اختلاف
الأئمة العلماء بَاب الشّركَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الشّركَة جَائِزَة من كل مُطلق التَّصَرُّف.
وَاتَّفَقُوا على أَن شركَة الْعَنَان جَائِزَة واشتقاقها من عناني الفرسين
فِي التَّسَاوِي.
وَقَالَ الْفراء: اشتقاقها من عَن الشَّيْء إِذا عرض، فالشريكان كل وَاحِد
مِنْهُمَا يعن لَهُ شركَة الآخر وَهِي فِي الشَّرْع عبارَة عَن
الشَّرِيكَيْنِ يَشْتَرِكَانِ بماليهما وأبدانهما.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يكون مَا يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا أقل من الآخر
أَو يكون من غير جنس مَال الآخر وَصفته.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز حَتَّى يكون مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا من
جنس مَال الآخر
(1/444)
وعَلى صفته، فَإِن كَانَ لأَحَدهمَا
دَرَاهِم وَللْآخر دَنَانِير لم يَصح وَكَذَلِكَ إِن كَانَ لأَحَدهمَا
صِحَاح وَللْآخر قراضه.
وَاخْتلف عَنهُ فِي تَسَاوِي الْمَالَيْنِ، فَقيل عَنهُ: لَا يجوز حَتَّى
يتساوى المالان، وَقيل: يجوز وَالْأَظْهَر الْجَوَاز. وَاخْتلفُوا فِي
قسْمَة الرِّبْح.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: ذَلِك على مَا اصطلحا عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: على قدر المَال فَإِن تَسَاويا فِي المَال
وشرطا التَّفَاضُل فِي الرِّبْح أَو تفاضلا فِي المَال. وشرطا التَّسَاوِي
فِي الرِّبْح بَطل العقد.
وَاخْتلفُوا فِي مَا إِذا اشْترطَا فِي الوضعية شرطا.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: الوضعية على قدر المَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَبَعض أَصْحَاب مَالك: يبطل الشَّرْط من أَصله.
وَاخْتلفُوا فِي شركَة الْوُجُوه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تصح كلهَا.
(1/445)
وَقَالَ أَحْمد: كلهَا صَحِيحَة إِلَّا
شركَة الْمُفَاوضَة فَإِنَّهَا بَاطِلَة.
وَقَالَ مَالك: تصح شركَة الْمُفَاوضَة فِي الْجُمْلَة وَشركَة الْأَبدَان
إِلَّا مَعَ اخْتِلَاف الصناعين كقصار وحداد فَلَا تصح، وَكَذَلِكَ شَرط
أَيْضا اتِّفَاق الْمَكَان فِيهَا وابطل شركَة الْوُجُوه وَحدهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: كلهَا بَاطِلَة سوى شركَة الْعَنَان وَحدهَا وَأما
شركَة الْمُفَاوضَة الَّتِي أجازها أَبُو حنيفَة وَمَالك وأبطلها
الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا أَبَا حنيفَة أجازها بِشُرُوط الحائزي
التَّصَرُّف، وَلَا يجوز بَين حر وَعبد، وَلَا بَين صبي وَبَالغ، وَلَا
بَين مُسلم وَكَافِر، وَيكون المالان مِنْهُمَا متساويين وتصرفهما جَمِيعًا
متساو، وَإِن يتساويا فِي الرِّبْح، وَأَن لَا يبقيا من جنس مَال الشّركَة
شَيْئا، إِلَّا ويدخلاه فِي الشّركَة وَأَن يضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا
ضمنه صَاحبه بِعقد ضَمَان أَو عصب أَو شِرَاء فَاسد
(1/446)
وَمَا اشْتَرَاهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا يكون
على الشّركَة إِلَّا طَعَام أَهله وكسوتهم وتنعقد على الْكفَالَة
وَالْوكَالَة فَمَتَى اخْتَلَّ شَيْء من هَذِه الْأَوْصَاف بطلت
الْمُفَاوضَة وَصَارَت شركَة عنان إِلَّا أَنه لَا يُطَالب الْوَاحِد
مِنْهُمَا بِمن كفله الآخر بِبدنِهِ، وَلَا يُشَارِكهُ فِيمَا ملكه
بالاحتشاش والاحتطاب والاصطياد وَالْوَصِيَّة وَالْإِرْث وَالْهِبَة
والمعدن والركاز وَالْمهْر لَكِن مَتى ملك أَحدهمَا بِهَذِهِ الْأَقْسَام
شَيْئا من جنس مَال الشّركَة بطلت الْمُفَاوضَة وَصَارَت شركَة عنان.
قَالَ مَالك: تصح شركَة الْمُفَاوضَة وصفتها عِنْده أَن يُفَوض كل
مِنْهُمَا إِلَى الآخر التَّصَرُّف مَعَ حُضُوره وغيبته وَتَكون يَده
كَبِيرَة، وَلَا تكون شركَة إِلَّا بِمَا يعقدان الشّركَة عَلَيْهِ، وَلَا
يشْتَرط أَن يتساوى المالان، وَلَا أَن لَا يبقي أَحدهمَا مَالا إِلَّا
ويدخله فِي الشّركَة. وَأما شركَة الْأَبدَان فاتفق مجيزوها، وهم أَبُو
حنيفَة وَمَالك وَأحمد، أَنَّهَا تجوز مَعَ اتِّفَاق الصَّنْعَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الصَّنَائِع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تصح مَعَ اختلافها أَيْضا.
(1/447)
وَتَصِح وَإِن عملا جَمِيعًا أَو عمل
أَحدهمَا دون الآخر مُجْتَمعين ومنفردين.
وَقَالَ مَالك: لَا تصح مَعَ اخْتلَافهمْ فِي الصَّنْعَة كقصار ودباغ وَلَا
مَعَ اخْتِلَاف الْمَكَان كَمَا قدمنَا.
وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي من قَالَ: للشَّافِعِيّ قولا آخر فِي صِحَة
هَذِه الشّركَة.
وَاخْتلفُوا أَيْضا هَل تصح الشّركَة فِي الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد
والاستقاء وَمَا يُؤْخَذ من الْجبَال والمعادن وَشبهه فأجازها فِيهِ مَالك
وَأحمد وَمنع مِنْهَا أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، فَأَما شركَة الْوُجُوه
الَّتِي أجازها أَبُو حنيفَة وَأحمد وأبطلها مَالك وَالشَّافِعِيّ فَهِيَ
أَن يشتركا على أَن يشتريا فِي ذممهما وَالضَّمان عَلَيْهِمَا وَالرِّبْح،
فَمَا حصل من كسب بَينهمَا.
(1/448)
بَاب الْمُضَاربَة
اتَّفقُوا على جَوَاز الْمُضَاربَة وَهِي الْقَرَاض بلغَة أهل الْمَدِينَة.
ثمَّ اخْتلفُوا إِذا شَرط رب المَال على الْمضَارب أَن لَا يبْتَاع فِي بلد
معِين وَنَحْو هَذَا من الشُّرُوط.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: ذَلِك لَهُ وَلَا يجوز للْمُضَارب أَن
يتجاوزه فَإِن تعداه ضمن.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تفْسد الْمُضَاربَة بذلك.
وَاخْتلفُوا فِي نَفَقَة الْمضَارب فِي حَال سَفَره.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هِيَ من مَال الْمُضَاربَة إِلَّا أَن
مَالِكًا شَرط فِي ذَلِك أَن يكون المَال كثيرا يَتَّسِع الْإِنْفَاق
مِنْهُ.
وَقَالَ أَحْمد: هِيَ من نَفسه خَاصَّة فِي طَعَامه وَكسوته وركوبه.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شَرط رب المَال ضَمَان المَال على الْمضَارب.
(1/449)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يبطل
الشَّرْط وَالْمُضَاربَة صَحِيحَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تبطل الْمُضَاربَة بِهَذَا الشَّرْط.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى رب المَال شَيْئا من الْمُضَاربَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَصح.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنه لَا يَصح.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى الْمضَارب أَن رب المَال أذن لَهُ فِي البيع
وَالشِّرَاء نَقْدا أَو نَسِيئَة، وَقَالَ رب المَال: أَذِنت لَهُ
بِالنَّقْدِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: القَوْل قَول الْمضَارب مَعَ
يَمِينه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: القَوْل قَول رب المَال مَعَ يَمِينه.
وَاخْتلفُوا فِي الْمضَارب لرجل إِذا ضَارب لآخر فربح.
فَقَالَ أَحْمد وَحده: لَا يجوز لَهُ الْمُضَاربَة لآخر، فَإِن فعل وَربح
رد الرِّبْح فِي شركَة الأول.
(1/450)
وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَهُ ذَلِك وَلَيْسَ
عَلَيْهِ رد الرِّبْح إِلَى الأول.
وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل إِذا أذن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة على
الْإِطْلَاق أَن الْإِذْن صَحِيح وَالتِّجَارَة صَحِيحَة، فَأَما إِن أذن
لَهُ فِي نوع من التِّجَارَة خَاصَّة فَهَل يجوز لَهُ أَن يتجر فِي
غَيرهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يصير مَأْذُونا لَهُ فِي جَمِيع التِّجَارَات.
وَقَالَ مَالك: إِذا خلى بَينه وَبَين الشِّرَاء وَالْبيع فِي الْبَز كَانَ
مَأْذُونا لَهُ إِلَّا فِيمَا يعْمل بِيَدِهِ من هَذِه الصِّنَاعَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا أذن لَهُ فِي نوع من التِّجَارَة لم يجز
لَهُ أَن يتعداه،
وَاخْتلفُوا فِي الْمَأْذُون إِذا رَكبه دين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الدّين فِي رَقَبَة العَبْد يُبَاع فِيهِ مَعَ
مُطَالبَة الْغُرَمَاء فَإِن زَاد الدّين على قِيمَته لم يلْزم السَّيِّد
شَيْء. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يكون فِي ذمَّته العَبْد يتبع بِهِ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا كمذهب أبي حنيفَة سَوَاء رَوَاهَا
عَنهُ بعض أَئِمَّة مذْهبه، وَالْأُخْرَى: هُوَ فِي ذمَّة السَّيِّد.
وَاخْتلفُوا فِي الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة يدعوا إِلَى طَعَامه أَو
يطعم أَو يعير الدَّابَّة أَو يكسوا الثَّوْب أَو يهدي الدَّرَاهِم
وَالدَّنَانِير.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز شَيْء من ذَلِك على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز إطعامه وهديته الطَّعَام وإعارته
الدَّابَّة فَأَما كسوته الثَّوْب وإعطاؤه الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
فَلَا يجوز.
(1/451)
بَاب الْوكَالَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الْوكَالَة من الْعُقُود الْجَائِزَة فِي الْجُمْلَة
وَأَن كل مَا جَازَت بِهِ النِّيَابَة من الْحُقُوق جَازَت الْوكَالَة
فِيهِ كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَقَضَاء الدّين وَالْخُصُومَة
فِي الْمُطَالبَة بالحقوق وَالتَّزْوِيج وَالطَّلَاق وَغير ذَلِك.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَوْكِيل الْحَاضِر إِذا لم يرض خَصمه.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: أَنَّهَا صَحِيحَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا بِرِضَاهُ إِلَّا أَن يكون الْمُوكل
مَرِيضا أَو مُسَافِرًا سفرا تقصر فِيهِ الصَّلَاة.
وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ: قَالَ متأخروا أَصْحَابنَا: الْمَرْأَة
الَّتِي هِيَ غير بَرزَة يَصح توكيلها بِغَيْر رضَا الْخصم.
ثمَّ قَالَ: وَهَذَا شَيْء استحسنه الْمُتَأَخّرُونَ من أَصْحَابنَا،
فَأَما ظَاهر الأَصْل فَيَقْتَضِي خلاف ذَلِك.
(1/452)
وَاخْتلفُوا هَل يملك الْمُوكل؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يملك ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك ذَلِك إِلَّا بِمحضر مِنْهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عزل الْمُوكل الْوَكِيل وَعلم بذلك الْعَزْل.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عزل وَلم يعلم أَو مَاتَ الْمُوكل وَلم يعلم
بِمَوْتِهِ الْوَكِيل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَنْعَزِل إِلَّا بعد الْعلم بِالْعَزْلِ،
وينعزل بِالْمَوْتِ، وَإِن لم يعلم.
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يَنْعَزِل فِي الْحَالين
وَإِن لم يعلم اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: لَا يَنْعَزِل إِلَّا
بعد الْعلم فِي الْحَالين.
وَعَن الإِمَام الشَّافِعِي قَولَانِ.
ولأصحاب مَالك وَجْهَان كالمذهبين.
(1/453)
وَاتَّفَقُوا على أَن إِقْرَار الْوَكِيل
على مُوكله فِي غير مَجْلِسه الحكم لَا يقبل بِحَال.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ عَلَيْهِ فِي مجْلِس الحكم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ يَصح إِقْرَاره على مُوكله
فِي مجْلِس القَاضِي إِلَّا أَن يشْتَرط مُوكله عَلَيْهِ أَن لَا يقر
عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يَصح أَيْضا كَمَا لَو أقرّ فِي غير مجْلِس
القَاضِي.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْقَاضِي سَماع الْبَيِّنَة على الْوكَالَة من غير
حُضُور الْخصم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسمع إِلَّا بِحُضُور الْخصم.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: يسمع بِغَيْر حُضُوره.
وَاخْتلفُوا هَل تصح الْوكَالَة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وَالْمُوكل غير
حَاضر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا بِحُضُورِهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: يَصح من غير حُضُوره.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين أظهرهمَا أَنه يَصح من غير حُضُوره.
وَاتَّفَقُوا على أَن إِقْرَار الْوَكِيل على مُوكله بالحدود وَالْقصاص غير
مَقْبُول
(1/454)
سَوَاء كَانَ فِي مجْلِس حكمه أَو غَيره.
وَاخْتلفُوا فِي حُقُوق العقد فِي الْمُعَامَلَات كالمطالبة بِالثّمن
وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوهَا تتَعَلَّق بالوكيل وَقَالَ: إِذا لم يقل
الْوَكِيل أَنِّي أَشْتَرِي لفُلَان فالثمن على الْوَكِيل، وَإِن قَالَ:
اشْتَرَيْته لفُلَان فالثمن على فلَان وَلَا شَيْء على الْوَكِيل،
وَكَذَلِكَ فِي البيع إِذا قَالَ: هُوَ لفُلَان، فالعهدة على الْأُمَرَاء
دون الْوَكِيل وَإِن لم يقل ذَلِك فالعهدة على الْوَكِيل.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مُتَعَلقَة بالموكل على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي شِرَاء الْوَكِيل من نَفسه لنَفسِهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح ذَلِك على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يبْتَاع من نَفسه لنَفسِهِ بِزِيَادَة فِي الثّمن.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنه لَا يجوز بِحَال وَهِي الَّتِي
اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: يجوز بِأحد شرطين إِمَّا أَن يزِيد
فِي ثمنهَا أَو يُوكل فِي بيعهَا مِنْهُ غَيره
(1/455)
ليَكُون الْإِيجَاب من الْغَيْر.
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّوْكِيل يَصح فِيمَا يملكهُ الْمُوكل وَتَصِح
فِيهِ النِّيَابَة عَنهُ كَمَا ذكرنَا.
وَيلْزمهُ إحكامه وَيكون الْوَكِيل حرا بَالغا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَوْكِيل الصَّبِي الْمُرَاهق الْمُمَيز الَّذِي يقْصد
العقد ويعقله.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح.
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: لَا أعرف فِيهِ نصا عَن مَالك وَعِنْدِي
أَنه لَا يَصح.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح.
وَاخْتلفُوا فِي الْوَكِيل فِي الْخُصُومَة هَل يكون وَكيلا فِي الْقَبْض؟
فَقَالُوا: لَا يكون وَكيلا.
(1/456)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون وَكيلا فيهمَا.
بَاب الْإِقْرَار
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحر الْبَالِغ إِذا أقرّ بِحَق مَعْلُوم من حُقُوق
الْآدَمِيّين لزمَه إِقْرَاره بِهِ وَلم يكن لَهُ الرُّجُوع فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِي العَبْد الْمَأْذُون لَهُ إِذا أقرّ بِحَق لزمَه لَا
يتَعَلَّق بِأَمْر التِّجَارَة كالقراض، وإرش الْجِنَايَة وَقتل الْخَطَأ
وَالْغَصْب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يتَعَلَّق الْحق
بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق بِذِمَّة السَّيِّد بل يُبَاع العَبْد فِيهِ
إِذا طَالب الْغُرَمَاء فَإِن زَاد ذَلِك على قِيمَته لم يلْزم السَّيِّد.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَن ذَلِك يتَعَلَّق بِذِمَّة السَّيِّد.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَعَلَّق بِالْعَبدِ وَيلْزم ذمَّته إِلَّا أَنه لَا
يُبَاع فِيهَا بل يتبع بهَا إِذا أعتق.
وَقَالَ مَالك: جنايات الْخَطَأ إِذا اعْترف بهَا العَبْد لَا يثبت فِي حق
السَّيِّد وَلَا
(1/457)
يقْضِي على العَبْد بهَا بل يقبل إِقْرَاره
على نَفسه وَيتبع بِهِ بعد الْعتْق، فَإِن أقرّ على نَفسه بِجِنَايَة بدنية
قبل اعترافه بهَا واقتص مِنْهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ غير الْمُمَيز وَالصَّغِير
غير الْمَأْذُون لَهُ لَا يقبل إقرارهم وَلَا طلاقهم وَلَا تلْزم عقودهم.
وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد يقبل إِقْرَاره على نَفسه وَلَا يقبل فِي حق
سَيّده.
وَاخْتلفُوا فِي إِقْرَار الْمُرَاهق فِي الْمُعَامَلَات.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح مَعَ إِذن وليه لَهُ فِي التِّجَارَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ على مَال خطير أَو عَظِيم فَلم يُوجد
عَن أبي حنيفَة نَص مُتَطَوّع بِهِ عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، إِلَّا
أَن أَبَا يُوسُف ومحمدا صَاحِبَاه قَالَا: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم وَلَا
يصرف قَوْله إِلَى أقل مِنْهُمَا.
وَمن أَصْحَابه من قَالَ: إِن قَوْله كقولهما، وَمِنْهُم من قَالَ:
عَلَيْهِ عشرَة دَرَاهِم، وَمِنْهُم من قَالَ: يعْتَبر فِيهِ حَال الْمقر
وَمَا يستعظم مثله فِي الْعَادة.
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك جدا، إِلَّا أَنهم لم ينصوا فِيهِ عَن مَالك
شَيْئا، فَمنهمْ من قَالَ: هُوَ كإقراره بِمَال فَقَط فَيرجع فِي تَفْسِيره
إِلَيْهِ.
وَمِنْهُم من قَالَ: كأقل نِصَاب من نصب الزَّكَاة، وَمِنْهُم من يَقُول:
مِقْدَار
(1/458)
الدِّيَة، وَمِنْهُم من يَقُول: يلْزمه مَا
يستباح بِهِ الْبضْع، أَو الْقطع.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ، فَإِن فسره
بِمَا يَقع عَلَيْهِ اسْم المَال قبل مِنْهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لَهُ عَليّ دَرَاهِم كَثِيرَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه عشرَة.
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك على ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: يلْزمه مَا زَاد
على ثَلَاثَة دَرَاهِم، وَالثَّانِي: تِسْعَة دَرَاهِم، وَالثَّالِث:
مِائَتَا دِرْهَم.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يقبل تَفْسِيره لَهَا بِأَقَلّ من أقل
كَمَال الْجمع وَهُوَ ثَلَاثَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لَهُ عَليّ ألف وَدِرْهَم، أَو ألف ودينار،
أَو ألف وثوب، أَو ألف وَعبد.
(1/459)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِقْرَار
بالمفسر، وَإِن كَانَ مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة كالمكيل وَالْمَوْزُون
كَانَ الْمُبْهم من جنسه، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يثبت فِي الذِّمَّة
إِلَّا قِيمَته وَلَا تثبت عينه نَحْو ألف وثوب، أَو ألف وَعبد، رَجَعَ فِي
التَّفْسِير إِلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكون إِقْرَاره إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ
وَالدَّنَانِير فَقَط، وَيرجع فِي تَفْسِير إِلَيْهِ فَبِأَي شَيْء فسره
قبل مِنْهُ.
وَقَالَ أَحْمد: الْمُبْهم من جنس الْمُفَسّر فِي الْحَالين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بِشَيْء وَاسْتثنى من غير جنسه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة
كالمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود كَقَوْلِه: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا
كف حِنْطَة، وَإِلَّا مائَة جوزة صَحَّ الِاسْتِثْنَاء، وَإِن كَانَ
اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا لَا يثبت فِي الذِّمَّة إِلَّا قِيمَته كَالثَّوْبِ
وَالْعَبْد لم يَصح الِاسْتِثْنَاء.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس على
الْإِطْلَاق.
وَأما أَحْمد فَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير
الْجِنْس على الْإِطْلَاق.
إِلَّا أَن أَصْحَابه اخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتثْنى عينا من ورق أَو
وَرقا من عين.
فَقَالَ الْخرقِيّ: يَصح.
وَقَالَ أَبُو بكر: لَا يَصح.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أقرّ بِشَيْء وَاسْتثنى الْأَقَل مِنْهُ صَحَّ
اسْتِثْنَاؤُهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بِشَيْء وَاسْتثنى الْأَكْثَر مِنْهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَصح الِاسْتِثْنَاء.
(1/460)
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح، وَيُؤْخَذ
بِالْكُلِّ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَعبد الْملك بن الْمَاجشون من أَصْحَاب
مَالك.
وَأهل اللُّغَة يوافقونهم.
مِثَاله: أَن يقر بِعشْرَة ثمَّ يسْتَثْنى مِنْهَا سَبْعَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بِشَيْء، ثمَّ اسْتثْنى نصفه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَصح.
وَاخْتلف أَصْحَاب أَحْمد فَقَالَ أَبُو بكر: لَا يَصح، وَظَاهر الْمَذْهَب
صِحَّته.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بديون فِي مرض مَوته لأجانب لَا يتهم لَهُم
وَعَلِيهِ دُيُون فِي الصِّحَّة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن اسْتِيفَاء
حُقُوقهم. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يتخاصون. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: يبْدَأ بديون الصِّحَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمَرِيض
فِي مرض مَوته لوَارِثه.
فَقَالَ مَالك: إِن كَانَ لَا يتهم لَهُ ثَبت، وَإِن كَانَ يتهم لَهُ لم
يثبت وَصورته أَن
(1/461)
يكون لَهُ بنت وَابْن وَأَخ، فَإِن أقرّ
لإبن أَخِيه لم يتهم، وَإِن أقرّ لإبنه أتهم وَأَمْثَاله.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ بَاطِل فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَعَن الشَّافِعِي: قَولَانِ، أشهرهما ثُبُوته فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ أحد الإبنين بِأَخ ثَالِث، وَكذبه الآخر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يدْفع إِلَيْهِ الْمقر نصف مَا فِي يَده.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يدْفع إِلَيْهِ الْمقر ثلث مَا فِي يَده.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح الْإِقْرَار وَلَا يُشَارِكهُ فِي شَيْء
أصلا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بعض الْوَرَثَة بدين على الْمَيِّت وَلم
يصدقهُ الْبَاقُونَ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزم الْمقر مِنْهُم بِالدّينِ جَمِيع الدّين.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمه من الدّين بِقدر حِصَّته من مِيرَاثه.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أشهرهما كمذهب مَالك وَأحمد، وَالْآخر كمذهب
أبي حنيفَة. ذكره الْبُوَيْطِيّ عَنهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بدين مُؤَجل وَأنكر الْمقر لَهُ الْأَجَل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: القَوْل قَول الْمقر مَعَ يَمِينه.
وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَول الْمقر لَهُ مَعَ يَمِينه.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
(1/462)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمَرِيض
بِاسْتِيفَاء دُيُونه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقبل فِي دُيُون الصِّحَّة دون دُيُون الْمَرَض.
قَالَ مَالك: إِذا أقرّ فِي الْمَرَض يقبض دينه مِمَّن لآيتهم لَهُ قبل
إِقْرَاره وَيرى من كَانَ عَلَيْهِ الدّين، سَوَاء كَانَ أَدَاة فِي
الصِّحَّة أَو الْمَرَض.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقبل إِقْرَاره فِي ذَلِك وَيصدق فِي دُيُون
الْمَرَض وَالصِّحَّة مَعًا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا علق الْإِقْرَار بِالْمَشِيئَةِ فَقَالَ: لَهُ على
ألف دِرْهَم إِن شَاءَ اللَّهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَالشَّافِعِيّ يبطل
الْإِقْرَار بِالِاسْتِثْنَاءِ.
وَقَالَ أَحْمد: يلْزمه مَا أقرّ بِهِ مَعَ الِاسْتِثْنَاء وَلَو قَالَ:
لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم فِي علمي، أَو قَالَ: فِيمَا أعلمهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه شَيْء.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: يلْزمه مَا أقرّ بِهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو قَالَ: لَهُ عَليّ كَذَا وَكَذَا فِيمَا أَظن
أَنه لَا يلْزمه شَيْء.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: كَانَ لَهُ على ألف دِرْهَم وقضيتها، أَو
قَالَ: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم من ثمن مَبِيع هلك قبل قَبضه وَكَانَ
مَبِيعًا من شَرط ضَمَانه الْقَبْض، وَكَذَا لَو قَالَ: لَهُ عَليّ ألف
دِرْهَم ثمن خمرًا أَو خنزيرا.
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ: بَعثه بِشَرْط الْخِيَار.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تسْقط الصِّلَة وَيلْزمهُ مَا أقرّ بِهِ.
(1/463)
وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَوْله فِي الْكل
وَلَا يلْزمه شَيْء محتجا فِي ذَلِك بِمذهب ابْن مَسْعُود.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا عِنْد أَصْحَابه مُوَافقَة
مَالك وَأبي حنيفَة.
تمّ بِحَمْد اللَّهِ
(1/464)
|