اختلاف
الأئمة العلماء بَاب اللواط.
اتَّفقُوا على أَن اللواط حرَام وانه من الْفَوَاحِش.
وَاخْتلفُوا هَل يُوجب الْحَد؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يُوجب الْحَد.
(2/255)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُعَزّر فِي أول
مرّة فَإِن تكَرر ذَلِك مِنْهُ قبل.
ثمَّ اخْتلفُوا موجبوا الْحَد فِيهِ فِي صفته.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد فِي أظهر روايتيه: حِدة
الرَّجْم بِكُل حَال بكرا كَانَ أَو ثَيِّبًا، وَلَا يعْتَبر فِيهِ
الْإِحْصَان.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر: حِدة حد الزَّانِي فَيعْتَبر فِيهِ
الْإِحْصَان والبكارة فعلى الْمُحصن الرَّجْم وعَلى الْبكر الْجلد.
وَعَن أَحْمد مثله.
وَقَالَ الْوَزير: وَالصَّحِيح عِنْدِي أَن اللائط يرْجم بكرا كَانَ أَو
ثَيِّبًا، فَإِن الله عز وَجل شرع فِيهِ الرَّجْم بقوله سُبْحَانَهُ {لنرسل
عَلَيْهِم حِجَارَة من طين} [الذاريات: 33] .
وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة على اللواط لَا تثبت إِلَّا بأَرْبعَة
شُهُود كَالزِّنَا.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: تثبت بِشَاهِدين.
وَاخْتلفُوا فِيمَن أَتَى بَهِيمَة مَاذَا يجب عَلَيْهِ؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ التعزيز.
وَرُوِيَ عَن مَالك من طَرِيق ابْن شعْبَان: أَنه يحد من أَتَى الْبَهِيمَة
وَيعْتَبر فِي حَقه الْبكارَة والإحصان.
(2/256)
وَعَن الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال:
أظهرهمَا يجب عَلَيْهِ الْحَد، وَيخْتَلف بالثيوبة والبكارة، فَإِن كَانَ
بكرا جلد، وَإِن كَانَ مُحصنا رجم، وَالثَّانِي: يقتل بكرا وثيبا على كل
حَال، وَالثَّالِث: يعزز وَلَا يحد.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يجب عَلَيْهِ الْحَد، وَفِي صفة
الْحَد عَنهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كالوطىء، وَالثَّانيَِة: عَلَيْهِ
التَّعْزِير، واختارها الْخرقِيّ وَعبد الْعَزِيز من أَصْحَابه.
وَاخْتلفُوا فِي الْبَهِيمَة.
فَقَالَ مَالك: لَا تذبح بِحَال سَوَاء كَانَت مِمَّا يُؤْكَل لَحْمه أَو
مِمَّا لَا يُؤْكَل وَسَوَاء كَانَت لَهُ أَو لغيرة، فَلَا تذبح.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي أحد الْوُجُوه: إِن كَانَت مِمَّا
يُؤْكَل لَحمهَا ذبحت سَوَاء كَانَت لَهُ أَو لغيره، وَإِن كَانَت مِمَّا
لَا يُؤْكَل لَحمهَا فَلَا يتَعَرَّض لَهَا.
وَالْوَجْه الثَّانِي لَهُم: أَنَّهَا تقتل على الْإِطْلَاق، وَسَوَاء
كَانَت مأكولة أَو غير مأكولة.
وَالثَّالِث: لَا تذبح على الْإِطْلَاق.
(2/257)
وَقَالَ أَحْمد: تذبح سَوَاء كَانَت لَهُ
أَو لغيره، وَسَوَاء كَانَت مِمَّا يُؤْكَل لَحمهَا أَو لم تكن وَعَلِيهِ
قيمتهَا إِذا كَانَت لغيرة.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا هُوَ أَو غيرَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَأْكُل هُوَ مِنْهَا، وَيَأْكُل غيرَة مِنْهَا.
وَقَالَ مَالك: يَأْكُل مِنْهَا وغيرة
ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَأْكُل هُوَ مِنْهَا وَلَا غيرَة وَيحرم على
الْإِطْلَاق أكلهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عقد على ذَات رحم محرم من النّسَب أَو
الرَّضَاع فَإِن العقد بَاطِل.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا لَو عقد على امْرَأَة فِي عدَّة من غيرَة
فَوَطِئَهَا، وَكَذَلِكَ لَو ملك ذَات محرم مِنْهُ بِالرّضَاعِ فَوَطِئَهَا
عَالما بِالتَّحْرِيمِ.
فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يجب عَلَيْهِ الْحَد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب عَلَيْهِ التَّعْزِير.
وَعَن الشَّافِعِي قَول فِيمَن وطىء ذَات محرم مِنْهُ بِالْملكِ عَالما
بِالتَّحْرِيمِ أَنه لَا حد عَلَيْهِ.
وَعَن أَحْمد مثله فِي رِوَايَة.
(2/258)
وَاخْتلفُوا فِيمَن اسْتَأْجر امْرَأَة
ليزني بهَا فَفعل؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: عَلَيْهِ الْحَد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطىء أمته الْمُزَوجَة فَهَل عَلَيْهِ الْحَد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا حد عَلَيْهِ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا حد عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى:
عَلَيْهِ الْحَد.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد الشُّهُود الْأَرْبَعَة على الزِّنَا فِي
مجَالِس مُتَفَرِّقَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: مَتى لم يشْهدُوا فِي مجْلِس وَاحِد
فَإِنَّهُم قذفه وَعَلَيْهِم الْحَد.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن تفَرقُوا فَلَا بَأْس، وَتقبل أَقْوَالهم.
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْمجْلس الْوَاحِد هَل هُوَ شَرط فِي مَجِيء
الشُّهُود مُجْتَمعين فَإِن جَاءُوا مُتَفَرّقين فِي مجْلِس وَاحِد هَل
هُوَ شَرط فِي مَجِيء الشُّهُود مُجْتَمعين فَإِن جَاءُوا مُتَفَرّقين فِي
مجْلِس وَاحِد فَإِنَّهُم يَكُونُوا قذفه ويحدون.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْمجْلس لَيْسَ بِشَرْط فِي اجْتِمَاعهم وَلَا
مجيئهم، وَمَتى شهدُوا بِالزِّنَا مُتَفَرّقين وَاحِدًا بعد وَاحِد وَجب
الْحَد على الزَّانِي.
وَعَن مَالك فِي رِوَايَة نَحوه.
وَقَالَ أَحْمد: الْمجْلس الْوَاحِد شَرط فِي اجْتِمَاع الشُّهُود وَأَدَاء
الشَّهَادَة، فَإِن أجمعهم مجْلِس وَاحِد سَمِعت شَهَادَتهم وَإِن جَاءُوا
مُتَفَرّقين.
(2/259)
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا لم يكمل شُهُود
الزِّنَا أَرْبَعَة، فَإِنَّهُم قذفة يحدون إِلَّا مَا رُوِيَ عَن
الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنهم لَا يحدون.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا شهد نفسان أَنه زنا بهَا وَهِي مطاوعة، وآخران
أَنه زنا بهَا وَهِي مَكْرُوهَة فَلَا حد على وَاحِد مِنْهُمَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد اثْنَان أَنه زنا بهَا فِي هَذِه الزاوية،
وَشهد آخرَانِ أَنه زنا بهَا فِي زَاوِيَة أُخْرَى.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تقبل الشَّهَادَة وَيجب الْحَد.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تقبل الشَّهَادَة وَلَا يجب الْحَد.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد أَرْبَعَة بِالزِّنَا، ثمَّ رَجَعَ مِنْهُم
وَاحِد قبل الحكم من الْحَاكِم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر روايتيه: يجب الْحَد على
الْأَرْبَعَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء على الثَّلَاثَة قولا وَاحِدًا، وَفِي
الرَّابِع قَولَانِ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد: يجب على
الثَّلَاثَة دون الرَّابِع.
(2/260)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد أَرْبَعَة
بِالزِّنَا، وَاثْنَانِ بالإحصان فرجم الْحَاكِم الْمَشْهُود عَلَيْهِ،
ثمَّ رَجَعَ الْجَمِيع عَن شهاداتهم شُهُود الزِّنَا، وَشَاهدا
الْإِحْصَان. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ على شَاهِدي الْإِحْصَان شَيْء
وَالضَّمان كُله على شُهُود الزِّنَا فَقَط.
وَعَن الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: الدِّيَة أَثلَاث ثلثان على
شُهُود الزِّنَا، وَثلث على شُهُود الْإِحْصَان. حَكَاهُ عَن الْمُزنِيّ،
وَقَالَ الْمُزنِيّ: وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن يكون الضَّمَان أسداسا،
السُّدس على شُهُود الْإِحْصَان، وَالْبَاقِي على شُهُود الزِّنَا، وَقَول
الثَّانِي: إِن شهدُوا قبل شَهَادَة شُهُود الزِّنَا لم يضمنوا. وَالْقَوْل
الثَّالِث: إِنَّهُم لَا يضمنُون كمذهب أبي حنيفَة.
وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِم الدِّيَة نِصْفَيْنِ مشتركين فِيهَا. وَفِي صفة
ذَلِك عَنهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: على شَاهِدي الْإِحْصَان نصف
الدِّيَة، وعَلى شُهُود الزِّنَا النّصْف، وَالْأُخْرَى على شُهُود
الْإِحْصَان ثلث الدِّيَة وعَلى شُهُود الزِّنَا الثُّلُثَانِ.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: الدِّيَة على شُهُود الزِّنَا دون
شُهُود الْإِحْصَان.
وَالثَّانيَِة: أَن الدِّيَة عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ.
(2/261)
وَاخْتلفُوا فِي الْحَاكِم إِذا حكم
بِالشَّهَادَةِ، ثمَّ أَنه بَان أَن الشُّهُود فسقه أَو عبيد أَو كفار.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك: إِن قَامَت الْبَيِّنَة على فسقهم لَا يضمن الْحَاكِم،
وَإِن قَامَت الْبَيِّنَة على الرّقّ وَالْكفْر فعلى الْحَاكِم الضَّمَان
بتفريطه.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: على الْحَاكِم ضَمَان مَا حصل من أثر
الضَّرْب.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يَسْتَوْفِيه الإِمَام من الْحُدُود وَالْقصاص مِمَّا
عساه أَن يجْرِي فِيهِ خطأ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أرش الْخَطَأ فِي بَيت المَال.
وَعَن الشَّافِعِي وَأحمد كَذَلِك، وعنهما أَنه على عَاقِلَته.
وَقَالَ مَالك: هُوَ هدر.
وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّهَادَة فِي الْحَال تسمع على الْقَذْف
وَالزِّنَا وَشرب الْخمر.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مضى على وَقت الْوَاقِعَة لذَلِك حِين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسمع ذَلِك بعد تطاول الْمدَّة إِذا لم يقطعهم
عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة
(2/262)
بعدهمْ عَن الإِمَام.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: يسمع، وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِيمَا لَو أقرّ على
نَفسه بِالزِّنَا بعد مُدَّة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسمع إِقْرَاره بذلك على شَرطه وَيعْمل بِمُوجبِه
إِلَّا فِي شرب الْخمر خَاصَّة فَإِنَّهُ لَا يسمع إِقْرَاره بذلك أصلا.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: يسمع إِقْرَاره فِي الْكل.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للرجل أَن يطَأ جَارِيَة زَوجته وَإِن
أَذِنت لَهُ.
وَاخْتلفُوا هَل يجب عَلَيْهِ الْحَد بِهَذَا الوطئ مَعَ علمه
بِالتَّحْرِيمِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي فَلَا حد
عَلَيْهِ وَإِن قَالَت: علمت أَنَّهَا حرَام حد.
(2/263)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يحد وَإِن
كَانَ ثَيِّبًا رجم.
وَقَالَ أَحْمد: يجلد مائَة جلدَة.
وَاخْتلفُوا هَل للسَّيِّد أَن يُقيم الْحَد على عَبدة وَأمه أم لَا؟
فَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ ذَلِك
إِذا قَامَت الْبَيِّنَة عِنْده بذلك أَو أقربين يَدَيْهِ فِي حد الزِّنَا
وَالْقَذْف وَشرب الْخمر وَغير ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن أحسن سَماع وَإِلَّا رفع إِلَى من يسمع ثمَّ
أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْحَد.
فَأَما السّرقَة فَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ أَن يقطع عَبده فِيهَا،
ولأصحاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك وَجْهَان.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ ذَلِك كُله بل يردهُ إِلَى الإِمَام.
فَإِن كَانَت الْأمة ذَات زوج فَاخْتَلَفُوا.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَيْسَ ذَلِك إِلَى السَّيِّد بِحَال بل
هُوَ إِلَى الإِمَام.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: ذَلِك إِلَى السَّيِّد بِكُل حَال.
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة والحرة يظْهر بهَا حمل وَلَا زوج لَهَا،
وَكَذَلِكَ الْأمة الَّتِي لَا يعرف لَهَا زوج وَلَا مولى معترف
بِوَطْئِهَا، وَتقول أكرهت أَو وطِئت بِشُبْهَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ:
لَا يجب عَلَيْهَا حد.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه دلَالَة على الزِّنَا.
(2/264)
وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَت مُقِيمَة لَيست
بغريبة فَإِنَّهَا تحد وَلَا يقبل قَوْلهَا: إِنِّي غصبت أَو وطِئت
بِشُبْهَة إِلَّا أَن يظْهر أثر ذَلِك بمجيئها مستغيثة أَو شبه ذَلِك
مِمَّا يظْهر مَعهَا صدقهَا.
بَاب التعزيز
اخْتلفُوا هَل التعزيز فِيمَا يسْتَحق التعزيز فِي مثله حق الله وَاجِب أم
لَا؟
فَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجب بل هُوَ مَشْرُوع.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِذا غلب على ظَنّه أَنه لَا يصلحه إِلَّا
الضَّرْب وَجب فعله وَإِن غلب على ظَنّه صَلَاحه بِغَيْر ضرب لم يجب.
وَقَالَ أَحْمد: إِذا اسْتحق بِفِعْلِهِ التعزيز وَجب فعله.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عزّر الإِمَام رجلا فَمَاتَ مِنْهُ ز
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
(2/265)
وَقَالَ الشَّافِعِي: عَلَيْهِ الضَّمَان.
وَأما الْأَب إِذا ضرب وَلَده أَو الْمعلم إِذا ضرب الصَّبِي ضرب
التَّأْدِيب فَمَاتَ.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لاضمان عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ الضَّمَان.
وَاخْتلفُوا هَل يبلغ بالتعزيز أعلا الْحُدُود؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يبلغ بِهِ.
وَقَالَ مَالك: ذَلِك إِلَى رَأْي الإِمَام، إِن رأى أَن يزِيد عَلَيْهِ
فعل.
وَاخْتلفُوا هَل يخْتَلف التعزيز باخْتلَاف أَسبَابه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يبلغ بالتعزيز أدنى الْحُدُود
فِي الْجُمْلَة، وَأدنى الْحُدُود عِنْد أبي حنيفَة أَرْبَعُونَ فِي شرب
الْخمر فِي حق العَبْد.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أدنى الْحَد عشرُون، فَيكون عِنْد أبي حنيفَة
أَكثر التعزيز تِسْعَة وَثَلَاثِينَ، وَعند الشَّافِعِي: تِسْعَة عشر.
وَقَالَ مَالك: للْإِمَام أَن يضْرب فِي التعزيز أَي عدد أَدَّاهُ
اجْتِهَاده إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف أَسبَابه، فَإِن كَانَ بالفرج
لوطئ الشَّرِيك
(2/266)
الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة أَو وطئ الْأَب
جَارِيَة ابْنة أَو وجد فِي فرَاش مَعَ أَجْنَبِيَّة، أَو وطئ جَارِيَة
نَفسه بعد أَن زَوجهَا، أَو وطئ جَارِيَة زَوجته بعد إِذْنهَا لَهُ فِي
الوطئ مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ، أَو وطئ فِيمَا دون الْفرج، فَإِنَّهُ
يزدْ على أدنى الْحُدُود وَلَا يبلغ بِهِ أَعْلَاهَا فَيضْرب مائَة سَوط
إِلَّا سَوْطًا وَاحِدًا وَإِن كَانَ بِغَيْر الْفرج كسرقة أقل من نِصَاب
أَو الْقبْلَة، أَو شتم إِنْسَان فَإِنَّهُ لَا يبلغ بِهِ أدنى الْحُدُود،
وَهل يتَقَدَّر نقصانه عَن أدنى الْحُدُود أم لَا؟
على رِوَايَات إِحْدَاهَا: يتَقَدَّر بِعشر جلدات، وَالثَّانيَِة تسع
جلدات، وَالثَّالِثَة: ينقص عَن أقل الْحُدُود سَوط وَاحِد كَمَا نقص عَن
أَعْلَاهَا سَوط.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى ذكرهَا الْخرقِيّ، وَهِي أَنه لَا يبلغ
بالتعزيز أدنى الْحُدُود فِي الْجُمْلَة كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.
وَاخْتلفُوا فِي الْحَد إِذا وَجب على الْمَرِيض هَل يُؤَخر؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْحَد رجما فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر إِلَّا
أَن يكون على امْرَأَة حَامِل، وَإِن كَانَ جلدا فَإِنَّهُ يُؤَخر إِلَى
حِين بُرْؤُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: إِن كَانَ بُرْؤُهُ يُرْجَى أخر، وَإِن كَانَ
لم يرج بُرْؤُهُ أقيم
(2/267)
عَلَيْهِ الْحَد، وَهَذَا فِيمَا إِذا
كَانَ الْحَد هُوَ الْجلد، فَإِن كَانَ الْحَد الْقَتْل للرجل لم يُؤَخر،
وَإِن كَانَت امْرَأَة حَامِلا وَوَجَب عَلَيْهَا الْقَتْل أخر حَتَّى تضع.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يُؤَخر سَوَاء رُجي بُرْؤُهُ أم لم يرج.
وَاخْتلفُوا فِي صفة إِقَامَة الْحَد على الْمَرِيض.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يضْرب على حسب حَاله، فَإِن
كَانَ عدد الْجلد مائَة وخشي عَلَيْهِ التّلف فَإِنَّهُ يُؤْخَذ ضغث فِيهِ
مائَة عرجون فَيضْرب بِهِ أَو بأطراف الثِّيَاب، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا
يخَاف عَلَيْهِ التّلف إِلَّا أَنه مَرِيض أقيم عَلَيْهِ الْحَد
مُتَفَرقًا، بِسَوْط يُؤمن مَعَه تلف النَّفس، وَكَذَلِكَ فِي ضَعِيف
الْخلق.
وَقَالَ مَالك: لَا يضْرب فِي الْحَد إِلَّا بِالسَّوْطِ، وَيفرق الضَّرْب،
وَعدد الضربات مُسْتَحقّ لَا يجوز تَركه إِلَّا انه إِن كَانَ مَرِيضا أخر
إِلَى بُرْؤُهُ.
فصل فِي كَيْفيَّة الضَّرْب اخْتلفُوا على أَي حَالَة يضْرب الرجل من قيام
أَو قعُود؟
(2/268)
فَقَالَ مَالك: يضْرب جَالِسا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يضْرب قَائِما.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى
قَائِما.
وَاخْتلفُوا هَل يجرد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجرد فِي حد الْقَذْف خَاصَّة، ويجرد فِيمَا
عداهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجرد على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجرد فِي الْحُدُود كلهَا بل تضرب فِيمَا لَا يمْنَع
ألم الضَّرْب كالقميص والقميصين.
وَقَالَ مَالك: يجرد فِي الْحُدُود كلهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يضْرب من الْأَعْضَاء.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يضْرب جَمِيع الْبدن إِلَّا
الْوَجْه والفرج، وَزَاد أَبُو حنيفَة وَأحمد: ويتقى الرَّأْس أَيْضا.
وَزَاد الشَّافِعِي: وَلَا يضْرب الخاصرة وَسَائِر الْمَوَاضِع المخوفة.
وَقَالَ مَالك: يضْرب الظّهْر وَمَا يُقَارِبه حسب.
وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل المرجوم لَا يحْفر لَهُ.
(2/269)
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يحْفر لَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يحْفر لَهَا إِن ثَبت عَلَيْهَا الزِّنَا
بِالْبَيِّنَةِ وَإِن ثَبت بإقرارها فَلَا يحْفر لَهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الإِمَام بِالْخِيَارِ فِي ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِي وَقع الضَّرْب فِي الْحُدُود، هَل يتَفَاوَت أَو هُوَ على
السوَاء؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَشد الضَّرْب التعزيز، ثمَّ الزِّنَا ثمَّ شرب
الْخمر، ثمَّ الْقَذْف.
وَقَالَ مَالك: الضَّرْب فِي حد الزِّنَا أَشد مِنْهُ فِي حد الْقَذْف،
وَفِي الْقَذْف أَشد مِنْهُ فِي شرب الْخمر.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجب أَن يكون لَهُ وَقع فِي الْكل.
بَاب السّرقَة.
وَاتَّفَقُوا على وجوب قطع السَّارِق والسارقة فِي الْجُمْلَة إِذا جمعا
أوصافا مِنْهَا الشَّيْء الْمَسْرُوق الَّتِي يقطع فِي جنسه، ونصاب السوقة،
وَأَن يكون السَّارِق على
(2/270)
أَوْصَاف مَخْصُوصَة، وَأَن تكون السّرقَة
على أَوْصَاف مَخْصُوصَة، وَأَن يكون الْموضع الْمَسْرُوق مِنْهُ
مَخْصُوصًا.
وَبَيَان ذَلِك كُله يَأْتِي فِي تَفْصِيل الْمسَائِل.
قَالَ الله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} .
وَاخْتلفُوا فِي نِصَاب السّرقَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: النّصاب عشرَة دَرَاهِم، أَو دِينَار أَو قيمَة
أَحدهمَا من الْعرُوض.
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ: نِصَاب السّرقَة ربع
دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمَة ثَلَاث دَرَاهِم من الْعرُوض،
والتقويم بِالدَّرَاهِمِ خَاصَّة والأثمان أصُول لَا يقوم بَعْضهَا
بِبَعْض.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة ثَانِيَة: أَن نِصَاب السّرقَة ثَلَاث دَرَاهِم أَو
قيمَة ثَلَاث دَرَاهِم من الذَّهَب أَو الْعرُوض وَالْأَصْل فِي هَذِه
الرِّوَايَات الْفضة هُوَ نوع وَاحِد، وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: أَن
النّصاب ربع دِينَار، أَو ثَلَاث دَرَاهِم، أَو قيمَة أَحدهمَا من
الْعرُوض، وَلَا يخْتَص التَّقْوِيم بِالدَّرَاهِمِ، فعلى هَذِه
الرِّوَايَة أَن الْأَثْمَان كلهَا أصُول وَيَقَع التَّقْوِيم بِكُل وَاحِد
مِنْهَا.
(2/271)
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ ربع دِينَار أَو
مَا قِيمَته ربع دِينَار من دَرَاهِم وَغَيرهَا، وَلَا نِصَاب فِي الْوَرق.
وَأَجْمعُوا على أَن الْحِرْز مُعْتَبر فِي وجوب الْقطع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي صفته هَل يخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْوَال اعْتِبَارا
بِالْعرْفِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل مَا كَانَ حرز الشَّيْء من الْأَمْوَال كَانَ
حرْزا لجميعها.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْوَال
وَالْعرْف مُعْتَبر فِي ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِي الْقطع بِسَرِقَة مَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد. فَقَالَ
مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجب الْقطع فِيهِ إِذا بلغ الْحَد الَّذِي
يقطع فِي مثله بِالْقيمَةِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْقطع فِيهِ وَإِن بلغت قيمَة مَا يسرق
مِنْهُ نِصَابا.
وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق تَمرا مُعَلّقا على النّخل وَالشَّجر إِذا لم يكن
محرزا بحرز.
(2/272)
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ: يجب عَلَيْهِ قِيمَته.
وَقَالَ أَحْمد: تجب قِيمَته دفعتين.
وَأَجْمعُوا على أَنه يسْقط الْقطع عَن سارقه.
وَاخْتلفُوا هَل يجب الْقطع بِسَرِقَة الْحَطب؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْقطع فِيهِ، وَإِن بلغت قيمَة الْمَسْرُوق
مِنْهُ نِصَابا.
وَاخْتلفُوا فِيمَن جحد الْعَارِية، هَل يقطع؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يقطع.
وَقَالَ أَحْمد: يقطع للْحَدِيث الْمَنْقُول فِي ذَلِك وَقد سبق.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اشْترك جمَاعَة فِي سَرقَة فَحصل لكل وَاحِد
مِنْهُم نصبا أَن على كل وَاحِد مِنْهُم الْقطع.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْتَركُوا فِي نِصَاب سَرقَة سَرقُوهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا قطع عَلَيْهِم بِحَال.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ مِمَّا يحْتَاج إِلَى تعاون عَلَيْهِ قطعُوا،
وَإِن كَانَ مِمَّا يُمكن الْوَاحِد الِانْفِرَاد بِحمْلِهِ فَفِيهِ
قَولَانِ لأَصْحَابه، وَإِذا انْفَرد كل وَاحِد بِشَيْء أَخذه لم يقطع أحد
مِنْهُم.
(2/273)
إِلَّا أَن يكون قيمَة مَا أخرجه نِصَابا
وَلَا يضم إِلَيْهِ مَا أخرجه غَيره.
وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِم الْقطع سَوَاء كَانَ من الْأَشْيَاء الْخَفِيفَة
كَالثَّوْبِ وَنَحْوه، وَسَوَاء كَانَ من الْأَشْيَاء الثَّقِيلَة الَّتِي
تحْتَاج إِلَى التعاون عَلَيْهَا كالساجة وَغَيرهَا أَو كَانَ من
الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تحْتَاج لذَلِك، وَسَوَاء اشْتَركُوا فِي
إِخْرَاجه من الْحِرْز دفْعَة وَاحِدَة، أَو انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُم
بِإِخْرَاج شَيْء شَيْء فَصَارَ مَجْمُوعَة نِصَابا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترك اثْنَان فِي نقب فَدخل أَحدهمَا فَأخذ
الْمَتَاع فَنَاوَلَهُ للْآخر وَهُوَ خَارج الْحِرْز وَهَكَذَا إِذا رمى
بِهِ إِلَيْهِ فَأَخذه.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْقطع على الدَّاخِل دون الْخَارِج.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع وَاحِد مِنْهُمَا.
(2/274)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترك جمَاعَة
فِي نقب، ودخلوا الْحِرْز وَأخرج بَعضهم نِصَابا وَلم يخرج الْبَاقُونَ
شَيْئا وَلم تكن مِنْهُم معاونه فِي إِخْرَاجه.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يجب الْقطع على جَمَاعَتهمْ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يقطع إِلَّا الَّذين أخرجُوا الْمَتَاع.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قرب الدَّاخِل الْمَتَاع إِلَى النقب وَتَركه
فَأدْخل الْخَارِج يَده فَأخْرجهُ من الْحِرْز.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا قطع عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ مَالك: يقطع الَّذِي أخرجه قولا وَاحِدًا، وَفِي الدَّاخِل الَّذِي
قربه خلاف بَين أَصْحَاب على قَوْلَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْقطع على الَّذِي أخرجه خَاصَّة.
وَقَالَ أَحْمد: الْقطع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا.
وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق حرا صَغِيرا لَا تَمْيِيز لَهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يقطع.
وَقَالَ مَالك: يجب عَلَيْهِ الْقطع، وَاخْتَارَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز الْمَاجشون
أَنه لَا يقطع. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: لَا قطع عَلَيْهِ،
وَالْأُخْرَى: يَقع كمذهب مَالك.
(2/275)
وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق الْمُصحف.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يقطع.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يقطع.
وَاخْتلفُوا فِي النباش.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وحدة: لَا قطع عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: يجب عَلَيْهِ الْقطع.
وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق من ستارة الْكَعْبَة مَا يبلغ ثمنه نِصَابا.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجب عَلَيْهِ الْقطع.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا قطع عَلَيْهِ.
قَالَ الْوَزير: وَلَا خلاف أَنه لَا يحل أَخذ شَيْء من ذَلِك يَزْعمُونَ
أَنهم يتبركون بِهِ فأنهم يأثمون بِهِ وَهُوَ من الْمُنْكَرَات الَّتِي يجب
إنكارها وَالْأَمر بردهَا إِلَى حَيْثُ أخذت مِنْهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق السَّارِق فَقطعت يمنى يَدَيْهِ، ثمَّ سرق
مرّة ثَانِيَة
(2/276)
قطعت يسرى رجلَيْهِ ثمَّ عَاد وسرق مرّة
ثَالِثَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا يقطع أَكثر من يَد
وَرجل، بل يحبس.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه يقطع فِي الثَّالِثَة.
وَالرَّابِعَة وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ، فَيقطع فِي
الثَّالِثَة يسرى يَدَيْهِ، وَفِي الرَّابِعَة يمنى رجلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا هَل يثبت حد السّرقَة بِالْإِقْرَارِ مرّة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يثبت بِإِقْرَارِهِ مرّة
وَلَا يفْتَقر إِلَى مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ مرَّتَيْنِ، وَهُوَ
مَذْهَب أبي يُوسُف.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَت الْعين المسروقة قَائِمَة فَإِنَّهُ يجب
ردهَا.
وَاخْتلفُوا هَل يجْتَمع على السَّارِق وجوب الْغرم وَالْقطع مَعًا مَعَ
تلف الْمَسْرُوق؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِن اخْتَار الْمَسْرُوق مِنْهُ
الْغرم لم يقطع، وَإِن اخْتَار الْقطع وَاسْتوْفى لم يغرم.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ السَّارِق مُوسِرًا أوجب عَلَيْهِ الْقطع
وَالْقيمَة، وَإِن كَانَ السَّارِق مُعسرا فَلَا يتبع بِقِيمَتِهَا وَيقطع.
(2/277)
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ:
يَجْتَمِعَانِ جَمِيعًا فَيقطع وَيغرم الْقيمَة.
وَاخْتلفُوا هَل يقطع أحد الزَّوْجَيْنِ بِالسَّرقَةِ من مَال الآخر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع أَحدهمَا بِالسَّرقَةِ من مَال الآخر
سَوَاء سرق من بَيت خَاص لأَحَدهمَا أَو الْبَيْت الَّذِي هما فِيهِ.
وَقَالَ مَالك: يجب الْقطع على من سرق مِنْهُمَا من الآخر إِذا كَانَ
سَرقته من حرز من بَيت خَاص للمسروق مِنْهُ، فَإِن كَانَ فِي بَيت يسكنان
فِيهِ فَلَا قطع على وَاحِد مِنْهُمَا.
وَللشَّافِعِيّ أَقْوَال، أَحدهَا: لَا يقطع كل وَاحِد مِنْهُمَا على
الْإِطْلَاق.
وَالثَّانِي كمذهب مَالك، وَالثَّالِث يقطع الزَّوْج بِسَرِقَة مَال زَوجته
خَاصَّة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يقطع كل وَاحِد مِنْهُمَا على
الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى: كمذهب مَالك وَهَذَا كُله يعود إِلَى المَال
المحرز.
وَاخْتلفُوا هَل تقطع الْأَقَارِب سوى الأباء كالأخوة والعمومة والخؤولة
إِذا سرق بَعضهم مَال بعض؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع إِذا سرق من ذِي رحم محرم كالأخ وَالْعم.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يقطعون.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يقطع الوالدون وَإِن علوا فِيمَا سَرقُوهُ من
مَال أَوْلَادهم.
(2/278)
وَاخْتلفُوا فِي الْوَلَد إِذا سرق من مَال
أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يقطع.
وَقَالَ مَالك: يقطع الْوَلَد بِسَرِقَة مَال أَبَوَيْهِ فَأَنَّهُ لَا
شُبْهَة لَهُ فِي مَالهمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن من كسر صنما من ذهب أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا سَرقه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا قطع عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: عَلَيْهِ الْقطع.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق من الْحمام ثيابًا عَلَيْهَا حَافظ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن سرق مِنْهُ لَيْلًا قطع، وَإِن سرق نَهَارا لم
يقطع.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يقطع إِذا سرق ثيابًا من
الْحمام عَلَيْهَا حَافظ سَوَاء كَانَت سَرقته مِنْهُ لَيْلًا أَو نَهَارا.
(2/279)
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا يقطع
على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ مَالك: إِذا سرق مَا كَانَ فِي الْحمام مِمَّا يحرس فَعَلَيهِ
الْقطع.
وَمن سرق مَالا يحرس مِنْهَا لَيْلًا أَو نَهَارا أَو كَانَ فِي الْحمام
مَوْضُوعا فَلَا قطع عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق عدلا أَو جوالقا وَثمّ حَافظ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجب عَلَيْهِ الْقطع.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق الْعين المسروقة من السَّارِق أَو سرق الْعين
الْمَغْصُوبَة من الْغَاصِب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقطع سَارِق الْعين الْمَغْصُوبَة وَلَا يقطع سَارِق
الْعين المسروقة إِن كَانَ السَّارِق الأول قد قطع فِيهَا، فَإِن كَانَ لم
يقطع قطع الثَّانِي.
وَقَالَ مَالك: يقطع كل وَاحِد مِنْهُمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجب الْقطع على وَاحِد مِنْهُمَا أَعنِي
السَّارِق من السَّارِق وَالْغَاصِب من الْغَاصِب.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى السَّارِق أَن مَا أَخذه من الْحِرْز ملكه
بعد قيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ أَنه سَرقه من حرز مثله.
فَقَالَ مَالك: يجب عَلَيْهِ الْقطع بِكُل حَال وَلَا يقبل دَعْوَاهُ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يقطع، وَسَماهُ الشَّافِعِي:
السَّارِق الظريف.
(2/280)
وَعَن أَحْمد رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: لَا
يجب عَلَيْهِ الْقطع، وَهِي الظَّاهِرَة وَالْأُخْرَى: عَلَيْهِ الْقطع
بِكُل حَال كمذهب مَالك، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ: يقبل مِنْهُ إِذا لم يكن مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ، وَيسْقط
الْقطع عَنهُ وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ قطع.
وَاخْتلفُوا هَل يقف الْقطع فِي السّرقَة على مُطَالبَة من سرق مِنْهُ
المَال؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: فِي أظهر روايتيه، وَأَصْحَاب الشَّافِعِي:
يفْتَقر إِلَى مُطَالبَة الْمَسْرُوق مِنْهُ.
وَقَالَ مَالك: لَا يفْتَقر إِلَى الْمُطَالبَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة نَحوه.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل رجلا فِي دَار الْقَاتِل، وَقَالَ: قد دخل
عَليّ يَأْخُذ مَالِي وَلم ينْدَفع إِلَّا بِالْقَتْلِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا قَود عَلَيْهِ إِذا كَانَ الدَّاخِل مَعْرُوفا
بِالْفَسَادِ، وَإِن لم يكن مَعْرُوفا بِالْفَسَادِ فَعَلَيهِ الْقود.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: عَلَيْهِ الْقصاص إِلَّا أَن يَأْتِي
بِبَيِّنَة، إِلَّا أَن مَالِكًا زَاد فَقَالَ: إِن كَانَ مستهترا بالتلصص
والحرابة قبل قَول الْقَاتِل. وَسقط عَنهُ الْقود
(2/281)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق من الْمغنم،
وَإِن كَانَ من أَهله هَل يقطع.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يقطع.
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يقطع.
وَعَن عبد الْملك بن المجاشون من أَصْحَاب مَالك: لَا يقطع إِذا كَانَ مَا
سَرقه مثل نصِيبه أَو دونه وَإِن كَانَ فَوق نصِيبه بِربع دِينَار
فَصَاعِدا قطع.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا سرق من الْمغنم وَهُوَ من غير أَهله أَنه يقطع.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْقطع بِسَرِقَة الصيود الْمَمْلُوكَة من حرزها.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يقطع فِيهَا.
وَفِي جَمِيع المتمولات الَّتِي تتمول فِي الْعَادة، وَيجوز أَخذ الأعواض
عَنْهَا،
(2/282)
وَسَوَاء كَانَ أَصْلهَا مُبَاحا كالصيد
وَالْمَاء وَالْحِجَارَة أَو غير مُبَاح.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل مَا كَانَ أَصله مُبَاحا فَلَا يقطع فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْقطع بِسَرِقَة الْخشب إِذا بلغت قِيمَته نِصَابا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجب الْقطع فِي ذَلِك على
الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْقطع إِلَّا فِي السياج، والأبنوس،
والصندل والقنا.
وَأَجْمعُوا على أَن السَّارِق إِذا وَجب عَلَيْهِ الْقطع كَانَ ذَلِك أول
سَرقته وَهُوَ صَحِيح الْأَطْرَاف أَنه يبْدَأ بِقطع يَده الْيُمْنَى من
مفصل الْكَفّ، ثمَّ تحسم.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِن عَاد فَسرق ثَانِيًا وَوَجَب عَلَيْهِ الْقطع
أَنه تقطع رجله الْيُسْرَى، وَأَنَّهَا تقطع من مفصل الكعب، ثمَّ تحسم.
وَأَجْمعُوا على أَن من لم يكن لَهُ الطّرف الْمُسْتَحق قِطْعَة بِحَيْثُ
لَا يَقع فِيهِ قطع، قطع مَا بعده.
إِلَّا إِن أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: تقطع يَمِينه وَإِن كَانَت شلاء،
وَإِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا سرق وَكَانَت يَمِينه شلاء،
وَقَالَ أهل الْخِبْرَة: أَنَّهَا إِذا قطعت وحسمت رقا دَمهَا،
(2/283)
فَإِنَّهَا تقطع، وَإِن قَالُوا: إِنَّهَا
إِن قطعت لم يرق دَمهَا وَأدّى إِلَى التّلف لم تقطع وَقطع مَا بعْدهَا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق ابْتِدَاء فَوَجَبَ عَلَيْهِ قطع يَده
الْيُمْنَى كَمَا ذكرنَا، فغلط الْقَاطِع فَقطع يسرى يَدَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: قد أَجْزَأَ ذَلِك عَن قطع الْيُمْنَى وَلَا
إِعَادَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: على الْقَاطِع المخطىء الدِّيَة، وَفِي
وجوب الْقطع، أَي إِعَادَته، قَولَانِ للشَّافِعِيّ، وروايتان عَن أَحْمد.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق نِصَابا ثمَّ ملكه بشرَاء أَو هبة أَو إِرْث
أَو غَيره، هَل يسْقط الْقطع؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يسْقط الْقطع عَنهُ سَوَاء كَانَ
ملكه بذلك قبل الترافع أَو بعدة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى وهب لَهُ أَو بيع مِنْهُ سقط الْقطع عَنهُ.
(2/284)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق مُسلم من مَال مستأمن نِصَابا من حرزه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يقطع.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُسْتَأْمن والمعاهد إِذا سرق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب عَلَيْهِمَا قطع.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يقْطَعَانِ.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَن المختلس والمنتهب وَالْغَاصِب والخائن على عظم
جنايتهم وآثامهم فَإِنَّهُ لَا قطع على وَاحِد مِنْهُم. |