الروضة
الندية شرح الدرر البهية كتاب الصلح
حكم الصلح
...
كتاب الصلح
"هو جائز بين المسلمين" لقوله تعالي: {لا
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا
مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ
إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} "إلا صلحا أحل
حراما أو حرم حلالا" لحديث عمرو ابن عوف عند
أبي داود وابن ماجة والترمذي والحاكم وابن
حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح
جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل
حراما" وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو
بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جدا وقد صحح الحديث
الترمذي فلم يصب وقد اعتذر له ابن حجر فقال:
كأنه اعتبر بكثرة طرقه وذلك لأنه رواه أبو
داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد
بن رباح عن أبي هريرة قال الحاكم: على شرطهما
وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا
الحاكم من حديث أنس ومن حديث عائشة أخرجه
الدارقطني "ويجوز عن المعلوم والمجهول بمعلوم
وبمجهول" لحديث أم سلمة عند أحمد وأبي داود
وابن ماجة قالت جاء رجلان إلى رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم في مواريث بينهما
قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلى رسول الله
وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن1 بحجته من بعض
وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع فمن قضيت له
من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة
من النار يأتي بها إسطاما2 في عنقه يوم
القيامة" فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما:
حقي لأخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق
ثم استهما3 ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه" وفي
إسناد هذا الحديث أسامة بن زيد بن أسلم المدني
وفيه مقال ولكن أصل الحديث في الصحيحين وقد
استدل به على جواز الصلح
ـــــــ
1 في النهاية: "أراد أن بعضكم يكون أعرف
بالحجة وأفطن لها من غيره".
2 الاإسطام والسطام بكسر أولهما – الحديدة
التي تحرك بها النار وتسعر أي أقطع له ما يسعر
به النار علي نفسه. قاله ابن الأثير.
3 توخي الحق قصده وتعمد فعله. والمعني اذهبا
فاقصدا الحق فيما تصنعانه من القسمة واقترفا
ليظهر سهم كل واحد منكما ولياخذ ما تخرجه
القرعة من القسمة.
(2/235)
والإبراء من
المجهول وأخرج البخاري من حديث جابر أن أباه
قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في
حقوقهم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا
فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطي
وقال "سنغدوا عليك" فغدا علينا حين أصبح فطاف
في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها1
فقضيتها وبقي لنا من ثمرها وفيه جواز الصلح عن
معلوم بمجهول أقول: إسقاط الشئ فرع العلم به
فمن جهل ما يريد إسقاطه فأما أن يعلمه بوجه من
الوجوه أو بجهله من جميع الوجوه فإن علمه بوجه
من الوجوه على صورة تتميز عنده بعض تميز بحيث
يغلب في ظنه أنه من الجنس الفلاني وأن مقداره
لا يجاوز كذا فهذا يصح إسقاطه وإن كان مجهولا
من جميع الوجوه بحيث لا يعرف جنسه ولا مقداره
كيفا ولا كما فهذا لا يصح إسقاطه لأنه قد يكون
على صفة لو علم بها لم تطب نفسه بالإسقاط "وعن
الدم كالمال بأقل من الدية أو أكثر" لكون
اللازم في الدم مع عدم القصاص هو المال فهو
صلح بمال عن مال يدخل تحت عموم قوله تعالي:
{أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وتحت قوله
صلى الله عليه وسلم: "الصلح جائز" وأخرج أحمد
وابن ماجة والترمذي وحسنه من حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "من قتل متعمدا دفع إلى أولياء
المقتول فإن شاؤا قتلوا وإن شاؤا أخذوا الدية
وهي ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة
وذلك عقل العمد وما صولحوا عليه فهو وذلك
تشديد العقل" وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان
وفيه مقال "لو عن إنكار" لعموم الأدلة واندراج
الصلح عن إنكار تحتها ولم يأت من منعه ببرهان
وقد ذهب إلى جوازه الجمهور وحكي في البحر عن
الشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن
إنكار وقد ثبت في الصحيح عن كعب في قصة
المتخاصمين في المسجد في دين فأشار النبي صلى
الله عليه وسلم إلى صاحب الدين أن يضع شطر
دينه ويتعجل الباقي وهو دليل على جواز الصلح
مع الخصام ووضع واستيفاء البعض قال في الحجة
البالغة ومنه وضع جزء من الدين كقصة ابن أبي
حدرد2 وهذا الحديث أحد الأصول في باب
المعاملات أقول: الظاهر أنها تجوز المصالحة عن
إنكار نحو أن يدعى
ـــــــ
1 جده جدا من باب قتل قطعة فهو جديد فعيل
بمعني مفعول والجداد بفتح الجيم وكسرها صرام
النخل وهو قطع ثمرتها.
2 ستأتي في كتاب القضاء في الكلام علي جواز
الشفاعة من القاضي للإصلاح بين الخصمين.
(2/236)
رجل على آخر
مائة دينار فينكره في جميعها فيصالحه على
النصف من ذلك المقدار لأن مناط الصلح التراضي
والمنكر قد رضي بأن يكون عليه بعض ما أنكره
وأي مقتض يمنع هذا وأن كان مثل حديث "لا يحل
مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه" هذا قد سلم
بعضا مما أنكره طيبة به نفسه وإن كان غير ذلك
فما هو ؟ ثم حديث كعب المتقدم المشتمل على
وقوع التنازع بين الرجلين إن كان التنازع
بينهما في المقدار فهو أيضا صلح عن إنكار وقد
جوزه الشارع وإن كان التنازع بينهما في
التعجيل والتأجيل فهو أيضا صلح عن إنكار لأن
منكر الأجل قد صولح على أن يتعجل البعض من
دينه ويسقط الباقي إلى مقابل دعوى صاحبه للأجل
*
(2/237)
|