الروضة الندية شرح الدرر البهية

كتاب الأضحية
مشروعيتها
...
كتاب الأضحية
"تشرع لأهل كل بيت" لحديث أبي أيوب الأنصاري قال: "كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته" أخرجه ابن ماجة والترمذي وصححه وأخرج نحو ابن ماجة من حديث أبي شريحة بإسناد صحيح وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث مخنف1 بن سليم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ياأيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية" وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر قال الخطابي مجهول وقد اختلف في وجوب الأضحية فذهب الجمهور إلى أنها سنة غير واجبة وبه قال مالك وقال: لا أحب لأحد ممن قوي على ثمنها أن يتكرها وعليه الشافعي وذهب ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية إلى أنها واجبة على الموسر وحكي عن مالك والنخمي وتمسك القائلون بالوجوب بمثل حديث "على كل أهل بيت أضحية " المتقدم وبمثل حديث أبي هريرة عند أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم وقال ابن حجر في الفتح رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه
ـــــــ
1بكسر الميم واسكان الخاء المعجمة وفتح النون. ووقع في الأصل بالحاء المهملة وهو خطأ

(2/218)


ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " ومن أدلة الموجبين قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} والأمر للوجوب وقد قيل إن المراد تخصيص الرب بالنحر لا للأصنام ومن ذلك حديث جندب بن سفيان البجلي في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله" ومن حديث جابر نحوه وجعل الجمهور حديث "أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ضحى عمن لم يضح من أمته بكبش "كما في حديث جابر عند أحمد وأبي داود والترمذي وأخرج نحوه أحمد والطبراني والبزار من حديث أبي رافع بإسناد حسن قرينة صارفة لما تفيده أدلة الموجبين ولا يخفى أنه يمكن الجمع بأنه ضحى عن غير الواجدين من أمته كما يفيده قوله: "من لم يضح من أمته "مع قوله "على كل أهل بيت أضحية" وأما مثل حديث "أمرت بالأضحى ولم يكتب عليكم " ونحوه فلا تقوم بذلك الحجة لأن في أسانيدها من رمي بالكذب ومن هو ضعيف بمرة "وأقلها شاة" لما تقدم وقال المحلي: البعير والبقرة تجزيء عن سبعة والشاة تجزيء عن الواحد وإن كان له أهل بيت حصلت بجميعهم وكذا يقال في كل واحد من السبعة يعني المشتركين في البدنة والبقرة فالتضحية سنة كفاية لك أهل بيت وسنة عين لمن ليس له بيت وعند الحنفية الشاة لا تجزي إلا عن واحد والبقرة والبدنة لا تجزئان إلى عن سبعة سبعة ولم يفرقوا بين أهل البيت وغيره وتأويل الحديث عندهم أن الأضحية لا تجب إلى على غني ولم يكن الغني في ذلك الزمان غالبا إلا صاحب البيت ونسبت إلى أهل بيته على معنى أنهم يساعدونه في التضحية ويأكلون لحمها وينتفعون بها ويصح إشتراك سبعة في بدنة أو بقرة وإن كانوا أهل بيوت شتى وهو قول العلماء وقاسوا الأضحية على الهدي ولا أضحية عن الجنين وهو قول العلماء "ووقتها بعد صلاة عيد النحر" لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "من كان ذبح قبل أن نصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله" وهو في الصحيحين كما تقدم قريبا وفي الصحيحين من حديث أنس عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: "من كان ذبح قبل الصلاة

(2/219)


فليعد " قال ابن القيم: ولا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أبو بردة بن نيار عن شاة ذبحها يوم العيد فقال: "أقبل الصلاة ؟ قال: نعم قال: تلك شاة لحم" الحديث قال: وهو صحيح صريح في أن الذبح قبل الصلاة لا يجزي سواء دخل وقتها أو لم يدخل وهذا الذي ندين الله به قطعا ولا يجوز غيره اهـ وفي الباب أحاديث وفيها التصريح بأن المعتبر صلاة الإمام ويمتد "إلى آخر أيام التشريق" لحديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أيام التشريق ذبح " أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي وله طرق يقوي بعضها بعضا وقد روي أيضا من حديث جابر وغيره وقد روى ذلك عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم والخلاف في المسألة معروف وفي الموطأ عن ابن عمر الأضحى يومان بعد يوم الأضحى مثل ذلك عن علي بن أبي طالب وعليه الحنفية ومذهب الشافعية أنه يمتد وقته إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق لحديث الحاكم الدال على ذلك "وأفضلها" أي الضحايا "أسمنها" لحديث أبي رافع "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين "الحديث وهوعند أحمد وغيره بإسناد حسن وأخرج البخاري من حديث أبي أمامة بن سهل قال: "كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون " أقول: الحق أن أفضل الأضحية الكبش الأقرن كما ورد الحديث بذلك عن عبادة بن الصامت عند أبي داود وابن ماجة والحاكم والبيهقي مرفوعا بلفظ "خير الأضحية الكبش الأقرن " وأخرجه الترمذي وأخرجه أيضا ابن ماجة والبيهقي من حديث أبي أمامة وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف والأضحية هي غير الهدي وقد ورد النص فيها فوجب تقديمه على القياس وحديث الكبش الأقرن نص في محل النزاع فإن كان خاصا بالفحل فظاهر وأن كان شاملا له وللخصي فالأفضلية لا تختص بالخصي وتضحية النبي صلى الله عليه وسلم بالخصي لا تستلزم أن يكون أفضل من غيره بل غاية ما هناك أن الخصي يجزيء "ولا يجزيء ما دون الجذع من الضأن" لحديث جابر عند مسلم وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم أو نعمت الأضحية الجذع

(2/220)


من الضأن "وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي والطبراني من حديث أم بلال بنت هلال عن أبيها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجوز الجذع من الضأن ضحية "وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر قال "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا بين أصحابه فصارت لعقبة جذعة فقلت: يا رسول الله أصابني جذع فقال ضح به "وقد ذهب إلى أنه يجزيء الجذع من الشأن الجمهور ومن زعم أن الشاة لا تجزيء إلى عن واحد أو عن ثلاثة فقط أو زعم أن غيرها أفضل منها فعليه الدليل ولا يفيده ما ورد في الهدي فذلك باب آخر "و" لا يجزيء دون "الثني من المعز" وهو ما استكمل سنتين وطعن في الثالثة لحديث أبي بردة في الصحيحين وغيرهما أنه قال: يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز فقال: "اذبحها ولا تصلح لغيرك" وأما ما روي في الصحيحين وغيرهما من حديث عقبة "أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح به أنت " والعتود من ولد المعز ما أتى عليه حول فقد أخرج البيهقي عنه بإسناد صحيح أنه قال: أعطاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقي عتود منها فقال: " ضح به أنت ولا رخصة لأحد فيه بعدك " وقد حكى النووي الإتفاق على أنه لا يجزيء الجذع من المعز قلت: اتفقوا على أنه لا يجوز من الإبل والبقر والمعز دون الثني والجذع من الضأن يجزيء عندهم ولا تجزيء مقطوعة الأذن إلا أن أبا حنيفة قال: إن كان المقطوع أقل من النصف فيجوز "ولا الأعور والمريض والأعرج والأعجف1 وأعضب القرن والأذن2" لحديث البراء عند أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها3 والكسير التي لا تنقي4 أي التي لا مخ لها "
ـــــــ
1 الأعجف الهزيل. وشاة عجفاء هزيلة.وجمع الأعجف علي غير قياس.
2 هو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه.
3 الضلع بفتح الضاد واللام الميل والإعوجاج.
4 الكسير فعيل بمعني مفعول. وفي الصل التكسيره بالهاء وهو خطأ. هب المنكسرة الرجل التي لا تقدر علي المشي. بمعني ومعني لا تنفي بضم التاء واسكان النون وكسر القاف. أنها لا نقئ بكسر النون واسكان القاف. والنقئ المخ.

(2/221)


وقد وقع في رواية العجفاء بدل الكسيرة وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي من حديث علي قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن "قال قتادة: العضب النصف فأكثر من ذلك وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم والبخاري في تاريخه1 قال: "إنما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسيرة فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله والبخقاء التي تبخق عينها2 والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسيرة التي لا تنقي"وهذا التفسير هو أصل الرواية وفي الباب أحاديث وأما مسلوبة الألية فأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي سعيد: "اشتريت كبشا أضحي به فعدا الذئب فأخذ الآلية فسألت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال: " ضح به" وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف جدا
ويتصدق منها ويأكل ويدخر لحديث عائشة "أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: " كلوا وادخروا وتصدقوا " وهو في الصحيحين وفي الباب أحاديث والذبح في المصلى أفضل إظهارا لشعائر الدين لحديث ابن عمر عند البخاري عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "أنه كان يذبح وينحر بالمصلى" "ولا يأخذ من له أضحية من شعره وظفره بعد دخول عشر ذي الحجة حتى يضحى" لحديث أم سلمة عند مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أ ن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره" وفي لفظ المسلم وغيره أيضا"من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي "وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد واسحق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شئ من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه وهو مكروه كراهة تنزيه وحكى المهدي في البحر عن الشافعي وغيره أن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية مستحب وقال أبو حنيفة: لا يكره
ـــــــ
1 يعني من حديث عتبة ابن عبد السلمي.
2 قوله عينها قال في القاموس البخق محركه أقبح العور وأكثره غمصا أو أن لا يلتقي شفر عينه علي حدقته بحق كفرح ونصر والعين البخقاء والباخقة والبخيق والبخيقة العوراء ا هـ المراد منه.

(2/222)


باب الوليمة
"هي مشروعة" لحديث أنس في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة" وقد أولم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على نسائه فأولم على صفية بتمر وسويق كما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان من حديث أنس وأخرج مسلم وغيره من حديثه "أنه جعل وليمتها التمر والأقط والسمن"وهو في الصحيحين بنحو هذا وفيه التصريح بأنه ما كان فيها من خبز ولا لحم وفي الصحيحين أيضا "أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أولم على شئ من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة"وقد قال بوجوب وليمة العرس مالك وقيل أن المشهور عنه أنها مندوبة وروي الوجوب عن أحمد وبعض الشافعية وأهل الظاهر وهو الحق ولم يأت في الأحاديث ما يشعر بصرف الأوامر بالوليمة عن المعنى الحقيق وأما كونها بشاة فأكثر فيمكن أن يكون فعله صلى الله عليه وسلم صارفا للوجوب على فرض عدم الإختصاص به ويمكن أن يكون الأمر بالشاة فما فوقها مقيدا بالتمكن من ذلك فيكون واجبا مع التمكن وذهب الجمهور إلى أنها سنة غير واجبة "ويجب الإجابة إليها" لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" وفيهما من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها" وفي لفظ لهما من حديثه "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" وفي آخر لمسلم وغيره من حديثه "من دعي فلم يجب فقد عصي الله ورسوله" وفي مسلم وغيره من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك" وفي لفظ من حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم" وقد نقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الإتفاق على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس قال في الفتح: وفيه نظر نعم المشهور من أقول العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وحكي في البحر عن الشافعي

(2/223)


أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها والأدلة المذكورة تدل على الوجوب لا سيما بعد التصريح بأن من لم يجب فقد عصي الله ورسوله أقول: أحاديث الأمر بإجابة دعوة الوليمة معناها حقيقة الوجوب مقيدة بعدم المانع من منكر أو مباهاة أو حضور الأغنياء فقط أو نحو ذلك ولم يأت ما يدل على صرف تلك الأوامر عن معناها الحقيقي ووقع الخلاف في إجابة دعوة غير العرس هل تجب أم لا ؟ فمن قال بالوجوب إستدل بالرواية المطلقة المذكورة ومن قال بعدم الوجوب قال المطلقة محمولة على المقيدة وقد أوضح الماتن ما هو الحق في شرح المنتقى قال البغوي: من كان له عذرا وكان الطريق بعيدا يلحقه المشقة فلا بأس أن يتخلف وفي الأنوار من شروط وجوب الإجابة إلى الوليمة أن يعم عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته أغنياءهم وفقرءاهم فإن خص الأغنياء فلا يجب ولو دعا أهل حرفته وهم أغنياء لزمتهم الإجابة قال في المسوى: في كونه شرطا لوجوب الإجابة نظر لأن معنى كلام أبي هريرة اثبات الشرية لهذا الطعام بوجه من الوجوه وإثبات المعصية لمن لم يأتها وذلك صادق بأن يكون تخصيص الأغنياء مكروها للداعي ولا يكون مانعا لتأكد الإجابة ويقدم السابق ثم الأقرب بابا لحديث حمد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق" أخرجه أحمد وأبو داود وفي إسناده زيد بن عبد الرحمن الدالاني وقد وثقه أبو حاتم وضعفه ابن حبان وأخرج البخاري وغيره من حديث عائشة أنها سألت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقالت: أن لي جارين فإلى أيهما أهدي فقال: إلى أقربهما منك بابا" فهذا يشعر باعتبار القرب في الباب "ولايجوز حضورها إذا اشتملت على معصية" لحديث علي عند ابن ماجة بإسناد رجاله رجال الصحيح قال: "صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع" وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث ابن عمر قال: "نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح على بطنه" وفي إسناده انقطاع وقد ورد النهي عن القعود على المائدة التي

(2/224)


تدار عليها الخمر من حديث عمر عند أحمد بإسناد ضعيف ومن حديث جابر عند الترمذي وحسنه وأخرجه أيضا أحمد والنسائي والترمذي والحاكم من حديثه مرفوعا وفي الباب غير ذلك ويؤيده أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن ذلك "من رأى منكم منكرا فيلغيره بيده فإن لم يتسطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه" وهو في الصحيحين وغيرهما
"فصل والعقيقة مستحبة" يدل على مشروعيتها حديث سلمان بن عامر الضبي عند البخاري وغيره قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى" وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي والحاكم وعبد الحق من حديث الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه" وقد قيل أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا هذا الحديث وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق" وكأنه كره الإسم فقالوا يا رسول الله: إنما نسألك عن أحدنا يولد له قال: من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة فكان هذا الحديث دليلا على أن الأحاديث الواردة في رهن الغلام بعقيقته ليست على الوجوب بل للإستحباب فقط ولو كان واجبا لم يكن مفوضا إلى الإرادة ولما قال لمن أحب أن ينسك والأولى في تفسير قوله "مرتهن بعتيقته" أن العقيقة لما كانت لازمة شبهت باعتبار لزومها للمولود بالرهن باعتبار لزومه وقيل: أن معنى كونه مرهونا بعقيقته أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها وبه صرح صابح المشارق والنهاية وقال أحمد بن حنبل: أن معناه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لأبويه قلت: العقيقة سنة عند أكثر أهل العلم إلا عند أبي حنيفة فإنه قال ليست بسنة "وهي شاتان عن الذكر وشاة عن الأنثى" وبذلك قال الشافعي لحديث عمرو بن شعيب المذكور ولحديث عائشة عند أحمد والترمذي وابن

(2/225)


حبان والبيهقي وصححه الترمذي قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة" وأخرج نحوه أحمد والنسائي والترمذي والحاكم والدارقطني وصححه الترمذي من حديث أمر كرز الكعبية والمراد بقوله "مكافأتان" المستويتان أو المتقاربتان ولا يعارض هذه الأحاديث ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه عبد الحق وابن دقيق العيد من حديث ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا" لأن الأحاديث المتقدمة متضمنة للزيادة وهي أيضا خطاب مع الأمة فلا يعارضها فعله صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول والزيادة مقبولة إذا كانت غير منافية فلا يكون الفاعل للعقيقة متسننا إلا إذا ذبح عن الذكر شاتين لا شاة واحدة وقد وقع الإجماع على أن العقيقة عن الأنثى شاة وأما الذكر فذهب الجمهور إلى أن العقيقة عنه شاتان وقال مالك شاة. وقال المحلي: يحصل أصل السنة في عقيقة الذكر بشاة وكمال السنة شاتان وقال الشافعي: العقيقة في الأكل والتصدق كالأضحية ويسن طبخها ولا يكسر عظمها ا هـ. أقول: ليس على شئ مما ذكروه من عدم الكسر والفصل من المفاصل وجمع العظام ودفنها وغير ذلك من كتاب ولا سنة ولا من عقل بل هذه الأمور خيالات شبيهة بما يقع من النساء ونحوهن من العوام مما لا يعود على فاعله بنفع دنيوي ولا ديني "يوم سابع المولود" لحديث سمرة المتقدم ولأنه لا بد من فصل بين الولادة والعقيقة فإن أهله مشغولون بإصلاح الوالدة والولد في أول الأمر فلا يكلفون حينئذ بما يضاعف شغلهم وأيضا فرب إنسان لا يجد شاة إلا بسعي فلو سن كونها في أول يوم لضاق الأمر عليهم والسبعة أيام مدة صالحة للفصل المعتد به غير الكثير "وفيه يسمى" وأحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن كما في الحديث لأنهما أشهر الأسماء ولا يطلقان على غيره تعالى بخلاف غيرهما وأنت تستطيع أن تعلم من هذا سر استحباب تسمية المولود بمحمد وأحمد فإن طوائف الناس أولعوا بتسمية أولادهم بأسماء أسلافهم المعظمين عندهم وكان يكون ذلك تنويها بالدين وبمنزلة الإقرار بأنه من أهله وأصدق الأسماء همام وحارث وأخناها ملك الأملاك "ويحلق رأسه" وإماطة الأذى للتشبيه بالحاج وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة والسر

(2/226)


فيه أن الأذان من شعائر الإسلام وإعلام الدين المحمدي ومن خاصية الأذان أن الشيطان يفر منه الشيطان يؤذي الولد في أول نشأته حتى ورد في الحديث أن استهلاله لذلك "ويتصدق بوزنه ذهبا أو فضة" لأمره صلى الله عليه وسلم لفاطمة الزهراء عليها السلام أن تحلق شعر رأس الحسن وتتصدق بوزنه من الورق أخرجه أحمد والبيقهي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال ويشهد له ما أخرجه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر ابن محمد زاد البيهقي عن أبيه عن جده "أن فاطمة وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بوزنه فضة "وأخرج الترمذي والحاكم من حديث علي قال: "عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن شاة وقال: "يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة" فوزناه فكان وزنه درهما أوبعض درهم" وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: "سبعة من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى ويثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقته ويتصدق بوزنه ذهبا أو فضة"وفي إسناده رواد بن الجراح وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات وفي لفظه ما ينكر وهو ثقب الأذن والتلطخ بدم العقيقة وقد أخرج أبو داود والنسائي بإسناد صحيح من حديث بريدة الأسلمي قال:كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران. وقد أخرج نحوه ابن حبان وابن السكن وصححاه من حديث عائشة وقد ذهب الظاهرية والحسن البصري إلى وجوب العقيقة وذهب الجمهور إلى أنها سنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضا ولا سنة وقيل أنها عنده تطوع

(2/227)