السيل
الجرار المتدفق على حدائق الأزهار كتاب الزكاة
مدخل
...
كتاب الزكاة
[ فصل
تجب في الذهب والفضة والجواهر واللالئ والدر
والياقوت والزمرد والسوائم الثلاث وما انبتت
الأرض والعسل من ملك ولو وقفا أو وصية أو بيت
مال لا فيما عداها الا لتجارة أو استغلال].
قوله: فصل : "تجب في الذهب والفضة" الخ.
أقول : أما وجوب الزكاة في الذهب والفضة فلا
شك في ذلك للأدلة الصحيحة وسيأتي الكلام عليها
في باب زكاة الذهب والفضة.
وأما وجوبها في الجواهر المذكورة فليس على ذلك
دليل ولعله يأتي تحقيق الكلام ان شاء الله عند
ذكرها في باب زكاة الذهب والفضة.
وهكذا يأتي تفصيل الكلام على زكاة السوائم
وأما انبتت الأرض والغسل.
(1/227)
وأما وجوب
الزكاة في الوقف والوصية وبيت المال فليس على
ذلك دليل الا عمومات لا تنطبق دلالتها على محل
النزاع.
وهكذا يأتي الكلام على زكاة التجارة
والمستغلات وإنما أراد المصنف بعقد هذا الفصل
حصر ما تجب فيه الزكاة.
[ فصل
وإنما تلزم مسلما كمل النصاب في ملكه طرفي
الحول متمكنا أو مرجوا وان نقص بينهما ما لم
ينقطع وحول الفرع حول أصله وحول البدل حول
مبدله ان اتفقا في الصفة وللزيادة حول جنسها
وما تضم اليه قيل ويعتبر بحول الميت ونصابه ما
لم يقسم المال أو يكون مثليا أو يتحد الوارث.
وتضيق بإمكان الأداء فيضمن بعده وهي قبله
كالوجيعة قبل طلبها.
وإنما تجزئ بالنية من المالك المرشد وولي غيره
أو الإمام أو المصدق حيث أجبرا أو أخذا من نحو
وديع مقارنة لتسليم أو تمليك فلا تتغير بعد
وان غير أو متقدمة تتغير قبل التسليم.
وتصح مشروطة فلا يسقط بها المتيقن ولا يردها
الفقير مع اللإشكال].
قوله: فصل : "وإنما تلزم مسلما".
أقول : جعل الإسلام شرطا للزوم الزكاة صواب
ولا ينافيه القول بأن الكفار مخاطبون
بالشرعيات لأن معنى خطابهم بها عند من قال به
هو أنهم يعذبون بترك ما يجب فعله وفعل ما يجب
تركه لأن ذلك مطلوب منهم في حال كفرهم ولم
يذكر المصنف ها هنا اشتراط التكليف لان الزكاة
من الواجبات المتعلقة بالأموال سواء كان
المالك مكلفا أو غير مكلف ولكن لا يخفى عليك
ان غير المكلف مرفوع عنه قلم التكليف فلا بد
من دليل يدل على استحلال جزء من ماله وهو
الزكاة ولم يرد في ذلك إلا عمومات يصلح ما ورد
في رفع القلم عن غير المكلف لتخصيصها ولم يثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في خصوص ذلك
يصلح للتمسك به ولا حجة في فعل بعض الصحابة
والأموال معصومة بعصمة الإسلام فلا يحل
استباحة شيء منها بمحرد مالا تقوم به الحجة لا
سيما أموال الأيتام التي ورد في التشديد في
أمرها ما ورد.
وأما حديث: "من ولي يتيما فليتجر له ولا يتركه
تأكله الصدقة" فأخرجه الترمذي ["641"]
والدارقطني والبيهقي وفي إسناده المثنى بن
الصباح وهو ضعيف وقال أحمد بن حنبل ليس هذا
الحديث بصحيح وروى بأسانيد أخرى فيها متروكون
وضعفاء.
(1/228)
وهكذا حديث:
"ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة"،
لا تقوم به الحجة فإنه رواه الشافعي مرسلا
وروى من طرق لا تصح.
وأما وجوب الفطرة على غير المكلف فليس ذلك من
تكليف غير المكلف بل من تكليف ولله كما صرحت
به الأدلة وأنه يخرجها من مال نفسه عنه وعمن
ينفقه.
وأما ما ورد في الزكاة من أنها تؤخذ من
الأغنياء وترد في الفقراء فهذا متوجه إلي
المكلفين كغيره من التكاليف ودعوى أن غير
المكلفين داخلون في هذا مصادرة على المطلوب
لأنه استدلال بمحل النزاع.
قوله: "كمل النصاب في ملكه طرفي الحول"
أقول : قد دلت الأدلة في كل نوع من الأنواع
التي تجب فيها الزكاة على إن له نصابا معلوما
يتعلق الوجوب به ويسقط الوجوب إن لم يكمل فمن
زعم انه يثبت الوجوب في دون النصاب من كل نوع
فقد خالف الأدلة الصحيحة فإن تمسك بعمومات أو
مطلقات فقد ترك العمل بالمخصصات والمقيدات
وذلك تقصير في الاجتهاد وترك لما يجب العمل به
وإعمال لبعض الأدلة وإهمال للبعض الآخر.
وأما ما ورد في الشريكين فسياتي أنه صلى الله
عليه وسلم جعل اجتماع الغنم في المسرح والمراح
بمنزلة الاجتماع في الملك.
وأما قوله: "طرفي الحول" فذلك فيما كان حول
الحول شرطا له لأما كان المعتبر فيه حصول نصاب
منه عند حصوله كما أخرجت الأرض.
ثم الظاهر انه لا بد من استمرار كمال النصاب
في جميع الحول من كل نوع من الأنواع التي
اعتبر فيها الحول فإذا نقص المال عن النصاب في
بعض الحول ثم كمل بعد ذلك استأنف التحويل من
عند كماله إذا لم يكن النقص لقصد التحيل لعدم
وجوب الزكاة.
وظاهر ما ورد في اعتبار الحول انه لا بد ان
يكون النصاب كاملا من أوله إلي آخره كما في
حديث على عند [أحمد "1/148"، وأبي دأود
"1573"، والبيهقي: "لا زكاة في مال حتى يحول
عليه الحول".
وحديث ابن عمر عند أحمد وأبي دأود والترمذي
بلفظ: "من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول
عليه الحول".
وحديث علي أيضا عند أبي دأود عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "إذا كانت لك مائتا درهم
وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك
شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون
دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها
الحول ففيها نصف دينار" وقد نقل عن البخاري
تصحيحه وحسنه ابن حجر.
وقد ورد اعتبار الحول من حديث عائشة عند ابن
ماجه [1792"]، والدارقطني والبيهقي والعقيلي
وفي إسناده حارثة بن أبي الرجال وفيه ضعف ومن
حديث أنس عند الدارقطني وفيه
(1/229)
حسان بن سياه
وهو ضعيف ومن حديث ابن عمر أيضا عند الدارقطني
والبيهقي وفيه إسماعيل بن عياش. ومجموع هذه
الأحاديث تقوم به الحجة في اعتبار الحول
واعتبار ان يكون النصاب كاملا من أول الحول
إلي آخره ولا يشترط أن يكون في يده بل إذا كان
في يد غيره وديعة أو نحوها وكان متمكنا من
اخذه متى أراده فهو في حكم الموجود لديه وهكذا
إذا كان دينا على الغير وكان يتمكن منه متى
أراد فهو في حكم الموجود لديه لا إذا كان لا
يتمكن منه متى أراد فهو في حكم المعدوم
فيستأنف التحويل له من عند قبضه ومثله المال
المأيوس من رجوعه إذا رجع.
قوله: "وحول الفرع حول أصله" .
أقول : استدلوا على هذا بما أخرجه مالك في
الموطأ والشافعي عن سفيان بن عبدالله الثقفي
ان عمر بن الخطاب قال له تعد عليهم بالسخلة
يحملها الراعي ولا تأخذها ولكنه قد ثبت في
المرفوع ما يدل على عدم الاعتبار بالصغار
فأخرج أحمد وأبو دأود والنسائي والدارقطني
والبيهقي من حديث سويد بن غفلة قال اتانا مصدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول ان
في عهدي انا لا نأخذ من راضع لبن وهذا يدل على
ان الزكاة لا تؤخذ من راضع لبن.
وظاهره عدم الفرق بين ان يكون منفردا أو مع
الامهات واحاديث اعتبار الحول تدل على انه لا
بد من ان يحول على الفرع وأما قوله وحول البدل
حول مبدله فظاهر أحاديث الحول انه لا بد من ان
يحول على البدل الحول لانه مال مستفاد وان كان
بدلا عن مال اصلى فلا تأثير لذلك وهكذا لا
يكون للزيادة حول جنسها بل لا بد ان يكون
نصابا وحال عليها الحول فمن كان له نصاب ثم
استفاد زيادة عليه فلا يجب في تلك الزيادة شيء
حتى تكمل نصابا فإذا كملت نصابا فلا بد ان
يحول عليها الحول عملا بظاهر الادلة وإذا لم
تضم الزيادة إلي جنسها قعدم ضمها إلي غير
جنسها بالأولى فلا وجه لقوله: "وما تضم اليه".
وأبعد من هذا كله قول من قال إنه يعتبر لحول
الميت ونصابه فإن هذا تكليف يخالف موارد
الشريعة لان الميت مات ولم تجب عليه زكاة
والحي صار اليه المال ودخل في ملكه بعد ان كان
في ملك غيره فكيف يخاطب بزكاة مالم يستقر في
ملكه الا بعض الحول.
قوله: "وتضيق بإمكان الأداء".
أقول : المراد انه يتضيق الوجوب على من عليه
الزكاة إذا كان الوجوب قد ثبت عليه بكمال
النصاب وحول الحول فيما يعتبر فيه الحول
بإمكان الأداء وهو ان لايحول بينه وبين المال
حائل ويحضر المصرف فإذا لم يمكن الوصول إلي
المال ولاحصور المصرف فتكليف المزكي بإخراج
الزكاة والحال هكذا من تكليف مالا يطاق وأما
مع إمكان الأداء فلم يبق للمزكي عذر في
التأخير فإن فات المال ضمنه وكون الواجبات على
الفور هو الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة خصوصوا
الزكاة التي ثبت فيها انه يقاتل من هي عليه
حتى يؤديها وان عصمة ماله ودمه متوقفة
(1/230)
على اخراجها
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: "من
أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فأنا آخذها
وشطرا من ماله عزمة من عزمات ربنا تبارك
وتعالي" [أحمد"5/422"، أبو دأود "1575"،
النسائي "2444"]، وأما كونها تجزئ بالنية فلكو
نها عمل من الاعمال التي يقول فيها صلى الله
عليه وسلم: "إنما الاعمال بالنيات" ويقول
فيها: "لا عمل إلا بنية" بل هي ركن من أركان
الإسلام وضرورية من الضروريات الدينية ما ذكره
المصنف بعد هذا إلي آخر الفصل فهو غني عن
البيان.
[ فصل
ولا تسقط ونحوها بالردة ان لم يسلم ولا بالموت
أو الدين لادمي أو لله تعالي وتجب في العين
فتمنع الزكاة وقدتجب زكاتان من مال ومالك وحول
واحد].
قوله: فصل : "ولا تسقط ونحوها بالردة"
أقول : الزكاة قد لزمته في حال إسلامه فخروجه
من الإسلام أو موته لا يسقط هذا الواجب الذي
قد وجب عليه الا بدليل ولا دليل وقد صح عنه
صلى الله عليه وسلم انه قال: "فدين الله احق
ان يقضي"، [البخاري "1953"، مسلم "154/1148"]،
والزكاة من دين الله نعم إذا رجع إلي الإسلام
كان حديث: "الإسلام يجب ما قبله" دليلا على
سقوطها عليه لان ظاهره عدم الفرق بين ما كان
في أيام كفره أو ايام إسلامه وتقييده بما كان
في أيام الكفر يحتاج إلي دليل.
وأما حديث: "أسلمت على ما اسلفت من خير"
[البخاري "1436"، مسلم "195، 123"، أحمد
"3/402"]، فهو في الطاعات التي يفعلها
الكافرفي حال كفره ثم يسلم بعد ذلك وهكذا لا
تسقط الزكاة بدين على المزكي سواء كان من ديون
الله سبحانه أو من ديون بني آدم لان وجوب
الزكاة لا يرتفع بوجوب شيء آخر الا بدليل.
قوله: "وتجب في العين فتمنع الزكاة".
أقول : الثابت في أيام النبوة ان الزكاة كانت
تؤخذ من عين المال الذي تجب فيه وذلك معلوم لا
شك فيه وفي أقواله صلى الله عليه وسلم ما يرشد
إلي ذلك ويدل عليه كقوله صلى الله عليه وسلم
لمعاذ لما بعثه إلي اليمن: "خذ الحب من الحب
والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من
البقر"، أخرجه أبو دأود ["1599"، وابن ماجه
"1814"، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.
وإذا عرفت هذا صار مقدار الزكاة في حكم الخارج
عن ملك المزكي فلا يكمل به النصاب ولا يلزم
فيه الزكاة.
وأما قوله: "وقد تجب زكاتان من مال ومالك وحول
واحد" فذلك غير صحيح وبيانه انهم مثلوا لذلك
بمن بذر الارض بحب للتجارة قالوا فإنه
عندالحصاد يلزمه زكاتان زكاة التجارة
(1/231)
وزكاة الحصاد
ولا يخفاك ان ذلك الحب الذي كان للتجارة ان
بذر به الارض بعد ان حال عليه الحول فقد وجبت
الزكاة بحول الحول فإذا بذر به في الارض لم
يبق للتجارة ولا وجبت زكاة الحصاد فيه بل في
الخارج من الارض بعد ان صار ذلك الحب مستهلكا
لا وجود له فزكاة التجارة وجبت في مال وزكاة
الحصاد وجبت في مال آخر ولم تجب في مال واحد
فهذه المسألة من اصلها مبنية على غير الصواب.
(1/232)
[
باب في نصاب الذهب
والفضة
وفي نصاب الذهب والفضة ربع العشر وهو عشرون
مثقالا ومائتا درهم كملا كيف كانا غيرمغشوشين
ولو رديئين المثقال ستون شعيرة معتادة في
الناحية والدرهم اثنتنان واربعون لافيما دونه
وان قوم بنصاب الاخر الا على الصيرفي].
قوله: باب : "وفي نصاب الذهب والفضة ربع
العشر".
أقول : أما وجوب ربع العشر في نصاب الذهب
الفضة المضروبين فقد دلت على ذلك الادلة
الصحيحة وهو مجمع عليه وأما كون نصاب الفضة
مائتي درهم فيدل على ذلك حديث أبي سعيد عند
الشيخين [البخاري "1447"، مسلم "979"]،
وغيرهما [أبو دأود "1558"، أحمد "3/86"،
3/6"]، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة"،
وأخرجه أيضا مسلم ["980"، النسائي "5/36"]، من
حديث جابر.
قالوا ومقدار الأوقية في هذا الحديث اربعون
درهما فهو موافق لما أخرجه أحمد ["1572"، وأبو
دأود "8/238"، والترمذي "620"، من حديث على
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد
عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة
الرقة من كل أربعين درهما درهما وليس في تسعين
ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة
دراهم".
وأما كون نصاب الذهب عشرين مثقالا فالدليل على
ذلك ما أخرجه أبو دأود من حديث علي عنه صلى
الله عليه وسلم قال: "ليس عليك شيء - يعني في
الذهب - حتى تكون لك عشرون دينارا فإذا كانت
لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف
دينار".
وقد قيل ان المثقال هو قدر الدينار ولهذا جعل
المصنف نصاب الذهب عشرين مثقالا.
قوله: "كيف كانا".
أقول : يريد انه لا فرق بين ما كان مضروبا من
الذهب والفضة وما كان غير مضروب كالحلية
وقداختلف في وجوب الزكاة في الحلية واستدل
الموجبون لها فيها بما أخرجه أبو دأود
["1563"، والترمذي "637" والنسائي "5/38"]، من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
(1/232)
جده ان امرأتين
اتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
ايديهما سواران من ذهب فقال لهما: "أتعطيان
زكاة هذا؟" قالا: لا, قال: "أيسركما أن
يسوركما الله تعالي بهما يوم القيامة سوارين
من نار" لكنه قال الترمذي لا يصح في الباب
شيء.
وأخرجه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده بلفظ: "ليس في أقل من خمس ذود
صدقة ولا في أقل من عشرين مثقالا شيء ولا في
اقل من مائتي درهم شيء" وإسناده ضعيف.
ولفظ المثقال يطلق على المضروب من الذهب وعلى
غير المضروب.
وأخرج أبو دأود ["1564"، والحاكم عن ام سلمة
قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول
الله أكنز هو؟ قال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته
فزكى فليس بكنز" فهذا فيه إشارة إلي تزكية
الحلية من الذهب.
وأخرج أحمد ["6/460"]، عن اسماء بنت يزيد قالت
دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم
وعلينا أسأور من ذهب فقال لنا: "أتعطيان
زكاته؟" فقلنا: لا قال: "أما تخافان أن
يسوركما الله بسوار من نار أديا زكاته".
وأخرج البيهقي والحاكم عن عائشة انها دخلت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدها
فتخات من ورق فقال: "ما هذا يا عائشة؟" فقالت:
صغتهن أتزين لك بهن يا سول الله فقال: "أتؤدين
زكاتهن" قالت: لا قال: "هن حسبك من النار" قال
الحاكم صحيح على شرط الشيخين.
ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في
الحلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق
والزكاة في الرقة في الاحاديث لانه قد ثبت في
كتب اللغة الصحاح والقاموس وغيرهما ان الورق
والرقة اسم للدراهم المضروبة فلا يصح
الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في
الحلية بل هما يدلان بمفهومهما على عدم وجوب
الزكاة في الحلية بما ثبت في الصحيحين وغيرهما
من حديث أبي سعيد مرفوعا بلفظ: "ليس فيما دون
خمس أواق من الورق صدقة" وأخرجه مسلم أيضا من
حديث جابر ووجه عدم صحة الاستدلال بهذا انه قد
بينه بقوله من الورق والورق هي الدراهم
المضروبة كما عرفت فلا تدخل في ذلك الحلية بل
مفهوم الحديثين يدل على عدم وجوبها في الحلية.
وإذا عرفت هذا فقد قدمنا ان حديث السوارين قد
قال الترمذي فيه أنه لم يصح في الباب شيء
والحديث الذي بعده عن عمرو بن شعيب ضعيف كما
تقدم فلم يبق في الباب ما يصلح للاحتجاج به
ولا سيما مع ما ورد من انه صلى الله عليه وسلم
لما بعث معإذا إلي اليمن امره بأن ياخذ من كل
أربعين دينارا دينارا وقد كان للصحابة
وأهاليهم من الحلية ما هو معروف ولم يثبت أنه
صلى الله عليه وسلم أمرهم بالزكاة في ذلك بل
كان معاذ يعظ النساء ويرشدهن إلي الصدقة أي
صدقة النفل فيلقين في
(1/233)
ثوب بلال من
حليهن كما هو ثابت في الصحيح [اليخاري "964"،
"1431"، "1431"، مسلم ط884"، أحمد "1/280"،
أبو دأود "1141"، "1143"، "1144"، ابن ماجة
"1273"، ولو كان عليهن في ذلك زكاة لأخبرهن
لأنه فعل ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
وكان أمرهن بما هو واجب عليهن أقدم من أمرهن
بما ليس بواجب عليهن وكان صلى الله عليه وسلم
يقول: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر
أهل النار" [البخاري "304، 1462"، 1951"،
2658"، مسلم "80"، النسائي "3/187"، ابن ماجة
"1288"].
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال لا نعلم أحدا
من الخلق قال في الحلى زكاة وأخرج مالك أيضا
في الموطأ عن ابن عمر انه كان يحلى بناته
وجواريه بالذهب فلا يخرج منه الزكاة.
وأخرج مالك أيضا في الموطأ والشافعي عن عائشة
أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن
الحلى فلا تخرج منه الزكاة.
وروى البيهقي والدارقطني عن جابر قال ليس في
الحلى زكاة وأخرج الدارقطني والبيهقي أيضا عن
أنس واسماء بنت أبي بكر نحوه.
وأما ما روى عن ابن عباس من إيجاب الزكاة في
الحلى فقال الشافعي لا أدري أثبت عنه أم لا.
وأما قوله: "غير مغشوشين" فصحيح لان غش الذهب
والفضة بما ليس بذهب ولا فضة لا تتعلق به
الزكاة ولا يجب فيها فيسقط قدر الغش ويزكى
الخالص من الذهب والفضة سواء كان جنس الذهب
والفضة جيدين أو رديئين لصدق اسم الذهب على
الذهب الرديء وصدق اسم الفضة على الفضة
الرديئة.
قوله: "المثقال ستون شعيرة" الخ.
أقول : اعلم انه إن ثبت في المثقال والدينار
والدرهم ونحوها حقيقة شرعية كان الواجب الرجوع
اليها والتفسير بها وان لم يثبت وجب الرجوع في
تقدير هذه الاشياء إلي ما ذكره أهل اللغة ولا
يصح تفسيرها بالاصطلاح الحادث لا سيما مع
اضطرابها واختلافها وفي حديث: "الميزان ميزان
أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة" ما يرشد
إلي الرجوع اليهما في هذين الامرين والاعتبار
بما كان الميزان عليه عند أهل مكة وما كان
المكيال عليه عند أهل المدينة في وقت النبوة
وقد أخرج هذا الحديث أبو دأود ["3340"]
والنسائي ["4594"] والبزار من رواية طأووس عن
ابن عمر وصححه ابن حبان والدارقطني والنووي
وابن دقيق العيد.
فالاعتبار في الوزن الذي يتلعق به الزكاة بوزن
أهل مكة وكذلك الاعتبار في الكيل الذي يتعلق
به الزكاة بكيل أهل المدينة عملا بهذا الحديث
وهو مقدم علىما في كتب اللغة وغيرها وقد أوضح
أهل العلم مقدار الكيل والوزن في مكة والمدينة
في ذلك الوقت فلا نطول بذكره.
وأما قوله: "لا فيما دونه وان قوم بنصاب
الاخر" فهو صواب لان الزكاة متعلقة بكل
(1/234)
جنس عينا فلا
بد ان تبلغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة
ولااعتبار بكون دون النصاب منه يبلغ نصابا من
الجنس الاخر ولا فرق في هذين بين الصيرفي
وغيره فلا وجه للاستثناء به.
[ فصل
ويجب تكميل الجنس بالاخر ولو مصنوعا وبالمقوم
غير المعشر والضم بالتقويم بالانفع ولا يخرج
رديء عن جيد من جنسه ولوبا لصنعة ويجوز العكس
ما لم يقتض الربا وإخراج جنس عن جنس تقويما
ومن استوفى ينا مرجوا أو أبرئ زكاه لما مضى
ولو عوض مالا يزكى الا عوض حب ونحوه ليس
للتجارة].
قوله: فصل : "ويجب تكميل الجنس بالاخر"
أقول : ليس على هذا اثارة من علم قط ولم يوجب
الشارع فيهما الزكاة الا بشرط ان يكون كل واحد
منهما نصابا حال عليه الحول والاتفاق كائن
انهما جنسان مختلفان ولهذا لم يحرم التفاضل في
بيع احدهما بالاخر ولو كانا جنسا واحدا لكان
التفاضل حراما.
وأما استدلال من استدل بحديث: "في الرقة ربع
العشر" [البخاري "1454" أبز دأود"1567"،
النسائي "2447"]، زاعما انها تصدق على الذهب
والفضة فقد جاء بما ليس في عرف الشرع ولالغة
العرب ولا في اصطلاح أهل الاصطلاح وقد قدمنا
بيان ذلك.
وإذا تقرر لك عدم صحة هذا التكميل عرفت به عدم
صحة قوله ولو مصنوعا وبالمقوم غير المعشروالضم
بالتقويم بالانفع.
قوله: "ولا يجزئ رديء عن جيد من جنسه"
أقول : هذا صواب لتعلق الزكاة بالعين ولما ورد
من النهي عن نحو هذا بقوله تعالي: {وَلا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
[البقرة: 267]، والاعتبار بعموم اللفظ.
وأما العكس وهو اخراج الجيد عن الرديء فقد فعل
المزكي خيرا وتيمم الطيب فأخرجه عن الخبيث
وليس هذا من الربا في شيء.
وأما قوله: "ويجوز إخراج جنس عن جنس تقويما"
فهو مبني على جواز اخراج القيمة في الزكاة وقد
قدمنا الكلام على هذا.
قوله: "ومن استوفى دينا مرجوا أو ابرئ زكاة
لما مضى"
أقول : قد قدمنا ان الدين المرجو الذي يتمكن
صاحبه منه متى شاء في حكم الموجود عنده إذا
كان نصابا على انفراده أو مع غيره مما يملكه
المزكي من جنسه وحال عليه الحول.
وأما قوله: "ولو عوض مالا يزكى" فغير مسلم الا
ان يحصل التراضي على المعأوضة
(1/235)
حتى كان الثابت
في الذمة هو النقد من الذهب والفضة فإنه عند
ذلك يكون له حكم ما تراضيا عليه من النقد
ويبتدئ التحويل له من وقت التراضي من غير فرق
بين ان يكون المعوض حبا أو غيره لتجارة أو
لغير تجارة.
[ فصل
وما قيمته ذلك من الجواهر وأموال التجارة
والمستغلات طرفي الحول ففيهن ما فيه من العين
أو القيمة حال الصرف ويجب التقويم بما تجب معه
والانفع].
قوله: فصل: "وما قيمته ذلك من الجواهر"
أقول : ليس على وجوب الزكاة في الجواهر
كاللؤلؤ والياقوت والزمرد وكل حجر نفيس اثارة
من علم قط وأما الاستدلال بمثل قوله: {خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]،
فالمراد على تسليم تنأوله للزكاة الاخذ من
الأشياء التي وردا الشرع بأن فيها زكاة والا
لزم ان يأخذ من كل مال ولو غير زكوى واللازم
باطل والملزوم مثله.
ثم لا يخفاك ان الآية في سياق توبة التائبين
عن التخلف في غزوة تبوك وليس المأخوذ منهم الا
صدقة النففل لا الزكاة بلا خلاف.
قوله: "واموال التجارة".
أقول : اشف ما استدل به القائل بوجوب الزكاة
فيها حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه
وسلم: "في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي
البز صدقته" بالزاي أخرجه الدارقطني عنه من
طريقين.
قال ابن حجر وإسناده غير صحيح مداره على موسى
بن عبيدة الربذي وله عنده طريق ثالث من رواية
ابن جريج عن عمران بن أبي انيس عن مالك بن أوس
عن أبي ذر وهو معلول لان ابن جريج رواه عن
عمران انه بلغه عنه ورواه الترمذي في العلل من
هذا الوجه وقال سألت البخاري عنه فقال لم
يسمعه ابن جريج من عمران وله طريق رابعة رواها
الدارقطني أيضا والحاكم من طريق سعيد بن سلمة
بن أبي الحسام عن عمران قال وهذا إسناد لابأس
به انتهى.
ولا يخفاك انها لا تقوم الحجة بمثل هذا الحديث
وان زعم من زعم ان الحاكم صححه فليس ذلك
بمتوجه على ان محل الحجة هو قوله: "وفي البز
صدقته" وقد حكى ابن حجر عن ابن دقيق العيد انه
قال الذي رأيته في نسخة من المستدرك في هذا
الحديث البر بضم الباء الموحدة وبالراء
المهملة قال ابن حجر والداراقطني رواه بالزاي
لكن طريقه ضعيفة.
وقد روى البيهقي في سننه حديث أبي ذر هذا وفيه
المقال المتقدم وأخرجه من حديث
(1/236)
سمرة بن جندب
بلفظ: "أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يأمرنا بأن نخرج الصدقة من الذي نعد
للبيع" وفي إسناده مجاهيل.
والحاصل انه ليس في المقام ما تقوم به الحجة
وان كان مذهب الجمهور كما حكاه البيهقي في
سننه فإنه قال إنه قول عامة أهل العلم والدين.
قوله: "والمستغلات".
أقول : هذه مسألة لم تطن على اذن الزمن ولا
سمع بها أهل القرن الأول الذين هم خير القرون
ولا القرن الذي يليه ثم الذي يليه وإنما هي من
الحوادث اليمنية والمسائل التي لم يسمع بها
أهل المذاهب الإسلامية على اختلاف اقوالهم
وتباعد اقطارهم ولا توجد عليها اثارة من علم
لا من كتاب ولا سنة ولا قياس وقد عرفناك ان
اموال المسلمين معصومة بعصمة الإسلام لا يحل
اخذها الا بحقها والا كان ذلك من أكل اموال
الناس بالباطل وهذا المقدار يكفيك في هذه
المسألة.
[ فصل
وإنما يصير المال للتجارة بنيتها عندابتداء
ملكه بالاختيار وللاستغلال أو الاكراء بالنية
ولو مقيدة الانتهاء فيهما فتحول منه ويخرج
بالاضراب غير مقيد ولا شيء في مؤنهما وما جعل
خياره حولا فعلى من استقر له الملك وما رد
برؤية أو حكم مطلقا أو عيب أو فساد قبل القبض
فعلى البائع].
قوله: فصل : "وتصير للتجارة بنيتها" الخ.
أقول : هذا الفصل متفرع عن وجوب الزكاة في
أموال التجارة والمستغلات وقد عرفناك ما هو
الحق في هذه المسائل فلا تشتغل بفرع لم يصح
اصله.
وأما قوله: "وما جعل خياره حولا فعلى من استقر
له الملك"، فلا يخفاك ان ما جعل فيه الخيار
إذا كان مما تجب فيه الزكاة فلا حكم لما مضى
قبل الاستقرار للملك لانه ملك متزلزل غير
مستقر فإذا استقر كان ابتداء التحويل من وقت
الاستقرار وما ما رد برؤية أو عيب قبل القبض
للمبيع فهو لم يخرج عن ملك البائع خروجا صحيحا
لعدم القبض مع تعقب الرد بموجب للرد ولا فرق
بين ان يكون الرد بحكم أو بغير حكم فلا يستأنف
البائع التحويل وأما إذا كان بعدالقبض فهو
تجدد ملك للبائع فيستأنف التحويل سواء كان
الرد بحكم أو بغير حكم.
هذا هو الاقرب إلي موافقة القواعد الشرعية.
(1/237)
باب زكاة الإبل
[ فصل
ولا شيء فيما دون خمس من الإبل وفيها جذع ضأن
أو ثني معز مهما تكرر حولها ثم كذلك في كل خمس
إلي خمس وعشرين وفيها ذات حول إلي ست وثلاثين
وفيها ذات حولين إلي ست وأربعين وفيها ذات
ثلاثة إلي إحدى وستين وفيه ذات اربعة إلي ست
وسبعين وفيها ذاتا حولين إلي إحدى وتسعين
وفيها ذاتا ثلاثة إلي مائة وعشرين ثم تستأنف
ولا يجزء الذكر عن الانثى الا لعدمها أو
عدمهما في الملك فابن حولين عن بنت حول
ونحوه].
قوله: فصل : "ولا شيء فيما دون خمس من الإبل"
أقول : هذا الذي ذكره إلي قوله: "ثم تستأنف"
هو في الحديث الصحيح الثابت في البخاري
["1454"]، وغيره [أبو دأود "1567"، النسائي
"2447"، ان أبا بكر كتب لهم ان هذه فرائض
الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
على المسلمين فيما دون خمس وعشرين من الإبل في
كل خمس ذود شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها
ابنة مخاض إلي خمس وثلاثين فإن لم تكن ابنة
مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين
ففيها ابنة لبون إلي خمس واربعين فإذا بلغت
ستا واربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلي ستين
فإذا بلغت واحدة وستين ففيها جذعة إلي خمس
وسبعين فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون
إلي تسعين فإذا بلغت واحدى وتسعين ففيها حقتان
طروقتا الفحل إلي عشرين ومائة فإذا زادت على
عشرين ومائة ففي كل اربعين بنت لبون وفي كل
خمسين حقة.
وظاهر هذا ان عدد الإبل إذا بلغ إلي هذا القدر
كان في كل اربعين من مجموع الإبل التي بلغت
هذا المقدار بنت لبون وفي كل خمسين منها حقة.
ومثله ما في حديث ابن عمر الذي أخرجه أحمد
["8/207"، أبو دأود "1568"، والترمذي "621"]،
وحسنه ولفظه إلي عشرين ومائة فإذا كثرت الإبل
ففي كل خمسين حقة وفي كل اربعين ابنة لبون.
ويؤيد هذا ما سيأتي في زكاة الغنم من ان
الفريضة تستأنف على مجموع العدد وإلي هذا ذهب
الجمهور وهو الحق.
وفي الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه
وسلم في الصدقات الموجود عند آل عمرو بن حزم
التصريح بما ذهب اليه الجمهور فان فيه: "فإذا
زادت على العشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات
لبون" هكذا أخرجه الدارقطني بهذا اللفظ من
طريق محمد بن عبدالرحمن ان عمر بن عبدالعزيز
حين
(1/238)
استخلف ارسل
إلي المدينة يلتمس عهد النبي صلى الله عليه
وسلم في الصدقات فوجد عند آل عمرو بن حزم
فذكره.
وأخرج مثل هذا أبو دأود ["1570"]، من طريق
الزهري عن سالم مرسلا بلفظ فإذا كانت احدى
وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون.
قوله: "ولا يجزيء الذكر عن الانثى الا لعدمها"
الخ.
أقول : يدل على هذا ما تقدم من حديث أنس من
قوله فان لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر.
وفي لفظ منه ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض
وليس عنده الا ابن لبون فإنه يقبل منه وليس
معه شيء.
(1/239)
[
باب ولا شيء فيما
دون ثلاثين من البقر
وفيها ذو حول ذكر أو أنثى إلي أربعين وفيها
ذات حولين قيل كذلك إلي ستين وفيها تبيعان إلي
سبعين وفيها تبيع ومسنة ومتى وجبت تبع ومسان
فالمسان].
قوله: باب : "ولا شيء فيما دون ثلاثين من
البقر"
أقول : أما كونه لا شيء فيما دون الثلاثين
فلما عرفناك غير مرة ان اموال المسلمين معصومة
بعصمة الإسلام لا يحل شيء منها إلا بدليل يصلح
للنقل عن هذه العصمة المعلومة بالضرورة
الدينية وأما كونه تجب في الثلاثين ما ذكره
المصنف فلما أخرجه أحمد ["5/230"]، وأهل السنن
[أبو دأود "1576"، الترمذي "623"، النسائي
"5/25، 26"]، وابن حبان وصححه الدارقطني
والحاكم وصححه أيضا من حديث معاذ قال: بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي اليمن
وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو
تبيعة ومن كل أربعين مسنة فهذا الحديث فيه
التصريح بما يجب من الزكاة في الثلاثين
والاربعين وهو يقتضي أنها إذا بلغت سنين كان
فيها تبيعان لانه امره ان يأخذ من كل ثلاثين
تبيعا إلي أربعين وياخذ مسنة ثم تكون الفريضة
مع الزيادة هكذا.
وفي رواية لأحمد ["5/240"]، والبزار من حديث
معاذ أن أهل اليمن عرضوا عليه ان يأخذ ما بين
الاربعين إلي الخمسين وما بين الستين والسبعين
وما بين الثمانين والتسعين قال: فقدمت فأخبرت
النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن لا آخذ
فيما دون ذلك وزعم أن الأوقاص لا شيء فيها.
وأما قول المصنف: ومتى وجب تبع ومسان فالمسان
فلا وجه لذلك ولم يدل عليه
(1/239)
دليل بل الخيار
للمالك إن شاء أن يعطى من النوعين فعل وان شاء
أن يعطى من أحدهما فعل والكل سنة ثابتة وشريعة
قائمة فإن طلب ما هو الانفع للفقراء فذلك أمر
مفوض اليه والاعمال بالنيات.
(1/240)
[
باب ولا شيء فيما
دون أربعين من الغنم
وفيها جذع ضأن أو ثنى معز إلي مائة واحدى
وعشرين وفيها اثنتنان إلي إحدى ومائتين وفيها
ثلاث إلي اربعمائة وفيها اربع ثم في كل مائة
شاة.
والعبرة بالام في الزكاة ونحوها وبسن الأضحية
وبالأب في النسب].
قوله: باب : "ولا شيء فيما دون اربعين من
الغنم".
أقول : أما عدم الوجوب فيما دون الاربعين فلما
قدمنا في الباب الذي قبل هذا ولما ثبت في حديث
أنس بلفظ فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من
اربعين شاة واحدة فليس فيها شيء الا ان يشاء
ربها.
وأما ما ذكره المصنف من الواجب في الاربعين
وما بعدها فهو الذي في حديث أنس المذكور بلفظ
وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت اربعين
ففيها شاة إلي شعرين ومائة فإذا زادت ففيها
شاتان إلي مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث
شياه إلي ثلاثمائة فإذا زادت ففي كل مائة شاة.
وفي حديث ابن عمر الذي أخرجه أحمد ["8/207"،
وأبو دأود "1568"والترمذي "621"]، وحسنه بلفظ:
"وفي الغنم من أربعين شاة شاة إلي عشرين ومائة
فإذا زادت شاة ففيها شاتان إلي مائتين فإذا
زادت ففيها ثلاث شياه إلي ثلاثمائة فإذا زادت
فليس فيها شيء حتى تبلغ اربعمائة فإذا كثرت
الغنم ففي كل مائة شاة".
قوله: "والعبرة بالأم في الزكاة ونحوها وبالاب
في النسب".
أقول : المعتبر صدق ما تجب فيه الزكاة من إبل
أو بقر أو غنم فإذا كان ذلك الموجود يطلق عليه
انه من الغنم أو الإبل أو البقر كان من جملة
الجنس الذي هو منه.
وأما كون الاعتبار بالاب في النسب فإن كان هذا
اعتبار اللغة فممنوع فإن العرب لا تجعل لمن
امه امة ما تجعله لمن امه حرة في الانتساب إلي
الاب العربي ولهذا يقول عنترة
إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمى
سائري بالمنصل
فجعل شطره منتسبا بنسب أبيه وشطره منتسبا بنسب
أمه.
(1/240)
وكانت امه امة
وان كان هذا باعتبار الشرع فمحتاج إلي دليل في
نفس كون الاعتبار بالاب في النسب في الرفاعة
والوضاعة لا في كونه حرا يرث ويورث ويثبت له
ما يثبت للأحرار فإن هذا معلوم من الشرع ومن
الشعر المنسوب إلي المأمون أو المقول على
لسانه لما كانت امه امة يقال لها مراجل:
لا تزرين بفتى من ان يكون له ... أم من الروم
أو سوداء عجماء
فإنما امهات الناس أوعية ... مستودعات
وللأبناء آباء
[ فصل
ويشترط في الانعام سوم اكثر الحول مع الطرفين
فمن ابدل جنسا بجنسه فأسامه بنى والا استأنف
وانما يؤخذ الوسط غير المعيب ويجوز الجنس
والافضل مع إمكان العين والموجود ويترادان
الفضل ولا شيء في الأوقاص ولا يتعلق بها
الوجوب وفي الصغار احدها إذا انفردت].
قوله: فصل : "ويشترط في الانعام سوم اكثر
الحول مع الطرفين".
أقول : أما اشتراط ذلك في الغنم فلحديث أنس
الثابت في الصحيح بلفظ: "وفي صدقة الغنم في
سائمتها إذا كانت اربعين ففيها شاة".
وفي لفظ منه آخر: "وإذا كانت سائمة الرجل
ناقصة من اربعين شاة واحدة فليس فيها شيء".
وأما في الإبل فلما وقع في حديث بهز بن حكيم
عن أبيه عن جده مرفوعا: "في كل إبل سائمة"
[أبو دأود "1757"، النسائي "2444"]، الحديث.
وأما في البقر فلما أخرجه الدارقطني من حديث
ابن عباس ليس في البقر العوامل صدقة وفي
إسناده سوار بن مصعب وهو متروك عن ليث بن أبي
سليم وهو ضعيف.
ورواه من وجه آخر عنه وفيه الصقر بن حبيب وهو
ضعيف ورواه من حديث جابر بلفظ: ليس في المثيرة
صدقة وضعف البيهقي إسناده ورواه موقوفا وصححه
من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الا انه
قال الإبل بدل البقر قال ابن حجر وإسناده
ضعيف.
قال البيهقي: وأشهر من ذلك ما روى موقوفا من
حديث أبي إسحاق عن الحارث وعاصم عن علي "ليس
في البقر العوامل شيء".
قال البيهقي: رواه النفيلي عن زهير بالشك في
وقفه أو رفعه وروى عن زهير مرفوعا
(1/241)
ورواه غير زهير
عن أبي إسحاق موقوفا قال ابن حجر وهو عن أبي
دأود وابن حبان وصححه ابن القطان على قاعدته
في توثيق عاصم بن ضمرة وعدم التعليل بالوقوف
وبالرفع.
هذا حاصل ما ورد في اعتبار السوم والانعام
الثلاث لها حكم واحد في الزكاة فالوارد في
بعضها يقوى الوارد في البعض الاخر ولا سيما مع
اعتضاد ذلك بأن الاصل البراءة فلا ينقل عنها
الا ناقل صحيح وقد ورد الناقل وهو ايجاب
الزكاة في الانعام مقترنا بكونه في السائمة
كما عرفت.
ولا يخفاك ان ظاهر أحاديث اعتبار الحول التي
قدمنا ذكرها يدل على انه لا بد ان يحول عليها
الحول سائمة وان سامت في بعض الحول وعلفت في
بعضه فالظاهر عدم الوجوب.
وهكذا إذا بدل جنسا بجنسه غير قاصد للحيلة
فإنه يستأنف التحويل للبدل من عند دخوله في
ملكه ولا اعتبار بحول المبدل ولا يبنى عليه.
قوله: "وإنما يؤخذ الوسط غير المعيب".
أقول : أما كونه يؤخذ الوسط فلما أخرجه أبو
دأود ["1582"]، والطبراني بإسناد جيد من حديث
عبد الله بن معأوية الفاضري من غاضرة قيس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من
فعلهن طعم طعم الايمان من عبد الله وحده وانه
لا إله الا الله واعطى زكاة ماله طيبة بها
نفسه رافدة عليه كل عام ولا يعطى الهرمة ولا
الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من
وسط اموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم
يأمركم بشره".
فإن بذلك المسالك ما هو خير مما يجب عليه طيبة
به نفسه فلا بأس بذلك لما أخرجه أحمد وأبو
دأود والحاكم وصححه من حديث أبي بن كعب قال
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا
فمررت برجل فلم أجد عليه في ماله الا ابنة
مخاض فاخبرته انها صدقته فقال ذاك ما لا لبن
فيه ولا ظهر وما كنت لأقرض الله مالا لبن فيه
ولا ظهر ولكن هذه ناقة سمينة فخذها فقلت ما
انا بآخذ ما لم أومر به فهذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم منك قريب فخرج معي وخرجنا
بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبره الخبر فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "ذلك الذي عليك وان تطوعت
بخير قبلناه منك وآجرك الله فيه" قال: فخذها
فأمر رسول الله صلى الله عليه بقبضها ودعا له
بالبركة وفي إسناده محمد بن إسحاق ولكنه قد
صرح هنا بالتحديث وهكذا إذا قبل المصدق ما هو
معيب فإنه يجزئ رب المال لما في حديث أنس
الصحيح المتقدم [البخاري "1448، 1450، 1453،
1454، 1455، 2487، 3106، 5878، 6955"، أبو
دأود "1567" النسائي "2447"]. ذكر بعضه بلفظ:
"ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا
تيس الا إن يشاء المصدق".
وأما قوله: "غير المعيب"، فلما تقدم في حديث
الغاصري وفي حديث أنس هذا ولما في حديث ابن
عمر المتقدم ذكر بعضه بلفظ: "ولا تؤخذ هرمة
ولا ذات عيب من الغنم" وكما روى
(1/242)
في تعيين
الشرار فقد ورد تعيين الخيار في حديث سفيان بن
عبدالله الثقفي عند مالك في الموطأ والشافعي
في مسنده ان عمر بن الخطاب قال نعد عليهم
بالسخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ولا تاخذ
الاكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم
رواه ابن أبي شيبة مرفوعا.
وأما قول المصنف: "ويجوز الجنس والافضل مع
إمكان العين"، فقد عرفت مما سبق جواز إخراج
الافضل وأما جواز إخراج الجنس مع إمكان العين
فغير مسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يجوز ذلك الا بشرط عدم وجود ما هو الواجب في
الملك كما في حديث أنس المتقدم وفيه ومن بلغت
عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون
وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها
شاتين إذا استيسرتا له أو عشرين درهما وفيه
أيضا ومن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده
جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل معها
شاتي إذا استيسرنا له أو عشرين درهما وفيه ومن
بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة
لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إذا
استيسرتا له أو عشرين درهما وفيه ومن بلغت
عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة لبون
فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إذا استيسرتا
له أو عشرين درهما وفيه ومن بلغت عنده صدقة
ابنة لبون وليست عنده الا حقة فإنها تقبل منه
ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين.
وبهذه الروايات يتبين لك وجه قول المصنف:
"والموجود ويتردان الفضل".
قوله: "ولا شيء في الأوقاص ولا يتعلق بها
الوجوب".
أقول : أما كونه لا شيء في الأوقاص وهو ما بين
الفريضتين فظاهر وقد صح الدليل لذلك وهو قوله
في حديث أنس وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من
اربعين شاة فليس فيها شيء وكما في قوله في
حديث معاذ المتقدم فأمرني ان لا آخذ فيما بين
ذلك وزعم ان الأوقاص لا فريضة فيها وهكذا ما
ورد في الفاظ الاحاديث ولا شيء في كذا حتى
يبلغ كذا فإنه تصريح بعدم الوجوب في الأوقاص.
وأما كونه لا يتعلق بها الوجوب فغير مسلم بل
الشاة الخارجة مثلا من الاربعين هي عن جميع
الاربعين لا عن الشاة الموفية للأربعين وهكذا
سائر الفرائض التي علق النبي صلى الله عليه
وسلم الوجوب بها فإن المراد ان تلك الزكاة عن
جميع ما وجد من الانعام لا عن الموفى للنصاب
ونفي الوجوب عن الأوقاص هو ما دامت أوقاصا لا
إذا بلغت إلي النصاب فإن الزكاة المخرجة هي عن
جميع ذلك النصاب.
قوله: "وفي الصغار احدها إذا انفردت".
أقول : قد قدمنا الادلة الدالة على اعتبار
الحول وقدمنا انه لا يكون حول الفرع حول اصله
فهذه الصغار ان حال عليها الحول بعدانفرادها
فهي إذ ذاك كبار وليست بصغار على انا قدمنا في
حديث سويد بن غفلة النهي من النبي صلى الله
عليه وسلم له ان لا يأخذ من راضع لبن شيئا
فهذا يدل على انه لا يؤخذ منها ما دامت صغارا
راضعة وأنه لا يكون حولها حول اصلها.
(1/243)
[ باب " ما
أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول
وهو من المكيل خمسة أوسق الوسق ستون صاعا كيلا
ومن غيره ما قيمته نصاب نقد عشره قبل إخراج
المون وان لم يبذر أو لم يزد على بذر قد زكى
أو احصد بعد خوزه من مباح الا المسني فنصفه
فإن اختلف فحسب المؤنة ويعفى عن اليسير.
ويجوز حرص الرطب بعد صلاحه وما يخرج دفعات
فيعجل عنه والعبرة بالانكشاف وتجب من العين ثم
الجنس ثم القيمة حال الصرف ولا يكمل جنس بجنس
ويعتبر التمر بفضلته وكذلك الارز الا في
الفطرة والكفارة وفي العلس خلاف.
وفي الذرة والعصفر ونحوهما ثلاثة اجناس ويشترط
الحصاد فلا تجب قبله وان بيع بنصاب وتضمن بعده
المتصرف في جميعه أو بعض تعين لها ان لم يخرج
المالك ومن مات بعده وامكن الأداء قدمت على
كفنه ودينه المستغرق والعسل من الملك كمقوم
المعشر"].
قوله: باب : "زكاة ما أخرجت الارض في نصاب
فصاعدا ضم احصاره الحول وهو من المكيل خمسة
أوسق".
أقول : أما باعتبار النصاب في زكاة ما أخرجت
الارض وهو ان يكون خمسة أوسق فذلك للدليل
الصحيح المتلقى بالقبول من جميع طوائف أهل
الإسلام فهو بين عامل به ومتأول له وهو حديث:
"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" وهو في
الصحيحين [البخاري "1447", مسلم "979"]
وغيرهما من حديث أبي سعيد وهو حجة ظاهرة في
أنه لا زكاة فيما دون الخمسة الأوسق ولم يصب
من أوجبها في قليل ما انبتت الارض وكثيره عملا
بالاحاديث المصرحة بأن "فيم سقت السماء
والعيون العشر وفيما سقى بالنضخ نصف العشر"
[البخاري "1434", الترمذي "640"] لانه عمل
بالعام وترك العمل بالخاص والجمع بينهما واجب
بان يبنى العام على الخاص وهذا أمر متفق عليه
عند أئمة الأصول في الجملة فمن خالف ذلك في
الفروع فإن كان لعدم علمه بالخاص فقد أتي من
قبل تقصيره وكيف يكون مجتهدا من جهل مثل هذا
الحكم وإن كان قد علم به ولم يعمل به فالحجة
عليه قائمة بالدليل الصحيح.
وأما قوله: "ضم أحاصده الحول" فمبنى على أان
أحاديث اعتبار الحول شاملة لما خرج من الارض
وليس الامر كذلك بل هي واردة في غيره وأما
الخارج من الأرض فيجب إخراج زكاته عند إحصاده
إن كان خمسة أوسق فصاعدا وكان مما تجب فيه
الزكاة لم يسمع في أيام النبوة ولا في أيام
الصحابة انه اعتبر الحول فيما يخرج من الأرض
بل كانوا يزكون الخارج عند إحصاده إذا كمل
نصابه.
وأما كون الوسق ستين صاعا فيدل عليه أما أخرجه
أحمد وابن ماجه
(1/244)
["1793"]، من
حديث أبي سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "الوسق ستون صاعا"، وأخرجه أيضا
الدارقطني وابن حبان وأخرجه أيضا النسائي
["2486"، وابو دأود "1559"، وابن ماجه
"1832"]، من طريق اخرى عن أبي سعيد قال أبو
دأود وهو منقطع لم يسمع أبو البختري من أبي
سعيد وأخرج البيهقي نحوه من حديث ابن عمر
وأخرج أيضا نحوه ابن ماجه من حديث جابر
وإسناده ضعيف قال ابن حجر وفيه عن عائشة وسعيد
بن المسيب.
قوله: "وما قيمته نصاب نقد عشرة".
أقول : الاحاديث الواردة في انه لا زكاة في
الخضروات قد أوضحنا في شرحنا للمنتقى انه يقوى
بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض فهي صالحة لتخصيص
العمومات كحديث: "فيما سقت السماء العشر"
ونحوه.
وهكذا الاحاديث الواردة في ان الزكاة لا تجب
الا في اربعة اجناس البر والشعير والتمر
والزبيب فإنها تنتهض بمجموعها للعمل بها كما
أوضحناه هنالك.
قوله: "قبل اخراج المؤن".
أقول : المالك انما يزكى ما دخل في ملكه
بعدحصاده ودياسه فلا يجب عليه زكاة ما خرج في
المؤن التي لا يتم الحصاد والدياس الا بها
وليس له ان يخرج مؤن الحرث والسقي والبذر
ونحوها فإنه لم يثبت في ذلك لا في ايام النبوة
ولا فيما بعدها.
وأما قوله: "وان لم يبذر" فصواب إذا ثبت في
الملك فليس من شرط الزكاة ان يقع من المالك
البذر للأرض. وهكذا إذا لم يرد على بذر قد زكى
فإنها تجب فيه الزكاة لعموم الادلة المصرحة
بوجوب زكاة الخارج من الارض بل تجب الزكاة وان
كان الحاصل دون البذر الذي قد زكى إذا بلغ
النصاب.
وأما قوله: "وإذا حصد بعد حوزه من مباح" فيدل
على ذلك عموم الآية الواردة فيما أخرجت الارض
وهذا مما أخرجته الارض وصار في ملك مالك تجب
عليه أصل الزكاة فاخراجه عن حكم الخارج من
الارض يحتاج إلي دليل.
قوله: "الا المسنى فنصفه".
أقول : قد صرحت الادلة الصحيحة بذلك منها حديث
ابن عمر في الصحيح بلفظ: "وفيما سقى بالنضخ
نصف العشر" ومثله حديث جابر في الصحيح [مسلم
"981"، أيضا بلفظ "وفيما سقى بالساقية نصف
العشر" قال النووي وهذا متفق عليه قال وان
وجدنا ما يسقى بالنضخ تارة وبالمطر اخرى فإن
كان ذلك على جهة الاستواء وجب ثلاثة ارباع
العشر وهو قول أهل العلم قال ابن قدامة لا
نعمل فيه خلافا وان كان احدهما اكثر كان حكم
الاقل تبعا للأكثر عند أحمد والنووي وأبي
حنيفة واحد قولي الشافعي وقيل يؤخذ بالتقسيط
قال
(1/245)
ابن حجر ويحتمل
ان يقال ان أمكن فصل كل واحد منهما اخذ بحسابه
وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به
الزرع ولو كان اقل.
قوله: "ويجوز خرص الرطب بعدصلاحه".
أقول : قد ثبت في خرص العنب والتمر أحاديث
تقوم بها الحجة بل ثبت في الصحيحين [البخاري
"1481"، مسلم "15/14"]، من حديث أبي
حميدالساعدي انه صلى الله عليه وسلم خرص صديقة
امرأة بنفسه وفيه قصة ولكن هذا الخرص مقيد بما
أخرجه [أحمد "3/448"، وابو دأود "1605"،
والترمذي "643"، والنسائي "5/42"]، وابن حبان
الحاكم وصححه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم
تدعوا الثث فدعوا الربع".
وأما قول المصنف: "بعد صلاحه" ، فيدل عليه ما
في حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة فيخرص النخل
حين يطيب قبل ان يؤكل ثم يخبر يهود يأخذونه
بذلك الخرص أو يدفعونه اليهم بذلك الخرص أخرجه
[أحمد "9/12"، وابو دأود "3413"].
قوله: "وما يخرج دفعات فيعجل منه".
أقول : المراد للمصنف هو ان الشيء الذي يخرج
دفعات يخرص كل دفعة من دفعاته كالتين لانها لا
تحصل الدفعة الثانية الا وقد فسدت الأولى وهذا
وان كان قد دخل فيما سبق لكنه أراد ان يدفع
وهم من يتوهم انه لا يخرص الا مرة واحدى وان
خرج دفعات.
وأما التعرض لتعجيل الزكاة فهو دخيل في المقام
لا حاجة اليه لان جواز التعجيل لا يختص بهذا
وحده.
وأما اعتبار الانكشاف فأمر لا بد منه لما تقدم
من ان الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق.
قوله: "وتجب في العين ثم الجنس ثم القيمة حال
الصرف".
أقول : هذا صواب لما قدمنا من الادلة الدالة
على وجوب الزكاة في العين فإذا تلفت العين
فالعدول إلي الجنس هو اقرب إلي العين من
القيمة لان جنس الشيء يوافقه في غالب الأوصاف
فإذا لم يوجد الجنس اجزأت القيمة لان لذلك غية
ما يمكن من التخلص عن واجب الزكاة.
وأما قوله: "ولا يكمل جنس بجنس" فهذا صحيح لان
اعتبار النصاب هو في كل جنس على حدة فمن زعم
انه إذا حصل خمسة أوسق من جنسين وجبت الزكاة
فعليه الدليل.
وأما قوله: "ويعتبر التمر بفضلته" فهذا صحيح
ولم يسمع في أيام النبوة ما يخالفه وهكذا
الارز والعلس عند من أوجب الزكاة فيهما.
وأما قوله: "وفي الذرة والعصفر ونحوهما ثلاثة
أجناس"، فمبنى على وجوب الزكاة في الخضروات
وفي غير الاجناس الاربعة وقد قدمنا الكلام على
ذلك.
(1/246)
قوله: "ويشترط
الحصاد" الخ.
أقول : هذا معلوم فإن النبي صلى الله عليه
وسلم أما أوجبا لزكاة فيما قداحصد وعرف مقداره
كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما
دون خمسة أوسق صدقة" فالوجوب متعلق بالنصاب
وهو الخمسة الأوسق ولا يعرف قدر النصاب الا
بعدا الحصاد وأيضا ما دام ما أخرجته الارض هو
معرض للجوائح بالافات السمأوية والارضية فلو
وجبت الزكاة فيه قبل حصاده لكان إيجابها قبل
ثبوت الملك وتقرره وهكذا الضمان لا يكون الا
بعد ثبوت الملك وتقرره.
وأما قوله: "ومن مات بعده قبل إمكان الأداء
قدمت على كفنه ودينه المستغرق" فهو بخالف ما
تقدم له من قوله وهي قبله كالوديعة قبل طلبها.
قوله: "والعسل من الملك كمقوم المعشر".
أقول : استدل على وجوب الزكاة في العسل بما
أخرجه أحمد ["4/236"، وابو دأود "وابن ماجه
"823"]، والبيهقي قال: قلت: يا رسول الله إن
لي نحلا قال: "فأد العشور" قال: قلت: يا رسول
الله احم لي جبلها قال: فحمى لي جبلها وفي
إسناده انقطاع لانه من رواية سليمان بن موسى
عن أبي سيارة قال البخاري لم يدرك سليمان احدا
من الصحابة وليس في زكاة العسل شيء يصح وقال
أبو عمر بن عبدالبر لا يقوم بهذا حجة.
وأخرج أبو دأود ["1600"، والنسائي "2499"، ان
هلالا أحد بنى متعان جاء إلي رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعشور نحل وكان سأله ان يحمى
واديا يقال له سلبة فحمى له ذلك الوادي وأخرج
ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اخذ من العسل
العشر وفي إسناده ابن لهيعة وعبدالرحمن ابن
الحارث وليس من أهل الاتقان.
وأخرج الترمذي ["629"،عن ابن عمر ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "في العسل كل عشرة أزقاق
زق" وفي إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ
وقد خولف وقال النسائي هذا حديث منكر.
وأخرج عبدالرزاق والبيهقي عن أبي هريرة حديثا
في زكاة العسل وفي إسناده عبدالله ابن محرز
وهو متروك. وأخرج البيهقي عن سعد بن أبي ذئاب
ان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على قومه
وانه قال لهم: " أدوا العشر في العسل" وفي
إسناده منير بن عبدالله وهو ضعيف.
واحاديث الباب يقوى بعضها بعضا ويشهد بعضها
لبعض فينتهض الاحتجاج با وقد استوفيت البحث في
شرحي للمنتقى وذكرت عدم انتهاض الاحاديث للحجة
لأن حديث أبي سيارة وحديث هلال ان كان غير أبي
سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل لانه
حمى لهما بدل ما اخذ منهما ولكن لا يخفى انه
قال في حديث أبي سيارة: "فأد العشر" وهذا
تصريح
(1/247)
لوجوب الزكاة
ولا سيما وقد وقع في رواية لأبي دأود بلفظ من
كل عشر قرب قربة ووقع عندالترمذي كما تقدم في
العسل في كل عشرة ازقاق زق.
(1/248)
[ باب "
ومصرفها من تضمنته الآية
فإن وجد البعض فقط ففيه والفقير من ليس بغني
وهو من يملك نصابا متمكنا أو مرجوا ولو غير
زكوى واستثنى له كسوة ومنزل وأثاث وخادم وآلة
حرب يحتاجها الا زيادة النفيس والمسكين دونه
ولا يستكملا نصابا من جنس واحد والا حرم أو
موفيه ولا يغنى بغنى منفقه الا الطفل مع الاب
والعبرة بحال الاخذ.
والعامل من باشر جمعها بامر محق وله ما فرض
آمره وحسب العمل وتأليف كل واحد جائز للامام
فقط لمصلحة دينية ومن خالف فيما اخذ لأجله رد
والرقاب والمكاتبون الفقراء المؤمنون فيعانون
على الكتابة والغارم كل مؤمن فقير لزمه دين في
غير معصية وسبيل الله المجاهد المؤمن الفقير
فيعان بما يحتاج اليه فيه ونصرف فضله نصيبه لا
غيره في المصالح مع غني الفقراء وابن السبيل
من بينه وبين وطنه مسافة قصر فيبلغ منها ولو
غنيا لم يحضر ماله وأمكنه القرض ويردالمضرب لا
المتفضل وللامام تفضيل غيرمجحف ولتعدد السبب
وان يرد في المخرج المستحق ويقبل قولهم في
الفقراء ويحرم السؤال غالبا].
قوله: باب : "ومصرفها من تضمنته الآية فإن
وجدالبعض فقط ففيه".
أقول : هذا التقييد صحيح لانه إذا وجد الكل
فلكل صنف حق من مجموع الحاصل من الزكاة
المجموعة بامر الامام أو من يقوم مقامه لما
تقتضيه الآية فإن اللام فيها مفيدة للملك
ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو دأود ["1630"] من حديث
زياد بن الحارث الصداني قال أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبايعته فاتى رجل فقال
اعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره
في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية
اجزاء فان كنت من تلك الاجزاء اعطيتك"،
ولا ينافى ما صرحت به الآية من المصارف
الثمانية ما ورد من ان الزكاة تؤخذ من
الاغنياء وترد في الفقراء فإذ ذلك محمول على
انه لم يوجد في المحل الذي اخذت منه الا
الفقراء أما إذا وجد غيرهم فله حق فيها كحق
الفقراء فيجمع بين الادلة بهذا.
وأما من اشتراط الفقر في جميع الاصناف فلا
يحتاج إلي الجمع بهذا ولكن هذا الاشتراط
(1/248)
خلاف ظاهر
القرآن وخلاف ما ثبت في السنة كقوله صلى الله
عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني الا في سبيل
الله أو ابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه
فيهدي لك أو يدعوك"، أخرجه أحمد ["3/56"]،
ومالك في الموطأ والبزار وعبد بن حميد وابو
دأود ["1636"]، وابو يعلى والبيهقي والحاكم
وصححه من حديث أبي سعيد.
وفي لفظ لأبي دأود ["1636"، وابن ماجه "1841"،
"لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة لعامل عليها أو
رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل
الله أو مسكين تصدق عليه بها فأهدى منها
لغني".
وسيأتي الكلام على هذا الاشتراط في كل صنف
اشترط فيه ذلك.
قوله: "والفقير من ليس بغني".
أقول : هذا هو المذكور في كتب اللغة الصحاح
والقاموس وغيرهما فيحتاج في معرفة معنى الفقير
إلي معرفة معنى الغني وقد جعله المصنف رحمه
الله من يملك نصابا ووجه هذا ان النبي صلى
الله عليه وسلم أمر باخذ الزكاة من الاغنياء
وردها في الفقراء فوصف ن تؤخذ منه الزكاة
بالغني وقد قال: "لا تحل الصدقة لغني"، [أحمد
"9/93"، أبو دأود "1633"، النسائي "2598"]،
فكأن الفقير من لا يملك نصابا وقد ذكرنا في
شرح المنتفى اختلاف المذاهب في حد الغنى
وذكرنا ادلتهم ومنها ما أخرجه أحمد وأبو دأود
وابن حبان وصححه عن سهل بن الحنظلية قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل وعنده
ما يغنيه فإنما يستكثر من النار"، قالوا: يا
رسول الله وما يغنيه؟ قال: "قدر ما يعشيه
ويغديه".
ومنها ما أخرجه أحمد ["1/441"] بوأهل السنن
[أبو دأود "1626"، "الترمذي "650"، ابن ماجة
"1840"، النسائي "3593"]، وحسنه الترمذي من
حديث ابن مسعود مرفوعا: "من سأل الناس وله ما
يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش"
قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: "خمسون
درهما أو حسابها من الذهب".
ومنها ما أخرجه أحمد ["3/907"، وأبو دأود
"1628"، والنسائي "2596"]، بإسناد رجاله ثقات
من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "من سأل وله قيمة أوقية فقد الحف".
وفي الباب أحاديث ولكن لا يخفى ان هذه
الاحاديث فيمن يحرم عليه سؤال الناس لا فيمن
تحرم عليه الزكاة ولكن قد سمى رسول الله صلى
الله عليه وسلم من اشتملت عليه هذه الاحاديث
غنيا فيكون الواجد لذلك المقدار غنيا وقد صح
عنه صلى الله عليه وسلم: "أن الزكاة لاحظ فيها
لغني" [أحمد "9/93"، أبو دأود "1633"، النسائي
"2598"]، ويجمع بين هذه الاحاديث بالأخذ
بأكثرها مقدارا وهو الخمسون الدرهم.
وأما قول المصنف رحمه الله: "متمكنا أو مرجوا"
فقد قدمنا في المرجو انه لا بد ان يكون بحيث
يأخذه متى شاء. وأما قوله ولو غير زكوى فوجه
ذلك انه قد صار مالكا لقيمة النصاب الزكوى.
(1/249)
قوله: "واستثنى
كسوة ومنزل" الخ.
أقول : هذه الامور لا يخرج بها المالك لها عن
كونه فقيرا مصرفا للزكاة ولم يسمع في عصر
النبوة ولا فيما بعده ان ملبوس الرجل ومنزله
وما يقيه الحر والبرد وسلاحه يخرجه عن صفة
الفقر وقد كان الصرف في الفقراء منه صلى الله
عليه وسلم ومن الخلفاء الراشدين ومعهم ما
يحتاجون اليه من ذلك وهذا معلوم لا شك فيه.
نعم استثناء ما كان فيه زيادة نفيس ان كان
صاحبه يحتاج اليه فلا وجه للاستثناء وان كان
لايحتاج اليه ويكفي ما دونه وتندفع عنه الحاجة
به فلا بأس بذلك ومن جملة ما ينبغي استثناؤه
الدفاتر العلمية للعالم فإن ذلك مصلحته في
الغالب عامة.
قوله: "والمسكين دونه"
أقول : قد ثبت في الصحيحين [البخاري "1476"،
مسلم "103/1039"]، وغيرهما [أحمد "2/316"،
النسائي "5/84، 85"، أبو دأود "1631"]، من
حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس
ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن
المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له
فيتصدق عليه ولا يقوم فيسال الناس".
وفي لفظ في الصحيحين [البخاري "1479"، مسلم
"1039"]، من حديثه: "ليس المسكين الذي ترده
التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان وانما
المسكين الذي يتعفف اقرأوا ان شئتم {لا
يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:
273]، فأفاد هذا الحديث ان المسكين فقير
لقوله: "لا يجد غنى يغنيه" مع زيادة كونه
متعففا لا يقوم فيسأل الناس ولا يفطن له
فيتصدق عليه فالمسكين فقير متعفف وبهذا القيد
يظهر الفرق بينهما ويندفع قول من قال انهما
مستويان وقول من قال ان المسكين فوق الفقير
واعلى حالا منه لما هو معلوم من ان تعففه عن
السؤال وعدم التفطن لكونه فقيرا زيادة حاجة
وعظم ضرورة ومما يدل على افتراقهما في الجملة
ما روى عنه صلى الله عليه وسلم انه قال:
"اللهم احيني مسكينا"، مع ما علم من تعوذه من
الفقر.
قوله: "ولا يستكملا نصايا من جنس" الخ.
أقول : قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع
من العطاء الذي هو مجموع من اموال الله التي
من جملتها الزكاة إلي الواحد من الصحابة
انصباء كثيرة كما في الحديث الصحيح انه اعطى
العباس من الدراهم ما عجز عن حمله وقال لعمر
لما قال له إنه يصرف عطاءه فيمن هو أفقر منه
إليه: "ما جاءك من هذا المال وانت غير مشرف
ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك" وهو في
الصحيحين [البخاري "1473"، مسلم "1045"،
وغيرهما [النسائي "2608"]، من حديثه.
وظاهر هذا الأمر انه يقبل ما جاء إليه من
أموال الله وان كان انصباء متعددة وقد كان
الخلفاء الراشدون ومن بعدهم يعطون الفرد من
المسلمين الالوف الكثيرة وقد أخرج أحمد بإسناد
صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر لبعض من
ساله بشاء كثيرة بين جبلين من شاء الصدقة،
وثبت ان
(1/250)
النبي صلى الله
عليه وسلم قال لسلمة ابن صخر: "اذهب إلي صاحب
صدقة بني زريق فقل له فليدفعها اليك" [البخاري
"1936" مسلم "1111"، الترمذي "3299"].
قوله: "ولا يغني بغنى منفقة الا الطفل مع
الاب".
أقول : هذه دعوى مجردة ليس عليها دليل فان
اثبات الغنى لشخص لا يملك ما يكون به غنيا
لكون منفقه غنيا لا يناسب القواعد الشرعية.
وأما قوله والعبرة بحال الاخذ فصحيح لأنه اخذ
ذلك وهو مصروف له وان اغناه الله عز وجل في
ذلك الوقت الذي اخذ فيه الزكاة وليس مثل هذا
مما يحتاج إلي التدوين لوضوحه وظهوره.
قوله: "والعامل من باشر جمعها بأمر محق".
أقول : من ثبت له الولاية على الناس بالمبايعة
له منهم جاز العمل له في امور الدنيا والدين
لان طاعته قد صارت واجبة بالبيعة وفي هذا من
الايات القرآنية والاحاديث الصحيحة ما هو
معروف ومن ذلك قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وفي الحديث الصحيح
[أبو دأود"4607"]: "عليكم بالطاعة وان عبدا
حبشيا" الحديث.
ولا يتسع المقام لبسط ما ورد في طاعة أولى
الامر والنهي عن نزع الايدي من طاعتهم ما
اقاموا الصلاة الا ان يظهر منهم الكفر البواح
كما صرحت بذلك الاحاديث الصحيحة.
فالعمل لمن صار واليا على المسلمين في الزكاة
وغيرها صحيح بل واجب إذا طلب ذلك وان كان غير
عادل في بعض الاحوال فيطاع في طاعة الله
سبحانه ويعصى في معصيته كما صح عنه صلى الله
عليه وسلم انه قال: "لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق" [أحمد "5/66"].
وقال: "إنما الطاعة في المعروف" [البخاري
"7257، 4340، 7145"، مسلم "1840"، أبو دأود
"2625"، أحمد 1/94"، النسائي "7/109"]، هذا ما
تقتضيه الشريعة المطهرة وهو أوضح من شمس
النهار وليس بيد من خالفه شيء يصلح للتمسك به.
قوله: "وله ما فرض آمره".
أقول : قد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يفرض لمن يعمل له في الزكاة أجرة عمله كما
في الصحيحين [البخاري "7163"، مسلم
"112/1045"]، وغيرهما [أبو دأود "1647"،
النسائي "5/102"، أحمد "1/52"]، من حديث بسر
بن سعيد ان ابن السعدي المالكي قال استعملني
عمر على الصدقة فلما فرغت منها واديتها اليه
أمر لي بعمالة فقلت انما عملت لله فقال خذ ما
اعطيت فإن عملت على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم فعملني فقلت مثل قولك فقال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اعطيت شيئا من
غير ان تسأل فكل وتصدق".
وظاهر هذا انه قد فرض له ما يفيض عن أكله
ويمكن التصدق منه ولا يجوز له ان يأخذ الزيادة
على ما فرض له الامام أو السلطان لما أخرجه
أبو دأود ["2943" بإسناد رجاله ثقات عن بريدة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من
استعملنا على عمل فرزقناه رزقا فما اخذ بعد
ذلك فهو غلول"،
(1/251)
وإذا لم يفرض
له أجرة جاز له ان يأخذ من الزكاة بقدر عمله
عليها من غير زيادة لعدم المسوغ للزيادة أما
إذا كان ما فرض له آمره زائدا على مقدار عمله
فإن ذلك الفرض مسوغ للزيادة لان أمر الصرف
اليه وقد صرف إلي العامل المقدار الزائد على
أجرته.
قوله: "وتأليف كل أحد جائز للامام فقط".
أقول : قد وقع منه صلى الله عليه وسلم التأليف
لمن لم يخلص إسلامه من رؤساء العرب كما ثبت
عنه صلى الله عليه وسلم في اصحيح البخاري
["881، 2971" 7097"]، وغيره انه قال: "والله
إني لأعطى الرجل وأدع الرجل والذي ادع احب الي
من الذي اعطى ولكني اعطى اقوأما لما ارى في
قلوبهم من الجزع والهلع وأكل اقوأما إلي ما
جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير".
وصح عنه [مسلم "137/1060"]، انه اعطى ابا
سفيان بن حرب وصفوان بن امية وعيينة بن حصن
والاقرع بن حابس وعباس بن مرداس كل إنسان منهم
مائة من الإبل.
وثبت في صحيح مسلم انه اعطى علقمة بن علاثة
مائة من الإبل ثم قال للانصار لما عتبوا عليه:
"ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل
وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلي
رحالكم" ثم قال لما بلغه أنهم قالوا: يعطى
صناديد نجد ويدعنا "إنما صنعت ذلك لأتالفهم"
[مسلم "143/1064"] فالتأليف شريعة ثابتة جاء
بها القرآن وجعل المؤلفة احد
المصارف الثمانية وجاءت بها السنة المتواترة
فإذا كان إمام المسلمين محتاجا إلي التأليف
لمن يخشى من ضرره على الإسلام وأهله أو يرجو
ان يصلح حاله ويصير نصيرا له وللمسلمين كان
ذلك جائزا له وهكذا يجوز لرب المال مع عدم
الامام ان يتألف من يخشى منه الضرر على نفسه
أو ماله أو على غيره من المسلمين ولأوجه
لتخصيص الامام بذلك فإن المؤلفة مصرف من مصارف
الزكاة ونوع من الأنواع التي جعلها الله لهم
فكما يجوز لرب المال ان يضعها في مصرف من
المصارف غير المؤلفة يجوز له أيضا ان يضعها في
المؤلفة وهذا ظاهر واضح وأما إذا كان الامام
موجودا فأمر الصرف اليه وليس للامام ان يتألف
مع قوة يده وبسطة امره ونهيه ووجود من يستنصر
به عند الحاجة لما عرف من ان علة التأليف
الواقع منه صلى الله عليه وسلم هو ما تقدم
عنه.
وأما قول المصنف: "ومن خالف فيما اخذ لأجهله
رد" فهو صواب لأن الغرض من التأليف لم يحصل
فلم يكن ذلك المؤلف مؤلفا فلا نصيب له في
الزكاة.
قوله: "والرقاب المكاتبون الفقراء المؤمنون".
أقول : ظاهر قوله سبحانه: {وَفِي الرِّقَابِ}
ان هذا النصيب من الزكاة يصرف في عتق الرقاب
ولو بشرائها من ذلك النصيب وعتقها ولا يختص
بالمكاتبين ولا بالمتصفين بصفة الايمان بل
المراد الاتصاف بالإسلام.
وأما اشتراط الفقر فلا يخفى ان المملوك لا
يملك شيئا من المال ولعل مراده من لم يكن عنده
من المال ما يخلص رقبته من الرق أو على القول
بأن العبد يملك.
(1/252)
قوله: "والغارم
كل مؤمن فقير".
أقول : هذا مصرف من المصارف المذكورة في
القرأن ولأوجه لاشتراط الفقر فيه فان القرآن
لم يشترط ذلك والسنة المطهرة مصرحة بعدم
اشتراط الفقر فيه كما في حديث أبي سعيد بلفظ:
"لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة لعامل عليها أو
رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل
الله"، أخرجه [ابو دأود "1636"، وابن ماجه
"1841"]، وأخرجه أيضا أحمد "3/56"، ومالك في
الموطأ والبزار وعبد بن حميد وابو يعلى
والبيهقي والحاكم وصححه فهذا الحديث فيه
التصريح بعدم اشتراط الفقر في الغارم ومن ذكر
معه بل يعطى الغارم من الزكاة ما يقضي دينه
وان كان انصباء كثيرة.
وأما اشتراط كونه في غير معصية فصحيح لان
الزكاة لاتصرف في معاصي الله سبحانه ولا فيمن
يتقوى بها على انتهاك محارم الله عز وجل.
قوله: "وسبيل الله المجاهد الفقير".
أقول : قد عرفناك ان حديث أبي سعيدالمذكور
قريبا فيه التصريح بعدم اشتراط الفقر فيمن
اشتمل عليه من جملتهم الغازي كما سبق وفي لفظ
منه: "لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو
ابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه".
فالسنة قد دلت على انه يصرف إلي هذا الصنف مع
الغني والقرأن لم يشترط فيه الفقر فلم يبق ما
يوجب هذا الاشتراط بل هو مجرد رأي بحت فيصرف
اليه ما يحتاجه في الجهاد من سلاح ونفقة
وراحلة وان بلغ انصباء كثيرة لأوجه لاشتراط
الايمان بل كل مسلم مصرف لذلك إذا بذل نفسه
للجهاد ولا سيما إذا كان له شجاعة واقدام فإنه
احق من المؤمن الضعيف.
قوله: "وتصرف فضلة نصيبه لا غيره في المصالح
مع غنى الفقراء".
أقول : لم يرد ما يدل على اختصاص هذا الصنف
بصرف فضلة نصيبه في المصالح وأما حديث ام معقل
الاسدية ان زوجها جعل بكرا في سبيل الله وانها
أرادت العمرة فسألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكرت ذلك له فأمر زوجها ان يعطيها وقال:
"الحج والعمرة في سبيل الله" أخرجه أحمد
["6/406"]، وأهل السنن [أبو دأود "1988"،
الترمذي "939"، ابن ماجة "2993"]، وفي إسناده
رجل مجهول فلا يدل على المطلوب وهو صرف فضلة
نصيبه في المصالح لان النبي صلى الله عليه
وسلم وسلم جعل الحج والعمرة من سبيل الله فلا
يلحق بهما غيرهما من المصالح وقد روى هذا
الحديث أبو دأود من طريق اخرى ليس فيها الرجل
المجهول.
وقد ورد في صرف فضلة نصيب الزقاب في المصالح
ما هو اصرح من هذا فأخرج البيهقي في سننه
الكبرى عن يزيد بن أبي حبيب ان ابا مؤمل أول
مكاتب كوتب على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال النبي صلي الله عليه: "اعينوا أبا
مؤمل" فأعين ما أعطى كتابته وفضلت فضلة
فاستفتى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فامره ان يجعلها في سبيل الله.
قوله: "وابن السبيل" الخ.
(1/253)
أقول : هذا نوع
من الأنواع الثمانية المذكورة في القرآن
ونصيبه من الزكاة ان يعطى منها ما يرده إلي
وطنه والمعتبر احتياجه في ذلك السفر وان كان
غنيا في وطنه ولو امكنه القرض فان ذلك لا يجب
عليه لانه قد صار مصرفا بمجرد الحاجة في ذلك
المكان فيعطى حقه الذي فرض الله له وقدأخرج
البخاري تعليقا وأحمد في المسند من حديث ابن
لاس الخزاعي قال حملنا النبي صلى الله عليه
وسلم على إبل الصدقة إلي الحج وأخرجه ابن
خزيمة والحاكم قال الحافظ ورجاله ثقات الا ان
فيه عنعنة ابن إسحاق.
ونصيب ابن السبيل من الزكاة ما يوصله إلي وطنه
وان كان انصباء كثيرة وسرب عن السفر رد ما اخذ
لعدم وجود السبب الذي لأجله استحق ذلك النصيب.
وأما إذا فضل منه فضله بعد بلوغه إلي وطنه
فالظاهر ان يصرفها في مصرف الزكاة لانه لم يبق
حينئذ مصرفا.
قوله: "وللامام تفضيل غير مجحف".
أقول : ظاهر الآية المصرحة بمصارف الزكاة يفيد
ان لكل صنف من الاصناف الثمانية نصيبا فيها
وانه لا يجوز اخذ نصيب صنف لصنف آخر ويؤيد ذلك
حديث زياد بن الحارث الصدائي قال أتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل
فقال اعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا
غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها
ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الاجزاء اعطيتك"،
أخرجه أبو دأود ["630"]، وفي إسناده عبدالرحمن
بن زياد بن انعم الافريقي وفيه مقال وقد تقدم
هذا الحديث.
فإذا كانت الاصناف موجودة مطالبة صرف الزكاة
فيهم وجزأها بينهم وان كان بعضها احوج من بعض
فضل الاحوج بما يراه لا سيما الفقراء
والمجاهدين وإذا لم يوجدالا البعض صرف في
الموجود وان كان صنفا واحدا ومن كان مستحقا
لها من وجوه كأن يكون فقيرا غارما مجاهدا كان
له من نصيب كل صنف نصيب لتعدد الاسباب
الموجودة فيه لأنه يصدق عليه انه فرد من أفراد
كل صنف من هذه الاصناف.
قوله: "ويرد في المخرج المستحق".
أقول : وجه ذلك انه قدد صار مصرفا للزكاة وذلك
كان يفتقر بعدإخراجه لزكاته أو يذهب ماله
لجائجة من الجوائج ولكن لا يخفى انه قد ثبت في
الصحيحين وغيرهما من حديث عمر بن الخطاب قال
حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان
عنده فأردت اشتريه وظننت ان يبيعه برخص فسألت
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا
تعد في صدقتك وان اعطاكه بدرهم فإن العائد في
صدقته كالعائد في قيئه"، وهو أيضا في الصحيحين
[البخاري "6/139"، مسلم "3/1621"، وغيرهما
[أبو دأود "3539"، الترمذي "2132"، النشائي
"6/265"، ابن ماجة "2377"]، من حديث ابن عمر.
(1/254)
وهذا يدل على
عدم جواز إرجاع صدقة المتصدق اليه إذا صار
مصرفا للصدقة بل يعطى من غيرها من الصدقات
التي تصدق بها غيره.
قوله: "ويقبل قولهم في الفقر".
أقول : لا وجه لتخصيص قبول القول بالفقر بل
ينبغي ان يقال ويقبل قول من ادعى انه من مصارف
الزكاة ويدل على هذا حديث زياد بن الحارث
الصدائي المتقدم قريبا فإن النبي صلى الله
عليه وسلم قال للرجل الذي طلب منه ان يعطيه من
الصدقة: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في
الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية اجزاء
فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك".
فهذا يدل على انه يقبل قول من ادعى انه أحد
الاجزاء الثمانية ولا يعارض هذا ما في مسلم
["109/1044"]، وغيره [أبو دأود "1640"، أحمد
"3/477"،، 5/160"]، من حديث قبيصة: "إن
المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة" وفيه: "ورجل
أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من
قومه لقد اصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة
حتى يصيب قوأما من عيش" فإن هذا في جواز
المسألة المحرمة بالادلة الصحيحة لافي جواز
سؤال الصدقة ممن كان مصرفا للزكاة فإنه يجوز
له ان يسأل ما هو حق له ولا يدخل في ادلة
تحريم السؤال.
قوله: "ويحرم السؤال غالبا".
أقول : الاحاديث الدالة على تحريم السؤال
كثيرة.
فمنها ما هو مطلق ومنها ما هو مقيد فمن
الاحاديث المقيدة حديث: "من سأل وله قيمة
أوقية" [أحمد "3/7/9"، أبو دأود "1628"،
النسائي "2596"].
وحديث: "من سأل وله خمسون درهما أو حسابها من
الذهب" [أحمد "1/411"، أبو دأود ""1626"،
الترمذي "650"، ابن ماجة 1840"، النسائي
"2593"]، وقد قدمنا هذه الاحاديث والكلام
عليها.
ومنها حديث: "لا تحلا المسألة الا لثلاثة لذي
فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع"،
أخرجه أحمد ["3/114"، وابو دأود "1641"،
وغيرهما [الترمذي "1218"، ان ماجة "2198"].
ومنها حديث قبيصة المتقدم قريبا وينبغي ان
يحمل المطلق على المقيد فتحرم المسألة على كل
أحد لا على هؤلاء المذكورين وينبغي ان يكون
الاحتراز بقوله غالبا عنهم.
[ فصل
ولا تحل لكافر ومن له حكمه الا مؤلفا والغني
والفاسق الا عاملا أو مؤلفا والهاشميين
ومواليهم ما تدارجوا ولو من هاشمي ويعطى
العامل والمؤلف من غيرها
(1/255)
والمضطر يقدم
الميتة ويحل لهم ما عدا الزكاة والفطرة
والكفارة واخذ ما أعطوه مالم يظنوه إياها ولا
يجزيء أحد فيمن عليه انفاقه حال الاخراج ولا
في اصوله وفصوله مطلقا ويجوز لهم من غيره وفي
عبد فقير ومن اعطي غير مستحق إجماعا أو في
مذهبه عالما اعاد].
قوله: فصل : "ولا تحل لكافر ومن له حكمه".
أقول : الآية المشتملة على مصارف الزكاة خاصة
بالمسلمين ولا يدخل فيها كافر فلم تشرع الصدقة
الا لمواساة من اتصف بوصف من تلك الأوصاف من
المسلمين لا لمواساة أهل الكفر فإنا مأمورون
بمقاتلتهم حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا
الجزية ومتعبدون بالاغلاظ عليهم وعدم موالاتهم
ومحبتهم وهكذا من في حكمهم من الاطفال الذين
هم في دار الكفر وأما إدراج كافر التأويل في
قوله: "ولا تحل لكافر" فقد عرفناك غير مرة ان
هذا الامر ناشيء عن التعصبات التي ليست من دأب
أهل الايمان وان ذلك مجرد دعوى ليس عليها دليل
الا مجرد القال والقيل.
وأما استثناء المؤلف فما كان صلى الله عليه
وسلم يتألف الا من دخل في الإسلام مع عدم
رسوخه فيه.
قوله: "الغني والفاسق".
أقول : أما الغني فقد دلت الاحاديث الصحيحة
على انه لاحظ له في الزكاة إذا لم يكن من أحد
الاصناف التي قدمنا الادلة على عدم اشتراط
الفقر في أهلها كما عرفت وأما الفاسق فهو من
جملة المسلمين فإذا كان من أحد الاصناف
المذكورة في الآية فمنعه من نصيبه ظلم له ولم
يرد في الكتاب والسنة شيء يصلح للاستلال به
على منعه.
وأما استثناء العامل والمؤلف من الغني والفاسق
فقد قدمنا انه لا يشترط الفقر في هذين الصنفين
بل وفي غالب الاصناف كما عرفت.
قوله: "والهاشميين".
أقول : الادلة المتواترة تواترا معنويا قد دلت
على تحريم الزكاة على آل محمد وتكثير المقال
وتطويل الاستدلال في مثل هذا المقام لا يأتي
بكثير فائدة وقد تكلم الجلال في شرحه في هذا
الموضع بما يضحك منه تارة ويبكى له اخرى وجمع
بين المتردية والنطيحة ما أكل السبع وبحثه في
رسالته التي اشار اليها من جنس كلامه الذي
أورده هنا وكل ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع
وهو رحمه الله من بني هاشم فلا جرم.
وأما تحريمها على مواليهم فلحديث أبي ورافع
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رسول
الله قال: "إن الصدقة لا تحل لنا وان موالي
القوم من أنفسهم". أخرجه [أحمد "6/8، 9" وابو
دأود "1650"، والنسائي "2612" والترمذي
"657"]، وصححه أيضا ابن خزيمة وابن حيان.
(1/256)
وأما قوله:
"ولو من هاشمي" فهو الحق لعموم الادلة.
وأما الاستدلال بما رواه الحاكم في النوع
السابع والثلاثين من علوم الحديث عن العباس
قال قلت يا رسول الله انك حرمت علينا صدقات
الناس فهل تحل صدقات بعضنا لبعض؟ فقال: "نعم"
فهذا الحديث قد اتهم به بعض رواته كما ذكره
الذهبي في الميزان وفيهم من لا يعرف فلا يصلح
للتخصيص.
قوله: "ويعطى العامل والمؤلف من غيرها".
أقول : أما العامل فيدل على تحريمها عليها
عليه وعدم جواز قبضه للأجرة منها حديث الفضل
وربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب انه والفضل بن
العباس انطلقا إلي رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ثم تكلم احدنا فقال يا رسول الله
جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنصيب ما يصيب
الناس من المنفعة ونؤدي اليك ما يؤدي الناس
فقال: "إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد
إنما هي أوساخ الناس".
أخرجه [أحمد "9/77، 88"، ومسلم "1072"]،
وغيرهما [أبو دأود "2985"، النسائي "5/105"،
106"]، فهذا فيه دليل انه لا يجوز للعامل على
الزكاة من بني هاشم ان يأخذ عمالته منها
فإنهما قد بينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
انهما إنما يريدان ان يعملا على الزكاة ويصيبا
منها ما يصيبه غيرهما من العمال فيها وهو أجرة
العمال فمنع من ذلك معللا للمنع بأنها أوساخ
الناس.
وأما المؤلف فهو بالمنع من ان يأخذ من الزكاة
أولى من العامل لان العامل إنما ياخذ أجرة على
قدر عمله والمؤلف لا عمل له على الصدقة فلا
يحل تأليفه منها بل يعطى من غيرها.
قوله: "والمضطر يقدم الميتة".
أقول : أما هذا فتشديد عظيم فإنه قد جاز
للمضطر ان يتنأول ما يسد به جوعته من مال غيره
فكيف بما هو من اموال الله ولا يخفى ما في أكل
الميتة من القذر الذي تنفر عنه النفوس وقد لا
تسيغه غالب الطبائع فهذا الذي بلغ إلي حالة
الاضطرار له في اموال الله سعة والزكاة من
جملتها وإذا قدر على القضاء فعل.
ولا وجه لتعليل تقديم الميتة بأن دليلها قطعي
فهو ان كان قطعي المتن فهو ظني الدلالة وأيضا
قد عرفناك ان الادلة على تحريمها على بني هاشم
متواترة فهي قطعية المتن كالقرآن.
قوله: "ويحل لهم ما عدا الزكاة والفطرة
والكفارات".
أقول : ان كان لفظ الصدقة المذكور في الاحاديث
يتنأول الفطرة والكفارات فهما كالزكاة وان كان
لا يتنأولهما فلا دليل على تحريمهما وأما
التعليل لتحريمهما بأنهما من أوساخ الناس
فصدقة النفل هي من أوساخ الناس مع صدق اسم
الصدقة عليها وقد ذكرت في شرحي للمنتقى الخلاف
في تحريم صدقة النفل عليهم فليرجع اليه.
قوله: "واخذ ما اعطوه ما لم يظنوه إياها".
(1/257)
أقول : هذا
صحيح فلا يتعبد الإنسان بتحريم ما لم يعلم انه
حرام ولا ظن انه حرام ولكن طريق الورع معروفة
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي
بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل وان قيل صدقة
لم يأكل [الترمذي "656"، النسائي "2613"]، وبه
الاسوة وفيه القدوة للناس خصوصا قرابته وأهل
بيته.
قوله: "ولا يجزئ أحد فيمن عليه انفاق حال
الاخراج".
أقول : الاصل الجواز ولا يحتاج المتمسك به إلي
دليل بل الدليل على المانع ولا دليل فإن تبرع
القائل بالجواز بإيراد الدليل على ذلك فقد ثبت
في الصحيحين وغيرهما حديث المرأتين اللتين
سألتا رسول الله صلى الله عليه وسلم اتجزئ
الصدقة عنهما على ازواجهما وعلى أيتام في
حجرهما فقال: "لهما أجران: أجر القرابة وأجر
الصدقة" ، فالظاهر ان هذه الصدقة هي صدقة
الفرض ولهذا أوقع السؤال عن الاجزاء اذ صدقة
النفل على الرحم مجزئة وأيضا ترك الاستفصال
منه صلى الله عليه وسلم يدل على انه لا فرق في
هذا الحكم بين صدقة الفرض والنفل.
وأخرج البخاري وغيره من حديث أبي سعيد انه صلى
الله عليه وآله وسلم قال لزينب امرأة عبدالله
بن مسعود لما سألته عن الصدقة: "زوجك وولدك
أحق من تصدقت عليهم"، فعلى تسليم الاحتمال في
هذا الحديث يكون ترك استفصاله صلى الله عليه
وسلم دليلا على انه لا فرق بين صدقة الفرض
والنفل وهكذا ما أخرجه البخاري وغيره عن معن
بن يزيد قال أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند
رجل في المسجد فجئت فأخذتها فقال والله ما
إياك اردت فجئته فخاصمته إلي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد ولك
ما اخذت يا معن".
ولم يقع منه صلى الله عليه وسلم الاستفصال هل
هي صدقة فرض أو نفل ويؤيد هذا ما ورد من
الترغيب في الصدقة على ذوي الارحام كحديث أبي
ايوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح".
أخرجه أحمد ["5/416"]، وأخرج مثله أيضا من
حديث حكيم بن حزام.
وأخرج أحمد ["4/17، 18، 214"، والترمذي
"658"]، وحسنه وابن ماجه والنسائي وابن حبان
والدارقطني والحاكم عن سلمان بن عامر عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "الصدقة على المسكين
صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة" ، وفي
الباب عن أبي طلحة وأبي امامة ولفظ الصدقة
يشمل صدقة الفرض كما يشمل صدقة النفل.
ولا يصلح لمعارضة هذا ما روى عن بعض الصحابة
اجتهادا منه وأما دعوى من ادعى الاجماع على
منع صرف الزكاة في الاصول والفصول فتلك احدى
الدعأوي التي لا صحة لها والمخالف موجود
والدليل قائم.
وأما قوله: "ويجوز لهم من غيره" فلا حاجة اليه
لان الجواز معلوم وهم لا يغنون بغناه وهكذا
قوله: "وفي عبد فقير" لا حاجة اليه لان العبد
ان كان يملك فهو كسائر المصارف من المسلمين
وان كان لا يملك فإعطاؤه لسيده والاعتبار بحال
السيد.
(1/258)
قوله: "ومن
اعطى غير مستحق إجماعا" الخ.
أقول : ان كان عالما بانه غير مصرف للزكاة فقد
وضع ماله في مضيعة وتجب عليه الاعادة على كل
حال وأما إذا لم يعلم وانكشف من بعدانه غير
مصرف فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي
هريرة: "أن رجلا تصدق بصدقة فوقعت في يد سارق
فاصبح الناس يتحدثون بأنه تصدق على سارق فقال:
اللهم لك الحمد على سارق لاتصدقن بصدقة فتصدق
فوقعت في يد زانيه فأصبح الناس يتحدثون تصدق
على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية
لاتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنى
فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال: اللهم لك
الحمد على غني فقيل: أما صدقتك فقد قبلت أما
الزانية فلعلها تستعف من زناها ولعل السارق
يستعف عن سرقته ولعل الغنى ان يعتبر فينفق مما
آتاه الله عز وجل".
هكذا حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
رجل من بني إسرائيل وفيه ما يدل على قبول
الصدقة إذا وقعت في غير مصرف لها مع الجهل
بأنه غير مصرف وظاهر الصدقة المذكورة اعم من
ان يكون فريضة أو نافلة وقداختلف أهل العلم في
الاجزاء إذا كانت الصدقة فريضة قال في فتح
الباري فإن قيل ان الخبر إنما تضمن قصة خاصة
وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة
اتفاقية فمن اين يقع تعميم الحكم فالجواب ان
التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو
الدال على تعدية الحكم فيقتضى ارتباط القبول
بهذه الاسباب انتهى.
[ فصل
وولايتها إلي الامام ظاهرة وباطنة حيث تنفذ
أوامره فمن أخرج بعدالطلب لم تجزه ولو جأهلا
ويحلف للتهمة ويبين مدعي التفريق وانه قبل
الطلب والنقص بعدالخرص وعليه الايصال ان طلب
ويضمن بعدالعزل الا باذن الامام أو من اذن له
بالاذن وتكفي التخلية إلي المصدق فقط ولا يقبل
العامل هديتهم ولا ينزل عليهم وان رضوأ و لا
يبتع أحد ما لم يعشر أو يخمس ومن فعل رجع على
البائع بما ياخذه المصدق فقط فنية المصدق
والامام تكفي لا غيرهما].
قوله: فصل : "وولايتها إلي الامام ظاهرة
وباطنة".
أقول : أمر الزكاة قد كان إلي رسول الله صلى
الله عليه وسلم بلا شك ولا شبهة وكا يبعث
السعادة لقبضها ويأمر من عليهم الزكاة بدفعها
اليهم وإرضائهم واحتمال معرتهم وطاعتهم ولا
يسمع في أيام النبوة ان رجلا أو أهل قرية
صرفوا زكاتهم بغير اذن من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهذا أمر لايجحده من له ادنى معرفة
بالسيرة النبوية وبالسنة المطهرة.
(1/259)
وقد انضم إلي
التوعد على الترك والمعاقبة بأخذ شطر المال
وعدم الاذن لأرباب الاموال بأن يكتموا بعض
اموالهم من الذين يقبضون منهم الصدقة بعد ان
ذكروا له انهم يعتدون عليهم ولو كان اليهم صرف
زكاة اموالهم لأذن لهم في ذلك.
وأيضا جعل الله سبحانه للعامل على الزكاة جزءا
منها في الكتاب العزيز فالقول بأن ولايتها إلي
ربها يسقط مصرفا من مصارفها صرح الله سبحانه
به في كتابه.
وأما المعارضة لهذا الامر الذي هو أوضح من شمس
النهار بأن خالد بن الوليد حبس ادراعه واعتاده
في سبيل الله فهذا على تقدير ان حبسها عن
الزكاة لا يكون منه الا باذن من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولهذا صار ذلك معلوما عندالنبي
صلى الله عليه وسلم ومعلوم ان خالدا لا يأخذ
جواز هذا التحبيس وإجزاءه عن الزكاة الا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لان مثل ذلك لا
يعلم الا من الشرع والاذن من رسول الله صلى
الله عليه وسلم لرب المال بالصرف في حكم القبض
للزكاة منه وأما على تقدير ان المراد بقوله
انه قد حبس ادراعه واعتاده في سبيل الله ان من
كان هذا فعله في التقرب إلي الله سبحانه بوقف
اخص املاكه واحبها اليه مع مزيد حاجته اليها
يبعد عنه ان يمنع الزكاة فلا دلالة له على
مراد القائل بالمعارضة.
وأما ابن جميل الذي قيل للنبي صلى الله عليه
وسلم إنه قدمنع من دفع الصدقة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل الا
انه كان فقيرا فأغناه الله" فليس فيه ما يعارض
ما تقدم فإن هذا الذم له فيه اعظم دلالة على
تحريم ما وقع منه من المنع وليس فيه انه صرفها
إلي مصارفها وقرره صلى الله عليه وسلم على
ذلك.
وهكذا المعارضة بقضية ثعلبة بن حاطب لا وجه
لها فإن ذلك رجل اخبر الله سبحانه انه اعقبه
نفاقا في قلبه ولهذا امتنع صلى الله عليه وسلم
من قبضها منه لما جاء بها بعد ذلك وكذلك امتنع
من قبضها منه الخلفاء الراشدون.
والحاصل انه ليس في المقام ما يدل على ان أمر
الزكاة إلي ارباها في زمن النبوة قط وبه يندفع
جميع ما ذكره الجلال في شرحه هاهنا فإنه لم
يأت بشيء بعتد به في المعارضة.
وإذا تقرر هذا فقد ثبت ان ما كان امره إلي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلي الائمة
من بعده ومن ذلك ما في الصحيحين وغيرهما من
حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "إنها ستكون بعدي اثرة وامور
تنكرونها" قالوا: يا رسول فما تأمرنا؟ قال:
"تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي
لكم".
وأخرج مسلم وغيره من حديث وائل بن حجر قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يساله
فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعون حقنا
ويسألون حقهم فقال: "اسمعوا وأطيعوا فإنما
عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم" وفي الباب
احاديث.
وإذا عرفت هذا علمت ان الدفع إلي الامام واجب
لجميع أنواع الصدقات الا ان يأذن لرب المال
بالصرف جاز له ذلك وأما تغيير ذلك بكونه نافذ
الامر والنهي في البلد التي فيها رب
(1/260)
المال فوجهه
انها من جملة اموال الله التي تصرف في المصارف
التي من جملتها الدفع عن البلاد والعبادة فإذا
كان الامام لا ينفذ له أمر في تلك الجهة كان
عاجزا عن هذا ولكنه إذا كان صحيح الولاية وقد
بايعه من يعتد به من السملمين كانت طاعته
واجبة على من بلغته دعوته ومن جملة الطاعة
النصرة له وفدع ما أمره اليه وعليه ان يقوم
بحماية أهل تلك الجهة ودفع عدوهم عنهم بما
تبلغ اليه طاقته ثم هو لا يعجز عن ان يأخذ
الزكاة من اغنياء تلك الجهة ويصرفها في
فقرائهم كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وأما قوله: "فمن أخرج بعدالطلب لم تجزئه ولو
جاهلا" فلا وجه له بعدان أوضحنا لك أن أمرها
إلي الامام بتلك الادلة بل من أخرج إلي غيره
بغير إذنه لم تجزئه وفي حكم الاذن منه ما هو
معلوم من كثير من الائمة من تفويض أهل العلم
والصلاح بصرف زكاتهم في مصارفها وصار ذلك كا
العادة لهم فإن هذا بمنزلة الاذن لهم وان لم
يقع الاذن صريحا.
وأما قوله: "يحلف للتهمة" فهذا صواب لان
الامام نائب عن الله في استيفاء حقوقه فله
تحليف من يتهمه بكتم البعض منها.
وأما قوله: "ويبين مدعي التفريق" الخ فقد عرفت
انه لا يشترط الطلب.
قوله: "والنقص بعدا لخرص".
أقول : وعلى الخارص ان يدع الثلث أو الربع كما
في حديث سهل بن أبي حثمة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا
الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" أخرجه
أحمد وأبو دأود والترمذي والنسائي والحاكم
وابن حبان وصححاه وإنما يحتاج رب المال إلي
البينة على النقص بعدالخرص إذا كان السبب خفيا
أما إذا كان ظاهرا كأن يقع في الثمرة جائحة
فالقول قوله إذا ادعى نقصا يعتاد مثله في تلك
الجائحة.
قوله: "وعليه الايصال ان طلب".
أقول : الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في
مثل النخل والعنب انه كا يبعث من يخرص ذلك كما
وردت به الاحاديث ولم يأت البيان عن كيفية حمل
ذلك إلي النبي هل كان السعادة هم الذين
يوصلونه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
يوصله ارباب الاموال وإذا رجعنا إلي الادلة
الدالة على ان أرباب الاموال هم المخاطبون
بتسليمها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودفعها اليه كان الستليم المطلوب منهم متوقفا
على إيصالهم لها اليه.
قوله: "ويضمن بعدالعزل" الخ.
أقول : لا تأثير لمجردالعزل في الضمان ولا
لعدمه في عدمه بل إذا حصد المالك ملكه وقبض
ذلك واحرز فإن تلف بعد هذا بتفريط منه مع
قدرته على حفظه ضمن زكاة قدر ما تلف وان تلف
بأمر غالب ولم يقع منه التفريط فلا ضمان عليه
ولا فرق بين عزل قدر الزكاة أو بقائها بين ما
هي زكاة له فإن العزل وصف طردى لا تأثير له في
الضمان.
(1/261)
وأما قوله:
"ويكفى التخلية إلي المصدق فقط" فلا وجه
لتخصيص ذلك بالمصدق فإن من قال بوجوب الايصال
بوجبه إلي الامام وإلي من ينوب عنه وهم
السعادة وإلي الفقير أيضا وسائر المصارف إذا
اذن الامام لرب المال بالصرف اليهم ومن لم يقل
بوجوبه كانت التخلية إلي الجميع كافية.
قوله: "ولا يقبل العامل هديتهم".
أقول : الاستدلال على هذا بحديث أبي حميد
الساعدي في الصحيحين وغيرهما قال: استعمل رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد يقال
له: ابن اللتبية فلما قدم قال: هذا لكم وهذا
اهدى الي فقام النبي صلى الله عليه وسلم
فحمدالله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فاني
أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله
فيأتي فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا
جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان
صادقا؟ والله لا ياخذ احدكم شيئا بغير حقه الا
لقي الله تعالي بحمله يوم القيامة".
لا يصلح لمنع العامل من قبول الهدية وإنما هو
إنكار عليه في تخصيص نفسه بشيء منها لآنها
إنما اهديت له لكونه عاملا على الزكاة لا لشيء
يرجع اليه نفسه كما بينه النبي صلى الله عليه
وسلم.
فالحاصل ان هذا الحديث يستفاد منه عدم جواز
اختصاص العامل بشيء مما يهدي اليه وأما عدم
جواز قبوله للهدية فمأخوذ من ادلة اخرى غير
هذا الحديث وقد قدمنا حديث: "من استعملناه على
عمل فرزقناه رزقا فما اخذ بعد ذلك فهو غلول"
ولا سيما إذا كان المقصود بها الرشوة له
والتوصل بها إلي مسامحتهم في بعض ما يجب
عليهم.
قوله: "ولا ينزل عليهم".
أقول : قد كان السعاة في زمن النبوة ينزلون
عليهم إلي ديارهم وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يأمر أرباب الاموال بارضائهم والاحسان
اليهم كما اشتملت على ذلك الاحاديث الكثيرة
فلا وجه للمنع نعم إذا امتنع ارباب الاموال من
ضيافتهم أو جأوزوا القدر الذي تكون فيه
الضيافة أكلوا من الزكاة كما انها تكون
عمالتهم منها.
قوله: "ولا يبتع أحد ما لم يعشر أو يخمس".
أقول : لقد قدمنا ان الزكاة واجبة من العين
وانه لا يجوز العدول إلي الجنس الا مع عدم
العين ولا يجوز العدول إلي القيمة الا مع عد
الجنس فالقدر الذي لا يجوز بيعه هو الزكاة لا
المال المزكى الذي لم يخرج زكاته فإنه لا بأس
ببيعه حتى يبقى منه قدر الزكاة فإذا بقي منه
قدرها حرم بيعها فلا وجه للمنع من بيع الكل.
وأما الفرق بين ما اخذه المصدق وغيره في رجوع
المشترى على البائع فمن غرائب الراي التي لا
ترجع إلي معقول ولا منقول.
(1/262)
[ فصل
فإن لم يكن إمام فرقها المالك المرشد وولى
غيره بالنية ولو في نفسه لا غيرهما فيضمن الا
وكيلا ولا يصرف في نفسه الا مفوضا ولانية عليه
ولا تلحقها الاجازة لكن يسقط الضمان وذو
الولاية يعمل باجتهاده الا فيما عين له ولا
يجوز التحيل لاسقاطها وأخذها ونحوها غالبا ولا
الابراء والضيافة بنيتها ولا اعتداد بما اخذه
الظالم غصبا وان وضعه في موضعه ولا يخمس ظنه
الفرض].
قوله: فصل : "فإن لم يكن امام فرقها المالك
المرشد" الخ.
أقول : هذا معلوم لا يحتاج إلي التدوين فإن
عدم الامام يوجب عدم ثبوت الحق عليهم الذي
للامام لان ذلك إنما يكون لامام مووجود لا
لإمام مفقود والزكاة فريضة من فرائض الشرع
وركن من أركان الإسلام يجب على من هي عليه
التخلص عنها بدفعها إلي الامام أو باذنه أو
إلي من جعله الله مصرفا لها مع عدم الامام.
وأما كون ولي الصبي والمجنون هو الذي يخرج
زكاتهما فلكونهما لا يصلحان للاخراج فينوب
عنهما الولي كما ينوب عنهما في غير الزكاة وقد
صرح القرأن الكريم بأنه يمل عمن لا يقدر علىان
يمل وليه وما ذكره من انه يجوز له ان يصرف في
نفسه فذلك صحيح لآنه ليس بمالك بل متصرف عن
المالك وهكذا الوكيل له إخراج زكاة الموكل له
وصرفها في نفسه مع التفويض إذا كا مصرفا وقد
قدمنا الكلام على زكاة الصبي والمجنون بما فيه
كفاية ولا وجه لقوله ولا يلحقها الاجازة لان
النية تصح متقدمة ومتأخرة ومقارنة لعدم ورود
ما يمنع من ذلك فيجزئ المالك ويسقط الضمان على
الذي أخرجها بغير أمر منه.
وأما كون ذي الولاية يعمل باجتهاده فلتعذر
وقوع ذلك من الصبي والمجنون الا فيما عين له
فإنه يكون كالحاكم لنفسه فلا يعمل باجتهاد
نفسه.
قوله: "ولا يجوز التحيل لاسقاطها واخذها
ونحوها غالبا".
أقول : هذا التحيل لاسقاط فريضة من فرائض
الإسلام وركن من أركان الدين هو شبيه بحيلة
اصحاب السبت ولا شك ولا ريب انه ضد للشريعة
المطهرة ومعاندة لما فرضه الله على عباده فهو
من الحرام البين الذي نهى الله عنه ونعاه على
من قعله وليس من المشتبهات كما قاله الامير في
حاشيته وهكذا التحيل لأخذ ما حرمه الله على
العبد هو أيضا من الحرام البين.
والحاصل ان كل حيلة تنصب لاسقاط ما أوجبه الله
أو تحليل ما حرمه فهي باطلة لا يحل لمسلم ان
يفعلها ولا يجوز تقرير فاعلها عليها ويجب
الانكار عليه لانه منكر وأما إذا كانت للخروج
من مأثم كما في قوله تعالي: {وَخُذْ بِيَدِكَ
ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص:
44]، وكما ورد في حد المريض في زمنه صلى الله
عليه وسلم يعثكول من النخل فذلك جائز وهو من
الحلال البين وبين الامرين من التفأوت ما بين
السماء والارض.
(1/263)
قوله: "ولا
الابراء والاضافة بنيتها".
أقول : أما الابراء فقد قدمنا ان الزكاة تجب
من العين فإذا لم تكن العين موجودة جاز إخراج
الجنس ثم القيمة فهذا الذي جعل الدين الذي له
على الفقير من الزكاة الواجبة عليه ان كانت
العين موجودة لديه صرفها إلي الفقير وردها
الفقير اليه قضاء عن دينه وان لم تكن موجودة
لديه كان الابراء للفقير في حكم التسليم اليه
ولا مانع من ذلك ومن ادعى ان ثم مانعا فعليه
الدليل.
وأما الاضافة للفقير فإن كان ذلك بعين الزكاة
فلا شك في جوازه وهكذا ان كان بجنسها مع عدم
العين ومن ادعى ان ثم مانعا فعليه الدليل وأما
التعليل بالعلل الفرعية من كون الزكاة تمليكا
وكون النية لا بد ان تكون مقارنة فليس ذلك مما
تقوم به الحجة بل هو في نفسه عليل.
قوله: "ولا اعتداد بما اخذه الظالم غصبا وان
وضعه في موضعه".
أقول : هذه المسألة قد أوضح الامر فيها رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبينه لامته كما ثبت
عنه في الصحيحين [البخاري: "7052", مسلم:
"45/1843"] وغيرهما من حديث ابن مسعود قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون
بعدي أثرة وأمور تنكرونها" ، فقالوا: فما
تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "تؤدون الحق الذي
عليكم وتسألون الله الذي لكم".
وأخرج مسلم ["1846"] وغيره [الترمذي "2199"]من
حديث وائل بن حجر قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورجل يسأله فقال أرأيت ان كان علينا
امراء يمنعون حقنا ويسألون حقهم قال: "اسمعوا
واطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما
حملتم"، وفي الباب أحاديث واثار كثيرة عن
جماعة من الصحابة وقد جعل الله أمر الزكاة إلي
الائمة عدلوا أو جاروا فرب المال قد أوجب الله
عليه الدفع اليهم لان ذلك هو من الحق الذي لهم
ومن تمام الطاعة الثابتة في الكتاب والسنة
المتواترة فالقول بعدم الاعتداد هو مجرد شك
ووسوسة اقتضى ذلك عدم الاشتغال بعلم السنة وقد
قدمنا ذكر الادلة الدالة على وجوب الدفع
للزكاة إلي السعاة وان جاروا وظلموا وحصول
البراءة بالتسليم اليهم.
وأما قوله: "ولا بخمس ظنه الفرض" فلا وجه له
لأنه قد أخرج الواجب وزيادة عليه نأويا به
الزكاة فوقع قدر الزكاة عنها والزائد إذا أراد
استرجاعه فله ذلك لانه إنما أخرجه معتقدا
لوجوبه عليه فانكشف خلافه.
[ فصل
ولغير الوصي والولي التعجيل بنيتها الا عما لم
يملك وعن معشر قبل إدراكه وعن سائمة وحملها
وهو إلي الفقير تمليك فلا يكمل بها النصاب ولا
يردها ان انكشف النقص
(1/264)
الا لشرط
والعكس في المصدق ويتبعها الفرع فيهما ان لم
يتمم به وتكره في غير فقراء البلد غالبا].
قوله: فصل: "ولغيرالولي والوصي التعجيل
بنيتها".
أقول : قد دل على ذلك حديث على ان العباس بن
عبدالمطلب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك
أخرجه أحمد ["1/104"] وأهل السنن [أبو داود
"1624", الترمذي "678", ابن ماجه "1795"]
والحاكم والدارقطني والبيهقي وذكر الدارقطني
الاختلاف فيه وليس ذلك بقادح في الاحتجاج به
ولا ينافي هذا ما ورد في وجوب الزكاة من العين
لان الجمع ممكن بحمل حديث التعجيل على انه
أخرج زكاته من العين التي ستجب عليه عند كمال
الحول.
ومن ادلة جواز التعجيل ما أخرجه البيهقي عن
علي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن كنا
احتجنا فاستلفنا من العباس صدقة عامين" قال
ابن حجر ورجاله ثقات الا انه فيه انقطاعا
وأخرج أبو دأودالطيالسي من حديث أبي رافع أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "إنا كنا
تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول".
وأما قوله: "إلا عما لايملك وعن معشر قبل
إدراكه" فهو صواب لما قدمنا من ان الزكاة تجب
من العين وذلك المعجل قدملكه الفقير ان انكشف
ان الزكاة واجبة على المالك والا رده كما اشار
اليه المصنف ولا وجه لقوله والعكس في المصدق
وهكذا الفرع له حكم الاصل في الرد وعدمه ولا
يتمم به النصاب لما قدمنا في قوله وحول الفرع
حول اصله.
قوله: "وتكره في غير فقراء البلد غاليا"
أقول : الاحاديث الصحيحة قد دلت على ان الزكاة
تؤخذ من الاغنياء في البلد وترد في الفقراء
منهم ولا ينافي ذلك انه كان السعاة يحملون
اليه من الزكوات التي يقبضونها فإن مصارف
الزكاة ثمانية والرد في فقراء البلد إنما هو
لسهم الفقراء ومن الزكاة لا لغيره على انه لا
ينافي الرد في فقراء البلد حمل بعض نصيبهم إلي
النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك قد يكون
لاستغناء فقراء البلد بصرف بعض نصيب الفقراء
فيهم وقد يكونون اغنياء وقد لا يوجد فيهم من
يستحق الصرف فيه.
وبما ذكرناه تعرف الجمع بين الاحاديث ويتضح
عدم التعارض بينها.
(1/265)
[
باب والفطرة تجب
من فجر أول شوال إلي الغروب
في مال كل مسلم عنه وعن كل مسلم لزمته فيه
نفقته بالقرابة أو الزوجية أو الرق أو انكشف
ملكه فيه ولو غائبا وإنما تضيق متى
(1/265)
رجع الا
المأيوس وعلى الشريك حصته وإنما تلزم من ملك
فيه له ولكل واحد قوت عشر غيرها فإن ملك له
ولصنف فالولد ثم الزوجة ثم العبد لا لبعض صنف
فتسقط ولا على المشتري وتحوه مما قد لزمته وهي
صاع من أي قوت عن كل واحد من جنس واحد الا
لاشتراك أو تقويم وانما تجزئ القيمة للعذر وهي
كالزكاة في الولاية والمصرف غالبا فتجزئ واحدة
في جماعة والعكس والتعجيل بعد لزوم الشخص
وتسقط عن المكاتب قيل حتى يرق أو يعتق والمنفق
من بيت المال وبأخراج الزوجة عن نفسها
وبنشوزها أول النهار موسرة ويلزمها ان اعسر أو
تمرد.
وندب التبكير والعزل حيث لا مستحق والترتيب
بين الافطار والاخراج والصلاة].
قوله: "باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي
الغروب".
أقول : قد ثبت في الاحاديث الصحيحة الثابتة في
الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم
فرض زكاة الفطر وفي الاحاديث الخارجة عن
الصحيحين بلفظ: "صدقة الفطر واجبة على كل
مسلم" وفي بعض أحاديث الصحيحين بلفظ أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر فوجوبها
لا شك فيه ولا شبهة ولا يقدح في ذلك ما أخرجه
النسائي عن قيس بن سعد بن عبادة قال امرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل
ان تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا
ولم ينهنا ونحن نفعله فإن في إسناده رأويا
مجولا فلا تقوم به الحجة وعلى التسليم فلا
دليل فيه على النسخ لان الامر الأول يكفى ولا
يحتاج إلي تجديد.
وقد نقل ابن المنذر وغيره الاجماع على وجوب
صدقة الفطر قال في الفتح وفي نقل الاجماع نظر
لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الاصم
قالا ان وجوبها نسخ انتهى ولا يخفاك انهما
ليسا ممن يتكلم في النسخ ولا يعتد بقولهما
ولكنه قد روى عن اشهب انها سنة مؤكدة وهو قول
بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية
والادلة الصحيحة ترد عليهم وتدفع قولهم.
وأما كون وقت الوجوب من فجر أول شوال إلي
الغروب فحديث ابن عباس قال "فرض رسول الله صلى
الله عليه وسلم زكاة الفطرة طهرة للصائم من
اللغو والرفث وطعمة للمساكين فن اداها قبل
الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن اداها بعدالصلاة
فهي صدقة من الصدقات" أخرجه أبو دأود وابن
ماجه والدارقطني والحاكم وصححه يدل على انها
لا تكون بعد الصلاة زكاة فطر بل صدقة من صدقات
التطوع والكلام في زكاة الفطر فلا تجزئ
بعدالصلاة وفي الصحيحين من حديث ابن عمر ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امر بزكاة
الفطر ان تؤدى قبل خروج الناس إلي الصلاة".
قوله: "وفي مال كل مسلم عنه وعن كل مسلم لزمته
فيه نفقته بالقرابة أو الزوجية أو الرق".
(1/266)
أقول : هذا ثبت
في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر قال:
"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر
من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على
العبد والحر والذكر والانثى والصغير والكبير
من المسلمين".
وفي حديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما قال
كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من
شعير أو صاعا من من تمر أو صاعا من اقط أو
صاعا من زبيب.
وأما إيجاب الاخراج على من لزمته النفقة فذلك
ظاهر في العبد وأما الصبي فيخرج عنه وليه من
مال الصبي وكذا المجنون وأما الزوجة فتخرج من
مالها إذا كان لها مال فإن لم يكن لها ولا
للصبي ولا المجنون مال فالظاهر عدم الوجوب
وأما الغريب الكبير الذي ينفقه قريبة فلا وجه
لايجاب ذلك على من ينفقه وأما ما روى بلفظ:
"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة
الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن
تمونون".
أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر
مرفوعا وأخرجه البيهقي من حديث علي ففي
إسنادهما مقال ولا تقوم بذلك حجة.
ويقوى ما ذكرناه في العبد حديث أبي هريرة
مرفوعا: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه
صدقة الا صدقة الفطر" أخرجه مسلم وهو في
البخاري بدون الاستثناء.
قوله: "وإنما تلزم من ملك له ولكل واحد قوت
عشر غيرها".
أقول : هذا التقرير يقوت عشر مجرد رأي محض لا
دليل عليه وظاهر الاحاديث الواردة بأن زكاة
الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة
للمساكين وهكذا مأورد من الامر بإغناء الفقراء
في هذا اليوم يدلان على ان المعتبر وجود وقت
هذا اليوم فمن وجده ووجد زيادة عليه أخرجها عن
الفطرة ومن لم يجد الا قوت اليوم فلا فطرة
عليه لانه إذا أخرجها احتاج للنفقة في هذا
اليوم وصار مصرفا للفطرة.
وإذا صح ما ورد من ايجابها على الغني والفقير
قد عرفت ما هو الغنى فيما تقدم وعرفت ان
الفقير من لا يجد ما يجده الغنى فايجاب الفطرة
على الفقير لايستلزم ان يخرج قوت يومه.
وأما قوله: "فإن ملك له ولصنف فالولد" الخ فقد
عرفت مما تقدم انه لم يتقرر وجوب إخراج الفطرة
الا عن العبد للحديث الصحيح الوارد بذلك.
وأما ما ورد من تقديم النفس ثم الأهل كما في
حديث جابر عند مسلم وما ورد من تقديم النفس ثم
الولد ثم الزوجة ثم الخادم كما في حديث أبي
هريرة عندا حمد وأبي دأود والنسائي وابن حبان
والحاكم فذلك في النفقة لا في الفطرة فالتقديم
في النفقة يكون هكذا وأما في الفطرة فلا بد
(1/267)
من دليل يدل
على الوجوب ولا دليل الا في العبد ولم ينتهض
حديث "ممن تمونون" للحجية كما قدمنا.
وأما قوله: "لا لبعض صنف فتسقط" فالمناسب
لتفريع المصنف ان تجب عليه الفطرة لمن ملك له
قوت عشر من ذلك الصنف وأما جعل ذلك كعدم كمال
النصاب فخارج عن البحث لا جامع بينه وبين ما
نحن بصدده. وأما قوله ولا تجب على المشتري
ونحوه ممن قد لزمته فوجه ذلك ان الوجوب قد ثبت
على الأول.
قوله: "وهي صاع من أي قوت".
أقول : قد ذكرت في شرحي للمنتقى ان الاحاديث
الواردة بأن الفطرة نصف صاع من الحنطة تنتهض
بمجموعها للتخصيص وذكرت الكلام علىما ذكره أبو
سعيد فليرجع اليه وقد ذهب إلي ذلك جماعة من
الصحابة منهم عثمان وعلي وابو هريرة وجابر
وابن عباس وابن الزبير وامه اسماء بنت أبي بكر
كما حكى ذلك عنهم ابن المنذر قال ابن حجر
باسانيد صحيحة.
قوله: "وإنما تجزئ القيمة للعذر".
أقول : هذا صحيح لان ظاهر الاحاديث الواردة
بتعيين قدر الفطرة من الاطعمة ان إخراج ذلك
مما سماه النبي صلى الله عليه وسلم متعين وإذا
عرض مانع من إخراج العين كانت القيمة مجزئة
لان ذلك هو الذي يمكن من عليه الفطرة ولا يجب
عليه مالا يدخل تحت إمكانه.
قوله : "وهي كالزكاة في الولاية والمصرف".
أقول : هذه زكاة خاصة لطهرة الصائم من اللغو
والرفث ولإغناء الفقراء في ذلك اليوم فمصرفه
الفقراء والولاية في الصرف لمن عليه الفطرة
ولم يرد ما يدل على ان الولاية للامام ولا يصح
التمسك بعموم {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية والا لزم
ان صدقة المتطوع يكون مصرفها الثمانية الاصناف
وان الولاية فيها للإمام ولا قائل بذلك.
أما قوله: "فتجزئ واحدة في جماعة والعكس" فذلك
صحيح لآن الولاية له فيتحرى في الصرف ما هو
الاقرب إلي سد فاقة الفقراء من غير ان يفرقها
تفريقا لا ينفع.
قوله: "ويجزئ التعجيل بعد لزوم الشخص".
أقول : جعلها ظهرة للصائم من اللغو والرفث
وكذلك التصريح باغناء الفقراء في ذلك اليوم
وكذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن
عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة
الفطر ان تؤدى قبل خروج الناس إلي الصلاة يدل
على ان وقتها يوم الفطر قبل الخروج إلي صلاة
العيد ولكنه روى البخاري وغيره من حديث ابن
عمر انهم كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين
فيقتصر على هذا القدر في التعجيل وقد حكى
الامام يحيى إجماع السلف على جواز التعجيل
فيحمل هذا الاجماع على
(1/268)
هذا القدر من
التعجيل وهو يستفاد من حديث: "من أداها قبل
الصلاة فهي صدقة مقبولة" فإن المراد القبلية
القريبة لا القبلية البعيدة التي تنافي حديث:
"إنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة
للمساكين". [أبو دأود "1609"، ابن ماجة
"1827".
وأما قوله: "وتسقط عن المكاتب" فصحيح لانه قد
صار متصفا بصفة هي متوسطة بين الحر والعبد فلم
يكن حرا خالصا ولا عبدا خالصا ولم يرد النص
الا في فطرة العبد كما تقدم.
وأما قوله: "والمنفق عليه من بيت المال" فلا
وجه للسقوط بل هو كغيره من المسلمين إن وجد
زيادة على كفاية يومه أخرجها وان لم يجد
الزيادة فلا فطرة عليه ولا تأثير لكونه منفقا
عليه من بيت المال.
وأما ما ذكره من سقوطها عن الزوجة باخراجها عن
نفسها وبنشوزها فقد عرفت ان فطرتها واجبة
عليها لاعلى زوجها.
وأما قوله: "والعزل حيث لا مستحق" فذلك غاية
ما يقدر عليه مع عدم المصرف.
قوله: "وندب التبكير"
أقول : ان أراد بالتبكير انها تجزئ قبل الخروج
إلي الصلاة فذلك واجب ولا تكون فطرة الا إذا
أخرجها في ذلك الوقت كما تقدم وان أراد
الزيادة في التبكير حتى يكون إخراجها مثلا بعد
فجر يوم الفطر فلا دليل على ذلك.
قوله: "وندب الترتيب بين الافطار والاخراج
والصلاة".
أقول : الوارد عنه صلى الله عليه وسلم أخراج
الفطرة قبل الخروج إلي الصلاة وتنأول شيء يفطر
به قبل الخروج إلي الصلاة فإذا فعل ذلك فعل
المشروع سواء قدم الافطار على اخراج الفطرة أو
اخره عليه.
(1/269)
|