برضاه. فله
الاستمرار فقط.
= والقول الثاني: أنه إذا اختار الإمضاء ثبت له الأرش.
والأرش هنا هو الفرق بين أجرة العين سليمة وأجرة العين معيبة.
فإذا استأجر سيارة ووجدها معيبة بخلل في الماكينة وأجرة السيارة في العقد
مائة ريال ثم لما اكتشف العيب وسأل وجد أن أجرة مثل هذه السيارة المعيبة
ثمانين ريال فإنه يحط من قيمة الأجرة: عشرين ريال. على القول الثاني.
استدل أصحاب القول الثاني:
- بأن مقتضى العدل أن ينقص من الأجرة بمقدار ما نقص من الانتفاع.
وهذا القول إن شاء الله هو الراجح.
فعلى القول الراجح يصبح مخيراً بين الفسخ أو الامضاء وأخذ الأرش.
وعلم مما تقدم أن المؤجر لا يستطيع أن يلزم المستأجر بالبقاء ويقول أدفع لك
الفرق بين الأجرتين. إنما الخيار للمستأجر.
- قال - رحمه الله -:
- وعليه أجرة ما مضى.
يعني فيما إذا حدث العيب بعد أن لم يكن.
فإذا حدث العيب بعد أن لم يكن وانتفع المستأجر من العين مدة من الزمن فإن
للمؤجر أجرة هذه المدة.
والتعليل:
- أنه استوفى المنفعة في هذه المدة فوجب عليه أن يدفع العوض.
لكن هل ينقص من أجرة المدة بقدر النقص الموجود في العين المستأجرة بسبب
العيب أو يدفع كامل أجرة هذه المدة؟
فيه تفصيل:
ـ إن كان انتفع بالعين مع وجود العيب في
هذه المدة انتفاعاً كاملاً بحيث تحقق غرضه على الوجه المطلوب فإن الذي يظهر
لي أنه لا يخصم من الأجرة شيء.
ـ وإن كان انتفع بالعين المستأجرة في هذه المدة لكن مع خلل في النفع بسبب
العيب. فإنه يحط من الأجرة بمقدار العيب.
- قال - رحمه الله -:
- ولا يضمن أجير خاص: ما جنت يده خطأً.
انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى أحكام الضمان.
- وقال - رحمه الله -:
- ولا يضمن أجير خاص.
يقسم الفقهاء ال
الأجير إلى قسمين:
- أجير خاص.
- وأجير مشترك.
ـ فالأجير المشترك سيأتينا.
ـ والأجير الخاص هو: من استؤجر في مدة معلومة بحيث يستغرق المستأجر كامل
المنافع ولا يشاركه فيه أحد.
مثاله/ أن يستأجر العامل يوماً كاملاً لبناء جدار. أو يستأجر الخياط عشر
ساعات لخياطة ثوب.
ويجب أن تلاحظ الأمثلة ملاحظة جيدة حتى تفرق بين المشترك والخاص.
نحن نقول: يستأجر الخياط في مدة معلومة وتكون منافع الخياط في هذه المدة
للمستأجر وحده.
فهذا أجير خاص.
الأجير الخاص: لا يضمن عند الفقهاء.
ولهذا يقول - رحمه الله -: (ولا يضمن أجير خاص).
السبب في أنه لا يضمن: القياس على المضارب والوكيل. فنقيس الأجير الخاص على
المضارب والوكيل.
الجامع: يعني علة القياس: هو أن كلاً منهما - أي من الأجير الخاص والوكيل
والمضارب - نائب عن المالك في التصرف فهو أمين.
وهذا القياس قياس صحيح.
والحكم المبني عليه وهو عدم تضمين الأجير أيضاً حكم صحيح.
* * أريد أن أنبه أنه بالنسبة للأجير الخاص ينظر إلى المنافع في الزمن لا
في المكان.
فإذا استأجر زيد عمراً ليخيط له الثوب في يوم فهو أجير خاص سواؤ خاط الثوب
في بيت المستأجر أو خاط الثوب في بيت نفسه - يعني في بيت الأجير.
إذاً: المكان لا ينظر إليه في الأجير الخاص وإنما ينظر إلى استغراق جميع
المنافع في مدة معينة.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى مسألة أخرى:
- يقول - رحمه الله -:
- ولا حجام وطبيب وبيطار: لم تجن أيديهم إن عرف حذقهم.
الحجام معروف والطبيب معروف والبيطار هو من يعالج الحيوانات وهو الذي يسمى
في وقتنا البيطري.
هؤلاء إذا تلف في أيديهم شيء من المعالج
فإنهم لا يضمنون ولكن هذا مشروط بشرطين:
ـ الشرط الأول: الحذق. وهو العلم بالصنعة.
ـ الشرط الثاني: أن لا تنجي أيديهم.
ولذلك يقول - رحمه الله - هنا: (لم تجن أيديهم إن عرف حذقهم).
والمقصود بالجناية هنا: أن يتعدى الموضع المقرر له في العلاج.
مثاله/ ان يتاتي لقطع موضع فيقطع في موضع آخر خطأ.
فإذا تحقق الشرطان: لم تجن يده وهو حاذق يعني عنده علم بالصنعة فإنه لا
يضمن.
وهذا لا إشكال فيه مطلقاً.
تقدم معنا مراراً أنا نستطيع أن نخرج من الشرطين: أربع حالات. دائماً
نستطيع أن نخرج من الشرطين أربع حالات:
ـ فالحالة الأولى: إذا انطبق الشرطان وحكم هذه الحالة أنه لا ضمان.
ـ الصورة الثانية: إذا لم ينطبق الشرطان. فلا إشكال أنه يضمن. فإذا كان
جاهلاً وجنت يده فهو يضمن.
ـ الصورة الثالثة: إذا كان جاهلاً ولم تجن يده. يعني: أصاب مصادفة: هو جاهل
في علم الطب ولكنه عالج أشخاصاً مرضى وأصاب ولم تجن يده. فإنه يضمن
بالاتفاق. لأنه جاهل وهذا اعتداء وتفريط.
ـ بقينا في الصورة الرابعة: وهي ما إذا كان حاذقاً عالماً عارفاً مجرباً
وجنت يده.
ففي هذه المسألة خلاف وقبل أن أشير إلى الخلاف أحب أن أنبه إلى أن الحالات
الأربع مفروضة فيما إذا لم يتعدى ولم يفرط.
وقد يثور إشكال في أذهانكم: كيف تتعدى يده أو تجني يده بلا تفريط ولا تعدي؟
هذا متصور لم يرط ولم يتعد يعني لم يقصر ولم يتجاوز الواجب لكنه أخطأ أثناء
العمل. هنا لا يعد مفرطاً ولا متعد لكنه أخطأ.
الحكم: الحكم: أنه:
= ذهب الجماهير بل حكي إجماعاً أنه يضمن.
(لاحظ معنا الصورة وهي أكثر الصور وقوعاً لأنه قل أن تجد طبيباً جاهلاً
يعالج أو يتعدى أو يفرط لكن الكثير من الأخطاء هي أن يكون حاذقاً لكن جنت
يده يعني أخطأ).
الحكم كما قلت: ذهب الجماهير وحكي إجماعاً أنه يضمن.
عللوا هذا:
- بأنه في الاتلافات الواقعة على بدن الآخرين لا ينظر إلى التعدي ولا إلى
التفريط بل يضمن مطلقاً. قياساً على إتلافات المال. فإتلافات المال إذا
أتلف زيد مال عمرو فهو يضمنه سواء تعدى وفرط أو لم يتعد ولم يفرط فكذلك
الاتلافات على بدن الإنسان.
= القول الثاني: أنه يضمن إن كان مشتركاً.
ولا يضمن إن كان خاصاً.
= القول الثالث: يضمن إن كان خاصاً ولا يضمن إن كان مشتركاً.
= القول الرابع والأخير: لا يضمن مطلقاًَ إذا لم يتعد أو لم يفرط.
- لأن يده يد أمانة.
والراجح والله أعلم: أنه يضمن. لأنه وإن كانت يده يد أمانة إلا أنه هنا
أخطأ وأتلف بدن معصوم أو جزءاً من بدن المعصوم.
بناء عليه: يضمن.
الدليل الثاني: للإستئناس ووتقوية الترجيح: لا للإعتماد أن في هذا القول
رجعاً لتساهل الأطباء. وحماية للمرضى.
وهذا القول يشعر من كلام ابن القيم - رحمه الله - أنه يميل إليه. بل يكاد
يكون صريح كلامه ترجيح هذا القول.
* * مسألة/ إذا أردنا أن نطبق بعض هذه الأحكام نقول: إذا وصف الطبيب للمريض
دواء وأخطأ فيه.
فهو من أي الأقسام؟
القسم الرابع.
إذا وصف الدواء ولكنه أخطأ في الدواء لأن معلوماته ناقصة ما درس في كلية
الطب على الوجه المطلوب. أو درس وتخرج من فترة طويلة ونسي أن هذا الدواء لا
يصرف لمن عنده حساسية مثلاً أو للمرأة الحامل أو لمن عنده صداع .. إلى
آخره. المهم الأمثلة كثيرة:
أنا أعتبره من القسم الثاني: وهو الذي يداوي وهو جاهل وأيضاً جنت يده.
/ إذا تخرج الإنسان من كلية الطب بالغش ما عنده علم مطلقاً وصرف دواء وشفي
المريض.
فهو من أي قسم؟.
من القسم الثالث: وهو: إذا لم تجن يده وأيضاً. ( ..... ).
ماذا يضمن هذا والمريض شفي؟
ما يضمن شيئا. لكن يجب أن يعاقب ويؤدب ويعزر.
عرفنا إذاً الآن أقسام هذه المسألة التي يحتاج الإنسان إليها.
نحن نقول في القول الثاني والثالث أنه يضمن إذا كان مشتركاً ويضمن إذا كان
خاصاً. الطبيب أجير مشترط أو أجير خاص؟
قد يكون مشتركاً وقد يكون خاصاً.
وهذا معلوم لأن أصحاب القول الثاني يقولون: أنه يضمن إذا كان مشتركاً يعني
معناه أنه من الممكن أن يكون مشتركاً ويمكن أن يكون خاصاً.
فإذا أتيت بالطبيب إلى بيتي ليعالجني في وقت محدد فهو خاص.
وإذا كان في المستشفى يعالج الناس فهو مشترك.
- قال - رحمه الله -:
- ولا راع لم يتعد.
راعي الغنم لا يضمن إذا لم يتعد.
وقد حكي الإجماع على هذا: لأنه كالمودع
ويده يد أمانة ولم يخالف من الفقهاء أحد إلا رجل واحد وهو الشعبي فإنه رأى
أن الأجير يضمن. وقوله - رحمه الله - ضعيف جداً وربما تكون هذه الفتوى من
الشعبي مناسبة لوقت من الأوقات أو لانتشار التساهل بين الرعاة في زمنه أو
لأي سبب عارض.
لكن من حيث الدليل الراعي لا يضمن.
بل قال الفقهاء شيئاً يدل على إئتمانهم للراعي بشدة: وهو أنه لو ادعى أنها
تلفت وماتت أو أكلها لا يلزم بأن يأتي بشيء منها.
بل مجرد دعواه أنها ماتت أو افترست أو أكلها الذئب .... إلى آخره. فإنه
تقبل دعواه بلا مطالبة بالبينة.
وعللوا ذلك: بأن الراعي قد لا يستطيع أو يتعذر عليه إقامة البينة على مثل
هذه الأمور فإلزامهم بالبينات يفضي إلى اعتذار كثير من الناس من الرعي
لغيره بأجر معلوم.
الخلاصة: أن الراعي لا يضمن إذا لم يتعد بالإجماع ولم يخالف إلا الشعبي.
- قال - رحمه الله -:
- ويضمن المشترك ما تلف بفعله.
انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى المشترك. فيقول: (ويضمن المشترك ما تلف
بفعله).
المشترك هو من لا يختص نفعه للمستأجر. بل يتقبل العمل لاثنين فأكثر في وقت
واحد.
مثاله/: الخياط والقصار - يعني الغسال - والطباخ ونحو هؤلاء.
فهؤلاء يتقبلون أعمالاً متعددة في وقت واحد ويصبح وقته مشتركاً للجميع.
وحقيقة الأجير المشترك: أن العقد معه عقد على العمل.
ذكر المؤلف - رحمه الله - أنه يضمن ما تلف يفعله.
ومقصود المؤلف - رحمه الله - بقيد: (بفعله) إخراج ما عدا ذلك كما سيأتينا
فهو وصف وقيد معتبر.
قبل أن نأتي بفعله وما يخرج به نتحدث عن أصل المسألة/
= يرى الحنابلة ان الأجير المشترك يضمن.
واستدلوا على هذا بعدة أدلة:
- الدليل الأول: أنه مروي عن أمير المؤمنين عمر وعن أمير المؤمنين علي -
رضي الله عنهما -.
- الثاني: أن أمر الناس لا يصلح إلا بهذا. وهذا التعليل مروي عن علي - رضي
الله عنه -. وعلل به بعض الفقهاء.
ويقصدون بهذا التعليل: أنه لو لم نضمن الأجير المشترك لأدى هذا إلى تهاونه
وإضاعته لأموال الناس والتفريط فيها.
فإذا ضمناه ضمنا قيامه بالواجب تجاه أموال الناس.
- الدليل الثالث: أن عمل الأجير المشترك
مضمون عليه. وما تولد عن المضمون مضمون. ولاحظ أن المؤلف - رحمه الله -
يقول: (بفعله).
ونحن نقول ما تولد عن هذا الفعل: مضمون.
شرح الدليل: قولهم أن عمل الأجير المشترك مضمون عليه: معنى: (مضمون عليه)
أنه لا يستحق الأجرة إلا بتمامه.
وقولهم: (ما تولد عن المضمون مضمون) يعني ما تولد عن هذا العمل من إتلاف
أيضاً مضمون لأنه متولد عن عمل مضمون.
= القول الثاني: أنه لا يضمن.
واستدلوا على هذا:
- بالقياس على الأجير الخاص. لأن كلاً منهما أخذ مال الغير لنفع الغير.
- ولأن يده يد أمانة كالمودع.
الراجح والله أعلم: القول الثاني: أنه لا يضمن. لأن الآثار عن عمر وعلي
ضعيفة منقطعة لا تثبت ولأن الأجير في أصل العقد مؤتمن.
ولو قيل: أن تضمين الأجير المشترك يرجع فيه إلى رأي الحاكم فإذا رأى أن
الأجراء الذين يعملون للناس على سبيل الاشتراك عندهم تساهل وتفريط بأموال
الناس ضمنهم وإلا فلا: فيكون من باب السياسة الشرعية لا من باب الأحكام
المضبوطة التي دلت عليها النصوص المحكمة وإنما تكون من السياسة الشرعية
لكان هذا القول وجيه ومفيد.
- قال - رحمه الله -:
- ولا يضمن ما تلف من حرزه أو بغير فعله.
هذا في الحقيقة بيان لما يخرج بقوله (بفعله).
إذا تلف المال عند الأجير المشترك في حرزه أو بغير فعله فإنه لا يضمن.
مثال هذا الأمر:/ إذا أعطى رجل خياطاً ثوباً له ليخيط هذا الثوب فأخطأ
الخياط وخرق الثوب بفعله وهذه هي الصورة التي ذكرنا الخلاف فيها.
لكن إذا أعطى الرجل رجلاً عمل في المجوهرات أعطاه ذهباً ليقوم بصياغته على
شكل معين ووضع صاحب المحل الذهب في المكان المخصص وهو التجوري المغلق
المحكم ومع ذلك سرق. فيعتبر سرق من حرزه وإن كان المال موجوداً عند الأجير
المشترك لكن لا يضمنه لأنه سرق من حرزه.
ـ الصورة الثانية: إذا تلف بغير فعله. كأن يتلف بآفة سماوية أو يتلف بما لا
يد للأجير المشترك به كالحرائق ونحوها. حينئذ لا يضمن. لأنه ليس بفعله.
والحنابلة يرون أنه يضمن إذا نتج التلف عن فعله فقط.
- قال - رحمه الله -:
- ولا أجرة له.
معنى هذا الكلام: أن الأجير المشترك إذا
اخذ ثوباً ليخيطه مثلاً وجلس يخيط في هذا الثوب لمدة خمسة أيام في اليوم
السادس احترق الثوب بفعله: بأن وضع المحماة على الثوب واخترق وتلف. فعند
الحنابلة الآن يضمن الثوب ولا أجرة له في عمله السابق.
وإن كان يعمل في الخياطة لمدة خمسة أيام لا أجرة له في عمله السابق.
واستدلوا على هذا:
- بأن العقد يقتضي تسليم العمل أو نتيجة العمل وهو في المثال الثوب. فإذا
لم يسلم المعقود عليه لم يتحق شيئاً من الأجرة.
= والقول الثاني: أن به من الأجرة بقدر عمله.
- لأنه لم يفرط ولم يعتدي فيدفع له من الأجرة ما يوافق المدة التي عمل بها.
وينبغي أن يحسب هذا بحسب العمل. ما معنى بحسب العمل؟ يعني: إذا كان أول
العمل أشق من آخره والمعمول تلف بعد أول عمل في المنتصف فيجب أن يأخذ أكثر
من نصف العمل. لأن العمل في الأول أشق من العمل في الأخير.
كذلك العكس إذا كان العمل في الأخير هو الشاق وهو المتعب وإنما عمل به
عملاً يسيراً فإنه يجب أن يعطى بمقدار ذلك من الأجرة ويرجع في تحديده إلى
أهل العرف.
= والقول الثالث: أنه يأخذ إذا كان العمل في البناء أو في النقل فقط ولا
ياخذ إذا كان في أمر آخر.
وذلك لمشقة البناء والنقل. والراجح القول الثاني.
- قال - رحمه الله -:
- وتجب الأجرة بالعقد: إن لم تؤجل.
وتجب الأجرة بالعقد. هذه المسألة مهمة جداً وينبني عليها فروع.
يقول - رحمه الله -: (تجب الأجرة بالعقد) معنى تجب: أي تملك.
فالأجرة تملك بالعقد يعني بمجرد العقد.
سواء كان العقد إجارة أعيان أو عمل في الذمة. فبمجرد العقد يملك.
الدليل على هذا:
- قالوا: الدليل على هذا: أنه في عقود المعاوضات المعوض يملك بمجرد العقد.
كما في البيع. في البيع بمجرد العقد ينتقل ملك الثمن إلى البائع والسلعة
إلى المشتري. وكما في النكاح فإنه بعد النكاح يجب المهر مباشرة.
= القول الثاني: أن الأجرة لا تملك بالعقد فقط. بل تملك بعد استيفاء
المنافع يوماً فيوماً.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- الدليل الأول: قوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)
فأمر بإيتاء الأجر بعد الإرضاع.
واستدلوا أيضاً:
- بالحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم
القيامة) قال: (ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفيه أجره).
قوله: (فاستوفى منه) دل الحديث على أن الذنب إنما يكون بتأخير الأجرة بعد
استيفاء المنفعة لقوله: (فاستوفى منه)
- الدليل الثالث: ان الأجرة في عقد الإجار مقابل منفعة فإذا لم ياخذ
المنفعة لم يجب عليه أن يملك الأجرة.
وظاهر كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - أنه يرجح القول الثاني. وهو الأقرب
إن شاء الله.
- قال - رحمه الله -:
- وتستحق بتسليم العمل الذي في الذمة.
قبل أن ندخل في هذه المسألة: عندنا في مسألة الأجرة ثلاث أزمان:
ـ زمن الملك.
ـ وزمن استحقاق المطالبة.
ـ وزمن استقرار الأجرة.
لكل واحد منها وقت في الشرع.
نحن ذكرنا في كتاب الإجارة ان الإجارة على نوعين: ـ على عين. ـ وعلى عمل في
الذمة.
إذا كانت على عمل في الذمة فهي المسألة التي ذكرها المؤلف - رحمه الله -
وسنأتي إليها.
إذا كانت على عين: نقول: إذا كانت على عين تملت بالعقد كما ذكر المؤلف -
رحمه الله - وذكرنا الخلاف فيه.
وتستحق - يعني: يجوز المطالبة بالثمن - بتسليم العين. - ونحن نتكلم عن
الأجرة إذا كان المعقود عليه عين - متى يجوز المطالبة بالثمن؟.
بتسليم العين. فمجرد ما يسلم اعين له أن يطالب بالأجرة ولو لم ينتفع
المستأجر.
واستدلوا على هذا:
- بأن تسليم العين يجري مجرى الانتفاع بمنافعها. هكذا يقولون.
بقينا في الزمن الثالث: وهو: الاستقرار. لا تستقر الأجرة إلا بمضي المدة.
وما معنى تستقر؟ يعني: تملك ملكاً تاماً.
إذاً عرفنا الآن فيما إذا كان المعقود عليه عين متى تملك ومتى يستحق
المطالبة ومتى تستقر الأجرة.
نأتي إلى مسألة المؤلف - رحمه الله - حيث يقول: (وتستحق بتسليم العمل الذي
في الذمة.)
إذا كان المعقود عليه عمل في الذمة مثل أن أقول للعامل: ابن لي هذا الجدار.
فأيضاً له ثلاثة أزمان:
ـ الزمن الأول: ملك الاجرة ويكون بالعقد. لماذا؟ لأن المؤلف - رحمه الله -
في المسألة الأولى يقول: (وتجب الأجرة بالعقد. هل فرق بين أن يكون عمل وبين
أن يكون عين؟ إذاً يشمل الأمرين.
إذاً: متى تملك؟ بالعقد.
ولكن لا تستحق ولا تستقر إلا بعد تسليم العمل.
وهذا هو الفرق بين أن يكون العقد على عين
وبين ان يكون العقد على عملفي الذمة.
إذاً الفرق بينهما في مسألة استحقاق المطالبة: ـ ففي العين يستحق المطالبة
بمجرد التسليم. ـ وأما في العمل على الذمة لايستحق المطالبة إلا بعد تسليم
العمل.
أما الملك ففي المسألتين يكون بالعقد.
- قال - رحمه الله -:
- ومن تسلم عيناً بإجارة فاسدة وفرغت المدة: لزمه أجرة المثل.
إذا استأجر الإنسان بيتاً وصار عقد الإجار باطلاً أو فاسداً لفوات شرط أو
لوجود مانع أو لأي سبب من مبطلات عقد الإجارة فإنه إذا مضت المدة يجب عليه
أجرة المثل.
((الأذان))
وكلام المؤلف - رحمه الله - يشمل ما إذا سكن أو لم يسكن انتفع أو لم ينتفع
من العين المستأجرة.
وهذا هو مذهب الحنابلة.
واستدلوا على هذا:
- بأن منافع هذه العين تلفت تحت يد المستأجر. فيجب أن يدفع عوض ذلك.
= والقول الثاني: أنه إذا لم يسكن ولم ينتفع من العين فإنه لا يجب عليه دفع
الأجرة.
- لأن الأجرة مقابل انتفاع وهو لم ينتفع.
والحنابلة أسعد بالدليل والبالنظره الفقهية لأن منافع هذا البيت المستأجر
وإن كان بعقد فاسد تلفت تحت يد هذا المستأجر سكن أو لم يسكن.
إذا الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة.
* * مسألة/ تبين مما سبق أنه إذا لم يسلم المؤجر المستأجر العين في العقد
الفاسد فإنه لا يجب عليه دفع الاجرة وإنما الخلاف السابق فيما إذا سلم
العين.
كذلك إذا بذل المؤجر العين للمستأجر ولم يستلمها مع بذله لها فلا يجب عليه
أيضاً دفع الأجرة.
وهذا صحيح يجب عليه في حال واحدة إذا استلم العين المؤجرة.
وقول المؤلف - رحمه الله -: (أجرة المثل.)
= ذهب الحنابلة إلى أن عليه أجرة المثل.
- لأن العقد فاسد والمسمى فيه فاسد تبعاً لفساد العقد.
ولذلك نرجع إلى أجرة المثل. سواء كانت أكثر أو أقل من المسماة.
فإذا استأجر البيت بخمسين ألف وتبينا أن العقد فاسد بعد مضي سنة وأجرة مثلة
في هذه السنة عشرين ألف: الواجب على المستأجر أن يدفع: عشرين.
وإذا كانت أجرة مثله مائة ألف الواجب أن يدفع: ( ... ) مع أن المسمى في
العقد: خمسون ألفاً.
= والقول الثاني: أن عليه أن يدفع المسمى في العقد لا أجرة المثل.
- لأن هذا أقرب إلى العدل.
- وقياساً على النكاح الفاسد.
وهذا القول نصره اثنان من علماء الحنابلة: الأول: ابن عقيل - رحمه الله -.
والثاني: شيخ الإسلام - رحمه الله -.
وهو القول الصحيح إن شاء الله.
بهذا انتهينا من هذا الباب المهم وهو الإجارة وهو كتاب حري بالعناية به
ويكاد يكون من أكثر العقود تعاملاً بين الناس فضبط أحكامه وتفصيلاته مفيد
لطالب العلم.
وننتقل إلى باب السبق. |