الدرر
البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
إِن الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَستعِينُهُ، وَنَستغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيئاتِ أعْمَالِنَا، مَن يَهْدِهِ اللهُ
فَلاَ مُضِل لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأشْهَدُ أنْ لاَ إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ.
وَأشْهَدُ أن مُحَمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بَعْدُ:
"فإنهُ يَنبغِي لِكُل أحَد أن يَتَخَلقَ بِأخْلاَقِ رَسُولِ - صلى الله
عليه وسلم -، وَيَقْتَدِيَ بِأقْوَالهِ وَأفْعَالِهِ وَتَقْريرهِ؛ فِي
الأحكَامِ وَالآدَابِ وَسَائِر مَعَالِمِ الإسْلاَمِ، وَأنْ يَعْتَمِدَ فِي
ذلِكَ مَا صَح وَيَجْتَنِبَ مَا ضَعُفَ، وَلاَ يَغتر بِمُخَالِفِي السننِ
الصحِيحَةِ، وَلاَ يُقَلدَ مُعْتَمِدِي الأحَادِيثِ الضعِيفَةِ؛ فَإن اللهَ
-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَالَ: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وَقَالَ- تَعَالَى-: {لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، وَقَالَ- تَعَالَى-:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ؛ فَهذِهِ الآيَاتُ -وَمَا فِي
مَعناهُن- حَث عَلَى اتباعِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَنَهَانَا عَنِ الابْتِدَاعِ وَالاخْتِرَاعِ، وَأمَرَنَا اللهُ
-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عِنْدَ التنازُعِ
(1/5)
بِالرجُوعِ إِلَى الله وَالرسُولِ -أي:
الكِتَابِ وَالسنةِ-، وَهذَا كُلُّهُ فِي سُنة صَحتْ، أما مَا لَمْ تَصح:
فكيْفَ تكُونُ سُنةَ؟! وَكَيفَ يُحكَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - أنهُ قَالَهُ أوْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْر مُسَوغٌ لِذلِكَ؟!!
وَلاَ تَغْتَرن بِكَثْرَةِ المتساهِلِينَ فِي العَمَلِ -وَالاحْتِجَاجِ فِي
الأحكامِ- بِالأحَادِيثِ الضعِيفَةِ! وَإنْ كَانُوا مُصَنفِينَ وَأئِمة فِي
الفِقهِ وَغَيْرهِ!!.." (1) .
وَ"الفِقْهُ فِي الدينِ: مِنْ أفْضَلِ مَا يُتَنَافَسُ فِيهِ وَيُطلَبُ،
وَيُثَابَرُ عَلَى السعْي فِي تَحْصِيلِهِ وَيُرْغَبُ؛ لأن بِهِ صَلاَحَ
العَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَبِهِ يَهتدِي مِنْ غَيهِ
لِرشَادِهِ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ الفَلاَحِ وَالسعَادَةِ، وَبِهِ يُتَمكنُ
مِنَ القِيَامِ بِوَاجِبِ العِبَادَةِ، وَأهلُهُ هُمُ الوَاسِطَةُ بَينَ
اللهِ وَبَينَ خَلقِهِ فِي تَبلِيغِ شَرعِهِ وَأحكَامِهِ، وَتَمْيِيز
حَلاَلِهِ مِن حَرَامِهِ.
وَقَدْ فَازَ بِهذِهِ الفَضِيلَةِ الصدرُ الأولُ، وَمَن عَلَى نَقْلِهِمْ
وَفَهْمِهِمْ فِي النصُوص المعَولُ؛ فَاقتسَمُوا إِرثَ النبوةِ فَرْضاً
وَتَعصِيباً، وَلَمْ يَترُكُوا لِسِوَاهُمْ مِنْ تِلك الفَريضَةِ حَظاً
وَلا نَصِيباً، ثُم اقتدَى بِهِمْ فِي نَهْجِهِمِ القَويمِ الأسنى؛ مَنْ
سَبَقَت لَهُ مِنَ اللهِ السعَادَةُ وَالحُسنى، حَتى انتهَت تِلكَ
الورَاثَةُ إِلى الأئِمةِ الكِبَارِ، المقتدَى بِهِم فِي سَائِر الأعصَارِ
وَالأمصَارِ، فكَانُوا وَسَائِلَ وَطرُقاً وَأدِلةَ بَيْنَ الناس وَبَيْنَ
الرسُولِ، يُبَلغُونَهُمْ مَا قَالَهُ، وَيُفَهمُونَهُمْ مُرَادَهُ؛
بِحَسْبِ اجتِهَادِهِم وَاستِطَاعَتِهِمْ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم-" (2) .
وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلاَءِ الأئِمةِ الفُحُول، المقتفِينَ آثَارَ الرسُول -
صلى الله عليه وسلم -: الشيْخُ
__________
(1) "خلاصة الأحكام" (1/59-60) للإمام النووي.
(2) "هداية الأريب الأمجد" (5-6) للشيخِ سليمان بن حمدان.
(1/6)
العلامة صِديق حسن خان -تغمده بِعفوهِ
الرحِيم الرحمن-؛ فَقدْ ألفَ كِتَاباً فريداً، نسج فِيهِ منهجاً سدِيداً؛
سماه "الروضة الندِية" (1) ؛ مَبْنِيّاً على الدلائِل البَينةِ العِلمِية.
وَلَقَدْ "سَلَكَ فِيهِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- مَسْلَكَ الإنْصَاف،
وَجَانَبَ فِي الترجِيحِ سَبِيلَ الجَورِ وَالاعْتِسَاف، وَهَذبَ
مَبَانِيَه، وَحَررَ مَعَانِيَه، وَاعتنَى بِتَقْدِير الأدِلةِ وَنَصْب
أَعلاَمِهَا، وَتَوضِيحِ وُجُوهِ الدلالَةِ وَأحكَامِهَا، وَذَكرَ
مَذَاهِبَ الأسلاَف، وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم مِنَ الوفَاقِ وَالخِلاَف،
مَعَ تَرجِيحِ مَا عَضَدَهُ البُرهَان، مِنْ غَير نَظر فِي ذلِكَ إِلَى
خُصُوصِيةِ إِنْسَان، رَائِياً أَن الحَق أَحَقُّ بِأنْ يَعَض بِالنوَاجِذِ
علَيْهِ، وَأن مَا سِوَاهُ يُطرَحُ فِي زَوَايَا الإهْمَالِ وَلاَ يُعَولُ
عَلَيهِ" (2) .
فَجَاءَ كِتَاباً رَائِعاً، بَدِيعاً جَامِعاً، بِعِبَارَة سَهْلَةِ
مُيَسرَة، وَأدِله مُنَقحَة مُحَررة، وَمَسَائِلَ مُنضَبِطَةِ مُحَبرَة.
وَلِمَا لِهذَا الكِتَابِ مِنْ أهَمييما وَمكَانَة -بِمَا حَوَاهُ مِنْ
قُوة وَمَتَانَة-: فقد اعتنَى بِهِ عُلَمَاؤُنَا، وَأوْصَى بِهِ
كُبَرَاؤُنَا؛ وَدَرسَهُ وَشَرَحَهُ فُضَلاَؤُنَا:
-فَهَذَا الشيخُ العَلامَةُ أحمَد مُحَمد شَاكِر- المتَوَفى سَنَةَ (1377
هـ) -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يَقُومُ بِالتعْلِيق. عَلَيهِ وَخِدْمَتِهِ
-كمَا فِي آخِر الطبعَةِ
__________
(1) وكان قد سماه -قَبْلُ-: "النفحة الأحمديّة"؛ كما في كتابه "الحطة في
ذِكر الصحاح الستة" (ص 483) بتحقيقي.
(2) من مقدمة الشيخِ محمد قاسم -مصحح المطبعة المصرية الأميرية- للطبعة
الأولى من "الروضة الندية" -كما في كتاب "السيد صديق حسن خان" (ص 77) -
لأختر جمال لقمان -نشر دار الهجرة-.
(1/7)
المنِيريةِ-. (1) (2/365) بِقَلَم الشيْخ
شَاكِر نَفْسِه؛ حَيْثُ قَالَ:
"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: عَهِدَ إِلَي الأخ الأستاذُ الشيْخُ
مُحَمد مُنِير الدمَشْقِي (2) -صَاحِبُ (إِدَارَةِ الطباعَةِ المنِيريَةِ)
- بِتَصحِيحِ هذَا الكِتَابِ -"الروْضَةِ الندِيةِ"-؛ فَقُمْتُ
بِمُرَاجَعَةِ الأصْل الَذِي يُطبعُ مِنْهُ، وَبَذَلتُ وُسْعِي فِي
مُرَاجَعَةِ مَا عَرَضَ مِنَ الشبهَاتِ فِي تَخْريجِ الأحَادِيثِ
وَالكَلاَمِ عَلَى رُوَاتِهَا، وَكَتَبْتُ مَا عَن لِي مِنَ التَعْلِيقاتِ؛
رَغْبَةً فِي خِدْمَةِ السنةِ الشريفَةِ.
وَنَسْألُ اللهَ أن يُعِينَنَا عَلَى القَصْدِ إِلَى الخَيْر.
أحْمَد مُحَمد شَاكِر -القَاضِي الشرْعي-".
وَهذَا شَيْخُنَا العَلامَةُ الألبَانِي -حَفِظَهُ اللهُ-، يَنْصَحُ بِهِ
(3) ، وَيُدَرسَه (4) ، بَلْ وَيَضَعُ عَلَيْهِ تَعْلِيقاً مكْتُوباً،
وَنَقْداً لَطِيفاً مَرْغُوباً -وَهُوَ هذَا الَذِي بَيْنَ أيْدِينَا-؛
وَقَدْ سَماهُ "التَعْلِيقَاتِ الرضية عَلَى الروْضَةِ الندِية".
مِنْ أجْل هذَا كُلهِ: رَأيْتُ لُزُومَ نَشْر الكِتَابِ، مَعَ تَعْلِيقَاتِ
مَشَايِخِنَا عَلَيهِ؛ فَلَما عَرَضْتُ هذا الأمْرَ عَلَى شَيْخِنَا
-نَفَعَ اللهُ بِهِ- وَافَقَ ذلك مُبَارَكَةً كَرِيمَةً مِنْه -حَفِظَهُ
اللهُ تَعَالَى، وَنَفَعَ بِهِ-؛ فَدَفَعَ إِلَي نُسْخَتَهُ الخَاصَّةَ،
المكْتُوبَةَ
__________
(1) وهذا النصُّ -كلُّه- محذوف من الطبعات المتداوَلَةِ المصوّرة
-جميعاً-!!
(2) وَصفَ الشيخُ الدمشقِي مؤلفَنَا -رحمهما الله تعالى- في كتابه "أُنموذج
من الأعمال الخيرية" (ص 395) ، بـ (الإمام، العلامة، محيي آثار السلف
الصالح، ذي الأيادي البيضاء، والنعَم العظيمة على العلماء..".
(3) كما في مجلة (الأصالة) (عدد: 5/ص 59) .
(4) انظر ما سيأتي (ص 12) .
وكاتبُ هذه السطور -عفا الله عنه- درس لمجموعة طيبة من طلاب العلم ثلاثةَ
أرباعِ هذا الكتاب في نحو مئة وسبعين مجلساً، ولم يَبقَ منه -بمنّة الله-
إلا القليل؛ سائلاً ربي -سُبحانه- أن يُعينني على إتمامه، وأن يُيَسر لي
أسباب ذلك.
(1/8)
عَلَى حَوَاشِيهَا تَعْلِيقَاتُهُ،
وَنَقَدَاتُهُ -بِخَطه (1) -، لأقُومَ بِتَحْقِيقِهَا وِإظهَارِهَا إِلَى
حَيز الوُجُودِ-؛ فَجَزَاهُ اللهُ خَيْراً عَلَى حُسْن ظَنهِ بِوَلَدِهِ
وَتِلمِيذِهِ، وَأكْرَمَهُ فِي الدارَين بِأكْمَل الحُسْنَيَيْن.
كل ذلِكَ إِفَادَةَ لِلأمةِ، وَعِنَايَةَ بِهَا، وِإعِظاماً لأمْرهَا؛
عَسَى أنْ يَكتبَنَا اللهُ -سبْحَانَهُ- مِنْ حَمَلَةِ العِلمِ النبوي
الشريف، قَائِمِينَ بِالعَمَل، وَالتَعْلِيمِ، وَالتَعْريف.
فَاللهَ أسْألُ التَوْفِيقَ وَالسدَاد، وَالهُدَى وَالرشَاد.
وختاماً، فإني أتقدّم بالشكر الجزيل لِكُل مَن كان له يَد في نَشر هذا
الكتاب؛ تعليقاً (2) ، وتصحيحاً، وتنضيداً، وتدقيقاً، وضبطاً.
وشكر خاص موصول: للأخ الفاضل أبي عبد الله كمال الدين بن حُسين عُويس -وفقه
الله لمراضيه-، صاحب دار ابن عفان/القاهرة-، على صَبْرهِ، واحتمالِه،
وقيامِهِ بالدعم المادي والأدَبي -الدؤوب- لإخراج هذا العَمَل العلميّ
مطبوعاً، مشرقاً، بهياً؛ فجزاه اللهُ خيرَ الجزاءِ، وزادَنا وإياه من
فضلهِ.
وَصَلى اللهُ وَسَلمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِينا مُحَمدِ الأمِين، وَعَلَى
آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِين.
وَكَتَبَ
أبُو الحَارِثِ الحَلَبِيُّ الأثَرِيُّ
23 رجب 1419 هـ
الزرقَاءَ - الأُردن
__________
(1) انظر ما سيأتي (ص 29-33) .
(2) وقد كان عندى كم كبير من التعليقات؛ إضافةَ، وشرحاً، وبياناً، ونقداً،
لكني لم أضعها -جميعاً- هنا؛ تعجيلاً بالخَير، وإفادة للأمة علمَ عُلمائها
...
عسى أن يُهيئ الله -سبحانه- لي تبييض هذه التعليقات وإثباتها -كلها- في
طبعة قادمة -إن شاء الله-.
(1/9)
تعريف بـ "التعليقاتُ الرَّضية على
الرَّوضة النَّديَّة"
* هِيَ تَعْلِيقاتٌ عِلْمِيةٌ مُنَوعَةٌ؛ بَلَغَتْ نَحْواً مِنْ ألفِ
تَعْلِيق.
* وَهِيَ -أَصْلاً- مُلاَحَظَات عَلَى "الروضَةِ" (1) عَرَضَتْ أثْنَاءَ
تَدْرِيس الكِتَابِ، وَشَرْحِهِ لِطَلَبَةِ العِلْمِ؛ ولكنّها لم تستوعب
كُل ما ينبغي التعليقُ عليه؛ فضلاً عن تغير الاجتهاد -فقهاً ونقداً- في عدد
منها.
* وَعَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ هذِهِ التعْلِيقَاتِ -أيضاً- جَاءَتْ زِيَادَةً
عَلَى تِلكَ الملاَحَظَاتِ؛ جَراءَ نَظَر الشيْخِ فِي الكِتَابِ، أوْ
نَقْدِهِ، وَتَخْرِيجِهِ لِبَعْض المرْوِياتِ الوَارِدَةِ فِي كُتُبِ
أخْرَى؛ فَيَضَعُ خُلاَصَةَ بَحْثِهِ فِي تَعْلِيقِ لَهُ هُنَا.
وَقَدْ جَاءَ عَدَد مِنْ تعْلِيقَاتِهِ هذِهِ -حَفِظَهُ اللهُ- عَلَى
تَعْلِيقَاتِ لِلشيخ أحْمَد شَاكِر عَلَى "الروضَةِ" (2) .
__________
(1) وقد حققها وخرج أحاديثها -قبل عدة سنوات- الأخ الفاضل الشيخ محمد صبحي
حلاق في مجلدين كبيرين.
وقد استفدنا -في طبعتنا هذه- من بعض ما أثبتَه من تبويبات جانبية، وعناوين
فرعية؛ فجزاه الله خيراً.
(2) وقد كتب شيخنا -بخطه- على صفحة غلاف "الروضة" من نسخته: "هذا التعليق
للعلامة
المحدث المجتهد القاضي أحمد محمد شاكر، كما صرح في كتابه "نظام الطلاق في
الإسلام" في غير موضع".
تنبيه: أثبت في حواشي كتابِنا هذا تعليقاتِ الشيخ أحمد شاكر كاملة، وميزتها
بوضع حرف (ش) في نهاية كل تعليق.
وأما تعليقاتُ شيخنا الألباني: فميزتُها بوضع مُرَبع أسود [[قال مُعِدُّ
الكتاب للشاملة: في هذه النسخة الإلكترونية، دائرة سوداء هكذا •]] قبلها،
وحرف (ن) بعدَها.
وما كان خالياً من التمييز؛ فهو من تعليقاتي.
(1/11)
* كَتَبَ شَيْخُنَا -بِخَطهِ- عَلَى آخِر
نُسْخَتِهِ مِنَ "الروضَةِ" مَا لَفْظهُ: "فَرَغْنَا مِنْ قِرَاءَتِهِ
بِمنَاسَبَةِ الاعْتِدَاءِ المثَلثِ (1) عَلَى مِصْرَ لَيْلَةَ السبْتِ (
... (2) /4/1377 هـ) .
ثُم فَرَغْنَا مِنْ قِرَاءَتِهِ كُلهِ -حَاشَا كِتَابَ الوَصِيةِ- لَيْلَةَ
السبْتِ (29/8/1379 هـ) . ".
* وَهذِهِ التَعْلِيقَاتُ (الرضيةُ) مُنَوعَةٌ مُتَعَددَةٌ، مِنْهَا (3) :
أولاً: شَرْحُ الغريبِ؛ وَمِنْ أمثِلَتِهِ:
1- قَالَ فِي (1/4) شَرْحاً لِكَلِمَةِ (العِلقِ) : "بِكَسْر العَيْن:
النفِيسُ مِنْ كُلٌ شَيْءِ، وَالجِرَابُ؛ وَلَعَل هذَا هُوَ المرَادُ
هُنَا".
2- شَرَحَ في (1/187) (الخَلِفَات) ، وَقَالَ: " اسْمٌ لِلنوقِ الحَوَامِل،
وَاحِدَتُهَا خَلِفَة، وَبِنْتُ المخَاض، وَابنُ المخَاضِ: مَا دَخَلَ فِي
السنةِ الثانِيَةِ ... " إلخ.
3- وَشَرَحَ فِي (1/187) -أيْضاً- (ابْن اللبونِ) ، مُبيناً أنهُ: "مَا
أتَى عَلَيْهِ سَنَتَانِ مِنَ الإِبِل ... ".
__________
(1) وَيُسمى (العدوان الثلاثي) ، وهي: (حرب ثلاثية، إسرائيلية، إنكليزية،
فرنسية؛ ضربت قناة السويس، وأنزلت الجنود في بورسعيد، والإسماعيلية؛ بعد
احتلال سيناء، وانتهت بهزيمة العدوان الثلاثي وإخلاء سيناء) ؛ كما في
"موسوعة دول العالم الإسلامي ورجالها" (4/2152) للدكتور شاكر مصطفى.
(2) كذا "الأصل" فراغ!
(3) والأرقام المذكورة تالياً هي أرقام "الأصل" الذي بخط شيخنا.
(1/12)
4- شَرَحَ فِي (2/12) مَعنى "العَصَبَةَ"
نَاقِلاً إِياهُ عَنْ "نِهَايَةِ" ابْن الأثير.
5- بَين فِي (2/13) خَطَأ تَفْسِير "عَوَان"، مُبَيناً وَجْهَ الصوَابِ
فِيهِ.
ثَانِياً: التخْريجُ، وَالنقْدُ؛ وَمِن أمثِلَتِهِ:
1- قَالَ فِي (1/12) تَعْلِيقاً عَلَى قَوْلِ المؤَلفِ: (النهْيُ عَن
الوُضُوءِ بِفَضْل وَضُوءِ المَرْأةِ) : "يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ: نَهَى
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ تَغتسِلَ المَرْأةُ بِفَضْل
الرجل.."، ثُم قَالَ: رَوَاهُ أبُو دَاودَ، وَالنسَائِي، بِسَنَدِ صَحِيح".
2- فَصلَ فِي (1/42) بِإِيضَاحِ الزيادَاتِ بَيْنَ الروَايَاتِ فِي
العَزْوِ.
3- فَصلَ فِي (1/164) بِتَخريجِ حَدِيثِ خُرجَ إِجْمَالاً؛ مُبَيناً
مُخَرجَهُ وَصَحَابِيهُ.
4- خَرج (1/196) حَدِيثَ: "الوَسْقُ سِتونَ صَاعاً"! مُبَيناً مَصَادِرَهُ،
وَمُعِلاً لَهُ بِالانْقِطَاعِ..
5- خَرجَ فِي (1/222) حَدِيثاً، مُشِيراً إِلَى تَصْحِيحِ جَمَاعَةِ مِن
أهْل العِلمِ لَهُ، ثُم ذَكَرَ بَعْضَ مَنْ ضَعفَهُ، مُرَجحاً
تَضْعِيفِهِ..
6- أشَارَ فِي (1/272) إِلَى تَتَبُّع ألفاظِ حَدِيث فِي "الصحِيحَيْن"،
ثُم بَين أنه لم يَجِد لَفْظَةَ ذَكَرَهَا المصَنفُ -رَحِمَهُ اللهُ-.
ثَالِثاً: المُنَاقَشَةُ وَالتَعَقب؛ وَمِن أمثَلَتِهِ:
1- نَاقَشَ فِي (1/7) صِحةَ حَدِيثِ القُلتيْن مُؤَيداً ثُبُوتَهُ، ثُم
قَالَ:
(1/13)
"فَلاَ التِفَاتَ إِلَى قَوْلِ مَنْ
ضَعفَهُ؛ لأنهُ وَهَمٌ نَشَأ مِنْ عَدَمِ تَتَبع طُرُقِ الحَدِيثِ".
2- ثُم قَالَ فِي (1/7) حَوْلَ الحَدِيثِ نَفْسِهِ؛ رَاداً عَلَى مَنْ
أعَلهُ بِالاضْطِرَابِ، قَائِلاً: "وَخُلاَصَةُ الجَوَابِ أن الحَدِيثَ
صَحيحٌ إِسْنَادُهُ، وَالاضْطِرَابُ المَزْعُومُ فِيهِ لاَ يَضُر، وَأَن
مَتْنَهُ بِلَفْظِ: "قُلتيْن"، وَأما مَا يُخَالِفُهُ؛ فهو إِما شَاذٌّ أوْ
ضَعِيف، لا يَنْهَضُ لِمُعَارِضِةِ النص الصحِيحِ".
3- نَاقَشَ فِي (1/5) تَعْلِيلاً مِنَ المؤَلفِ لِحَدِيثِ: "المَاءُ طَهُور
... "، ثم قَالَ: "فَالعِلةُ مَا ذَكَرنا مِنْ الجَهَالَةِ، لا مَا أرَادَ
أنْ يُصَورَهُ الشارحُ مِنَ الاخْتِلاَفِ".
ْ4- تَعَقبَ فِي (1/13) عَزْوَ المصَنفِ حَدِيثاً لِلبَيْهَقِيٌ؛ قَائِلاً:
"لَقَدْ أبْعَدَ المصَنفُ النجْعَةَ، فَالحَدِيثُ رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ،
وَابْنُ مَاجَه -أيْضاً-، وإسنادُهُ صَحِيحٌ، -كَمَا بَينْتُهُ فِي
"صَحِيحِ السنن" (رَقْمِ 408) -".
5- تَعَقبَ فِي (1/14) تَعْلِيلَ المصَنفِ النهْيَ عَن الصلاَةِ فِي
معَاطِن الإبِل، بِأنَهَا: "رُبمَا تُؤْذِي المصَلي"! بِقَوْلِهِ: "هذَا
التعْلِيلُ لا أصلَ لَهُ فِي السنةِ..".
6- تَعَقبَ فِي (1/157) عَزْوَ المصَنفِ لحَدِيثِ عَنْ سَمُرَةَ فِي
"صَحِيحِ مُسْلِم"، وَكَشَفَ مَا فِي طَيٌ ذلِكَ مِنْ وَهَم.
7- رَد عَلَى الصَنفِ فِي (1/173) اسْتِدْلاَلَهُ بِحَدِيث عَلَى اتباَع
الجَنَازَةِ! بَيْنَما هُوَ فِي الانْصِرَافِ مِنْهَا!
(1/14)
8- تَعَقبَ المصَنفَ فِي (1/183)
بِنَقْلِهِ عَن الشوْكَانِى نَصّاً، مَعَ تَرْكِهِ جُزْءاً مُهِماً مِنهُ!
رَابِعاً: شَرحُ مُصطَلَحَات حدِيثِية، وَذِكرُ قَوَاعِدَ اصطِلاَحِيةِ؛
وَمِنْ أمثِلَتِهِ:
1- شَرح فِي (1/5) مُصطَلَحَ (غَريب) عِنْدَ ابْن الملَقن، قَالَ:
"يَعْنِي: لاَ يُعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ؛ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي المقَدمَةِ".
2- قَالَ فِي (1/20) : "وَمَرَاسِيلُ الحَسَن ضَعِيفَة، قَالُوا: إِنهَا
كَالرٌيحِ".
3- تكلمَ فِي (1/44) عَنْ قَاعِدَةِ انْجِبَارِ الحَدِيثِ بِكَثْرَةِ
طرُقِهِ، مُبَيناً شَرطهَا، وَأنْ لاَ يكُونَ فِيهَا مُتهَم أو مَتْرُوك.
4- وَكذلِكَ أشَارَ فِي (2/21) إِلَى القَاعِدَةِ نَفْسِهَا.
5- أشَارَ فِي (1/161) إِلَى تسَاهُل ابْن حِبانَ فِي تَوْثِيقِهِ
المجَاهِيلَ.
6- بَين فِي (1/165) أن الاستِحبابَ حكْمٌ شَرْعِي، لاَ يَثْبُتُ إِلا
بِدَلِيل صَحِيح.
7- بَين فِي (2/12) عَدَمَ جَوَازِ رَد الحَدِيثِ بِنِسيَانِ رَاو، مَعَ
حِفْظِ آخَرَ لَهُ.
خَامِساً: تَصحِيحُ الأَخْطَاءِ المَطبَعِيةِ وَالسقطِ؛ وَمِن
أَمْثِلَتِهِ:
1- قَالَ فِي (1/4) تَعْلِيقاً عَلَى قَولِ المؤَلفِ: (طَالِبُ الحَقٌ
الصادِقِ) : "لَعَلهُ: لِلحَقٌ صَادِقٌ".
(1/15)
2- قَالَ فِي (1/10) : "وَلَعَلهُ سَقَطَ
مِنْهُ قَوْلُهُ: "كَوْنِهِ سَاكِناً" كَمَا يَدُل عَلَيْهِ السياقُ
وَالسباقُ".
3- بَينَ فِي (1/259) خَطَأ فِي النقْل عَن الترْمِذِيٌ تَحْسِينَ حَدِيث،
مُشِيراً إِلَى أن ذلِكَ تَحْريف؛ مِنَ الناسخِ، أوِ الطَابعِ!!
سَادِساً: الشرحُ، وَالبَيَانُ، وَالتَعْرِيفُ، ومِنْ أمْثِلَتِهِ:
1- قَالَ فِي (1/43) تَعقِيباً عَلَى قَوْلِ المصَنفِ -فِي شَرح حَدِيثِ
"إِنَمَا الأعْمَالُ بِالنياتِ"-: "فَإنْ كَانَ المقَدرُ عَاماً" ما
لفظُهُ: "أيْ: لاَ عَمَلَ إِلا بِالنيةِ، وَلَما كَانَ هذَا مَتْروكَ
الظاهِر -لأن الذوَاتِ غَيْر مُنْتَفِيَةِ- قَيدَهُ الشارعُ بِالعَمَل
الشرْعِيٌ، وإنْ كَانَ خَاصّاً بِالأعْمَالِ -الأعْمَالِ الصالِحَةِ- كَمَا
يَدُل عَلَيْهِ سِيَاقُ الحَدِيثِ".
2- نَاقَش (1/64) مَسْألَةَ صِفَةِ الحَيْض وَحَقِيقَتِهِ، رَاداً عَلَى
المُصَنفِ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ الصُّفْرَةَ وَالكُدْرَةَ.
3- قَالَ فِي (1/148) تعْلِيقاً عَلَى قَوْلِهِ "ليْلَةُ الهَرِيرِ":
"بِفَتحِ الهَاءِ"، ثَم شرَحَهَا، وَذَكَرَ تَعْريفَهَا نَقْلاً عَن
النَوَوِي في "تَهْذِيبِ الأسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ".
4- عَرف فِي (1/150) الفَرْسَخَ، وَالبَريدَ.
5- أفَادَ فِي (1/178) أن الأصْوَبَ فِي بِنَاءِ القَبْر تَسْنِيمُهُ،
دُونَ تسطيحه.
6- فَرق فِي (1/253) بَيْنَ سَدْلِ المحرمَةِ عَلَى وَجْهِهَا
-فَأجَازَهُ-،
(1/16)
وَبَيْنَ تَنَقبِهَا -فَمَنَعَهُ-.
7- ثَبتَ فِي (1/254) القَوْلَ بِالإجِمَاع عَلَى إِفْسَادِ الحَجٌ
بِالجِمَاع.
سَابِعاً: الاخْتِيَارُ وَالترْجِيحُ؛ وَمِنْ أمثِلَتِهِ:
1- قَالَ فِي (1/18) تَعْقِيباً عَلَى كَلاَمِ المصَنفِ حَوْلَ
(النجَاسَاتِ) :
"كَانَ اللائِقُ ذِكْرَ المذْي فِي النجَاسَاتِ المَنْصُوص عَلَيْهَا؛
لِوُرُودِ الأَمْر بِغَسلِهِ؛ كَمَا يُشِيرُ المؤَلفُ نَفْسُهُ إِلَى
ذلِكَ".
2- نَقَدَ فِي (1/18) نَقْلَ القُرْطُبِي القَوْلَ بِالاتفَاقِ عَلَى
نَجَاسَةِ الدمِ؛ مرَجحاً خِلاَفَهُ.
3- أفَاضَ فِي (1/60) فِي تَرْجِيحِ عَدَمِ مَشْرُوعِيةِ المسْحِ عَلَى
الجَبِيرَةِ، مُنَاقِشاً الدلاَئِلَ وَالمسَائِلَ.
4- رَجحَ فِي (1/99) "أن السُّنةَ الوَضع عَلَى الصَدْرِ"، وَبَينَ أن مَا
يُخَالِفُهُ: "ضَعِيف بِاتفَاقِ المحَدثِينَ؛ فَلاَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ".
5- رَجحَ فِي (1/156) وَجُوبَ صَلاَةِ الكسُوفِ.
6- رَد فِي (1/180) عَلَى مَنْ مَنَعَ اتباعَ النسَاءِ لِلجَنَائِز،
مُبَيناً أنهُ - صلى الله عليه وسلم - مَنَعَهُن دُونَ عَزْم عَلَيْهِن.
... وَغَيْرُ هذَا وَذَاكَ -كَثِير- مِنْ مَبَاحِثَ شَرْعِيةِ، وَنَقَدَاتِ
عِلمِيةِ؛ تُفِيدُ البَاحِثِينَ، وَتَنْفَعُ الراغِبِينَ.
(1/17)
فَجَزَى اللهُ -سُبحَانَهُ- خَيْراً:
شَيْخَنَا؛ عَلَى مَا قَدمَ -وَيُقَدمُ- مِنْ أعمَال عِلمِية فِقْهِية
حَدِيثِة؛ لهَا أثَرُهَا فِي الأمةِ، وَتَأصِيلِ بِنَائِهَا.
(1/18)
ترجمة العلامة صدِّيق حسن خان
جرى المصنف -رحمه الله- على أن يترجم لنفسه في خواتيم بعض كتبه الهامة،
مثل: "أبجد العلوم" (3/271) ، و "التاج المكلل" (541) ، و"إتحاف النبلاء"
(263) ، وفعل مثل ذلك في خاتمة كتابه "الحِطة في ذكر الصحاح الستة" المطبوع
-بتحقيقي- (ص 471-485) .
وهو إذ يترجم لنفسه يتوسع في ذلك ويُفيض؛ فيذكر مولده، ونشأته، وأخذه عن
العلماء، ورحلاته، وأعماله، ومؤلفاته.
بيد أنه لا مناص في هذه المقدمة من إيراد ترجمة وجيزة مختصرةِ له، تضعُ بين
يدي القارىء نبذة من حياتهِ -رحمه الله-، فأقول:
* هو أبو الطيب، صديق حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القِنوجي،
نزيل بهوبال - الهند.
* كان مولده في التاسع عشر من شهر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومئتين
وألف من الهجرة النبوية، ببلدة "بريلي" موطن جده لأمه، ثم انتقلت أسرته إلى
بلدة "قِنوج" موطن آبائه، ولما بلغ السادسة من عمره انتقل والده إلى رحمة
الله -تعالى-، وبقي في حِجر أمه يتيماً، ونشأ عفيفاً، طاهراً، محباً للعلم
والعلماء.
* سافر إلى "دِهْلِي" ليتم تعليمه فيها، واجتهد في إتقان معارف القرآن
(1/19)
والسنة وتدوين علومِهما، وكانت له رغبة في
اقتناء الكتب، وفهم زائد في قراءتها، وتحصيل فوائدها، وبخاصّةِ كتب التفسير
والحديث والأصول، ثم سافر إلى "بهوبال" طلباً للمعيشة، فتزوج ملكتها، وفاز
بثروة وافرة.
* شيوخه عدة: منهم الشيخ محمد يعقوب أخو الشيخ محمد إسحاق حفيد الشيخ عبد
العزيز الدهلوي المحدث، ومنهم الشيخ القاضي حسين بن محسن السبيْعي
الأنصاري، والشيخ عبد الحق بن فضل الهندي (1) .
* كان له في التأليف مَلكةٌ عجيبة، بحيث يكتب عدة كراريس في يوم واحد،
ويصنف الكتب الفخمة في أيام قليلة، وقد شاعت كتبه وانتشرت في أقطار العالم
الإسلامي، وكتب له كثير من العلماء رسائل فيها الثناء على كتبه والدعاء له،
وعُد من رجال النهضة الإسلامية المجدّدين.
* ترجمه الجمُّ الغفير من المصنفين؛ فله ترجمة في: "طبقات الأصوليين"
(3/160) ، و"مشاهير علماء نجد" (541-457) ، و"حلية البشر" (2/
__________
(1) وقد أكثر المصنفُ -رحمه الله- في كتبه من إطلاق كلمة "شيخنا" عند ذكر
الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى-، فهذا يشعر أنه قد تتلمذ له، أو أجيز
منه! وقال الكتاني في "فهرس الفهارس" (2/1055) : "ما يوجد في كتبه -يعني
القِنوجي- من قوله في القاضي الشوكاني: شيخنا؛ فتجوز أو تدليس، وكيف يمكنه
الأخذ عن الشوكاني وهو في قطر، والآخر في غيره؟! إلا أن يكون أجاز لأهل
عصره! ولا نتحققه ... ".
قلت: هو تجوُّز يدللُ المصنف فيه على احترامه وإكباره للشوكاني، وليس
بتدليس؛ بديل أنه -رحمه الله- يقول أحياناً عنه: شيخ شيوخنا، ولقد قال
المصنف -رحمه الله تعالى- في "أبجد العلوم" (3/194) : "وقد أتحفني شيخي عبد
الحق الهندي بكتاب شيخه الشوكاني "إتحاف الإكابر بإسناد الدفاتر"، ولي
أسانيد أخرى إلى الشوكاني.. ولله الحمد والمنة".
ومثل هذا -تماماً- ما هو مذكور في مقدمته على هذا الكتاب الذي بين أيدينا؛
فانظر (ص 80) منه.
قلت: وانظر كلمة الأستاذ إبراهيم إبراهيم هلال في كتاب "قطر الولي" (ص 33)
، ومقدمة الأستاذ محمد إسماعيل السلفي لكتاب "شرف أصحاب الحديث" (ص 10) طبع
جمعية أهل الحديث - باكستان.
(1/20)
746) ، و "أنموذج الأعمال الخيرية" (388) ،
و "الأعلام" (6/167) ، و"نزهة الخواطر"، (8/187) و"جلاء العينين" (30) ، و
"معجم المؤلفين " (10/90) ، و"هدية العارفين" (2/388) ، و "معجم المطبوعات"
(1201) ، و"فهرس الفهارس" (2/1055) ، و"إيضاح المكنون" (1/10) ، و"تاريخ
آداب اللغة العربية" (2/96) ، و"المنْجِد" (421) ، و"عثرات المنْجِد" (317)
، و "التعليقات الظراف على الإتحاف" (34) ، و"حركة التأليف باللغة العربية
... " (274) ، و "اكتفاء القنوع" (497) و"تاريخ الأدب العربي" (2/859 -
الملحق) ، و"الثقافة الإسلامية في الهند" (141) ، و"كشف الظنون عن كشف
الظنون" (ص 3) ، و " مجلة الحج " (11/636) ، و"مجلة الجامعة الإسلامية"
(12/47) .
ولسليم فارس الشدْياق كتاب في ترجمته وذكر المثْنِين عليه، اسمه "قرة
الأعيان ومسرة الأذهان".
ولابنه علي حسن في سيرته كتاب سماه "مآثر صِديقي"، وآخر سماه " الروض
البسام ".
"وترجمه بعضُ العلماء بكتاب اسمه "قَطر الصَّيِّب في ترجمة الإمام أبي
الطيب".
وترجم هو لِنَفْسهِ بكتاب سماه "إبقاء المِنن".
وللأستاذ أختر جمال لُقمان رسالة جامعية عن "عقيدة صديق حسن خان"، وهي
مطبوعةٌ.
* توفي -رحمه الله تعالى- سنة ألف وثلاث مئة وسبع هجرية، الموافق لسنة ألف
وثمان مئة وتسع وثمانين ميلادية، فتكون مدة حياته تسعاً وخمسين
(1/21)
سنة قمرية، وسبعاً وخمسين سنة شمسية -رحمه
الله تعالى رحمة واسعة-.
* بين المتَعاصِرَين:
في الفترة التي عاش فيها العلامةُ الشيخ صديق حسن خان؛ كان هناك عالم كبير
لا يقل عنه علماً، ولا ينقص عنه قدراً، وهو العلامة الشيخ عبد الحي اللكنوي
-رحمه الله تعالى-، وجرت -على عادة الأقران- بينهما مباحثات علمية، وردود
فقهية، وألف كل واحد في الرد على صاحبه كتباً ورسائل، إما تلميحاً أو
تصريحاً.
وكانت الحملة موجهة من قِبَل الشيخ اللكنوي أكثر منها من ناحية القِنوجي؛
فلقد أكثر الأول في مَثَاني تصانيفه، وتعليقاتهِ عليها من قوله: "وقال غير
ملتزم الصحة من أفاضل عصرنا"! مشيراً بذلك إلى العلامة القِنوجي!!
وبلغت هذه الردود في لحظة من اللحظات أوْجَ الشدةِ، حتى قال الشيخ عبد الحي
الحسني -رحمه الله- واصفاً تلك الردود والمباحثات -في كتابه المستطاب "نزهة
الخواطر" (8/236) -: ".... وانجرَّ إلى ما تأباه الفطرة السليمة ... "!
وكان الشيخ اللكنوي حريصاً الحرص كله على متابعة هذه الردود، وَعَدم
انقطاعها إلا لصالحه! بدليل ما قاله العلامة عبد الحي الحسني -رحمه الله-
في كتابه "الثقافة الإسلامية في الهند" (ص 86) أثناء تعداده أسماء مصنفات
اللكنوي، فقال: " ... و"إبراز الغيّ الواقع في شفاء العي"، و"تذكرة الراشد
برد تبصرة الناقد" -كلها بالعربية- للشيخ عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي
المذكور، أما "شفاء العي عمّا أورده الشيخ عبد الحي"؛ فهو لبعض العلماء،
صنفه في الرد على تعقبات الشيخ عبد الحي المذكور في مصنفاته على السيد
(1/22)
صديق حسن خان القِنّوجي في الوفيات، فأجاب
عنه الشيخ عبد الحي في "إبراز الغي"، فرد عليه بعضهم في رسالة مستقلة سماها
"تبصرة الناقد برد كيد الحاسد"، فأجاب عنه الشيخ عبد الحي في "تذكرة الراشد
... ". (1)
قلت: ولعل مرجع هذا كله إلى سببين:
الأول: اعتداد اللكنوي بنفسه، واعتقاده أنه يختلف عن علماء عصره، كما قال
هو نفسه في "ظَفَر الأماني" (2) (ص 245) : " ... وإني أحمد الله حمداً
متوالياً، وأشكره شكراً متتالياً على أن وفقني للتوسط في جميع المباحث
الفقهية والحديثية، ورزقني نظراً وسيعاً، وفهماً رفيعاً، أقتدر به على
الترجيح فيما بين أقوالهم المتفرقة، ونجاني من بلية تقليد المتشددين
المتساهلين تقليداً جامداً، واختيار قول إحدى الطائفتين من دون تبصر وتفكر
اختياراً كاسداً، لا أقول هذا تكبراً وفخراً! بل متحدثاً بنعمة الرب
وشكراً، ولربي عَلي مِنَنْ مختصة، لا أقدر على عدها، ونِعَمٌ مُتكَثرة لا
يمكن مني حصرها، فشكري هو العجز عن أداء شكرها، وأرجو من ربي دوامها
وذُخرَها" (3) .
الثاني: جِبِلة القنوجي وطبيعة خِلْقته؛ فقد كان -رحمه الله- كما وصفه
معاصروه "حلو المنطق، مُقِلاً من الكلام، غير جاف ولا عبوس، كثير الحِلم،
قليل الغضب، عفيف اللسان، لا يقترح لنفسه شيئاً، مشغول الفكر بالمطالعة
__________
(1) علق الكتاني على هذه الردود في "فهرس الفهارس" (2/1057) بقوله: "وكل
منهما لا يخلو تصنيفه ورده وجوابه من فوائد، جزاهما الله خيراً".
(2) وقد طُبع حديثاً طبعتين!
(3) وانظر "نزهة الخواطر" (8/236) ، و"الفوائد البهية" (116) .
(1/23)
والتأليف ... منصفاً، يعرف لأقرانه ولكثير
مِمن يخالفه فضلهم ... " (1) .
قلت: ودليل على هذا قول ولده الفاضل السيد علي حسن خان واصفاً حالة والده
عند موت اللكنوي -رحمة الله عليه-: "إنه لما بلغه نَعِي العلامة عبد الحي
بن عبد الحليم اللكنوي؛ وضع يده على جبهته، وأطرق رأسه برهة، ثم رفع رأسه،
وعيناه تدمعان، وهو يدعو للشيخ ويترحم، وقال: اليوم غربت شمس العلم، وقال:
إن اختلافنا كان مقصوراً على تحقيق بعض المسائل، ولم يأكل طعاماً في تلك
الليلة ... " (2) .
والخلاصة أنّ: "كلام النظير والأقران ينبغي أن يُتأمل، ويُتأنى فيه ... "،
كما قال الحافظ الذهبي (3) -رحمه الله-.
* المنهج التأليفي عند المصنف:
اختلفت أنظار أهل العلم وطلبته في مصنفات العلامة القِنوجي؛ فمنهم مَن قال:
إنه لخصها من بعض مصنفات السابقين ولم يزد عليها شيئاً يُذكر! ومنهم من
قال: إن سائره من إبداعه، وتصنيفه، وتأليفه!!
ورحم الله العلامةَ الكتاني القائل في كتابهِ "فهرس الفهارس"
(2/1057) رداً على مثل ذلك الادّعاء: "وما لبعض المسيحيين (4) في كتاب له
اسمُهُ "اكتفاء القنوع بما هو مطبوع" من أن المترجم -وهو القِنوجي- كان
عاميّاً
__________
(1) "نزهة الخواطر" (8/193) .
وانظر كلام ابنه في ذلك، كما أورده صاحب "فهرس الفهارس" (2/1058) .
(2) المصدر السابق.
(3) "ميزان الاعتدال" ترجمة رقم (2000) .
(4) والأفضلُ لو قال: (النصارى) !! والمذكورُ اسمُهُ: إدوارد فنديك، وكتابه
مطبوع في مصر سنة (1896 م) ، وانظر (ص 497) منه.
(1/24)
وتزوج بملكة بَهُوبال، فعندما اعتزّ بالمال
جمع إليه العلماء! وأرسل يبتاع الكتب بخط اليد! وكلّف العلماء بوضع
المؤلفات ثم نسبها لنفسه! بل كان يختار الكتب القديمة العديمة الوجود (!)
وينسبها لنفسه ... إلخ!! فكلام أعدائه فيه، وإلا فالتآليف تآليفه،
ونَفَسُهُ فيها مُتحِدٌ ... ".
قلت: فهذه الدعوى مجازفةٌ واضحةٌ، وفِرْيةٌ عريضةٌ من فنديك المذكور،
والصواب ما قاله الكتّاني -رحمه الله تعالى-، وإن كانت السمةُ البارزةُ على
مصنفاته -رحمه الله- التلخيص والتهذيب، والزيادة والترتيب، والجمع
والتبويب، وهو بذلك مشابهٌ لإمام كبير من أئمة العلم، وهو الحافظ السيوطي
(1) المتوفى سنة (911 هـ) ؛ فقد عُرف عنه المنهج نفسه، وهو منهج يدل على
استبحار في العلوم، ونظر في الكتب والفنون، وليس أمراً سهلاً هيناً كما
يظنه بعض المنتسبين العلم!
ومِما يُنَبهُ عليه -في هذا المقام- أن الادعاءَ على أهل العلم -أو بعض
منهم- بالانتحالِ! والسرقاتِ العلمية (!) شَأن قديمٌ لم يَنْجُ الأكابر
-فيه- من كَيْد الأصاغر!! ثم (تجدد) هذا النمَطُ من التُّهَم -هذه الأيامَ-
حتّى ألِّفت فيه مؤلفات! وَوُزعت مِن أجلهِ بيانات!! خِدْمة لأهداف مخالفة
لمنهج الأسلاف!!!
وترى شيئاً من تفصيل القولِ في هذه المسألةِ (الخطيرة) في كتاب "الفارق بين
المصنّف والسارق" للعلامة السيوطي -ومقدمتي عليه-؛ وهو مطبوع -منذ سنوات-
بتحقيقي ...
وأخيراً؛ رحم اللهُ العلامة صِديق حَسَن خان، وجَمعنا -وإيّاه- في جنتهِ،
إنّه -سبحانه- وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
__________
(1) انظر ترجمته في مقدَمة تحقيقي لـ "المصابيح في صلاة التراويح"، وهي
مطبوعة في دار عمار للنشر والتوزيع، الأردن - عمان.
(1/25)
"الدُّرَرُ البهِيةُ" تَعْرِيف وبَيَانٌ
* هُوَ مَتْنٌ فِقْهِي مُختصَرٌ؛ اسْمُهُ: "الدُّرَرُ البَهِية فِي
المَسَائِل الفِقهِية" (1) ؛ جَمَعَ فِيهِ مُؤَلِّفُهُ -وَهُوَ الإِمَامُ
مُحَمدُ بْنُ عَلَيٍّ الشوْكَانِي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عُيُونَ
مَسَائِل الفِقْهِ التِي رَجَحَ دَلِيلُهَا، وَثَبَتَتْ حُجتهَا.
* وَهذَا المتْنُ -عَلَى صِغَرِهِ وَوَجَازَتِهِ- مُحتَو عَلَى أبَوَابِ
الفِقْهِ جمِيعِهَا؛ بِعِبَارَة جَامِعَة، وَألفَاظِ بَدِيعَةِ رَائِعَة.
* وَقَدْ شَرَحَهُ -وَاعْتَنَى بِهِ- غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ أهْل العِلْمِ؛
مِنْهُمْ:
1- مُؤَلفُهُ نَفْسُهُ؛ بِكِتَابِ اسْمُهُ: "الدرَارِي المضِية شَرْحُ
الدررِ البَهِية"، وَهُو مَطبُوعٌ مِرَاراً.
2- وَلَدُ مُؤَلفِهِ، وَهُوَ أحمَدُ بْنُ مَحَمدِ بْن عَلَيِّ
الشوْكَانِيُّ -وَقَدْ تُوُفيَ سَنَةَ (1281 هـ) -، بِكِتَاب اسْمُهُ:
"السُّمُوطُ الذهَبِية الحَاوِيَةُ لِلدُّرَرِ البَهِية"، وَهُوَ مَطبُوع.
3- صِديق حَسَن خَان، فِي كِتَابِهِ: "الروضَةِ الندِيةِ" (2) -وَهُوَ
كِتَابُنَا هذَا-.
__________
(1) وقد رأينا -بعد تأمل- إثباتَ متن "الدرر البهية" -تاماً- بعد هذه
المقدمات؛ تسهيلاً للمطالعة، وتيسيراً للمراجعة.
(2) وللشيخ جمال الدين القاسمي -رحمه الله- حواش علمية عليه. انتهى منها
بتاريخ 11 شعبان سنة 1328 هـ.
كما في كتاب "جمال الدين القاسمي وعصره" (ص 670)
(1/27)
4- مُحَمد صُبْحِي حَسَن حَلاق -مُعاصر-،
بِكِتَابِ اسْمُهُ: "الأدِلةُ الرضية لِمَتْن الدُّرَرِ البَهِية"، وَهُوَ
مَطبُوع.
5- سَعْد الدين بن محمد الكُبي -معاصر-؛ بكتابِ اسمُهُ: "التعليقات الزهية
على الدُّرر البهية"، وهو مطبوع.
6- وَهُنَاكَ نَظم لِـ "الدُّرَرِ البَهِيةِ" بقلم (عَلِي بْن مُحَمدِ بْن
عَقِيل الحَازِمِيٌ) المُتَوَفى سَنَةَ (1252 هـ) ، كَمَا فِي "نَيْل
الوَطَرِ" (2/160) .
7- وَنَظمٌ آخَر مَبْنِي عَلَى "الدررِ" لـ (عَلَيٌ بن عَبْدِ الله
الإِرْيَانِي) المتَوَفى سَنَةَ (1323 هـ) ، كَمَا فِي كِتَابِ "هِجَر
العِلْمِ وَمَعَاقِلِهِ فِي اليَمَن" (1/69) .
* وَلَيْسَتْ هذِهِ العِنَايَةُ مِنْ أهْل العِلمِ -هَؤُلاَءِ- إِلا مِنْ
أجْل مكَانَتِهِ وَمَتَانَتِهِ.
فَرَحِمَ اللهُ مُؤَلفَهُ، وَأعْلَى مَقَامَهُ فِي الدارَيْن؛ بِمَنِّ
اللهِ -سُبْحَانَهُ- وَكَرَمِهِ.
(1/28)
صورة غلاف النسخة المعتمدة في التحقيق
وظاهر فيها خطوط شيخنا الألباني ومن ذلك عنوان كتابه
(1/29)
صورة نموذج من تعليقات شيخنا الألباني على
الجزء الأول من "الروضة الندية"
(1/30)
صورة نموذج من التعليقات (الكبيرة) التي
أثبتها شيخنا الألباني في نسخته
(1/31)
|