الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثَّاني: أوقاتُ الصَّلاة
الأوقات في السنة:
حددت السنة النبوية مواقيت الصلاة تحديداً دقيقاً لأول الوقت (1) وآخره،
روى جابر بن عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه
السلام، فقال له: قم، فصلِّهْ، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر،
فقال: قم فصلِّه، فصلى العصر، حين صار ظل كل شيء مثلَه، ثم جاءه المغرب،
فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وَجَبت الشمس (غربت)، ثم جاءه العشاء،
فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشَّفَق، ثم جاءه الفجر، فقال: قم
فصله، فصلى الفجر حين بَرَق الفجر، أو قال: سطع الفجر.
ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصلِّهْ، فصلى الظهر، حين صار كل شيء
مثله، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصلِّهْ، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء
مثليه، ثم جاءه المغرب وقتاً واحداً، لم يزُل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب
نصف الليل، أو قال: ثلث الليل، فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر جداً، فقال:
قم فصَلِّهْ، فصلى الفجر، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت» (2) وهو يدل
على أن للصلوات وقتين، إلا المغرب.
_________
(1) الوقت: هو الزمان المقدر للعبادة شرعاً، المختار.
(2) رواه أحمد والنسائي، والترمذي بنحوه، وقال البخاري: هو أصح شيء في
المواقيت (نيل الأوطار:300/ 1).
(1/663)
وهناك حديث آخر في تحديد وقت المغرب عن
عقبة بن عامر: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لا تزال أمتي بخير، أو
على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب، حتى تشتبك النجوم» (1) وهو يدل على
استحباب المبادرة بصلاة المغرب، وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم.
وقد أوضح الفقهاء بناء على ذلك وقت كل صلاة على النحو الآتي (2)، وأجمع
المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة، ثبتت في
أحاديث صحاح جياد، وتجب الصلاة بأول الوقت وجوباً موسعاً إلى أن يبقى من
الوقت ما يسعها فيضيق الوقت حينئذ. وفي المناطق القطبية ونحوها يقدرون
الأوقات بحسب أقرب البلاد إليهم، أو بميقات مكة المكرمة.
1ً
- وقت الفجر: يبدأ من طلوع الفجر الصادق
إلى طلوع الشمس. والفجر الصادق: هو البياض المنتشر ضوءه معترضاً في الأفق.
ويقابله الفجر الكاذب: وهو الذي يطلع مستطيلاً متجهاً إلى الأعلى في وسط
السماء، كذنب السِرْحان (3)، أي الذئب، ثم تعقبُه ظُلْمة. والأول: هو الذي
تتعلق به الأحكام الشرعية كلها من بدء الصوم ووقت الصبح وانتهاء وقت
العشاء، والثاني: لا يتعلق به شيء من الأحكام،
_________
(1) رواه أحمد وأبو داود والحاكم في المستدرك (نيل الأوطار:3/ 2).
(2) فتح القدير:151/ 1 - 160، الدر المختار:331/ 1 - 343، اللباب:59/ 1 -
62، القوانين الفقهية: ص43 ومابعدها، الشرح الصغير:219/ 1 - 238، الشرح
الكبير:176/ 1 - 181، مغني المحتاج:121/ 1 - 127، المهذب:51/ 1 - 54،
بجيرمي الخطيب:354/ 1، المغني:370/ 1 - 395، كشاف القناع:289/ 1 - 298.
(3) السرحان مشترك بين الذئب والأسد، والمراد أنه يشبه ذنب السرحان الأسود،
لأن الفجر الكاذب بياض مختلط بسواد، والسرحان الأسود: لونه مظلم، وباطن
ذنبه أبيض.
(1/664)
بدليل قوله عليه السلام: «الفجر فجران: فجر
يحرِّم الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة ـ أي صلاة الصبح ـ
ويحل فيه الطعام» (1).
وفي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: «ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر، ما
لم تطلع الشمس» وما بعد طلوع الشمس إلى وقت الظهر يعتبر وقتاً مهملاً لا
فريضة فيه.
2ً
- وقت الظهر: من
زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله،
سوى ظل أو فيء الزوال. وهذا رأي الصاحبين المفتى به عند الحنفية والأئمة
الثلاثة. وظاهر الرواية وهو رأي أبي حنيفة: أن آخر وقت الظهر: أن يصير ظل
كل شيء مِثْليْه، إلا أن هذا الوقت هو وقت العصر بالاتفاق، فتقدم الصلاة عن
هذا الوقت؛ لأن الأخذ بالاحتياط في باب العبادات أولى.
وزوال الشمس: هو ميلها عن وسط السماء، ويسمى بلوغ الشمس إلى وسط (أو كبد)
السماء: حالة الاستواء، وإذا تحولت الشمس من جهة المشرق إلى جهة المغرب حدث
الزوال.
ويعرف الزوال: بالنظر إلى قامة الشخص،
أو إلى شاخص أو عمود منتصب في أرض مستوية (مسطحة)، فإذا كان الظل ينقص فهو
قبل الزوال، وإن وقف لايزيد ولا ينقص، فهو وقت الاستواء، وإن أخذ الظل في
الزيادة علم أن الشمس زالت.
فإذا زاد ظل الشيء على ظله حالة الاستواء، أو مالت الشمس إلى جهة
_________
(1) رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه (سبل السلام:115/ 1).
(1/665)
المغرب، بدأ وقت الظهر، وينتهي وقته عند
الجمهور بصيرورة ظل الشيء مثله في القدر والطول، مع إضافة مقدار ظل أو فيء
الاستواء، أي الظل الموجود عند الزوال.
ودليل الجمهور: أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلّى الله عليه وسلم في
اليوم التالي حين صار ظل كل شيء مثله، ولا شك أن هذا هو الأقوى. ودليل أبي
حنيفة قوله عليه السلام: «أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم» (1).
وأشد الحر في ديارهم كان في هذا الوقت يعني إذا صار ظل كل شيء مثله. ودليل
الكل على بدء وقت الظهر قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء:17/
78] أي زوالها.
3ً
- وقت العصر: يبدأ من خروج وقت الظهر،
على الخلاف بين القولين المتقدمين، وينتهي بغروب الشمس، أي أنه يبدأ من حين
الزيادة على مثل ظل الشيء، أدنى زيادة عند الجمهور، أو من حين الزيادة على
مثلي الظل عند أبي حنيفة، وينتهي الوقت بالاتفاق قبيل غروب الشمس، لحديث:
«من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة
من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر» (2).
ويرى أكثر الفقهاء: أن صلاة العصر تكره في وقت اصفرار الشمس لقوله صلّى
الله عليه وسلم: «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانت بين
قَرْني
_________
(1) رواه البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ «إذا اشتد الحر، فأبردوا عن
الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم» (نصب الراية:228/ 1).
(2) رواه الأئمة الستة في كتبهم، وهذا اللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة
(المرجع السابق).
(1/666)
الشيطان، قام فنَقَرها أربعاً، لا يذكر
الله إلا قليلاً» (1) وقوله عليه السلام: «وقت العصر مالم تصفر الشمس» (2).
وصلاة العصر: هي الصلاة الوسطى عند أكثر العلماء، بدليل ما روت عائشة عن
النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قرأ: {حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى}
[البقرة:2/ 238]، والصلاة الوسطى: صلاة العصر (3) وعن ابن مسعود وسمرة
قالا: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «الصلاة الوسطى: صلاة العصر» (4)
وسميت وسطى لأنها بين صلاتين من صلاة الليل، وصلاتين من صلاة النهار.
والمشهور عند مالك: أن صلاة الصبح هي الوسطى، لما روى النسائي عن ابن عباس
قال: «أدلج رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم عرّس، فلم يستيقظ حتى طلعت
الشمس أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس، فصلى وهي صلاة الوسطى، والرأي
الأول أصح لصحة الأحاديث فيه».
4ً
- وقت المغرب: من غروب الشمس بالإجماع،
أي غياب قرصها بكامله، ويمتد عند الجمهور (الحنفية والحنابلة والأظهر عند
الشافعية وهو مذهب الشافعي القديم) إلى مغيب الشَّفَق، لحديث: «وقت المغرب
ما لم يغب الشفق» (5).
_________
(1) رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه. عن أنس رضي الله عنه (نيل
الأوطار:307/ 1) وقوله بين قرني الشيطان إما حقيقة أو مجاز عن سلطانه وغلبة
أعوانه.
(2) رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وفي معناه حديث آخر عن
أبي هريرة، ويؤيده فعل النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث بريدة «أن النبي
صلّى الله عليه وسلم صلى العصر في اليوم الثاني، والشمس بيضاء نقية لم
تخالطها صفرة».
(3) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث صحيح.
(4) قال الترمذي: حسن صحيح. هذا وقد أورد الشوكاني ستة عشر قولاً في بيان
الصلاة الوسطى (نيل الأوطار:311/ 1).
(5) رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو (سبل السلام:106/ 1).
(1/667)
والشفق عند الصاحبين والحنابلة والشافعية:
هو الشفق الأحمر، لقول ابن عمر: «الشفق: الحمرة» (1) والفتوى عند الحنفية
على قول الصاحبين، وقد رجع الإمام إليه، وهو المذهب.
وعند أبي حنيفة: هو البياض الذي يستمر في الأفق ويبقى عادة بعد الحمرة، ثم
يظهر السواد، وبين الشفقين تفاوت يقدر بثلاث درجات، والدرجة أربع دقائق.
ودليله قوله عليه الصلاة والسلام: «وآخر وقت المغرب إذا اسود الأفق» (2)
وهو ما روي عن أبي بكر وعائشة ومعاذ وابن عباس.
والمشهور عند المالكية ومذهب الشافعي الجديد غير الأظهر المعمول به لدى
الشافعية: أن وقت المغرب ينقضي بمقدار وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس
ركعات، أي أن وقته مضيق غير ممتد؛ لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي عليه
الصلاة والسلام في اليومين في وقت واحد، كما ذكر في حديث جابر المتقدم، فلو
كان للمغرب وقت آخر لبينه، كما بين وقت بقية الصلوات. ورد بأن جبريل إنما
بين الوقت المختار، وهو المسمى بوقت الفضيلة، وأما الوقت الجائز وهو محل
النزاع فليس فيه تعرض له.
_________
(1) رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة، وغيره وقفه على ابن عمر، وتمام الحديث
«فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة» وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث ابن عمر
مرفوعاً: «ووقت صلاة المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق» (سبل السلام:114/ 1)
قال النووي: والصحيح أنه موقوف على ابن عمر.
(2) نص الحديث هو ما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة: «وإن آخر وقتها - أي
المغرب - حين يغيب في الأفق» وغيبوبته بسقوط البياض الذي يعقب الحمرة. لكنه
حديث لم يصح سنداً (نصب الراية:230/ 1) وروي عن ابن مسعود أنه قال: «رأيت
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق».
(1/668)
5ً
- وقت العشاء: يبدأ في المذاهب من مغيب
الشفق الأحمر على المفتى به عند الحنفية إلى طلوع الفجر الصادق، أي قبيل
طلوعه لقول ابن عمر المتقدم: «الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة»
ولحديث أبي قتادة عند مسلم: «ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم
يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى». فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة
إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا الفجر، فإنها مخصوصة من هذا العموم
بالإجماع.
وأما الوقت المختار للعشاء فهو إلى ثلث الليل أو نصفه، لحديث أبي هريرة:
«لولا أن أشق على أمتي لأمرتُهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه»
(1)، وحديث أنس: «أخر النبي صلّى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل
ثم صلى» (2) وحديث ابن عمرو: «وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل» (3).
وأما حديث عائشة «أعتم النبي صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة
الليل، حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على
أمتي» (4) فهو وإن كان فيه إشعار بامتداد وقت اختيار العشاء إلى ما بعد نصف
الليل. ولكنه مؤول بأن المراد بعامة الليل: كثير منه، وليس المراد أكثره.
وأول وقت الوتر: بعد صلاة العشاء، وآخر
وقتها مالم يطلع الفجر.
_________
(1) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (نيل الأوطار:11/ 2).
(2) متفق عليه (المرجع السابق: ص12).
(3) رواه أبو داود وأحمد ومسلم والنسائي (نيل الأوطار:306/ 1).
(4) رواه مسلم والنسائي (المرجع السابق: 12/ 1) وأعتم: دخل في العتمة أي
آخرها.
(1/669)
الوقت الأفضل أو
المستحب:
للفقهاء آراء في بيان أفضل وقت كل صلاة أو الوقت المستحب، فقال الحنفية
(1): يستحب للرجال الإسفار بالفجر، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «أسفروا
بالفجر، فإنه أعظم للأجر» (2) والإسفار: التأخير للإضاءة. وحد الإسفار: أن
يبدأ بالصلاة بعد انتشار البياض بقراءة مسنونة، أي أن يكون بحيث يؤديها
بترتيل نحو ستين أو أربعين آية، ثم يعيدها بطهارة لو فسدت. ولأن في الإسفار
تكثير الجماعة وفي التغليس تقليلها، وما يؤدي إلى التكثير أفضل، وليسهل
تحصيل ما ورد عن أنس من حديث حسن: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر
الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت كأجر حجة تامة، وعمرة
تامة».
وأما النساء: فالأفضل لهن الغَلَس (الظلمة)؛ لأنه أستر، وفي غير الفجر
يَنْتَظِرْن فراغ الرجال من الجماعة. وكذلك التغليس أفضل للرجل والمرأة
لحاج بمزدلفة.
ويستحب في البلاد الحارة وغيرها الإبراد بالظهر في الصيف، بحيث يمشي في
الظل، لقوله صلّى الله عليه وسلم السابق: «أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من
فيح جهنم» ويستحب تعجيله في الشتاء والربيع والخريف، لحديث أنس عند
البخاري: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكَّر بالصلاة،
وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة» (3).
ويستحب تأخير العصر مطلقاً، توسعة لأداء النوافل، ما لم تتغير الشمس
_________
(1) اللباب:61/ 1 ومابعدها، فتح القدير والعناية:156/ 1 وما بعدها.
(2) رواه سبعة من الصحابة وهم رافع بن خديج عند أصحاب السنن الأربعة،
وبلال، وأنس، وقتادة بن النعمان، وابن مسعود، وأبو هريرة، وحواء الأنصارية.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح (نصب الراية:235/ 1).
(3) نصب الراية:244/ 1.
(1/670)
بذهاب ضوئها، فلا يتحير فيها البصر، سواء
في الشتاء أم الصيف، لما فيه من التمكن من تكثير النوافل، لكراهتها بعد
العصر.
ويستحب تعجيل المغرب مطلقاً، فلا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بقدر ثلاث
آيات أو جلسة خفيفة؛ لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود، ولقوله
عليه السلام: «لا تزال أمتي بخير أو قال: على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب
إلى أن تشتبك النجوم» (1).
ويستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل الأول، في غير وقت الغيم، فيندب
تعجيله فيه، للأحاديث السابقة: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا
العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه».
ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل ويثق بالانتباه: أن يؤخر الوتر إلى
آخر الليل، ليكون آخر صلاته فيه، فإن لم يثق من نفسه بالانتباه أوتر قبل
النوم، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من خاف ألا يقوم آخر الليل، فليوتر
أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل، فليوتر آخره، فإن صلاة الليل مشهودة،
وذلك أفضل» (2).
وقال المالكية (3): أفضل الوقت مطلقاً لظهر أو غيره، لفرد أو جماعة، في شدة
الحر أو غيره أوله، فهو رضوان الله، لقوله صلّى الله عليه وسلم لمن سأله:
أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها» (4) أو «الصلاة في أول
وقتها» وعن ابن عمر
_________
(1) رواه أبو داود في سننه (نصب الراية:246/ 1).
(2) أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه (نصب الراية:249/ 1).
(3) الشرح الصغير:227/ 1 ومابعدها، الشرح الكبير والدسوقي:179/ 1 ومابعدها،
القوانين الفقهية: ص43.
(4) رواه البخاري والدارقطني وغيرهما عن ابن مسعود، وقال الحاكم: إنه على
شرط الشيخين، ولفظ الصحيحين: «الصلاة لوقتها».
(1/671)
مرفوعاً: «الصلاة في أول الوقت: رضوان
الله، وفي آخره عفو الله» (1) فالأفضل تقديم الصبح والعصر والمغرب.
لكن الأفضل على المشهور تأخير الظهر لربع القامة بعد ظل الزوال صيفاً
وشتاء، أي التأخير بمقدار ذراع بأن يصيرظل الشخص بمقدار ربع قامته زيادة
على ظل الزوال، وندب التأخير لربع القامة لمن ينتظر أداء الصلاة جماعة أو
كثرتها، لتحصيل فضل الجماعة، وإذا كان الوقت وقت شدة الحر ندب تأخير الظهر
للإبراد، أي الدخول في وقت البرد.
كما أن الأفضل في قول ضعيف في المدونة تأخير العشاء قليلاً في المساجد،
والراجح كما حقق الدسوقي ندب تقديم العشاء للجماعة مطلقاً.
والخلاصة: أن المبادرة في أول الوقت مطلقاً هو الأفضل، إلا في حال انتظار
الفرد جماعة للظهر وغيره، وفي حال الإبراد بالظهر أي لأجل الدخول في وقت
البرد.
وقال الشافعية (2): يسن تعجيل الصلاة ولو عشاء لأول الوقت، إلا الظهر، فيسن
الإبراد بالظهر في شدة الحر، للأحاديث السابقة المذكورة في مذهب المالكية،
والحنفية، والأصح: اختصاص التأخير للإبراد ببلد حار، وجماعة مسجد ونحوه
كمدرسة، يقصدونه من مكان بعيد.
ويكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتْمة للنهي عنه (3)، ويكره النوم قبل
_________
(1) رواه الترمذي: وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: رضوان لله إنما يكون
للمحسنين والعفو يشبه أن يكون للمقصرين.
(2) مغني المحتاج:125/ 1 وما بعدها، المهذب:53/ 1.
(3) أما النهي عن الأول في خبر البخاري: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم
صلاتكم المغرب، وتقول الأعراب: هي العشاء» وأما النهي عن الثاني ففي خبر
مسلم: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يُعتمون
بالإبل» وفي رواية «بحلاب الإبل» معناه أنهم يسمونها العتمة لكونهم يعتمون
بحلاب الإبل، أي يؤخرونه إلى شدة الظلام. وروى الحديث الثاني أيضاً أحمد
والنسائي وابن ماجه. (نيل الأوطار:16/ 2).
(1/672)
صلاة العشاء والحديث بعدها إلا في خير، لما
رواه الجماعة عن أبي بَرْزة الأسلمي أن النبي صلّى الله عليه وسلم «كان
يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العَتْمة، وكان يكره النوم قبلها،
والحديث بعدها».
وقال الحنابلة (1): الصلاة في أول الوقت أفضل إلا العشاء، والظهر في شدة
الحر، والمغرب في حالة الغيم، أما العشاء فتأخيرها إلى آخر وقتها المختار
وهو ثلث الليل أو نصفه أفضل، ما لم يشق على المأمومين أو على بعضهم، فإنه
يكره، عملاً بقول النبي صلّى الله عليه وسلم السابق: «لولا أن أشق على أمتي
لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» ولأنه صلّى الله عليه
وسلم «كان يأمر بالتخفيف رفقاً بهم».
وأما الظهر فيستحب الإبراد به على كل حال في وقت الحر، ويستحب تعجيلها في
وقت العشاء، عملاً بالحديث السابق: «إذا اشتد الحر فأبردوا، فإن شدة الحر
من فيح جهنم».
وأما حالة الغيم: فيستحب تأخير الظهر والمغرب أثناءه، وتعجيل العصر
والعشاء؛ لأنه وقت يخاف منه العوارض من المطر والريح والبرد، فيكون في
تأخير الصلاة الأولى من أجل الجمع بين الصلاتين في المطر، وفي تعجيل
الثانية دفع للمشقة التي قد تحصل بسبب هذه العوارض.
ولا يستحب عند الحنابلة تسمية العشاء العتمة، وكان ابن عمر إذا سمع رجلاً
يقول (العتمة) صاح وغضب، وقال: (إنما هو العشاء).
والخلاصة: أن الفقهاء اتفقوا على أن الوقت الأفضل هو أول وقت كل صلاة،
واستحب الحنفية الإسفار بصلاة الصبح، وقال الجمهور: التغليس بها
_________
(1) المغني:385/ 1 - 395، كشاف القناع: 291/ 1 - 295.
(1/673)
أفضل، واستحب الكل الإبراد بالظهر، واستحب
الحنفية تأخير العصر، واستحب المالكية للفرد التأخير رجاء إدراك صلاة
الجماعة، واستحب الحنابلة تأخير العشاء، وتأخير الظهر والمغرب للجمع بين
الصلاتين في حالة الغيم بسبب المطر.
متى تقع الصلاة أداء في الوقت؟ من
المعلوم أن الصلاة إذا أديت كلها في الوقت المخصص لها فهي أداء، وإن فعلت
مرة ثانية في الوقت لخلل غير الفساد فهي إعادة، وإن فعلت بعد الوقت فهي
قضاء، والقضاء: فعل الواجب بعد وقته.
أما إن أدرك المصلي جزءاً من الصلاة في الوقت فهل تقع أداء؟ للفقهاء رأيان:
الأول للحنفية، والحنابلة على الراجح، والثاني للمالكية والشافعية.
الرأي الأول ـ للحنفية والحنابلة في أرجح الروايتين عن أحمد (1): تدرك
الفريضة أداء كلها بتكبيرة الإحرام في وقتها المخصص لها، سواء أخرها لعذر
كحائض تطهر، ومجنون يفيق، أو لغير عذر، لحديث عائشة: أن النبي صلّى الله
عليه وسلم قال: «من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل
أن تطلع الشمس، فقد أدركها» (2) وللبخاري «فليتم صلاته» وكإدراك المسافر
صلاة المقيم، وكإدراك الجماعة، ولأن بقية الصلاة تبع لما وقع في الوقت.
الرأي الثاني ـ للمالكية، والشافعية (3) في الأصح: تعد الصلاة جميعها أداء
في الوقت إن وقع ركعة بسجدتيها في الوقت، وإلا بأن وقع أقل من ركعة فهي
_________
(1) الدر المختار:677/ 1، كشاف القناع:298/ 1، المغني:378/ 1.
(2) رواه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه، لكن ذكر مسلم: والسجدة إنما هي
الركعة.
(3) الشرح الصغير:231/ 1، القوانين الفقهية: ص46، مغني المحتاج:136/ 1،
المهذب:54/ 1، نهاية المحتاج:280/ 1.
(1/674)
قضاء، لخبر الصحيحين: «من أدرك ركعة من
الصلاة، فقد أدرك الصلاة» (1) أي مؤداة. ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لا
يدرك الصلاة مؤداة، والفرق بين الأمرين: أن الركعة مشتملة على معظم أفعال
الصلاة، وغالب ما بعدها كالتكرار لها، فكان تابعاً لها. وهذا الرأي فيما
يظهر أصح لأن المراد بالسجدة الركعة، بدليل ما ذكر مسلم، وبدليل ما رواه
الجماعة بلفظ «من أدرك من الصبح ركعة ... » الخ.
الاجتهاد في الوقت:
من جهل الوقت بسبب عارض غيم أو حبس في بيت مظلم (2)، وعدم ثقة يخبره به عن
علم، ولم يكن معه ساعة تؤقت له، اجتهد بما يغلب على ظنه دخوله بوِرْد من
قرآن ودرس ومطالعة وصلاة ونحوه كخياطة وصوت ديك مجرَّب، وعمل على الأغلب في
ظنه.
والاجتهاد يكون واجباً إن عجز عن اليقين بالصبر أو غيره كالخروج لرؤية
الفجر أو الشمس مثلاً، وجائزاً إن قدر عليه.
وإن أخبره ثقة من رجل أو امرأة بدخول الوقت عن علم، أي مشاهدة، عمل به؛
لأنه خبر ديني يرجع في المجتهد إلى قول الثقة كخبر الرسول صلّى الله عليه
وسلم. أما إن أخبره عن اجتهاد فلا يقلده؛ لأن المجتهد لا يقلد مجتهداً آخر.
وإذا شك في دخول الوقت، لم يصل حتى يتيقن دخوله، أو يغلب على ظنه ذلك،
وحينئذ تباح له الصلاة، ويستحب تأخيرها قليلاً احتياطاً لتزداد غلبة ظنه،
إلا أن يخشى خروج الوقت.
_________
(1) نيل الأوطار:151/ 3.
(2) انظر مغني المحتاج:127/ 1، المغني:386/ 1،395، بجيرمي الخطيب:355/ 1
ومابعدها، نهاية المحتاج: 281/ 1 ومابعدها.
(1/675)
وإن تيقن أن صلاته وقعت قبل الوقت، ولو
بإخبار عدل مقبول الرواية عن مشاهدة، قضى في الأظهر عند الشافعية وعند أكثر
العلماء، وإلا أي إن لم يتيقن وقوعها قبل الوقت، فلا قضاء عليه. ودليل
القضاء: ما روي عن ابن عمر وأبي موسى أنهما أعادا الفجر؛ لأنهما صلياها قبل
الوقت، ولأن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها، فإن لم تبرأ
الذمة منه بقي بحاله.
تأخير الصلاة: يجوز تأخير الصلاة إلى
آخر الوقت لقوله صلّى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني عن جرير بن عبد
الله: «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله» ولأنا لو لم نجوز التأخير
لضاق على الناس، فسمح لهم بالتأخير. لكن من أخر الصلاة عمداً، ثم خرج الوقت
وهو فيها، أثم وأجزأته (1).
الأوقات المكروهة:
ثبت في السنة النهي عن الصلاة في أوقات خمسة، ثلاثة منها في حديث، واثنان
منها في حديث آخر.
أما الثلاثة ففي حديث مسلم عن عقبة بن عامر الجُهَني: «ثلاث ساعات كان رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلِّي فيهن، وأن نقبُر فيهن موتانا:
حين تطلعُ الشمس بازغة حتى ترتفع (2)، وحين يقوم قائم الظهيرة (3) حتى تزول
الشمس (4)، وحين تتضيَّف (5) الشمس لغروب».
_________
(1) المهذب:53/ 1، المحرر في الفقه الحنبلي:28/ 1.
(2) بين حديث عمرو بن عبسة قدر ارتفاعها بلفظ «وترتفع قَيْس - أي قدر-رمح
أو رمحين» رواه أبو داود والنسائي. وطول الرمح:50،2م أو سبعة أذرع في رأي
العين تقريباً، وقال المالكية: اثنا عشر شبراً.
(3) ورد في حديث ابن عبسة «حتى يعدل الرمح ظله» ومعنى قوله (قائم الظهيرة):
قيام الشمس وقت الاستواء.
(4) أي تميل عن كبد السماء أي وسطها.
(5) أي تميل (راجع الحديثين في سبل السلام:111/ 1 وما بعدها).
(1/676)
وهذه الأوقات الثلاثة تختص بأمرين: دفن
الموتى والصلاة.
وأما الوقتان الآخران ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس،
ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» ولفظ مسلم: «لا صلاة بعد صلاة الفجر»
وهذان الوقتان يختصان بالنهي عن الصلاة فقط.
فالأوقات الخمسة هي ما يأتي:
1ً - ما بعد صلاة الصبح حتى
ترتفع الشمس كرُمح في رأي العين.
2ً - وقت طلوع الشمس حتى
ترتفع قدر رُمح أي بعد طلوعها بمقدار ثلث ساعة.
3ً - وقت الاستواء (1) إلى
أن تزول الشمس، أي يدخل وقت الظهر.
4ً - وقت اصفرار الشمس حتى
تغرب.
5ً - بعد صلاة العصر حتى
تغرب الشمس.
والحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات وتحريم النوافل فيها: هي أن
الأوقات الثلاثة الأولى ورد تعليل النهي عن الصلاة فيها في حديث عمرو بن
عبسة عند مسلم وأبي داود والنسائي: وهو أن الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني
شيطان، فيصلي لها الكفار، وعند قيام قائم الظهيرة تسجر (توقد) جهنم وتفتح
أبوابها، وعند الغروب تغرب بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار. فالحكمة هي
إما التشبه بالكفار عبدة الشمس، أو لكون الزوال وقت غضب.
_________
(1) التعبير به أولى من التعبير بوقت الزوال؛ لأن وقت الزوال لا تكره فيه
الصلاة إجماعاً؛ لأن زوال الشمس يحدث عقب انتصاف النهار.
(1/677)
وأما حكمة النهي عن النوافل بعد الصبح وبعد
العصر فهي ليست لمعنى في الوقت، وإنما الوقت كالمشغول حكماً بفرض الوقت،
وهو أفضل من النفل الحقيقي.
وأما نوع الحكم المستفاد من النهي:
فهو حرمة النافلة عند الحنابلة في الأوقات الخمسة، وعند المالكية في
الأوقات الثلاثة، والكراهة التنزيهية في الوقتين الآخرين.
والكراهة التحريمية عند الحنفية في الأوقات الخمسة، وهو المعتمد عند
الشافعية (1) في الأوقات الثلاثة، والكراهة التنزيهية في مشهور مذهب
الشافعية في الوقتين الآخرين.
والحرمة أو الكراهة التحريمية (2) تقتضي عدم انعقاد الصلاة على الخلاف
الآتي.
وأما نوع الصلاة المكروهة ففيها خلاف بين الفقهاء.
أولاً ـ الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب والاستواء) قال الحنفية (3): يكره
تحريماً فيها كل صلاة مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، أو واجباً، ولو قضاء لشيء
واجب في الذمة، أو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو سهو، إلا يوم الجمعة على
المعتمد المصحح، وإلا فرض عصر اليوم أداء.
_________
(1) مراقي الفلاح: ص31، الدر المختار:343/ 1، الشرح الصغير:241/ 1، مغني
المحتاج:128/ 1، حاشية الباجوري:196/ 1، كشاف القناع:528/ 1، المغني:107/ 1
وما بعدها.
(2) بالرغم من أن كلاً من الحرام والمكروه تحريماً يقتضي الإثم، إلا أن
الحرام: هو ما ثبت بدليل قطعي لا يحتمل التأويل من كتاب أو سنة أو إجماع أو
قياس. وكراهة التحريم: ما ثبتت بدليل يحتمل التأويل.
(3) فتح القدير مع العناية:161/ 1 - 166، مراقي الفلاح: ص31، الدر
المختار:1/ 343 - 349.
(1/678)
والكراهة تقتضي عدم انعقاد الفرض وما يلحق
به من الواجب كالوتر، وينعقد النفل بالشروع فيه مع كراهة التحريم، فإن طرأ
الوقت المكروه على صلاة شرع فيها فتبطل إلا صلاة جنازة حضرت فيها، وسجدة
تليت آيتها فيها، وعصر يومه، والنفل والنذر المقيد بها، وقضاء ما شرع به
فيها ثم أفسده، فتنعقد هذه الستة بلا كراهة أصلاً، في الأولى منها، ومع
الكراهة التنزيهية في الثانية، والتحريمية في البواقي.
ودليلهم عموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات. وأما عدم صحة القضاء؛ فلأن
الفريضة وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص.
ولا يصح أداء فجر اليوم عند الشروق، لوجوبه في وقت كامل فيبطل في وقت
الفساد، إلا العوام فلا يمنعون من ذلك؛ لأنهم يتركونها، والأداء الجائز عند
البعض أولى من الترك.
ويصح أداء العصر مع الكراهة التحريمية، لحديث أبي هريرة: «من أدرك ركعة من
العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (1).
ويصح مع الكراهة التنزيهية أداء سجدة التلاوة المقروءة في وقت النهي أو
أداء صلاة منذورة فيه أو نافلة شرع بأدائها فيه، لوجوبها في هذا الوقت.
كذلك تصح صلاة الجنازة إذا حضرت في وقت مكروه لحديث الترمذي: «يا علي ثلاثة
لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت لها
كفؤاً».
_________
(1) رواه الجماعة بلفظ «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك
الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر» (نيل
الأوطار:21/ 2)
(1/679)
وقد رد الحنفية على التفرقة بين العصر
والصبح مع أن هذا الحديث يسوي بينهما: بأن التعارض لما وقع بينه وبين النهي
عن الصلاة في الأوقات الثلاثة، رجعنا إلى القياس، كما هو حكم التعارض،
فرجحنا حكم هذا الحديث في صلاة العصر، وحكم النهي في صلاة الفجر (رد
المحتار:346/ 1) والحق أن هذه التفرقة لدي غير مقبولة، لأنه يلزم عليها
العمل ببعض الحديث وترك بعضه. ودليل المصحح المعتمد، وهو قول أبي يوسف، في
إباحة النفل يوم الجمعة وقت الزوال: هو حديث أبي هريرة في مسند الشافعي
رحمه الله: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار
حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة» (1).
ثانياً ـ الوقتان الآخران (بعد صلاتي الفجر والعصر): يكره تحريماً أيضاً
التنفل فيهما، ولو بسنة الصبح أو العصر إذا لم يؤدها قبل الفريضة أو بتحية
مسجد، أو منذور، وركعتي طواف، وسجدتي سهو، وصلاة جنازة؛ لأن الكراهة كانت
لشغل الوقت بصاحب الفريضة الأصلية، فإذا أديت لم تبق كراهة بشغله بفرض آخر
أو واجب لعينه، لكن عدم الكراهة في القضاء بما بعد العصر مقيد بما قبل تغير
الشمس، أما بعده فلا يجوز فيه القضاء أيضاً، وإن كان قبل أن يصلي العصر.
وقال المالكية (2):
يحرم النفل لا الفرض في الأوقات الثلاثة، ويجوز قضاء الفرائض الفائتة فيها
وفي غيرها، ومن النفل عندهم: صلاة الجنازة، والنفل المنذور، والنفل المفسد،
وسجود السهو البعدي، لأن ذلك كله سنة، عملاً بمقتضى النهي السابق الثابت في
السنة.
ويكره تنزيهاً النفل في الوقتين الآخرين (بعد طلوع الفجر وبعد أداء العصر)
إلى أن ترتفع الشمس بعد طلوعها قدر رمح (3)، وإلى أن تصلي المغرب، إلا صلاة
الجنازة وسجود التلاوة بعد صلاة الصبح قبل إسفار الصبح، وما بعد العصر قبل
_________
(1) لكن سنده ضعيف (سبل السلام:113/ 1).
(2) الشرح الصغير:241/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص46، الشرح
الكبير:186/ 1 ومابعدها.
(3) المقصود رمح من رماح العرب،،وقدره اثنا عشر شبر بشبر متوسط.
(1/680)
اصفرار الشمس فلا يكره بل يندب، وإلا ركعتي
الفجر، فلا يكرهان بعد طلوع الفجر، لأنهما رغيبة كما سيأتي.
ويقطع المتنفل صلاته وجوباً إن أحرم بوقت تحرم فيه الصلاة، وندباً إن أحرم
بوقت كراهة، ولا قضاء عليه.
وقال الشافعية (1):
تكره صلاة النافلة تحريماً على المعتمد في الأوقات الثلاثة، وتنزيهاً (2)
في الوقتين الآخرين. ولا تنعقد الصلاة في الحالتين؛ لأن النهي إذا رجع لذات
العبادة أو لازمها اقتضى الفساد، سواء أكان للتحريم أم للتنزيه. ويأثم
الفاعل في الحالتين أيضاً؛ لأن الكراهة التنزيهية وإن كانت لا تقتضي الإثم
عموماً، لكنها في هذه الحالة يأثم بها المصلي، بسبب التلبس بعبادة فاسدة.
ويعزر من صلى في الأوقات المنهي عنها.
واستثنى الشافعية حالات لا كراهة فيها وهي ما يأتي:
1ً - يوم الجمعة: لا تكره
الصلاة عند الاستواء يوم الجمعة، لاستثنائه في خبر البيهقي عن أبي سعيد
الخدري وأبي هريرة قالا: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينهى عن
الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» (3) وخبر أبي داود عن أبي قتادة نحوه،
ولفظه: «وكره النبي صلّى الله عليه وسلم الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة،
وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة» (4).
_________
(1) مغني المحتاج: 128/ 1 ومابعدها، حاشية الباجوري: 196/ 1 ومابعدها.
(2) الفرق بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه: أن الأولى تقتضي الإثم،
والثانية لاتقتضيه.
(3) لكنه ضعيف (سبل السلام:113/ 1 ومابعدها).
(4) قال أبو داود: إنه مرسل، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، إلا أنه أيده
فعل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم
الجمعة، ولأنه صلّى الله عليه وسلم حث على التبكير إليها، ثم رغب في الصلاة
إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء (سبل السلام: 114/ 1).
(1/681)
والأصح عندهم جواز الصلاة في هذا الوقت،
سواء أحضر إلى الجمعة أم لا.
2ً - حرم مكة: الصحيح أنه
لا تكره الصلاة في هذه الأوقات في حرم مكة لخبر جبير بن مطعم قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم: «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا
البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» (1) ولما فيه من زيادة فضل
الصلاة فلا تكره بحال، لكنها خلاف الأولى خروجاً من الخلاف.
3ً - الصلاة ذات السبب غير
المتأخر، كفائتة، وكسوف، وتحية مسجد، وسنة الوضوء وسجدة شكر؛ لأن الفائتة
وتحية المسجد وركعتي الوضوء لها سبب متقدم، وأما الكسوف وصلاة الاستسقاء
وصلاة الجنازة وركعتا الطواف فلها سبب متقدم، وأما الكسوف وصلاة الاستسقاء
وصلاة الجنازة وركعتا الطواف فلها سبب مقارن. والفائتة فرضاً أو نفلاً تقضى
في أي وقت بنص الحديث: «من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها» (2)
وخبر الصحيحين «أنه صلّى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين، وقال: هما
اللتان بعد الظهر» والكسوف وتحية المسجد ونحوهما معرضان للفوات، وفي
الصحيحين عن أبي هريرة «أنه صلّى الله عليه وسلم قال لبلال: حدثني بأرجى
عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دَفَّ نعليك (3) بين يدي في الجنة؟ قال:
ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار،
إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي».
_________
(1) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان، وأخرجه الشافعي والدارقطني وابن
خزيمة والحاكم أيضاً (المصدر السابق).
(2) متفق عليه.
(3) الدَّف: صوت النعل وحركته على الأرض والمراد: تحريكه كما قال البخاري
في صحيحه (386/ 1 ط البغا).
(1/682)
وفي سجدة الشكر: ورد في الصحيحين أيضاً
توبة كعب بن مالك: «أنه سجد سجدة للشكر بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس».
أما ما له سبب متأخر كركعتي الاستخارة والإحرام: فإنه لا ينعقد، كالصلاة
التي لا سبب لها.
وقال الحنابلة (1):
يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها، لعموم الحديث
السابق: «من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها» ولحديث أبي قتادة:
«ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام
عنها فليصلها إذا ذكرها» (2).
ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها، خلافاً للحنفية، للحديث السابق:
«إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، فليتم صلاته».
ويجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي، ولو كان نذرها فيه، خلافاً
للحنفية؛ لأنها صلاة واجبة، فأشبهت الفريضة الفائتة وصلاة الجنازة.
ويجوز فعل ركعتي الطواف، للحديث السابق عند الشافعية: «يا بني عبد مناف، لا
تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار».
وتجوز صلاة الجنازة في الوقتين (بعد الصبح وبعد العصر) وهو رأي جمهور
الفقهاء، ولا تجوز صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب
والاستواء) إلا أن يخاف عليها فتجوز مطلقاً للضرورة، ودليلهم على المنع قول
_________
(1) المغني:107/ 2 - 122، كشاف القناع:528/ 1 - 531.
(2) رواه النسائي والترمذي وصححه، وأبو داود (نيل الأوطار:27/ 2). عقبة بن
عامر السابق: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينهانا أن
نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا».
(1/683)
وتجوز إعادة جماعة في أي وقت من أوقات
النهي بشرط أن تقام وهو في المسجد، أو يدخل المسجد وهم يصلون، سواء أكان
صلى جماعة أم وحده، لما روى يزيد بن الأسود، قال: «صليت مع النبي صلّى الله
عليه وسلم صلاة الفجر، فلما قضى صلاته، إذا هو برجلين لم يصليا معه، فقال:
ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله، قد صلينا في رحالنا، فقال:
لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصلِّيا معهم،
فإنها لكم نافلة» (1) وهذ نص في الفجر، وبقية الأوقات مثله، ولأنه متى لم
يعد لحقته تهمة في حق الإمام.
ويحرم التطوع بغير الصلوات المستثناة السابقة في شيء من الأوقات الخمسة،
للأحاديث المتقدمة، سواء أكان التطوع مما له سبب كسجود تلاوة وشكر وسنة
راتبة كسنة الصبح إذا صلاها بعد صلاة الصبح، أو بعد العصر، وكصلاة الكسوف
والاستسقاء وتحية المسجد وسنة الوضوء، أم ليس له سبب كصلاة الاستخارة،
لعموم النهي، وإنما ترجح عمومها على أحاديث التحية وغيرها، لأنها حاظرة
وتلك مبيحة، والحاظر مقدم على المبيح، وأما الصلاة بعد العصر فمن خصائصه
صلّى الله عليه وسلم. لكن تجوز فقط تحية المسجد يوم الجمعة إذا دخل والإمام
يخطب، فيركعهما، للحديث السابق «أن النبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن
الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة».
ويجوز في الصحيح قضاء السنن الراتبة بعد العصر؛ لأن النبي صلّى الله عليه
وسلم فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة.
والصحيح
_________
(1) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(1/684)
في الركعتين قبل العصر أنها لا تقضى، لما
روت عائشة «أن النبيصلّى الله عليه وسلم صلاهما، فقلت له: أتقضيهما إذا
فاتتا؟ قال: لا» (1) ويجوز قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، إلا أن أحمد
اختار أن يقضيهما من الضحى خروجاً من الخلاف.
والمشهور في المذهب أنه لا يجوز قضاء السنن في سائر أوقات النهي.
ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، لعموم النهي.
كما لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف، لعموم
الأحاديث في النهي.
كراهة التنفل في أوقات أخرى:
كره الحنفية والمالكية التنفل في أوقات أخرى هي ما يأتي (2)، علماً بأن
الكراهة تحريمية عند الحنفية في كل ما يذكر هنا:
1 ً - ما بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح:
قال الحنفية: يكره تحريماً التنفل حينئذ بأكثر من سنة الفجر، وقال بعض
الشافعية بكراهة التنزيه في هذا الوقت، والمشهور في المذهب خلافه، كما أن
الصحيح عند الحنابلة جواز التنفل في هذا الوقت؛ لأن أحاديث النهي الصحيحة
_________
(1) رواه ابن النجار في الجزء الخامس من حديثه.
(2) الدر المختار:349/ 1 - 351، مراقي الفلاح: ص31، فتح القدير:166/ 1،
القوانين الفقهية: ص46، الشرح الكبير: 187/ 1، الشرح الصغير:242/ 1
ومابعدها، 511، 513، 531، مغني المحتاج:129/ 1 ومابعدها، 313، المحلي على
المنهاج مع قليوبي وعميرة:119/ 1، الحضرمية:32 ومابعدها، المغني:116/ 2 -
119، 129، 135، 387، كشاف القناع:47/ 2، 63.
(1/685)
ليست صريحة في النهي قبل صلاة الفجر، وإنما
فيه حديث ابن عمر، وهو غريب، فيجوز بناء عليه صلاة الوتر قبل الفجر.
وقال المالكية: يكره تنزيهاً الصلاة تطوعاً بعد الفجر قبل الصبح، ويجوز فيه
قضاء الفوائت وركعتا الفجر، والوتر، والوِرْد، أي ما وظفه من الصلاة ليلاً
على نفسه.
ودليل الحنفية والمالكية على الكراهة حديث ابن عمر: «لا صلاة بعد الفجر إلا
الركعتين قبل صلاة الفجر» (1).
2 ً - ما قبل صلاة المغرب:
يكره التنفل عند الحنفية والمالكية قبل صلاة المغرب، للعمومات الواردة في
تعجيل المغرب، منها حديث سلمة بن الأكوع: «أن رسول الله صلّى الله عليه
وسلم كان يصلي المغرب إذا غَرَبَتْ الشمس وتوارت بالحجاب» (2) وحديث عقبة
بن عامر: «لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك
النجوم» (3) والتنفل يؤدي إلى تأخير المغرب، والمبادرة إلى أداء المغرب
مستحبة.
وقال الشافعية على المشهور: يستحب صلاة ركعتين قبل المغرب، وهي سنة غير
مؤكدة، وقال الحنابلة: إنهما جائزتان وليستا سنة، ودليلهم: ما أخرجه ابن
حبان من حديث عبد الله بن مغفل «أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى قبل
المغرب ركعتين» وقال
_________
(1) رواه الطبراني في معجمه الوسط، لكن تفرد به عبد الله بن خراش، فهو غريب
كما قال الترمذي، ورواه الدارقطني بلفظ: «ليبلغ شاهدكم غائبكم أن لا صلاة
بعد الفجر إلا ركعتين». وفيه شخص مختلف فيه، ورواه أبو داود والترمذي بلفظ:
«لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين» لكنه حديث غريب (نصب الراية:255/ 1
ومابعدها).
(2) رواه الجماعة إلا النسائي (نيل الأوطار: 2/ 2).
(3) رواه أحمد وأبو داود والحاكم (المصدر السابق: 3/ 2).
(1/686)
أنس: «كنا نصلي على عهد رسول الله صلّى
الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب» (1) وعن عبد الله
بن مُغَفَّل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «صلوا قبل المغرب
ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال عند الثالثة: لمن شاء
كراهية أن يتخذها الناس سنة» (2).
قال الشوكاني: والحق أن الأحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب مخصصة
لعموم أدلة استحباب التعجيل.
3 ً - أثناء خطبة الإمام في الجمعة والعيد والحج والنكاح والكسوف
والاستسقاء:
يكره لدى الحنفية والمالكية التنفل عند خروج الخطيب حتى يفرغ من الصلاة،
لحديث أبي هريرة: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد
لغوت» (3)، وأضاف المالكية أنه يكره التنفل بعد صلاة الجمعة أيضاً إلى أن
ينصرف الناس من المسجد.
وكذلك يكره التنفل تنزيهاً في هذه الحالة عند الشافعية والحنابلة إلا تحية
المسجد إن لم يخش فوات تكبيرة الإحرام، ويجب عليه أن يخففهما بأن يقتصر على
الواجبات، فإن لم يكن صلى سنة الجمعة القبلية نواها مع التحية إذ لا يجوز
له الزيادة على ركعتين، ولا تنعقد صلاة غير التحية عند الشافعية. ودليلهم
خبر الصحيحين: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» فهو
_________
(1) رواه مسلم وأبو داود (المصدر السابق:6/ 2)
(2) رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وفي رواية «بين كل أذانين صلاة، بين كل
أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة، لمن شاء» رواه الجماعة (المصدر السابق:
ص7).
(3) رواه الجماعة إلا ابن ماجه (سبل السلام:50/ 2).
(1/687)
مخصص لخبر النهي. وروى جابر، قال: «جاء
سُلَيك الغطفاني، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطب، فقال: ياسليك قم،
فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما» (1) أي خفف فيهما.
4 ً - ما قبل العيد وبعده:
يكره التنفل عند الحنفية والمالكية والحنابلة قبل صلاة العيد وبعده، لحديث
أبي سعيد الخدري قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد
شيئاً، فإذا رجع إلى منزله، صلى ركعتين» (2) وأضاف الحنابلة: لا بأس
بالتنفل إذا خرج من المصلى.
والكراهة عند الحنفية والحنابلة سواء للإمام والمأموم، وسواء أكان في
المسجد أم المصلى، وأما عند المالكية فالكراهة في حال أدائها في المصلى لا
في المسجد.
وقال الشافعية: يكره التنفل للإمام قبل العيد وبعده، لاشتغاله بغير الأهم،
ولمخالفته فعل النبي صلّى الله عليه وسلم، فقد روى ابن عباس رضي الله
عنهما: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصلّ قبلها
ولا بعدها» (3).
ولا يكره النفل قبل العيد بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام، لانتفاء الأسباب
المقتضية للكراهة، كذلك لا يكره النفل بعد العيد إن كان لا يسمع الخطبة،
فإن كان يسمع الخطبة كره له.
5 ً - عند إقامة الصلاة المكتوبة:
قال الحنفية: يكره تحريماً التطوع عند إقامة الصلاة المفروضة، لحديث: «إذا
_________
(1) رواه مسلم. ورواية البخاري: «دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلّى الله عليه
وسلم يخطب، فقال: صَلَّيْتَ؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين» (سبل السلام:51/
2).
(2) رواه ابن ماجه بإسناد حسن (سبل السلام:67/ 2) وأخرجه أيضاً الحاكم
وأحمد، روى الترمذي عن ابن عمر نحوه.
(3) أخرجه السبعة (سبل السلام:66/ 2).
(1/688)
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» (1)
إلا سنة الفجر إن لم يخف فوت جماعة الفرض ولو بإدراك تشهده، فإن خاف تركها
أصلاً، فيجوز الإتيان بسنة الفجر عند الإقامة، لشدة تأكدها، والحث عليها،
ومواظبة النبي صلّى الله عليه وسلم عليها، قال عليه السلام: «ركعتا الفجر
خير من الدنيا وما فيها» (2) وقالت عائشة: «لم يكن النبي صلّى الله عليه
وسلم على شيء من النوافل أشدَّ تعاهداً منه على ركعتي الفجر» (3). وروى
الطحاوي وغيره عن ابن مسعود: «أنه دخل المسجد، وأقيمت الصلاة، فصلى ركعتي
الفجر في المسجد إلى أسطوانة».
وكذلك يكره التطوع عند ضيق وقت المكتوبة، لتفويته الفرض عن وقته.
وقال الشافعي والجمهور (4): يكره افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء
أكانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر، أم غيرها كتحية المسجد.
وقد عنون النووي لهذا البحث بقوله: «باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع
المؤذن في إقامة الصلاة، سواء السنة الراتبة كسنة الصبح والظهر وغيرها،
سواء علم أنه يدرك الركعة مع الإمام أم لا» ودليل الجمهور على كراهة افتتاح
النافلة: قوله صلّى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا
المكتوبة» وفي الرواية الأخرى: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مر برجل
يصلي، وقد أقيمت صلاة الصبح، فقال: يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعاً»
ومعناه أنه لا يشرع بعد الإقامة للصبح إلا
_________
(1) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة، وهو صحيح.
(2) رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن عائشة، وهو صحيح (نيل
الأوطار:19/ 3).
(3) متفق عليه (سبل السلام: 4/ 2).
(4) شرح مسلم للنووي: 221/ 5 ومابعدها، المجموع:273/ 3،550، المغني:456/ 1.
(1/689)
الفريضة (1)،فإذا صلى ركعتين نافلة بعد
الإقامة، ثم صلى معهم الفريضة، صار في معنى «من صلى الصبح أربعاً» لأنه صلى
بعد الإقامة أربعاً.
والصحيح في حكمة النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة: أن يتفرغ للفريضة من
أولها، فيشرع فيها عقب شروع الإمام، وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع
الإمام، وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها.
وفيه حكمة أخرى هو النهي عن الاختلاف على الأئمة.
إلا أن الإمام مالك قال: إن لم يخف فوات الركعة ركعهما خارج المسجد.
_________
(1) وفي هذا الرد على الحنفية الذين أجازوا الشروع في صلاة ركعتي سنة الصبح
بعد الإقامة في المسجد إن لم يكن صلاهما.
(1/690)
|