الإجابة
لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ط المكتب الإسلامي الْبَابُ الْأًوَّل فِي تَرْجَمَتِهَا
وَخَصَائِصِهَا
[وَفِيْهِ فَصْلَانِ اثَنَانِ]
(1/35)
الْفَصْلُ [الْأًوَّلُ:] (1) فِي ذِكْرِ
شَيْءٍ مِنْ حَالِهَا
... هِيَ أُمّ الْمُؤْمِنِيْنَ وَأُمُّ عَبْد اللهِ عَائِشَةَ بِنْتِ
أَبِيْ بَكْرٍ، الصِّدِّيْقةُ بِنْتُ الصِّدِّيْق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
وَعَنْهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْفَقِيْهَةُ الرَّبَّانِيَّةُ.
كُنْيَتُهَا: أُمُّ عَبْدِ اللهِ كَنَّاهَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنِ أُخْتهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
رَوَاهُ أَبُوْدَاوُدَ. (2)
وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيْح الْإِسْنَاد. (3)
وَجَاءَ فِي مُعْجَمِ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ: أَنَّهَا جَاءَتْ بِسِقْطٍ
فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ. (4)
وَفِي إِسْنَادهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى دَاوُدَ بْنِ
الْمُحَبَّرِ صَاحِبِ كِتَابِ "الْعَقْلِ". (5)
وَعَائِشَةُ مَأْخُوْذَةٌ مِنَ الْعَيْشِ.
وَيُقَالَ أَيْضًا: عَيْشَةٌ"لُغَةً. حَكَاهَا ابْنُ الْأَعْرَابِيّ
وَعَليّ بْنُ حَمْزَةَ. وَلَا الْتِفَاتَ لِإِسْنَادِ أَبِيْ عُبَيْدَةَ
فِي الْغَرِيْبِ الْمُصَنَّفِ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ أَبُوالْفَضْل الْفَلْكِيُّ فِي "الْأَلْقَابِ": النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَغَّرَ اسْمَهَا وَقَالَ:
__________
(1) . فِي الْأَصْل: فصل فِي ذكر الخ
(2) . أَخْرَجَهُ أَبُوداود، السُّنَن، إِلَّادب، باب فِي الْمَرْأَة
تكنى:4970 وَهَذَا لفظه: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا أَنَّهَا
قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ كُلّ صَوَأَحِبِّيْ لَهُنَّ كُنًى. قَالَ:
فَاكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْد اللهِ يَعْنِيْ ابْن أُخْتهَا- قَالَ:
مُسَدَّدٌ-: عَبْد اللهِ بْن الزُّبَيْر. قَالَ: فَكَانَتْ تُكَنَّى
بِأُمِّ عَبْد اللهِ.
(3) . أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك عَلَى
الصَّحِيْحَيْنِ4/309، كتاب الأدب:7738 وقَالَ: هَذَا حَدِيْث صَحِيْح
الْإِسْنَاد وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ووافقه الذَّهَبِيّ.
(4) . كذا فِي معجم ابن الأعرابي الحديث:1880 عن عَائِشَة قالت: أسقطت
لرسول الله ِصلى الله ِعَلَيْهِ وسلم سقطا، فسماه عَبْد الله ِ، وكناني بأم
عَبْد الله"وَرِوَايَة السقط ذكرهاكذلك أَبُو الْوَلِيْد الباجي المالكي
فِي التعديل والتجريح 3/1291تَرْجَمَة السيدة عَائِشَة برقم:1721
(5) . هُوَ داود بْن المحبر بْن قحذم، الطائي، أَبُو سُلَيْمَان البصري،
المتوفى 206هـ متروك عِنْدَ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِيّ، وقَالَ
الذَّهَبِيُّ: واهٍ لاشيء. انْظُرْ: تَهْذِيْب التهذيب /، التَرْجَمَة:
(1/37)
يَا عُوَيْشُ. (1)
وَذَكَرَ صَاحِبُ "مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ" (2) أَنَّ الْإِمَام أَحْمَد
فِيْ مُسْنَدِهِ رَوَاهُ (3) مِنْ حَدِيْثِ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ
عَائِشَةُ: يَارَسُوْلَ اللهِ عَلِّمْنِيْ دَعْوَةً أَدْعُوْ بِهَا!
فَقَالَ: يَا عُوَيْشُ قَوْلي: اللهُمَّ رَبَّ مُحَمَّد [النَّبِيِّ] (4)
الْأُمِّيّ أَذْهِبْ عَنِّيْ غَيْظَ قَلْبِيْ وَأَجِرْنِيْ مِنْ مُضِلَّاتِ
الْفِتَنِ".
وَاسْتَغْرَبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي طَبَقَاتهِ. (5)
وَفِي الصَّحِيْحَيْنِ: [إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قَالَتْ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا:] يَا
عَائِشَ [هَذَا جِبْرِيْل يُقْرِئُكِ السَّلَامَ فَقُلْت: وَعَلَيْهِ
السَّلَام وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لَا أَرَى" تُرِيدُ
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.] (6) عَلَى التَّرْخِيْمِ.
وفِي الْأًوَّل دَلِيْل عَلَى جَوَاز التَصْغِيْر كَقَوْل [أَنَس بْنِ
مَالِك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنْ كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُوْل لِأَخٍ لِيْ صَغِيْر] (7) : يَا
أَبَا عُمَيْرٍ [مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ] . (8) تَصْغِيْر تَحْبِيْبٍ.
وَجَعَلَ صَاحِبُ "الْبَسِيْطِ" مِنَ النَّحْوِيِّيْنَ (9) مِثْلُ قَوْلهِ:
يَا حُمَيْرَاء" تَصْغِيْر تَقْرِيْبِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ بَعِيْدٌ
كَقَوْلهِمْ: بُعَيدَ الْعَصْرِوَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ. قَالَ: لِأَنَّ
الْمُرَادَ بِهَا الْبَيْضَاءُ فَكَأَنَّهَا غَيْرُ كَامِلَةِ الْبِيَاضِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلهُ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا". (10)
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الثَّمَانِيْنِيُّ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ: قَوْل
عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ابْنِ مَسْعُوْد: " كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا
" قَالُوْا: إِنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا التَّحْقِيْرِ تَعَظِيْمهُ كَمَا
قَالُوْا فِي دَاهِيَةٍ: دُوَيْهِيَةٌ وَ "خُوَيْخِيَةٌ".
قَالَ: وَالصَحِيْح أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْد كَانَ صَغِيْر الْجِسْم
قَصِيْرًا فَقَالَ: كُنَيْفٌ" مُصَغَّرَةً لِيَدُلَّ عَلَى تَصْغِيْر
جِسْمِهِ لِأَنَّ كُنَيْفًا تَكْبِيْرُهُ: كَنَفٌ"وَهُوَشَيْءٌ يَكُوْنُ
فِيْهِ أَدَاةُ الرَّاعِيْ فأَرَادَ أَنَّهُ حَافِظٌ لِّمَا فِيْهِ.
... وَأُمُّهَا أُمّ رُوْمَانَ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا-بِنْتُ
عَامِرِبْنِ عُوَيْمَرِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ كِنَانَةَ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ لِأُمِّ رُوْمَانَ حَدِيْثًا وَاحِدًا مِنْ حَدِيْثِ
الْإِفْك (11) مِنْ رِوَايَة مَسْرُوْقٍ عَنْهَا وَلَمْ يَلْقَهَا.
وَقِيْلَ: عَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِيْ أُمُّ رُوْمَانَ [وَهِيَ
أُمُّ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ
أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتْ امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَارَ الخ] (12)
وَهُوَ وَهْمٌ. (13)
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ (14) أَنَّ ابْنَ إِسْحَاق سَمَّاهَافِي
السِّيْرَةِ: زَيْنَب. (15)
وَفِي
__________
(1) . ونقله عن الطَّبْرَانِيّ ابن حجر فِي الْإِصَابَة فِي تَمْيِيْز
الصَّحَابَة8/42 التَرْجَمَة:11552وَأَخْرَجَهُ ابن عساكر فِي تَارِيْخ
دمشق 68/181 تَرْجَمَة مؤذن لعُمَربن عَبْد العزيز:9166
(2) . انْظُرْ: الْفِرْدَوْس بمأثور الْخَطَّاب5/430 الحَدِيْث:8644 عن
عَائِشَة
(3) . أَخْرَجَ أَحْمَد، المُسْنَد/، مُسْنَد بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ،
رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ مَا لفظه: قَالَ شَهْرُ بْن حَوْشَبٍ سَمِعتُ أُمَّ
سَلَمَةَ تُحَدِّثُ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَقَوْل: اللهُمَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوْب
ثَبَتَ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُوْلَ اللهِ!
أَوَإِنَّ الْقُلُوْب لَتَتَقَلَّبُ؟ قَالَ: نَعَمْ مَا مِنْ خَلْقِ اللهِ
مِنْ بَنِي آَدَم مِنْ بَشَرٍ إِلَّا أَنَّ قَلْبَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ
مِنْ أَصَابِعِ اللهِ فَإِنْ شَاءَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ أَقَامَهُ وَإِنْ
شَاءَ اللهُ أَزَاغَهُ فَنَسَأَلَ اللَّهَ رَبَّنَا أَنْ لَا يُزِيغَ
قُلُوْبنَا بَعْد إِذْ هَدَانَا وَنَسَأَلَهُ أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ
لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ" قَالَتْ: قُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ إِلَّا تُعَلِّمُنِي دَعْوَةً أَدْعُو بِهَا لِنَفْسِي؟ !
قَالَ: بَلَى. قَوْلي: اللهُمَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ النَّبِيّ اغْفِرْ لِيْ
ذَنْبِي وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ
مَا أَحْيَيْتَنَا". وَلَيْسَ فِي هَذَا ذكر للسَيِّده عَائِشَة وَلَا
للشاهد"عويش" الَّذِيْ عزاه إِلَيْهِ الديلمي.
(4) . أضيفت الكلمة من مُسْنَد الْفِرْدَوْس، المصدر للمؤلف.
(5) .
(6) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، الصَحِيْح، المَنَاقِب، باب فَضْل
عَائِشَة:3768 وَهَذَا لفظه، ومُسْلِم، الصَحِيْح، فضائل الصَّحَابَة، باب
فَضْل عَائِشَة:2447وَمَابَيْنَ الْقَوْسَيْنِ لَمْ يَرِدْ فِي الْأَصْلِ
وَأُضِيْفَ مِنْ مَصْدَرِالْمُؤَلِّفِ.
(7) . فِي الْأَصْل: كقَوْله" وَمابين القوسين تكملة من صَحِيْح
الْبُخَارِيّ
(8) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، الصَحِيْح، إِلَّادب، باب إِلَّانَّبساط
إِلَى الناس:6129 وَمابين القوسين تكملة للحَدِيْث من صَحِيْح
الْبُخَارِيّ.
(9) .
(10) قاله عُمَر بن الْخَطَّاب لعبد الله ِبن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
انْظُرْ:
(11) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، الصَحِيْح، أحاديث إِلَّانْبِيَاء، باب
قَوْل الله ِلَقَدْ كَانَ فِي يوسف وَإخوته آيات للسائلين:3388 وَلفظه:
عَنْ مَسْرُوْق قَالَ: سَأَلَت أُمّ رُوْمَانَ وَهِيَ أُمُّ عَائِشَة
عَمَّا قِيْلَ فِيْهَا مَا قِيْلَ. قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَة
جَالِسَتَانِ إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَة مِنْ الْأَنْصَارَ الخ
(12) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، الصَحِيْح، المغازي، باب حَدِيْث
الْإِفْك:4143 وَفِي التفسير، باب: قَوْله: بل سولت لكم أنفسكم أمرا:4691
(13) . قَالَ ابْنُ حجر العسقلانَي: قَدْ استشكل قَوْل مَسْرُوْق "
حَدَّثَتْنِيْ أُمُّ رُوْمَانَ " مَعَ أَنَّهَا مَاتَت فِي زمن النَّبِيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَسْرُوْق ليست لَهُ صُحْبَة لِأَنَّهُ
لَمْ يقَدِمَ من اليمن إِلَّا بَعْد موت النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي خِلَافة أَبِيْ بَكْرٍ أَوْ عُمَر ... والَّذِيْ ظهر لِيْ
بَعْد التأمل أن الصواب مَعَ الْبُخَارِيّ , لِأَنَّ عُمْدَة الْخَطِيْب
ومن تبعه فِي دعوى الوهم إِلَّاعتماد عَلَى قَوْل من قَالَ: إن أُمّ
رُوْمَانَ مَاتَت فِي حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سنة أربع. وقِيْلَ: سنة خمس. وقِيْلَ: سنة ست , وَهُوَ شيء ذكره
الْوَاقِدِيّ , وَلَا يتعَقِبَ إِلَّاسانيد الصَحِيْحة بِمَا يَأْتِيْ عن
الْوَاقِدِيّ. وقَدْ جزم إبراهِيَم الحربي بأن مَسْرُوْقا سَمِعَ من أُمّ
رُوْمَانَ وله خمس عَشْرَةَ سنة , فعَلَى هَذَا يَكُوْنُ سماعه مِنْهَا فِي
خِلَافة عُمَر لِأَنَّ مولد مَسْرُوْق كَانَ فِي سنة الْهِجْرَة. ولهَذَا
قَالَ: أَبُو نُعَيْم إِلَّاصبه أَنِّيْ: عاشت أُمّ رُوْمَانَ بَعْد
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَى إِلَّامَام أَحْمَد فِيْ
مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنَزَلَتْ آَيَة التَّخْيِيْر
قَالَ: بَدَأَ بِعَائِشَة فَقَالَ: يَا عَائِشَة أَنِّيْ عَارِضٌ عَلَيْك
أَمْرًا فَلَا تَفْتَاتِنَّ فِيْهِ بِِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى
أَبُويْكِ أَبِيْ بَكْرٍ وَأُمّ رُوْمَانَ"قَالَتْ:: يَا رَسُوْلَ اللهِ
وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قَالَ: اللهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيّ الخ قَالَتْ:
أَنِّيْ أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُوْلهُ وَالدَّارَ الْأُخَرة وَلَا أُؤَامِرُ
فِي ذَلِكَ أَبُويَّ أَبَا بَكْر وَأُمّ رُوْمَانَ قَالَت: فَضَحِكَ
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن حجر: وهَذَا إِسْنَاد
جيد. انْظُرْ: التَارِيْخ الصَغِيْرللأَمَّام الْبُخَارِيّ1/38الحَدِيْث:
128 وفتح الباري7/437-438 وَتَهْذِيْب التهذيب12/494- 495تَرْجَمَة أُمّ
رُوْمَانَ برقم: 2945والمقتنى فِي سرد الكنى للذهبي2/169 التَرْجَمَة:6971
(14)
(15)
(1/38)
"الرَّوْضِ لِلسُّهَيْلِيِّ": اسْمُهُا:
دَعْدَةُ. (1)
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن سَعْدٍ (2) وَغَيْرُهُ أَنَّ أُمَّ رُوْمَانَ
مَاتَتْ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَة. وَنَزَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا. (3)
وَهَذَا يُقَوِّي الْإِشْكَال فِي إِخْرَاجِ الْبُخَارِيِّ رِوَايَة
مَسْرُوْقٍ عَنْهَا. لَكِن أَنْكَرَقَوْمٌ مَوْتَهَا فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُونُعَيْمٍ
الْأَصْفَهَانِيّ وَلَا عُمْدَةَ لِمَنْ أَنْكَرَهُ إِلَّا رِوَايَة
مَسْرُوْقٍ.
وَقَالَ الْخَطِيْبُ: لَمْ يَسْمَعْ مَسْرُوْقٌ مِنْ أُمِّ رُوْمَانَ
شَيْئًا. (4)
وَالْعَجَبُ كَيْفَ خَفِي ذَلِكَ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَقَدْ فَطِنَ
مُسْلِمٌ لَهُ.
[زِوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَالْبِنَاءُ
بِهَا]
تَزَوَّجَهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ
قَبْلَ الْهِجْرَة بِسَنَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: بِثَلَاث بَعْدَ مَوْتِ خَدِيْجَةَ وَقَبْلَ سَوْدَة بِنْتِ
زَمْعَةَ.
وَقِيْلَ: بَعْدَهَا وَهَذَا هُوَالْأَشْهَرُُ. وَالْأًوَّلُ حَكَاهُ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ.
وَيَشْهَد لَهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ مِنْ حَدِيْثِ
هِشَام عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْت
امْرَأَة أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ
سَوْدَةبِنْتِ زَمْعَةَ الْحَدِيْثَ.
وَقَالَتْ فِي آخِرِهِ فِيْ بَعْضِ طُرُقِهِ: وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ
تَزَوَّجَهَا بَعْدِيْ. (5)
[عُمَرُهَا عِنْدَ الزِّوَاجِ وَالْبِنَاءِ]
وَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَالْأًوَّلُ أَصَحُّ.
وبَنَى بِهَا بِالْمَدِيْنَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ فِي شَوَّالٍ
مُنْصَرَفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي السَّنَةِ
الثَّانِيَةِ مِنْ مَقْدَمِهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: "فِي [السَّنَةِ] (6) الْأُوْلَى" (7) وَصَحَّحَهُ
الدِّمْيَاطِيُّ. (8)
وَأَمَّا ابْنُ دِحْيَةَ فَوَهَّاهُ الْوَاقِدِيُّ. (9)
وَأَقَامَتْ فِي صُحْبَتِهِ ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ.
وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) . لَمْ أعثر عَلَى الِتَصْرِيْحِ بِهَذَا إِلَّاسم فِي المطبوع من
الروض الْأَنِفِ لِلسُّهَِْيَِليّ وانْظُرْ الِاخْتِلَاف فِي اسمها فِي:
الْإِصَابَة 8/206 تَرْجَمَة أُمّ رُوْمَانَ برقم: 12023
(2) . انْظُرْ: الطَبَقَات الكبرى لَهُ 8/276
(3)
(4)
(5) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، الصَحِيْح، الرضاع، باب جَوَاز هبتها نوبتها
لضرتها:1463
(6) . إضافة من المعلق للتوضيح
(7)
(8)
(9)
(1/39)
وَهِيَ ابْنَة ثَمَانِيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَعَاشَتْ خَمْسًا وَسِتِّيْنَ [سَنَةً] (1) .
[مَوْلِدُهَا وَوَفَاتُهَا]
وَوُلِدَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ النَّبُوَّةِ وَتُوُفِّيَتْ
بِالْمَدِيْنَة زَمَنَ مُعَاوِيَةَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعِ
عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقِيْلَ: ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَأَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَبُوْهُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ. (2)
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا مَاتَتْ بَعْدَ الْوِتْرِ وَأَمَرَتْ أَنْ
تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا فَاجْتَمَعَ الْأَنْصَارُ وَحَضَرُوْا فَلَمْ
نَرَ لَيْلَة أَكْثَرَ نَاسًا مِنْهَا نَزَلَ أَهْل الْعَوَالِيْ
فَدُفِنَتْ بِالْبَقِيْعِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِيْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ:
شَهِدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ بِالْبَقِيْعِ وَابْنُ
عُمَرَ فِي النَّاسِ لَا يُنْكِرُهُ وَكَانَ مَرْوَانُ اعْتَمَرَ فِيْ
تِلْكَ السَّنَةِ وَاسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ. (3)
[عَدَدُ مَرْوِيَّاتِهَا]
رُوِيَ لَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَا
حَدِيْثٍ وَمِائَتَا حَدِيْثٍ وَعَشْرَةَ أَحَادِيْثَ.
اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْهَا عَلَى مِائَة وَأَرْبَعَة
وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثًا.
وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَمُسْلِمٌ بِثَمَانِيَةٍ وَسِتِّيْنَ.
[تَلَامِذَتُهَا وَالرُّوَاةُ عَنْهَا]
رَوَى عَنْهَا خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ مِنْ
مُتَأَخِّرِيْهِمْ:
مَسْرُوْقٌ
وَالْأَسْوَدُ وَسَعِيْدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
وَعُرْوَةُ ابْنُ أُخْتِهَا
وَالْقَاسِمُ ابْنُ أَخِيْهَا
وَأَبُوْ سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَالشَّعْبِيُّ
وَمُجَاهِدٌ
وَعَطَاءٌ
وَعِكْرِمَةُ
وَعَمْرَة بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَر
وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) . زيادة من المحقق لتوضيح المراد.
(2)
(3)
(1/40)
وَكَانَ مَسْرُوْقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْهَا
قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيْقةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ حَبِيْبَةُ
حَبِيْبِ اللهِ الْمُبَرَّأَةُ مِنَ السَّمَاءِ. (1)
وَرُوِيَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
__________
(1) . أَخْرَجَهُ الطَّبْرَانِيّ فِي المُعْجَم الْكَبِيْر23/181-182
الحَدِيْث:289-290 وَابْن سعد فِي الطَبَقَات الكبرى 8/66
(1/41)
اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ عَائِشَةَ
فَقَالَ: خَلَيْلَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (1)
وَكَذَلِكَ قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِرَجُل نَالَ مِنْهَا: أَغْرِبْ
مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا أَتُؤْذِيْ حَبِيْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (2)
وَمِنْ مَوَالِيْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْها:
1 - بَرِيْرَةُ: وَهِيَ الَّتِيْ كَانَ فِيْهَا ثَلَاثُ سُنَنٍ.
وَحَدِيْثُهَا مَشْهُوْرٌ فِي الصَّحِيْحِ.
رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَجُل
لَيُدْفَعُ عَنْ بَابِ الْجَنَّة بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا عَلَى
مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمٍ يُرِيْقُهُ مِنْ مُسْلِمٍ- يَعْنِيْ- بِغَيْرِ حَقٍّ.
(3)
رَوَتْهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ رَوَاهُ عَنْهَا زَيْدُ بْنُ
وَاقِدٍ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ الشَّاميِّيْنَ لَقِيَ وَاثِلَةَ بْنَ
الْأَسْقَعِ. (4)
2 - وَمِنْهُنَّ: سَائِبَةُ: رَوَى عَنْهَا نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ
عَمُّ سَائِبَةَ إِنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ (5)
الَّتِيْ فِي الْبُيُوْتِ إِلَّا ذَا
الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ
وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ.
رَوَاهُ مَالِكٌ
__________
(1) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده 2/20 للإمام اسحاق بن ابراهيم بن مخلد
الحنظلي المروزي، تحقيق وتخريج ودراسة: الدكتور عبد الغفور عبد الحق حسين
برد البلوشي، النشر والتوزيع: مكتبة الإيمان المدينة المنورة، الطبعة:
الأولى 1412 هـ 1991 م
(2) . أَخْرَجَهُ التِّرْمَذِيُّ، السُّنَن، المَنَاقِب، باب من فَضْل
عَائِشَة:3888 وقَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ
(3) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير24/205 الحديث:526
(4) قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد7/5205 الحديث:2310 رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ
وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(5) . فِي الْأَصْل: الحيات" والمثبت فِي المتن من مصدر المؤلف.
وَكِلَاهُمَا بمعنى واحد.
(1/42)
فِي الْمُوَطَّأِ عَن نَافِعٍ. (1)
وَقَدْ وَصَلَهُ ثِقَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةٍ عَنْ
عَائِشَةَ.
3 - وَمِنْهُنَّ: مَرْجَانَةُ: وَهِيَ أُمُّ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِيْ
عَلْقَمَةَ أَحَدِ شُيُوْخِ مَالِكٍ.
4 -ومِنْهُمْ: أَبُوْيُوْنُسَ: رَوَى عَنْهُ الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيْمٍ؛
أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَن الْقَعْقَاعِ بْنِ
حَكِيْمٍ عَنْ أَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ
أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَامُصْحَفًا ثُمَّ
قَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآَيَةَ فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُوْمُوْا لِلَّه ِ قَانِتِينَ}
(2) فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ
الْعَصْرِوَقُوْمُوْالِلَّه ِ قَانِتِينَ} قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا
مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5 - وَمِنْهُمْ: أَبُوعَمْرٍو:
كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِيْ مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَبِيْ مُلَيْكَةَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيْ عَائِشَةَ بِأَعْلَى الْوَادِيْ
هُوَ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍوَالْمِسْوَرُبْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ
كَثِيْرفَيَعْرِفُهُمْ أَبُوعَمْرٍومَوْلَى عَائِشَةَ وَهُوَغُلَامُهَا
يَوْمئِذٍ لَمْ يُعْتَقْ. (3)
وَفِيْ رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِيْ شَيْبَةَ فِيْ مُصَنَّفِهِ أَنَّهُ
كَانَتْ دَبَّرَتْهُ. (4)
وَقَوْلهُ: بِأَعْلَى الْوَادِيْ" يُرِيْدُ وَادِيْ مَكَّة كَانُوْا
__________
(1) . أَخْرَجَهُ مَالِك فِي الموطأ، الجامع، باب مَا جَاءَ فِي قتل
الحيات:1827
(2) . البقرة:238
(3) . انْظُرْ: مُسْنَد الشَّافِعِيّ 1/54 الحَدِيْث:224.
(4) . أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَة ابْنُ أَبِيْ شَيْبَةَ فِي المصنف3/15،،
باب:11649
(1/43)
يَأْتُوْنَهَا لِلزِّيَارَةِ
وَالِاسْتِفْتَاء وَذَلِكَ عِنْدَمَا تَحُجُّ وَلَمَّا خَرَجَتْ إِلَى
مَكَّةَ مُغَاضِبَةً لِعُثْمَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِيْ قُتِلَ فِيْهَا.
قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيْرِ فِي شَرْحِ المُسْنَدِ. (1)
[الْفَصْلُ الثَّانِيْ: فِي خَصَائِصِهَا الْأَرْبَعِيْنَ]
وَلَهَاخَصَائِصُ كَثِيْرةٌ لَمْ يَشْرَكْهَا أَحَد مِنْ أَْزْوَاجهِ
فِيْهَا
__________
(1)
(1/44)
الْأُوْلَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًاغَيْرَهَا.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ حَثَّ عَلَى نِكَاحِ الْأَبْكَارِ وَتَزَوَّجَ مِنَ
الثِّيِّبَاتِ (1) أَكْثَرَ.
فِيْهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ:
قُلْتُ:
تَقْلِيْلًا لِلِاسْتِلْذَاذِ لِأَنَّ الْأَبْكَارَ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا
وَلِذَلِكَ قَالَ: فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ. (2)
وَتَكَثِيْرًا لِتَوْسِعَةِ الْأَحْكَامِ إِذْ هُنَّ بِالْفَهْمِ
وَالتَّبْلِيْغِ أَعْلَقُ وَجْبًرا لِّمَا فَاتَهُنَّ مِنَ الْبَكَارَةِ
كَمَا قَدَّمْنَ فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} . (3)
أَوْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَعَظِيْمِ عَائِشَةَ وَتَمْيِيْزِهَا بِهَذِهِ
الْفَضِيْلَةِ وَحْدَهَا دُوْنَهُنَّ لِئَلَّا تُشَارِكَ فِيْهَا
فَكَأَنَّهَا فِي كَفَّةٍ وَهُنَّ فِي كَفَّةٍ أُخْرَى.
الثَّانِيةُ: أَنَّهَا خُيِّرَتْ وَاخْتَارَتِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ عَلَى
الْفَوْرِ؛ (4) وَكُنَّ تَبْعًا لَهَافِي ذَلِكَ.
__________
(1) . فِي المطبوع: الثياب" وَهُوَ خطأ، والصواب مَا أثبتنا فِي المتن لأن
جمع الثيب: ثيبات وَلَيْسَ الثياب. والله ِأعلم
(2) . أخرجه البخاري، الصحيح، النكاح، باب تستحد المغيبة وَتمتشط
الشعشة:4846
(3) . التحريم: 5
(4) . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأُنَزَلَتْ آَيَة التَّخْيِيْر فَبَدَأَ بِي
أَوَّلَ امْرَأَة فَقَالَ: أَنِّيْ ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا وَلَا عَلَيْك
أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبُويْكِ قَالَت: قَدْ اعْلَمْ
أَنَّ أَبُويَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرُ أَنِّيْ بِفِرَاقِكَ ثُمَّ قَالَ:
أَنَّ اللهَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَْزْوَاجكَ إِلَى
قَوْلهِ عَظِيْما قُلْت أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبُويَّ فَإِنِّيْ
أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُوْلهُ وَالدَّارَ الْأُخَرة ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءهُ
فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ:. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ،
الصَحِيْح، المظالم والغصب، باب الغرفة والعَليّة المشرفة:2468
(1/45)
الثَّالِثُةُ: أَنَّهَا حَيْثُ خُيِّرَتْ
كَانَ خِيَارُهَا عَلَى التَّرَاخِيْ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا الخِلَافُ
فِي أَنَّ جَوَابَهُنَّ هَلْ كَانَ مَشْرُوْطًا بِالْفَوْرِ أَمْ لَا؟
فَفِيْ غَيْرِهَا.
هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِيْ أَبُوالطَّيِّبِ الطِّبّرِيُّ فِي تَعَليّقِهِ
(1) فَإِنَّهُ حَكَى الخِلَافَ وَصَحَّحَ الْفَوْريَّةَ ثُمَّ قَالَ:
وَالْخِلَافُ فِي التَّخْيِيْرِ الْمُطْلَقِ. فَأَمَّا إِذَا قَالَ لَهَا:
اخْتَارِيْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتِ" كَانَ عَلَى التَّرَاخِيْ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ: وَعَائِشَةُ مِنْ هَذَاالْقَبِيْلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِيْ حَتَّى
تَسْتَأْمِرِيْ أَبَوَيْكِ. (2)
وَهُوَتَقْيِيْدٌ مُرْتَبِطٌ بِهِ إِطْلَاقُ "الشَّرْحِ" وَ "الرَّوْضَةِ"
وَلَمْ يَقِفِ ابْنُ الرِّفْعَةِ (3) عَلَى هَذَا النَّقْلِ فَقَالَ فِي
شَرْحِ الْوَسِيْطِ: وَفِي طَرْدِ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ أَْزْوَاجِهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّهِنَّ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
الْمَهْلَ فِي التَّخْيِيْر إِنَّمَا قِيْلَ لعَائِشَةَ فَقَطْ.
وَسَبَبُهُ- وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنَّهَا كَانَتْ أَحَدثَ نِسَائِهِ سِنًّا
وَأَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ فَكَانَ قَوْلهُ لَهَا: لَا تُبَادِرِيْنِيْ
بِالْجَوَابِ" (4) خَوْفًا مِنْ أَنْ تَبْتَدِرَهُ بِاخْتِيَارِ
الدُّنْيَا. وَمَغَبَّتُهُ أَلَّا يَطَّرِدَ الْحُكْم فِي غَيْرِهَا
لَاسِيِّمَا إِذَا نَظَرْنَا إِلَى مَا جَاءَ فِي الصَّحِيْحِ مِنْ
تَخْصِيْصِ ذَلِكَ بِهَا كَانَ ذَلِكَ يَنْزِلُ مَنَزْلَةً مَا قَالَ
الوَاحِدُ مِنَّا لِبَعْضِ نِسَائِهِ: اخْتَارِيْ مَتَى شِئْتِ" وَقَالَ
لِأُخْرَى: اخْتَارِيْ " فَإِنَّ خِيَارَ الْأُوْلَى يَكُوْنُ عَلَى
التَّرَاخِيْ وَالْأُخْرَى عَلَى الْفَوْرِ.
الرَّابِعُةُ: نُزُوْلُ آَيَةِ التَّيَمُّمِ (5) بِسَبَبِ عِقَدْهَا حِيْنَ
حَبَسَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ وَقَالَ
لَهَا أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ
أَبِيْ بَكْرٍ. (6)
__________
(1)
(2) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، المصدر السابق
(3) .
(4) هَذَا مفهُوَم قَوْل النَّبِيّ صَلَّى الله ِعَلَيْهِ وَسلم: وَلَا
عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِيْ حَتَّى تَسْتَأْمِرِيْ أَبَوَيْكِ" وقَدْ
سَبَقَ تخريجه
(5) . وآَيَة التَّيَمُّم فِي سُوْرَة الْمَائِدَة: يَا أَيُّهَا
الَّذِيْنَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتمْ إِلَى الصَّلَاة فاغْسِلُواْ
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ
وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَد مَّنكُم مِّنَ
الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء
فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم
مِنْهُ [الْمَائِدَة: 6] وَذَلِكَ خِلَاف بين المفسرين راجع: فتح الباري
(6) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، الصَحِيْح، التَّيَمُّم، باب وقَوْل الله:
فلم تجدوا ماء فَتَيَمَّمُوا:334
(1/46)
الْخَامِسُةُ: نُزُوْلُ بَرَاءَتِهَا مِنَ
السَّمَاءِ مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهَا أَهْل الْإِفْك فِي سِتِّ عَشْرَةَ
آَيَةً مُتَوَالِيَةٍ (1) وَشَهِدَ اللهُ لَهَابأَنَّهَا مِنَ الطَّيِّباتِ
وَوَعَدَهَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّزْقِ الْكَرِيْمِ.
وَانْظُرْ تَوَاضُعَهَا وَقَوْلهَا: وَلَشَأْنِيْ فِي نَفْسِيْ كَانَ
أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِوَحْيٍ يُتْلَى". (2)
... قَالَ الزِّمَخْشَرِيُّ: وَلَوْ فَلَّيْتَ الْقْرْآنَ وَفَتَّشْتَ
عَمَّا أَوْعَدَ بِهِ الْعُصَاةَ لَمْ تَرَ اللهَ عَزَّوَجَلَّ قَدْ
غَلَّظَ فِي شَيْءٍ تَغْلِيْظَهُ فِي إِفْكِ عَائِشَةَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بِالْبَصْرَةِ يَوْم عَرَفَة [وَكَانَ
يُسَأَلَ عَنْ تَفْسِيْرِ الْقُرْآنِ] وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ
الْآَيَات: مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ثُمَّ تَابَ مِنْهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ
إِلَّا مَنْ خَاضَ فِي إِفْكِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ: بَرَّأَ اللهُ
تَعَالَى أَرْبَعَةً بِأَرْبَعَةٍ:
يُوْسُفَ بِـ[ـلِسَانِ الشَّاهِدِ] الْوَلِيْدِ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ
أَهْلهَا} . (3)
وَ [بَرَّأَ] مُوْسَى [مِنْ قَوْل الْيَهُوْدِ فِيْهِ] بِالْحَجَرِ
[الَّذِيْ ذَهَبَ بِثَوْبِهِ] . (4)
وَ [بَرَّأَ] مَرْيَم بِإِنْطَاقِ وَلَدِهَا: {إِنِّيْ عَبْدُ اللهِ} . (5)
وَبَرَّأَ عَائِشَةَ بِهَذِهِ الْآَيَاتِ الْعَظِيْمةِ. (6)
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ فَكَيْفَ
قَالَ: {الْمُحْصَنَاتِ} . (7) ؟
قُلْتُ: فِيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَْزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَأَنْ يُخَصَّصْنَ بِأَنَّ مَنْ قَذَفَهُنَّ فَهَذَا
الْوَعِيْدُ لَاحِقٌ بِهِ وَإِذَا أُرِدْنَ؛ عَائِشَةُ كُبْرَاهُنَّ
مَنَزْلَةً وَقُرْبَةً عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَتْ الْمُرَادَةُ أَوَّلًا] لِيَكُوْنُ الْحُكْمُ شَامِلًا
لِلْكُلِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا أُمّ الْمُؤْمِنِيْنَ فَجُمِعَتْ إِرَادَةً لَهَا
وَلِبَنَاتهَا مِنْ نِسَاءِ الْأُمَّةِ. (8)
السَّادِسُةُ: جَعَلَهُ قُرْأَنَا يُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة.
السَّابِعُةُ: شَرَعَ جَلْدَ الْقَاذِفِ وَصَارَ بَابُ الْقَذْفِ وَحْدَهُ
بَابًا عَظِيْمًا مِنْ أَبْوَابِ الشَّرِيْعَةِ وَكَانَ سَبَبُهُ
قِصَّتُهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُا فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بِهَا
__________
(1) . فِي سُوْرَة النور من إِلَّاية:11-26
(2) . أَخْرَجَ نحوه الْبُخَارِيّ، الصَحِيْح، المغازي، باب حَدِيْث
الْإِفْك:4141
(3) . يوسف: 26
(4) . قَالَ: تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا
كَالَّذِيْنَ آذَوْا مُوْسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوْا وَكَانَ
عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً [إِلَّاحزاب: 69] وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ
أَبِيْ هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيْل يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضهُمْ
إِلَى بَعْض وَكَانَ مُوْسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ
وَحْدَهُ فَقَالُوْا وَاللهِ مَا يَمْنَعُ مُوْسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا
إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى
حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجّرُ بِثَوْبِهِ فَخَرَجَ مُوْسَى فِي إِثْرِهِ
يَقَوْل ثَوْبِي يَا حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيْل إِلَى
مُوْسَى فَقَالُوْا وَاللهِ مَا بِمُوْسَى مِنْ بَأْسٍ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ
فَطَفِقَ بِالْحَجّرِ ضَرَبَا فَقَالَ: أَبُوْ هُرَيْرَةَ وَاللهِ أَنَّهُ
لَنَدَبٌ بِالْحَجّرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَة ضَرَبَا بِالْحَجّرِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، الصَحِيْح، الْغُسْل، باب من اغتسل عريأَنَا
وحده:278
(5) . مَرْيَم: 30
(6) . أي من سُوْرَة النور:11-26
(7) . وَذَلِكَ فِي الْآَيَة رقم:4 من سُوْرَة النور وَالتكملة:
وَالَّذِيْنَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَة
شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 4] وَفِي
الْآَيَة رقم:23 مِنْهَا وَالتكملة: إِنَّ الَّذِيْنَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا
وَالْأُخَرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْم [النور: 23]
(8) . انْظُرْ قَوْل الزمخشري بنصه بحذف واختصَارَيسيرفِي: الكشاف1/834
تفسير سُوْرَة النور وَمَا بين القوسين مِنْهُ أضيف.
(1/47)
أَمْرٌ تَكْرَهُهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ
فِيْهِ لِلْمُؤْمِنِيْنَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا كَمَا سَبَقَ نَظِيْرُهُ فِي
التَّيَمُّمِ.
تَنْبِيْهٌ جَلِيْلٌ: عَلَى وَهْمَيْنِ وَقَعَا فِي حَدِيْثِ الْإِفْك فِيْ
صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ
أَحَدُهُمَا: قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَسَلِ الْجَارِيَةَ
تَصْدُقْكَ" قَالَ: فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَرِيْرَةَ ... "
وَبَرِيْرَةُ إِنَّمَا اشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ وَأَعْتَقَتْهَا بَعْدَ
ذَلِكَ.
... وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَمَّا أُعْتِقَتْ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا
جَعَلَ زَوْجُهَا يَطُوْف وَرَاءَهُا فِي سِكَكِ الْمَدِيْنَةِ
وَدُمُوْعُهُ تَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ رَاجَعْتِيْهِ فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِيْ؟
فَقَالَ: إِنَّمَاأَنَا شَافِعٌ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ياعَبَّاسُ! أَلََا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيْثٍ لِبَرِيْرَةَ
وَبُغْضِهَا لَهُ. (1) وَالْعَبَّاسُ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِيْنَةَ بَعْدَ
الْفَتْحِ.
..وَالْمَخْلَصُ مِنْ هَذَاالْإِشْكَالِ أَنَّ تَفْسِيْرَالْجَارِيَةِ
بِبَرِيْرَةَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيْث مِنْ بَعْضِ الرُّوَاة ظَنًّا مِنْهُ
أَنَّهَا هِيَ. وَهَذَا كَثِيْرًا مَّا يَقَعُ فِي الْحَدِيْثِ مِنْ
تَفْسِيْرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَيُظَنُّ أَنَّهُ مِنَ الْحَدِيْث وَهُوَ
نَوْع غَامِضٌ لَا يَنْتَبِهُ لَهُ إِلَّا الْحُذَّاقُ.
ومن نَظَائِرِهِ مَا وَقَعَ فِيِ [سُنَنِ] التِّرْمَذِيِّ وَغَيْره مِنْ
حَدِيْثِ يُوْنُسَ بْنِ أَبِيْ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيْ بَكْرٍ بْن أَبِي
مُوْسَى عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: خَرَجَ أَبُوْطَالِبٍ إِلَى الشَّامِ
وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ
مِنْ قُرَيْشٍ فَذَكَرَ الرَّاهِبَ وَقَالَ فِيْ آَخِرِهَا: فَرَدَّهُ
أَبُوْطَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُوْ بَكْرٍ بِلَالًا وَزَوَّدَهُ
الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ. (2) " (3)
... فَهَذَا مِنَ الْأَوْهَامِ الظَاهِرةِ لِأَنَّ بِلَالًا إِنَّمَا
اشْتَرَاهُ أَبُوْ بَكْرٍ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ بِلَالٌ وَعَذَّبَهُ
__________
(1) . أخرجه البخاري، الصحيح، الظلاق، باب شفاعة النبي فِي زوج بريرة:4875
بلفظ متقارب
(2) . فِي المطبوع: الزبيب" والمثبت فِي المتن من سُنَن التِّرْمَذِيّ.
(3) . أَخْرَجَهُ التِّرْمَذِيُّ، السُّنَن، المَنَاقِب، باب مَا جَاءَ فِي
بدء نبوة النَّبِيّ:3620 وقَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ لَا
نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
(1/48)
قَوْمُهُ. وَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّام مَعَ عَمِّهِ أَبِيْ
طَالِبٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْعُمَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهْرَانِ
وَأَيَّامٌ وَلَعَلَّ بِلَالًا لَمْ يَكُن بَعْدُ وُلِدَ.
وَلَمَّا خَرَجَ الْمَرَّةَ الثَّانِيةَ كَانَ لَهُ قَرِيْبٌ مِنْ خَمْسٍ
وَعِشْرِيْنَ سَنَةً وَلَمْ يَكُن مَعَ أَبِيْ طَالِبٍ إِنَّمَا كَانَ مَعَ
مَيْسَرَةَ.
الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحَاوُرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعْدِ
بْنِ مُعَاذ وَقِصَّة إِفْكٍ كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ عِنْدَ
الْبُخَارِيِّ وَجَمَاعَةٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ: قَالَ
مُوْسَى بْن عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ". (1)
وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِهَذَا القَوْلِ بِحَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ:
عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحْدٍ
وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِيْ ثُمَّ عُرِضْتُ عَلَيْهِ
يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِيْ". (2)
... وَأُحْدٌ بِلَا شَكّ سَنَةَ ثَلَاثٍ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ
سَنَةَ أَرْبَعٍ.
ثُمَّ قَالَ فِي الصَّحِيْحِ: أَنَّهَا غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ. قَالَ
ابْنُ إِسْحَاق: سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ: كَانَ الْإِفْكُ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ.
وَأَمَّا مُوْسَى بْنُ عُقْبَةَ فَقَالَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. (3)
وَلَا رَيْبَ أن قِصَّة الْإِفْك كَانَتْ بَعْد نُزُوْل آَيَة الْحِجَابِ
وَالْحِجَابُ نَزَلَ فِي شَأْن زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أُمِّ
الْمُؤْمِنِيْنَ وَهِيَ فِي قِصَّةِ الْإِفْك كَانَتْ عِنْدَ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَتَكَلَّمْ فِي عَائِشَةَ.
وَنِكَاحُ زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ
خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَة فِي قَوْلِ ابْنِ سَعْدٍ. (4)
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْوَاقِدِيُّ: تَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ
الْهِجْرَة.
وَبِهِ قَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِيْنَةِ.
فَدَلَّ تَأَخُّرُ
__________
(1) . أخرجه البخاري، الصحيح، المغازي، بَاب غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ
(تَرْجَمَة الباب)
(2) . أخرجه البخاري، الصحيح، الشهادات، باب بلوغ الصبيان وَشهاداتهم:2470
بلفظ قريب
(3) . أخرجه البخاري، الصحيح، المغازي، بَاب غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
(تَرْجَمَة الباب)
(4) . انْظُرْ: الطَبَقَات الكبرى لابن سعد8/114ذكر أَْزْوَاج رسول الله
ِصلى الله ِعَلَيْهِ وسلم
(1/49)
آَيَةِ الْحِجَاب عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ
بَعْدَ الْخَنْدَقِ. وَقَدْ ثَبَتَ بِلَارَيْبٍ أَنَّ سَعْدَ ابْنَ مُعَاذٍ
تُوُفِّيَ عَقِبَ الْخَنْدَقِ؛ وَعَقِبَ حُكْمِهِ فِي بَنِيْ قُرَيْظَةَ.
وَلَمْ يَكُن بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ غَزَاةٌ. وَلِهَذَا يَعْدِلُ
الْبُخَارِيُّ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِهِ لِحَدِيْثِ الْإِفْك عَنْ
نِسْبَةِ سَعْدٍ إِلَى أَبِيْهِ فَيَقُوْلُ: فَقَامَ سَعْدٌ أَخُوْ بَنِيْ
عَبْدِ الْأَشْهَلِ" وَهَذِهِ رِوَايَتُهُ فِي الْمَغَازِي. وَقَالَ:
سَنَةَ أَرْبَعٍ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى قَوْلِهِ: " قَبْلَ الْخَنْدَقِ" لِأَنَّ
الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي آخِرِ السَّنَةِ فِي شَوَّالٍ وَاتَّصَلَتْ
بِغَزْوَةِ قُرَيْظَةَ. وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ أَنْ يَكُوْنُ الْمُرَادُ
عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ هُوَ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ.
... وَقَدْ تَقَدَّمَ وَهْمٌ آَخَرُ: وَهُوَ رِوَايَةُ مَسْرُوْقٍ عَنْ
أُمِّ رُوْمَانَ.
وَأَجَابَ الْقَاضِيْ أَبُوْ بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبيِّ عَنْ هَذَا بأَنَّهُ
جَاءَ فِي طَرِيْق: حَدَّثَتْنِيْ أُمُّ رُوْمَانَ" وَفِي أُخْرَى: عَنْ
مَسْرُوْقٍ عَنْ أُمِّ رُوْمَانَ" مُعَنْعَنًا.
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وَالْعَنْعَنَةُ أَصَحُّ فِيْهِ وَإِذَا كَانَ
الْحَدِيْث مُعَنْعَنًا كَانَ مُحْتَمِلًا وَلَمْ يَلْزَمْ فِيْهِ مَا
يَلْزَمُ فِي " حَدَّثَنِيْ"لِأَنَّ لِلرَّاوِيْ أَنْ يَقُوْلَ: عَنْ
فُلَانٍ" وَإِنَّ فُلَأَنَا لَمْ يُدْرِكْهُ. حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
... فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْهَامٍ ادُّعِيَتْ فِي حَدِيْثِ الْإِفْك:
وَهْمٌ فِيْ بَرِيْرَةَ
وَوَهْمٌ فِيْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
وَوَهْمٌ فِيْ أُمِّ رُوْمَانَ
وَالثَّلَاثَةُ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيْحِ فَلَا يَنْبَغِيْ الْإِقْدَامُ
عَلَى التَّوْهِيْمِ إِلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا
يَدْفَعُ الْكُلَّ.
الثَّامِنُةُ: لَمْ يَنْزِلْ بِهَا أَمْرٌ إِلَّا جَعَلَ الله ِلَهَا
مِنْهُ مَخْرَجًا وَلِلْمُسْلِمِيْنَ بَرَكَةٌ.
التَّاسِعُةُ: أَنَّ جِبْرِيْلَ أَتَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيْرٍ
(1/50)
فَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ. فَقُلْتُ: إِن
يَكُن مِّنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ. (1)
وَقَدْ أَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِيْ بَابِ النَّظَر إِلَى الْمَرْأَة
إِذَا أَرَادَ تَزْوِيْجَهَا. (2)
... قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيْحٌ لِأَنَّ فِعْلَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ
سَوَاءٌ وَقَدْ كَشَفَ عَنْ وَجْهِهَا.
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمَذِيِّ: فِي خِرْقَةِ حَرِيْرٍ خَضْرَاءَ.
وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيْبٌ. (3)
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ غَرِيْبَةٍ: أَنَّ طُولَ تِلْكَ الْخِرْقَةِ
ذِرَاعَانِ وَعَرْضُهَا شِبْرٌ" ذَكَرَهُ الْخَطِيْبُ فِي تَارِيْخِ
بَغْدَادَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ. (4)
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن يَكُنْ مِنْ عِنْدِ
اللهِ يُمْضِهِ"فَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَيْسَ بِشَكٍّ لِأَنَّ رُؤْيَا
إِلَّانْبِيَاءِ وَحْيٌ وَلَكِنْ لَّمَّا كَانَتْ الرُّؤْيَا تَارَةً
تَكُوْنُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَتَارَةً تَزْهُوْ نَظِيْرَ الْمَرْئِيِّ أَوْ
شَبَهِهِ فَيَطْرُقُ الشَّكّ مِنْ هَاهُنَا. (5)
ويَبْقَى سُؤَالٌ: لِمَاذَا أَتَى بِـ"إِنْ" وَالْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ
"إِذَا" لِأَنَّهَا لِلْمُحَقَّقِ وَ"إِنْ" لِلْمَشْكُوْكِ فِيْهِ
وَجَوَابُهُ يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ.
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك عَن الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِيْ
عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مَيْمُوْن مَوْلَى عُرْوَة عَن حَبِيْب مَوْلَى
عُرْوَة قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ خَدِيْجَةُ حَزِنَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِعَائِشَةَ فِي
مَهْدٍ فَقَالَ: هَذِهِ تُذْهِبُ بِبَعْضِ حُزْنِكَ وَإِنَّ فِيْهَا
لَخَلَفًا مِنْ خَدِيْجَةَ" الْحَدِيْث. (6)
فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ لِمَّا يَدُلُّ
عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الْحَالِ وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ
مَرَّتَيْنِ.
__________
(1) . أخرجه البخاري، الصحيح، المَنَاقِب، باب تزويج النبي عَائِشَة
وَقدومه المدينة وَبنائه بها:3606
(2) . انْظُرْ: صحيح البخاري، كِتَاب النكاح، باب النَّظَر إِلَى
الْمَرْأَة قبل التزويج:4730
(3) . أخرجه الترمذي، السُّنَن، المَنَاقِب، باب من فَضْل عائشة:3815
(4) . انْظُرْ: تاريخ بغداد2/193-194 تَرْجَمَة مُحَمَّد بن الْحَسَن بن
أَزْهَرَ بن جُبَيْر بن جَعْفَر أبو بَكْر القطايعى الدعا الْأَصَمّ:618
(5)
(6) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/5، كتاب معرفة الصحابة،
باب تسمية أزواج رسول الله ِصلى الله ِعَلَيْهِ وسلم:6716
(1/51)
الْعَاشِرُةُ: أَنَّهَا كَانَتْ أَحَبَّ
أَْزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ.
قَالَ لَهُ عَمْرو بْنُ الْعَاصِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ
أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قَالَ: وَمِنَ الرِّجَال؟ قَالَ:
أَبُوْهَا.
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (1) وَصَحَّحَهُ التِّرْمَذِيُّ. (2)
الْحَادِيْةُ عَشْرَةَ: وُجُوْب مَحَبَّتِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
فَفِي الصَحِيْح لَمَّا جَاءَت فَاطِمَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: أَلَسْتِ
تُحِبِّيْنَ مَا أُحِبُّ؟
قَالَتْ: بَلَى قَالَ: فأَحِبِّيْ هَذِهِ يَعْنِيْ عَائِشَةَ" ()
وَهَذَا الْأَمْر ظَاهِرُ الوُجُوْبِ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاضَتْ
عَائِشَةُ: إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آَدَمَ.
وَقَوْلُهُ لَمَّا حَاضَتْ صَفِيَّة: عَقْرَى حَلْقَى أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟
()
وَفرق عَظِيْم بين الْمَقَامَيْنِ وَلَعَلَّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ
الْمَحَبَّةِ كَثْرَةُ مَا بَلَغَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُوْنَ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاء الصَحَابِيًّاتِ كَمَا
قِيْلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَحُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ
النِّسَاءُ. ()
الثَّانِيةُ عَشْرَةَ: أَنَّ مَنْ قَذَفَهَا فَقَدْ كَفَرَ لِتَصْرِيْحِ
الْقْرْآنِ الْكَرِيْمِ بِبَرَاءتِهَا
قَالَ: الْخُوَارَزَمِيُّ - فِي "الْكَافِي "- مِنْ أَصْحَابنَا فِي
كِتَابِ الرِّدَّةِ: لَوْ قَذَفَ عَائِشَةَ بِالزِّنَى صَارَ كَافِرًا
بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الزَّوْجَاتِ لِأَنَّ الْقْرْآنَ نَزَلَ
بِبَرَاءتِهَا.
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ سَبَّهَا قُتِلَ. قَالَ: أَبُو الْخَطَّاب
بْنُ دِحْيَةَ
(1/52)
فِي أَجْوِبَة الْمَسَائِلِ: وَيَشْهَدُ
مَالِك كِتَاب اللهِ فَأَنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا ذَكَرَ فِي الْقْرْآنِ
مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُوْنَ سَبَّحَ لِنَفْسِهِ قَالَ:
تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ} . (1)
وَاللهُ تَعَالَى ذَكَرَ عَائِشَةَ فَقَالَ: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ
قُلْتُم مَا يَكُوْنُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَإِنَّك هَذَا
بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} . (2) فَسَبَّحَ نَفْسَهُ فِيْ تَنْزِيْهِ عَائِشَةَ
كَمَا سَبَّحَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ فِيْ تَنْزِيْهِهِ. حَكَاهُ الْقَاضِيْ
أَبُوْ بَكْرٍبْنُ الطَّيِّبِ.
الثَّالِثُةُ عَشْرَةَ: مَنْ أَنْكَرَكَوْنَ أَبِيْهَا أَبِيْ بَكْرٍ،
الصِّدِّيْق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَحَابِيًّا كَانَ كَافِرًا نَصَّ
عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ فَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْل: {إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ أَنَّ اللهَ مَعَنَا} . (3) ذَكَرَهُ صَاحِبُ
الْكَافِيْ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِيْ ذَلِكَ فِيْ إِنْكَارِ
صُحْبَةِ غَيْره وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ نَعَمْ يُدْرِكُ تَكْفِيْرَ مُنْكِرِ
صُحْبَةِ الصِّدِّيْق تَكْذِيْبُ النُّصُوْصِ وَصُحْبَةِ غَيْرِهِ
التَّوَاتُرُ.
الرَّابِعُةُ عَشْرَةَ: أن النَّاس كَانُوْا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ
يَوْمَهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيُتْحِفُوْنَهُ بِمَا يُحِبّ فِي مَنْزِلِ أَحَبِّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ
يَبْتَغُوْنَ بذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ. (4)
الْخَامِسُةُ عَشْرَةَ: أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمًا لَهَا
بِخُصُوْصِهَا. (5)
________
(1) . إِلَّانبياء: 26
(2) . النور: 16
(3) . التوبة: 40
(4)
(5)
(1/53)
السَّادِسُةُ عَشْرَةَ: اخْتِيَارُهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَرَّضَ فِيْ بَيْتِهَا. قَالَ
أَبُوالْوَفَا عَقِيْلٌ رَحِمَهُ اللهُ: انْظُرْ كَيْفَ اخْتَارَ
لِمَرَضِهِ بَيْتَ الْبِنْتِ وَاخْتَارَ لِمَوْضِعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ
الْأَبَ فَمَا هَذِهِ الْغَفْلَةُ الْمُتَحَوِّذَةُ عَلَى قُلُوْبِ
الرَّافِضَةِ عَنْ هَذَاالْفَضْلِ وَالْمَنْزِلَةِ الَّتِيْ لَا
تَكَادُتَخْفَى عَنِ الْبَهِيْمِ فَضْلًا عَنِ النَّاطِقِ (1)
السَّابِعُةُ عَشْرَةَ: وَفَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ
سَحَرِهَا وَنَحَرِهَا.
قَالَ: الصَّاغَانِيْ: السَّحَرُ بِفَتْحِ السِّيْنِ وَضَمِّهَا مَا
تَعَلَّقَ بِالْحُلْقُوْمِ وَبِالْمَرِيْءِ مِنْ أَعْلَى الْبَطْنِ مِنَ
الرِّئَةِ وَغَيْرِهَا". (2)
وَعَنِ الْفَرِّاءِ فِيْهِ: سَحَرٌ بِالتَّحْرِيْكِ.
وَكَانَ عَمَّارَةُ بْنُ عَقِيْلِ بْنِ بِلَالِ بْنِ جَرِيْر يَقُوْلُ:
إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ شَجَرِيْ" بِشِيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَجِيْمٍ" فُسُئِلَ
عَنْ ذَلِكَ فَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَقَدَّمَهَا عَنْ صَدْرِهِ
كَأَنَّهُ يَضُمُّ شَيْئًا. (3) يُرِيْدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قُبِضَ وَقَدْ ضَمَّتْهُ بِيَدَيْهَا إِلَى نَحْرِهَا وَصَدْرِهَا
وَخَالَفَتْ بَيْنَ أَصَابِعِهَا وَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مَأْخُوْذٌ مِنْ
قَوْلِهِمْ: اشْتَجَرَتِ الرِّمَاحُ" إِذَا اشْتَبَكَتْ بَعْضُهَا
بِبَعْضٍ.
الثَّامِنُةُ عَشْرَةَ: وَفَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ
يَوْمِهَا. (4)
التَّاسِعُةُ عَشْرَةَ: دَفْنُهُ فِيْ بَيْتهَا بِبُقْعَةٍ هِيَ أَفْضَل
بِقَاعِ الْأَرْض بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. (5)
الْعِشْرُوْنَ: أَنَّهَا رَأَتْ جِبْرِيْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِيْ صُوْرَة دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثَبَتَ
فِي الصَّحِيْحَيْنِ. (6)
زَادَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ مَسْرُوْقٍ عَنْهَا: قُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: بِمَنْ شَبَّهْتِهِ؟ قُلْتُ:
بِـ"دِحْيَةَ" قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتِ جِبْرِيْلَ. (7)
وَفِيْ رِوَايَةٍ لَّهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْهَا:
وَرَأَيْتُ جِبْرِيْلَ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ نِّسَائِهِ غَيْرِيْ. (8)
__________
(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
(7) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/8، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله ِ:6722
(8) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/11، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله:6730
(1/54)
فَأَخْرَجَ مِنْ جِهَةِ مَالِكِ بْنِ
سَعِيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلِ بْنِ أَبِيْ خَالِد أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ الضَّحَّاكِ أَنَّ عَبْد اللهِ بْنِ صَفْوَانَ أَتَى عَائِشَةَ
وَآخَرُ مَعَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُُ: لِأَحَدِهِمَا: أَمَنَعْتِ حَدِيْثَ
حَفْصَة يَا فُلَانٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ: وَمَا ذَاكَ يَا أُمَّ
الْمُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَتْ: خِلَالٌ تِسْعٌ لَمْ تَكُ لِأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ قَبْلِيْ
إِلَّا مَاأَتَى اللهَ مَرْيَم بِنْتِ عِمْرَان وَاللهِ مَا أَقُوْلُ هَذَا
أَنِّيْ أَفْخَرُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ صَوَاحِبَاتِيْ".
فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ: وَمَا هُنَّ يَاأُمَّ
الْمُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَتْ: جَاءَ الْمَلَكُ بِصُوْرَتِيْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَنِيْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنَاابْنَة سَبْعِ سِنِيْنَ وَأُهَدْيتُ إِلَيْهِ وَأَنَا
ابْنَة تِسْعِ سُنَنيْنَ وَتَزَوَّجَنِيْ بِكْرًا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيَّ
أَحَدٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَانَ يَأْتِيْهِ الْوَحْيُ وَأَنَا وَهُوَ فِيْ
لِحَافٍ وَاحِدٍ وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ وَنَزَلَ فِيَّ
آَيَاتٌ مِّنَ الْقْرْآَنِ كَادَتِ الْأُمَّةُ تَهْلِكُ فِيْهَا وَرَأَيْتُ
جِبْرِيْلَ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِّن نِّسَائِهِ غَيْرِيْ وَقُبِضَ فِيْ
بَيْتيْ وَلَمْ يَلِهِ غَيْرُ الْمَلَكِ وَأَنَا.
وَقَالَ: صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. (1)
وَمَالِكُ بْنُ سَعِيْرٍ مِنْ رِجَال مُسْلِمٍ. (2)
وَقَالَ: أَبُوْ حَاتِم: صَدُوْقٌ. وَضَعَّفَهُ أَبُوْدَاوُدَ. (3)
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيْهَا نَظَرٌ لِمَا فِيْ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّ
أُمّ سَلَمَةَ رَأَتْهُ فِيْ صُوْرَة دحية أَيْضًا. (4)
قَالَ: أَبُو الْفَرَجِ: وَإِنَّمَا سَلَّمَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوَاجِهْهَا
لِحُرْمَةِ زَوْجِهَا وَوَاجَهَ مَرْيَم لِأَنَّهُ لَمْ يَكُن لَّهَابَعْلٌ
فَمَنْ نُزِّهَتْ لِحُرْمَةِ بَعْلِهَا عَنْ خِطَابِ جِبْرِيْلَ كَيْفَ
يُسَلَّطُ عَلَيْهَا أَكُفُّ أَهْل الْخَطَايَا؟.
مُتَمِّمُ الْعِشْرِيْنَ: اجْتِمَاعُ رِيْقِ رَسُوْلِ اللهِ وَرِيْقِهَا
فِيْ آَخِرِ أَنْفَاسِهِ.
رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. (5)
__________
(1) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/11، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله:6730
(2)
(3)
(4)
(5) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/8، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله:6720
(1/55)
الْحَادِيْةُ وَالْعِشْرُوْنَ: لَمْ
يَنْزِلِ الْوَحْيُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ فِيْ لِحَافِ امْرَأَة مِّن نِّسَائِهِ غَيْرَهَا.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي المَنَاقِبِ (1)
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّان فِيْ صَحِيْحِهِ. (2)
وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِلَفْظِ: مَا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيّّ
وَأَنَا فِيْ بَيْتِ (3) امْرَأَة مِّن نِّسَائِيْ غَيْرَ عَائِشَةَ"
وَقَالَ: صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. (4)
وَالْأًوَّل أَصَحُّ فَقَدْ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِيْ بَيْت
خَدِيْجَةَ.
الثَّانِيةُ وَالْعِشْرُوْنَ: كَانَتْ أَكْثَرَهُنَّ عِلْمًا
قَالَ: الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ
النِّسَاءِ لكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ. (5)
وَقَالَ: عَطَاءٌ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ
النَّاسِ رَأْيًا فِي الْعَامَّة. (6)
وَذَكَرَ أَبُوْعُمَر بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللهُ: أَنَّهَا
كَانَتْ وَحِيْدَةَ عَصْرِهَا فِيْ ثَلَاثَةِ عُلُوْم:
عِلْمِ الْفِقْهِ
وَعِلْمِ الطِّبِّ
وَعِلْمِ الشِّعْرِ. (7)
وَقَالَ: أَبُوْ بَكْرٍ، الْبَزَّار فِيْ مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عَمْرو
بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا خَلَّادُ بْن يَزَيْد ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَبُوْغَرَازَةَ زَوْجُ خَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِيْ عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ:
قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَنِّيْ لَأَتَفَكَّرُ فِيْ أَمْرِكِ فَأَعْجَبُ؛
أَجِدُكُ مِنْ أَفْقَهِ النَّاسِ فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُهَا زَوْجَةُ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَة أَبِيْ بَكْرٍ
وَأَجِدُكِ عَالِمَةً بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَنَسابِهَا وَأَشْعَارِهَا
فَقُلْتُ: وَمَا يَمْنَعُهَا وَأَبُوْهَا عَلَّامَةُ قُرَيْشٍ وَلَكِنْ
إِنَّمَا أَعْجَبُ أَنْ وَجَدْتُكِ عَالِمَةً بِالطِّبِّ فَمِنْ أَيْنَ؟
فَأَخَذْتُ بِيَدَيَّ وَقَالَتْ: يَا عَرِيَّةُ
__________
(1) أخرجه البخاري، الصحيح، المناقب، باب فضل عائشة:3491
(2) أخرجه ابن حبان في الصحيح، باب بيان:7232
(3) . فِي المطبوع من المستدرك مصدر المؤلف: ثَوْب
(4) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/10، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله:6728
(5) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9 / 243، ونسبه للطبراني،
وقال: رجاله ثقات، وهو في سير أعلام النبلاء 2/185 و " المستدرك على
الصحيحين" 4 / 11.
(6) أخرجه الحاكم، المستدرك5/442،،:6748 وسكت عنه الذهبي في التلخيص
(7) انظر: مسند إسحاق بن راهويه 2/30
(1/56)
إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ كَثُرَسُقْمُهُ
فَكَانَ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يَنْعِتُوْنَ لَهُ فَتَعَلَّمْتُ
ذَلِكَ.
قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيْثُ لَا نَعْلَمُهُ مَرْوِيًّا عَنْ عَائِشَةَ
إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. (1)
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُخْتَلَفٌ فِيْهِ لَكِنْ رَوَاهُ
أَبُوْنُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
ثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةُ الزُّبَيْريُّ ثَنَا هِشَام بْنُ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيْهِ بِهِ.
وَرَدَ فِي [مُسْتَدْرَكِ] الْحَاكِمِ نَحْوُهُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيْل
عَنْ هِشَام وَقَالَ: صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِيْ مُخْتَصَرهِ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. (2)
الثَّالِثُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: كَانَتْ أَفْصَحَهُنَّ لِسَانًا
عَنْ مُوْسَى بْنِ طَلْحَة قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ
عَائِشَةَ.
أَخْرَجَهُ التِّرْمَذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ.
(3)
... وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيْرِيْنَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْن قَيْسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ وَالْخُلَفَاءِ
كُلِّهِمْ هَلُمَّ جَرًّا إِلَى يَوْمِيْ هَذَا فَمَا سَمِعْتُ الْكَلَام
مِنْ فَمِ مَخْلُوْقٍ أَفْخَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ عَائِشَةَ.
أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ. (4)
وَسَاقَ أَبُو الْفَرَجِ فِي "التَّبْصَرَةِ" لَهَا كَلَامًا طَوِيْلًا
مُوَشَّحًا بِغَرَائِبِ اللُّغَةِ وَالْفَصَاحَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ زَهْرِ الْآَدَابِ (5) : لَمَّا تُوُفِّيَ الصِّدِّيْقُ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَفَتْ عَائِشَةُ عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَتْ: نَضَّرَ
اللهُ وَجْهَكَ يَا أَبَتِ وَشَكَرَ لَكَ صَالِح سَعْيِكَ فَلَقَدْ كُنْتَ
لِلدُّنْيَا مُذِلًّا بِإِدْبَارِكِ عَنْهَا وَلِلْآَخِرَةِ مُعِزًّا
بِإِقْبَالِكَ عَلَيْهَا وَلَئِنْ كَانَ أَجَلَّ الْحَوَادِثِ بَعْدَ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَزْؤُكَ وَأَعْظَمَ
الْمَصَائِبِ بَعْدَهُ فَقَدْكَانَ كِتَابُ اللهِ
__________
(1) .
(2) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/218، الطب،:7426 وقال:
هذاحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
(3) . أخرجه الترمذي، السنن، المناقب، باب فضل عائشة:3819
(4) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/12، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله:6732
(5)
(1/57)
لَيَعِدُ بِحُسْنِ الصَّبْرِ عَنْكَ حُسْنَ
الْعِوَضِ مِنْكَ وَأَنَا أَسْتَنْجِزُ مَوْعُوْدَ اللهِ فِيْكَ
بِالصَّبْرِ وَأَسْتَقْضَيْهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَكَ أَمَا لَئِنْ
كَانُوْا قَامُوْا بِأَمْرِالدُّنْيَا لَقَدْ قُمْتُ بِأَمْرِ الدِّيْنِ
لَمَّا وَهَى شُعَبُهُ وَتَفَاقَمَ صَدْعُهُ وَرَجُفَتْ جَوَانِبُهُ
فَعَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ تَوْدِيْعَ غَيْرِ قَالِيَةٍ لِحَيَاتِكَ وَلَا
زَارِيَةٍ عَلَى الْقَضَاءِ فِيْكَ.
الرَّابِعُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: أَنَّ الْأَكَابِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ
إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمُ الْأَمْر فِي الدِّيْنِ اسْتَفْتَوْهَا
فَيَجِدُوْنَ عِلْمَهُ عِنْدَهَا.
قَالَ: أَبُوْمُوْسَى الْأَشْعَرِيّ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا -أَصْحَاب
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثٌ قَطُّ
فسَأَلَنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا.
أَخْرَجَهُ التِّرْمَذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ. (1)
وَقَالَ: مَسْرُوْقٌ: رَأَيْتُ مَشِيْخَةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسَأَلَوْنَهَا عَنِ الْفَرَائِضِ. (2)
الْخَامِسُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: جَاءَ فِيْ حَقِّهَا: خُذُوْا شَطْرَ
دِيْنِكُمْ عَنِ الْحُمَيْرَاءِ" وَسَأَلَتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ
عِمَادَالدِّيْنِ ابْنَ كَثِيْر رَحِمَهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَ
شَيْخنَا حَافِظُ الدُّنْيَا أَبُوالْحَجّاجِ الْمِزِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ
يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٍ فِيْهِ "الْحُمَيْرَاءُ" بَاطِلٌ إِلَّا
حَدِيْثًا فِي الصَّوْم فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ. (3)
قُلْتُ: وَحَدِيْثٌ آَخَرُ فِي [سُنَنِ] النَّسَائِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِيْ
سَلَمَة قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ الْحَبشَةُ الْمَسْجِدَ
يَلْعَبُوْنَ فَقَالَ لِيْ: يَا حُمَيْرَاءُ أتُحِبِّيْنَ أَنْ تَنْظُرِيْ
إِلَيْهِمْ" الْحَدِيْث. (4)
وَإِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِيْ مُسْتَدْرَكِهِ حَدِيْثَ ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوْجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِيْنَ
فضَحِكَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ: انْظُرِْيْ يَا حُمَيْرَاء أَلَّا تَكُوْنِيْ
أَنْتِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ:
__________
(1) .
(2) .
(3) .
(4) .
(1/58)
إِنْ وَلِيْتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا
فَارْفُقْ بِهَا. وَقَالَ: صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ. (1)
وَذَكَرَها الشَّيْخ أَبُوْ إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيّ فِي طَبَقَاته فِي
جُمْلَةِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ. (2)
وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ رُوِيَتْ
عَنْهُمُ الْفَتَاوَى فِي الْأَحْكَام فِيْ مَزِيَّةِ كَثْرَةِ مَا نَقَلَ
عَنْهُمْ قَدَّمَ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَة. (3)
... وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُوْحَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيْدِ
الْقُرَشِيُّ الْمِيَانَشِيُّ فِيْ كِتَابِ "إِيْضَاحُ مَإِلَّا يَسَعُ
المحَدِّثَ جَهْلُهُ": اشْتَمَلَ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَى
أَلْف حَدِيْثٍ وَمِائَتَيْ حَدِيْثٍ مِنَ الْأَحْكَام فَرَوَتْ عَائِشَةُ
مِنْ جُمْلَةِ الْكِتَابَيْنِ مِائَتَيْنِ وَنَيِّفًا وَتِسْعِيْنَ
حَدِيْثًا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْأَحْكَام مِنْهَا إِلَّا الْيَسِيْرُ.
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُوْعَبْد اللهِ: فَحُمِلَ عَنْهَا رُبْعُ
الشَّرِيْعَةِ.
قَالَ: أَبُوْحَفْصٍ: وَرُوِيَنَا بِسَنَدِنَا عَنْ بَقِيِّ بْنِ مُخَلَّدٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْ
حَدِيْثٍ وعَشْرَةَ أَحَادِيْثَ. وَالَّذِيْنَ رَوَوْا إِلَّالُوْفَ عَنْ
رَسُوْلِ اللهِ أَرْبَعَةٌ:
أَبُوْ هُرَيْرَةَ
وَعَبْد اللهِ بْنُ عَمْرٍو
وَأَنَس بْنُ مَالِكٍ
وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
السَّادِسُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: لَمْ يَنْكَحِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً أَبَوَاهَا مُهَاجِرَانِ بِلَا خِلَافٍ
سِوَاهَا.
__________
(1) . انظر: المستدرك عَلَى الصحيحين للحاكم3/129، كتاب معرفة الصحابة، ذكر
إِسْلَام أمير المؤمنين علي رضي الله ِعنه:4610
(2) .
(3) .
(1/59)
السَّابِعُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: أَنَّ
أَبَاهَا وَجَدَّهَا صَحَابِيَّانِ وَشَارَكَهَا فِيْ ذَلِكَ جَمَاعَة
قَلِيْلُوْنَ.
قَالَ: مُوْسَى بْنُ عُقْبَةَ: لَا نَعْرِفُ أَرْبَعَةً أَدْرَكُوْا
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ إِلَّا
هَؤُلَاءِ إِلَّارْبَعَةُ فَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍالصِّدِّيْقَ وَأَبَاه
وَابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَابْنَهُ مُحَمَّدًا أَبَا عَتِيْقٍ.
حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ
وَالْأَرْبَعِيْنَ مِنْ عُلُوْمِهِ.
وَكَذَا صَاحِبُ الْفِرْدَوْسِ؛ وَقَالَ: وَلَا نَعْلَمُ مِنَ الْعَشْرَةِ
أَحَدًا أَسْلَمَ أَبُوْهُ عَلَى يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَفْرَدَ ابْنُ مَنْدَه جُزْءًا فِيْ مَنْ رَوَى عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَوَلَدُهُ وَوَلَدُ
وَلَدِهِ وَاشْتَرَكُوْا فِيْ رُؤْيَتِهِ وَصُحْبَتِهِ وَالسِّمَاع مِنْهُ
وَبَدَأَ بِوَالِدِ الصِّدِّيْقِ أََبِيْ قُحَافَةَ وَرَوَى لَهُ حَدِيْثًا
ثُمَّ بالصِّدِّيْقِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُم
حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيْلَ وَابْنُهُ زَيْد بْنُ حَارِثَةَ وَابْنُهُ
أُسَامَةَ بْنُ زَيْد حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد
اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِيْ
بَكْرٍالصِّدِّيْقِ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ المُسْلِمُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً صَرَفَ اللهُ
عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِّنَ الْبَلَاءِ: الْجُنُوْنُ وَالْجُذَامُ
وَالْبَرَصُ" الْحَدِيْث.
ثُمَّ قَالَ: لَا اعْلَمْ لِعَبْد اللهِ بْنِ أَبِيْ بَكْرٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيْث.
وَفِيْ إِسْنَادِهِ ضُعْفٌ وَإِرْسَأَلَ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثَنَاعَبْد اللهِ بْنُ أَبِيْ بَكْرٍ
فَأَسْنَدَ عَنْهُ حَدِيْثًا فِيْ إِسْنَادِهِ نَظَرٌ يَرْوِيْهِ عُثْمَانُ
بْنُ الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنُ عَنْ رِجَالٍ ضُعَفَاءَ.
قَالَ: الْمُنْذِرِيُّ: وَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيْثَانِ آَخَرَانِ
(1/60)
غَيْرَ هَذَا الْحَدِيْث:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ بِكْرٍ وَزَوْجِهَا، زَوَّجَهَا أَبُوْهَا وَهِيَ
كَارِهَةٌ" الْحَدِيْث.
الثَّانِيْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا
يُجْلَدَ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِيْ حَدٍّ مِنْ حُدُوْدِ
اللهِ.
وَهَذَانِ الْحَدِيْثانِ يَرْوِيْهِمَا عَنْهُ الْمُهَاجِرُ بْنُ
عِكْرَمَةَ الْمَخْزُوْمِيُّ، وَعِنْدِيْ فِيْ سِمَاعِ الْمُهَاجِرِ هَذَا
مِنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِيْ بَكْرٍ نَظَرٌ فَإِنَّ عَبْدَ اللهِ قَدِيْمُ
الْوَفَاةِ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِيْ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ
مِنَ الْهِجْرَة وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِيْ تُوُفِّيَ فِيْهَا رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ. وَالْأًوَّل أَشْهَرُوَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْمَدِيْنَةِ
وَنَزَلَ حُفْرَتَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ
اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمْ.
الثَّامِنُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: كَانَ أَبُوْهَا أَحَبَّ الرِّجَالِ
إِلَيْهِ وَأَعَزَّهُمْ عَلَيْهِ
التَّاسِعُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: أَنَّ أَبَاهَا أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ مَالِكٌ؛ فَقَالَ: وَهَلْ فِيْ ذَلِكَ شَكٌّ؟
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ ذَلِكَ أَيْضًا.
أَخْرَجَهُ أَبُوْذَرٍّ فِيْ كِتَابِ "السُّنَّةِ" لَهُ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحنفِيَّةِ
قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِيْ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: أَبُوْ بَكْرٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: عُمَرُ" وَخَشِيْتُ أَنْ يَقُوْلَ: عُثْمَانُ.
قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟
قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِّنَ الْمُسْلِمِيْنَ. (1)
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي التَّفْضِيْل بَيْنَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَسَاوِيْهِمَا فِي الْفَضِيْلَةِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيْدٍ الْقَطَّانُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيْ كِتَابِ الصَّحَابَةِ
أَنَّ السَّلَف اخْتَلَفُوْا
(1/61)
فِيْ تَفْضِيْلِ أَبِيْ بَكْرٍ وَعَلِيٍّ
فَقَدْ غَلَطَ فِيْ ذَلِكَ وَوَهِمَ؛ لَاسِيِّمَا وَثَبَتَ بِأَنَّ مَنْ
كَانَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ مِنَ السَّلَف أَبُوْسَعِيْدٍ الْخُدْرِيُّ.
وَهَذَا بَعِيْدٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِيْ زَمَانِ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍثُمَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ثُمَّ نَتْرُكُ
أَصْحَاب رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ
بَيْنَهُمْ.
وَقَدْأَنْكَرَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ صِحَّة هَذَا الْخَبَروَقَالَ:
إِنَّهُ غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ هَارُوْنِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعت
يَحْيَى بْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: أَبُوْ بَكْرٍ وَعُثْمَانُ
وَعَلِيٌّ وَعَرَفَ لِعَلِيٍّ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ فَهُوَ صَاحِبُ
سُنَّةٍ. وَمَنْ قَالَ: أَبُوْ بَكْرٍوَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ
وَعَرَفَ لِعُثْمَانَ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ".
فَذَكَرْتُ لَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ: أَبُوْ بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَيَسْكُتُوْنَ. فَتَكَلَّمَ فِيْهِمْ بِكَلَامٍ
غَلِيْظٍ. (1)
وَهَذَا عَجِيْبٌ لِأَنَّ ابْنَ مَعِيْنٍ إِنَّمَا أَنْكَرَعَلَى رَأْيِ
قَوْمٍ لَا عَلَى نَقْلِهِمْ وَهَؤُلَاءِ القَوْمُ الْعُثْمَانِيَّةُ
الْمُغَالُوْنَ فِيْ عُثْمَانَ وَذَمِّ عَلِيٍّ. وَمَنْ قَالَ: ذَلِكَ
وَاقْتَصَرَ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَا شَكّ أَنَّهُ مَذْمُوْمٌ وَلَيْسَ فِي
الْخَبَرمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَيْسَ بِخَيْرِ النَّاسِ
بَعْدَهُمْ.
الثَّانِي: خِلَافُ قَوْلِ أَهْل السُّنَّةِ إِنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ
النَّاسِ بَعْدَ عُثْمَانَ. هَذَا لَا خِلَافَ فِيْهِ وَإِنَّمَا
اخْتَلَفُوْا فِيْ تَفْضِيْلِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ.
قَالَ: وَاخْتَلَفَ السَّلَف أَيْضًا فِيْ تَفْضِيْلِ عَلِيٍّ وَأَبِيْ
بَكْرٍ.
... وَفِيْ إِجْمَاعِ الْجَمَاعَةِ الَّتِيْ ذَكَرْنَا دَلِيْلٌ عَلَى
أَنَّ حَدِيْثَ ابْنَ عُمَرَ وَهْمٌ غَلَطٌ.
وَهَذَا أَعْجَبُ مِنَ الْأًوَّل فَإِنَّ الْحَدِيْث صَحِيْحٌ أَوْرَدَهُ
الْأَئِمَّة الْبُخَارِيُّ
فَمَنْ دُوْنَهُ فِيْ كُتُبِهِمِ الصِّحَاحِ.
وَالْحَامِلُ لَهُ
(1/62)
عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ حَدِيْثَ
ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِيْ أَنَّ عَلِيًّا لَيْسَ بِأَفْضَلَ بَعْدَ
عُثْمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَسْكُوْتٌ عَنْهُ.
الثَّلَاثُوْنَ: كَانَ لَهَا يَوْمًانِ وَلَيْلَتَانِ فِي الْقَسْمِ
دُوْنَهُنَّ لِمَا وَهَبَتْهَا سَوْدَةُ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا.
الْحَادِيْةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْضَبُ فَيَتَرَضَّاهَا
وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا
الثَّانِية وَالثَّلَاثُوْنَ: لَمْ تَرْوِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ
فِي الْأَقْضِيَةِ مِنَ الْحَاوِيْ عَنْ أَبِيْ حَنِيْفَةَ أَنَّهُ لَا
يَنْقُلُ مِنْ أَحَادِيْثِ النِّسَاءِ إِلَّا مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ
وَأُمّ سَلَمَةَ وَهُوَغَرِيْبٌ.
الثَّالِثُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: كَانَ يَتْبَعُ رِضَاهَا كَلَعْبِهَا
بِاللُّعَبِ وَوَقُوْفِهِ فِيْ وَجْهِهَا لِتَنْظُرَ إِلَى الْحَبَشَةِ
يَلْعَبُوْنَ. وَاسْتَنْبَطَ الْعُلَمًاءُ مِنْ ذَلِكَ أَحْكَامًا
كَثِيْرةً فَمَا أَعْظَمَ بَرَكَتُهَا.
الرَّابِعُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّهَا أَفْضَلُ امْرَأَةٍ مَاتَ عَنْهَا
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا خِلَافٍ.
وَاخْتَلَفُوْا فِي التَّفْضِيْل بَينَهَا وَبَيْنَ خَدِيْجَةَ عَلَى
وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّيْ فِي "التَّتِمَّةِ".
وَقَالَ: الْآمَدِيُّ فِيْ "أَبْكَارِ الْإِفْكارِ": مَذْهَب أَهْل
السُّنَّةِ إِنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِيْنَ.
وَقَالَتِ الشِّيْعَةُ: أَفْضَلُ زَوْجَاتِهِ: خَدِيْجَةُ؛ وَأَفْضَلُ
نِسَاءِ الْعَالَمِيْنَ: فَاطِمَة، وَمَرْيَم وَآَسِيَة.
وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِيْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا مَالَ إِلَيْهِ
الطِّبّرِيُّ فِيْ تَعْلِيْقِهِ فِي
(1/63)
الْأُصُوْل.
وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ خَدِيْجَةَ بأَنَّهَا أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلَاما
كَمَا نَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ لَهَا
تَأْثِيْرًا فِي الْإِسْلَام وَكَانَتْ تُسَلِّيْ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْذُلُ دُوْنَهُ مَالَهَا فَأَدْرَكَتْ
غُرَّةَ الْإِسْلَام وَاحْتَمَلَتِ إِلَّاذَى فِي اللهِ وَرَسُوْلِهِ
وَكَانَتْ نُصْرَتُهَا لِلرَّسُوْلِ فِيْ أَعْظَمَ أَوْقَاتِ الْحَاجّةِ
فَلَهَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا.
قَالَ: أَبُوْ بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ: وَلِإِنَّ عَائِشَةَ أقْرَأَهَا
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ مِنْ
جِبْرِيْلَ وَخَدِيْجَةَ أَقْرَأَهَا جِبْرِيْلُ السَّلَامَ مِن رَّبِّهَا
عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَفْضَلُ.
وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ عَائِشَةَ بِأَنَّ تَأْثِيْرَهَا فِيْ آَخِرِ
الْإِسْلَام فَلَهَا مِنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّيْنِ وَتَبْلِيْغِهِ إِلَى
الْأُمَّةِ وَانْتِفَاعِ بَنِيْهَا بِمَا أَدَّتْ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْم
مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا.
قَالَ: السُّهَيْلِيّ: وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيْ فَضْلِهَا عَلَى
النِّسَاءِ حَدِيْثُ "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ
الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" يَعْنِيْ كَمَا أَخْرَجَهُ
الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ قَالَ: وَأَرَادَ بالثَّرِيْدِ:
اللَّحْمَ.
كَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ فِيْ جَامِعِهِ مُفَسَّرًا عَنْ قَتَادَةَ-
وَأَبَان يَرْفَعُهُ- فَقَالَ: فِيْهِ: كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ باللَّحْمِ.
وَوَجْهُ التَّفْضِيْلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيْث أَنَّهُ قَالَ: فِيْ
حَدِيْثٍ آَخَرَ: سَيِّدُ أُدُوْمِ الدُّنْيَا وَالْأُخَرةِ اللَّحْمُ"
مَعَ أَنَّ الثَّرِيْدَ إِذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ فَهُوَ ثَرِيْدُ
اللَّحْمِ.
أَنْشَدَ سِيْبَوَيْهِ:
إِذَا مَا الْخُبْز تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ ... ... فَذَاكَ أَمَانَةُ اللهِ
الثَّرِيْدُ
قَالَ: وَلَوْلَا قَوْلُهُ فِيْ خَدِيْجَةَ: وَاللهِ مَا أَبْدَلَنِيَ
اللهُ خَيْرًا مِنْهَا"لَقُلْنَا بِتَفْضِيْلِهَا عَلَى خَدِيْجَةَ وَعَلَى
نِسَاءِ الْعَالَمِيْنَ.
وَهَذَا الْحَدِيْث الَّذِيْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه
فِيْ سُنَنِهِ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيْد الْخَلَّال
الدِّمَشْقِيّ
(1/64)
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِح حَدَّثَنِيْ
سُلَيْمَان بْن عَطَاء الجرزي حَدَّثَنِيْ مَسْلَمَة الْجُهَنِيّ عَنْ
عَمِّهِ أَبِيْ مُشَجِّعَةٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيِّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا
وَأَهْلِ الْجَنَّة: اللَّحْمُ. (1)
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي "مُشْكَله": الْعَرَبُ تُفَضِّلُ
الثَّرِيْدَ لِأَنَّهُ أَمْهَلُ فِيْ تَنَاوُلِهِ وَلِأَنَّهُ جَوْهَرُ
الْمَرَقِ" (2) فَلَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْحَسَنِ.
وَقَالَ: الشَّيْخُ أَبُوْعَمْرِو ابْنِ الصَّلَاحِ فِيْ طَبَقَاتِهِ:
رُوِيْنَا عَنِ الْإِمَام أَبِي الطَّيِّبِ سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيّ أَنَّهُ
قَالَ فِيْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَضْلُ
عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ
الطَّعَامِ" أَرَادَ فَضْلَ ثَرِيْدِ عَمْرِوالعُلَى الَّذِيْ عَظُمَ
نَفْعُهُ وَقَدْرُهُ وَعَمَّ خَيْرُهُ وَبِرُّهُ وَبَقِيَ لَهُ
وَلِعَقِبِهِ ذِكْرٌ حَتَّى قَالَ فِيْهِ الْقَائِلُ:
عَمْرُوالْعُلَى هَشَمَ الثَّرِيْدَ لِقَوْمِهِ ... ... وَرِجَالُ مَكَّةَ
مُسْتَنُّوْنَ عِجَافٌ
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: أَبْعَدَ سَهْلٌ فِيْ تَأْوِيْل الْحَدِيْث
وَالَّذِيْ أَرَاهُ أَنَّ مَعْنَاهُ ثَرِيْدُ كُلِّ طَعَامٍ عَلَى بَاقِيْ
ذَلِكَ الطَّعَام. وَسَائِرٌ: بِمَعْنَى بَاقِيْ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ
خَيْرَ اللَّحْمِ قَدْ حَصَلَ فِيْهِ أَفْضَلُ مِنْهُ" ا. هـ.
... وَسُئِلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيْ أَمَالِيْهِ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْر وَلَمْ يَكْمُلْ
مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَم ابْنَة عِمْرَانَ وَآَسِيَةَ وَإِنَّ
فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ
الطَّعَامِ" هَلْ الْأَلْفُُ وَاللَّامُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ أَوْلَا؟
فَأَجَابَ: بِأَنَّ النِّسَاءَ فِي الْأًوَّل لِمَنْ عَدَا عَائِشَةَ وَفِي
الثَّانِيْ: لِمَنْ عَدَا مَرْيَم وَآَسِيَةَ فَلَا دَلَالَةَ فِيْهَا
عَلَى تَفْضِيْلِ أَحَدِ الْقَبِيْلَيْنِ عَلَى آَخَرَ كَقَوْلِكَ: زَيْد
أَفْضَلُ الْقَوْمِ وَعَمْرٌو أَفْضَلُ الْقَوْمِ" فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى
أَنَّهُمَا أَفْضَلُ الْقَوْمِ وَلَا تَفْضِيْلَ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ
لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخَر.
(1/65)
فَائِدَة [الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ عَائِشَةَ
وَفَاطِمَة]
وَذَكَرَ الْأُسْتَاذ أَبُوالْمَنْصُوْرالْبَغْدَاديّ أَحَدُ أَئِمَّةِ
أَصْحَابِنَا فِيْ كِتَابِ "إِلَّاصُوْلُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ"كَلَامًا فِيْ
فَضْلِ عَائِشَةَ وَفَاطِمَة قَالَ: فَكَانَ شَيْخنَا أَبُوْسَهْلٍ
مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصُّعْلُوْكِيُّ وَابْنُهُ سَهْلٌ
يُفَضِّلَانِ فَاطِمَةَ عَلَى عَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَلِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ رِسَالَة فِي ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا لَا
شَكَّ فِيْهِ وَقَدْ قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاطِمَة
بُضْعَةٌ مِّنِّيْ" وَلَا نَعْدِلُ بِبُضْعَةٍ مِّنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا" كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَاوُدَ.
فَائِدَة [زَوْجَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ
النِّسَاءِ]
أَمَّا زَوْجَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُنَّ أَفْضَلُ
النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ} قَالُوْا: وَيَجِبُ الْوَقْفُ هُنَا ثُمَّ
يَبْتَدِأُبِالشرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنِ اتَّقَيْتُنَّ" وَجَوَابُهُ:
فَلَا تَخْضَعْنَ" دُوْنَ مَا قَبْلَهُ بَلْ حَكَمَ اللهُ
بِتَفْضِيْلِهِنَّ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًامِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ
أَبْلَغُ فِيْ مَدْحِهِنَّ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَابَعْدَهُ.
فَإِنْ قِيْلَ: رُوِيَ كُلٌّ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الدَّرَجَة فإِذَا كَانَتْ
عَائِشَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ دَرَجَتِهِ
وَفَاطِمَة مَعَ عَليٍّ فِيْ دَرَجَتِهِ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا
كَتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ.
قِيْلَ: قَالَ: الْإِمَام فِي"الشَّامِلِ": هَذَا لَا يَترى لِأَنَّهُ
معُلُوْمٌ إِنَّ عَائِشَةَ لَا تَكُوْنُ فِيْ دَرَجَتِهَا كَدَرَجَةِ
النَّبُوَّةِ.
فَإِنْ قُلْتَ: هِيَ فِيْ مَنَازِلِ إِلَّاتْبَاعِ.
قُلْتُ: هَذَا لَا يُعْطِيْ فَضِيْلَةً مُتَأَصِّلَةً وَلَوْ كَانَتِ
الْفَضِيْلَةُ بِهَذَا الْقَدْر لَكَانَ يَتَعَدَّى هَذَا إِلَى كُلِّ مَنْ
خَدَمَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبِعَهُ
وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ.
(1/66)
الْخَامِسُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّ
عُمَرَ فَضَّلَهَا فِي الْعَطَاءِ عَلَيْهِنَّ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ
فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ جِهَةِ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ
لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِيْنَ عَشْرَةَ آلَافٍ وَزَادَ عَائِشَةَ
أَلْفَيْنِ وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيْبَة رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (1)
... ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ: صَحِيْحٌ
عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ لِإِرْسَالِ مُطَرِّف بْنِ
طَرِيْفٍ. (2)
حَاشِيَةٌ:
سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيْ عِللِهِ عَنْ حَدِيْثِ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ
عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ فَرَضَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَشْرَةَ آلَافٍ؟ فَقَالَ: يَرْوِيْهِ أَبُوْ إِسْحَاقَ
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ أَبِيْ إِسْحَاقَ عَنْ
مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ وَتَابَعَهُ إِسْرَائِيْل ورَوَاهُ
لْأَعْمَش عَنْ أَبِيْ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَن عُمَر وَلَمْ
يُسَمِّ أَحَدًا وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَإِسْرَائِيْلَ صَحِيْحٌ.
السَّادِسُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: فَضْلُ عِبَادَتِهَا
قَالَ الْقَاسِمُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَصُوْمُ الدَّهْرَ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ مَرَّةً إِلَى عَائِشَةَ بِمِائَةِ
أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَسَمَتْهَا [حَتَّى] لَمْ تَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا
فَقَالَتْ بَرِيْرَةُ: أَنْتِ صَائِمَةٌ فَهَلَّا ابْتَعْتِ لَنَا مِنْهَا
بِدِرْهَمٍ لَحْمًا؟ قَالَتْ: لَوْذَكَّرْتِنِيْ (3) لَفَعَلْتُ.
رَوَاهُ الْحَاكِمُ. (4)
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: وَإِنَّ عَائِشَةَ تَصَدَّقَتْ بِسَبْعِيْنَ
أَلْفَ دِرْهَمٍ وَإِنَّهَالَتَرْفَعُ جَانِبَ دِرْعِهَا أَيْضًا.
وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا عَلَى ثَلَاثِ فَضَائِلَ: فَضْلُ عِبَادَتِهَا
وَجُوَدِهَا وَزُهْدِهَا.
السَّابِعُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: شِدَّةُ وَرَعِهَا
فِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ شُرَيْحا لَمَّا سَأَلَهَا عَنِ الْمَسْح
عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ: ائْتِ عَلِيًّا فَإِنَّهُ اعْلَمْ بِذَلِكَ
مِنِّيْ
__________
(1) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/9، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله ِ:6723
(2) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/9، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله ِ:6724
(3) . فِي المطبوع من المستدرك مصدر المؤلف: لَوْ أَنِّيْ ذَكَرْتُ الخ
(4) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/15، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله:6745
(1/67)
وَذَكَرَ أَهْلُ الْمَغَازِيْ مِنْهُمْ
سَعِيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيْدٍ إِلَّامَوِيُّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُا لَمَّا دُفِنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيْ حُجْرَتِهَا
صَارَتْ تَحْتَجِبُ مِنَ الْقَبْرِ فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُا.
وَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ فِيْ مُسْتَدْرَكِهِ ثَنَا أَبُوْأُسُامَةَ عَنْ
هِشَامٍ: وَاللهِ مَا دَخَلْتُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُوْدٌ عَلَيَّ
ثِيَابِيْ حَيَاءً مِنْ عُمَرَ" وَقَالَ: صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. (1)
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عِمَادُالدِّيْنِ بْنُ كَثِيْرٍ: وَوَجْهُ
هَذَا مَا قَالَهُ شَيْخنَا الْإِمَام أَبُوالْحَجّاجِ الْمِزِّيُّ أن
الشُّهَدَاءكالْأَحْيَاءِ فِي قُبُوْرِهِمْ وَهَذِهِ أَرْفَعُ دَرَجَةً
فِيْهِمْ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَأَيْضًا فَإِنَّ حِجَابَهُنَّ كَثِيْفٌ غَلِيْظٌ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُنَّ.
فَإِنْ قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى التِّرْمَذِيُّ عَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُا
قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ
مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: يَعْنِيْ
قَصِيْرَةٌ. فَقَالَ لَهَاالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ"
قَالَ: التِّرْمَذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيْحٌ. (2)
أَيْ يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيْحُهُ لِشِدَّةِ نَتْنِهَا
فَالْجَوَاب: إِنَّمَا صَدَرَ هَذَا القَوْلُ عَنْ عَائِشَةَ مَعَ وَفُوْر
فَضْلِهَا وَكَمَالِ عَقْلِهَا لِفَرَطِ الْغَيْرَةِ الْغَرِيْزِيَّةِ
الَّتِيْ جُبِلَتْ عَلَيْهَا القُلُوْبُ الْبَشَرِيَّةُ.
وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي إِلَّاكْمَالِ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ
أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَمَتْ زَوْجَهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَة
الْغَيْرَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ. قَالَ: وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا تَدْرِي الْغَيْرَاءُ
أَعْلَى الْوَادِيْ مِنْ أَسْفَلِهِ.
__________
(1) . أخرجه الحاكم فِي المستدرك عَلَى الصحيحين4/8، كتاب معرفة الصحابة،
تسمية أزواج رسول الله:6721 وسكت عنه الذهبي
(2) .
(1/68)
وقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِيْ مَنَاقِبِ
عُمَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ فِيْ مَرَضِ مَوْتِهِ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ إِلَى
عَائِشَةَ أَنَّ عُمَرَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ وَيَسْتَأْذِنُكَ أَنْ
يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَدْتُهُ
لِنَفْسِيْ وَلَأُوْثِرَنَّهُ عَلَى نَفْسِيْ. (1)
وَقَدْ اسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِيْثَارَ بِالْقَبْرِ مِنْ خِلَافِ
شِيَمِ الصَّالِحِيْنَ كَمَنْ يُؤْثِرُ بِالصَّفِّ الْأًوَّل وَيَتَأَخَّرُ
هُوَ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَيِّت يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ بِمَوْتِهِ
فَلَا (؟؟) الْإِيْثَارُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَقْرُبُ مَا هُوَ
(؟؟) إِنَّمَا هَذَا إِيْثَارٌ (؟؟) فِيْهِ بِالْإِيْثَارِ بِهِ قُرْبَةً
إِلَى اللهِ (؟؟) فَهِمَتْ بِقَرِيْنَةِ الْحَالِ أَنَّ الْحَدِيْث
الْمَشْهُوَرَ أَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ (؟؟) .
الثَّامِنُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّهَا سَمِعَتْهُ يَقُوْلُ فِيْ يَوْمٍ
مِنَ الْأَيَّامِِ فَقَدَهَا: وَاعَرُوْسَاهُ فَجَمَعَهَا اللهُ عَلَيْهِ.
ذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِيْنَ فِيْ كِتَابِ السُّنَّةِ.
وَوَجِعَتْ يَوْمًا فَقَالَتْ: وَارَأْسَاهُ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ".
فَفِيْهِ إِشَارَةٌ لِلْغَايَةِ فِي الْمُوَافِقةِ حَتَّى تَأَلَّمَ
بِأَلَمِهَا فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَهَا بِصِدْقِ مَحَبَّتِهَا حَتَّى
وَاسَاهَا فِي الْأَلَمِ. وَفَهِمَ مَنْ (؟؟) لَهُ عَلَى الْأَمْر
بِالصَّبْرِ (؟؟) بِيْ مِنَ الْوَجَعِ مِثْلُ مَا بِكِ فَتَأَسِّيْ بِيْ
فِي الصَّبْرِ وَعَدَمِ الشِّكْوَى. وَالظَّاهِرُ الْأًوَّل.
وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَدُ فِيْ مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنِيْ عَبْدُ اللهِ
حَدَّثَنِيْ أَبِي عَنْ (2) وَكِيْعٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ عَنْ
__________
(1) .
(2) . فِي المطبوع من المسند: حَدَّثَنَا" مكان "عن"
(1/69)
مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّيْ رَأَيْتُ بِيَاضَ كَفِّ
عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ. (1)
أَخْرَجَهُ الطَّبْرَانِيّ فِيْ مُعْجَمِهِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ عَنِ
إِلَّاسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُهَوِّنُ عَلَيَّ مَنِيَّتِيْ أَنْ أُرِيْتُ
عَائِشَةَ زَوْجَتِيْ فِي الْجَنَّةِ.
التَّاسِعُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: تَسَابُقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا
رَوَاهُ:
أَبُوْدَاوُدَ (2)
وَالنَّسَائِيُّ (3)
وَابْنُ مَاجَهْ (4)
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَفِيْهِ فَائِدَةٌ جَلَيْلَة وَهِيَ جَوَازُ السَّبْقِ مِنَ النِّسَاءِ
خِلَافًا لِّمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي "الْإِفْصَاحِ" (5) أَنَّهُ
لَا يَجُوْزُ السَّبْقُ وَالرَّمْيُ مِنَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ
مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَقَدْ نَقَلَهُ الرَافِعيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَأَقَرَّاهُ.
وَهُوَمُشْكَلٌ بِمَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنْ يُخَصَّصَ الْمَنْعُ
بِمُسَابَقَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ.
الْأَرْبَعُوْنَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى اخْتَارَهَا لِرَسُوْلِهِ.
قَالَ أَبُوالْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيْ كِتَابِ "فُتُوْحُ
الْفُتُوْحِ": افْتَخَرَتْ زَيْنَبُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ فَقَالَتْ:
كُلُّكُنَّ زَوَّجَهَا أَبُوْهَا وَأَنَا زَوَّجَنِيْ رَبِّيْ"-تُشِيْرُ
إِلَى قَوْلِهِ: {زَوَّجْنَاكَهَا} (6) - وَأَنَا أَتُوْبُ.
فَقَالَ: يَا زَيْنَبُ لَقَدْ صَدَقْتِ وَلَقَدْ شَارَكَتْكِ عَائِشَةُ
فِيْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَ صُوْرَتَهَا فِيْ سَرَقَةٍ مِنْ
حَرِيْرٍمَعَ جِبْرِيْلَ فَجَلَّاهَا فَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ" فَهَذَا
تَزْوِيْجٌ مَطْوِيٌّ فِيْ سِرِّ الْقَدْرِ ظَهَرَ أَثَرُهُ يَوْمَ عُقِدَ
الْعَقْدُ غَيْرَ إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مِنِ اخْتِيَارِ اللهِ
لِرَسُوْلِهِ وَكُنْتِ - يَا زَيْنَبُ! - مِنِ اخْتِيَار الرَّسُوْلِ
لِنَفْسِهِ.
__________
(1) . أخرجه أحمد، المسند/، مسند السيدة عَائِشَة رضي الله ِعنها:23925
(2) . أخرجه أبوداود، السنن، الجهاد، باب السبق عَلَى الرجل:2214
(3) . أخرجه النسائي، السنن المجتبى،، باب:
(4) . أخرجه ابن ماجه، السنن، النكاح، باب حسن معاشرة النساء:1969
(5) .
(6) . الأحزاب:37
(1/70)
|