الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

القسْمُ الأَوّل: العِبَادَاتُ {يا أيُّها الناسُ اعبدوا ربًكم} [البقرة:21/ 2]

(1/229)


تمهيد تقوم أمور الدين على الاعتقادات والآداب والعبادات والمعاملات والعقوبات، وذلك هو الفقه الأكبر، وبما أن بحثنا في فقه الأحكام الشرعية العملية، فلا نتعرض لبحث أمور العقيدة والأخلاق.
والعبادات خمسة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد. وبحث الجهاد في خطتنا ليس مع العبادات، وإنما هو في فقه الأحكام ذات الصلة بالدولة.
والمعاملات خمسة: المعاوضات المالية، والمناكحات، والمخاصمات، والأمانات، والتركات.
والعقوبات خمسة: القصاص، وحد السرقة، والزنا، والقذف، والردة (1).
والعبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة (2). ودين الله: عبادته وطاعته والخضوع له.
فالصلاة والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والبهائم، والدعاء والذكر والتلاوة، وأمثال ذلك: من العبادة.
_________
(1) رد المحتار: 73/ 1. ويضاف لها حد الشرب وحد السكر.
(2) العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية: ص2.

(1/231)


وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك، هي من العبادة.
وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها، قال الله تعالى: {وما خلقتُ الجنَّ والإنْسَ إلا ليَعْبُدون} [الذاريات:56/ 51]، وبها أرسل جميع الرسل، كما قال نوح لقومه: {اعبدوا الله َ مالكم من إله غيرُه} [الأعراف:59/ 7]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لأقوامهم.
وبما أن المخلوقين كلهم عباد الله، الأبرار منهم والفجار، والمؤمنون والكفار، وأهل الجنة وأهل النار، فإن عبوديتهم الحقة تستلزم عبادة الله الواحد القهار، قال تعالى: {إن هذه أمَّتُكم أمةً واحدة، وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء:92/ 21]، وقال سبحانه: {يا أيها الناسُ اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم، لعلكم تتقون} [البقرة:21/ 2]، {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56/ 51].
لذا اعتاد الفقهاء تقديم العبادات على غيرها اهتماماً بشأنها؛ لأن العباد لم يخلقوا إلا لها، كما قدموا الصلاة على غيرها لأنها أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان، ولأنها عماد الدين (1).
_________
(1) قال صلّى الله عليه وسلم: «الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين» رواه البيهقي عن عمر، وهو حديث ضعيف. ولفظ (الصلاة عمود الدين) حديث حسن.

(1/232)


خطة بحث العبادات:
الكلام في العبادات ماعدا الجهاد يشمل ما يأتي: الطهارة، الصلاة، الجنائز، الزكاة، الصيام والاعتكاف، الحج، الأيْمان والنذور، الأطعمة والأشربة، والصيد والذبائح، الضحايا والعقيقة والختان.
وينقسم البحث فيها إلى الأبواب التسعة التالية:
الباب الأول ـ الطهارات ـ مقدمات الصلاة أو الوسائل.
الباب الثاني ـ الصلاة وأحكام الجنائز.
الباب الثالث ـ الصيام والاعتكاف.
الباب الرابع ـ الزكاة وأنواعها.
الباب الخامس ـ الحج والعمرة.
الباب السادس ـ الأيمان والنذور والكفارات.
الباب السابع ـ الحظر والإباحة أو الأطعمة والأشربة.
الباب الثامن ـ الضحايا والعقيقة والختان.
الباب التاسع ـ الصيد والذبائح.

(1/233)