الدراري
المضية شرح الدرر البهية المجلد الثاني
كتاب الزكاة
باب زكاة الحيوان
مدخل
...
كتاب الزكاة
تجب في الأموال التي ستأتي إذا كان المالك
مكلفا
باب زكاة الحيوان
إنما تجب منه النعم وهي الإبل والبقر والغنم .
أقول: الزكاة هي فريضة من فرائض الدين وركن من
أركانه وضرورى من ضروياته ولكنها لاتجب إلا
فيما أوجب فيه الشارع الزكاة من الأموال وبينه
للناس فإن ذلك هو بيان لمثل قوله: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103]
{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] كما بين
للناس قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}
[البقرة:43] بما شرعه الله من الصلوات التي
يبنها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس.
وقد توسع كثير من أهل العلم في إيجاب الزكاة
في أموال لم يوجب الله الزكاة فيها بل صرح
النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأموال بعدم
الوجوب كقوله: "ليس على المرء في عبده ولافرسة
صدقة" وقد كان للصحابة أموال وجواهر وتجارات
وخضروات ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بتزكية
ذلك ولاطلبها منهم ولو كانت واجبة
(2/151)
في شيء من ذلك
لبين للناس ما نزل إليهم فقد أوردنا في هذا
المختصر ما تجب فيه وأشرنا إلى أشياء من
الأموال التي لا زكاة فيها مما قد جعله بعض
أهل العلم من الأموال التي تجب فيها الزكاة
كما ستسمع ذلك. وأما كونها لا تجب إلا على من
كان مكلفا فاعلم أن هذه المقالة قد ينبو عنها
ذهن من يسمعها فإذا راجع الإنصاف ووقف حيث
أوقفه الحق علم أن هذا هو الحق وبيانه أن
الزكاة هي أحد أركان الإسلام ودعائمه وقوائمه
ولاخلاف أنه لا يجب شيء من الأربعة الأركان
التي الزكاة خامستها على غير مكلف فإيجاب
الزكاة عليه إن كان بدليل فما هو؟ فما جاء عن
الشارع في هذا شيء مما تقوم به الحجة كما يروي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالاتجار
في أموال اليتامى لئلا تأكلها الزكاة فلم يصح
في ذلك شيء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم.
وأما ما روي عن بعض الصحابة فلا حجة فيه وقد
عورض بمثله كما روى البيهقي عن ابن مسعود قال:
"من ولي مال اليتيم فليخلص عليه من السنين
فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة
فإن شاء زكى وإن شاء ترك" وروى نحو ذلك عن ابن
عباس وإن قال قائل: إن الخطاب في الزكاة عام
كقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
[التوبة:103] ونحوه فذلك ممنوع وليس الخطاب في
ذلك إلا من يصلح له الخطاب وهم المكلفون وأيضا
بقية الأركان بل وسائر التكاليف التي وقع
الاتفاق على عدم وجوبها على من ليس بمكلف
الخطابات بها عامة فلوكان عموم الخطاب في
الزكاة مسوغا لإيجابها على غير المكلفين لكان
العموم في غيرها كذلك وإنه باطل بالاجماع
ومااستلزم الباطل باطل مع أن تمام الآية أغنى
قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً} [التوبة:103] يدل على وجوبها على
الصبي وهوقوله: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ
بِهَا} [التوبة:103] فإنه لا معنى لتطهرة
الصبي والمجنون ولا لتزكيته. وبالجملة فأموال
العباد محرمة بنصوص الكتاب والسنة لا يحلها
إلا التراضي وطيبة النفس أو ورود الشرع
كالزكاة والدية والأرش والشفعة ونحو ذلك فمن
زعم أنه يحل مال أحد من عباد الله سيما من كان
قلم التكليف
(2/152)
عنه مرفوعا
فعليه البرهان والواجب على المنصف أن يقف موقف
المنع حتى يزجزحه عنه الدليل ولم يوجب الله
سبحانه على ولى اليتيم والمجنون أن يخرج
الزكاة من ماله ولا أمره بذلك ولا سوغه له بل
وردت في أموال اليتامى تلك القوارع التى تتصدع
لها القلوب وترجف لعا الأفئدة.
وأما كونها لا تجب الزكاة في غير الثلاثة
الأنواع من الحيوانات فلأن الذي بين للناس ما
نزل إليهم لم يوجبها عليهم في غيرها منها وأما
ماورد من ذكر حق الله في الخيل فالمراد به
الجهاد.
(2/153)
فصل في زكاة الإبل
إذا بلغت الإبل خمسا ففيها شاة ثم في كل خمس
شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض1
أو ابن لبون وفي ست وثلاثين ابنة لبون وفي ست
وأربعين حقة وفي إحدى وستين جذعة وفي ست
وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان إلى
مائة وعشرين فإذا زادت ففي كل أربعين ابنة
لبون وفي كل خمسين حقة.
أقول: هذا التفصيل في فرائض الصدقة هو الثابت
في حديث أنس أن أبا بكر كتب لهم أن هذه فرائض
الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
على المسلمين ثم ذكر فيه ما يجب على عدد كما
في هذا المختصر ثم قال: فيه فإذا تباين أسنان
الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة
الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقه فإنها تقبل
منه ويجعل معها شاتين إن استيسرنا له أو عشرين
درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده
إلا جذعة فتقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما
أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة
ـــــــ
1 ابنة المخاض ما بلغت حولا، وابنة لبون وابن
لبون حولين، والحقة ثلاثة أعوام، والجذعة
أربعة أعوام ! هـ.
(2/153)
الحقة وليست
عنده وعندة ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل
معها شاتين إن استيسرنا له أو عشرين درهما ومن
بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة
فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو
شاتين ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست
عنده وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ويجعل
معها شاتين إن استسيرنا له او عشرين درهما ومن
بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن
لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ومن لم
يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا
أن يشاء ربها وقد أخرج هذا الحديث أحمد
والنسائي وأبو داود وأخرجه أيضا البخاري رحمه
الله تعالى مفرقا في صحيحة قال ابن حزم هذا
كتاب في نهاية الصحة عمل به الصديق بحضرة
العلماء ولم يخالفه أحد وصححه ابن حبان وغيره.
وقد أخرج أحمد وأبوداود والترمذي وحسنه
والدراقطني والحاكم والبيهقي نحو ما اشتمل
عليه المختصر من حديث الزهري عن سالم عن أبيه
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب
الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي فأخرجها
أبو بكر رضي الله عنه فعمل بها حتى توفي ثم
أخرجها عمر من بعده فعمل بها قال: فلقد هلك
عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته ثم ذكر
الحديث.
(2/154)
فصل في زكاة البقر
ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة1 وفي
كل أربعين مسنة2 ثم كذلك.
أقول: يدل على ذلك ما أخرجه أحمد وأهل السنن
وابن حبان والحاكم وصححاه من حديث معاذ بن جبل
قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
اليمن،
ـــــــ
1 وهي ذات الحول
2 وهي ذات الحولين
(2/154)
وأمرني أن آخذ
من كل ثلاثين من البقر تبعيا أو تبيعة ومن كل
أربعين مسنة فإذا زادت على الأربعين فلا شيء
في الزائد حتى تبلغ سبعين وفيها تبيع ومسنة
إلى ثمانين وفيها مسنتان ثم كذلك قال ابن عبد
البر في الاستذكار: لا خلاف بين العلماء أن
السنة في زكاة البقرة على ما في حديث معاذ
وأنه النصاب المجمع عليه.
(2/155)
فصل في زكاة الغنم
ويجب في أربعين من الغنم شاة إلى مائة وإحدى
وعشرين وفيها شاتان إلى مائتين وواحدة وفيها
ثلاث شياه إلى ثلاثمائة وواحدة وفيها ثم في كل
مائة شاه.
أقول: هذا التفصيل هو الثابت في حديث أنس
وحديث أربع ابن عمر اللذين تقدم تخريجهما في
باب زكاة الإبل وقد وقع الإجماع على ذلك.
(2/155)
فصل ولا يجمع بين متفرق من الأنعام
...
فصل
ولا يجمع بين مفترق من الأنعام ولا يفرق بين
مجتمع خشية الصدقة ولا شيء فيما دون الفريضة
ولا في الأوقاص وما كان من خليطين فيتراجعان
بالسوية ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عور ولا عيب
ولا صغيرة ولا أكولة ولا ربي ولا ماخض و لا
فحل غنم.
أقول: أما عدم جواز الجمع بين مفترق والفرق
بين مجتمع خشية الصدقة فلنهيه صلى الله عليه
وسلم عن ذلك كما في كتاب أبي بكر رضي الله عنه
المحكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
تقدمت الإشارة إليه وكذلك في حديث ابن عمر
حاكيا لكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذلك كما سبقت الإشارة إليه وكذا وقع التصريح
بالنهي عن ذلك في غير الحديثين المذكورين فإن
فيه النهي كذلك ومعنى التفريق بين
(2/155)
باب زكاة الذهب والفضة
هي إذا حال على أحدهما الحول ربع العشر ونصاب
الذهب عشرون دينارا ونصاب الفضة مائتا درهم
ولا شيء فيما دون ذلك ولا زكاة في غيرهما من
الجواهر وأموال التجارة والمستغلات.
أقول: لا خلاف في وجوب الزكاة في الذهب والفضة
مع النصاب والحول لحديث علي قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "قد عفوت لكم عن
صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل
أربعين درهما درهما وليس في تسعين ومائة شيء
فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دارهم" أخرجه
أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي وفي لفظ:
"وليس فيما دون المائتين زكاة" وفي إسناده
مقال وقد حسنه ابن حجر ونقل الترمذي عن
البخاري تصحيحه.
وأخرج أحمد ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس
فيما دون خمس أوراق من الورق صدقة وليس فيما
دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خمسة
أوسق من التمر صدقة" وأخرجه أحمد والبخاري من
حديث أبي سعيد.
وأخرج أبو داود من حديث علي رضي الله عنه قال:
"إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول
ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني من الذهب
حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون
دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار" وفي
إسناده مقال ولكن حسنه ابن حجر ونقل الترمذي
عن البخاري تصحيحه كالحديث الأول وقد وقع
الإجماع على أن
(2/158)
نصاب الفضة
مائتا درهم ولم يخالف في ذلك إلا ابن حبيب
الأندلسي والخمس الأواقي المذكورة في الحديث
هي مائتا درهم لأن وزن كل أوقية أربعون درهما
وذهب إلى أن نصاب الذهب عشرون دينارا الجمهور
وقد روى عن الحسن وطاووس ما يخالف ذلك وهو
مردود وذهب إلى أعتبار الحول الأكثر.
وذهب ابن عباس وابن مسعود وداود والصادق
والباقر والناصر إلى أنه يجب على المالك إذا
استفاد نصابا أن يزكيه في الحال تمسكا بما دل
على مطلق الوجوب وهو إهمال للقيد.
وأما كونها لا تجب في الجواهر كالدر والياقوت
والزمرد والماس واللؤلؤ والمرجان ونحوها فلعدم
وجود دليل يدل على ذلك والبراءة الأصلية
مستصحبة وقد تقدم في أول كتاب الزكاة ما يفيد
هذا.
وأما كونها لا تجب في أموال التجارة فلما
قدمنا من عدم قيام دليل يدل على ذلك وقد كانت
التجارة في عصره صلى الله عليه وسلم قائمة في
أنواع ما يتجر به ولم ينقل عنه مايفيد ذلك.
وأما ما أخرجه أبوداود والدارقطني والبزار من
حديث جابر بن سمرة كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأمرنا بأن نخرج الزكاة مما يعد
للبيع" فقال ابن حجر في التلخيص: أن في إسناده
جهالة.
وأما مارواه الحاكم والدارقطني عن عمران
مرفوعا بلفظ: "في الإبل صدقتها وفي الغنم
صدقتها وفي البز صدقته" بالزاي المعجمة فقد
ضعف الحافظ في الفتح جميع طرقه وقال في واحدة
منها: هذا الإسناد لا بأس به ولا يخفاك1 أن
مثل هذا لا تقوم به الحجة لا سيما في التكاليف
التي تعم بها البلوى على أنه قد قال ابن دقيق
العيد: أن الذي رآه في المستدرك في هذا الحديث
البر بضم الباء الموحدة وبالراء المهملة قال:
والدارقطني رواه بالزاي
ـــــــ
1 أقول تقدم أنه لا يتعدى إلا بعلى.
(2/159)
لكن من طريق
ضعيفة وهذا مما يوجب الاحتمال فلا يتم
الاستدلال فلو فرضنا أن الحاكم قد صحح إسناد
هذا الحديث كما قال المحلى في شرح المنهاج:
لكان مجرد الاحتمال مسقطا للاستدلال فكيف إذا
قد عورض ذلك التصحيح بتضعيف الحفاظ لما صححه
الحاكم مع تأخر عصرهم عنه واستدراكهم1 عليه
ويؤيد عدم الوجوب ما ثبت عنه صلى الله عليه
وسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة "ليس على
المسلم صدقة في عبده ولا فرسه" وظاهر ذلك عدم
وجوب الزكاة في جميع الأحوال وقد نقل ابن
المنذر الإجماع على زكاة
التجارة وهذا النقل ليس بصحيح فأول من يخالف
في ذلك الظاهرية وهم فرقة من فرق الإسلام.
وأما عدم وجوبها في المستغلات كالدور التي
يكريها مالكها وكذلك الدواب ونحوها فلعدم
الدليل كما قدمنا وأيضا حديث: "ليس على المسلم
صدقة في عبده ولا فرسة" يتناول هذه الحالة
أعني حالة استغلالها بالكراء لهما وإن كان لا
حاجة إلى الإستدلال بل القيام مقام المنع
يكفي.
ـــــــ
1 وأيضا فكيف والحاكم كثير المجازفة في تصحيح
الأحاديث الضعيفة من غير نظر إلى تضعيف غيره
كيف وقد ضعفه غيره كما هنا ! هـ.
(2/160)
باب زكاة النبات
يجب العشر في الحنطة والشعير والذرة والتمر
والزبيب وما كان يسقى بالمسنى منها ففيه نصف
العشر ونصابها خمسة أوسق ولا شيء فيما عدا ذلك
كالخضروات وغيرها ويجب في العسل العشر ويجوز
تعجيل الزكاة وعلى الإمام أن يرد صدقات أغنياء
كل محل في فقرائهم ويبرأ رب المال بدفعها إلى
السلطان وإن كان جائرا.
أقول: أما وجوب الزكاة من هذه الأجناس فلشمول
الأدلة الصحيحة لها وللتنصيص عليها في حديث
أبي موسى ومعاذ حين بعثهما صلى الله عليه وسلم
إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال : "لا
تأخذ الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير
والحنطة والزبيب والتمر" أخرجه الحاكم
والبيهقي والطبراني قال البيهقي: رواته ثقات
وهو متصل وأخرج الطبراني عن عمر قال: "إنما سن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه
الأربعة فذكرها" وأخرج ابن ماجه والدارقطني من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ "إنما
سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في
الحنطة والشعير والتمر والزبيب" وزاد ابن ماجه
والذرة وفي إسناده محمد بن عبد الله العزرمي
وهومتروك وأخرج البيهقي من طريق مجاهد قال: لم
تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
إلا خمسة فذكرها وأخرج أيضا من طريق الحسن
فقال: "لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه
وسلم إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل
والبقر والغنم والذهب والفضة" وأخرج أيضا عن
الشعبي أنه قال: "كتب رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى أهل اليمن وإنما الصدقة في الحنطة
والشعير والتمر
(2/161)
والزبيب" قال
البيهقي: هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد
بعضها بعضا ومعها حديث أبي موسى رضي الله عنه
ومعها قول عمر وعلي وعائشة رضي الله عنهم "ليس
في الخضروات زكاة" انتهى.
وحديث الخضروات أخرجه الدارقطني والحاكم
والأثرم في سننه أن عطاء ابن السائب قال:
"أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ صدقة من
أرض موسى بن طلحة من الخضروات فقال له موسى بن
طلحة ليس لك ذلك إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يقول ليس في ذلك صدقة" وهو مرسل قوي
وقد أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث إسحاق بن
يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ
بلفظ "وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب
فعفو عفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ: وفيه ضعف وانقطاع وروى الترمذي
بعضه من حديث موسى بن طلحة عن معاذ وقد رواه
ابن عدي من وجه آخر عن أنس والدارقطني من حديث
علي رضي الله عنه ومن حديث محمد بن جحش ومن
حديث عائشة رضي الله عنهما ورواه أيضا البيهقي
عن علي رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه موقوفا
وفي طريق حديث الخضروات مقال لكنه روى من طرق
كثيرة يشهد بعضها لبعض فينتهض للإحتجاج به
وإذا انضم إلى ما تقدم في وجوب الزكاة في تلك
الأجناس الأربعة والخمسة انتهض الجميع
للاحتجاج بلا شك ولا شبهة وقد رويت تلك
الروايات بلفظ الحصر على تلك الأجناس كما سبق
فكان ذلك هو البيان منه صلى الله عليه وسلم
لما أنزله الله تعالى فلا تجب في غير ذلك من
النبانات وقد ذهب إلى ذلك الحسن البصري والحسن
بن صالح والثوري والشعبي وأيضا يمكن الجمع
بطريق أخرى وهي أن هذه الأدلة المذكورة هنا
مخصصة لعمومات القرآن والسنة وذلك واضح ولا
يصح جعل ذلك من باب التنصيص على بعض أفراد
العام لما في ذلك من الحصر تارة والنفي لما
عدا ماذكر أخرى.
وأما كون الواجب العشر إلا في المستثنى فنصف
العشر فوجهه حديث جابر عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشر
وفيما سقى بالسانية نصف العشر" رواه أحمد
ومسلم والنسائي وأبو داود وقال: والأنهار
والعيون
(2/162)
وأخرج البخاري
وأحمد وأهل السنن من حديث ابن عمر "أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: فيماسقت السماء
والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح
نصف العشر" والعثرى بفتح المهملة والثاء
المثلثة وكسر الراء هو الذي يشرب بعروقه وقيل
الذي في سواقي الغيل1 ونحوها.
وأما كون النصاب خمسة أوسق فلحديث أبي سعيد في
الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وفي رواية لأحمد
وابن ماجه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
الوسق ستون صاعا" وفي رواية لأحمد وأبي داود
"والوسق ستون مختوما" .
وأما كونه لا شيء فيما عدا ذلك كالخضروات
وغيرها فوجهه ماتقدم.
وأما كونه يجب في العسل العشر فوجهه حديث عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه أخذ من العسل العشر أخرجه ابن
ماجه وقال: الدارقطني يروي عن عبد الرحمن بن
الحارث وابن لهيعة عن عمرو بن شعيب ورواه يحيى
بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن شعيب ومثله حديث
أبي سيارة عند أحمد وابن ماجه وأبي داود
والبيهقي قال: "قلت يارسول الله إن لى نخلا
قال: فأد العشور" وهو منقطع وأخرج الترمذي عن
ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: في العسل في كل عشرة أزقاق زق" وفي
إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ وأخرج عبد
الرزاق والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ
أدوا العشر في العسل وفي إسناده منير ابن عبد
الله وهو ضعيف والجميع لايقصر عن الصلاحية
للاحتجاج به.
وأما كونه يجوز تعجيل الزكاة فلحديث علي "أن
العباس بن عبد المطلب سأل النبي صلى الله عليه
وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في
ذلك" أخرجه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه
والحاكم والدارقطني والبيهقي وقد قيل إنه مرسل
وقد روى عن علي بلفظ آخر من طريق أخرى أخرجها
ـــــــ
1 الغيل: الماء الجاري على وجه الأرض.
(2/163)
البيهقي أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا كنا احتجنا
فأسلفنا العباس صدقة عامين" ورجاله ثقات إلا
أن فيه انقطاعا وهو في الصحيح من حديث أبي
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في
زكاة العباس "هي علي ومثلها معها لما قيل له
إنه منع من الصدقة" وقد قيل أنه كان سلف منه
صدقة عامين.
وأما كون على الإمام أن يرد صدقات أغنياء كل
محل في فقرائهم فوجهه حديث أبي جحفية قال:
"قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا
فينا وكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا"
أخرجه الترمذي وحسنه وحديث عمران بن حصين أنه
استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له أين المال
فقال: له وللمال أرسلتني أخذناه من حديث كنا
نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووضعناه حيث كنا نضعه" أخرجه أبو داود وابن
ماجه وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ "من خرج
من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشرة في مخلاف
عشيرته" أخرجه الأثرم وسعيد ابن منصور بإسناد
صحيح وفي الصحيحين عن معاذ أن النبي لما بعث
إلى اليمن قال له: "خذها من أغنيائهم وضعها في
فقرائهم".
وأما كونه يبرأ رب المال بدفعها إلى السلطان
وإن كان جائرا فلحديث ابن مسعود في الصحيحين
وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إنها ستكون بعدى أثره وأمور تنكروها قالوا يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تأمرنا قال
: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي
لكم" وأخرج مسلم والترمذي وصححه من حديث وائل
بن حجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا
أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم فقال:
"اسمعوا وأطعيوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم
ما حملتم" وأخرج أبو داود من حديث جابر بن
عتيك مرفوعا بلفظ "سيأتكم ركب مبعوضون فإذا
أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون
فإن عدلوا فلإنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم
فإن تمام زكاتهم رضاهم" وأخرج الطبراني عن سعد
بن أبي وقاص مرفوعا "ادفعوا
(2/164)
إليهم ما صلوا
الخمس" وفي الباب آثار عن الصحابة حتى أخرج
البيهقي عن عمر أنه قال: ادفعوها إليهم وإن
شربوا الخمر وإسناده صحيح وأخرج أحمد من حديث
أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها
إلى الله ورسوله فقال: "نعم إذا أديتها إلى
رسولى فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك
أجرها وإثمها على من بدلها" وأخرج البيهقي من
حديث أبي هريرة "إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك
فإن اعتدى عليك فوله ظهرك ولا تلعنه وقل اللهم
إني أحتسب إليك ما أخذ مني" وقد ذهب إلى ما
دلت عليه هذه الأدلة الجمهور وأن الدفع إلى
السلطان أو بأمره يجزي المالك وإن صرفها في
غير مصرفها سواء كان عادلا أو جائرا.
(2/165)
باب مصارف الزكاة
هي ثمانية كما في الآية وتحرم على بني هاشم
ومواليهم وعلى الأغنياء والأقوياء المكتسبين.
أقول: الآية الكريمة قد تضمنت الثمانية
الأنواع الذين هم مصارف الزكاة وقد أخرج أبو
داود عن زياد بن الحارث الصدائى قال: "أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى
رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يرض بحكم نبي
ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها
ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك"
وفي إسناده عد الرحمن بن زياد بن أنعم
الأفريقي وفيه مقال: وقد أطال أئمة التفسير
والحديث والفقه والكلام على الأصناف الثمانية
وما يعتبر في كل صنف والحق أن المعتبر صدق
الوصف شرعا فمن صدق عليه أنه فقير كان مصرفا
وكذلك سائر الأوصاف وإذا لم يكن للوصف حقيقة
شرعية وجب الرجوع إلى مدلوله اللغوي وتفسيره
فما وقع من الشروط والاعتبارات المذكورة لأهل
العلم إن كانت داخلة في مدلول الوصف لغة
أوشرعا أو الدليل يدل على ذلك كانت معتبرة
وإلافلا اعتبار لشيء منها.
وأما كونها تحرم على بني هاشم ومواليهم فلحديث
أبي هريرة مرفوعا وفيه: "إنا لانأكل الصدقة"
وفي لفظ: "إنا لاتحل لنا الصدقة" وهوفي
الصحيحين وغيرهما وفي حديث أبي رافع: "أن
الصدقة لاتحل لنا وأن موالى القوم من أنفسهم"
أخرجه أحمد وأبوداود والنسائي والترمذي وصححه
وابن حبان وابن خزيمة وصححاه أيضا وفي رواية
لأحمد والطحاوي من
(2/166)
حديث الحسن ابن
علي "لا تحل لآل محمد الصدقة" وفي حديث المطلب
بن ربيعة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن
الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد إنما هي
أوساخ الناس" وهو في صحيح مسلم وفي الباب
أحاديث قال ابن قدامة: لا نعلم خلافا في أن
بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة وكذا حكى
الإحماع أبو طالب من أهل البيت كما حكى ذلك
عنه في البحر وكذا حكى ابن رسلان في شرح السنن
وقد وقع الخلاف في الآل الذين تحرم عليهم
الصدقة على أقوال أظهرها أنهم بنو هاشم وحكم
مواليهم حكمهم في ذلك.
وأما كونها تحرم على الأغنياء والأقوياء
المكتسبين فوجهه مافي الأحاديث الصحيحة
الثابتة عن جماعة " أنها لا تحل الصدقة لغني
ولا لذي مرة سوى" وفي لفظ لأحمد وأهل السنن من
حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار مرفوعا "ولا
حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" وفي بعض الأخبار
"ولا لذي مرة قوي" والمرة بكسر الميم وتشديد
الراء القوة وشدة العقل كذا قال الجوهري.
(2/167)
باب صدقة الفطر
هو صاع من القوت المعتاد عن كل فرد والوجوب
على سيد العبد ومنفق الصغير ونحوه ويكون
إخراجها قبل صلاة العيد ومن لا يجد زيادة على
قوت يومه وليلته فلا فطرة عليه ومصرفها مصرف
الزكاة.
أقول: أما كونها صاعا من القوت المعتاد عن كل
فرد فلحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال:
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر
من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على
العبد والحر والذكر والأنثى الصغير والكبير من
المسلمين والأحاديث في هذا الباب كثيرة وفي
صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره "وليس على
المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر" وأخرج
الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر قال: أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر على
الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون"
وأخرج نحوه الدارقطني من حديث علي وفي إسناده
ضعف وله طرق والخطابات في إخراجها على من ليس
بمكلف إنما هي كائنة مع المكلفين وقد ذهب
الجمهور منهم أحمد والشافعي إلى أنها صاع من
البر وغيره وذهب بعض الصحابة إلى أن الفطرة من
البر نصف صاع وقد حكاه ابن المنذر عن علي
وعثمان وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن
الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى
عنهم بأسانيد صحيحة كما قال الحافظ وإليه ذهب
زيد بن علي والإمام يحيى وأبو حنيفة حكى ذلك
صاحب البحر وقد تمسكوا بحديث ابن عباس مرفوعا
"صدقة الفطر مدان من قمح" أخرجه الحاكم وأخرج
نحوه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده مرفوعا وفي الباب أحاديث تعضد ذلك.
(2/168)
وأما كون
إخراجها قبل الصلاة فلحديث ابن عمر في
الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس
إلى الصلاة وأخرج أبو داود وابن ماجه
والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس مرفوعا
بلفظ " فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة
ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" .
وأما كونه من لا يجد زيادة على قوت يومه
وليلته فلا فطرة عليه فلأنه إذا خرج قوت يومه
أو بعضه كان مصرفا لا صارفا لقوله صلى الله
عليه وسلم "اغنوهم في هذا اليوم" أخرجه
البيهقي والدارقطني من حديث ابن عمر فإذا ملك
زيادة على قوت يومه أخرج الفطرة إن بلغ الزائد
قدرها ويؤيده تحريم السؤال على من ملك ما
يغديه ويعشيه كما أخرجه أحمد وأبوداود من حديث
سهل بن الحنظلية مرفوعا ولأن النصوص أطلقت ولم
تخص غنيا ولا فقيرا وقد أخرج أحمد وأبو داود
عن عبد الله بن ثعلبة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "صدقة الفطر صاع تمر أو صاع
شعير عن كل رأس أو صاع بر أو قمح بين اثنين
صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو انثى غني أو
فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم كم
فيرد الله عليه أكثر مما أعطى" وقد وقع الخلاف
في تقدير ما يعتبر في وجوب زكاة الفطرة فقيل
ملك النصاب وقيل قوت عشر وقال: مالك والشافعي
وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحاق والمؤيد بالله في
أحد قوليه إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة
مالكا لقوت يومه وليلته.
وأما كون مصرفها مصرف الزكاة فلكونه صلى الله
عليه وسلم سماها زكاة كقوله: "فمن أداها قبل
الصلاة فهي زكاة مقبولة" وقول ابن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر وقد
تقدما ولكنه ينبغي تقديم الفقراء للأمر
بإغنائهم في ذلك اليوم فما زاد صرف في سائر
الأصناف.
(2/169)
|