الأدلة
الرضية لمتن الدرر البهية في المسائل الفقهية [الكتاب الثاني] : كتاب الصلاة
[الباب الأول: مواقيت الصلاة]
أول وقت الظهر الزوال1، وآخره مصير ظل الشيء مثله سوى فيء الزوال، وهو أول
وقت العصر، وآخره ما دامت الشمس بيضاء نقية، وأول وقت المغرب غروب الشمس،
وآخره ذهاب الأحمر2 وهو أول العشاء، وآخره نصف الليل، وأول وقت الفجر إذا
انشق الفجر وآخره طلوع الشمس3، ومن نام عن صلاته، أو سها عنها فوقتها حين
__________
1 الزوال: تحول الشمس عن كبد السماء إلى جهة الغرب، وعلامته زيادة الظل بعد
تناهي نقصانه.
2 الشفق: بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة، وقال
الخليل: الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الأخير، فإذا ذهب قيل:
غاب الشفق. وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب كأنه الشفق، وكان
أحمر. مختار الصحاح ص144.
3 تعيين أول أوقات الصلاة وآخرها قد ثبت في الأحاديث الصحيحة. "منها": ما
أخرجه الترمذي "1/ 281 رقم 150"، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والنسائي
"1/ 255 رقم 513" وغيرهما، عن جابر بن عبد الله أن جبريل أتى النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى الظهر حين زالت الشمس، وأتاه حين كان الظل
مثل شخصه فصنع كما صنع، فتقدم جبريل ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خلفه والناس خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس فتقدم جبريل ورسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه والناس خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فصلى المغرب، ثم أتاه حين غاب الشفق فتقدم جبريل ورسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه والناس خلف رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى العشاء، ثم أتاه حين انشق الفجر فتقدم
جبريل ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه والناس خلف رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى الغداة، ثم أتاه اليوم الثاني
حين كان ظل الرجل مثل شخصه فصنع مثل ما صنع بالأمس، فصلى الظهر، ثم أتاه
حين كان ظل الرجل مثل شخصيه فصنع كما صنع بالأمس، فصلى العصر، ثم أتاه حين
وجبت الشمس فصنع كما صنع بالأمس فصلى المغرب، فنمنا، ثم قمنا، ثم نمنا، ثم
قمنا، فأتاه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العشاء، ثم أتاه حين امتد الفجر
وأصبح والنجوم بادية مشتبكة فصنع كما صنع بالأمس فصلى الغداة، ثم قال: ما
بين هاتين الصلاتين وقت" وهو حديث صحيح. انظر الهامش "104".
(1/44)
يذكرها1 ومن كان معذورًا2 وأدرك ركعة فقد
أدركـ[[ـها]] (*)
والتوقيت واجب 4
__________
= تنبيه: قال الإمام الشوكاني في "السيل الجرار" "1/ 185": "ولقد ابتلي
زمننا هذا من بين الأزمنة، وديارنا هذه من بين ديار الأرض بقوم جهلوا
الشرع، وشاركوا في بعض فروع الفقه، فوسعوا دائرة الأوقات، وسوغوا للعامة أن
يصلوا في غير أوقات الصلاة، فظنوا أن فعل الصلاة في غير أوقاتها شعبة من
شعب التشيع، وخصلة من خصال المحبة لأهل البيت فضلوا وأضلوا، وأهل البيت
رحمهم الله براء من هذه المقالة مصونون عن القول بشيء منها. ولقد صارت
الجماعات الآن تقام في جوامع صنعاء للعصر بعد الفراغ من صلاة الظهر،
وللعشاء في وقت المغرب، وصار غالب العوام لا يصلي الظهر والعصر إلا عند
اصفرار الشمس. فيالله وللمسلمين من هذه الفوارق في الدين" اهـ.
1 للحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه "2/ 70 رقم 597" واللفظ له، ومسلم
"1/ 477 رقم 684" وغيرهما، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا
ذلك"، {وَأَقِمُ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] .
2 كالنائم، والناسي، والمكره ...
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 57 رقم 580" ومسلم "1/ 423 رقم 161/ 607"
وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 56 رقم 579" ومسلم "1/ 424 رقم 163/ 608"
وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة
من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
تنبيه: أخرج الإمام مسلم (1 / 434 رقم 195 / 622) وغيره
عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ، حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ،
وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، قَالَ:
أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا
السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ، قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ، فَقُمْنَا،
فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: تِلْكَ صَلاَةُ الْمُنَافِقِ،
يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ
الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا
إِلاَّ قَلِيلاً.
4 لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا
مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ؛ ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن
الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين واجبًا مكتوبًا عليهم، في أوقات محددة
أوضحتها السنة إيضاحًا كليًّا، منها: ما أخرجه مسلم "1/ 429 رقم 178/ 614".
عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه
أتاه سائل عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئًا. قال: فأقام الفجر حين انشق
الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا. ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت
الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام
بالعصر =
__________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: ما بين [[المعكوفين المزدوجين]] زدته على
أصل النسخة الإلكترونية، نقلا عن ط دار الهجرة - صنعاء (الطبعة الأولى -
1411 هـ - 1991 م)
(1/45)
....................................................
__________
= والشمس مرتفعة. ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من
الغد حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخر الظهر
حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل
يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر
العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: "الوقت بين
هذين". انظر هامش "ص44".
وقد غفل المؤلف أمورًا تتعلق بمواقيت الصلاة:
1- استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر؛ لحديث جابر بن سمرة
قال: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الظهر إذا دحضت
-أي زالت- الشمس" وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "5/ 106" ومسلم رقم "618" وأبو
داود رقم "806" وابن ماجه رقم "674".
2- استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛
فإن شدة الحر من فيح جهنم" وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "2/ 238، 256"
والبخاري رقم "533" و"534" ومسلم رقم "615".
3- استحباب التبكير بالعصر؛ لحديث أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى
العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "3/ 131، 169"
والبخاري رقم "550" ومسلم رقم "621".
4- إثم من أخر العصر إلى الاصفرار؛ لحديث أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تلك صلاة المنافقين يجلس يرقب الشمس حتى
إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله إلا قليلًا"،
وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "3/ 149" ومسلم رقم "622" وأبو داود رقم "413"
والترمذي رقم "160" والنسائي "1/ 254".
5- إثم من فاتته صلاة العصر؛ لحديث ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله"،
وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم "552" ومسلم رقم "200/ 626".
6- استحباب تعجيل المغرب وكراهة تأخيرها: لحديث سلمة بن الأكوع "أن رسول
الله كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب"، وهو حديث صحيح أخرجه
أحمد "4/ 51" والبخاري رقم "561" ومسلم رقم "636".
7- استحباب تأخير العشاء ما لم تكن مشقة؛ لحديث عائشة قالت: أعتم النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام
أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: "إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي" وهو
حديث صحيح أخرجه مسلم رقم "219/ 638" والنسائي "1/ 267".
8- كراهة النوم قبل العشاء، والسمر بعدها إلا في مصلحة؛ لحديث أبي برزة
الأسلمي: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستحب أن يؤخر
العشاء التي يدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وهو
حديث صحيح أخرجه أحمد "4/ 421" والبخاري رقم "547" ومسلم رقم 237"، ولحديث
عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمر عند أبي
بكر الليلة، كذلك في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه"، وهو حديث صحيح أخرجه
أحمد "1/ 26، 34" والترمذي رقم "169" وحسنه.
9- استحباب التغليس بالفجر؛ لحديث عائشة قالت: كنَّ نساءُ المؤمنات يشهدن
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر متلفعات بمروطهن،
ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس" وهو حديث
صحيح أخرجه أحمد "6/ 33" والبخاري رقم "578" ومسلم رقم "645".
(1/46)
والجمع لعذر جائز1 والمتيمم وناقص الصلاة
أو الطهارة يصلون كغيرهم من غير تأخير2، وأوقات الكراهة بعد الفجر حتى
ترتفع الشمس، وعند الزوال، وبعد العصر حتى تغرب3.
__________
1 وهو السفر؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 582 رقم 1112" ومسلم "1/ 489
رقم 704" عن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يجمع
بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر، ثم ركب".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 572 رقم 1091" ومسلم "1/ 489 رقم 45" عن
عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها
وبين العشاء".
وأما الجمع للمريض، والخائف، وفي المطر، فلم يرد في ذلك دليل يخصه إلا ما
يفهم من قول الرواة لحديث الجمع بالمدينة؛ فإنهم قالوا: "من غير خوف ولا
سفر ولا مطر". أخرج البخاري "رقم 518- البغا" ومسلم "1/ 489 رقم 49/ 705"
عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر
والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا في غير خوف ولا سفر"، وفي رواية:
"ولا مطر" وقد استدلوا على جواز الجمع لهم بقياسهم على المسافر وليس بقياس
صحيح، ولو كان صحيحًا لجاز لهم قصر الصلاة، وقد مرض النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينقل إلينا أنه جمع بين الصلوات. وكذلك ما نقل
إلينا أنه سوغ لأحد من المرضى جمع الصلوات" قاله الشوكاني في السيل الجرار
"1/ 193".
2 بلا خلاف. "انظر السبيل الجرار "1/ 192-193".
3 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 568 رقم 293/ 831" وغيره عن عقبة بن عامر
الجهني قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى
ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب".
بازغة: يطلع قرصها. قائم الظهيرة: اشتداد الحر وأصله أن البعير إذا كان
باركًا قام من شدة الحر. تزول: تميل عن وسط السماء. تضيف: تميل حال
اصفرارها.
فائدة: وتكره الصلاة في وقتين آخرين وهما: بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة
العصر؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 61 رقم 586" ومسلم "1/ 567 رقم 288/
827" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة
بعد العصر حتى تغيب الشمس".
والنهي في هذا الحديث محمول على ما لا سبب له؛ للحديث الذي أخرجه البخاري
"3/ 105 رقم 1233" ومسلم "1/ 57 رقم 297/ 834" عن أم سلمة رضي الله عنها
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى ركعتين بعد العصر، فسألته عن
ذلك فقال: "يا بنت أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس
من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان".
(1/47)
[الباب الثاني] : باب الأذان والإقامة
يشرع لأهل كل بلد أن يتخذوا مؤذنًا أو أكثر1 ينادي بألفاظ الأذان
المشروعة2، عند دخول وقت الصلوات3،
__________
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 363 رقم 531"، والترمذي "1/ 410 رقم
209"، والنسائي "2/ 23 رقم 672"، وابن ماجه "1/ 236 رقم 714" وغيرهم عن
عثمان بن أبي العاص، قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: "أنت
إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا". وهو حديث
صحيح.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 337 رقم 449"، وابن ماجه "1/ 232 رقم
706" وغيرهما عن عبد الله بن زيد، قال: لما أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناقوس يعمل؛ ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا
نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس، قال: وما
تصنع به؟ فقلت: تدعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟
فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله
أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا
رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة؛ حي على الصلاة، حي
على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. قال:
ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله
أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة،
حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا
إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فأخبرته بما رأيت، فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع
بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتًا منك". فقمت مع بلال،
فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج
يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى،
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فلله الحمد". وهو حديث
حسن.
3 إلا الأذان للفجر قبل دخول وقتها؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 103 رقم
621" ومسلم "2/ 768 رقم1093" عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يمنعن أحدكم -أو أحدًا منكم- أذان بلال من
سحوره؛ فإنه يؤذن -أو: "ينادي" - بليل، ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم".
قلتُ: ويشرع التثويب في الأذان الأول للفجر، الذي يكون قبل دخول الوقت؛
لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: "كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة
خير من النوم مرتين". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "1/ 423" والطحاوي في
شرح معاني الآثار "1/ 137"، وحسن إسناده الحافظ، وفي رواية لأبي داود "1/
341 رقم105" عن أبي محذورة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، في الأولى من الصبح". وهي
رواية صحيحة.
قلتُ: وعلى هذا ليس: "الصلاة خير من النوم" من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء
إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ
النائم، في الأذان الأول قبل دخول الوقت.
(1/48)
ويشرع لكل سامع للأذان أن يتابع المؤذن1،
ثم تشرع الإقامة على الصفة الواردة2.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 90 رقم 611". ومسلم "1/ 288 رقم 383"
وغيرهما: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: $"إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 91 رقم 613" والنسائي "2/ 25 رقم 677"
واللفظ له، عن علقمة بن أبي وقاص قال: إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه، فقال
معاوية: كما قال المؤذن حتى إذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة
إلا بالله، فلما قال: حي على الفلاح. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال
بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: "سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يقول مثل ذلك".
وأما ما يقال بعد النداء: فقد أخرج البخاري "8/ 399 رقم 4719"، وأبو داود
"1/ 362 رقم 529" وابن ماجه "/239 رقم 722" والترمذي "1/ 413 رقم 211"
والنسائي "2/ 26 رقم 680"، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب
هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه
مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 82 رقم 605" ومسلم "1/ 286 رقم 2/ 378" عن
أنس رضي الله عنه قال: "أُمِرَ بلالٌ أن يَشفَع الأذان وأن يوتر الإقامة
إلا الإقامة".
وقد أغفل المؤلف أمورًا تتعلق بالأذان والإقامة:
1- يستحب للمؤذن أن يؤذن وهو قائم؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يا بلال قم فناد بالصلاة"، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم
"604" ومسلم رقم "377".
2- يستحب للمؤذن أن يؤذن وهو مستقبل القبلة، قال ابن المنذر في "الأوسط"
"3/ 28 م 353": "أجمع أهل العلم على أن السنة أن تستقبل القبلة بالأذان"
اهـ.
3- يستحب إدخال الأصبع في الأذن عند الأذان؛ لحديث أبي جحيفة قال: رأيت
بلالًا يؤذن ويدور، ويتبع فاه ها هنا، وها هنا، وإصبعاه في أذنيه" وهو حديث
صحيح أخرجه الترمذي رقم "197" وابن ماجه رقم "711" وانظر الإرواء "230".
4- يستحب للمؤذن أن يلتفت برأسه وعنقه يمينًا، عند قوله: "حي على الصلاة"
وشمالًا عن قوله: "حي على الفلاح"؛ لحديث أبي جحيفة قال: أتيت النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة، وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم،
قال: فخرج بلال بوضوئه، ممن نائل، وناضح، قال: فخرج النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه. قال: فتوضأ
وأذن بلال. قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا "يقول: يمينًا وشمالًا"
يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح ... " وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم
"634" ومسلم رقم "249/ 503"
(1/49)
[الباب الثالث] : باب [شروط الصلاة]
ويجب على المصلي تطهير ثوبه1 وبدنه2 ومكانه من النجاسة3 وستر عورته4
__________
1 لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] ، وللحديث الذي أخرجه
أحمد "3/ 112 رقم 418- الفتح الرباني" وابن ماجه "1/ 180 رقم 542" عن جابر
بن سمرة قال: سأل رجل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يصلي في
الثوب الذي يأتي فيه أهله؟ قال: "نعم، إلا أن يرى فيه شيئًا فيغسله" وهو
حديث صحيح.
2 لحديث أسماء بنت أبي بكر انظر هامش "ص26".
3 لحديث أبي هريرة انظر هامش "ص25".
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 421 رقم 641" والترمذي "2/ 215 رقم 377"
وقال=
(1/50)
ولا يشتمل الصماء1 ولا يسدل2 ولا يسبل3 ولا
يكفت4 ولا يصلي في ثوب حرير5،
__________
= حديث حسن وابن ماجه "1/ 215 رقم 655" وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها، عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا يقبل الله صلاة حائض
إلا بخمار"، وهو حديث صحيح.
الحائض: هي التي بلغت، وسميت حائضًا؛ لأنها بلغت سن الحيض. الخمار: ما تغطي
به المرأة رأسها، وإذا وجب ستر الرأس فستر غيره أولى ودل على هذا ما أخرجه
البخاري "رقم: 365- البغا" ومسلم "رقم: 645" عن عائشة رضي الله عنها قالت:
"لقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الفجر، فيشهد
معه نساء من المؤمنات، متلفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن
أحد".
متلفعات: ملتحفات: أي مغطيات الرؤوس والأجساد. مروطهن: جمع مرط، وهو ثوب من
خز أو صوف أو غيره، وقيل هو الملحفة، ولأحاديث النهي عن الصلاة في الثوب
الواحد ليس على عاتق المصلي منه شيء؛ منها ما أخرجه البخاري "1/ 471 رقم
359" ومسلم "1/ 368 رقم 516".
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لا يصلي أحدكم في الثواب الواحد ليس على عاتقيه شيء"، ومنها ما
أخرجه البخاري "1/ 471 رقم 360" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أشهد أني
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من صلى في ثوب
فليخالف بين طرفيه".
1 الذي أخرجه البخاري "رقم: 360- البغا" عن أبي سعيد الخدري أنه قال: نهى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اشتمال الصماء، وأن يحتبيَ
الرجل في ثوب واحد، ليس على فرجه منه شيء".
اشتمال الصماء: هو أن يتلفف بالثوب حتى يجلل به جميع جسده، ولا يرفع شيئًا
من جوانبه فلا يمكنه إخراج يده إلا من أسفله، سمي بذلك؛ لسده المنافذ كلها
كالصخرة الصماء. يحتبي: من الاحتباء، وهو أن يجلس على إليتيه، وينصب ساقيه،
ويشد فخذيه وساقيه إلى جسمه بثوب يلفه، وقد كان هذا من عادة العرب في
أنديتهم.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 423 رقم 643" والترمذي "2/ 217 رقم 378"
وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "نهى عن السدل في الصلاة" وهو حديث حسن. السدل: هو إسبال الرجل
ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه، بل يلتحف به ويدخل يديه من داخل فيرجع
ويسجد وهو كذلك.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "10/ 257 رقم 5788" عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ينظر الله يوم
القيامة إلى من جر إزاره بطرًا".
الإسبال: هو أن يرخي إزاره حتى يتجاوز الكعبين.
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 297 رقم 812" ومسلم "1/ 354 رقم 490" من
حديث ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ولا
يكفت الثياب ولا الشعر".
كفت الثوب: هو أن يأخذ طرف ثوبه، فيغرزه في حجرته. كفت الشعر: هو أن يأخذ
منه خصلة مسترسلة فيكفتها في شعر رأسه.
5 للحديث الذي أخرجه الترمذي "4/ 217 رقم 1720" وقال حديث حسن صحيح وهو كما
قال، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم". وفي رواية
النسائي "8/ 161 رقم 5148" قال: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على
ذكورها".
(1/51)
ولا ثوب شهرة1 ولا مغصوب2، وعليه استقبال
الكعبة إن كان مشاهدًا لها أو في حكم المشاهد3، وغير المشاهد يستقبل الجهة
بعد التحري4.
__________
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود 4/ 314 رقم 4029" وابن ماجه "2/ 1192 رقم
3607" عن ابن عمر، قال في حديث شريك يرفعه، قال: "من لبس ثوب شهرة ألبسه
الله يوم القيامة ثوبًا مثله" زاد عن أبي عوانة: "ثم تلهب فيه النار". وهو
حديث حسن.
2 لكونه ملك الغير وهو حرام بالإجماع.
3 لقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] . وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا قام إلى الصلاة استقبل الكعبة في الفرض والنفل
وأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فقال للمسيء صلاته: "إذا قمت
إلى الصلاة فأسبع الوضوء، ثم استقبِلِ القبلة فكبِّرْ" أخرجه البخاري "11/
36 رقم 6251" ومسلم "1/ 298 رقم 46/ 397" وغيرهما.
4 لاستقبال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خروجه من مكة
المكرمة وشرع للناس ذلك. وقد أخرج الترمذي "2/ 171 رقم342" وابن ماجه "1/
323 رقم1011" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهو حديث صحيح.
(1/52)
[الباب الرابع] : باب كيفية الصلاة
لا تكون شرعية إلا بالنية1 وأركانها كلها مفترضة2 إلا قعود التشهد
__________
1 لحديث عمر بن الخطاب انظر هامش "ص33".
2وهي:
1- النية.
2- القيام.
3- تكبيرة الإحرام.
4- قراءة الفاتحة.
5- الركوع والطمأنينة فيه.
6- الاعتدال والطمأنينة فيه.
7- السجود والطمأنينة فيه.
8- والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه.
9- القعود الأخير.
10- التشهد في القعود الأخير.
11- التعوذ من أربع.
12- التسليم عن اليمين.
أما دليل النية: فحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر هامش "ص33".
وأما دليل القيام: فحديث عمران بن حصين قال: "كانت بي بواسير، فسألت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة، فقال: "صل قائمًا، فإن لم
تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب ". أخرجه البخاري "2/ 587 رقم 1117".
وأما دليل التكبير؛ فحديث علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير،
وتحليلها التسليم" أخرجه أبو داود "1/ 88- مع العون". والترمذي "1/ 36- مع
التحفة" وابن ماجه "1/ 101 رقم 275" وهو حديث حسن.
(1/52)
الأوسط1،
__________
= وأما دليل قراءة الفاتحة: فحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب". أخرجه البخاري "2/ 236 رقم 756" ومسلم "1/ 295 رقم 394" وغيرهما.
وأما دليل الركوع، والاعتدال، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة
فيهم: فحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا دخل المسجد- ورسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في ناحية المسجد -فصلى ثم جاء فسلم
عليه، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وعليك
السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل"، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم، فقال: "وعليك
السلام فارجع فصل فإنك لم تصل". فقال في الثانية -أو في التي بعدها- علمني
يا رسول الله، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبِلِ القبلة
فكبِّرْ، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم
ارفع حتى تستوي قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن
جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". أخرجه
البخاري11/ 36 رقم 6251، ومسلم 1/ 298 رقم 397.
أما دليل القعود الأخير: فحديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة صلاته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ... وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم
رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته". أخرجه البخاري "2/ 305 رقم
828".
وأما دليل التشهد في القعود الأخير: فحديث عبد الله بن مسعود، قال: "كنا
إذا صلينا خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا: السلام على
جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان. فالتفت إلينا رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم
فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتموها أصابت
كل عبد لله صالح في السماء والأرض. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن
محمدًا عبده ورسوله". أخرجه البخاري "2/ 311 رقم 831" ومسلم "1/ 301 رقم
402" وغيرها.
قلتُ: لقد ورد في صيغة التشهد روايات عدة كلها صحيحة -انظرها في كتابنا:
"إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة- وأصحها تشهد ابن مسعود
المتقدم.
وأما دليل التعوذ من أربع: فحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من
أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر. ومن فتنة
المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال". أخرجه مسلم "1/ 412 رقم 128/
588". وغيره.
وأما دليل التسليم عن اليمين وعن الشمال: فحديث عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم عن يمينه وعن
شماله حتى يرى بياض خده: "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة
الله" وهو حديث صحيح. أخرجه أبو داود "1/ 606 رقم 996" والترمذي "2/ 89 رقم
295" والنسائي "3/ 63 رقم 1324" وابن ماجه "1/ 296 رقم 914" وغيرهم.
1 فإنه سنة؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "3/ 92 رقم 1224-1225" ومسلم "1/
399 رقم 570 وغيرهما، عن عبد الله بن بُحينة رضي الله عنه أنه قال: "إن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من اثنتين من الظهر لم
يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك".
(1/53)
[والاستراحة] 1، ولا يجب من أذكارها إلا
التكبير2 والفاتحة في كل ركعة3 [ولو كان مؤتمًا] 4، والتشهد الأخير5
والتسليم6، وما عدا ذلك فسنن، وهي الرفع من المواضع الأربعة7 والضم8،
__________
1 فإنها سنة؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 302 رقم 823" وغيره عن أبي
قلابة قال: أخبرنا مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي
قاعدًا".
2 انظر هامش "6" ص52، الرقم "3".
3 انظر الهامش "6" ص52، الرقم "4".
4 قلتُ: المذهب الراجح في هذه المسألة، أن قراءة الفاتحة تجب على من لم
يسمع الإمام، ومن سمع لزمه الإنصات؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
[الأعراف: 204] . وللحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 304 رقم 63" من حديث أبي
موسى الأشعري، وفيه: "وإذا قرأ -أي الإمام- فأنصتوا".
5 انظر الهامش "6" ص52، الرقم "10". قلتُ: أما دليل وضع اليدين في حالة
التشهد: فحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى، وقبض أصابعه كلها،
وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى". أخرجه
مسلم "1/ 408 رقم 116/ 579" وغيره.
6 انظر الهامش "6" ص52، الرقم "12".
7 أي عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الاعتدال من الركوع، وعند
القيام إلى الركعة الثالثة؛ للأحاديث التالية:
1- أخرج البخاري "2/ 219 رقم 736" ومسلم "1/ 292 رقم 22/ 390". عن ابن عمر
قال: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة رفع
يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يُكَبِّر".
2- أخرج البخاري "2/ 219 رقم 737" ومسلم "1/ 293 رقم 25/ 391"، عن مالك بن
الحويرث قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه
إذا كبر وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، حتى يبلغ بهما فروع أذنيه".
3- أخرج البخاري "2/ 222 رقم 739". عن نافع "أن ابن عمر كان إذا دخل في
الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال سمع الله لمن حمده ورفع
يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
8 الضم لليدين: هو وضع اليمنى على اليسرى حال القيام على الصدر. للحديث
الذي أخرجه مسلم "1/ 301 رقم54/ 401". عن وائل بن جحر، أنه رأى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه حين دخل في الصلاة. كبر "وصف
همام حيال أذنيه" ثم التحف بثوبه. ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد
أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما. ثم كبر فركع. فلما قال: "سمع الله
لمن حمده" رفع يديه فلما سجد، سجد بين كفيه.
وصف همام حيال أذنيه: مدخل بين المتعاطفين. أدخله عفان بن مسلم يحكى عن
همام أنه بين صلة الرفع برفع يديه إلى قبالة أذنيه وحذائهما.
(1/54)
والتوجه بعد التكبيرة1 والتعوذ2 والتأمين3،
وقراءة غير الفاتحة معها4، والتشهد الأوسط5، والأذكار الواردة في كل ركن6
والاستكثار من الدعاء بخيرَي
__________
1 لأنه لم يأت في ذلك خلاف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما ما يتوجه به، فقد أخرج البخاري "2/ 227 رقم 744" ومسلم "5/ 96- بشرح
النووي" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة -قال: أحسبه قال
هنية- فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟
قال: "أقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب،
اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسل خطاياي
بالماء والثلج والبرد".
2 لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . وللحديث الذي أخرجه الترمذي "2/ 9
رقم 242" وأبو داود "1/ 490 رقم 775" والنسائي "2/ 132" وابن ماجه "2/ 364
رقم 804" عن أبي سعيد الخدري قال: " ... ثم يقول: "أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه" وهو حديث صحيح.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 266 رقم 781" ومسلم "1/ 307 رقم 75/ 410"
وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء آمين،
فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه".
وربما تفيد أحاديث التأمين الوجوب على المؤتم إذا أمَّن إمامه، كالحديث
الذي أخرجه البخاري "8/ 159 رقم 4475" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ، فقولوا: آمين فمن وافق قوله
قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
4 في الركعتين الأوليين؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 260 رقم 776" ومسلم
"1/ 333 رقم 451". عن أبي قتادة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين
الأخريين بأم الكتاب. ويسمعنا الآية، ويطوِّل في الركعة الأولى ما لا يطول
في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح".
5 انظر هامش "ص53".
6 كتكبير الركوع والسجود والرفع والخفض. وذكر الركوع والسجود، والذكر بين
السجدتين للأحاديث التالية:
- أخرج البخاري "2/ 272 رقم 789" ومسلم "1/ 293 رقم 28/ 392". عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: "سمع الله لمن
حمده" حين يرفع صلبه من الركوع. ثم يقول وهو قائم: "ربنا ولك الحمد" ثم
يكبر حين يهوي ساجدًا. ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد. ثم يكبر
حين يرفع
(1/55)
الدنيا والآخرة بما ورد، وبما لم يرد1.
__________
رأسه. ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من
المثنى بعد الجلوس. ثم يقول أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- أخرج مسلم في صحيحه "4/ 195- بشرح النووي" عن ابن عباس رضي الله عنه أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رفع رأسه من الركوع قال:
"اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من
شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا
ينفع ذا الجد منك الجد".
- أخرج مسلم "1/ 536 رقم203/ 772" وغيره عن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذات ليلة ... وفيه: ثم ركع،
فجعل يقول: $"سبحان ربي العظيم"، ثم سجد فقال: "سبحان ربي الأعلى".
- أخرج الترمذي "1/ 530 رقم 850" وأبو داود "2/ 76 رقم 284" وابن ماجه "1/
290 رقم 898" وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بين السجدتين في صلاة الليل: "رب اغفر لي
وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني" وهو حديث صحيح.
1 لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي أخرجه مسلم
"1/ 301 رقم 402" من حديث عبد الله بن مسعود: " ... ثم يتخير من المسألة ما
شاء". وفي لفظ البخاري "2/ 320 رقم 835": " ... يتخير من الدعاء أعجبه إليه
فيدعو". فقد جعل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمصلي الاختيار في
الدعاء بما شاء.
(1/56)
[الباب الخامس:
متى تبطل الصلاة وعمن تسقط]
[الـ] فصل [الأول: مبطلات الصلاة]
وتبطل الصلاة بالكلام1،
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "3/ 72 رقم 1200" ومسلم "1/ 383 رقم 35/ 539"
عن زيد بن أرقم، قال: كنا نتكلم في الصلاة: يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه
في الصلاة. حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا
بالسكوت ونهينا عن الكلام".
أما من لم يعلم بأن الكلام في الصلاة ممنوع، لا تبطل صلاته ولا يؤمر
بالإعادة. للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 381 رقم 33/ 537" عن معاوية بن الحكم
السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم. فقلت:
واشكل أمياه، ما شأنكم؟ تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.
فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن
تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرَني، ولا ضربني ولا شتمني. قال: "إن هذه
الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس؛ إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة
القرآن". كهرني: قالوا: القهر والكهر والنهر، متقاربة. أي ما قهرني ولا
نهرني.
وأما من تكلم ناسيًا أو ساهيًا فصلاته صحيحة ولا يؤمر بالإعادة؛ للحديث
الذي أخرجه البخاري "2/ 205 رقم 714" ومسلم "1/ 404 رقم 573". عن أبي هريرة
رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصرف من
اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟، فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أصدق ذو اليدين"؟ فقال الناس:
نعم، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى اثنتين
أخريين، ثم سلم ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول".
(1/56)
وبالاشتغال بما ليس منها1،
__________
1 وذلك مقيد بأن يخرج به المصلي عن هيئة الصلاة. وفي الأحاديث الآتية بعض
ما صدر منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أصحابه أثناء الصلاة:
1- أخرج البخاري "3/ 81 رقم 1211" عن الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز
نقاتل الحرورية -الخوارج- فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي، وإذا لجام
دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها -قال شعبة: هو أبو برزة
الأسلمي- فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف
الشيخ قال: إني سمعت قولكم، وإني غزوت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست غزوات وثمانيًا، وشهدت تيسيره، وإني إن كنت أن أرجع
مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي".
2- أخرج مسلم "1/ 390 رقم 58/ 554" عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبيه،
قال: صليت مع رسول الله فرأيته تنخَّع، فدلكها بنعله".
3- أخرج البخاري "1/ 590 رقم 516" ومسلم "1/ 385 رقم 41/ 543" عن أبي قتادة
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي وهو حامل أمامة
بنت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأبي العاص
ابن الربيع، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها، قال يحيى: قال مالك: نعم.
4- أخرج أبو داود "1/ 566 رقم 921" والترمذي "2/ 233 رقم 390" وقال: حديث
حسن صحيح، والحاكم "1/ 256" وصححه ووافقه الذهبي، والنسائي "3/ 10 رقم
1202" وابن ماجه "1/ 394 رقم 1245" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقتلوا الأسودين في الصلاة
الحية والعقرب" وهو حديث صحيح.
5- أخرج النسائي "2/ 229 رقم1141" عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج
علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى صلاتي العشاء
وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني
صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال: "كل ذلك
لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته" وهو حديث صحيح.
6- أخرج أبو داود "1/ 566 رقم 922" والترمذي "2/ 497 رقم 601" وقال: حسن
غريب. والنسائي "3/ 11 رقم 1206". عن عائشة قالت: "جئت ورسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في البيت، والباب عليه مغلق، فمشى حتى فتح
لي، ثم رجع إلى مكانه، ووصفت الباب في القبلة" وهو حديث حسن.=
(1/57)
وبترك شرط1 أو ركن عمدًا2
__________
= 7- أخرج البخاري "1/ 491 رقم 382" ومسلم "1/ 367 رقم 272/ 512". عن عائشة
رضي الله عنها، قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي. وإذا قام بسطتهما.
قالت: والبيوت يومئذ ليس بها مصابيح.
8- أخرج البخاري "1/ 486 رقم 377" ومسلم "1/ 386 رقم 44/ 544". عن أبي حازم
قال: سألوا سهل بن سعد من أي شيء المنبر؟ فقال: ما بقي في الناس أعلم مني،
هو من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقام عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حين عمل ووضع فاستقبل القبلة، كبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع
وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض، ثم عاد إلى
المنبر، ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض. فهذا شأنه. قال
أبو عبد الله: قال علي بن عبد الله: سألني أحمد بن حنبل رحمه الله عن هذا
الحديث، قال: فإنما أردت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
أعلى من الناس، فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث. قال:
فقلت: إن سفيان بن عيينة كان يسأل عن هذا كثيرًا فلم تسمعه منه؟ قال: لا.
1 كالوضوء؛ فلأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط.
2 كالركوع أو السجود، وإذا ترك الركن فما فوقه سهوًا فعله، وإن كان قد خرج
عن الصلاة كما وقع منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ذي
اليدين، فإنه سلم على ركعتين ثم أخبر بذلك، فكبر الركعتين المتروكين. انظر
هامش "ص56"، ومن مبطلات الصلاة:
- الضحك: قال ابن المنذر في الإجماع ص40 رقم "48": "وأجمعوا على أن الضحك
يفسد الصلاة".
- الأكل والشرب عمدًا: قال ابن المنذر في الإجماع ص40 رقم "47": "وأجمعوا
على أن من أكل وشرب في صلاته الفرض عامدًا أن عليه الإعادة".
قلتُ: وكذلك في صلاة التطوع عند الجمهور؛ لأن ما أبطل الغرض يبطل التطوع.
(1/58)
[الـ] فصل [الثاني: على من تجب الصلوات
الخمس، وعمن تسقط]
ولا تجب على غير مكلف1
__________
1 وحَدُّ التكليف: الإسلام والبلوغ والعقل، ودل على شرط الإسلام ما أخرجه
البخاري"2/ 544 رقم 1425" ومسلم "1/ 50 رقم 29/ 19". عن ابن عباس رضي الله
عنه أن معاذًا قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك. فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس
صلوات في كل يوم وليلة ... ".
ودل على اشتراط العقل والبلوغ ما أخرج أبو داود "4/ 558 رقم 4398" والنسائي
"6/ 156 رقم 3432" وابن ماجه "1/ 657 رقم 2041" عن عائشة رضي الله عنها، عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "رفع =
(1/58)
وتسقط على من عجز عن الإشارة1 أو إغمي عليه
حتى خرج وقتها2 ويصلي المريض قائمًا ثم قاعدًا ثم على جنب3.
__________
= القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون
حتى يغفل" وهو حديث صحيح.
1 لأن إيجابها على المريض مع بلوغه إلى ذلك الحد هو من تكليف ما لا يطاق،
ولم يكلف الله تعالى أحدًا فوق طاقته.
2 لأنه غير مكلف في ذلك الوقت.
3 لحديث عمران بن حصين انظر هامش "ص52" رقم "6".
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 55 رقم 1569" والترمذي "2/ 292 رقم 427"
وقال: حديث حسن غريب، والنسائي "3/ 265 رقم 1814"، وابن ماجه "1/ 367 رقم
1160" عن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حافظ على أربع ركعات قبل
الظهر وأربع بعدها حُرِّمَ على النار". وهو حديث صحيح.
(1/59)
[الباب السادس] : باب صلاة التطوع
هي أربع قبل الظهر، وأربع بعده1، وأربع قبل العصر2، وركعتان بعد المغرب3،
وركعتان بعد العشاء4،
__________
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 55 رقم 1569" والترمذي "2/ 292 رقم 427"
وقال: حديث حسن غريب، والنسائي "3/ 265 رقم 1814"، وابن ماجه "1/ 367 رقم
1160" عن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حافظ على أربع ركعات قبل
الظهر وأربع بعدها حُرِّمَ على النار". وهو حديث صحيح.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 53 رقم 1271" والترمذي "2/ 295 رقم 430"
وقال: غريب حسن. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا". وهو حديث حسن.
6 للحديث الذي أخرجه ابن ماجه "1/ 368 رقم 1165" عن نافع بن خديج، قال:
أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بني عبد الأشهل،
فصلى بنا المغرب في مسجدنا ثم قال: "اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم". وهو
حديث حسن.
ويستحب أن يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم:
599 البغا" ومسلم "1/ 573 رقم303/ 837" عن أنس بن مالك قال: كان المؤذن إذا
أذن قام ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدرون
السواري، حتى يخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كذلك،
يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء.
قال عثمان بن جبلة، وأبو داود، عن شعبة: لم يكن بينهما إلا قليل.
7 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 504 رقم 105/ 730" عن عبد الله بن شقيق. قال:
سألت عائشة عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن
تطوعه.... وفيه: "ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين ... ".
ويستحب أن يصلي ركعتين قبل صلاة العشاء؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم
624- البغا" ومسلم "1/ 573 رقم 304/ 838". عن عبد الله بن مغفل قال: قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بين كل أذانين صلاة، بين كل
أذانين صلاة" ثم قال في الثالثة: "لمن شاء".
(1/59)
وركعتان قبل صلاة الفجر1 وصلاة الضحى2
وصلاة الليل3 وأكثرها ثلاث عشرة ركعة4، يوتر في آخرها5، وتحية المسجد6،
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "3/ 45 رقم 1169" ومسلم "1/ 501 رقم 94/ 724"
عن عائشة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن على شيء من
النوافل أشد معاهدة منه، على ركعتين قبل الصبح"، ويقرأ في ركعتي الفجر:
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 502 رقم 726" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ
يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
2 أقلها ركعتان؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 226 رقم 1981" ومسلم "1/
499 رقم 85/ 721" وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر،
وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام".
وأكثرها ثمانِ ركعات؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 578 رقم 1103"، ومسلم
"1/ 266 رقم 71/ 336" واللفظ له في حديث أم هانئ رضي الله عنها أنه لما كان
عام الفتح، أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بأعلى
مكة، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غسله، فسترت
عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه والتحف به، ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى أي صلاة
الضحى.
والأفضل أن يفصل بين كل ركعتين؛ لما جاء في رواية أبي داود "2/ 63 رقم
1290" عنها: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح صلى
سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين.
ووقتها المفضل حين يرتحل النهار وترمض الفصال؛ للحديث الذي أخرجه مسلم "1/
516رقم 144/ 748" وغيره عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرج رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل قباء وهم يصلون. فقال: "صلاة
الأوابين إذا رمضت الفصال". الأوابين؛ الأواب: المطيع. وقيل: الراجع إلى
الطاعة. ترمض: يقال رمِض يرمَض، كعلم يعلم. والرمضاء: الرمل الذي اشتدت
حراته بالشمس أي حين تحترق أخفاف الفصال، وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع
فصيل، وذلك من شدة حر الرمل.
3 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 821 رقم 202/ 1163" عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفضل الصيام
بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 509 رقم 124/ 737" عن عروة "أن عائشة أخبرته
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ثلاث عشرة ركعة،
بركعتي الفجر".
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 132 رقم 1422" والنسائي "3/ 238 رقم
1712" وابن ماجه "1/ 376 رقم 1190" وغيرهم عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الوتر حق على كل مسلم، فمن
أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر
بواحدة فليفعل". وهو حديث حسن صحيح.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 537 رقم 444" ومسلم "1/ 495 رقم 69/ 714"
وغيرهما. عن أبي قتادة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس".
(1/60)
والاستخارة1، وركعتان بين كل أذان وإقامة2.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "11/ 183 رقم 6382" وغيره عن جابر رضي الله
عنه قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنا
الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع
ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك،
وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام
الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري
-أو قال: "في عاجل أمري وآجله" - فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر
شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: "في عاجل أمري وآجله" -
فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضِّني به. ويسمي
حاجته".
2 لحديث عبد الله بن مغفل، انظر هامش "ص155".
(1/61)
[الباب السابع] : باب صلاة الجماعة
هي من آكد السنن1، وتنعقد باثنين2 وإذا كثر الجمع كان الثواب أكثر3،
وتصِحُّ بَعْدَ المفضول4
__________
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 131 رقم 645" ومسلم "1/ 450 رقم 650". عن
ابن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 191 رقم 698" ومسلم "1/ 525 رقم 763". عن
ابن عباس رضي الله عنه قال: "نِمْت عند ميمونة والنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها تلك الليلة فتوضأ ثم قام يصلي، فقمت على يساره،
فأخذني فجعلني عن يمينه ... ".
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 375 رقم 554"، والنسائي "2/ 104 رقم 843"
وغيرهما عن أبي بن كعب، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يومًا الصبح فقال: "أشاهد فلان"؟ قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان"؟
قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو
تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوًا على الركب، وإن الصف الأول على مثل
صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل
أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر
فهو أحب إلى الله تعالى". وهو حديث حسن بشواهده.
هاتين الصلاتين: هما العشاء والصبح. على مثل صف الملائكة: أي على أجر أو
فضل هو مثل أجر صف الملائكة أو فضله. لابتدرتموه: أي سبق كل منكم على آخر؛
لتحصيله.
6 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 317 رقم 105/ 274" من حديث المغيرة بن شعبة
وفيه: قال المغيرة: فأقبلت معه -أي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم، فأدرك رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إحدى الركعتين، فصلى مع الناس
الركعة الآخرة=
(1/61)
والأولى أن يكون الإمام من الخيار1، ويؤم
الرجلُ النساءَ لا العكس2، والمفترِضُ بالمتنفِّلِ والعكس3، وتجب المتابعة
في غير مبطل4، ولا يؤم الرجل قومًا هم له كارهون5.
__________
= فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين. فأكثروا التسبيح، فلما قضى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته أقبل عليهم ثم قال: "أحسنتم" أو
قال: "قد أصبتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.
فأفزع ذلك المسلمين: أي أوقعهم في الفزع، سبقهم النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة.
1 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 465 رقم 673" وغيره عن أبي مسعود الأنصاري:
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يؤم القوم أقرؤهم
لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة
سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلمًا، ولا
يُؤَمَّنَّ الرجلُ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" قال
الأشج في روايته مكان سلمًا: "سنًّا".
سلمًا: أي إسلامًا. تكرمته: قال العلماء: التكرمة الفراش ونحوه مما يسبط
لصاحب المنزل ويخص به.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 345 رقم 860" ومسلم "1/ 457 رقم 658"
وغيرهما عن أنس بن مالك، أن جدته مليكة دعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لطعام صنعته. فأكل منه. ثم قال: "قوموا فأصلي لكم"، قال
أنس بن مالك: فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس، فنضحته بماء.
فقام عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصففت أنا واليتيم
وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ركعتين، ثم انصرف.
ما لبس: إن لبس كل شيء بحسبه. واللبس هنا معناه الافتراش. واليتيم: اليتيم
اسمه: ضمير بن سعد الحميري. والعجوز: هي أم أنس، أم سليم.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 192 رقم 700" ومسلم "1/ 340 رقم 180" عن
جابر بن عبد الله: "أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يرجع فيؤم قومه" انظر هامش "ص61"، وهامش "2".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 208 رقم 722" ومسلم "1/ 309 رقم 414" عن
أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إنما جعل
الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله
لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا
جلوسًا أجمعون، وأقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصلاة".
قلتُ: أما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا صلى جالسًا فصلوا
جلوسًا" منسوخ فقد أخرج البخاري "2/ 166رقم 683" ومسلم "1/ 314 رقم 97/
418" عن عائشة قالت: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا
بكر أن يصلي بالناس في مرضه فكان يصلي بهم. قال عروة، فوجد رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفسه خفة، فخرج فإذا أبو بكر يؤم
الناس، فلما رآه أبو بكر استأخر فأشار إليه أن كما أنت فجلس رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذاء أبي بكر إلى جنبه، فكان أبو بكر
يصلي بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والناس يصلون
بصلاة أبي بكر".
5 للحديث الذي أخرجه الترمذي "2/ 193 رقم 360" عن أبي أمامة قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم:
العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له
كارهون". وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه وحسنه الألباني في صحيح
الترغيب والترهيب رقم "486".
(1/62)
ويصلي بهم صلاة أخفهم1، ويقدم السلطان ورب
المنزل، والأقرأ ثم الأعلم ثم الأسن2، وإذا اختلت صلاة الإمام كان ذلك عليه
لا على المؤتمين به3.
وموقفهم خلفه، إلا الواحد فعن يمينه4، [وإمامة النساء وسط الصف] 5،
ويُقدَّم صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء6، والأحق بالصف الأول أولو
الأحلام والنهى7، وعلى الجماعة أن يُسوُّوا صفوفهم، وأن يسدوا الخلل8،
ويتموا الصف الأول ثم الذي يليه، ثم كذلك9.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 199 رقم 703" ومسلم "1/ 341 رقم 467".
عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا
صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم
لنفسه فليطول ما شاء".
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 465 رقم 673" من حديث أبي مسعود انظر هامش
"ص62".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 187 رقم 694" عن أبي هريرة أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يصلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم،
وإن أخطأوا فلكم وعليهم".
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "4/ 2305 رقم 3010" عن جابر رضي الله عنه. وفيه:
".... ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه. ثم جاء جبار بن صخر
فتوضأ. ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدينا جميعًا. فدفعنا
حتى أقامنا خلفه..".
5 لما أخرج عبد الرزاق "3/ 141 رقم 5086" وابن أبي شيبة "2/ 89" والدارقطني
"1/ 404 رقم 2" والبيهقي "3/ 131" والحاكم "1/ 203" عن ريطة الحنفية أن
عائشة أمتهن وقامت بينهن في صلاة مكتوبة" سنده صحيح. قاله النووي في
الخلاصة.
6 لحديث أنس بن مالك، انظر هامش "ص62".
7 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 323 رقم 432". عن أبي مسعود، قال: كان رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول:
"استووا ولا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم. لِيَلِنِي منكم أولوا الأحلام والنهى.
ثم الذين يلونهم. ثم الذين يلونهم".
الأحلام والنُّهَى: أي ذوو الألباب والعقول. قال ابن الأثير: واحد الأحلام
حِلم بالكسر بمعنى الأناة والتثبت في الأمور. وذلك من شعار العقلاء.
والنُّهَى: جمع نهية، وهي العقل. وسمي العقل نهية؛ لأنه ينتهي إلى ما أمر
به. ولا يتجاوز.
8 الخَلَل "بفتحتين": الفرجة بين الشيئين والجمع خلال، مثل جبل وجبال، قاله
في المصباح؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 209 رقم 723" ومسلم "1/ 324 رقم
433". عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة".
8 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 322 رقم 430" وغيره عن جابر بن سمرة، قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا تَصُفُّون كما تصف
الملائكة عند ربهم جل وعز" قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: "يتمون
الصفوف المقدمة، ويتراصُّون في الصف".
(1/63)
الباب الثامن: باب سجود السه و1
هو سجدتان قبل التسليم2
__________
1 أسبابه ثلاثة:
1- الزيادة.
2- النقص.
3- الشك.
إذا زاد المصلي في صلاته قيامًا أو قعودًا أو ركوعًا أو سجودًا متعمدًا
بطلت صلاته، وإن كان ناسيًا ولم يذكر الزيادة حتى فرغ منها فليس عليه إلا
سجود السهو، وصلاته صحيحة. وإن ذكر الزيادة في أثنائها وجب عليه الرجوع
عنها وسجود السهو، وصلاته صحيحة. إذا سلم المصلي قبل تمام صلاته متعمدًا
بطلت صلاته، وإن كان ناسيًا ولم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من
جديد.
وإن ذكر بعد زمن قليل- كدقيقتين أو ثلاث- فإنه يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد
للسهو ويسلم.
إذا نقص المصلي ركنًا من صلاته فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له سواء
تركها عمدًا أم سهوًا؛ لأن صلاته لم تنعقد. وإن كان غير تكبيرة الإحرام فإن
تركه متعمدًا بطلت صلاته. وإن تركه سهوًا فإن وصل إلى موضعه من الركعة
الثانية ألغت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها. وإن لم يصل
إلى موضعه من الركعة الثانية وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك فيأتي به
وبما بعده وفي كلا الحالين يجب أن يسجد للسهو بعد السلام.
إذا ترك المصلي التشهد الأوسط ناسيًا، وذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة
أتى به ولا شيء عليه. وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي
يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم. وإن ذكره بعد
وصوله إلى الركن الذي يليه سقط فلا يرجع إليه فيستمر في صلاته ويسجد للسهو
قبل أن يسلم.
إذا شك المصلي في صلاته، وترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده فيتم
عليه صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم. وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين
فيعمل باليقين وهو الأقل فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
2 في موضعين:
الأول: إذا كان عن نقص؛ لحديث عبد الله بن بحينة: انظر هامش "ص53".
الثاني: إذا كان عن شك لم يترجح فيه أحد الأمرين؛ للحديث الذي أخرجه مسلم
"1/ 400 رقم 571" وغيره عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا
أم أربعًا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم،
فإن كان صلى خمسًا، شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا
ترغيمًا للشيطان".
ترغيمًا للشيطان: أي إغاظة له وإذلالًا.
(1/64)
أو بعده1 بإحرام وتشهد وتحليل2، ويشرع لترك
مسنون3، وللزيادة ولو ركعة سهوًا4 وللشك في العدد5، وإذا سجد الإمام تابعه
المؤتم6.
__________
1 في موضعين:
الأول: إذا كان عن زيادة؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "3/ 93/ 1226" ومسلم
"1/ 401 رقم 91/ 572": عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في
الصلاة؟ فقال: "وما ذاك"؟ قال: صليت خمسًا، فسجد سجدتين بعدما سلم.
الثاني: إذا كان عن شك ترجح فيه أحد الأمرين؛ للحديث الذي أخرجه "رقم 392-
البغا" ومسلم "1/ 400 رقم 89/ 572": من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وإذا شك أحد في
صلاته فليتحرَّ الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم: 468- البغا" ومسلم "1/ 403 رقم 97/ 573"
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إحدى صلاتي العشي -قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة، ولكن نسيت
أنا- قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ
عليها، كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه ووضع خده
الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت
الصلاة؟ وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه
طول، يقال له ذو اليدين، قال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال:
"لم أنس ولم تقصر" فقال: "أكما يقول ذو اليدين"؟ فقالوا: نعم، فتقدم فصلى
ما ترك، ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر
وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبَّر، فربما سألوه: ثم سلم؟ فيقول:
نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم.
تنبيه: لم يوجد حديث صحيح في التشهد في سجدتي السهو.
3 كترك التشهد الأوسط؛ لحديث عبد الله بن بحينة، انظر هامش "ص53".
4 لحديث ابن مسعود، انظر الهامش "1".
5 لحديث أبي مسعود الخدري، انظر هامش "ص94" وابن مسعود، انظر الهامش "1".
6 لحديث أبي هريرة، انظر هامش "ص62".
(1/65)
الباب التاسع: باب
القضاء للفوائت
إذا كان الترك عمدًا لا لعذر، فدَيْن الله أحق أن يقضى1، وإن كان لعذر فليس
بقضاء
__________
1 قال الشوكاني في السيل الجرار "1/ 588-589": " ... لم يرد في قضاء الصلاة
المتروكة عمدًا دليل يدل على وجوب القضاء على الخصوص، ولكنه وقع في حديث
الخثعمية الثابت في الصحيح عند البخاري رقم "1854" ومسلم رقم "1335" أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: "دين الله أحق أن يقضى"،
والتارك للصلاة عمدًا قد تعلق به بسبب هذا الترك دين الله وهو أحق بأن=
(1/65)
بل أداء في وقت زوال العذر1، إلا صلاة
العيد ففي ثانِيهِ2.
__________
= يقضيه هذا التارك" اهـ. وانظر: مجموع الفتاوى "2/ 285". وقال ابن حزم في
المحلى "2/ 10 المسألة 279": "مسألة: وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج
وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبدًا، فليكثر من فعل الخيرات، وصلاة
التطوع؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عز وجل" اهـ، ثم
يرد على من أجاز قضاء الفائتة بدون عذر بكلام طيب ولولا الملل لنقلته لك
فارجع إليه لزامًا "2/ 235-244".
قلتُ: وحاول القاضي السياغي في "الروض النضير" "2/ 264-268" الرد على ابن
حزم والمقبلي ولكنه لم يفلح.
1 لحديث أنس، انظر هامش "ص45".
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 684 رقم 1157" والنسائي "3/ 180 رقم
1557" وابن ماجه "1/ 529 رقم 1653" وغيرهم. عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة
له من أصحاب رسول الله، أن ركبًا جاءوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا
أن يغدوا إلى مصلاهم" وهو حديث صحيح.
أبو عمير: هو عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري.
(1/66)
[الباب العاشر] : باب صلاة الجمعة
تجب على كل مكلف3، إلا المرأة والعبد والمسافر والمريض4، وهي كسائر
__________
1 لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[الجمعة: 9] . وللحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 452 رقم 254/ 652" عن عبد الله
بن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لقوم يتخلفون عن
الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أخرق على رجال يتخلفون، عن
الجمعة بيوتهم".
وللحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 591 رقم40/ 865" عن عبد الله بن عمر، وأبي
هريرة، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه سولم يقول على أعواد منبره:
"لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من
الغافلين". ودعهم: أي تركهم. وللإجماع. على أن صلاة الجمعة فرض عين.
"الإجماع لابن المنذر ص41 رقم 54".
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 644 رقم 1067" وغيره. عن طارق بن شهاب،
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الجمعة حق واجب على كل
مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض". وهو حديث
صحيح.
قلت: أما المسافر إذا سمع النداء وجبت عليه صلاة الجمعة، وإذا لم يسمع فلا
جمعة عليه. للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 640 رقم 1056" عن عبد الله بن
عمرو، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الجمعة على لكل من
سمع النداء" وهو حديث حسن.
(1/66)
الصلوات لا تخالفها إلا في مشروعية
الخطبتين قبلها1.
ووقتها وقت الظهر2، وعلى من حضرها ألا يتخطى رقاب الناس3، وأن ينصبت حال
الخطبتين4. وندب له التبكير5 والتطيب والتجمل6، والدنو من
__________
1 وفي هذا الكلام إشارة إلى رد ما قيل أنه يشترط في وجوبها الإمام الأعظم،
والمصر الجامع، والعدد المخصوص؛ فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد
استحبابها فضلًا عن وجوبها فضلًا عن كونها شروطًا.
وأما دليل مشروعية الخطبتين: فحديث ابن عمر رضي الله عنه، قال: كان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحطب قائمًا، ثم يقعد ثم يقوم، كما
تفعلون الآن". أخرجه البخاري "2/ 401 رقم 920" ومسلم "2/ 589 رقم 33/ 861"
وغيرهما.
وأما دليل كون الخطبة على منبر: فحديث جابر بن عبد الله قال: "كان جذع يقوم
إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما وضع له المنبر سمعنا
للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فوضع يده عليه". أخرجه البخاري "2/ 397 رقم 918".
وأما دليل احتواء الخطبة على آيات قرآنية: فحديث يعلى بن أمية قال: سمعت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ على المنبر: {وَنَادَوْا يَا
مَالِكُ} [الزخرف: 77] . أخرجه البخاري "8/ 568 رقم 4819" ومسلم "2/ 594
رقم 49/ 871". ولمعرفة أهمية خطبة الجمعة، والاطلاع على صفات الخطيب
الناجح، والخطبة الموفقة، انظر كتابنا: "الفوائد المجتمعة لخطيب الجمعة".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم 3935- البغا" ومسلم "2/ 589 رقم 32/ 860"
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمعة ثم ننصرف، وليس للحيطان ظل نستظل فيه".
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 668 رقم 1118" والنسائي "3/ 103 رقم
1399": عن عبد الله بن بسر قال: "كنت جالسًا إلى جانبه يوم الجمعة فقال:
جاء رجل يتخطى رقاب الناس فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "أي اجلس فقد آذيت". وهو حديث صحيح.
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 414 رقم 394" ومسلم "2/ 583 رقم 11/ 851":
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت -والإمام يخطب- فقد لغوت".
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 366 رقم 881" ومسلم "2/ 582 رقم 10/ 850".
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في
الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب
كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في
الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون
الذكر".
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 370 رقم 883" عن سلمان الفارسي قال: قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر
ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين
اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إذا غفر له ما بينه
وبين الجمعة الأخرى".
(1/67)
الإمام1، ومن أدرك ركعة منها فقد أدركها2،
وهي في يوم العيد رخصة3.
__________
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 663 رقم 1108" وأحمد في المسند "5/ 11"
والحاكم في المستدرك "1/ 289" وصححه ووافقه الذهبي، عن سمرة بن جندب رضي
الله عنه أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "احضروا
الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن
دخلها".
2 للحديث الذي أخرجه النسائي "1/ 274 رقم 557" وابن ماجه "1/ 356 رقم 1123"
وغيرهما. عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته" وهو حديث
صحيح.
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 646 رقم 1070" وابن ماجه "1/ 415 رقم
1310" والنسائي "3/ 194 رقم 1591" وغيرهم عن زيد بن أرقم أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى العيد من أول النهار ثم رخص في الجمعة. وهو
حديث صحيح.
وقد غفل المؤلف رحمه الله عن ذكر ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة:
1- الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه
الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي"، فقال رجل:
يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يعني بليت، فقال: "إن الله
حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "4/ 8"
وأبو داود رقم "1531" والنسائي "3/ 91 رقم 1374" وابن ماجه رقم "1085" وابن
حبان رقم "550-موارد" والحاكم في المستدرك "1/ 278".
2- قراءة سورة الكهف: عن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين
الجمعتين"، وهو حديث صحيح أخرجه الحاكم "2/ 368" والبيهقي "3/ 249"، وانظر
الإرواء رقم "626".
3- الإكثار من الدعاء رجاء أن يصادف ساعة الإجابة: عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن في الجمعة
لساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- خييرًا إلا أعطاه
الله تعالى إياه"، وقال بيده. قلنا: يقللها يزهدها. وهو حديث صحيح أخرجه
أحمد "2/ 230" والبخاري رقم "935" ومسلم رقم "852".
(1/68)
[الباب الحادي عشر] : باب صلاة العيدين
هي ركعتان1 في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس كذلك2،
ويخطب بعدها3 ... ويستحب التجمل4، والخروج إلى خارج البلد5، ومخالفة
الطريق6، والأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى7، ووقتها بعد ارتفاع الشمس
قدر رمح إلى الزوال8، ولا أذان فيها ولا إقامة9.
__________
1 للحديث الذي أخرجه النسائي "3/ 111 رقم 1420" وابن ماجه "1/ 338 رقم 1063
و1064".
عن عمر رضي الله عنه قال: "صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة
الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وهو حديث صحيح.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 681 رقم 1151" عن عبد الله بن عمرو بن
العاص، قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التكبير في
الفطر سبع في الأولى، وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما". وهو حديث
صحيح لغيره.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 448 رقم 956" ومسلم "2/ 605 رقم 889" عن
أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف
فيقوم مقابل الناس -والناس جلوس على صفوفهم- فيعطلهم، ويوصيهم ويأمرهم. فإن
كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 439 رقم 948" ومسلم "3/ 1639 رقم 8/ 2068"
عن عبد الله بن عمر قال: "أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها،
فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله ابتغ
هذه، تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إنما هذه لباس من لا خلاق له".
5 لحديث أبي سعيد الخدري، انظر الهامش "2". ولحديث ابن عمر رضي الله عنه
قال: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغدو إلى المصلى
والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه، فيصلي إليها". أخرجه
البخاري "2/ 463 رقم 973" ومسلم "1/ 359 رقم 501"
العنزة: كنصف الرمح. لكن سنانها في أسفلها. بخلاف الرمح، فإنه في أعلاه.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 472 رقم 986" عن جابر رضي الله عنه قال:
"كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان يوم عيد خالف
الطريق".
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 446 رقم 953" عن أنس قال: "كان رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات".
9 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 675 رقم 1135" وابن ماجه "1/ 418 رقم
1317". عن عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أنه خرج مع الناس في يوم عيد فطر، أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام،
فقال: إنا كنا قد عرفنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح". وهو حديث صحيح. حين
التسبيح: أي وقت صلاة السبحة وهي الضحى، بعد خروج وقت الكراهة.
10 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 451 رقم 960" ومسلم "2/ 604 رقم 886". عن
ابن عباس، وعن جابر بن عبد الله قالا: "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم
الأضحى".
أما الصلاة قبل العيد وبعدها غير مشروعة، فلحديث ابن عباس رضي الله عنه أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل
قبلها ولا بعدها، ومعه بلال". أخرجه البخاري "2/ 476 رقم 989"، ومسلم "2/
606 رقم 884" وغيرهما.
أما التكبير من غروب الشمس من ليلة العيد، إلى أن يدخل الإمام في الصلاة،
فلقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى
مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] ، قالوا: هذا في
تكبير عيد الفطر، وقيس به الأضحى.
(1/69)
الباب الثاني عشر:
باب صلاة الخوف
قد صلاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صفات مختلفة1
__________
1 منها: صلاة الإمام بكل طائفة ركعتين بسلام: للحديث الذي أخرجه البخاري
"7/ 426 رقم 4126" ومسلم "1/ 576 رقم 843". من حديث جابر، وفيه: قال:
"فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى
ركعتين. قال: فكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع
ركعات، وللقوم ركعتان".
ومنها: اشتراك الطائفتين مع الإمام وتقديم الثانية وتأخر الأولى والسلام
جميعًا؛ للحديث أخرجه مسلم "1/ 574 رقم 840". عن جابر بن عبد الله. قال:
شهدت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف. فصفنا
صفين: صف خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعدو بيننا
وبين القبلة. فكبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكبرنا جميعًا.
ثم ركع وركعنا جميعًا. ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا. ثم انحدر
بالسجود والصف الذي يليه. وقام الصف المؤخر في نحر العدو. فلما قضى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجود، وقام الصف الذي يليه. انحدر
الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم
ركع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه
من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان
مؤخرًا في الركعة الأولى. وقام الصف المؤخر في نحور العدو. فلما قضى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف
المؤخر بالسجود. فسجدوا، ثم سلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وسلمنا جميعًا. قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم.
في نحر العدو: أي في مقابلته، ونحر كل شيء أوله. حرسكم: الحرس خدم السلطان
المرتبون لحفظه وحراسته. وهو جمع حارس. ويقال في واحده أيضًا: حرس.
ومنها: صلاة الإمام بكل طائفة ركعة وقضاء كل طائفة ركعة؛ للحديث الذي أخرجه
البخاري "2/ 429 رقم 942" ومسلم "1/ 574 رقم 839" عن ابن عمر، قال: صلى
الله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف بإحدى
الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام
أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك، ثم صلى بهم النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعة، ثم سلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثم قضى ركعة، وهؤلاء ركعة.
ومنها: اشتراك الطائفتين مع الإمام في القيام والسلام؛ للحديث الذي أخرجه
النسائي "3/ 173 رقم 1543" وأبو داود "2/ 32 رقم 1240": عن مروان بن الحكم
أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صلاة الخوف. فقال أبو هريرة: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد
قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كصلاة العصر، وقامت معه
طائفة وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة فكبر=
(1/70)
وكلها مجزئة1، وإذا اشتد الخوف، والتحم
القتال، صلاها الراجل والراكب ولو إلى غير القبلة ولو بالإيماء2.
__________
= رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكبروا جميعًا الذين معه
والذين يقابلون العدو ثم ركع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ركعة واحدة، وركعت معه الطائفة التي تليه، ثم سجد وسجدت الطائفة التي تليه،
والآخرون قيام مقابل العدو، ثم قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت
الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت
الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد ومن معه، ثم كان السلام فسلم رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلموا جميعًا فكان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان.
ومنها: صلاة الإمام بكل طائفة ركعة وانتظاره لقضاء كل طائفة ركعة؛ للحديث
الذي أخرجه البخاري "7/ 421 رقم 4129"، ومسلم "1/ 575 رقم 842" عن صالح عن
خوات، عمن صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم ذات
الرقاع، صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو. فصلى بالذين معه
ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو. وجاءت
الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت. ثم ثبت جالسًا. وأتموا لأنفسهم
ثم سلم بهم.
يوم ذات الرقاع: هي غزوة معروفة. كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من
نجد. سميت ذات الرقاع؛ لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء. فلفوا عليها
الخرق. هذا هو الصحيح في سبب تسميتها. صفت معه: هكذا هو في أكثر النسخ. وفي
بعضها: صلت معه. وهما صحيحان.
1 لأنها وردت على أنحاء كثيرة، وكل نحو روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو جائز يفعل الإنسان ما هو أخف عليه وأوفق بالمصلحة
حالتئذٍ.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "8/ 199 رقم 4535"، عن ابن عمر في تفسير سورة
البقرة بلفظ: "فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالًا قيامًا على أقدامهم
أو ركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها". وهو في صحيح مسلم "1/ 574
رقم 306/ 839" من قول ابن عمر بنحو ذلك.
(1/71)
الباب الثالث عشر:
باب صلاة السفر
يجب القصر1 على من خرج من بلده قاصدًا للسفر وإن كان دون بريد2، وإذا
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "7/ 267 رقم 3935" ومسلم "1/ 478 رقم 685" عن
عائشة رضي الله عنها قالت: "فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرضت أربعًا وتركت صلاة السفر على الأولى".
وللحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 478 رقم 686" عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر
بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فقد
أمن الناس! فقال: عجبت مما عجبت منه. فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. فقال: $"صدقة تصدق الله بها عليكم، فأقبلوا
صدقته".
2 البريد= 4 فراسخ. الفرسخ =3 أميال. الميل= 4000 ذراع مرسلة. الذراع
المرسلة=6
=
(1/71)
أقام ببلد مترددًا قصر إلى عشرين يومًا ثم
يتم1، وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها2، وله الجمع تقديمًا وتأخيرًا3
بأذان وإقامتين4.
__________
= قبضات= 24 أصبعًا. الأصبع= 1.925 سم. إذا طول الذراع المرسلة =24× 1.925
=46.2سم. الميل =4000× 46.2 = 1848م = 1.848كم. الفرسخ =3× 1848 =5544م =
5.544كم. البريد= 4× 5544 = 22176م = 176، 22كم. انظر كتابنا "الإيضاحات
العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية". وأفضل ما ورد في تقدير
مسافة القصر، ما أخرجه مسلم "1/ 481" رقم "12/ 691": عن يحيى بن يزيد
الهنائي، قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: كان رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ
-شعبة الشاك- صلى ركعتين.
1 لحديث جابر بن عبد الله، قال: "أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة" أخرجه أبو داود "2/ 27 رقم 1235"
وهو حديث صحيح.
2 قال ابن حجر في "التلخيص" "2/ 44": "لم أر هذا في رواية مصرحة بذلك،
وإنما هذا مأخوذ من الاستقراء، ففي الصحيحين عن جابر "قدمنا صبح رابعة" وفي
الصحيحين، أن الوقفة كانت الجمعة، وإذا كان الرابع يوم الأحد كان التاسع
يوم الجمعة بلا شك، فثبت أن الخروج كان يوم الخميس" اهـ.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 582 رقم 1112" ومسلم "1/ 489 رقم 46/
704": عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل
فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 572 رقم 1091" ومسلم "1/ 489 رقم 45" عن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها
وبين العشاء". انظر الهامش الآتي "4".
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 886 رقم 147/ 1218" من حديث جابر: وفيه: "
... ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر. ولم يصل بينهما
شيئًا..".
(1/72)
[الباب الرابع عشر] : باب صلاة الكسوفين
هي سنة5، وأصبح ما ورد في صفتها ركعتان، في كل ركعة
__________
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 529 رقم 1044" ومسلم "2/ 618 رقم 1/ 901"
عن عائشة أنها قالت: "خسفت الشمس في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فصلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس، فقام
فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام -وهو دون القيام
الأول- ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود، ثم
فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى. ثم انصرف وقد انجلت الشمس
فخطبت الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من
آيات الله لا ينخفسان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله
وكبروا وصلوا وتصدقوا ... ". ويسن الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف؛ للحديث
الذي أخرجه البخاري "2/ 549 رقم 1065" عن عائشة رضي الله عنها "جهر النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخسوف بقراءته، فإذا فرغ من
قراءته كبر فركع، وإذا رفع من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك
الحمد. ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع
سجدات".
أما حديث سمرة: "صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
كسوف ولم نسمع له صوتًا" فهو حديث ضعيف.
(1/72)
ركوعان1، وورد ثلاثة2، وأربعة3، وخمسة4،
__________
1 انظر الهامش السابق، وللحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 540 رقم 1052" ومسلم
"2/ 626 رقم 907" عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "انخسفت الشمس على عهد
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة
البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام
الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، قم قام قيامًا
طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول،
رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو
دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت
أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله ... ".
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 622 رقم 10/ 904" عن جابر قال: انكسفت الشمس
في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات إبراهيم ابن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الناس: إنما انكسفت؛
لموت إبراهيم، فقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى بالناس
ست ركعات بأربع سجدات؛ بدأ فكبر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحوًا مما
قام، ثم رفع رأسه من الركوع، فقرأ قراءة دون القراءة الأولى، ثم ركع نحوًا
مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الثانية، ثم ركع
نحوًا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم انحدر بالسجود فسجد سجدتين، ثم
قام فركع أيضًا ثلاث ركعات ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي
بعدها، وركوعه نحوًا من سجوده، ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه، حتى انتهينا
-وقال أبو بكر: حتى انتهى إلى النساء- ثم تقدم وتقدم الناس معه، حتى قام في
مقامه فانصرف حين انصرف، وقد آضت الشمس. فقال: "يا أيها الناس إنما الشمس
والقمر آيتان من آيات الله. وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس -وقال أبو
بكر: "لموت بشر" - فإذا رأيتم من ذلك فصلوا حتى تنجلي ... ".
3 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 627 رقم 19/ 909": عن ابن عباس عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى في كسوف، قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم
ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد قال: والأخرى مثلها.
4 حديث أبي بن كعب، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلَّى
بهم فقرأ بسورة من الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية
فقرأ سورة من الطوال، وركع خمس ركعات وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل
القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها" وهو حديث ضعيف. وكما علمت مرارًا أن الحديث
الضعيف لا يثبت حكمًا ...
(1/73)
يقرأ بين كل ركوعين ما تيسر1، وورد في كل
ركعة ركوع2، وندب الدعاء والتكبير والتصدق والاستغفار3.
__________
1 انظر هامش "ص73".
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 629 رقم 25/ 913": عن عبد الرحمن بن سمرة:
قال: بينما أنا أرمي بأسهمي في حياة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إذ انكسفت الشمس، فنبذتهن. وقلت: لأنظرن إلى ما يحدث لرسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في انكساف الشمس اليوم، فانتهيت إليه
وهو رافع يديه يدعو ويكبر ويحمد ويهلل، حتى جلي عن الشمس، فقرأ سورتين وركع
ركعتين.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 545 رقم 1059" ومسلم "6/ 215- بشرح
النووي": عن أبي موسى قال: خسفت الشمس، فقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فزعًا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد، فصلى بأطول قيام وركوع
وسجود، رأيته قط يفعله، وقال: "هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد
ولا لحياته، ولكن يخوِّف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا
إلى ذكره ودعائه واستغفاره".
(1/74)
[الباب الخامس عشر] : باب صلاة الاستسقاء
تسن عند الجدب ركعتان، بعدها خطبة، تتضمن الذكر والترغيب في الطاعة والزجر
عن المعصية1، ويستكثر الإمام ومن معه من الاستغفار والدعاء برفع الجدب2،
ويُحَوِّلُون جميعًا أرديتهم3.
__________
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 692 رقم 1173" عن عائشة رضي الله عنها
قالت: شكا الناس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحوط
المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، قالت
عائشة: فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بدا حاجب
الشمس فقعد على المنبر فكبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمد الله
عز وجل، ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه
عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم"، ثم قال:
"الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. ملك يوم الدين. لا إله إلا الله
يفعل ما يريد. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء. أنزِلْ
علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين"، ثم رفع يديه فلم
يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب -أو حول-
رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله
سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأتِ مسجده حتى سالت السيول،
فلما رأى سرعتهم إلى الكِن ضحك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت
نواجذه. فقال: "أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله". وهو
حديث حسن. الكِن: كل ما وقى الحر والبرد من المساكن.
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 508 رقم 1015" ومسلم "2/ 612 رقم 897" من
حديث أنس وفيه: فرفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه. ثم
قال: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا".
6 يحولون جميعًا أرديتهم: أي من جعل الأيمن أيسر والأيسر أيمن تفاؤلًا
بتغيير الشدة إلى خير ورخاء. وانظر هامش "4".
(1/74)
|