الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ السَّادس: سُنَنُ الصَّلاة
وصفتُها ومكروهاتُها والأذكارُ الواردة عقبها وفيه مباحث سبعة:
ويلاحظ أن أنواع سنن الصلاة: سنن الصلاة قسمان: إما داخل فيها، وإما خارج
عنها كالاستياك المذكور سابقاً، وكسترة المصلي وغير ذلك مما يأتي توضيحه.
المبحث الأول ـ سنن الصلاة الداخلة فيها:
سنن الصلاة: هي الأقوال والأفعال التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل
يعاتب ويلام، ولا تنجبر إذا تركت بسجود السهو، ولا تبطل الصلاة بتركها
عمداً.
والسنة كما ذكر الحنفية (1): مافعله
رسول الله صلّى الله عليه وسلم بطريق المواظبة، ولم يتركها إلا لعذر، كدعاء
الثناء، والتعوذ، وتكبيرات الركوع والسجود.
وللصلاة عندهم سنن وآداب، والأدب فيها:
ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرة أو مرتين، ولم يواظب عليه،
كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود على الثلاثة، والزيادة على القراءة
المسنونة، وقد شرع لإكمال السنة.
_________
(1) فتح القدير والعناية:194/ 1، البدائع:198/ 1 - 220، تبيين الحقائق:106/
1 - 132، الدر المختار:447/ 1 - 511، مراقي الفلاح: ص41 - 44.
(2/865)
والسنة أو الأدب عندهم دون الواجب، لأن
الواجب في الصلاة: ما تجوز الصلاة بدونه، ويجب بتركه ساهياً سجدتا السهو.
وذكروا للصلاة إحدى وخمسين سنة، وسبعة آداب.
وذكر المالكية (1) للصلاة أربع عشرة
سنة، وثمانية وأربعين أدباً. والسنة عندهم: ما طلبه الشرع وأكد أمره وعظم
قدره وأظهره في الجماعة. ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه كالوتر وصلاة
العيدين.
والمندوب عندهم: ما طلبه الشرع طلباً غير جازم، وخفف أمره، ويثاب فاعله ولا
يعاقب تاركه، كصلاة أربع ركعات قبل الظهر. ويُسجد سجود السهو لثمان من
السنن وهي: السورة، والجهر، والإسرار، والتكبير، والتحميد، والتشهدان،
والجلوس لهما.
وسنن الصلاة عند الشافعية (2) نوعان:
أبعاض وهيئات.
والأبعاض: هي التي يجبر تركها بسجود السهو وهي ثمانية (3):
التشهد الأول، والقعود له، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم بعده،
وعلى آله بعد التشهد الأخير، والقنوت في الصبح ووتر النصف الأخير من رمضان،
والقيام للقنوت، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم، وعلى آله بعد
القنوت.
_________
(1) الشرح الصغير:317/ 1 - 337، الشرح الكبير:242/ 1، القوانين الفقهية:
ص50 ومابعدها،58، 60.
(2) تحفة الطلاب مع حاشية الشرقاوي،195/ 1 - 216،حاشية الباجوري:167/ 1 -
181،193 ومابعدها، مغني المحتاج:152/ 1 - 184، المهذب:71/ 1 - 82،
المجموع:356/ 3.
(3) بل أوصلها الشافعية إلى عشرين بعضاً سنذكرها في بحث سجود السهو، وسميت
أبعاضاً تشبيهاً لها بالأبعاض الحقيقية
أي الأركان، في مطلق الجبر.
(2/866)
والهيئات:
هي أربعون كالتسبيحات ونحوها لا يجبر تركها بسجود السهو.
والسنة أو المستحب عندهم إن تركها المصلي لا يعود إليها بعد التلبس بفرض
آخر، فمن ترك التشهد الأول مثلاً، فذكره بعد اعتداله مستوياً، لا يعود إليه
لكنه يسجد للسهو، فإن عاد إليه عامداً عالماً بتحريمه، بطلت صلاته، أما إن
عاد إليه ناسياً أنه في الصلاة، فلا تبطل صلاته، ويلزم القيام عنه فوراً
عند تذكره ثم يسجد للسهو. هذا إن كان المصلي إماماً أو منفرداً.
فإن كان المصلي مأموماً عاد وجوباً لمتابعة إمامه؛ لأن المتابعة آكد من
التلبس بالفرض، فإن لم يعد عامداً عالماً، بطلت صلاته إذا لم ينو المفارقة،
فإن نواها لم تبطل.
وقال الحنابلة (1): ما ليس بفرض نوعان:
واجبات، وسنن. والواجبات: وهي ما تبطل الصلاة بتركه عمداً، وتسقط سهواً أو
جهلاً، ويجبر تركها سهواً بسجود السهو، وهي ثمانية:
1 - التكبير (الله أكبر) للانتقال في محله: (وهو ما بين انتهاء فعل وابتداء
فعل آخر) لأنه صلّى الله عليه وسلم كان يكبر كذلك، وقال: «صلوا كما
رأيتموني أصلي»، فلو شرع المصلي في التكبير قبل الانتقال، كأن يكبر للركوع
أو السجود قبل هُوِّيه إليه، لم يجزئه، ويجزئه فميا بين ابتداء الانتقال
وانتهائه.
وهذا التكبير غير تكبيرتي الإحرام، وتكبيرة ركوع مأموم أدرك إمامه راكعاً،
فإن الأولى ركن، والثانية سنة للاجتزاء عنها بتكبيرة الإحرام.
2 - التسميع: أي قول (سمع الله لمن حمده) لإمام، ومنفرد دون مأموم.
_________
(1) كشاف القناع:450/ 1،455 - 460، المغني:462/ 1 - 559
(2/867)
3 - التحميد: أي قول (ربنا لك الحمد) لكل
من الإمام والمأموم والمنفرد.
4 - تسبيح الركوع: (سبحان ربي العظيم).
5 - تسبيح السجود: (سبحان ربي الأعلى).
6 - دعاء (رب اغفر لي) بين السجدتين. والواجب مرة واحدة في كل ما سبق،
والأكمل أن يكرر ذلك مراراً، وأدنى الكمال: ثلاث.
7 - التشهد الأول: لأنه صلّى الله عليه وسلم فعله وداوم على فعله وأمر به،
وسجد للسهو حين نسيه. وأقله: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين،
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
8 - الجلوس للتشهد الأول. وهذا وما قبله واجب على غير مأموم قام إمامه عنه
سهواً.
وأما السنن: فهي سنن أقوال وأفعال وهيئات. وسنن الأقوال سبع عشرة وهي
(الاستفتاح، والتعوذ، والبسملة، والتأمين، وقراءة السورة في الركعتين
الأوليين من الصلاة الرباعية والثلاثية، وفي صلاة الفجر، والجمعة،
والعيدين، وفي التطوع كله، والجهر والإخفات في محلهما، وقول: ملء السموات
وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد بعد التحميد في حق الإمام والمنفرد، دون
المأموم، وما زاد على المرة من تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي: بين
السجدتين، والتعوذ في التشهد الأخير، أي قول: أعوذ با لله من عذاب جهنم ...
الخ، والدعاء في آخر التشهد الأخير، والصلاة في التشهد الأخير على آل النبي
صلّى الله عليه وسلم والبركة فيه، أي قول: وبارك على محمد وعلى آل محمد ...
الخ، وما زاد على المجزئ من التشهد الأول، والقنوت في الوتر).
(2/868)
وما سوى ذلك: سنن أفعال وهيئات (1)، كسكون
الأصابع مضمومة ممدودة حال رفع اليدين مبسوطة (ممدودة الأصابع) مضمومة
الأصابع مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه، عند الإحرام وعند الركوع
وعند الرفع منه، وحطهما عقب ذلك.
بيان سنن الصلاة الداخلة فيها:
1 ً - رفع اليدين للتحريمة: لا خلاف في
استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لافتتاح الصلاة، وذلك حَذْو (مقابل)
المنكبين عند المالكية (2) والشافعية، ويخير عند الحنابلة في رفعهما إلى
فروع أذنيه أو حذو منكبيه. وقال الحنفية: يحاذي الرجل بإبهاميه أذنيه،
وترفع المرأة حذاء منكبيها فقط؛ لأنه أستر لها. قال ابن قدامة: ومعناه أن
يبلغ بأطراف أصابعه ذلك الموضع. وقال النووي: معناه أن تحاذي أطراف أصابعه
أعلى أذنيه وابهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه، واعتمد المالكية هذه
الكيفية. وأضاف الفقهاء: ويسن إمالة أطراف الأصابع نحو القبلة لشرفها.
ودليل الحنفية: حديث وائل بن حجر: «أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلم رفع
يديه حين دخل في الصلاة، وكبّر، وصفَّهما حيال أذنيه» (3) وحديث البراء بن
عازب: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا صلى، رفع يديه حتى تكون
إبهامه حذاء أذنيه» (4) وحديث أنس: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم
كبر، فحاذى بإبهاميه أذنيه» (5).
_________
(1) سميت هيئة لأنها صفة في غيرها.
(2) يعتبر ذلك عندهم من الآداب أو الفضائل.
(3) رواه مسلم (نصب الراية:310/ 1).
(4) رواه أحمد وإسحاق بن راهويه والدارقطني والطحاوي (نصب الراية:311/ 1).
(5) رواه الحاكم والدارقطني (المرجع السابق).
(2/869)
ودليل الشافعية والمالكية: حديث ابن عمر
رضي الله عنهما: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا
افتتح الصلاة» (1).
ودليل الحنابلة على التخيير: أن كلا الأمرين مروي عن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم، فالرفع إلى حذو المنكبين: في حديث أبي حميد (2) وابن عمرو علي
وأبي هريرة. والرفع إلى حذو الأذنين: رواه وائل بن حجر ومالك بن الحويرث
(3).
زمن الرفع: وقت الرفع في الأصح عند
الحنفية: أنه يرفع أولاً، ثم يكبر؛ لأن في فعله نفي الكبرياء عن غير الله
تعالى.
وقال المالكية: ترفع اليدان مبسوطتين ظهورهما للسماء وبطونهما للأرض على
صفة الخائف، عند الشروع في تكبيرة الإحرام، لا عند غيره.
وقال الشافعية والحنابلة: إنه يرفع مع ابتداء تكبيرة الإحرام، ويكون
انتهاؤه مع انقضاء التكبير، ولا يسبق أحدهما صاحبه، فإذا انقضى التكبير حط
يديه، فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما؛ لأنه سنة فات
محلها، وإن ذكره في أثناء التكبير رفع؛ لأن محله باق. فإن لم يمكنه رفع
يديه إلى المنكبين، رفعهما قدر ما يمكنه، وإن أمكنه رفع إحداهما دون الأخرى
رفعها، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما
استطعتم»، وإن لم يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما؛ لأنه يأتي
بالسنة.
حالة الأصابع: قال الحنفية والمالكية
والشافعية: يسن نشر الأصابع أي ألا
_________
(1) متفق عليه.
(2) رواه الجماعة إلا مسلماً.
(3) حديث وائل رواه مسلم كما بينا، وحديث مالك رواه مسلم وأحمد (انظر نيل
الأوطار:179/ 2 - 183).
(2/870)
تضم كل الضم، ولا تفرج كل التفريج، بل تترك
على حالها منشورة، أي مفرقة تفريقاً وسطاً؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم كان
إذا كبّر، رفع يديه، ناشراً أصابعه» (1) أي مفرقاً أصابعه.
وقال الحنابلة: يستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع، ويضم بعضها إلى بعض، لما
روى أبو هريرة قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة
رفع يديه مدًّا» (2) والمد: ما يقابل النشر.
الجهر بتكبيرة الإحرام: قال المالكية
(3): يندب لكل مصل إماماً أو مأموماً أو منفرداً الجهر بتكبيرة الإحرام،
وأما تكبيرات الانتقال فيندب للإمام دون غيره الجهر بها، والأفضل لغير
الإمام الإسرار بها.
رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام: قال
الحنفية والمالكية: لا يسن رفع اليدين في غير الإحرام عند الركوع أو الرفع
منه، لأنه لم يصح ذلك عندهم عن النبي صلّى الله عليه وسلم، واستدلوا بما
روي عن ابن عمر: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح
الصلاة، ثم لا يعود» (4).
واستدلو بفعل ابن مسعود، قال: «ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلّى الله عليه
وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول أمره. وفي لفظ: «فكان يرفع يديه أول
مرة، ثم لا يعود» (5)
وقال أيضاَ: «صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، فلم
_________
(1) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة بلفظ «كان إذا كبر للصلاة نشرأصابعه» (نيل
الأوطار:176/ 2).
(2) رواه الخمسة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:176/ 2).
(3) الشرح الكبير مع الدسوقي:244/ 1، الشرح الصغير وحاشية الصاوي:322/ 1.
(4) قال الحافظ ابن حجر: وهو مقلوب موضوع (نيل الأوطار:181/ 2).
(5) أخرجه أبو داود والنسائي، والترمذي وقال: حديث حسن (نصب الراية:394/
1).
(2/871)
يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة»
(1).
وقال الشافعية والحنابلة: يسن رفع اليدين في غير الإحرام: عند الركوع، وعند
الرفع منه، أي عند الاعتدال، لما ثبت في السنة المتواترة عن واحد وعشرين
صحابياً (2)، منها الحديث المتفق عليه عن ابن عمر قال: «كان النبي صلّى
الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحَذْو مِنْكَبيه،
ثم يكبّر، فإذا أراد أن يركع، رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع،
رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» (3).
وأضاف الشافعية في الصواب عندهم كما قال النووي: أنه يستحب الرفع أيضاً عند
القيام من التشهد الأول، بدليل حديث نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما: «كان
إذا دخل الصلاة، كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن
حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ابن عمر ذلك إلى رسول
الله صلّى الله عليه وسلم» (4).
والخلاصة: يراعى في رفع اليدين أن تكون الأصابع منشورة مفرقة وسطاً عند
الجمهور، مضمومة عند الحنابلة، وأن تكون الأيدي باتفاق الفقهاء في اتجاه
القبلة، بحيث يستقبلها المصلي ببطونها، لشرف القبلة.
_________
(1) رواه الدارقطني والبيهقي، وهو ضعيف، والصواب أنه مرسل (المرجع
السابق:396/ 1).
(2) راجع النظم المتناثر من الحديث المتواتر للسيد محمد جعفر الكتاني: ص58،
وقال البخاري في تصنيف له في الرد على منكري الرفع: رواه سبعة عشر من
الصحابة، ولم يثبت عن أحد منهم عدم الرفع.
(3) نيل الأوطار:179/ 2 - 182.
(4) رواه البخاري في صحيحه (المجموع:424/ 3).
(2/872)
2ً
- مقارنة إحرام المقتدي لإحرام إمامه:
قال الحنفية: تسن هذه المقارنة، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إذا كبر ـ أي
الإمام ـ فكبر» بشرط ألا يفرغ المقتدي من لفظ (الله أكبر) قبل فراغ الإمام
منه.
3ً
- وضع اليد اليمنى على ظهر اليسرى: قال
الجمهور غير المالكية: يسن بعد التكبير أن يضع المصلي يده اليمنى على ظهر
كف ورسغ اليسرى، لما رواه وائل بن حجْر أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلم
رفع يديه حين دخل في الصلاة، وكبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على
كفه اليسرى والرسغ والساعد» (1)، ومارواه قَبيصة بن هُلب عن أبيه قال: «كان
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه» (2) وما رواه سهل
بن سعد قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى
في الصلاة» (3) وعن ابن مسعود: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم مرّ به، وهو
واضع شماله على يمينه، فأخذ يمينه، فوضعها على شماله» (4).
وصفة الوضع عند الحنابلة والشافعية: أن يضع يده اليمنى على كوع اليسرى أو
ما يقاربه، لحديث ابن حجر السابق، علماً بأن الكوع طرف الزند مما يلي
الإبهام، أما عند الحنفية: فهو أن يجعل باطن كف اليمنى على ظاهر كف اليسرى،
محلقاً الرجل بالخنصر والإبهام على الرسغ. أما المرأة فتضع يديها على صدرها
من غير تحليق لأنه أستر لها.
_________
(1) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، والنسائي واللفظ له.
(2) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه أبو داود.
(2/873)
ويضعهما عند الحنفية والحنابلة تحت
السُّرة، لما روي عن علي أنه قال: «من السنة وضع اليمين على الشمال تحت
السرة» (1)، وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلّى الله عليه وسلم.
والمستحب عند الشافعية: أن يجعلهما تحت الصدر فوق السرة، مائلاً إلى جهة
اليسار؛ لأن القلب فيها، فتكونان على أشرف الأعضاء، وعملاً بحديث وائل بن
حجر السابق: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي، فوضع يديه على
صدره، إحداهما على الأخرى» ويؤيده حديث آخر عند ابن خزيمة في وضع اليدين
على هذه الكيفية.
وقال المالكية: يندب إرسال اليدين في الصلاة بوقار، لا بقوة، ولايدفع بهما
من أمامه لمنافاته للخشوع. ويجوز قبض اليدين على الصدر في صلاة النفل لجواز
الاعتماد فيه بلا ضرورة، ويكره القبض في صلاة الفرض لما فيه من الاعتماد أي
كأنه مستند، فلو فعله لا للاعتماد، بل استناناً لم يكره، وكذا إذا لم يقصد
شيئاً فيما يظهر.
والراجح المتعين لدي هو قول الجمهور بوضع اليد اليمنى على اليسرى، وهو
المتفق مع حقيقة مذهب مالك الذي قرره لمحاربة عمل غير مسنون: وهو قصد
الاعتماد، أي الاستناد، أو لمحاربة اعتقاد فاسد: وهو ظن العامي وجوب ذلك.
4ً
- النظر إلى موضع السجود: قال الشافعية
وغيرهم: يستحب النظر إلى موضع سجود المصلي؛ لأنه أقرب إلى الخشوع، ولما روى
ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا
_________
(1) رواه أحمد وأبو داود.
(2/874)
استفتح الصلاة لم ينظر إلا إلى موضع سجوده»
(1) وذلك إلا عند التشهد فينظر إلى سبابته التي يشير بها (2).
5ً
- دعاء الثناء أو الاستفتاح: قال
المالكية: يكره دعاء الاستفتاح، بل يكبر المصلي ويقرأ، لما روى أنس قال:
«كان النبي صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله
رب العالمين» (3).
وقال الجمهور: يسن دعاء الاستفتاح بعد التحريمة في الركعة الأولى، وهو
الراجح لدي، وله صيغ كثيرة، المختار منها عند الحنفية والحنابلة:
(سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك) لما روت
عائشة، قالت: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة، قال:
سبحانك اللهم وبحمد ك، وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك» (4).
وسبحانك: من التسبيح: وهو تنزيه الله تعالى، وتبارك اسمك: من البركة وهي
ثبوت الخبر الإلهي في الشيء، وتعالى جَدُّك: الجَدُّ: العظمة، وتعالى:
تفاعل من العلو، أي
_________
(1) قال النووي: حديث ابن عباس هذا، غريب لا أعرفه، وروى البيهقي أحاديث من
رواية أنس وغيره بمعناه، وكلها ضعيفة (المجموع:272/ 3) لكن روى الجماعة إلا
مسلماً والترمذي عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «ما بال أقوام
يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال:
لينتهُنَّ أو لتُخطَفَنَّ أبصارهم» وفي حديث مرسل عن ابن سيرين أن تقليب
البصر كان سبباً في نزول آية {الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:2/ 23]
(نيل الأوطار:189/ 2).
(2) روى أحمد والنسائي وأبو داود عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد: وضع يده اليمنى علي فخذه اليمنى،
ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة، ولم يجاوز بصرُه إشارته»
(نيل الأوطار:189/ 2).
(3) متفق عليه.
(4) رواه أبو داود، وللدارقطني مثله من رواية أنس، وللخمسة مثله من حديث
أبي سعيد، وأخرج مسلم في صحيحه أن عمر كان يجهر به (نيل الأوطار:195/ 2).
(2/875)
علت عظمتك على عظمة كل أحد غيرك، أو علا
جلالك وعظمتك. ومعناه إجمالاً: تنزيهاً لك يارب، وإنما أنزهك بحمدك، دام
خبر اسمك في كل شيء، وعلا جلالك، ولا معبود غيرك.
قالوا: ولايخفى أن ماصح عن النبي صلّى الله عليه وسلم أولى بالإيثار
والاختيار.
والمختار عند الشافعية صيغة:
(وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين،
إن صلاتي ونُسُكي، ومحيايَ ومماتِي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت
وأنا من المسلمين) لما رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن علي ابن أبي طالب
(1) وهو آية قرآنية ماعدا مايناسب المسلم في آخره: وهو «من المسلمين»
وأصلها (أول المسلمين) كما روى مسلم.
ومعناه: قصدت بعبادتي خالق السموات والأرض، مائلاً إلى الدين الحق وهو
الإسلام، مبتعداً عن كل شرك بالله، مخلصاً كل شيء لله، فصلاتي وعبادتي
وحياتي وموتي لله، وأنا مسلم.
وأجاز الإمام أحمد الاستفتاح بغير: (سبحانك اللهم)، وأجاز الحنفية في
النافلة الجمع بين الثناء والتوجه، لكن في صلاة الجنازة يقتصر على الثناء
فقط.
وإذا شرع الإمام في القراءة الجهرية أو غيرها، لم يكن للمقتدي عند الحنابلة
والحنفية على المعتمد (2) أن يقرأ الثناء، سواء أكان مسبوقاً أم مدركاً، أي
لاحقاً الإمام بعد الابتداء بصلاته، أو مدركاً الإمام بعد مااشتغل
بالقراءة، لأن الاستماع
_________
(1) نيل الأوطار:191/ 2 - 192، وفي رواية لمسلم: «وأنا أول المسلمين» قال
الشافعي: لأنه صلّى الله عليه وسلم كان أول مسلمي هذه الأمة.
(2) رد المحتار:456/ 1، المغني:565/ 1.
(2/876)
للقرآن في الجهرية فرض، وفي السرية يسن
تعظيماً للقراءة، فكان سنة غير مقصودة لذاتها، وعدم قراءة المؤتم في السرية
لا لوجوب الإنصات، بل لأن قراءة الإمام له قراءة. ويستفتح المأموم ويستعيذ
عند الحنابلة في الصلاة السرية، أو الجهرية في مواضع سكتات الإمام.
ويجوز عند الشافعية (1) البدء بنحو (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا
الله، والله أكبر)، ونحو (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان
الله وبحمده بكرةً وأصيلاً) ونحو (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت
بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من
الدنس، اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد).
ويستحب الجمع بين جميع ذلك للمنفرد، ولإمام قوم محصورين راضين بالتطويل.
ويزاد على ذلك لهما: (اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،
ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، فإنه لايغفر الذنوب إلا
أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لايهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها،
فإنه لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسَعْديك، والخير كله في يديك، والشر ليس
إليك، أنا بك وإليك، تباركت ربي وتعاليت، فلك الحمد على ماقضيت، أستغفرك
وأتوب إليك).
ويستحب التوجه عند الشافعية في افتتاح الفريضة والنافلة، للمنفرد والإمام
والمأموم، حتى وإن شرع إمامه في الفاتحة أو أمَّن هو لتأمين إمامه قبل
شروعه فيه، ولكن لايبدأ به إذا بدأ هو بالفاتحة أو بالتعوذ، فإنهم قالوا:
لايستحب إلا بشروط خمسة:
_________
(1) حاشية الباجوري:171/ 1 ومابعدها.
(2/877)
أولاً - أن يكون في غير صلاة الجنازة، فليس
فيها توجه، وإنما يسن فيها التعوذ.
ثانياً - ألا يخاف فوت وقت الأداء: وهو مايسع ركعة، فلو لم يبق من الوقت
إلا مايسع ركعة لم يسن التوجه.
ثالثاً - ألا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة، فإن خاف ذلك لم يسن، وإن بدأ
به قرأ بقدره من الفاتحة.
رابعاً - ألا يدرك الإمام في غير القيام، فلو أدركه في الاعتدال مثلاً لم
يسن. وإن أدركه في التشهد، وسلَّم الإمام أو قام قبل أن يجلس معه، سن له
الافتتاح به.
خامساً- ألا يشرع في التعوذ أو القراءة ولو سهواً، فإن شرع لم يعد له.
6ً
- التعوذ أو الاستعاذة (1) قبل القراءة
في الصلاة:
قال المالكية: يكره التعوذ والبسملة قبل الفاتحة والسورة، لحديث أنس
السابق: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة
بالحمد لله رب العالمين».
وقال الحنفية: يتعوذ في الركعة الأولى فقط.
وقال الشافعية والحنابلة: يسن التعوذ سراً في أول كل ركعة قبل القراءة، بأن
يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وعن أحمد أنه يقول: (أعوذ بالله
السميع
_________
(1) أي الاستجارة إلى ذي منعة، على جهة الاعتصام به من المكروه.
(2/878)
العليم من الشيطان الرجيم) (1) ثم يقول:
(بسم الله الرحمن الرحيم) سراً عند الحنفية والحنابلة، وجهراً في الجهرية
عند الشافعية كما قدمنا، واستدلوا على سنية التعوذ بقوله تعالى: {فإذا قرأت
القرآن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل:98/ 16].
7ً
- التأمين: هو أن يقول المصلي إماماً أو
مأموماً أو منفرداً: (آمين) أي استجب، بعد الانتهاء من الفاتحة، وذلك عند
الحنفية والمالكية سراً، وعند الشافعية والحنابلة: سراً في الصلاة السرية،
وجهراً فيما يجهر فيه بالقراءة. ويؤمن المأموم مع تأمين إمامه.
ودليلهم حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا أمَّن
الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ماتقدم من
ذنبه» وقال ابن شهاب الزهري: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: آمين
(2).
وأضاف الحنابلة (3): فإن نسي الإمام التأمين أمن المأموم، ورفع صوته،
ليذكّر الإمام، فيأتي به؛ لأنه سنة قولية إذا تركها الإمام أتى بها المأموم
كالاستعاذة، وإن أخفاها الإمام جهر بها المأموم. وإن ترك المصلي التأمين
نسياناً أو عمداً حتى شرع في قراءة السورة لم يأت به؛ لأنه سنة فات محلها.
_________
(1) دليله ما رواه أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله
عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح، ثم يقول: «أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم من هَمْزه ونفْخه ونَفْثه» وقال ابن المنذر: «جاء
عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم» (نيل الأوطار:196/ 2 ومابعدها).
(2) رواه الجماعة إلا أن الترمذي لم يذكر قول ابن شهاب (نيل الأوطار:222/
2).
(3) المغني:490/ 1.
(2/879)
والدليل على كون التأمين سراً عند المالكية
والحنفية قول ابن مسعود: «أربع يخفيهن الإمام: التعوذ والتسمية والتأمين
والتحميد» (1) أي قول: ربنا لك الحمد.
ودليل الجهر به عند الشافعية والحنابلة: حديث أبي هريرة: «كان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم إذا تلا: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: آمين،
حتى يسمع من يليه من الصف الأول» (2) وحديث وائل بن حُجْر: «سمعت النبي
صلّى الله عليه وسلم قرأ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين،
يُمدُّ بها صوته» (3).
8ً
- السكتة اللطيفة: قال الشافعية (4): ست
سكتات لطيفة تسن في الصلاة بقدر: (سبحان الله) إلا التي بين: آمين والسورة،
فهي في حق الإمام في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة. ويسن للإمام أن
يشتغل فيها بقراءة أو دعاء سراً، والقراءة أولى، فمعنى السكوت فيها: عدم
الجهر، وإلا فلا يطلب السكوت حقيقة في الصلاة.
والسكتات الست: هي مابين التوجه والتعوذ، ومابين التحرم والتوجه، وبين
التعوذ والبسملة، وبين الفاتحة وآمين، وبين آمين والسو رة، وبين السورة
وتكبيرة الركوع، أي ثلاثة قبل الفاتحة وثلاثة بعد الفاتحة. والحكمة من
السكتة الرابعة: أن يعلم المأموم أن لفظة (آمين) ليست من القرآن.
وقال الحنابلة (5): يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة يستريح
_________
(1) فتح القدير:204/ 1، والقول رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي.
(2) رواه أبو داود وابن ماجه وقال: حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتجَّ بها
المسجد (نيل الأوطار:224/ 2).
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي (المصدر السابق).
(4) حاشية الباجوري:172/ 1، مغني المحتاج:163/ 1.
(5) المغني:491/ 1،495.
(2/880)
فيها، ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة، كيلا
ينازعوه فيها، كما يستحب السكوت عقب التكبير، وبعد الانتهاء من القراءة،
وبعد الفاتحة قبل قوله: «آمين».
ودليل مشروعية السكتات: حديث سمرة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يسكت
سكتتين، إذا استفتح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها» وفي رواية: «سكتة
إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: غير المغضوب عليهم ولا الضالين» (1)
ففيه دليل على مشروعية سكتات ثلاث: بعد التكبير، وبعد الفاتحة، وبعد
القراءة كلها.
وقال الحنفية والمالكية: السكتة مكروهة. إلا أن المالكية (2) قالوا في بحث
وجوب الفاتحة على المشهور: يندب الفصل بسكوت، أو ذكر وهو أولى بين تكبيرة
الإحرام والركوع، لئلا تلتبس تكبيرة الإحرام بتكبيرة الركوع، فإن لم يفصل
وركع أجزأه.
وقال الحنفية (3): يخير مصلي الفريضة (المفترض) على المذهب في الركعتين
الأخريين (الثالثة والرابعة) بين قراءة الفاتحة وتسبيح ثلاثاً، وسكوت
قدرها، ولايكون مسيئاً بالسكوت، لثبوت التخيير عن علي وابن مسعود، وهو
الصارف لمواظبة النبي على الفاتحة عن الوجوب.
9ً
- تفريج القدمين: قال الحنفية: يسن
تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع؛ لأنه أقرب إلى الخشوع.
_________
(1) رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وابن ماجه بمعناه (نيل الأوطار:239/ 2).
(2) الشرح الكبير:238/ 1، الشرح الصغير: 310/ 1.
(3) الدر المختار:477/ 1.
(2/881)
وقال الشافعية: يفرق بين القدمين بمقدار
شبر، ويكره لصق إحدى القدمين بالأخرى حيث لاعذر؛ لأنه تكلف ينافي الخشوع.
وقال المالكية والحنابلة: يندب تفريج القدمين، بأن يكون بحالة متوسطة بحيث
لايضمهما ولايوسعهما كثيراً حتى يتفاحش عرفاً.
10ً
- قراءة سورة بعد الفاتحة: هذا واجب عند
الحنفية كما بينا، سنة عند الجمهور في الركعتين الأولى والثانية من كل
صلاة، ويجهر بهما فيما يجهر فيه بالفاتحة، ويسر فيما يسر بها فيه، لفعل
النبي صلّى الله عليه وسلم، فإن أبا قتادة روى: «أن النبي صلّى الله عليه
وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول
في الأولى، ويقصر في الثانية، يسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في الركعتين
الأوليين من العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية،
وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية» (1) وروى أبو برزة
«أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المئة» (2)
وقد اشتهرت قراءة النبي صلّى الله عليه وسلم للسورة مع الفاتحة في صلاة
الجهر، ونقل نقلاً متواتراً وأمر به معاذاً، فقال: «اقرأ بالشمس وضحاها،
وبسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى» (3).
نوع السورة المقروءة: قال الحنفية (4):
لا بأس بأن يقرأ سورة ويعيدها في
_________
(1) متفق عليه، ورواه أبو داود، وزاد: قال: فظننا أنه يريد بذلك أن يُدْرِك
الناس في الركعة الأولى (نيل الأوطار:226/ 2).
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
(4) الدر المختار:510/ 1 - 511.
(2/882)
الثانية، وأن يقرأ في الركعة الأولى من
محل، وفي الثانية من محل آخر، ولو كان المقروء من سورة واحدة إن كان بينهما
آيتان أو أكثر.
ويكره الفصل بسورة قصيرة، وأن يقرأ منكوساً، بأن يقرأ في الثانية أعلى مما
قرأ في الأولى؛ لأن ترتيب السور في القرآن من واجبات التلاوة، وإنما جوز
للصغار تسهيلاً لضرورة التعليم، واستثنوا من كراهة التنكيس: أن يختم
القرآن، فيقرأ من البقرة.
ولو قرأ في الأولى {الكافرون} [الكافرون:109/ 1] وفي الثانية {ألم تر}
[الفيل:105/ 1] أو {تبت} [المَسد:111/ 1]، ثم تذكر القراءة يتم. ولا يكره
في النفل شيء من ذلك.
وقراءة ثلاث آيات تبلغ قدر أقصر سورة من آية طويلة؛ لأن التحدي والاعجاز
وقع بذلك القدر، لا بالآية. والأفضلية ترجع إلى كثرة الثواب. والعبرة
الأكثر آيات في قراءة سورة وبعض سورة.
مواطن الجهر والإسرار في القراءة: اتفق
الفقهاء على أنه يسن الجهر في الصبح والمغرب والعشاء والجمعة والعيدين
والتراويح ووتر رمضان، ويسر في الظهر والعصر. وللفقهاء في النوافل كالوتر
وغيره تفصيل:
فقال الحنفية: يجب الجهر على الإمام في كل ركعات الوتر في رمضان، وصلاة
العيدين، والتراويح. ويجب الإسرار على الإمام والمنفرد في صلاة الكسوف
والاستسقاء والنوافل النهارية. وأما النوافل الليلية فهو مخير فيها.
ويخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية أداء، أو قضاء في
وقتها أو غيروقتها، إلا أن الجهر أفضل في الجهرية ليلاً. أما الصلاة السرية
فيجب عليه أن يسر بها على الصحيح.
(2/883)
ويجب على المأموم الإنصات في كل حال.
وقال المالكية: يندب الجهر في جميع النوافل الليلية، والسر في جميع النوافل
النهارية إلا النافلة التي لها خطبة كالعيد والاستسقاء، فيندب الجهر فيها.
ويندب للمأموم الإسرار.
وقال الشافعية: يسن الجهر في العيدين وخسوف القمر والاستسقاء والتراويح
ووتر رمضان وركعتي الطواف ليلاً أو وقت الصبح، والإسرار في غير ذلك إلا
نوافل الليل المطلقة فيتوسط فيها بين الجهر والإسرار، والتوسط: أن يجهر
تارة، ويسر أخرى، اتباعاً للسنة، إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه.
والعبرة في قضاء الفريضة بوقته أي وقت القضاء على المعتمد. وجهر المرأة دون
جهر الرجل. ومحل جهرها إن لم تكن بحضرة أجانب.
وقال الحنابلة: يسن الجهر في صلاة العيد والاستسقاء والكسوف والتواويح
والوتر إذا وقع بعد التراويح، ويسر فيما عدا ذلك.
ويخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، كما قال الحنفية.
الدعاء أثناء القراءة: يستحب طلب الرحمة
والمغفرة عند قراءة آية رحمة، والتعوذ من النار عند المرور بذكره؛ لأن
النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقول عند ذكر الجنة والنار: «أعوذ بالله من
النار، ويل لأهل النار» (1) وكان لا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز
وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل، ورَغب إليه
(2)، وكان إذا قرأ {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى}؟ [القيامة:40/ 75]،
قال:
_________
(1) رواه أحمد وابن ماجه بمعناه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه.
(2) رواه أحمد عن عائشة.
(2/884)
«سبحانك، فَبَلى» (1)، كذلك يسن التسبيح
عند آية التسبيح نحو {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة:74/ 56] وأن يقول عند
آخر {والتين} [التين:1/ 95] وآخر القيامة: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين،
وفي آخر المرسلات: آمنا بالله.
متى وكيف تقرأ السورة؟ قال الشافعية:
ولا سورة في الجهرية للمأموم، بل يستمع، فإن بعد، أو كانت الصلاة سرية، قرأ
في الأصح؛ إذ لا معنى لسكوته. وغير الشافعية قالوا: لاسورة على المأموم.
وقال المالكية والحنابلة: ويسن أن يفتتح السورة بقراءة (بسم الله الرحمن
الرحيم) ويندب كمال سورة بعد الفاتحة، فلا يقتصر على بعضها، ولا على آية أو
أكثر، ولو من الطوال، ويندب قراءة خلف إمام سراً في الصلاة السرية، وفي
أخيرة المغرب، وأخيرتي العشاء.
ويكره تكرير السورة عند الجمهور في الركعتين، بل المطلوب أن يكون في
الثانية سورة غير التي قرأها في الأولى، أنزل منها لا أعلى، فلا يقرأ في
الثانية (سورة القدر) بعد قراءته في الأولى (سورة البينة). وقال الحنفية:
لا بأس أن يقرأ سورة ويعيدها في الثانية. ويندب عند الجمهور تقصير قراءة
ركعة ثانية عن قراءة ركعة أولى في فرض، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يندب
تطويل الركعة الأولى في الفجر فقط. والفتوى على قول محمد كالجمهور بتطويل
الركعة الأولى في كل الصلوات على الثانية، اتباعاً للسنة، رواه الشيخان في
الظهر والعصر، ورواه مسلم في الصبح، ويقاس غير ذلك عليه.
_________
(1) رواه أبو داود عن موسى بن أبي عائشة (راجع نيل الأوطار:323/ 2).
(2/885)
ويندب باتفاق الفقهاء أن يكون ترتيب السور
في الركعتين على نظم المصحف، فتنكيس السور مكروه. ولا تكره قراءة أواخر
السور وأوساطها؛ لأن أبا سعيد قال: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما
تيسر». وجاز الجمع بين السورتين فأكثر في صلاة النافلة؛ لأن النبي صلّى
الله عليه وسلم «قرأ في ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء» أما الفريضة:
فالمستحب أن يقتصر على سورة مع الفاتحة من غير زيادة عليها؛ لأن النبي صلّى
الله عليه وسلم هكذا كان يصلي أكثر صلاته.
المستحب في مقادير السور في الصلوات:
يسن أن تكون السورة لإمام جماعة محصورين رضوا بالتطويل في صلاة الفجر من
طوال المفصَّل (1) باتفاق الفقهاء، وفي الظهر أيضاً عند المالكية والحنفية
والشافعية، أما عند الحنابلة فمن أوساط المفصل (2)، وفي العصر والعشاء من
أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل. وقال المالكية: العصر كالمغرب
يقرأ فيه.
والدليل حديث أبي هريرة قال: «ما رأيت رجلاً أشبه صلاة برسول الله صلّى
الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان بن يسار: فصليت خلفه، فكان يقرأ في
الغداة بطوال المفصل، وفي المغرظ بقصاره، وفي العشاء بوسط المفصل» (3)
والحكمة في إطالة القراءة في الفجر والظهر: طول وقتهما، وليدركهما من كان
في غفلة بسبب النوم آخر الليل وفي القيلولة. والتوسط في العصر لانشغال
الناس بالأعمال آخر النهار، وفي العشاء لغلبة النوم والنعاس. والتخفيف في
المغرب لضيق وقته.
والحديث الجامع للقراءة في الصلوات عن جابر بن سمرة: «أن النبي صلّى الله
عليه وسلم كان
_________
(1) سمي بالمفصل لكثرة فواصله، وفصله بالبسملة وهو السبع السابع من القرآن.
(2) دليلهم ما كتبه عمر إلى أبي موسى أن: «اقرأ في الصبح بطوال المفصَّل،
واقرأ في الظهر بأوساط المفصل، واقرأ في المغرب بقصار المفصل» رواه أبو
حفص.
(3) رواه أحمد والنسائي، ولفظه له.
(2/886)
يقرأ في الفجر بـ {ق والقرآن المجيد}
[ق:50/ 1] ونحوها، وكان صلاته بعد إلى تخفيف. وفي رواية: كان يقرأ في الظهر
بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحوَ ذلك، وفي الصبح أطولَ من ذلك» (1) وفي
رواية: «كان إذا دحَضَت ـ مالت ـ الشمس، صلى الظهر، وقرأ بنحو من: والليل
إذا يغشى، والعصر كذلك، والصلوات كلِّها كذلك إلا الصبح، فإنه كان يطيلها»
(2).
وروى ابن ماجه عن ابن عمر قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقرأ في
المغرب: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد» ويندب للإمام التخفيف
عموماً، لحديث جابر: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «يا معاذ، أفتَّانٌ
أنت؟! أو قال: أفاتن أنت، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها،
والليل إذا يغشى» (3) وفي رواية عند البخاري وغيره: «من أمَّ بالناس
فليخفف، فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة».
تحديد مقادير السور: للفقهاء آراء في
تحديد السور الطوال والأوساط والقصار:
قال الحنفية في المعتمد عندهم (4): طوال المفصل: من سورة الحجرات إلى آخر
البروج (أو قدر أربعين أو خمسين آية) وأوساط المفصل: من الطارق إلى أول
البينة (أو مقدار خمس عشرة آية)، وقصار المفصل: من البينة إلى آخر القرآن
الكريم (أو مقدار خمس آيات في كل ركعة).
_________
(1) رواهما أحمد ومسلم.
(2) رواه أبو داود (نيل الأوطار:231/ 2).
(3) متفق عليه (نيل الأوطار:235/ 2).
(4) الدر المختار ورد المحتار:504/ 1، تبيين الحقائق:130/ 1.
(2/887)
وقال المالكية (1): طوال المفصل: من
الحجرات إلى سورة النازعات. وأوسط المفصل من عبس إلى سورة: والليل. وقصاره
من سورة (والضحى) إلى آخر القرآن.
وقال الشافعية (2): طوال المفصل: من الحجرات إلى النبأ (عمَّ)، وأوسطه من
النبأ إلى الضحى، وقصاره: من الضحى إلى آخر القرآن. ويقرأ في الركعة الأولى
من صبح الجمعة {الم تنزيل} [السجدة:32/ 1] وفي الثانية: {هل أتى}
[الإنسان:76/ 1] لما ثبت من حديث أبي هريرة (3).
وقال الحنابلة (4): أول المفصل سورة {ق} [ق:50/ 1] وقيل: الحجرات.
وأوضح الحنابلة أنه يقرأ بما وافق مصحف عثمان، وهو ماصح تواتره وسنده ووافق
اللغة، ولا تصح الصلاة ويحرم قراءة بما يخرج عن مصحف عثمان، كقراءة ابن
مسعود وغيرها من القراءات الشاذة (وهي التي اختل فيها ركن من أركان القراءة
المتواترة الثلاثة: موافقة العربية ولو بوجه، وموافقة أحد المصاحف
العثمانية ولو احتمالاً، وصح إسنادها) (5).
حد الجهر والإسرار: قال الحنفية: أقل
الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه كأهل الصف الأول، فلو سمع واحد أو اثنان لا
يجزئ. وأقل المخافتة إسماع نفسه أو من بقربه من رجل أو رجلين.
_________
(1) الشرح الصغير:325/ 1، الشرح الكبير:247/ 1.
(2) حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب:205/ 1، شرح المحلي على المنهاج:154/
1.
(3) رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود (نيل الأوطار:277/ 3).
(4) كشاف القناع:399/ 1 ومابعدها،402.
(5) نيل الأوطار:237/ 2.
(2/888)
وقال المالكية: أقل جهر الرجل أن يسمع من
يليه، وأقل سره: حركة اللسان. أما المرأة فجهرها إسماع نفسها. وقال
الشافعية والحنابلة: أقل الجهر: أن يسمع من يليه ولو واحداً، وأقل السر أن
يسمع نفسه، أما المرأة فلا تجهر بحضرة أجنبي.
11ً
- التكبير عند الركوع والسجود والرفع منه، وعند
القيام: بأن يقول: (الله أكبر) وهو ثابت بإجماع الأمة، لقول ابن
مسعود: «رأيت النبي صلّى الله عليه وسلم يكبّر في كل رفع وخفض، وقيام
وقعود» (1) وهو يدل على مشروعية التكبير في هذه الأحوال إلا في الرفع من
الركوع، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده. وقد قال الحنابلة بوجوب التكبير،
كوجوب (سمع الله لمن حمده) وقول (ربي اغفر لي) بين السجدتين، والتشهد
الأول.
ويسن في الركوع ما يأتي:
أـ أخذ الركبتين باليدين وتمكين اليدين من الركبتين، وتسوية الظهر أثناء
الركوع، وتفريج الأصابع للرجل، أما المرأة فلا تفرجها، ونصب الساقين،
وتسوية الرأس بالعجز، وعدم رفع الرأس أو خفضه، ومجافاة الرجل عضديه عن
جنبيه، بدليل حديث أبي مسعود عقبة بن عَمْرو: «أنه ركع فجافى يديه، ووضع
يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه، وقال: هكذا رأيت رسول
الله صلّى الله عليه وسلم يصلّي» (2) وحديث مصعب بن سعد قال: صليت إلى جنب
أبي، فطبَّقت بين كفَّيَّ، ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني عن ذلك، وقال: كنا
نفعل هذا، وأمرنا
_________
(1) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه (نيل الأوطار:240/ 2) وفي معناه
حديث آخر عن أبي موسى رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (المرجع السابق:
ص241 ومابعدها).
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي (المصدر السابق: ص243 ومابعدها).
(2/889)
أن نضع أيدينا على الركب» (1) وحديث أبي
حميد الساعدي في بيان صفة صلاة الرسول صلّى الله عليه وسلم: «أن النبي صلّى
الله عليه وسلم وضع يديه على ركبتيه، ووَتَر يديه فنحاهما عن جنبيه» (2)
وحديث وابصة بن معبد عند ابن ماجه: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم
يصلي، فكان إذا ركع، سوَّى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر» وحديث عائشة
عند مسلم: «وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك».
ب ـ أن يقول: (سبحان ربي العظيم) وهو الحد الأدنى، وأدنى الكمال ثلاثاً عند
الجمهور، ولا حد له عند المالكية، ويضيف المالكية والشافعيةوالحنابلة
(وبحمده). والدليل حديث حذيفة قال: «صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلم،
فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وما
مرَّت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إلا تعوذ منها» (3)
وحديث عقبة بن عامر أنه قال: «لما نزلت: فسبح باسم ربك العظيم، قال النبي
صلّى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم» وحديث ابن مسعود أن النبي صلّى
الله عليه وسلم: «إذا ركع أحدكم، فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك
أدناه» (4).
ولا يزيد الإمام عن التسبيحات الثلاث، ويكره له ذلك، تخفيفاً على
المأمومين. ولكن عند الشافعية: يزيد المنفرد وإمام قوم محصورين راضين
بالتطويل: «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي
وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي» (5).
_________
(1) رواه الجماعة (المصدر السابق: ص244).
(2) حديث صحيح رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه البخاري
مختصراً (المرجع السابق: ص184).
(3) رواه الخمسة وصححه الترمذي (المرجع السابق: ص245).
(4) رواهما أبو داود وابن ماجه وأحمد (المرجع السابق: ص246).
(5) رواه مسلم ما عدا الجملة الأخيرة، فقد زادها ابن حبان في صحيحه.
(2/890)
وقال الحنفية: وكره تحريماً إطالة ركوع، أو
قراءة لإدراك الجائي إن عرفه، وإلا فلابأس به، وهذا موافق لبقية الأئمة،
والاطمئنان في الركوع واجب في المذاهب الأربعة كما بينا سابقاً.
12ً
- التسميع والتحميد: أي قول: سمع الله
لمن حمده، ربنا لك الحمد (1): للإمام سراً في التحميد وللمنفرد عند الحنفية
وفي المشهور عند الحنابلة، وأما المقتدي فيقول فقط عند الحنابلة وعلى
المعتمد عند الحنفية: (ربنا لك الحمد) أو (ربنا ولك الحمد) أو (اللهم ربنا
ولك الحمد) والأول عند الشافعية أولى لورود السنة به، وأفضله عند الحنفية
الأخير، ثم (ربنا ولك الحمد) ثم الأول. والأفضل عند الحنابلة والمالكية:
(ربنا ولك الحمد).
وعند المالكية: الإمام لا يقول: (ربنا لك الحمد) والمأموم لا يقول: (سمع
الله لمن حمده) والمنفرد يجمع بينهما حال القيام، لا حال رفعه من الركوع،
إذ الرفع يقترن بـ (سمع الله)، فإذا اعتدل قال: (ربنا ... ) الخ.
والخلاصة: إن المقتدي عند الجمهور يكتفي بالتحميد.
ويسن عند الشافعية: الجمع بين التسميع والتحميد في حق كل مصل، منفرد وإمام
ومأموم.
والدليل على الجمع لدى الشافعية: حديث أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلّى
الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم
يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صُلْبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم:
ربنا ولك الحمد ... »
_________
(1) أي ربنا استجب لنا، ولك الحمد على هدايتك إيانا.
(2/891)
الحديث متفق
عليه، وفي رواية لهما: «ربنا لك الحمد» (1).
ودليل التفرقة بين الإمام والمأموم لدى الجمهور: حديث أنس: أن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا:
ربنا ولك الحمد» (2).
ويسن عند الشافعية والحنابلة القول: (ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء
الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) أي بعدهما كالعرش والكرسي وغيرهما مما لا
يعلمه إلا هو، ويزيد المنفرد وإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل: (أهلَ
الثناء والمجد (3)، أحقُّ ما قال العبد (4)، وكلنا لك عبد، لا مانع لما
أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدُّ) (5).
ودليلهم حديث ابن عباس: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من
الركوع قال: اللهم ربَّنا لك الحمد، مِلء السموات وملء الأرض، وملء ما
بينهما، وملء ماشئت بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا
معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ» (6) وكذلك حمله الحنفية على
حال الانفراد (7).
13ً
- وضع الركبتين، ثم اليدين، ثم الوجه
عند الهوي للسجود، وعكس ذلك عند الرفع من السجود.
هذا عند الجمهور غير المالكية، لحديث وائل بن حجر السابق: «رأيت رسول الله
صلّى الله عليه وسلم إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل
ركبتيه».
_________
(1) متفق عليه (نيل الأوطار:249/ 2 ومابعدها).
(2) متفق عليه (المرجع السابق: ص251).
(3) أي يا أهل المدح والعظمة.
(4) مبتدأ، خبره: (لا مانع لما أعطيت) وأما قوله: (وكلنا لك عبد) فهو جملة
معترضة.
(5) أي لا ينفع ذا الغنى عندك أو ذا الحظ في الدنيا، حظه في العقبى، إنما
ينفعه طاعتك.
(6) رواه مسلم والنسائي (نيل الأوطار:251/ 2).
(7) منية المصلي للجلبي: ص318.
(2/892)
وقال المالكية: يضع يديه، ثم ركبتيه عند
السجود، ويرفع ركبتيه ثم يديه عند الرفع منه، لحديث أبي هريرة: «إذا سجد
أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه ثم ركبتيه» وقد سبق بيان ذلك
ولا ترجيح بين الكيفيتين.
14ً
- هيئات السجود الأخرى:
أـ وضع الوجه بين الكفين عند الحنفية،
وتوجيه الأصابع مضمومة مكشوفة نحو القبلة باتفاق المذاهب، ووضع اليدين حذو
(مقابل) المنكبين في أثناء السجود عند غير الحنفية وإبرازهما من ثوبه
والاعتماد على بطونهما، والتفرقة بقدر شبر بين القدمين والركبتين والفخذين
عند الشافعية.
وعلى هذا يكون توجيه أصابع الرجلين نحو القبلة سنة.
دليل الحالة الأولى: حديث وائل بن حجر: «أنه صلّى الله عليه وسلم كان إذا
سجد وضع وجهه بين كفيه» (1).
والحكمة من ضم أصابع اليدين هو التوجه نحو القبلة لشرفها، ولأن في السجود
تنزل الرحمة، وبالضم ينال أكثر (2)، ودليل الضم وتوجيه الأصابع للقبلة:
حديث أبي حميد الساعدي: «فإذا سجد، وضع يديه غير مفترش، ولا قابضهما،
واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة» (3).
ودليل الحالة الثالثة: حديث أبي حميد الساعدي: «أن النبي صلّى الله عليه
وسلم كان إذا سجد وضع كفيه حذو منكبيه» (4).
_________
(1) رواه مسلم، وأبو داود.
(2) رد المحتار والدر المختار:465/ 1،470.
(3) رواه البخاري (نصب الراية:388/ 1).
(4) رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه.
(2/893)
ودليل إبراز اليدين من الثوب حديث أبي
هريرة: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يشتمل الصمَّاء بالثوب
الواحد ليس على أحد شقيه منه، يعنى شيء» (1).
وأما الاعتماد على بطون اليدين فلكونه أعون على الحركة وأبلغ في الخشوع
والتواضع، وأما التفرقة بين القدمين ونحوهما فلا تباع السنة في ذلك.
ب ـ مباعدة الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن
جنبيه، وذراعيه عن الأرض في السجود في غير زحمة، وتفريقه بين ركبتيه
ورجليه.
أما المرأة فتضم بطنها إلى فخذيها وفي جميع أحوالها؛ لأنه أستر لها (2).
ودليل حالة الرجل أحاديث: منها:
حديث ميمونة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى، حتى لو شاءت
بهيمة أن تمر بين يديه لمرت» (3).
وحديث عبد الله بن بُحَيْنة قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا
سجد يُجنِّح في سجوده، حتى يُرى وَضَحُ إبطيه» (4) أي بياض إبطيه.
وحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا سجد
فَرَّج بين فخذيه، غير حامل بطنَه على شيء من فخذيه» (5).
_________
(1) متفق عليه، واشتمال الصماء: أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانباً
ولا يبقي ما تخرج منه يده (نيل الأوطار:76/ 2).
(2) وتسمى حالة الرجل: التخوية، وحالة المرأة: التطامن. ويعبر بعض الفقهاء
بعبارة للرجل: (ومجافاة ضَبْعيه جنبيه وسطاً) والضبع: ما فوق المرفق إلى
الإبط.
(3) رواه مسلم. والبهيمة: صغار أولاد الضأن والمعز (نصب الراية:387/ 1).
(4) متفق عليه (نيل الأوطار:256/ 2).
(5) رواه أبو داود (المصدر السابق: ص257).
(2/894)
وحديث أنس في النهي عن ترك المجافاة، عن
النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «اعتدلوا في السجود، ولا يبسُطُ أحدكم
ذراعيه انبساط الكلب» (1).
جـ ـ تجب الطمأنينة باتفاق المذاهب كما
بينا، ويستحب وضع الأنف مع الجبهة كما ذكرنا، لحديث أبي حميد: «أن النبي
صلّى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحَّى يديه
عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه» (2).
د ـ التسبيح في السجود: بأن يقول:
«سبحان ربي الأعلى» مرة في الحد الأدنى، وثلاثاً وهو أدنى الكمال، وهو سنة
بالاتفاق لحديث ابن مسعود السابق: « ... وإذا سجد، فقال في سجوده: سبحان
ربي الأعلى، ثلاث مرات».
وحديث حذيفة: أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا سجد، قال: «سبحان
ربي الأعلى ثلاث مرات» (3).
قال الحنفية: ولا يزيد الإمام على ذلك تخفيفاً على المأمومين، ولا حد
للتسبيح عند المالكية.
وزاد المالكية والشافعية والحنابلة: (وبحمده) ويزيد عند الشافعية المنفرد
وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل: (سُبُّوح قدُّوس رب الملائكة والروح،
اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه
وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين).
_________
(1) رواه الجماعة (المصدر السابق: ص256) ومعنى «لايبسط، ولا يفترش في
رواية» واحد، أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالفراش والبساط، قال القرطبي:
ولا شك في كراهة هذه الهيئة، ولا في استحباب نقيضها. وفي رواية: «افتراش
الكلب» بدل: (انبساط الكلب) ومعناهما واحد.
(2) رواه أبو داود والترمذي وصححه (نيل الأوطار:257/ 2).
(3) رواه ابن ماجه، وأبو داود، ولم يقل (ثلاث مرات).
(2/895)
ودليلهم على الجملة الأولى حديث عائشة: «أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبّوح قُدُّوس،
ربُّ الملائكة والروح» (1) وسبّوح قُدُّوس: من صفات الله، والمراد:
المسبَّح والمقدس، فكأنه يقول: مسبح مقدس، ومعنى (سبّوح) المبرأ من النقائص
والشريك وكل ما لا يليق بالألوهية. وقدوس: المطهر من كل مالا يليق بالخالق.
وبقية التسبيح رواه مسلم.
هـ ـ الدعاء في السجود (2): قال
الحنفية: لا يأتي المصلي في ركوعه وسجوده بغير التسبيح، على المذهب، وما
ورد محمول على النفل، ويندب الدعاء في السجود عند المالكية بما يتعلق بأمور
الدين أو الدنيا، أو الآخرة، له أو لغيره، خصوصاً أو عموماً، بلا حدّ، بل
بحسب ما يسر الله تعالى. ولا بأس عند الحنابلة بالدعاء المأثور أو الأذكار.
ويتأكد طلب الدعاء في السجود عند الشافعية.
ودليلهم خبر مسلم وغيره: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا
الدعاء، فقِمِن أن يستجاب لكم» (3) أي أكثروا الدعاء في سجودكم، فحقيق أن
يستجاب لكم.
وعن أبي سعيد أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: يا معاذ، إذا وضعت وجهك
ساجداً، فقل: اللهم أعني على شكرك وحسن عبادتك».
_________
(1) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (نيل الأوطار:246/ 2).
(2) الدر المختار:472/ 1، تبيين الحقائق:118/ 1، الشرح الصغير:329/ 1،
المغني:522/ 1، حاشية الباجوري:177/ 1، مغني المحتاج:181/ 1
(3) رواه أحمد ومسلم وأبو داود
(2/896)
وقال علي رضي الله عنه: «أحب الكلام إلى
الله أن يقول العبد، وهو ساجد: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي» (1).
وعن أبي هريرة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم
اغفر لي ذنبي كله، دِقَّه وجِلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره» (2).
15 ً - الجلوس بين السجدتين، مطمئناً مفترشاً الرجل رجله اليسرى، وناصباً
اليمنى، موجهاً أصابعه نحو القبلة، واضعاً يديه على فخذيه، بصورة مبسوطة،
بحيث تتساوى رؤوس الأصابع مع الركبة.
أما المرأة فتتورك عند الحنفية، بأن تجلس على أليتها، وتضع الفخذ على
الفخذ، وتخرج رجلها اليسرى من تحت وركها اليمنى؛ لأنه أستر لها.
والدليل على هيئة الجلوس هذه للرجل: حديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله
صلّى الله عليه وسلم: «ثم ثنى رجله اليسرى، وقعد عليها، ثم اعتدل حتى رجع
كل عظم في موضعه، ثم هوى ساجداً» وحديث عائشة: «وكان يفرش رجله اليسرى،
وينصب اليمنى» (3).
وقال ابن عمر: «من سنة الصلاة: أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها
القبلة» (4).
ويكره الإقعاء: وهو أن يفرش قدميه، ويجلس على عقبيه، لحديث علي: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم: «لاتُقْعِ بين السجدتين» وحديث أنس: «قال لي
رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إذا رفعت رأسك من السجود فلا تُقع كما يقعي
الكلب» (5).
_________
(1) رواهما سعيد بن منصور في سننه.
(2) رواه مسلم وأبو داود ومعنى «دقة وجله» قليله وكثيره (نيل الأوطار:289/
2).
(3) متفق عليه.
(4) رواه النسائي.
(5) رواهما ابن ماجه.
(2/897)
ويسن عند الشافعية والحنابلة الاعتماد
بيديه على الأرض عند القيام عن سجود أو قعود اتباعاً للسنة، والنهي عن ذلك
ضعيف (1).
16ً
- الدعاء بين السجدتين: ليس عند الحنفية
(2) بين السجدتين دعاء مسنون، كما ليس بعد الرفع من الركوع دعاء، ولا في
الركوع والسجود على المذهب كما قدمنا، وما ورد محمول على النفل أو التهجد.
ولم يذكر المالكية هذا الدعاء من مندوبات الصلاة، وذكره ابن جزي فيما يقال
بين السجدتين.
والدعاء مشروع عند الشافعية والحنابلة؛ بل قال الحنابلة: إنه واجب، وأدناه
أن يقول مرة: (رب اغفر لي) وأدنى الكمال عندهم أن يقول ذلك: ثلاث مرات
كالكمال في تسبيح الركوع والسجود.
وصيغة هذا الدعاء عند الشافعية والمالكية والحنابلة: (رب اغفر لي وارحمني،
واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني، وعافني) وقال الحنابلة: لايجوز في
الصلاة، بغير الوارد في السنة، ولايجوز بما ليس من أمر الآخرة، كحوائج
الدنيا وملاذها، وتبطل الصلاة به.
ودليل المشروعية: ماروى حذيفة: «أنه صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلم،
فكان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي» (3).
_________
(1) شرح الحضرمية:46.
(2) الدر المختار:472/ 1، تبيين الحقائق:118/ 1.
(3) رواه النسائي وابن ماجه (نيل الأوطار:263/ 2).
(2/898)
وروي عن ابن عباس أنه قال: «كان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني،
وعافني، وارزقني» (1).
وفي رواية لمسلم: «أن رجلاً أتى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: يارسول
الله كيف أقول حين أسأل ربي، قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني، وارزقني، فإن
هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك» أي لأن الغفر الستر، والعافية: اندفاع البلاء
عن الإنسان، والأرزاق نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب
والنفوس كالمعارف والعلوم.
جلسة الاستراحة: المشهور عند الشافعية
(2): سنُّ جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية تسمى جلسة الاستراحة، في كل ركعة
يقوم عنها فلا تسن عقب سجدة التلاوة، اتباعاً لما ثبت في السنة عند
البخاري. وروى الجماعة إلا مسلماً وابن ماجه عن مالك بن الحويرث أنه رأى
النبي صلّى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته، لم ينهض حتى
يستوي قاعداً» (3).
ولا تستحب جلسة الاستراحة عند الجمهور، إذ لم تذكر في حديث أبي حميد
الساعدي في بيان صفة صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم (4).
17ً
- التشهد الأول، والافتراش له كالجلوس
بين السجدتين، والتورك في التشهد الأخير:
_________
(1) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، إلا أنه قال: «في صلاة الليل»، وقال
أبو داود فيه (وعافني) مكان (واجبرني) (نيل الأوطار: 263/ 2، سبل
السلام:184/ 1).
(2) مغني المحتاج:171/ 1 ومابعدها.
(3) رواه الجماعة إلا مسلماً وابن ماجه (نيل الأوطار:269/ 2).
(4) نيل الأوطار:184/ 2.
(2/899)
وصيغة التشهد عند الشافعية كما تقدم:
(التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أن محمداً رسول الله).
وقد اتفق الفقهاء على مشروعية التشهد الأول والجلوس له، على أنهما سنتان
عند الجمهور، وواجبان عند الحنفية، بدليل الأمر به وسقوطه بالسهو، قال ابن
مسعود: «إن محمداً صلّى الله عليه وسلم قال: إذا قعدتم في كل ركعتين،
فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه،
فليدع ربه عز وجل» (1).
واستدل الحنابلة على وجوبه بفعل النبي صلّى الله عليه وسلم ومداومته على
فعله، وأمره به في حديث ابن عباس، فقال: «قولوا: التحيات لله» وسجد للسهو
حين نسيه، وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولاتستحب عند الجمهور
الزيادة على هذا التشهد ولا تطويله، وقال الحنابلة أيضاً: إذا أدرك المسبوق
بعض الصلاة مع الإمام، لم يزد المأموم على التشهد الأول، بل يكرره حتى يسلم
الإمام.
ويسن أن يضم إليه عند الشافعية: الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم في
آخره، فيقول: (اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي).
ويلاحظ أن كلاً من التشهد الأول والأخير سنة عند المالكية، والتشهدان
واجبان عند الحنفية، وكذا القعود الأول ولو في نفل في الأصح، والأول سنة أو
_________
(1) رواه أحمد والنسائي (نيل الأوطار:271/ 2) وهذه هي الصيغة المفضلة عند
الحنفية والحنابلة، وقد عرفنا الصيغة المختارة عند الشافعية، وعند
المالكية، وعبارة: ثم ليتخير: فيها الإذن بكل دعاء أراد المصلي أن يدعو به
من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن إثماً. وهو رأي الجمهور، وقال أبو حنيفة:
لايجوز إلا بالدعوات المأثورة في القرآن والسنة.
(2/900)
بعض، والأخير فرض عند الشافعية، والأول
واجب والأخير فرض عند الحنابلة. ويسن باتفاق الفقهاء الإسرار بقراءة
التشهد، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يكن يجهر به، قال ابن مسعود: «من
السنة إخفاء التشهد» (1) ولأنه ذكر غير القراءة كالتسبيح، فاستحب إخفاؤه.
وأما صفة الجلوس للتشهد الأول: فهي الافتراش عند الحنفية والشافعية
والحنابلة، وهو أن يجلس على كعب يسراه بعد أن يضجعها، وينصب يمناه. وتتورك
المرأة عند الحنفية؛ لأنه أستر لها، ودليل الافتراش حديث عائشة: «وكان يفرش
رجله اليسرى، وينصب اليمنى» (2)
وحديث وائل بن حجر: «أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلم يصلي، فسجد، ثم قعد
فافترش رجله اليسرى» (3) وحديث أبي حميد «أن النبي صلّى الله عليه وسلم جلس
ـ للتشهد ـ فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته» (4) وحديث
رفاعة بن رافع «أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال للأعرابي: إذا سجدت،
فمكِّن لسجودك، فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى» (5).
وقال المالكية: يجلس متوركاً في التشهد الأول والأخير، لما بينا، ولما روى
ابن مسعود: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يجلس في وسط الصلاة وآخرها
متوركاً» (6).
_________
(1) رواه أبو داود.
(2) رواه مسلم وأحمد وأبو داود (المصدر السابق:275/ 2).
(3) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وفي لفظ لسعيد بن منصور قال: صليت خلف
رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما قعد، وتشَهَّد، فرش قدمه اليسرى على
الأرض وجلس عليها (نيل الأوطار:273/ 2).
(4) رواه البخاري (نيل الأوطار:275/ 2).
(5) رواه أحمد (المرجع السابق).
(6) المغني:533/ 1
(2/901)
وقال الحنفية: الجلوس للتشهد الأخير
كالتشهد الأول، يكون مفترشاً، لحديث أبي حميد.
وقال الشافعية والحنابلة: يسن التورك للتشهد الأخير، وهو كالافتراش، لكن
يخرج يسراه من جهة يمينه، ويلصق وَرِكَه بالأرض، بدليل حديث أبي حميد: «حتى
إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته، أخَّر رِجْله اليسرى، وقعد على شقه
متوركاً، ثم سلم» (1).
والأصح عندهم: يفترش المسبوق والساهي.
والخلاصة: أنه يسن التورك في التشهد الأخير عند الجمهور، ولا يسن عند
الحنفية، إلا أن الحنابلة قالوا: لا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان،
فلايتورك في تشهد الصبح.
18ً
- وضع اليدين على الفخذين: بحيث تكون
رؤوس أصابعهما على الركبتين، ورفع الإصبع السبابة من اليمنى فقط عند
الشهادة في التشهد:
قال الحنفية (2): يضع يمناه على فخذه اليمنى، ويسراه على اليسرى، ويبسط
أصابعه، كالجلسة بين السجدتين، مفرجة قليلاً، جاعلاً أطرافها عند ركبتيه،
ولا يأخذ الركبة في الأصح، والمعتمد أنه يشير بسبابة يده اليمنى عند
الشهادة، يرفعها عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى، بقوله: (لا إله)،
ويضعها عند إثبات الألوهية لله وحده، بقوله: (إلا الله) ليكون الرفع إشارة
إلى النفي، والوضع إشارة إلى الإثبات، ولا يعقد شيئاً من أصابعه.
_________
(1) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي (نيل الأوطار:184/ 2).
(2) الدر المختار: 474/ 1.
(2/902)
ودليلهم رواية في صحيح مسلم عن ابن الزبير
تدل على ذلك؛ لأنه اقتصر فيها على مجرد الوضع والإشارة (1).
وقال المالكية (2): ترسل اليد اليسرى، ويعقد من اليد اليمنى في حال تشهده
ما عدا السبابة والإبهام: وهو الخنصر والبنصر والوسطى، بجعل رؤوسها
باللُّحْمة التي بجنب الإبهام، مادَّاً إصبعه السبابة كالمشير بها، فتصير
الهيئة هيئة التسعة والعشرين؛ لأن مدَّ السبابة مع الإبهام صورة عشرين،
وقبض الثلاثة تحت الإبهام صورة تسع.
ويندب دائماً تحريك السبابة تحريكاً وسطاً من أول التشهد إلى آخره، يميناً
وشمالاً، لا لجهة: فوق وتحت، واستدلوا بحديث وائل بن حجر: أنه قال في صفة
صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ثم قعد فافترش رجله اليسرى، ووضع كفه
اليسرى على فخذه، وركبته اليسرى، وجعل حد مِرْفقه الأيمن على فخذه اليمنى،
ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلَّق حَلْقةً، ثم رفع أُصبعه، فرأيته يحركها
(3)، يدعو بها» (4).
وقال الشافعية والحنابلة (5) السنة وضع اليدين على الفخذين في الجلوس
_________
(1) نيل الأوطار:283/ 2.
(2) الشرح الصغير:330/ 1.
(3) قال البيهقي: يحتمل أن يكون مراده بالتحريك: الإشارة بها، لا تكرير
تحريكها، حتى لا يعارض حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن
حبان في صحيحه بلفظ: «كان يشير بالسبابة ولا يحركها، ولا يجاوز بصره
إشارته» قال ابن حجر: وأصله في مسلم دون قوله: «ولا يجاوز بصره» (نيل
الأوطار:283/ 2).
(4) رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي (المصدر
السابق) وروى البيهقي حديثاً ضعيفاً عن ابن عمر: «تحريك الأصبع في الصلاة
مذعرة للشيطان».
(5) مغني المحتاج:172/ 1 ومابعدها، حاشية الباجوري:177/ 1، المغني:534/ 1.
(2/903)
للتشهد الأول والأخير، يبسط يده اليسرى
منشورة، مضمومة الأصابع في الأصح عند الشافعية، بحيث تسامت رؤوسها الركبة،
مستقبلاً بجميع أطراف أصابعها القبلة، فلا تفرج الأصابع؛ لأن تفريجها يزيل
الإبهام عن القبلة.
ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض منها الخنصر والبنصر، وكذا الوسطى
في الأظهر عند الشافعية، أما عند الحنابلة: فإنه يحلق الإبهام مع الوسطى.
ويشير بالسبابة (أو المُسبِّحة)، ويرفعها عند قوله: «إلا الله» ولا يحركها،
لفعله صلّى الله عليه وسلم، ويديم نظره إليها، لخبر ابن الزبير السابق.
والأظهر عند الشافعية والحنابلة: ضم الإبهام إلى السبابة، كعاقد ثلاثة
وخمسين، بأن يضعها تحتها على طرف راحته. ولو أرسل الإبهام والسبابة معاً،
أو قبضهما فوق الوسطى، أو حلَّق بينهما برأسهما أو وضع أنملة الوسطى بين
عقدتي الإبهام، أتى بالسنة، لورود جميع ذلك، لكن الأول أفضل كما قال
الشافعية؛ لأن رواته أفقه.
ودليلهم حديث ابن عمر: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على
ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين، وأشار بالسبابة» (1)، ودليلهم على عدم
تحريك الأصبع: حديث عبد الله بن الزبير: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم
يشير بأصبعه إذا دعا، ولايحركها» (2) وحديث سعد بن أبي وقاص قال: «مرَّ علي
النبي صلّى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعي، فقال: أحد، أحد، وأشار
بالسبابة» (3).
_________
(1) رواه مسلم. وكون هذه الكيفية ثلاثة وخمسين طريقة لبعض الحاسبين،
وأكثرهم يسمونها تسعة وخمسين، وآثر الفقهاء الأول تبعاً للفظ الخبر.
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان.
(3) رواه النسائي.
(2/904)
19ً
- قراءة الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة
من الصلوات المفروضة: تسن على الصحيح عند الحنفية ولو ضم إليها سورة
لا بأس به؛ لأن القراءة في هاتين الركعتين مشروعة من غير تقدير. وهي فرض
عند الشافعية، وواجبة للإمام والمنفرد عند المالكية والحنابلة.
دليل الحنفية: هو أن الفاتحة لا تتعين في الصلاة، وتجزئ قراءة آية من
القرآن في أي موضع كان، لقوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن}
[المزمل:20/ 73] {فاقرؤوا ما تيسر منه} [المزمل:20/ 73]، وقوله صلّى الله
عليه وسلم للمسيء صلاته: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن»، ولأن الفاتحة
وسائر القرآن سواء في سائر الأحكام، فكذا في الصلاة. وقد وردت آثار عن بعض
الصحابة (علي وابن مسعود) بسنيتها، فصرف الوجوب الظاهر من الأحاديث
للمواظبة على الفاتحة إلى السنية، وهو أدنى ما تدل عليه الأحاديث.
ودليل الجمهور: حديث عبادة بن الصامت: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
(1)، وبما أن القراءة (أي قراءة شيء من القرآن» فرض أو ركن في الصلاة،
فكانت معينة كالركوع والسجود.
وأما خبر المسيء صلاته فمقيد بما روى الشافعي بإسناده عن رفاعه بن رافع أن
النبي صلّى الله عليه وسلم قال للأعرابي: «ثم اقرأ بأم القرآن، وما شاء
الله أن تقرأ» (2) فهو محمول على الفاتحة، وما تيسر معها من القرآن مما زاد
عليها.
_________
(1) متفق عليه بين أحمد وأصحاب الكتب الستة.
(2) ورواه أيضاً أبو داود (نيل الأوطار:232/ 2).
(2/905)
20 ً- الصلاة على النبي صلّى الله عليه
وسلم وعلى آله في التشهد الأخير: قال الحنفية (1): الصلاة على النبي وعلى
آله ـ الصلوات الإبراهيمية: سنة وكذلك قال المالكية (2): تسن الصلاة على
النبي صلّى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير، كما أن كل تشهد (أول أو أخير
ولو في سجود سهو) هو سنة مستقلة.
وقال الشافعية والحنابلة (3): تجب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم في
التشهد الأخير، أما الصلاة على الآل فيه فهي سنة عند الشافعية، واجبة عند
الحنابلة.
ودليل الوجوب عند الحنابلة: حديث كعب بن عُجرة السابق: «إن النبي صلّى الله
عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا الله كيف نسلم عليك،
فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على
إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل
إبراهيم، إنك حميد مجيد» (4)، وروى الأثرم عن فضالة بن عبيد: «سمع النبي
صلّى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد ربه، ولم يصل على النبي
صلّى الله عليه وسلم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه
النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء
عليه، ثم ليصل على النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم لِيَدْعُ بعد بما شاء»
والأمر يقتضي الوجوب، وصفة الصلاة على النبي وآله: تكون على النحو المذكور
في حديث كعب.
واستدل الشافعية على وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم بالأمر
القرآني: {ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} [الأحزاب:56/ 33]
وبالحديث السابق،
_________
(1) الدر المختار:478/ 1.
(2) الشرح الصغير:319/ 1.
(3) مغني المحتاج:173/ 1 ومابعدها، المغني:541/ 1.
(4) متفق عليه بين أحمد والشيخين.
(2/906)
وبحديث آخرفي معناه رواه الدارقطني وابن
حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وقال: إنه على شرط مسلم، وبحديث أبي
مسعود عند أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه (1). .وأقل الصلاة على النبي
صلّى الله عليه وسلم، وآله: اللهم صل على محمد وآله، والزيادة إلى «مجيد»
سنة.
وأما كون الصلاة على الآل سنة، فلخبر أبي زرعة: «الصلاة على النبي صلّى
الله عليه وسلم أمر، من تركها أعاد» ولم يذكر الصلاة على آله.
ودليل الحنفية والمالكية على السنية مطلقاً (الصلاة على النبي وآله): أن
الأوامر المذكورة في الأحاديث تعلم كيفيته، وهي لا تفيد الوجوب. قال
الشوكاني (2): إنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدل على مطلوب القائلين
بالوجوب، وعلى فرض ثبوته، فترك تعليم المسيء للصلاة، لا سيما مع قوله صلّى
الله عليه وسلم: «فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك» قرينة صالحة لحمله على
الندب. ويؤيد ذلك قوله لابن مسعود بعد تعليمه التشهد: «إذا قلت هذا، أو
قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» (3).
الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم في غير الصلاة: أما الصلاة على النبي
في غير الصلاة فهي مندوبة، لا واجبة، فقد حكى الطبري الإجماع على أن محمل
الآية على الندب. وقال الحنفية (4): هي فرض مرة واحدة في العمر، والمذهب
أنه تستحب على التكرار كلما ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم، ولو اتحد
المجلس في الأصح وعليه الفتوى.
_________
(1) نيل الأوطار:284/ 2 ومابعدها.
(2) نيل الأوطار:288/ 2.
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني.
(4) الدر المختار:480/ 1، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي:108/ 1.
(2/907)
السيادة لمحمد صلّى الله عليه وسلم: قال
الحنفية والشافعية (1): تندب السيادة لمحمد في الصلوات الإبراهيمة؛ لأن
زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب، فهو أفضل من تركه. وأما خبر «لا
تسودوني في الصلاة» فكذب موضوع (2). وعليه: أكمل الصلاة على النبي وآله:
«اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم
وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما
باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد
مجيد» (3).
21 ً - الدعاء بعد الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم: يدعو المصلي بما
هو مأثور عن الرسول صلّى الله عليه وسلم عند الحنفية، أو بما شاء من خيري
الدنيا والآخرة عند الأئمة الآخرين، والمأثور أفضل. ويندب تعميم الدعاء؛
لأنه أقرب إلى الإجابة، ومن الدعاء العام: (اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن
سبقنا بالإيمان مغفرة عزماً) أي جزماً.
ومن الدعاء المأثور: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب
النار) ومنه: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) (4) ومنه
_________
(1) الدر المختار:479/ 1، حاشية الباجوري:162/ 1، شرح الحضرمية: ص47.
(2) أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب للحوت البيروتي: ص253.
(3) خص إبراهيم بالذكر، لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا في القرآن لنبي غيره،
قال تعالى: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} [هود:73/ 11] وآل سيدنا
محمد: هم بنو هاشم وبنو المطلب. وآل سيدنا إبراهيم: إسماعيل وإسحاق
وأولادهما.
(4) رواه البخاري ومسلم، اللفظ للبخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(نيل الأوطار:287/ 2).
(2/908)
أيضاً: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم،
ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) (1)
ومنه: (اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم) ومنه: (اللهم اغفر لي ما قدمت
وماأخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم
وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت) (2).
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يدعو بكلمات، منها: «اللهم إني أسألك من الخير
كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم
أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما
عاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا
عذاب النار، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار،
ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف
الميعاد» (3). وعن معاذ ابن جبل قال: لقيني النبي صلّى الله عليه وسلم
فقال: إني أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك» (4) وعن ابن عباس: أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلّى فجعل
يقول في صلاته أو في سجوده: «اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً،
وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي
نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، واجعل لي نوراً، أو قال: واجعلني نوراً»
(5).
_________
(1) رواه الشيخان واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة: «إذا فرغ أحدكم من
التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن
فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وأوجب بعض العلماء هذا
الدعاء (سبل السلام:194/ 1).
(2) رواه مسلم من حديث علي رضي الله عنه.
(3) رواه الأثرم.
(4) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، قال الحافظ ابن حجر: سنده قوي (نيل
الأوطار:291/ 2).
(5) مختصر من صحيح مسلم (نيل الأوطار:292/ 2)
(2/909)
قال الحنفية: ولا يجوز أن يدعو في صلاته
بما يشبه كلام الناس، مثل (اللهم ارزقني كذا) مثلاً، أو بما لا يستحيل
حصوله من الناس مثل: (اللهم زوجني فلانة) مثلاً، وهومكروه تحريماً، ويُبطل
الصلاة إن وجد قبل القعود للتشهد الأخير وقدر التشهد، ويفوت الواجب لوجوده
بعد القعود قبل السلام بخروجه به من الصلاة دون السلام.
وقد استدلوا بحديث مسلم السابق: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام
الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن».
وأجاز غير الحنفية الدعاء بماشاء الإنسان، بدليل ما ثبت في السنة عن بعض
الصحابة كابن مسعود وأبي هريرة (1) وغيرهما، وبدليل حديث ابن مسعود السابق
في التشهد: «ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به»، وفي رواية: «ثم
يتخير من المسألة ما شاء»، وفي رواية «ليتخير بعد من الكلام ما شاء» (2).
الدعاء بالعربية: يكون الدعاء بالعربية
باتفاق الفقهاء، قال الحنفية: الدعاء بغير العربية حرام، لكن تصح أذكار
الصلاة عند أبي حنيفة خلافاً لصاحبيه بغير العربية، مع الكراهة التحريمية.
وقال الشافعية: ويترجم للدعاء والذكر المندوب العاجز عنه بالعربية لعذره،
لا القادر عليه في الأصح لعدم عذره (3).
_________
(1) قد ورد في الدعاء بعد التشهد ألفاظ أخرى، منها ما روى أبو داود عن ابن
مسعود «أنه صلّى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الدعاء بعد التشهد: اللهم
ألف على الخير بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من
الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش والفتن، ماظهر منها وما بطن، وبارك لنا
في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا، إنك أنت التواب
الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا». وأخرج أبو
داود أيضاً عن أبي هريرة: «أنه صلّى الله عليه وسلم قال لرجل: كيف تقول في
الصلاة؟ قال: أتشهَّد، ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار،
أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال صلّى الله عليه وسلم: حول ذلك
ندندن أنا ومعاذ» وفيه أنه يدعو الإنسان بأي لفظ شاء من مأثور وغيره (سبل
السلام:195/ 1).
(2) الرواية الأولى والثانية عن أحمد، والثالثة عند البخاري (نصب
الراية:428/ 1).
(3) مغني المحتاج:177/ 1، الدر المختار:486/ 1.
(2/910)
22 ً - الالتفات يميناً ثم شمالاً
بالتسليمتين: عرفنا أن السلام واجب عند الحنفية، ركن عند الجمهور، ويسن عند
الجميع الالفتات يميناً وشمالاً حتى يرى بياض خده، قائلاً عند الجمهور:
«السلام عليكم ورحمة الله» ويزيد عند المالكية «وبركاته» والأول هو الواجب
عند المالكية والشافعية، والتسليمتان واجبتان عند الحنفية والحنابلة.
ودليل سنية الالتفات: حديث مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: «كنت أرى النبي
صلّى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده»، وفي رواية
الدارقطني: «كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض
خده».
ودليل إضافة (وبركاته) عند المالكية حديث ابن مسعود ووائل بن حجر السابقين.
وقد عرفنا أنه ينوي بالسلام من عن يمينه ويساره من ملائكة وإنس وجن. وينوي
الإمام السلام على المقتدين، وهم ينوون الرد عليه، إلا أنه عند الحنفية
ينوون الرد عليه في التسليمة الأولى إن كانوا في جهة اليمين، وفي التسليمة
الثانية إن كانوا في جهة اليسار، وعند الشافعية بالعكس.
قال القفال الشاشي الكبير: والمعنى في السلام أن المصلي كان مشغولاً عن
الناس وقد أقبل عليهم» (1).
استقبال القبلة في السلام: يرى الحنفية أنه يسن التيامن في التسليمة
الأولى، ثم يسلم عن يساره في الثانية. ويرى المالكية أن المأموم يندب له
التيامن كلياً بتسليمة التحليل من الصلاة. أما الإمام والمنفرد، فيشير عند
النطق بالتسليمة
_________
(1) مغني المحتاج:177/ 1.
(2/911)
للقبلة، ويختمها بالتيامن عند النطق بالكاف
والميم من (عليكم) حتى يرى من خلفه صفحة وجهه.
وقال الشافعية والحنابلة: يبتدئ السلام مستقبل القبلة، قائلاً «السلام
عليكم» ثم يلتفت ويتم سلامه قائلاً: (ورحمة الله) لقول عائشة: «كان النبي
صلّى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه» معناه ابتداء السلام، ورحمة الله:
يكون في حال التفاته.
23ً
- خفض التسليمة الثانية عن الأولى: يسن
ذلك عند الحنفية والحنابلة؛ لأن الأولى للإعلام، فيجهر بها، وقد حصل العلم
بالجهر بها، فلا يشرع الجهر بغيرها.
وقال المالكية: يسن الجهر بتسليمة التحليل فقط دون تسليمة الرد، بل يندب
السرفيها، أي يسن للإمام والمأموم والمنفرد الجهر بالتسليمة يخرج بها من
الصلاة، ويندب السر في تسليمة المقتدي للرد على إمامه وعلى من يساره من
إمام ومأموم. وقال الحنابلة: يجهر الإمام بالتسليمة الأولى فقط، ويسر غيره
التسليمتين.
24ً
- مقارنة المقتدي لسلام الإمام: يسن ذلك
عند أبي حنيفة موافقة للإمام، كما تسن مقارنته في غير التسليم من تكبير
الإحرام وتكبيرات الانتقال.
وأما الصاحبان والشافعية: فإنه يسن عندهم في التسليم المعاقبة والبعدية عن
الإمام، لئلا يسرع المأموم بأمور الدنيا.
وأضاف الشافعية القول: إنه تنقضي القدوة بسلام الإمام، فللمأموم أن يشتغل
بدعاء ونحوه، ثم يسلم. ولو اقتصر الإمام على تسليمة، فللمأموم أن يسلم
ثنتين، لإحراز فضيلة الثانية، ولزوال المتابعة بالأولى.
(2/912)
25ً
- انتظار المسبوق فراغ الإمام من التسليمتين،
لوجوب المتابعة، حتى يعلم ألا سهو عليه. وهذه سنة عند الحنفية.
26ً
- ذكر الشافعية أنه يسن الخشوع وتدبر القراءة
والأذكار، ودخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب من الشواغل الدنيوية؛ لأنه
أعون على الخضوع والخشوع.
آداب الصلاة عند الحنفية:
عرفنا أن الأدب: ما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلم مرة أو مرتين، ولم
يواظب عليه كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود، والزيادة على القراءة
المسنونة. وقد شرع لإكمال السنة. ومن هذه الآداب عند الحنفية ما يأتي (1):
1ً - إخراج الرجل كفيه من
كميه عند تكبيرة الإحرام، لقربه من التواضع إلا لضرورة، كبرد. أما المرأة
فتستر كفيها حذراً من كشف ذراعيها.
2ً - نظر المصلي إلى موضع
سجوده قائماً، وإلى ظاهر قدميه راكعاً، وإلى أرنبة أنفه ساجداً، وإلى حجره
جالساً، وإلى منكبيه مسلِّماً، تحصيلاً للخشوع في الصلاة، ملاحظاً قوله
صلّى الله عليه وسلم: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك»
(2).
هذا تفصيل لبعض الحنفية، والمنقول في ظاهر الرواية: هو النظر إلى محل
سجوده، كما قال الشافعية.
_________
(1) مراقي الفلاح: ص44، الدر المختار:446/ 1 ومابعدها، تبيين الحقائق:108/
1 ومابعدها.
(2) سأل جبريل النبي صلّى الله عليه وسلم عن الإحسان: فقال: «أن تعبد الله
كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يرا ك» رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه.
(2/913)
3ً - إمساك فمه عند
التثاوب، فإن لم يقدر غطاه بظهر يده اليسرى، أو كمه؛ لأن التغطية بلا ضرورة
مكروهة.
4ً - دفع السعال ما استطاع؛
لأنه بلا عذر مفسد للصلاة.
5ً - قيام الإمام والمؤتم
في حالة الإقامة عند القول: «حي على الفلاح» لأنه أمر به فيجاب. هذا إذا
كان الإمام حاضراً بقرب المحراب. فإن لم يكن حاضراً يقوم كل صف حين ينتهي
إليه الإمام على الأظهر. وإن دخل الإمام من قدام، قاموا حين يقع بصرهم
عليه. وإن أقام الإمام بنفسه في مسجد، فلا يقف المؤتمون حتى يتم إقامته.
ويشرع الإمام في الصلاة مذ قيل: (قد قامت الصلاة) ولو أخر حتى أتمها، لا
بأس به إجماعاً. وهو قول أبي يوسف والأئمة الثلاثة غير الحنفية، وهو أعدل
المذاهب.
التبليغ خلف الإمام:
اتفق الفقهاء على أنه يسن (وعند المالكية: يندب) للإمام الجهر بقدر الحاجة
بالتكبير والتسميع والسلام، لإعلام من خلفه، فإن عجز جاز التبليغ من غيره؛
لأن أبا بكر في مرض النبي صلّى الله عليه وسلم كان يبلِّغ المؤتمين تكبيره.
أما المؤتم والمنفرد فيسمع نفسه، وقال المالكية: يندب لكل مصلٍ الجهر
بتكبيرة الإحرام، كما بينا.
فإن كان من خلف الإمام يسمعه، كره التبليغ من غيره لعدم الحاجة إليه.
ويجب أن يقصد المبلِّغ سواء أكان إماماً أم غيره الإحرام للصلاة بتكبيرة
الإحرام، فلو قصد الإعلام فقط، لم تنعقد صلاته، وكذا لاتنعقد عند الشافعية
إذا أطلق، فلم يقصد شيئاً، فإن قصد مع الإحرام الإعلام، صحت الصلاة عند
الشافعية والحنفية.
(2/914)
أما غير تكبيرة الإحرام من تكبيرة الانتقال
والتسميع والتحميد: فإن قصد بها التبليغ فقط، فلا تبطل صلاته عند الجمهور،
وإنما يفوته الثواب.
لكن قال الحنفية (1): إن قصد بذلك مجرد إعجاب الناس بتبليغه، فسدت صلاته
على الراجح، كما أن من رفع صوته زيادة على الحاجة، فقد أساء، والإساءة دون
الكراهة.
وقال الشافعية: إذا قصد بذلك مجرد التبليغ، أو لم يقصد شيئاً، بطلت صلاته
إن كان غير عامي، أما العامي فلا تبطل صلاته، ولو قصد الإعلام فقط.
ودليل مشروعية التبليغ: الحديث المتفق عليه عن جابر، قال: «صلى بنا رسول
الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله صلّى الله
عليه وسلم كبر أبو بكر ليسمعنا».
سنن الصلاة إجمالاً في كل مذهب: يحسن تعداد سنن الصلاة في المذاهب كلاً على
حدة، لما فيها من اختلافات بسبب عد بعض الفرائض في مذهب، سنة في مذهب آخر.
مذهب الحنفية:
للصلاة آداب ذكرناها مستقلة، وسنن إحدى وخمسون (2) وهي ما يأتي (3):
1ً - رفع اليدين للتحريمة
حذاء الأذنين للرجل، وحذاء المنكبين للمرأة الحرة.
2ً - ترك الأصابع على حالها
بحيث لا يضمها ولا يفرقها.
_________
(1) رد المحتار:443/ 1 ومابعدها،551، مغني المحتاج:165/ 1، المغني:462/ 1،
الشرح الصغير:448/ 1.
(2) يلاحظ أنه قد ينقص الترقيم عن هذا العدد؛ لأنه قد تضم سنتان فأكثر تحت
رقم واحد.
(3) مراقي الفلاح: ص41 - 44.
(2/915)
3ً - مقارنة إحرام
المقتدي لإحرام إمامه.
4ً - وضع الرجل يده اليمنى
على اليسرى تحت سرته، ووضع المرأة يديها على صدرها.
5ً، 6ً، 7ً - الثناء،
والتعوذ للقراءة، والتسمية سراً أول كل ركعة قبل الفاتحة.
8ً، 9ً، 10ً - التأمين،
والتحميد، والإسرار بهما وبالثناء والتعوذ والتسمية.
11ً - الاعتدال عند ابتداء
التحريمة وانتهائها من غير طأطأة الرأس.
12ً - جهر الإمام بالتكبير
والتسميع والسلام.
13ً - تفريج القدمين في
القيام قدر أربع أصابع.
14ً - أن تكون السورة بعد
الفاتحة من طوال المفصل في الفجر والظهر، ومن أوساطه في العصر والعشاء، ومن
قصاره في المغرب إن كان مقيماً، ويقرأ أي سورة شاءإن كان مسافراً.
15ً - إطالة القراءة في
الركعة الأولى في كل الصلوات، على المفتى به عند الحنفية، وهو قول محمد.
16ً، 17ً - تكبير الركوع
والسجود عند كل خفض ورفع، إلا في الرفع من الركوع فيسن التسميع، والتسبيح
فيهما ثلاثاً: سبحان ربي العظيم في الركوع، سبحان ربي الأعلى في السجود.
18ً - أخذ ركبتيه بيده حال
الركوع.
(2/916)
19ً - تفريج الرجل
أصابع يديه في الركوع، والمرأة لا تفرجها.
20ً،21ً - بسط ظهره في
الركوع، وتسوية رأسه بعجزه.
22ً،23ً - الاعتدال مطمئناً
أو الرفع من الركوع والسجود.
24ً - وضع الركبتين ثم
اليدين ثم الوجه عند النزول للسجود، وعكسه عند الرفع منه.
25ً - كون السجود بين كفيه،
ووضع يديه حذو منكبيه.
26ً - مجافاة أو مباعدة
الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض في حال السجود.
27ً - إلصاق المرأة بطنها
بفخذيها في السجود.
28ً - الجلوس بين السجدتين،
والأصح أنه واجب عند الحنفية.
29ً - وضع اليدين على
الفخذين في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد.
30ً - افتراش الرجل رجله
اليسرى، ونصب اليمنى، مع توجيه أصابع القدم للقبلة في جلوس السجدتين
والتشهد.
31ً - تورك المرأة: أن تجلس
على أليتيها، وتضع إحدى فخذيها على الأخرى، وتخرج رجلها اليسرى من تحت
وركها اليمنى، لأنه أستر لها.
32ً - الإشارة بالسبابة عند
الشهادة فقط، برفعها عند (لا إله) ووضعها عند: (إلا الله).
33ً - قراءة الفاتحة فيما
بعد الركعتين الأولين.
(2/917)
34ً - الصلاة على
النبي صلّى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير، والمختار في صفتها (1):
«اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم،
إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم، إنك حميد مجيد» وهي الموافقة لما في الصحيحين وغيرهما.
35ً - الدعاء بعد الصلاة
على النبي صلّى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن والسنة.
36ً - الالتفات يميناً ثم
شمالاً بالتسليمتين.
37ً - أن ينوي الإمام
بالتسليمتين من خلفه من المصلين والملائكة الحفظة (2) وصالحي الجن.
38ً - أن ينوي المأموم الرد
على إمامه في السلام في الجهة التي هو فيها، فإن كان في جهة اليمين نوى
فيها، وإن كان في جهة اليسار نوى فيها، وإن حاذاه نواه في التسليمتين، مع
القوم والملائكة وصالح الجن.
39ً - أن ينوي المنفرد
بسلامه الملائكة فقط؛ إذ ليس معه غيرهم.
40ً - أن يخفض صوته في
سلامه الثاني عن الأول.
41ً - مقارنته لسلام
الإمام.
42ً - أن يبدأ باليمين في
سلامه.
_________
(1) رد المحتار:478/ 1.
(2) الحفظة: أي الكرام الكاتبون. والحفظة تتغير، لحديث الصحيحين: «يتعاقبون
فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر
.. » وكاتب السيئات يفارق الإنسان عند جماع وخلاء وصلاة (الدر المختار ورد
المحتار:493/ 1).
(2/918)
43ً - أن ينتظر
المسبوق فراغ إمامه من سلامه الثاني، حتى يعلم أنه ليس عليه سجود سهو.
مذهب المالكية:
للصلاة سنن ومندوبات، وسننها أربع عشرة وهي ما يأتي (1):
1ً - قراءة آية بعد الفاتحة
في الركعتين الأولى والثانية من الفرض الوقتي المتسع وقته. ويقوم مقام
الآية بعض آية طويلة له بال نحو: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}
[البقرة:255/ 2]، وإتمام السورة مندوب.
2ً - القيام لقراءة ما زاد
على الفاتحة في الفرض، فلو استند لشيء حال قراءتها بحيث لو أزيل لسقط، لم
تبطل صلاته، أما إن جلس فقرأها جالساً، فتبطل لإخلاله بهيئة الصلاة؛ لأن
القيام في الفريضة فرض. أما القيام في النفل فهو سنة.
3ً - الجهر في الصبح
والجمعة وأولتي المغرب والعشاء.
4ً - الإسرار في الظهر
والعصر وأخيرة المغرب وأخيرتي العشاء. ويتأكد الجهر والإسرار بالفاتحة دون
السورة بعدها.
وهذه السنن الأربع مخصوصة بالفرض، فلا تسن في النفل. وأقل جهرالرجل،
والمرأة حيث لا أجانب: إسماع من يليه فقط، لو فرض أن بجانبه أحداً متوسط
السمع. وأقل السر للرجل والمرأة: حركة اللسان.
5ً - كل تكبيرة غير تكبيرة
الإحرام.
_________
(1) الشرح الصغير:317/ 1 - 322.
(2/919)
6ً - كل لفظ «سمع
الله لمن حمده» لإمام ومنفرد حال رفعه من الركوع، لا مأموم، فلا تسن في
حقه، بل يكره له قولها.
7ً - كل تشهد، سواء أكان
الأول أم غيره، ولو في سجود سهو.
8ً - كل جلوس تشهد.
9ً - الصلاة على النبي صلّى
الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير، بأي لفظ كان، وأفضلها: (اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد
وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك
حميد مجيد).
10ً - السجود على صَدْر
القدمين، وعلى الركبتين والكفَّيْن. والمشهور عند المالكية أن السجود
الواجب إنما يكون على الجبهة.
11ً - رد المقتدي السلام
على إمامه، وعلى من يساره إن وجد، إن شاركه في ركعة فأكثر، لا أقل. ويجزئ
في سلام الرد: «سلام عليكم» أو «وعليكم السلام».
12ً - جهر بتسليمة التحليل
(1) فقط، دون تسليمة الرد.
13ً - إنصات المقتدي للإمام
في حالة الجهر، حتى ولو سكت الإمام أو لم يسمعه المأموم.
14ً - الزائد على الطمأنينة
الواجبة بقدر ما يجب.
وبه يتبين أن المالكية يتفقون مع الحنفية في تحديد السنن فيما عدا القيام
للقراءة
_________
(1) هي التسليمة التي يحل بها كل ما كان ممنوعاً في الصلاة.
(2/920)
والتشهد والجلوس له، والسجود على الأعضاء
الستة، وإنصات المقتدي لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية.
ومندوبات الصلاة عند المالكية ثمانية وأربعون (1)، أهمها ما يأتي:
1ً - نية الأداء في
الحاضرة، والقضاء في الفائتة.
2ً - نية عدد الركعات.
3ً - الخشوع، وهو استحضار
عظمة الله تعالى وهيبته وأنه لا يعبد ولا يقصد سواه. واستحضار امتثال أمره
بتلك الصلاة وهذا هو المندوب، وأما أصل الخشوع فواجب.
4ً - رفع اليدين حذو
المنكبين عند تكبيرة الإحرام فقط، لا عند غيرها من ركوع ورفع منه.
5ً - إرسال اليدين بوقار،
وجاز قبضهما على الصدر في النفل، وكره القبض في الفرض، لما فيه من
الاعتماد، أي كأنه مستند إلى شيء.
6ً - إكمال سورة بعد
الفاتحة، فلا يقتصر على بعضها، ولا على آية ولو طويلة.
7ً - قراءة سورة في الركعة
الثانية غير التي قرأها في الركعة الأولى، في صلاة الفرض، لا في النفل.
ويكره تكريرالسورة في الركعتين في الفرض، كما يكره فيه قراءة سورتين في
ركعة. ويجوز بالنفل قراءة أكثر من سورة بعد الفاتحة. والمعتمد أنه يكره
أيضاً تكرير السورة في الركعة في النفل.
_________
(1) الشرح الصغير:323/ 1 - 337.
(2/921)
8ً - تطويل قراءة
الصبح والظهر على أن تكون قراءة الظهر دون الصبح. وأول المفصل على المعتمد:
الحجرات. والتطويل لمنفرد، وإمام جماعة محصورين طلبوا التطويل، وإلا
فالتقصير في حق الإمام أفضل؛ لأن الناس قد يكون فيهم الضعيف وذو الحاجة.
9ً - تقصير القراءة في
العصر والمغرب، فيقرأ فيهما من قصار المفصَّل بدءاً من سورة: والضحى.
10ً - توسط القراءة في
العشاء، وأوسط المفصل: عبس، وآخره سورة: والليل.
11ً - تقصير الركعة الثانية
عن الركعة الأولى في الزمن. وتجوز المساواة مع خلاف الأولى. ويكره تطويل
الثانية عن الأولى.
12ً - إسماع المصلي نفسه في
السر؛ لأنه أكمل، وللخروج من خلاف من أوجبه.
13ً - قراءة المأموم خلف
الإمام في الصلاة السرية، وأخيرة المغرب، وأخيرتي العشاء.
14ً - تأمين المنفرد
والمأموم مطلقاً أي في السرية والجهرية بعد: «ولا الضالين» إن سمع المأموم
إمامه، وتأمين الإمام في الصلاة السرية فقط.
15ً - الإسرار بالتأمين لكل
مصل.
16ً - تسوية ظهر المصلي في
الركوع.
17ً - وضع اليدين على
الركبتين في الركوع، وتمكين اليدين من الركبتين فيه أيضاً.
(2/922)
18ً - نصب الركبتين
في الركوع، فلا يحنيهما قليلاً.
19ً - التسبيح في الركوع
بأن يقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده) وفي السجود بأن يقول: (سبحان ربي
الأعلى وبحمده) ولا يدعو ولا يقرأ في الركوع، ويدعو مع التسبيح في السجود.
20ً - مباعدة (مجافاة)
الرجل مِرْفقيه عن جنبيه، بأن يُجنِّح بهما تجنيحاً.
21ً - التحميد للمنفرد
والمقتدي بأن يقول بعد (سمع الله لمن حمده): (اللهم ربنا ولك الحمد) وجاز
حذف الواو، وإثباتها أولى. فالإمام لا يقول حال القيام: (ربنا ولك الحمد)
كما لا يقول المأموم: (سمع الله لمن حمده) وإنما يقول بعد الاعتدال قائماً:
(ربنا) الخ، ويجمع المنفرد بينهما.
22ً - التكبير حال الخفض
للركوع أو السجود، وحال الرفع من السجود في السجدة الأولى، وحال القيام من
التشهد الأول.
23ً - تمكين الجبهة والأنف
من الأرض في السجود. ويعتبر كالأرض ما اتصل بها من سطح كسرير أو سقف
ونحوهما.
24ً - تقديم اليدين على
الركبتين حال الانحطاط للسجود، وبالعكس عند القيام للقراءة.
25ً - وضع اليدين حذْو (أي
قبالة) الأذنين أو قربَهما في سجوده، بحيث تكون أطراف أصابعهما حذو
الأذنين.
26ً - ضم أصابع اليدين
ورؤوسها لجهة القبلة.
27ً - مجافاة (مباعدة)
الرجل في السجود بطنه عن فخذيه، فلا يجعل بطنه
(2/923)
عليهما ومجافاة مِرْفقيه عن رُكْبتيه،
وضبْعيه (ما فوق المرفق إلى الإبط) عن جنبيه مباعدة وسطاً في الجميع.
وأما المرأة: فتكون منضمة في جميع أحوالها، ستراً لها.
28ً - رفع العجز عن الرأس
في السجود، فإن تساويا أو كان الرأس أعلى، لم تبطل الصلاة عند المالكية،
وتبطل في الأصح عند الشافعية، والحنفية.
29ً - الدعاء في السجود بما
يتعلق بأمور الدين أو الدنيا أو الآخرة لنفسه أو لغيره خصوصاً أو عموماً،
بلا حدّ، بل بحسب ما يسر الله تعالى، كالتسبيح فيه، يندب بلا حد، ويقدم على
الدعاء.
30ً - الإفضاء (الافتراش)
في الجلوس بين السجدتين أو في التشهد الأول أو الأخير: وهو جَعْل الرجل
اليسرى مع الإلية على الأرض، وقدم اليسرى جهة الرِجْل اليمنى، ونَصْبُ قدم
اليمنى على قدم اليسرى خلفها، وجعل باطن إبهام اليمنى على الأرض.
31ً - وضع الكفين في الجلوس
على رأس الفخذين بحيث تكون رؤوس أصابعهما على الركبتين.
32ً - تفريج الرجل الفخذين
في الجلوس، فلا يلصقهما، بخلاف المرأة.
33ً - عقد ما عدا السبابة
والإبهام وهو الخنصر والبنصر والوسطى من اليمنى في جلوس التشهد مطلقاً
(الأخير أو غيره) تحت الإبهام، مع مدّ السبابة والإبهام، وتحريك السبابة
دائماً يميناً وشمالاً، من أول التشهد إلى آخره، تحريكاً وسطاً.
34ً - القنوت (1) في صلاة
الصبح بأي لفظ نحو: (اللهم اغفر لنا وارحمنا)
_________
(1) أي الدعاء والتضرع.
(2/924)
ومحله قبل الركوع في الركعة الثانية، وندب
إسراره ككل دعاء في الصلاة. وندب لفظه الوارد عن النبي صلّى الله عليه
وسلم، وهو الذي اختاره الإمام مالك رضي الله عنه، وهو: «اللهم إنا نستعينك
ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونَخْنَع لك، ونخلع (1) ونترك من
يَكْفُرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد (2)، نرجو
رحمتك، ونخاف عذابك، إن عذابك الجدَّ (3) بالكافرين ملحق» (4).
35ً - الدعاء قبل السلام
وبعد الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم: بما أحب.
36ً - إسرار الدعاء
كالتشهد؛ لأن كل دعاء يندب إسراره.
37ً - تعميم الدعاء؛ لأن
التعميم أقرب للإجابة. ومن الدعاء العام: (اللهم اغفر لنا (5) ولوالدينا
ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزماً) أي جزماً. (اللهم اغفر لنا ما
قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، ربناآتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) أي أعطنا هداية وعافية
وصلاح حال في الدنيا، ولحوقاً بالأخيار وإدخالاً تحت شفاعة النبي المختار،
في الآخرة، واجعل بيننا وبين النار وقاية، حتى لا ندخلها.
وأحسن الدعاء: ما ورد في الكتاب أو السنة، ثم ما فتح به على العبد.
_________
(1) نخنع: أي نخضع ونذل لك. ونخلع: نترك كل شاغل يشغل عنك لقوله تعالى:
{ففروا إلى الله} [الذاريات:50/ 51].
(2) نحفد: نجدّ لحضرتك.
(3) الجدُّ: أي الحق.
(4) هذه رواية الإمام مالك. وملحق: اسم فاعل أو اسم مفعول أي لاحق بهم أو
ملحق.
(5) أي معاشر الحاضرين في الصلاة.
(2/925)
38ً - تيامن
المأموم بتسليمة التحليل كلها فقط. وأما الإمام والمنفرد فيشير عند النطق
بها للقبلة، ويختمها بالتيامن عند النطق بالكاف والميم من (عليكم) حتى يرى
من خلفه صفحة وجهة.
39ً - سترة لإمام ومنفرد
على الراجح. وأما المأموم: فالإمام سترته. والسترة: ما يجعله المصلي أمامه
لمنع المارين بين يديه. وسنفصل الكلام فيها.
مذهب الشافعية:
السنن عندهم كما ذكرنا نوعان: أبعاض ثمانية سردناها، بل هي عشرون نذكرها في
بحث سجود السهو. وهيئات منها أربعون (1) أهمها ما يأتي، علماً بأنهم
كالحنابلة لا يفرقون بين السنة والمندوب والمستحب.
1 - رفع يديه حذو (مقابل) منكبيه في تحرُّم وركوع ورفع منه، كما روى
الشيخان، ومعناه: أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه،
وراحتاه منكبيه. والأصح رفع يديه مع ابتداء التكبير والتسميع.
2 - إمالة أطراف الأصابع نحو القبلة، وتفريجها.
3 - وضع يمين على شمال، وجعلهما تحت صدره وفوق سرته، اتباعاً للسنة كما روى
ابن خزيمة.
4، 5 - دعاء افتتاح وتعوذ بفرض أو نفل، والافتتاح نحو «وجهت وجهي للذي فطر
السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي
_________
(1) تحفة الطلاب للأنصاري: ص44 - 49، حاشية الشرقاوي على التحفة:199/ 1 -
215، مغني المحتاج:152/ 1 - 184.
(2/926)
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين،
لاشريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين» (1).
6، 7 - جهر وإسرار بقراءة الفاتحة والسورة في محلهما المعروف، اتباعاً كما
روى الشيخان، وفي الصبح والجمعة والعيدين وخسوف القمر والاستسقاء وأوَّلَتي
العشاءين، والتراويح، ووتر رمضان، وركعتي الطواف ليلاً، أو وقت الصبح.
والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة فيتوسط فيها بين الجهر
والإسرار، إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه.
والعبرة في قضاء الفريضة بوقت القضاء على المعتمد. والتوسط في نافلة الليل،
أي بين الجهر والإسرار، لقوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}
[الإسراء:110/ 17]، وجهر المرأة دون جهر الرجل إذا لم تكن بحضرة أجانب.
8 - تأمين عقب قراءة الفاتحة، وجهر به في جهرية. أما السرية فيسر كل مصل
به.
ويلاحظ أن هناك أحوالاً خمسة يجهر فيها المأموم خلف الإمام: وهو التأمين مع
إمامه، ودعاؤه في قنوت الصبح، وفي قنوت الوتر في النصف الأخير من رمضان،
وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس، وإذا فتح على إمامه.
9 - قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين (2) للإمام وغيره، إلا
المأموم في الجهرية إذا جهر إمامه، فتكره السورة له، وإلا فاقد الطهورين ذا
الحدث الأكبر، ومصلي الجنازة، وإلا المسبوق، فله القراءة في الركعتين
الثالثة والرابعة من صلاة نفسه؛ لأن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته.
_________
(1) رواه مسلم إلا لفظ (مسلماً) فابن حبان.
(2) رواه الشيخان في الظهر والعصر، وقيس بهما غيرهما.
(2/927)
وأقل القراءة: آية طويلة أو ثلاث آيات
كالكوثر.
ويسن تطويل قراءة الركعة الأولى عن الثانية، كما يسن كون السورتين
متواليتين، وعلى ترتيب المصحف، وعكسه خلاف الأفضل.
ويحصل أصل السنة بقراءة شيء من القرآن، لكن السورة أحب، وإن كانت أقصر، إلا
في التراويح فقراءة بعض السورة الطويلة أفضل؛ لأن السنة فيها القيام بجميع
القرآن.
والمتنفل بركعتين تسن له السورة أيضاً، فإن تنفل بأكثر من ركعتين، فالأصح
الذي أفتى به الأكثرون عدم استحباب السورة في الركعتين الثالثة والرابعة
كالفريضة، وهذا خلافاً للحنفية.
ويستحب في ركعتي سنة الصبح التخفيف، فيقرأ في الأولى: {قولوا: آمنا بالله
وما أنزل إلينا…} (الآية:136 من البقرة)، وفي الثانية: {قل: يا أهل الكتاب
تعالوا إلى كلمة سواء…} (الآية: 64 من آل عمران) كما ثبت في صحيح مسلم عن
النبي صلّى الله عليه وسلم.
وفي رواية لمسلم: «يقرأ فيهما: قل: ياأيه االكافرون، وقل: هو الله أحد»
(1).
ويسن لصبح الجمعة في الأولى: {الم} [السجدة:1/ 32]، وفي الثانية: {هل أتى}
[الإنسان:1/ 76]، اتباعاً للسنة (2). فإن ترك {الم} في الأولى، سن أن يأتي
بها في الثانية. وأن اقتصر على بعضهما، أو قرأ غيرهما، خالف السنة. وإن ضاق
الوقت عنهما، أتى بالممكن، ولوآية السجدة، وبعض {هل أتى}. وقال بعض
الشافعية: لا تستحب المداومة عليهما ليعرف أن ذلك غير واجب.
_________
(1) المجموع:349/ 1 - 352.
(2) رواه الشيخان.
(2/928)
10 - التكبير في كل خفض ورفع من غير ركوع
(1)، إلا تكبيرة الإحرام فإنها فرض.
11 - وضع راحتيه على ركبتيه في الركوع، وتفرقة أصابعه للقبلة حالة الوضع
(2)
12 - التسبيح في الركوع ثلاثاً: (سبحان ربي العظيم) (3) مع زيادة «وبحمده»
وهو أدنى الكمال.
13 - التسميع أي قول: (سمع الله لمن حمده) (4) لكل مصل إماماً أو غيره عند
رفعه من الركوع، ويسن الجهر به للإمام والمبلِّغ إن احتيج إليه؛ لأنه من
أذكار الانتقال، ولا يجهر بقوله: (ربنا لك الحمد) كالتسبيح وغيره من
الأذكار. لكن قد عمت البلوى بالجهر به، وترك الجهر بالتسميع؛ لأن أكثر
الأئمة والمؤذنين صاروا جهلة بسنة سيد المرسلين.
وإذا انتصب المصلي معتدلاً قائماً أرسل يديه، وقال: «ربنا لك الحمد، ملء
السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد» (5)، ويزيد المنفرد وإمام
جماعة التطويل: «أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا
مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد» (6).
_________
(1) ثبت ذلك في الصحيحين من فعله صلّى الله عليه وسلم.
(2) الأول رواه الشيخان، والثاني رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.
(3) رواه أبو داود.
(4) أي تقبل منه حمده، وجازاه عليه، وقيل: غفر له، رواه الشيخان مع خبر
«صلوا كما رأيتموني أصلي».
(5) أخرجه البخاري ومسلم من رواية رفاعة بن رافع.
(6) رواه مسلم.
(2/929)
14 - أن يضع في سجوده ركبتيه، ثم يديه، ثم
جبهته وأنفه (1).
15 - التسبيح في السجود ثلاثاً: «سبحان ربي الأعلى» (2) مع إضافة «وبحمده»
وهو أدنى الكمال.
16 - وضع يديه حِذْو منكبيه في السجود، وضم أصابعه منشورة نحو القبلة (3).
17 - مجافاة الرجل عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه في ركوعه وسجوده. أما
المرأة والخنثى فلا يجافيان، بل يضمان بعضهما إلى بعض؛ لأنه أستر لها،
وأحوط للخنثى. ويسن أيضاً تفرقة ركبتيه وكذا قدميه بشبر (4).
18 - توجيه المصلي رجلاً كان أو غيره أصابع رجليه نحو القبلة (5).
19 - الدعاء في الجلوس بين السجدتين: بأن يقول: (ربي اغفر لي وارحمني،
واجبرني، وارفعني، وارزقني واهدني وعافني) (6)
20 - الافتراش في جلوسه بين سجدتيه، وفي جلوس تشهد أول: بأن يجلس على
يسراه، وينْصِبَ يمناه (7).والحكمة: أن المصلي مستوفز للحركة غالباً،
والحركة عن الافتراش أهون.
_________
(1) رواه الترمذي وحسنه.
(2) رواه بلا تثليث مسلم، ورواه أبو داود بالتثليث.
(3) الأول رواه أبو داود وصححه النووي. والضم والنشر رواه البخاري.
(4) ثبت في الأحاديث الصحيحة.
(5) رواه البخاري.
(6) روى بعضه أبو داود، وباقيه ابن ماجه.
(7) رواه الترمذي وصححه في الجلوس بين السجدتين، ورواه البخاري في جلوس
التشهد.
(2/930)
14 - أن يضع في سجوده ركبتيه، ثم يديه، ثم
جبهته وأنفه (1).
15 - التسبيح في السجود ثلاثاً: «سبحان ربي الأعلى» (2) مع إضافة «وبحمده»
وهو أدنى الكمال.
16 - وضع يديه حِذْو منكبيه في السجود، وضم أصابعه منشورة نحو القبلة (3).
17 - مجافاة الرجل عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه في ركوعه وسجوده. أما
المرأة والخنثى فلا يجافيان، بل يضمان بعضهما إلى بعض؛ لأنه أستر لها،
وأحوط للخنثى. ويسن أيضاً تفرقة ركبتيه وكذا قدميه بشبر (4).
18 - توجيه المصلي رجلاً كان أو غيره أصابع رجليه نحو القبلة (5).
19 - الدعاء في الجلوس بين السجدتين: بأن يقول: (ربي اغفر لي وارحمني،
واجبرني، وارفعني، وارزقني واهدني وعافني) (6)
20 - الافتراش في جلوسه بين سجدتيه، وفي جلوس تشهد أول: بأن يجلس على
يسراه، وينْصِبَ يمناه (7).والحكمة: أن المصلي مستوفز للحركة غالباً،
والحركة عن الافتراش أهون.
21 - جلوس استراحة: بعد سجدة ثانية يقوم عنها مفترشاً (8)، وذلك بقدر
الطمأنينة، ولا يضر زيادتها على قدر الجلوس بين السجدتين على المعتمد.
ويأتي بها المأموم وإن تركها الإمام.
22 - الاعتماد على الأرض بيديه عند قيامه من جلوسه (9)، أو سجوده؛ لأنه
أبلغ في الخشوع والتواضع، وأعون للمصلي.
23 - رفع يديه عند قيامه من تشهد أول (10).
24 - تورك في التشهد الأخير: بأن يلصق وركه الأيسر بالأرض، وينصب رجله
اليمنى (11)، إلا أن يريد سجود سهو، أو يطلق بأن لم يرده ولا عدمه، فيفترش،
لاحتياجه إلى السجود بعد.
25 - وضع يديه على فخذيه، وقبض أصابع يده اليمنى، إلا المسبّحة، فيشير بها
منحنية عند ((إلا الله)) بلا تحريك، وينشر أصابع اليسرى مضمومة (12).
26 - ألا يجاوز بصرُه إشارته بالمسبحة (13).
27 - التعوّذ من العذاب بعد التشهد الأخير (14)، ويسن الدعاء بغير ذلك
كاللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت
_________
(1) رواه الترمذي وحسنه.
(2) رواه بلا تثليث مسلم، ورواه أبو داود بالتثليث.
(3) الأول رواه أبو داود وصححه النووي. والضم والنشر رواه البخاري.
(4) ثبت في الأحاديث الصحيحة.
(5) رواه البخاري.
(6) روى بعضه أبو داود، وباقيه ابن ماجه.
(7) رواه الترمذي وصححه في الجلوس بين السجدتين، ورواه البخاري في جلوس
التشهد.
(8) رواه البخاري في الاستراحة. وأما الافتراش فرواه الترمذي وقال: حسن
صحيح.
(9) رواه البخاري.
(10) رواه الشيخان.
(11) رواه البخاري.
(12) رواه مسلم إلا ((عدم التحريك)) فأبو داود.
(13) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(14) لخبر مسلم السابق: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، فيقول:
اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات،
ومن فتنة المسيح الدجال)).
(2/931)
أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا
إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً كبيراً،
ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور
الرحيم.
29،28 - التسليمة الثانية (1)، ونية الخروج من الصلاة من أول التسليمة
الأولى، فلو نوى الخروج قبل ذلك، بطلت صلاته، وإن نواه في أثنائها أو بعدها
لم تحصل السنة.
30 - تحويل وجهه يميناً وشمالاً في تسليمتيه، حتى يرى في الأولى خده
الأيمن، وفي الثانية خده الأيسر (2). وينوي السلام على من عن يمينيه وشماله
ومحاذيه من ملائكة ومؤمني إنس وجن. ويسن أن يدرج السلام ولا يمده، وأن يسلم
المأموم بعد سلام الإمام، ولو قارنه جاز كبقية الأركان إلا تكبيرة الإحرام.
31 - الاستياك ولو بِخرقة لا أصبعه عند قيامه إلى الصلاة (3) ولو لفاقد
الطهورين إلا بعد الزوال للصائم، فيكره له. وقد سبق تفصيل الكلام في
السواك، وهو من السنن الخارجة عن الصلاة.
32 - الخشوع في الصلاة كلها: وهو حضور القلب وسكون الجوارح: بأن يستحصر أنه
بين يدي الله تعالى، وأن الله مطلع عليه، لقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون
الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:1/ 23 - 2]، وقوله صلّى الله عليه
وسلم: «ما من عبد مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل
عليهما بوجهه وقلبه إلا وجبت له الجنة» (4) وعن أبي هريرة رضي الله تعالى
عنه: «أن
_________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه ابن حبان في صحيحه.
(3) لخبر الصحيحين السابق: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
صلاة» أي أمر إيجاب.
(4) رواه مسلم.
(2/932)
النبي صلّى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث
بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (1).
33 - تدبر القراءة: أي تأملها؛ لأن بذلك يحصل مقصود الخشوع والأدب، قال
تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها} [سورة سيدنا محمد:24/
47] ويسن ترتيل القراءة: وهو التأني فيها، ويكره تركه والإسراع في القراءة.
ويسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله الرحمة، أو
بآية عذاب أن يستعيذ منه (2)، أو بآية تسبيح أن يسبح، أو بآية مَثَل أن
يتفكر. وإذا قرأ: {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين:8/ 95]، قال: بلى،
وأنا على ذلك من الشاهدين؛ وإذا قرأ: {فبأي حديث بعده يؤمنون}
[المرسلات:50/ 77] قال: آمنت بالله؛ وإذا قرأ: {فمن يأتيكم بماء معين؟}
[الملك:30/ 67]، قال: الله رب العالمين.
34 - تدبر الذِّكر: قياساً على القراءة.
35 - دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب من الشواغل الدنيوية: للذم على ترك
الأول، قال تعالى في صفة المنافقين: {وإذا قاموا إلى الصلاة، قاموا كسالى}
[النساء:142/ 4]، والكسل: الفتور عن الشيء والتواني فيه، وضده النشاط، ولأن
فراغ القلب أعون على الخضوع والخشوع.
_________
(1) رواه الترمذي: وهو ضعيف.
(2) روى أحمد عن عائشة قالت: «كنت أقوم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم
ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها
تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا
الله عز وجل ورغب إليه» (نيل الأوطار:323/ 2).
(2/933)
ويكره أن يفكر في صلاته في أمر دنيوي أو
مسألة فقهية. أما التفكر في أمور الآخرة، فلا بأس به، وأما فيما يقرؤه
فمستحب.
36 - تنبيه الإمام على الخطأ في صلاته ونحو ذلك (1):
يسن للرجل الذي نابه شيء في صلاته، كتنبيه إمامه لنحو سهو، وإذنه لداخل
استأذن في الدخول عليه، وإنذاره أعمى مخافة أن يقع في محذور أو نحو ذلك
كغافل وغير مميز، ومن قصد ظالم أو نحوسبع: أن يسبح فيقول: «سبحان الله»
بشرط ألا يقصد التنبيه وحده، وإلا بطلت الصلاة.
وأما المرأة: فتصفق بضرب بطن اليمين على اليسار، أو عكسه.
والدليل هو خبر الصحيحين: «من نابه شيء في صلاته، فليسبح، وإنما التصفيق
للنساء» (2) ومثلهن الخناثى ..
وهذه سنة متفق عليها، إلا أن المالكية قالوا: الشأن لمن نابه شيء وهو يصلي
التسبيح (سبحان الله) ويكره التصفيق للمرأة.
الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل في الصلاة:
ذكر الشافعية أربعة أمور تخالف فيها المرأة الرجل في الصلاة يمكن ملاحظتها
مما سبق، وهي ما يأتي (3):
1ً - الرجل يجافي مرفقيه عن
جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه في الركوع والسجرد. والمرأة تضم بعضها إلى بعض،
فتلصق بطنها بفخذيها وتضم ركبتيها وقدميها في ركوعها وسجودها؛ لأنه أستر
لها.
_________
(1) مغني المحتاج:197/ 1 ومابعدها، المغني:17/ 2ومابعدها، كشاف القناع:444/
1، فتح القدير:285/ 1، الشرح الصغير:342/ 1.
(2) رواه أيضاً النسائي وأبو داود (نيل الأوطار:320/ 2).
(3) حاشية الباجوري:178/ 1 - 181.
(2/934)
2ً - يجهر الرجل في
موضع الجهر، ويسر في موضع الإسرار، كما بينا سابقاً، وتخفض المرأة صوتها إن
صلت بحضرة الرجال الأجانب، بحيث لا يسمعها من صلت بحضرته من الأجانب، دفعاً
للفتنة، وإن كان الأصح أن صوتها ليس بعورة، فلا يحرم سماع صوت المرأة ولو
مغنية، إلا عند خوف الفتنة، بأن كان لو اختلى الرجل بها، لوقع بينهما
مُحرَّم.
3ً - إذا ناب الرجل شيء في
الصلاة سبَّح، فيقول: «سبحان الله» بقصد الذكر فقط أو مع الإعلام، أو أطلق،
ولا تبطل صلاته، لكن إن قصد الإعلام فقط بطلت صلاته.
أما المرأة إذا نابها شيء في الصلاة، فتصفق، وإن كانت خالية عن الرجال
الأجانب على المعتمد، بضرب بطن اليمين على ظهر الشمال، فلو ضربت بطناً ببطن
بقصد اللعب، ولو قليلاً، مع علم التحريم، بطلت صلاتها، فلو لم تقصد اللعب
لم تبطل صلاتها. والخنثى كالمرأة في التصفيق والضم وغيرهما.
ولا يضر التصفيق وإن كثر وتوالى حيث كان بقدر الحاجة. وكذا لو صفق الرجل
فإنه لا يضر وإن كثر وتوالى، ولا تبطل الصلاة؛ لأن الفعل خفيف، فأشبه تحريك
الأصابع في سبحة، أو لنحو جرب.
ولا تبطل الصلاة بالتصفيق ولو بقصد الإعلام، ولو من الرجل على المعتمد،
بخلاف التسبيح بقصد الإعلام فإنه يبطل الصلاة؛ لأن التسبيح لفظ يصلح لقصد
الذكر، والتصفيق فعل لا يصلح له.
أما التصفيق خارج الصلاة فيكره بلا قصد اللعب على المعتمد عند الرملي، ولو
بقصد اللعب على المعتمد عند ابن حجر، وذلك منعاً من التشبه بالعرب في
(2/935)
الجاهلية: {وما كان صلاتُهم عند البيت إلا
مُكاءً وتصدية، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} (1).
4ً - عورة الرجل: ما بين
سرته وركبته في الصلاة والطواف وأمام الرجال الأجانب والنساء المحارم. أما
عند النساء الأجانب فعورته جميع بدنه، وعورته في الخلوة: السوأتان فقط.
والأمة كالرجل.
وليست السرة والركبة من العورة، لكن يجب ستر جزء منهما ليتحقق ستر العورة،
من باب ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.
وجميع بدن المرأة الحرة في الصلاة عورة إلا وجهها وكفيها، أما خارج الصلاة
فعورتها جميع البدن.
مذهب الحنابلة:
سنن الصلاة عندهم ثلاث وسبعون، وهي قسمان: قولية وفعلية (2). السنن القولية
سبع عشرة، وقد ذكرناها في بدء البحث، والسنن الفعلية ست وخمسون تقريباً
أهمها ما يأتي، علماً بأنهم كالشافعية لا يفرقون بين السنة والمندوب
والمستحب.
1، 2، 3 - رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام: بأن تكون مبسوطة (ممدودة
الأصابع) مضمومة الأصابع، مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه عند
الإحرام.
4 - جهر الإمام بتكبيرة الإحرام، بحيث يسمع المأمومون ليكبروا، فإنهم لا
يجوزون التكبير إلا بعد تكبيره.
_________
(1) الآية35 من الأنفال. والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق.
(2) كشاف القناع:450/ 1،457 - 460، المغني:462/ 1 - 559.
(2/936)
5، 6 - رفع اليدين على الهيئة السابقة عند
الركوع وعند الرفع من الركوع، وحطهما عقب ذلك.
7، 8 - وضع اليمين على كوع (1) الشمال، حال القيام والقراءة، وجعلهما تحت
سرته بعد إحرامه.
9 - نظر المصلي إلى موضع سجوده حال قيامه.
10، 11 - ترتيل القراءة والتخفيف فيها للإمام، للحديث السابق: «من أم
بالناس فليخفف».
12، 13 - إطالة الركعة الأولى، وتقصير الركعة الثانية في غير صلاة الخوف.
14 - تفريج المصلي بين قدميه حال قيامه يسيراً.
15، 16 - قبض ركبتيه بيديه حال الركوع، مفرجتي الأصابع.
17، 18 - مد ظهره مستوياً، وجعل رأسه حيال ظهره، فلا يخفضه ولا يرفعه.
19 - مجافاة عضديه عن جنبيه في الركوع.
20، 21 - البدء في سجوده بوضع ركبتيه قبل يديه، ورفع يديه أولاً في القيام
من السجود.
22، 23 - تمكين كل أعضاء السجود من الأرض، أي تمكين كل جبهته،
_________
(1) الكوع: هو العظم الذي يلي إبهام اليد، والبوع: العظم الذي يلي إبهام
الرجل، والكرسوع: العظم الذي يلي خنصر اليد، والرسغ: المفصل بين الكف
والساعد.
(2/937)
وكل أنفه وأطرافه، ومباشرة المصلَّى بيديه
وجبهته بأن لا يكون ثم حائل متصل به، وعدم المباشرة بركبتيه.
24 - مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه في السجود.
25 - التفريق بين ركبتيه في سجوده، ونصب قدميه، وجعل بطون أصابعهما على
الأرض مفرقة في السجود وفي الجلوس بين السجدتين أو للتشهد.
26 - وضع يديه في السجود حذو منكبيه، مبسوطة الأصابع.
27 - توجيه أصابع يديه في السجود مضمومة نحو القبلة.
28 - القيام من السجود إلى الركعة الثانية على صدور قدميه، معتمداً بيديه
على ركبتيه في النهوض لبقية صلاته، إلا أن يشق عليه، فيعتمد على الأرض.
29، 30، 31 - الافتراش في الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول، والتورك
في التشهد الثاني.
32 - 35 - وضع اليدين على الفخذين، مبسوطتين، مضمومتي الأصابع، مستقبلاً
بها القبلة، في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول والثاني.
36 - قبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى، وتحليق إبهامه مع الوسطى في التشهد
مطلقاً.
37 - الإشارة بالسبابة عند ذكر الله تعالى في التشهد.
38، 39 - ضم أصابع اليسرى في التشهد، وجعل أطراف أصابعها جهة القبلة.
(2/938)
40 - الإشارة بوجهه نحو القبلة في ابتداء
السلام.
41، 42 - الالتفات يميناً وشمالاً في تسليمه، وزيادة التفات اليمين على
الشمال.
43 - أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، كما قال الشافعية.
44 - الخشوع في الصلاة: للآية السابقة: {الذين هم في صلاتهم خاشعون}
[المؤمنون:2/ 23]
وللحديث السابق وقول النبي صلى الله عليه وسلم في العابث بلحيته: «لو خشع
قلب هذا لخشعت جوارحه»
والخشوع: معنى يقوم في االنفس يظهر منه سكون الأطراف.
والمرأة فيما فيما تقدم كالرجل إلا أنها لا يسن لها المجافاة السابقة في
الركوع والسجود، بل السنة لها أن تجمع نفسها، وتجلس مسدلة رجلها عن يمينها،
وهو الأفضل. ويجب عليها الإسرار بالقراءة إن كان يسمعها أجنبي. والخنثى
المشكل كالأنثى.
المبحث الثاني ـ سنن الصلاة الخارجة عنها:
للصلاة سنن قبلها كالاستياك والأذان والإقامة، واتخاذ السترة، وهنا نبحث
الأخير وقد سبق بحث ما قبله:
1 - تعريف سترة المصلي:
هي ما يجعله المصلي أمامه لمنع المرور بين يديه.
2 - حكم سترة المصلي:
هي سنة مشروعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صل أحدكم فليصل إلى سترة،
ولْيَدْن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر، فليقاتله،
فإنه شيطان» (1)
_________
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أب سعيد الخدري (نصب الراية: 2/
80).
(2/939)
وليست واجبة باتفاق الفقهاء؛ لأن الأمر
باتخاذها للندب، إذ لا يلزم من عدمها بطلان الصلاة وليست شرطاً في الصلاة،
ولعدم التزام السلف اتخاذها، ولو كان واجباً لالتزموه، ولأن الإثم على
المار أمام المصلي، ولو كانت واجبة لأثم المصلي، ولأن «النبي صلّى الله
عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء» رواه البخاري.
3 - وحكمتها:
منع المرور أمام المصلي بين يديه، مما يقطع خشوعه، وتمكين المصلي من حصر
تفكيره في الصلاة، وعدم استرساله في النظر إلى الأشياء، وكف بصره عما وراء
سترته لئلا يفوت خشوعه.
4 - آراء الفقهاء في السترة:
للفقهاء رأيان في اتخاذها مطلقاً أو في حالة خشية مرور أحد: فقال المالكية
والحنفية (1): السترة في الفرض أو النفل مندوبة للإمام والمنفرد إن خشيا
مرور أحد بين يديهما في محل سجودهما فقط، وأما المأموم فسترة الإمام سترة
له؛ لأنه عليه السلام صلى ببطحاء مكة إلى عَنَزة (2)، ولم يكن للقوم سترة
(3). ولا بأس بترك السترة إذا أمن المصلي المرور، ولم يواجه الطريق.
فالمستحب لمن صلى بالصحراء أن ينصب بين يديه عوداً أو يضع شيئاً، ويعتبر
الغرز دون الإلقاء والخط؛ لأن المقصود وهو الحيلولة بينه وبين المار لا
يحصل به.
_________
(1) فتح القدير:288/ 1 ومابعدها، الدر المختار:610/ 1، البدائع:317/ 1،
الشرح الصغير:334/ 1، القوانين الفقهية: ص56 هذا وقد ذكر الدردير أن
المعتمد استحباب السترة. وذكر غيره أن المشهور السنية عند المالكية (الشرح
الكبير:244/ 1).
(2) العنزة: أطول من العصا، وأقصر من الرُّمح.
(3) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي جحيفة عن أبيه «أن النبي صلّى الله عليه
وسلم صلى بهم بالبطحاء، وبين يديه عنزة، والمرأة والحمار يمرون من ورائها»
(نصب الراية:84/ 1).
(2/940)
وقال الشافعية والحنابلة (1): يستحب للمصلي
أن يصلي إلى سترة، سواء أكان في مسجد أم بيت، فيصلي إلى حائط أو سارية
(عمود)، أم في فضاء، فيصلي إلى شيء شاخص بين يديه كعصا مغروزة أو حربة، أو
عرض البعير أو رحله عند الحنابلة، فإن لم يجد خطَّ خطاً قبالته، أو بسط
مصلَّى كسجادة كما ذكر الشافعية.
ودليلهم حديث أبي جحيفة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم ركزت له العَنَزة،
فتقدم وصلى الظهر ركعتين، يمر بين يديه الحمار والكلب، لا يمنع» (2) وحديث
طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا وضع أحدكم
بين يديه مثل مُؤَخَّرة الرحل، فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك» (3).
وسترة الإمام سترة لمن خلفه بالاتفاق؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى
إلى سترة، ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى، كما ذكر في رأي المالكية
والحنفية.
وفي حديث عن ابن عباس قال: «أقبلت راكباً على حمار أتان، والنبي صلّى الله
عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض أهل الصف،
فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر علي أحد» (4).
وذكر الحنابلة: أنه لا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة، فقد روي عن النبي
صلّى الله عليه وسلم فيما ذكر أحمد ـ «أنه صلى ثَمَّ، ليس بينه وبين الطواف
سترة» أي كأن مكة مخصوصة.
_________
(1) مغني المحتاج:200/ 1، المغني:237/ 1 - 244، شرح الحضرمية: ص56
ومابعدها.
(2) متفق عليه.
(3) أخرجه مسلم.
(4) متفق عليه.
(2/941)
5 - صفة السترة
وقدرها:
للفقهاء آراء متقاربة في ذلك فقال الحنفية: أدنى السترة طول ذراع (2،46سم)
فصاعداً وغلظ أصبع، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إذا جعلت بين يديك مثل
مؤخرة الرحل، فلا يضر ك من مر بين يديك» (1) وقدرت العنزة التي كان يصلي
إليها النبي صلّى الله عليه وسلم في الصحراء بذراع طولاً. ويعتبر الغرز دون
الإلقاء والخط كما بينا. ويجوز عندهم الاستتار بظهر آدمي جالس أو قائم، أو
بدابة لا إلى مصحف أو سيف، وحيلة الراكب: أن ينزل فيجعل الدابة بينه وبين
المصلي، فتصير سترة، فيمر. ومن احتاج إلى المرور بين يدي المصلي، ألقى
شيئاً بين يدي المصلي، ثم يمر من ورائه.
وقال المالكية أيضاً: أقلها طول الذراع في غلظ الرمح، بشرط أن تكون بشيء
ثابت، طاهر، وكره النجس، لا يشوش القلب، فلا يستر بصبي لا يثبت، ولا
بامرأة، ولا إلى حلقة المتكلمين، ولا بسوط وحبل ومنديل ودابة غير مربوطة،
ويجوز الاستتار بالإبل والبقر والغنم المربوطة؛ لأنها عندهم طاهرة الفضلة،
ولايجوز الاستتار بخط في الأرض ولا حفرة. بدليل ما روي عن ابن عمر: «أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان إذا خرج يو م العيد، يأمر بالحربة،
فتوضع بين يديه، فيصلي إليها الناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر» (2) وعن
أبي جحيفة قال: «وبين يديه عَنَزة» وهي عصا قصيرة فيها زُجّ (3). وأما حديث
أبي هريرة في الخط فهو ضعيف مضطرب (4).
_________
(1) أخرجه مسلم عن طلحة بن عبيد الله، وأخرج أيضاً عن أبي ذر، قال: قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان
بين يديه مثل آخرة الرحل».
(2) متفق عليه (نيل الأوطار:2/ 3).
(3) الزج: الحديدة التي في أسفل الرمح.
(4) انظر نيل الأوطار:4/ 3.
(2/942)
ويكره عندهم الاستتار بظهر امرأة أجنبية أو
كافر، ويجوز من غير كراهة الاستتار برجل غير كافر، أو بامرأة محرم على
الراجح.
وقال الشافعية: يستحب أن يصلي إلى شاخص قدر ثلثي ذراع طولاً وإن لم يكن له
عرض كسهم، لخبر: «استتروا في صلاتكم ولو بسهم» (1)، ولا يستتر بدابة.
وقال الحنابلة كالحنفية والمالكية: قدر السترة في طولها ذراع أو نحوه، وأما
قدرها في الغلظ والدقة فلا حد له عندهم، فيجوز أن تكون دقيقة كالسهم
والحربة، وغليظة كالحائط، فإن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يستتر
بالعنزة.
واستدل الشافعية والحنابلة على إجزاء الخط بحديث أبي هريرة عن النبي صلّى
الله عليه وسلم أنه قال: «إذا صلى أحدكم، فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم
يجد فلينْصِب عصاً، فإن لم يكن معه عصا، فليخط خطاً، ولا يضره ما مر بين
يديه» (2).
وصفة الخط عند الشافعية: أنه مستقيم طولاً. وعند الحنابلة: أنه مثل الهلال
عرضاً كالقنطرة، وقال بعض الحنابلة: كيفما خطه أجزأه، إن شاء معترضاً وإن
شاء طولاً.
وإن كان معه عصا، فلم يمكنه نصبها، ألقاها عند الجمهور عرضاً؛ لأن هذا في
معنى الخط، فيقوم مقامه. وقال المالكية: لا بد من وضعها منصوبة.
وأجاز الحنابلة أن يستتر ببعير أو حيوان أو إنسان، وفعله ابن عمر وأنس،
_________
(1) رواه الحاكم وقال: على شرط مسلم.
(2) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وصححه، والبيهقي، وصححه أحمد
وابن المديني. وأشار إلى ضعفه سفيان بن عيينة والبغوي وغيرهم، وأورده ابن
الصلاح مثالاً للمضطرب، قال ابن حجر: ونوزع في ذلك (نيل الأوطار:4/ 3).
(2/943)
بدليل ماروى ابن عمر: «أن النبي صلّى الله
عليه وسلم صلَّى إلى بعير» (1) وفي لفظ: «كان رسول الله صلّى الله عليه
وسلم يعرض راحلته، ويصلي إليها» قال: قلت: فإذا ذهب الركاب؟ قال: يعرض
الرحل، ويصلي إلى آخرته، فإن استتر بإنسان، فلا بأس، فإنه يقوم مقام غيره
من السترة. وعن نافع قال: «كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سارية من
سواري المسجد، قال: ولّني ظهرك».
وروي عن حميد بن هلال قال: «رأى عمر بن الخطاب رجلاً يصلي، والناس يمرون
بين يديه، فولاه ظهره، وقال بثوبه هكذا، وبسط يديه هكذا، وقال: صل ولاتعجل»
(2).
والخلاصة: يصح الاستتار بظهر آدمي أو امرأة عند الحنفية والمالكية، وقال
الحنابلة: يصح الاستتار بالآدمي مطلقاً بظهره أو غيره، وقال الشافعية: لا
يصح الاستتار بالآدمي مطلقاً، ويصح عند الجمهور الاستتار بسترة مغصوبة ولا
يصح بها وتكره الصلاة إليها عند الحنابلة، ويصح الاستتار عند الجمهور
بالسترة النجسة، ولا يصح ذلك عند المالكية، ويصح بالاتفاق الاستتار بجدار.
6 - استقبال وجه الإنسان أو الصلاة إلى نار أو
صورة أو امرأة تصلي (3):
اتفق الفقهاء على أنه يكره أن يصلي مستقبلاً وجه إنسان؛ لأن عمر رضي الله
عنه أدَّب على ذلك، وفي حديث عائشة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان
يصلي حذاء وسط السرير، وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة،
فأكره أن أقوم، فاستقبله، فأنسل انسلالاً» (4)، وأنه شبه السجود لذلك
الشخص. والكراهة فيه عند الحنفية تحريمية.
_________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواهما البخاري بإسناده.
(3) المغني:242/ 1 ومابعدها، المهذب:69/ 1.
(4) متفق عليه.
(2/944)
ويكره اتفاقاً أن يصلي إلى نار من تنور،
وسراج وقنديل وشمع ومصباح ونحوها؛ لأن النار تعبد من دون الله، فالصلاة
إليها تشبه الصلاة لها.
وتكره الصلاة إلى صورة منصوبة في وجهك؛ لأن الصورة تعبد من دون الله، وقد
روي عن عائشة قالت: «كان لنا ثوب فيه تصاوير، فجعلته بين يدي رسول الله
صلّى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنهاني: أو قالت: كره ذلك» (1) ولأن
التصاوير تشغل المصلي بالنظر إليها، وتذهله عن صلاته، قال أحمد: يكره أن
يكون في القبلة شيء معلق، مصحف أو غيره، ولا بأس أن يكون موضوعاً على
الأرض. وقال الحنفية: لا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق؛
لأنهما لا يعبدان. ولا بأس أن يصلي على بساط فيه تصاوير، لاستهانته بها.
ويكره أن يصلي، وأمامه امرأة تصلي، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم:
«أخروهن من حيث أخرهن الله» (2). أما في غير الصلاة، فلا يكره لخبر عائشة
المتقدم. وروى أبو حفص بإسناده عن أم سلمة قالت: «كان فراشي حيال مصلَّى
النبي صلّى الله عليه وسلم».
7 - مدى بُعْد السترة عن المصلي: يستحب عند الجمهور أن يقرب من سترته قدر
ثلاثة أذرع فأقل من ابتداء قدميه، لحديث بلال: «أن النبي صلّى الله عليه
وسلم دخل الكعبة، فصلى وبينه وبين الجدار نحوٌ من ثلاثة أذرع» (3) وروى
الاسماعيلي عن سلمة: «كان المنبر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم
ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما تمر العنز» وممر العنز: ثلاثة أذرع.
_________
(1) رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم بإسناده.
(2) أخرجه رزين (كنوز الحقائق للمناوي بهامش الجامع الصغير:12/ 1).
(3) رواه أحمد والنسائي، ومعناه للبخاري من حديث ابن عمر (نيل الأوطار: 3/
3).
(2/945)
وقال المالكية: يجعل بينه وبينها قدر ممر
الهر أو الشاة، وقيل: ثلاثة أذرع. للحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد: «كان
بين مصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر شاة».
8 - موقف المصلي من السترة:
السنة باتفاق المذاهب الأربعة: أن يميل المصلي عن السترة يميناً أو يساراً،
بحيث لا يقابلها، ولا يصمُد لها صمداً (أي لا يجعلها تلقاء وجهه)، لما روى
أبو داود عن المقداد بن الأسود، قال: «ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه
وسلم صلَّى إلى عود أو إلى عمود، ولا شجرة، إلا جعله على حاجبه الأيمن أو
الأيسر، ولا يصمُد له صَمْداً» (1).
9 - المرور بين يدي المصلي:
قال الحنفية (2): يكره تحريماً المرور بين يدي المصلي، ويأثم المار في موضع
سجود المصلي، إذا اتخذ سترة، دون أن يكون بينهما حائل كعمود أو جدار،
وتحاذت بعض أعضاء المار أعضاء المصلي كمحاذاة رأس المار قدمي المصلي، وذلك
إذا كان يصلي في الصحراء. ولو مر رجلان، فالإثم على من يلي المصلي.
فإن مر إنسان فيما بعد موضع سجود المصلي، أو لم يكن المصلي متخذاً سترة، أو
وجد حائل ولو ستارة، أو لم تتحاذ كل أعضاء المار مع أعضاء المصلي بأن مشى
جانبه، أو مر في المسجد وراء السترة، لم يحرم المرور ولم يأثم المار؛ لأن
المؤثم المرور بين يدي المصلي، ولأن المسجد كبقعة واحدة، ويجوز
المرور بين يدي المصلي لسدّ فرجة في
الصف.
_________
(1) الصمد: القصد (نيل الأوطار:5/ 3).
(2) فتح القدير:287/ 1 ومابعدها، البدائع:217/ 1، رد المحتار:594/ 1.
(2/946)
كذلك يكره للمصلي أن يتعرض بصلاته لمرور
الناس بين يديه، بأن يصلي بدون سترة في طريق مثلاً، فيأثم بمرور الناس بين
يديه بالفعل، لا بترك السترة، فلو لم يمر أحد لا يأثم؛ لأن اتخاذ السترة في
ذاته ليس واجباً.
ومن الذي يأثم؟ المصلي أم المار؟ هناك صور أربع: الأولى: إثم المار وحده:
أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلي، ولم يتعرض المصلي لذلك،
فيختص المار بالإثم إن مر. الثانية: إثم المصلي وحده: وهي عكس الأولى: أن
يكون المصلي تعرض للمرور وليس للمار مندوحة عن المرور، فيختص المصلي بالإثم
دون المار. الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور ويكون للمار مندوحة، فيأثمان.
الرابعة: ألا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة، فلا يأثم واحد منهما.
وقال المالكية (1): يأثم المار بين يدي المصلي فيما يستحقه من محل صلاته،
سواء صلى لسترة أم لا، ما لم يكن محرماً بصلاة، فيجوز له المرور لسد فرجة
بصف أو لغسل رعاف، وما لم يكن طائفاً بالبيت الحرام، فلا حرمة على الطائف
والمصلي إذا مرّا بين يدي المصلي، ولو كان لهما مندوحة، أي سعة وطريق يمران
فيهما. وحرمة المرور هذه إذا كان للمار مندوحة أي سعة وطريق آخر يمر فيه.
فإن لم يكن له طريق إلا ما بين يدي المصلي، فلا إثم عليه إن احتاج للمرور،
وإلا أثم.
ويأثم مصل تعرَّض بصلاته من غير سترة في محل يظن به المرور، ومرَّ بين يديه
أحد.
وقد يأثمان معاً إن تعرض بغير سترة، وكان للمار مندوحة.
_________
(1) الشرح الصغير:336/ 1.
(2/947)
وقد يأثم أحدهما، فيأثم المصلي إن تعرض،
ولا مندوحة للمار، ويأثم المار إن كان له مندوحة ولم يتعرض المصلي، أي إن
قصر أحدهما دون الآخر أثم وحده.
وقد لا يأثم واحد منهما إن اضطر المار، ولم يتعرض المصلي.
وقال الشافعية (1): الصحيح تحريم المرور إن اتخذ المصلي سترة، ولو لم يجد
المار سبيلاً آخر، لخبر أبي جهم الأنصاري: «لو يعلم المار بين يدي المصلي
(أي إلى السترة) ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين خريفاً، خيراً له
من أن يمر بين يديه» (2).
ويكره تعرض المصلي بصلاته في موضع يحتاج للمرور فيه.
وقال الحنابلة (3): يأثم المار بين يدي المصلي، ولو لم يكن له سترة، لحديث
أبي جهم الأنصاري السابق. ويكره تعرض المصلي لمكان فيه مرور، كما قال
الشافعية.
المرور أمام المصلي في أثناء الطواف:
اتفق الفقهاء على أنه يجوز المرور بين يدي المصلي للطائف بالبيت أو داخل
الكعبة أوخلف مقام إبراهيم عليه السلام، وإن وجدت سترة، وأضاف الحنابلة أنه
لا يحرم المرور بين يدي المصلي في مكة كلها وحرمها.
_________
(1) مغني المحتاج:200/ 1.
(2) رواه الشيخان إلا (من الإثم) فالبخاري، وإلا (خريفاً) فالبزار، وانظر
أحاديث السترة في (شرح مسلم:216/ 4 - 228).
(3) المغني:245/ 1 ومابعدها.
(2/948)
10 - موضع حرمة
المرور:
قال الحنفية (1): إ ن كان يصلي في الصحراء أو في مسجد كبير، فيحرم المرور
في الأصح بين يديه، من موضع قدمه إلى موضع سجوده. وإن كان يصلي في بيت أو
مسجد صغير (وهو ما كان أقل من أربعين ذراعاً على المختار)، فإنه يحرم
المرور من موضع قدميه إلى حائط القبلة؛ لأنه كبقعة واحدة، إن لم يكن له
سترة.
فلو كانت له سترة لا يضر المرور وراءها.
ولا يجعل المسجد الكبير أو الصحراء كمكان واحد؛ لأنه لو جعل كذلك، لزم
الحرج على المارة، فاقتصر على موضع السجود.
وقال المالكية (2): إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبين سترته، ولا يحرم
المرور من ورائها، وإن صلى لغير سترة، حرم المرور في موضع قيامه وركوعه
وسجوده فقط.
وقال الشافعية (3): يحرم المرور فيما بين المصلي وسترته بقدر ثلاثة أذرع
فأقل.
وقال الحنابلة (4): إن اتخذ المصلي سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت،
وإن لم يتخذ سترة حرم المرور في مسافة بقدر ثلاثة أذرع من قدمه.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار:593/ 1.
(2) الشرح الكبير:246/ 1، حاشية الصاوي على الشرح الصغير:335/ 1.
(3) مغني المحتاج:200/ 1، المهذب:69/ 1، المجموع:230/ 3.
(4) المغني:239/ 2، كشاف القناع:439/ 1.
(2/949)
11 - دفع المار
بين يدي المصلي:
يرى أكثر العلماء أن للمصلي منع المار بين يديه ودفعه، لما ثبت في السنة من
الأحاديث الصحيحة، منها ما رواه ابن عمر: أن النبي صلّى الله عليه وسلم
قال: «إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمرّ بين يديه، فإن أبى
فلْيقاتلْه، فإن معه القَرين» (1).
ومنها حديث أبي سعيد الخدري، قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول:
«إذا صلَّى أحدكم إلى شيء يستُره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه،
فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان» (2).
ولكن اختلف الفقهاء في أفضلية دفع المار:
فقال الحنفية (3): هو رخصة، والأولى تركه، والعزيمة ترك التعرض له. أما
الأمر بمقاتلة المار، فكان في بدء الإسلام حين كان العمل في الصلاة مباحاً،
فهو منسوخ.
وإذا أراد الرجل الدفع عملاً بالرخصة: دفع بالإشارة، أو التسبيح، أو الجهر
بالقراءة، ولا يزاد عليها، ويكره الجمع بينهما. وتدفع المرأة بالإشارة أو
بالتصفيق لابباطن الكفين، وإنما ببطن اليمنى على ظهر اليسرى.
ودليل الدفع بالإشارة: ما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلم بولدي أم سلمة
رضي الله عنها (4). ودليل الدفع بالتسبيح حديث: «من نابه شيء في صلاته
فليسبح، فإنه إذا
_________
(1) رواه أحمد ومسلم وابن ماجه. والقرين: الشيطان المقرون بالإنسان لا
يفارقه (نيل الأوطار:5/ 3).
(2) رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه. وإطلاق الشيطان على المار من
الإنس ذائع شائع، والسبب هنا أنه فعل فعل الشيطان (المصدر السابق).
(3) الدر المختار:596/ 1 ومابعدها، البدائع:217/ 1، فتح القدير:289/ 1
ومابعدها.
(4) رواه ابن ماجه وابن أبي شيبة عن أم سلمة (نصب الراية:85/ 2).
(2/950)
سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء» (1).
وقال المالكية (2): يندب للمصلي أن يدفع المار بين يديه دفعاً خفيفاً فإن
كثر أبطل صلاته، ولو دفعه فأتلف له شيئاً، كما لو خرق ثوبه أو سقط منه مال،
ضمن على المعتمد، ولو دفعه دفعاً مأذوناً فيه.
وقال الشافعية والحنابلة (3): يسن للمصلي أن يدفع المار بينه وبين سترته،
عملاً بالأحاديث الثابتة المتقدمة، ويضمن المصلي المار إن قتله أو آذاه،
هذا ولا يرد المار بين يدي المصلي في مكة والحرم، بدليل ماروى أحمد وأبو
داود وابن ماجه والنسائي عن المُطّلِب بن وَدَاعة: «أنه رأى النبي صلّى
الله عليه وسلم يصلِّي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه، وليس
بينهما سُترة».
12 - هل المرور بين يدي المصلي يقطع الصلاة؟
اتفق أئمة المذاهب الأربعة على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطعها ولا
يبطلها، وإنما ينقص الصلاة إذا لم يرده (4)، لقول صلّى الله عليه وسلم: «لا
يقطع صلاة المرء شيء، وادرؤوا ما استطعتم» (5).
وروي عن ابن مسعود: «أن ممر الرجل يضع نصف الصلاة، وكان عبد الله إذا مر
بين يديه رجل التزمه حتى يرده» (6). قال القاضي أبو يعلى الحنبلي: ينبغي
_________
(1) أخرجه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد (نصب الراية:75/ 2 ومابعدها).
(2) القوانين الفقهية: ص56، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير:246/ 1.
(3) مغني المحتاج:200/ 1، المغني:245/ 2 ومابعدها، كشاف القناع:438/ 1
ومابعدها.
(4) رد المحتار:593/ 1، القوانين الفقهية: ص56، المهذب:69/ 1، المغني:231/
2، كشاف القناع:439/ 1.
(5) رواه أبو داود بإسناد ضعيف من رواية أبي سعيد الخدري (المجموع:227/ 3،
نصب الراية:76/ 3).
(6) رواه البخاري بإسناده.
(2/951)
أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد، فلم
يفعله، أما إذا رد فلم يمكنه الرد، فصلاته تامة، لأنه لم يوجد منه ما ينقص
الصلاة، فلا يؤثر فيها ذنب غيره.
وقال الإمام أحمد: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم (1)، قال معاذ
ومجاهد: الكلب الأسود شيطان، وهو يقطع الصلاة.
وقال الظاهرية: يقطع الصلاة مرور المرأة والكلب والحمار، لحديث أبي هريرة:
«يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل» (2) وحديث
أبي ذر: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين
يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود، قال
عبد الله بن الصامت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر، من
الكلب الأصفر؟ قال: يابن أخي، سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما
سألتني، فقال: «الكلب الأسود شيطان» (3)
واقتصر الحنابلة على بطلان الصلاة بمرور الكلب الأسود، لمعارضة هذين
الحديثين بحديث الفضل بن عباس عند أبي داود المتضمن صلاة النبي صلّى الله
عليه وسلم أمام حمار، وحديث عائشة السابق المتضمن صلاة الرسول عليه السلام
وهي معترضة بينه وبين القبلة، وحديث ابن عباس المتفق عليه الذي مر راكباً
على حمار، ثم نزل وترك الأتان ترتع بين الصفوف، فبقي الكلب الأسود خالياً
عن معارض، فيجب القول به لثبوته، وخلوه عن معارض.
ورد النووي على هذه الأحاديث الصحيحة لدى الحنابلة والظاهرية بما أجاب
_________
(1) البهيم: الذي ليس في لونه شيء سوى السواد.
(2) رواه أحمد ومسلم واللفظ له، وابن ماجه.
(3) رواه الجماعة إلا البخاري، يعني أحمد ومسلماً وأصحاب السنن كلهم.
(2/952)
به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء
والمحدثين: بأن المراد بالقطع القطع عن الخشوع والذكر، للشغل بها والالتفات
إليها، لا أنها تفسد الصلاة (1).
تقديم العَشَاء على صلاة العشاء: إذا حضر العشاء في وقت الصلاة، فالمستحب
عند الشافعية والحنابلة أن يبدأ بالعَشَاء قبل الصلاة إذا كانت نفسه تتوق
إلى الطعام كثيراً، ليكون أفرغ لقلبه، وأحضر لباله، ولا يستحب أن يعجل عن
عشائه أو غدائه. روى مسلم وغيره عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:
«إذا قُرِّب العَشَاء، وحضرت الصلاة فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب،
ولا تعجلوا عن عشائكم» وقالت عائشة: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه
وسلم يقول: «لا صلاة بحضور طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» أي البول
والغائط. ولا فرق بين كون الصلاة جماعة أو غير جماعة، لما رواه مسلم عن ابن
عمر: «إذا قرِّب عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعَشَاء، ولا يعجلن
حتى يفرغ منه» أي وأقيمت الجماعة.
وقال مالك: تبدأ الجماعة بالصلاة إلا أن يكون طعاماً خفيفاً (2).
المبحث الثالث ـ صفة الصلاة أو كيفيتها:
صفة صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم: عن أبي حميد الساعدي أنه قال وهو
في عَشَرة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أحدُهم أبو قتادة: أنا
أعلمكم بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قالوا: ماكنتَ أقدم منا له
صُحبة، ولا أكثَرنا له إتياناً؟ قال: بلى، قالوا: فاعرض (3)، فقال:
_________
(1) المجموع:232/ 3.
(2) المغني:629/ 1.
(3) عرض الكتاب: قرأه عن ظهر قلب.
(2/953)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام
إلى الصلاة اعتدل قائماً، ورفع يديه، حتى يحاذي بهما مَنْكبيه، ثمَ يكبر،
فإذا أراد أن يركع، رفع يديه، حتى يحاذي بهما مَنْكبيه، ثم قال: الله أكبر،
وركع.
ثمّ اعتدل، فلم يُّصوِّب رأسه ولم يُقْنِع (1)، ووضع يديه على ركبتيه، ثمّ
قال: سمع الله لمن حمِدَه، ورفع يديه واعتدل، حتى يرجِع كل عظم في موضعه
معتدلاً (2).
ثم هوى (3) إلى الأرض ساجداً، ثم قال: الله أكبر، ثم ثنى رجله وقعد عليها
(4)، واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه، ثم نهض.
ثم صتع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السجدتين، كبّر ورفع
يديه حتى يحاذي بهما مَنْكبيه، كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك، حتى
إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته، أخَّر رجله اليسرى، وقعد على شقه
متورِّكاً (5)، ثمَّ سلَّم.
قالوا: صدقت، هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (6).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصّلي» (7).
_________
(1) أي لم يبالغ في خفضه وتنكيسه، ولم يرفعه حتى يكون أعلى من ظهره.
(2) أي حتى يقر كل عظم في موضعه. وفي رواية البخاري: «حتى يعود كل فقار».
(3) الهويّ: السقوط من علو إلى أسفل.
(4) هذه تسمى قعدة الاستراحة.
(5) التورك في الصلاة: القعود على الورك اليسرى، والوركان: فوق الفخذين،
كالكعبين فوق العضدين.
(6) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه البخاري مختصراً (نيل
الأوطار: 1/ 184)
(7) رواه البخاري عن مالك بن الحويرث (سب السلام: 1/ 200).
(2/954)
توضيح كيفية الصلاة:
يتبين من هذا الحديث ومما ذكرناه من شروط الصلاة وأركانها وسننها وآدابها
ومندوباتها في المذاهب المختلفة أن صفة الصلاة على النحو التالي (1):
يراعي المصلي شروط الصلاة من ستر العورة وطهارة البدن والثوب والمكان
وغيرهما، ثم يتوضأ للصلاة، ثم يؤذن لها ويقيم بعد دخول وقتها، ثم يستقبل
القبلة، ثم يشرع في الصلاة ناوياً بقلبه، مكبراً للافتتاح، ويسن التلفظ
بالنية عند الجمهور (غير المالكية)، قائلاً وجوباً بلا مد: «الله أكبر»
جاهراً بها عند المالكية، رافعاً يديه مع ابتداء التكبير، مخرجاً كفيه من
كميه، بخلاف المرأة، مفرجاً أصابعه عند الجمهور (غير الحنابلة)، مستقبلاً
بها القبلة، محاذياً بإبهاميه شحمتي أذنيه عند الحنفية، وحذو منكبيه عند
غيرهم وعند الحنفية للمرأة، كماثبت في السنة، ثم يضع عند الجمهور (غير
المالكية) كفَّه اليمنى على اليسرى تحت سرته عند الحنفية والحنابلة، وتحت
صدره عند الشافعية، ويرسلهما عند المالكية.
وينظر المصلي إلى موضع سجوده، ثم يقرأ الثناء (2) عند الحنفية والحنابلة،
والتوجه (3) عند الشافعية، ولا يقرؤهما عند المالكية، ثم يتعوذ سراً
للقراءة بالاتفاق، ويسمي سراً عند الحنفية والحنابلة، ويجهر بالبسملة عند
الشافعية، ولايسمي عند المالكية، ثم يقرأ الفاتحة، ويؤمِّن المصلي بعد {ولا
الضالين} [الفاتحة:7/ 1] سراً عند المالكية والحنفية، جهراً عند الشافعية
والحنابلة، ثم يقرأ
_________
(1) انظر اللباب شرح الكتاب:68/ 1 - 77، القوانين الفقهية: ص57 - 66،
المهذب:70/ 1 - 80، كشاف القناع:381/ 1 - 459، مغني المحتاج:148/ 1 - 184،
مراقي الفلاح: ص44 - 46.
(2) وهو أن يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك، ولا
إله غيرك).
(3) وهو (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من
المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك
أمرت وأنا من المسلمين).
(2/955)
سورة أو آيات بعد الفاتحة من طوال المفصل
في الفجر والظهر، ومن أوساطه في العصر والعشاء، وكذا في الظهر عند
الحنابلة، ومن قصاره في المغرب، وكذا في العصر عند المالكية، ويجهر
بالقراءة ليلاً، ويسر بها نهاراً.
ثم يكبر للركوع مع ابتداء الانحناء وينهيه بانتهائه، رافعاً يديه عند
الجمهور غير الحنفية، آخذاً ركبتيه بيديه، مطمئناً، مفرجاً أصابعه، باسطاً
ظهره مستقيماً، مسوياً رأسه بعجزه، غير رافع رأسه ولا خافضه، ناصباً ساقيه،
مجافياً مرفقيه عن جنبيه، قائلاً ثلاثاً: (سبحان ربي العظيم) مع إضافة
(وبحمده) عند غير الحنفية.
ثم يرفع رأسه من الركوع قائلاً: (سمع الله لمن حمده)، ويقول المقتدي فقط
سراً عند الجمهور غير الشافعية: (ربنا لك الحمد)، ويجمع بينهما عند
الشافعية كالإمام ولا يجهر بالتحميد، كما يجمع بينهما المنفرد عند
المالكية. ويجمع بينهما الإمام عند الحنفية والحنابلة، ولا يحمد الإمام عند
المالكية، رافعاً يديه عند غير الحنفية، مطمئناً بالاتفاق حال الاعتدال،
ولا يرفع يديه عند الحنفية إلا في التكبيرة الأولى.
ثم يهوي للسجود واضعاً عند غير المالكية ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه،
ويقدم اليدين عند المالكية، ناصباً قدميه، موجهاً أصابعها نحو القبلة،
واضعاً عند الحنفية وجهه بين كفيه، مجافياً بطنه عن فخذيه، وعضديه عن
جنبيه، والمرأة لاتجافي؛ لأنه أستر لها، واضعاً عند غير الحنفية كفيه حذو
منكبيه، ناشراً أصابعهما مضمومة للقبلة، معتمداً عليهما، مطمئناً في سجوده،
ويقول ثلاثاً: (سبحان ربي الأعلى) ويضيف عند غير المالكية: (وبحمده).
ثم يرفع رأسه مكبراً، ويجلس بين السجدتين مطمئناً، مفترشاً رجله اليسرى
ويجلس عليها، ناصباً رجله اليمنى، واضعاً يديه على فخذيه، ويقول عند
(2/956)
غيرالحنفية: (رب اغفر لي). ثم يكبر للسجود،
ويسجد السجدة الثانية، كالأولى.
ثم يكبر للنهوض إلى الركعة الثانية، ويقوم عند الحنفية على صدور قدميه (1)،
ولا يقعد، ولا يعتمد بيديه على الأرض، وإنما يعتمد عندهم على ركبتيه إلا أن
يشق عليه فيعتمد على الأرض، ولا يجلس للاستراحة عند غير الشافعية. ويعتمد
بيديه على الأرض عند الشافعية والحنابلة، ويجلس للاستراحة ويرفع يديه حالة
النهوض عند الشافعية.
فإذا استوى قائماً لم يقرأ الاستفتاح بالاتفاق، وإنما يتعوذ سراً عند
الشافعية والحنابلة، ولا يتعوذ عند الحنفية والمالكية، ولا يبسمل عند
المالكية، وكذا عند الحنفية إذا كان إماماً، ويبسمل عند الجمهور، ويقرأ
الفاتحة وسورة، ويقصر قراءة الركعة الثانية عن الأولى.
ثم يركع ويسجد كما فعل في الركعة الأولى، ويقنت في صلاة الصبح قبل الركوع
عند المالكية وهو أفضل، ويجوز بعده، وبعده عند الشافعية، وبعده في الوتر في
جميع السنة عند الحنابلة، كما سنبين.
فإذا أتم السجدة الثانية من الركعة الثانية، جلس للتشهد الأول مفترشاً عند
الجمهور (غير المالكية) متوركاً عند المالكية، كما بينا، موجهاً أصابعه نحو
القبلة، واضعاً يديه على فخذيه، باسطاً أصابعه عند الحنفية، باسطاً اليسرى،
قابضاً ما عدا السبابة والإبهام عند المالكية، وما عدا السبابة فقط عند
الشافعية، ويحلِّق الإبهام مع الوسطى عند الحنابلة. ويشير بالسبابة عند
الحنفية عند قوله: (لا إله)
_________
(1) وذلك بأن يقوم وأصابع القدمين على هيئتها في السجود.
(2/957)
ثم يضعها عندهم عند (إلا الله)، ويشير في
رأي الشافعية والحنابلة عند قوله: (إلا الله) بلا تحريك، ومع التحريك
والإشارة بها من أول التشهد عند المالكية.
ثم يقرأ التشهد بإحدى الصيغ الثلاث السابقة إلى قوله «عبده ورسوله» (1)،
دون أن يضم إليه عند الجمهور (غير الشافعية) أي زيادة في القعدة الأولى،
ويضم إليه عند الشافعية الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم فقط. أما في
التشهد الأخير فيضم إليه الصلاة الإبراهيمة.
ويتورك عند غير الحنفية في التشهد الأخير، ثم يدعو عند الحنفية بالمأثور من
القرآن والسنة، أو بما شاء عند الجمهور.
ثم يسلم عن يمينه وشماله في الصلاة الثنائية، قائلاً: (السلام عليكم ورحمة
الله) ويضيف عند المالكية (وبركاته) دون أن يمده مداً أي لا يطيله ويسرع
فيه، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «حذف التسليم سنة» (2) قال ابن المبارك:
معناه ألا يمد مداً.
فإن كانت الصلاة ثلاثية، أتى بركعة ثالثة، ثم يتشهد ويسلم، وإن كانت الصلاة
رباعية، أتى بركعتين، ثم يتشهد ويسلم. ولا يقرأ غير الفاتحة في الفريضة في
الركعتين الثالثة والرابعة، ويقرأ فيهما سورة عند الحنفية في النافلة وجميع
ركعات الوتر، ولا يقرأ فيهما كالفرض سورة عند الشافعية.
_________
(1) صيغة التشهد عند الحنفية والحنابلة: (التحيات لله، والصلوات والطيبات،
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وعند
المالكية: (التحيات لله، الزكيات لله، الطيبات الصلوات لله .. الخ ما سبق).
وعند الشافعية: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن
لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله).
(2) رواه أحمد وأبو داود، ورواه الترمذي موقوفاً وصححه (نيل الأوطار:295/
2).
(2/958)
المبحث الرابع ـ
مكروهات الصلاة:
فيه أربعة مطالب: ما يكره في الصلاة، والأماكن التي تكره الصلاة فيها،
مالايكره فعله، ما تحرم الصلاة فيه.
والكراهة عند الجمهور تنزيهية، وعند الحنفية إما تنزيهية: وهي خلاف الأولى.
وإما تحريمية وهي المقصودة عند الإطلاق، وهي ما نهي عنه شرعاً بدليل ظني
الثبوت وليس فيه صارف عن التحريم. فإن وجد الصارف له عن التحريم فهي
تنزيهية.
وترك السنة المؤكدة يكره تحريماً، وترك السنة غير المؤكدة كترك صلاة الضحى
تنزيهاً، وترك المستحب أو المندوب خلاف الأولى. ويستحب عند الفقهاء لمن أتى
بالصلاة على وجه مكروه إعادتها ما دام الوقت باقياً.
المطلب الأول ـ ما يكره في الصلاة:
يكره في الصلاة ما يأتي (1):
1 ً - يكره تحريماً عند الحنفية ترك واجب من واجبات الصلاة عمداً: كترك
قراءة الفاتحة أو قراءة سورة بعدها، أو جهر في صلاة سرية أو إسرار في
جهرية، وتصح الصلاة بترك الواجب، لكن يجب إعادتها، ويكره عندهم رفع اليدين
عند إرادة الركوع والرفع منه، ولا تفسد الصلاة على الصحيح.
_________
(1) فتح القدير:1/ 290 - 297، البدائع:1/ 215 - 220، الدر المختار:1/ 597 -
613، الشرح الصغير:1/ 337 - 342، القوانين الفقهية: ص 51 ومابعدها، مغني
المحتاج:1/ 201 - 203، المهذب:1/ 88 ومابعدها، كشاف القناع:1/ 431 - 446،
المغني:1/ 495.
(2/959)
2 ً - ترك سنة من سنن الصلاة عمداً: كترك
دعاء الثناء أو التوجه، أو التسبيح في الركوع أو السجود، أو التكبير
والتسميع والتحميد، أو رفع الرأس أو خفضه في الركوع، أو تحويل أصابع قدميه
أو يديه عن القبلة، وهذا متفق عليه.
3 ً - يكره عند المالكية تعوذ وبسملة قبل
الفاتحة والسورة بفرض، ويجوزان بنفل، وتركهما أولى ما لم يراع
الخلاف، فالإتيان بالبسملة أولى خروجاً من الخلاف.
4 ً - يكره عند المالكية دعاء قبل القراءة
للفاتحة أو السورة، وأثناءها أي القراءة.
5 ً - تطويل القراءة في الركعة الثانية على
الأولى، وقدره الحنفية بأكثر من ثلاث آيات.
6 ً - تكرار سورة واحدة في ركعة واحدة، أو في
ركعتين في الفرض، أما النفل فلا يكره عند الحنفية. ولا يكره عند
الحنابلة تكرار سورة في ركعتين، لما روى زيد بن ثابت أنَّ النَّبي صلى الله
عليه وسلم «قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما» (1)، وإنما يكره
تكرار الفاتحة في ركعة؛ لأنها عندهم ركن. قال الحنفية (2): يكره أن يتخذ
سورة بعينها للصلاة لا يقرأ فيها غيرها.
7 ً - القراءة بعكس ترتيب القرآن وهذا
متفق عليه: كأن يقرأ في الركعة الأولى «اللهب» أو «الكافرون»؛ لأن المنقول
عن النبي صلى الله عليه وسلم
_________
(1) رواه سعيد بن منصور في سننه.
(2) الكتاب مع اللباب:1/ 79.
(2/960)
القراءة في الركعة الثانية بسورة بعد
السورة التي قرأها في الركعة الأولى في النظم القرآني، وروي عن ابن مسعود
«أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوساً؟ قال: ذلك منكوس القلب» وفسره أبو عبيدة:
بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها أخرى، هي قبلها في النظم.
8 ً - يكره عند المالكية وغيرهم القراءة في
ركوع أو سجود أو إتمام قراءة السورة في الركوع، وإتمام الفاتحة في
الركوع مبطل للصلاة حيث كانت الفاتحة فرضاً، وقال الحنفية بالكراهة
التحريمية؛ لأن الفاتحة ليست فرضاً عندهم. واستثنى المالكية: أن يقصد في
السجود الدعاء فلا يكره، كأن يقول: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} [آل
عمران:8/ 3] ويكره الدعاء في الركوع، وقبل التشهد الأول أو الأخير، ويكره
الجهر بالتشهد مطلقاً، كما يكره للمأموم بعد سلام الإمام الجهر بالدعاء
المطلوب في الصلاة في سجود أو غيره.
ويكره أيضاً تخصيص دعاء دائماً لا يدعو بغيره، فالأفضل أن يدعو تارة
بالمغفرة، وتارة بسعة الرزق، وتارة بصلاح النفس أو الولد أو الزوجة، وتارة
بغير ذلك من أمور الدنيا والآخرة، والله ذو الفضل العظيم. ومن أعظم الدعوات
الجامعة أن يقول: «اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك ورسولك
صلّى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك ورسولك صلّى
الله عليه وسلم».
9 ً - العبث القليل بيده (1) بالثياب أو
البدن أو اللحية، أو وضع يده على فمه أو تغطية أنفه (وهو التلثم) بدون
حاجة، والكراهة هنا تحريمية عند الحنفية، بدليل ما رواه القضاعي عن يحيى بن
أبي كثير مرسلاً: «إن الله كره لكم ثلاثاً: العبث في الصلاة، والرفث في
الصيام، والضحك في المقابر» فإن كان لحاجة كإزالة العرق
_________
(1) العبث لغة: عمل ما لا فائدة فيه، والمراد هنا: فعل ما ليس من أفعال
الصلاة؛ لأنه ينافي الصلاة.
(2/961)
عن وجهه أو التراب المؤذي، أو للتثاؤب، فلا
يكره. ومن العبث: «فرقعة الأصابع، وتقليب الحصى، وتسويتها في مكان سجوده»
للنهي الصحيح عنه، روى الجماعة عن مُعَيقب عن النبي صلّى الله عليه وسلم
قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: «إن كنت فاعلاً فواحدة» (1) وروى أبو
داود عن أبي ذر مرفوعاً: «إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمس الحصى، فإن
الرحمة تواجهه».
ودليل كراهة العبث هو النهي عنه في السنة، ولمنافاته لهيئة الخشوع، وقد مدح
الله الخاشعين في صلاتهم بقوله سبحانه: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في
صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:1 - 2/ 23] ونهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن
فرقعة الأصابع فقال: «لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة» (2) وروى أبو داود
عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه في
الصلاة» ويكره للمرأة أن تنتقب في الصلاة، لأن وجه المرأة ليس بعورة، فهي
كالرجل.
وصرح الحنابلة (3) بأنه لا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة، كأن يحمل
الرجل ولده في الصلاة الفريضة، لحديث أبي قتادة وحديث عائشة: «أنها استفتحت
الباب، فمشى النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو في الصلاة حتى فتح لها» (4)،
وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب
(5). فإذ رأى العقرب، خطا إليها، وأخذ النعل وقتلها، ورد النعل إلى موضعها،
وهذا جائز بلا كراهة اتفاقاً.
_________
(1) أجاز الحنفية تسوية الحصى مرة لسجوده، وتركها أولى؛ لأنه إذا تردد
الحكم بين سنة وبدعة، كان ترك السنة راجماً على فعل البدعة، مع أنه يمكن
التسوية قبل الشروع في الصلاة (رد المحتار 600/ 1).
(2) رواه ابن ماجه عن علي بلفظ «لا تفقِّع أصابعك في الصلاة» (نيل
الأوطار:330/ 2).
(3) المغني:247/ 2 - 249.
(4) حديث عائشة رواه أحمد وأصحاب السنن ما عدا ابن ماجه، وحسنه الترمذي.
(5) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وصححه ابن حبان والحاكم.
(2/962)
وقال أحمد: وإذا رأى صبيين يقتتلان يتخوف
أن يلقي أحدهما صاحبه في البئر، فإنه يذهب إليهما، فيخلصهما، ويعود إلى
صلاته.
ويرجع في تحديد الفعل الكثير واليسير إلى العرف، وكل ما شابه فعل النبي
صلّى الله عليه وسلم فهو يسير.
وإن فعل أفعالاً متفرقة، لو جمعت كانت كثيرة، وكل واحد منها بمفرده يسير،
فهي في حد اليسير، بدليل حمل النبي صلّى الله عليه وسلم لأمامة، في كل
ركعة، ووضعها. لكن قال الحنفية: يكره حمل الطفل، وما ورد منسوخ بحديث «إن
في الصلاة لشغلاً» وما كثر وزاد على فعل النبي صلّى الله عليه وسلم أبطل
الصلاة، سواء أكان لحاجة أم غيرها، إلا أن يكون لضرورة، فيكون بحكم الخائف،
فلا تبطل صلاته به. وقال المالكية: يكره قتل برغوث ونحوه في الصلاة،
والحنفية كالحنابلة فإنهم قالوا: يكره كل عمل قليل بلا عذر كتعرض لقملة قبل
الأذى. ويكره أيضاً رفع أو جمع الثوب باليدين في الركوع والسجود، وجمع
الشعر وضمه، لحديث: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوباً ولا شعراً»
(1) والكراهة تحريمية. كما يكره مسح غبار الجبهة قبل الانصراف من الصلاة،
لما رواه ابن ماجه: «إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من
صلاته» عند الحنفية.
10 ً - تشبيك الأصابع، والتخصر: وهو أن
يضع يده على خاصرته. وهذا متفق عليه، لحديث أبي سعيد أن النبي صلّى الله
عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم في المسجد، فلا يُشَبِّكنَّ، فإن التشبيك من
الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة، ما دام
في
_________
(1) رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
(2/963)
المسجد حتى يخرج منه» (1) وروى ابن ماجه عن
ابن عمر أنه قال ـ في الذي يصلي وقد شبك أصابعه ـ «تلك هي صلاة المغضوب
عليهم».
وحديث أبي هريرة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن التخصر في الصلاة»
(2) وفرقعة الأصابع وتشبيكها ولو منتظراً الصلاة أو ماشياً إليها، والتخصر
مكروه تحريماً عند الحنفية، وكذلك يكره تنزيهاً التخصر خارج الصلاة، ولا
يكره التشبيك والفرقعة خارج الصلاة.
11 ً - تغميض العينين إلا لخوف وقوع
بصره على ما يشغله عن صلاته، روى ابن عدي في حديث بسند ضعيف: «إذا قام
أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه» لأن السنة النظر إلى موضع سجوده وفي
التغميض تركها، والكراهة تنزيهية بالاتفاق.
12 ً - الالتفات في الصلاة بلا حاجة مهمة،
ولو بجميع جسده ما دامت رجلاه للقبلة، وإلا بطلت الصلاة. هذا ما قاله
المالكية.
وقال الحنفية: يكره تنزيهاً الالتفات بالعنق فقط أي بالوجه كله أو ببعضه،
وببصره، ولا تفسد الصلاة بتحويل صدره على المعتمد. أما لو نظر بمؤخر عينه
يمنة أو يسرة من غير أن يلوي عنقه، لا يكره، قال ابن عباس: «كان النبي صلّى
الله عليه وسلم يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره»
(3).
_________
(1) رواه أحمد، وروى أحمد وأبو داود والترمذي حديثاً آخر في معناه عن كعب
بن عُجرة، وروى ابن ماجه أيضاً حديثاً آخر عن كعب بن عجرة أن النبي صلّى
الله عليه وسلم فرج بين أصابع رجل كان قد شبك أصابعه في الصلاة (نيل
الأوطار:328/ 2 - 330).
(2) رواه الجماعة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:330/ 2).
(3) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وقال:
صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه (نصب الراية:89/ 1).
(2/964)
وقال الشافعية: يكره الالتفات بالوجه إلا
لحاجة، فلا يكره؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم «كان في سفر، فأرسل فارساً إلى
شِعْب، من أجل الحرس، فجعل يصلي، وهويلتفت إلى الشعب» (1). فإن حول صدره عن
القبلة بطلت صلاته، لانحرافه عن القبلة.
وقال الحنابلة: يكره في الصلاة التفات يسير بلا حاجة. وتبطل الصلاة إن
استدار المصلي بجملته أو استدبر القبلة، لتركه الاستقبال بلاعذر، ما لم يكن
في الكعبة، أو في شدة خوف، أو إذا تغير اجتهاده، فلا تبطل إن التفت بجملته،
أو استدبر القبلة، لسقوط الاستقبال حينئذ، وفي حالة تغير الاجتهاد؛ لأنها
صارت قبلته. ولا تبطل الصلاة لو التفت بصدره ووجهه؛ لأنه لم يستدر بجملته.
ودليل كراهة الالتفات لغير حاجة باتفاق المذاهب: حديث عائشة، قالت: «سألت
رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن التَّلفُّت في الصلاة، فقال: اختلاس
يختلِِسه الشيطان من العبد» (2) وحديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم: «لايزال الله مقبلاً على العبد في صلاته، مالم يلْتفِت، فإذا
صرَف وجهه، انصرف عنه» (3) وحديث أنس قال: «قال لي رسول الله صلّى الله
عليه وسلم: إيَّاك والالتفاتَ في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هَلَكَة
فإن كان لابُدّ، ففي التطوع، لا في الفريضة» (4) وفي العبارة الأخيرة الإذن
بالالتفات للحاجة في التطوع، والمنع من ذلك في صلاة الفرض، ومما يجيز
الالتفات لحاجة حديث علي بن شيبان: «قال: قدمنا على النبي صلّى الله عليه
وسلم وصلينا معه، فلمح بمؤخر عينه رجلاً لايقيم صلبه في الركوع والسجود،
فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (5).
_________
(1) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(2) رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود (نيل الأوطار:327/ 2، نصب
الراية:89/ 2).
(3) رواه أحمد والنسائي وأبو داود (المصدران السابقان).
(4) رواه الترمذي وصححه (المصدران السابقان).
(5) رواه ابن حبان في صحيحه.
(2/965)
من العبد» (1) وحديث أبي ذر قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته، ما لم
يلْتفِت، فإذا صرَف وجهه، انصرف عنه» (2) وحديث أنس قال: «قال لي رسول الله
صلّى الله عليه وسلم: إيَّاك والالتفاتَ في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة
هَلَكَة، فإن كان لابُدّ، ففي التطوع، لا في الفريضة» (3) وفي العبارة
الأخيرة الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع، والمنع من ذلك في صلاة الفرض،
ومما يجيز الالتفات لحاجة حديث علي بن شيبان: «قال: قدمنا على النبي صلّى
الله عليه وسلم وصلينا معه، فلمح بمؤخر عينه رجلاً لا يقيم صلبه في الركوع
والسجود، فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (4).
13 ً - رفع البصر إلى السماء: وهذا متفق
عليه، لحديث أنس، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام
يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! فاشتد قوله في ذلك، حتى قال:
لينتهين عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم» (5).
لكن قال المالكية: إن كان ذلك للموعظة والاعتبار بآيات السماء، فلا يكره.
واستثنى الحنابلة حالة التجشي، فلا يكره.
14 ً - القيام على رجل واحدة، أو رفع رجل عن
الأرض واعتماد على الأخرى إلا لضرورة أو عذر، كوجع الأخرى فلا كراهة
حينئذ؛ لأنه تكلف ينافي الخشوع.
وأضاف المالكية: وكره إقران القدمين دائماً في جميع صلاته. وذكر الشافعية
_________
(1) رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود (نيل الأوطار:327/ 2، نصب
الراية:89/ 2).
(2) رواه أحمد والنسائي وأبو داود (المصدران السابقان).
(3) رواه الترمذي وصححه (المصدران السابقان).
(4) رواه ابن حبان في صحيحه.
(5) رواه البخاري.
(2/966)
أنه يكره تقديم رجل على الأخرى، ولصق رجل
بالأخرى، حيث لا عذر؛ لأنه تكلف ينافي الخشوع. ولا بأس بالاستراحة على إحدى
الرجلين لطول القيام أو نحوه.
15 ً - الصلاة حاقناً بالبول، أو حاقناً بالغائط، أو حازقاً بالريح إن وسع
الوقت، أو مع توقان الطعام الحاضر أو القريب الحضور، أي اشتهائه بحيث يختل
الخشوع لو قدم الصلاة عليه، وهذا متفق عليه، لقوله صلّى الله عليه وسلم:
«لا صلاة ـ أي كاملة ـ بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» (1) أي البول
والغائط. والشرب كالأكل. والصلاة مع مدافعة الأخبثين مكروهة تحريماً عند
الحنفية.
وتكره الصلاة حال النعاس الشديد وهو الذي لا يأمن ضبط قراءته والسهو فيها،
لحديث الشيخين عن عائشةرضي الله عنها قالت: «إذا نَعَس أحدكم وهو يصلي،
فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لعله يذهب يستغفر
فيسب نفسه».
16 ً - البصاق أو التنخم في غير المسجد أمامه،
أو عن يمينه، لحديث الشيخين وأحمد: «إذا كان أحدكم في الصلاة، فإنما
يناجي ربه، فلا يبزُقن بين يديه، ولا عن يمينه» زاد البخاري: «فإن عن يمينه
ملكاً، ولكن يساره أو تحت قدمه».
ويكره البصاق أيضاً وهو في غير الصلاة عن يمينه وأمامه إذا كان متوجهاً إلى
القبلة، إكراماً لها.
17 ً - قال المالكية: يكره التفكر في أمر
دنيوي، أو حمل شيء بكم أو فم إذا لم يمنعه مخارج الحروف، وإلا منع
وبطلت، أو حمد لعاطس أو بشارة بشر بها
_________
(1) رواه مسلم عن عائشة.
(2/967)
وهو يصلي، بأن يقول: الحمد لله، أو حكّ جسد
لغير ضرورة إن قل، والكثير مبطل، وكره تبسم قليل اختياراً، والكثير مبطل
ولو اضطراراً.
وقال الحنابلة: يكره حمله ما يشغله عن إكمال صلاته؛ لأنه يذهب بالخشوع.
ويكره إخراج لسانه وفتح فمه، ووضعه فيه شيئاً؛ لأن ذلك يخرجه عن هيئة
الصلاة. ولا يكره وضع شيء في يده وكمه، إلا إذا شغله عن كمال الصلاة،
فيكره.
18 ً - التثاؤب؛ لأنه من التكاسل
والامتلاء ومن الشيطان، والأنبياء محفوظون منه، فإن غلبه فليكظم ما استطاع
لقوله صلّى الله عليه وسلم: «التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم
ما استطاع» (1) وفي رواية لمسلم: «فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخله»،
ويكره التمطي أيضاً، لأنه يخرجه عن هيئة الخشوع ويؤذن بالكسل، ولحديث
الدارقطني عن أبي هريرة: «نهى أن يتمطى الرجل في الصلاة، أو عند النساء إلا
عند امرأته أو جواريه» والكراهة هنا تنزيهية عند الحنفية إلا إن تعمده
فيكره تحريماً؛ لأنه عبث، والعبث مكروه تحريماً في الصلاة، وتنزيهاً
خارجها.
19 ً - قال الشافعية والحنابلة: يكره الاستناد
إلى جدار أو نحوه مما يسقط بسقوطه إذا ظل قائماً، إلا لحاجة إليه،
فلا يكره معها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم «لما أسنَّ وأخذه اللحم،
اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه» (2).
فإن سقط المصلي لو أزيل، أو كان يمكنه رفع قدميه عن الأرض، بطلت صلاته؛
لأنه بمنزلة غير القائم.
_________
(1) رواه الشيخان، وفي رواية للترمذي: «فليضع يده على فمه» وألحق الكم
باليد.
(2) رواه أبو داود (نيل الأوطار:331/ 2).
(2/968)
ويكره الاعتماد على يده في جلوسه، لقول ابن
عمر: «نهى النبي صلّى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهومعتمد على
يده» (1).
20 ً - يكره تنزيهاً عند الحنفية رد السلام بالإشارة باليد أو الرأس؛ لأنه
سلام، حتى لو صافح بنية التسليم، تفسد صلاته، ويكره كل إشارة بالعين أو
اليد ونحوها.
ويستحب عند الشافعية حتى للناطق رد السلام بالإشارة، ولمن عطس أن يحمد
الله، ويسمع نفسه. ولو قال المأموم: استعنا بالله بعد قراءة الإمام {إياك
نستعين} [الفاتحة:5/ 1]، بطلت صلاته إن لم يقصد تلاوة أو دعاء.
ولا يكره عند المالكية رد السلام بالإشارة على مسلّم عليه، وإنما هو مطلوب.
ولكن يكره عندهم إشارة للرد برأس أو يد على مشمِّت شمته وهو يصلي قائلاً
له: (يرحمك الله) إذا ارتكب المكروه، وحمد لعطاسه.
وتجوز عندهم الإشارة الخفيفة لأي حاجة، كما يجوز عند الحنفية تكليم المصلي
وإجابته برأسه، كما لو طلب منه، فأومأ بنعم أو لا.
أما الرد بالكلام فمبطل للصلاة اتفاقاً.
21 ً - قراءة سورة أو آية في الركعتين
الأخيرتين من الفريضة. واستثنى الشافعية المسبوق الذي سبق بالأولى
والثانية، فله أن يقرأ السورة في الأخيرتين من صلاة الإمام؛ لأنهم أولياه،
إذ إن ما أدركه المأموم هو أول صلاته. فإن لم يمكنه قراءتها فيهما قرأ في
أخيرتيه، لئلا تخلو صلاته من السورة. ولو سبق بالأولى فقط قرأها في الثانية
والثالثة.
_________
(1) رواه أحمد وأبو داود (نيل الأوطار:331/ 2).
(2/969)
22 ً - الجهر
بالقراءة في موضع الإسرار، والإسرار في موضع الجهر، والجهر عند
الشافعية خلف الإمام. ويحرم الجهر إن شوش على غيره. ويسجد حينئذ على
المشهور عند المالكية سجود السهو (1).
23 ً - يكره عند الشافعية: الزيادة في جلسة
الاستراحة على قدر الجلوس بين السجدتين، وإطالة التشهد الأول، ولو
بالصلاة على الآل فيه، والدعاء فيه، لبنائه على التخفيف، وترك الدعاء في
التشهد الأخير خروجاً من خلاف من أوجبه، ومقارنة الإمام في أفعال الصلاة
وأقوالها، للخلاف في صحة صلاته حينئذ.
وهذه الكراهة الأخيرة تفوت فضيلة الجماعة، كالانفراد عن الصف، وترك فرجة
فيه مع سهولة سدها، وهو مكروه أيضاً عند الحنفية، وتبطل الصلاة عند
الحنابلة إن صلى وحده، والعلو على الإمام، والانخفاض عنه لغير حاجة ولو في
المسجد، والاقتداء بالمخالف ونحو الفاسق والمبتدع، واقتداء المفترض
بالمتنفل، ومصلي الظهر بمصلي العصر مثلاً وعكسه (2)، ويكره تنزيهاً أيضاً
عند الحنفية ارتفاع الإمام بما يقع به الامتياز عن المأمومين وعكسه، لما
أخرجه الحاكم: «أنه صلّى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الإمام فوق، ويبقى
الناس خلفه» وعللوه بأنه تشبه بأهل الكتاب، فإنهم يتخذون لإمامهم دكاناً أي
مرتفعاً.
24 ً - عقص الشعر (3) وتشمير الكم. وقيد المالكية كراهة تشمير الكم: بأن
يكون لأجل الصلاة.
ودليل كراهة العقص ما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي رافع قال: «نهى النبي
صلّى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل ورأسه معقوص» والكراهة تنزيهية
بالاتفاق. وقيد الحنفية
_________
(1) القوانين الفقهية: ص78.
(2) شرح الحضرمية: ص56.
(3) أي ليه وإدخال أطرافه في أصوله، وبعبارة أخرى: ضفره.
(2/970)
كراهة التشمير تحريماً برفع الكم إلى
المرفقين، فلا يكره مادونهما، وكذا مادونهما كما في كتاب البحر.
25 ً - الإقعاء: وهو أن يضع أليتيه على
الأرض، وينصب ركبتيه. وقال المالكية: إنه محرم بهذا المعنى، ولا يبطل
الصلاة على الأظهر، والمكروه عندهم له صور أربع، منها: أن يجعل بطون أصابعه
للأرض، ناصباً قدميه، جاعلاً أليتيه على عقبيه، أو يجلس على القدمين،
وظهورهما للأرض.
ودليل كراهة الإقعاء: حديث أبي هريرة: «نهاني رسول الله صلّى الله عليه
وسلم عن ثلاث: عن نقرة كنقر الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات
الثعلب» (1)، وعن علي، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تُقْع بين
السجدتين» وعن أنس قال: قال صلّى الله عليه وسلم: «إذا رفعت رأسك من
السجود، فلا تُقْع كما يُقْعي الكلب» (2).
ويكره تنزيهاً التربع بغير عذر في الصلاة، لترك الجلسة المسنونة، ولا يكره
خارجها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان جل جلوسه مع أصحابه التربع، وكذا عمر
رضي الله عنه.
26 ً - افتراش ذراعيه: أي مدُّهما كما
يفعل السبع. لحديث عائشة في صحيح مسلم: «وكان ينهى عن عُقْبة الشيطان (3)،
وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع» والكراهة هنا تحريمية عند الحنفية.
27 ً - قال المالكية كما بينا: يكره التصفيق في
صلاة ولو من امرأة لحاجة تتعلق بالصلاة كسهو إمامه، أو سلامه بعد
ركعتين في رباعية، أو بغير الصلاة
_________
(1) أخرجه أحمد في مسنده (نصب الراية:92/ 2).
(2) رواهما ابن ماجه.
(3) وهو الإقعاء وهو أن يضع أليتيه على عَقِبيه بين السجدتين، وهذا معناه
عند العرب. أما عند أهل الحديث: فهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه.
(2/971)
كمنع مارّ بين يدي المصلي، أو تنبيه على
أمر ما. والشأن المطلوب شرعاً لمن نابه شيء ـ وهو يصلي ـ التسبيح بأن يقول:
سبحان الله.
وتكره في المذهب المالكي الصلاة على غير الأرض وما تنبته، كما ذكرنا
سابقاً.
28 ً - الصلاة في ثياب البِذْلة (التي يلبسها في بيته)، والمهنة (أي
الخدمة) إن كان له غيرها، وإلا فلا يكره. لقوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل
مسجد} [الأعراف:31/ 7] أي صلاة. والكراهة هنا تنزيهية اتفاقاً.
29 ً - الصلاة في السراويل أو الإزار مع القدرة
على لبس القميص، والصلاة حاسراً (كاشفاً) رأسه، للتكاسل، ولا بأس به
بقصد التذلل، لأن مبنى الصلاة على الخشوع. والكراهة هنا تنزيهية اتفاقاً،
والمستحب شرعاً أن يصلي الرجل في ثوبين: قميص ورداء، أو قميص وسراويل، لما
روى أبو داود وغيره عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى
أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزين له، فمن لم يكن له ثوبان فليتزر
إذا صلى، ولا يشتمل اشتمال اليهود» كما يستحب تغطية الرأس.
30 ً - الصلاة بثياب فيها تصاوير الحيوان أو
الإنسان (1)، لقول أبي طلحة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم
يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة» (2) ولأنه يشبه حامل
الصنم، ولحديث عائشة عن البخاري عن أنس قال: «كان قِرام ـ ستر رقيق ـ
لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلم: أميطي عنك
_________
(1) المغني:590/ 1، كشاف القناع:432/ 1، غاية المنتهى:103/ 1، المهذب:66/
1، المجموع:185/ 3.
(2) متفق عليه.
(2/972)
قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في
صلاتي» وكونه غير حرام أن زيد بن خالد روى الحديث الأول عن أبي طلحة عن
النبي صلّى الله عليه وسلم؛ وقال في آخره: «إلا رقما في ثوب» (1).
وتكره الصلاة إلى صورة منصوبة أو تمثال فوق رأسه أو بين يديه أو بحذائه
يمنة أو يسرة، ولوفي وسادة منصوبة لا مفروشة؛ لأنه يشبه سجود الكفار إليها،
والتشبه بعبادة الأوثان والأصنام.
ويكره السجود على الصورة ولو كانت صغيرة عند الحنابلة والشافعية، وقال
الحنفية (2): لا يكره إن كانت تحت قدميه؛ لأنه مهانة، أو محل جلوسه، أو في
يده؛ لأنها مستورة بثيابه، أوعلى خاتمه بنقش غير مستبين، ولا يكره المستتر
بكيس أو صورة أو ثوب آخر. والكراهة هنا تحريمية عند الحنفية، وأبان الحنفية
أنه لا تكره الصلاة مع وجود صورة صغيرة لا تتبين تفاصيل أعضائها للناظر
قائماً، وهي على الأرض، ولا الصورة المقطوعة الرأس أو الوجه أو ممحوة عضو
لا تعيش بدونه، ولاصورة شيء غير ذي روح من النبات ونحوه؛ لأن كل هذه
المذكورات لا تعبد. وخبر مسلم عن جبريل «إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو
صورة» مخصوص بغير المهانة.
وقال الحنفية: لا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق؛ لأنهما لا
يعبدان. ولا بأس أن يصلي على ثوب فيه تصاوير، لأنه فيه استهانة بالصور. ولا
تكره الصلاة لو كانت الصورة على وسادة ملقاة، أو على بساط مفروش.
_________
(1) متفق عليه.
(2) الدر المختار ورد المحتار:606/ 1 ومابعدها، فتح القدير:294/ 1
ومابعدها، البدائع:115/ 1.
(2/973)
ويكره الصليب في ثوب، لحديث عائشة: «أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان لا يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا
نقضه» (1).
31 ً - قال الحنفية: يكره تنزيهاً قيام بجملته في المحراب، لا سجوده فيه مع
وجود قدميه خارجه، لئلا يمتاز الإمام عن المأمومين في المكان؛ لأن المحراب
في معنى بيت آخر، وذلك صنيع أهل الكتاب؛ إلا إذا ضاق المكان، فلا كراهة.
وقالوا أيضاً: يكره تنزيهاً عد الآي والسور والتسبيح باليد في الصلاة
مطلقاً، فرضاً أو نفلاً؛ لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة، ولا يكره خارجها،
ويكره أن يصلي أمام متحدثين تصدر عنهم أصوات، أو شغل، أو نائمين يخشى خروج
شيء منهم مضحك.
ويكره أيضاً السجود على كور عمامته إذا أصابت الجبهة الأرض، وإلا لم تصح
الصلاة. ويكره الاعتجار: وهو لَفّ العمامة على الرأس وترك وسطه مكشوفاً.
وقالوا: لا بأس باتخاذ المسبحة لغير رياء.
32 ً - الصلاة إلى نار موقدة، لما فيها
من التشبه بالمجوس عبدة النار، وهذا كما قدمنا في بحث السترة متفق عليه،
والكراهة تنزيهية اتفاقاً، إلا أن الشافعية لم يذكروا ذلك من المكروهات.
33 ً - السدل في الصلاة: أي إرسال الثوب
أو الرداء على الكتفين بلا لبس معتاد (كالحرام والملاءة) بدون أن يرد أحد
طرفيه على الكتف الآخر. وهو عند غير
_________
(1) رواه أبو داود وأحمد (نيل الأوطار:102/ 2).
(2/974)
المالكية مكروه بلا عذر، وإلا فلا يكره
(1)، لحديث أبي هريرة: أن النبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن السَّدْل في
الصلاة، وأن يُغطِّي الرجل فاه (2)
والكراهة تحريمية عند الحنفية. وقال المالكية: إلقاء الرداء على الكتفين
مندوب، بل يتأكد لإمام المسجد (كالبرنس المغربي) المعروف.
34 ً - اشتمال الصمَّاء: وهو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانباً،
ولايبقي ما تخرج منه يده. وفسره بأن يلتحف بثوب واحد، ليس عليه غيره، ثم
يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبيه، فيبدو منه فرجه. فعلى هذا التفسير
يكون النهي للتحريم، وتفسد الصلاة معه (3).
فإن لم يظهر الفرج بأن اشتمل بالثوب (كالحِرام ونحوه) بحيث لا يدع منفذاً
يخرج منه يديه، كان مكروهاً اتفاقاً، والكراهة تحريمية عند الحنفية. لما
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلم
«أنه نهى عن لبستين: اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل بثوب ليس بين فرجه
وبين السماء شيء» (4).
قال الشيرازي في المهذب: ويكره اشتمال الصماء: وهو أن يلتحف بثوب، ثم يخرج
يده من قبل صدره (5).
_________
(1) الدر المختار:597/ 1 ومابعدها، البدائع:218/ 1 ومابعدها، المجموع:183/
3، كشاف القناع:319/ 1، غاية المنتهى:101/ 1، المغني:584/ 1.
(2) رواه أبو داود، ولأحمد والترمذي عن أبي هريرة النهي عن السدل، ولابن
ماجه: النهي عن تغطية الفم (نيل الأوطار:77/ 2 ومابعدها) وذكر للسدل معنى
آخر كالإسبال: وهو إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.
(3) المغني:584/ 1، نيل الأوطار:76/ 2.
(4) نيل الأوطار:76/ 2.
(5) المجموع:182/ 3، المهذب:65/ 1.
(2/975)
35 ً - قال الحنابلة (1): تكره الصلاة في
الثوب الأحمر، كما يكره للرجال لبسه: لما روى أحمد عن بعض الصحابة: «نهاني
رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن لبس الحمرة» وعن عبد الله بن عمرو، قال:
«دخل على النبي صلّى الله عليه وسلم رجل عليه بردان أحمران فسلم فلم يرد
النبي صلّى الله عليه وسلم» (2).وقال الحنفية (3): يكره تنزيهاً لبس
المعصفر والمزعفر: الأحمر والأصفر للرجال، ولا بأس بسائر الألوان للنساء.
وقال مالك: يكره الثوب الأحمر لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في المهنة
والبيوت. وأباح الشافعي لبس الثياب المصبوغة بالأحمر (4).
36 ً - قال المالكية (5): يكره لباس مُحدِّد للعورة لرقته أو لضيقه
وإحاطته، كسراويل، ولو بغير صلاة؛ لأنه ليس من زي السلف.
37 ً - الاضطباع: وهو أن يجعل الرداء
تحت إبطه الأيمن، ثم يلقي طرفه على كتفه الأيسر، ويترك الآخر مكشوفاً. وهو
داخل في كيفية اشتمال الصماء المنهي عنه في الحديث السابق.
38 ً - الإتيان بأذكار الانتقال كالتكبير
والتسميع والتحميد في غير محلها، كأن يكبر للركوع بعد أن يتم ركوعه،
أو يقول: سمع الله لمن حمده، بعد تمام القيام؛ لأن السنة أن يكون ابتداء
الأذكار عند ابتداء الانتقال.
وقال الحنابلة: إن ذلك مبطل للصلاة إن تعمده.
_________
(1) المغني: 586/ 1.
(2) رواه الترمذي وأبو داود (جامع الأصول: 11/-28).
(3) الدر المختار:252/ 5.
(4) القسطلاني شرح البخاري:430/ 8.
(5) الشرح الكبير:217/ 1 ومابعدها.
(2/976)
وقال المالكية: إن ذلك خلاف المندوب.
39 ً - ترك اتخاذ السترة أمام المصلي،
كما بينا.
وأخيراً .. قال الحنفية: يكره تحريماً استقبال القبلة بالفرج في بيت
الخلاء، للنهي عنه في السنة، ويكره الاستدبار، لما فيه من ترك التعظيم لها.
وحديث النهي: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن
شرّقوا أو غربوا» (1).
وهذا من المكروهات خارج الصلاة، وقد قدمنا الكلام عليه في بحث آداب قضاء
الحاجة.
المطلب الثاني ـ الأماكن التي تكره الصلاة فيها:
حرم الحنابلة الصلاة في هذه الأماكن، وكره الشافعية والحنفية ذلك (2)
والكراهة تحريمية عند الحنفية، لثبوت النهي عنها في السنة، ويذكرونها عادة
في شروط الصلاة عند طهارة المكان، روى ابن عمر: «أن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمَجْزرة، والمَقْبرة،
وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي أعطان الإبل، وفوق ظهر بيت الله» (3) وهو
إن صح يدل على تحريم الصلاة في هذه المواطن وهو رأي الحنابلة. وحكمة النهي
وتفصيل الحكم فيها يتجلى فيما يأتي:
_________
(1) رواه الأئمة عن أبي أيوب الأنصاري (نصب الراية:102/ 2).
(2) البدائع:115/ 1 ومابعدها، الشرح الصغير:267/ 1 ومابعدها، القوانين
الفقهية: ص49،52، مغني المحتاج:203/ 1، حاشية قليوبي وعميرة:120/ 1،
المهذب: 63/ 1، المجموع:164/ 3 - 168، المغني:67/ 2 - 76، كشاف القناع:341/
1 - 349.
(3) رواه عبد بن حميد في مسنده، وابن ماجه والترمذي، وقال: إسناده ليس بذاك
القوي، ففيه راو ضعيف (نيل الأوطار:138/ 2).
(2/977)
1 ً - الصلاة
في قارعة الطريق، أي أعلاه أو أوسطه: مكروهة عند الحنفية والشافعية
(1)؛ لأن الطريق ممر الناس، فلا يؤمن من المرور، ولا من النجاسة، إذ لا
تخلو من الأرواث والأبوال، فينقطع الخشوع بممر الناس، فإن صلى فيه، صحت
الصلاة؛ لأن المنع لترك الخشوع، أو لمنع الناس من الطريق، وذلك لا يوجب
بطلان الصلاة، ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجداً
وطهوراً:» وفي لفظ: «فحيثما أدركتك الصلاة، فصل، فإنه مسجد» وفي لفظ:
«أينما أدركتك الصلاة فصل، فإنه مسجد» (2). وذكر الشافعية: أن الصلاة تكره
في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد.
وقال المالكية: تجوز الصلاة بلا كراهة في محجة الطريق والمزبلة والمقبرة
والحمام والمجزرة، أي وسطها إن أمنت النجاسة. فإن لم تؤمن بأن كانت محققة
أو مظنونة فهي باطلة، وإن كانت مشكوكة أعيدت على الأرجح في الوقت، إلا إذا
صلى في الطريق لضيق المسجد وشك في الطهارة فلا إعادة عليه.
ولكن تظل الكراهة إن صلى بطريق من يمر بين يديه.
وقال الحنابلة: تحرم الصلاة ولا تصح في قارعة الطريق (3) والمزبلة والمقبرة
والمجزرة والحمام ومعاطن الإبل، كما لا تصح الصلاة في أسطحتها؛ لأن الهواء
تابع للقرار فيها، بدليل أن الجنب يمنع من اللبث على سطح المسجد، وأن من
حلف لا يدخل داراً يحنث بدخول سطحها.
_________
(1) المعتمد عند الشافعية: الكراهة في طريق البنيان لا البرية.
(2) متفق عليه.
(3) قارعة الطريق: يعني التي تقرعها الأقدام. ومحجة الطريق: الجادة
المسلوكة التي تسلكها السابلة أي المارة.
(2/978)
ولا تصح الصلاة في ساباط على طريق؛ لأن
الهواء تابع للقرار فيها، ولا على سطح نهر؛ لأن الماء كالطريق لا يصلى
عليه.
واستثنوا صلاة الجنازة في المقبرة وعلى سطحها، فإنها تصح، كما استثنوا طريق
البيوت القليلة وما علا عن جادة الطريق يمنة ويسرة، فتصح الصلاة فيه بلا
كراهة، لأنه ليس بمحجة. وتجوز الصلاة في هذه الأماكن لعذر، كأن حبس فيها.
وقالوا: المنع من هذه المواضع تعبدي، لا لعلة معقولة بوهم النجاسة ونحوه.
ودليلهم العمل بنص رواية ابن عمر. هذا ماذكر في كشاف القناع. وقال ابن
قدامة في المغني: الصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه المواضع إلا
المقبرة؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجداً» يتناول
الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته. لكن يكره أن يصلي إلى هذه المواضع،
فإن فعل صحت صلاته. وعليه يكون رأي الحنابلة كالجمهور.
ودليلهم على استثناء المقابر: حديثان صحيحان وهما: «إن من كان قبلكم كانوا
يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني
أنهاكم عن ذلك، وقال: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد» (1) فلا تصح الصلاة إلى القبور للنهي عنها، ويصح إلى غيرها لبقائها
في عموم الإباحة، وامتناع قياسها على ما ورد النهي فيه.
2 ً - الصلاة في داخل الحمام: مكروهة
عند الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأنها مأوى الشياطين، ومظنة انكشاف
العورات، ومصب الغسالات والنجاسات عادة.
_________
(1) الحديث الأول رواه مسلم والنسائي عن جندَب بن عبد البَجَلي. والثاني
رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ: «قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد» (نيل الأوطار:136/ 2، الجامع الصغير:80/ 2).
(2/979)
3 ً - الصلاة
في معاطن الإبل، أي مباركها (1): مكروهة عند القائلين بنجاسة
أبوالها وأرواثها، وهم الحنفية والشافعية، أو لما فيها من النفور، فربما
نفرت، وهو في الصلاة، فتؤدي إلى قطعها، أو أذى يحصل له منها، أو تشويش
الخاطر الملهي عن الخشوع في الصلاة.
وتكره الصلاة في مبارك الإبل عند المالكية أيضاً، للعلة السابقة غير
النجاسة، ولا تكره في مرابض (مجالس) الغنم والبقر، بدليل حديث أبي هريرة:
«صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل» (2) وعدم كراهة الصلاة في
مرابض الغنم متفق عليه.
وتعاد الصلاة في الوقت عندهم إن صليت في معاطن الإبل، وإن أمنت النجاسة، أو
فرش فراش طاهر، تعبداً على الأظهر.
4 ً - الصلاة في المزبلة والمجزرة:
مكروهة عند غير المالكية، لمجاورة النجاسة، أو مظنة وجودها، فالأولى موضع
النجاسة، ومجمع الأوساخ والنفايات والذباب والثانية: موضع ذبح الحيوان.
وذلك إذا بسط على الموضع طاهراً وصلى عليه، وإلا لم تصح الصلاة؛ لأنه مصل
على نجاسة، وتكره عند الشافعية على الحائل إذا كانت النجاسة محققة، فإن
بسطه على ما غلبت فيه النجاسة، لم تكره.
والْحُش (3) المعد لنجاسة أولى بمنع الصلاة فيه من بابه وموضع الكنيف
_________
(1) أي موضع بروكها عند شربها، والمعاطن: جمع معطن، والعطن: مبرك الإبل حول
الماء.
(2) رواه أحمد والترمذي وصححه (نيل الأوطار:137/ 2) والمرابض للغنم
كالمعاطن للإبل فهي المراقد.
(3) بفتح الحاء وضمها: وهو ما أعد لقضاء الحاجة، ولو مع طهارته من النجاسة.
وأصله لغة: البستان، ثم أطلق على محل قضاء الحاجة؛ لأن العرب كانوا يقضون
حوائجهم في البساتين، وهي الحشوش، فسميت الأخلية في الحضر حشوشاً.
(2/980)
(مجمع الأوساخ)، وسطحه؛ لأنه لما منع الشرع
من ذكر الله والكلام فيه، كان منع الصلاة فيه من باب أولى.
5 ً - الكنيسة (معبد النصارى) والبِيعة (معبد اليهود) ونحوهما من أماكن
الكفر: تكره الصلاة فيها عند الجمهور وابن عباس، مطلقاً عامرة أو دارسة؛
إلا لضرورة كحر أو برد أو مطر، أو خوف عدو أو سبع، فلا كراهة.
وحكمة الكراهة: أنها مأوى الشياطين، لأنها لا تخلو من التماثيل والصور،
ولأنها موضع فتنة وأهواء، مما يمنع الخشوع.
وقالت الحنابلة: لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة، وقد رخص فيها الحسن
البصري وعمر بن عبد العزيز والشعبي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، وروي
أيضاً عن عمر وأبي موسى الأشعري. واستدلوا: بأن النبي صلّى الله عليه وسلم
صلى في الكعبة وفيها صور (1)، وهي داخلة في عموم قوله عليه السلام: «فأينما
أدركتك الصلاة، فصل، فإنه مسجد».
قال النووي في المجموع: وتكره الصلاة في مأوى الشياطين كالخمارة وموضع
المكس ونحو ذلك من المعاصي الفاحشة.
6 ً - الصلاة في المقبَرة: مكروهة عند الجمهور غير المالكية، لنجاسة ما
تحتها بالصديد ولما فيها من التشبه باليهود، كما في الحديث السابق: «لعن
الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري بعدي مسجداً»،
ولهم تفصيل في شأن الصلاة في المقابر:
_________
(1) حقق ابن القيم في زاد المعاد أن النبي صلّى الله عليه وسلم دخل الكعبة
يوم فتح مكة، فأزال الصور منها، ثم كبر في جهاتها الأربع، ولم يصل.
(2/981)
قال الحنفية: تكره الصلاة في المقبرة إذا
كان القبر بين يدي المصلي، بحيث لو صلى خاشعاً وقع بصره عليه. أما إذا كان
خلفه أو فوقه أو تحته فلا كراهة على التحقيق، كما لا كراهة في الموضع المعد
للصلاة بلا نجاسة ولا قذر، ولا تكره الصلاة مطلقاً في أماكن قبور الأنبياء.
وقال الشافعية: تكره الصلاة في المقبرة التي لم تنبش، سواء أكانت القبور
أمامه أم خلفه أم عن يمينه أم شماله، أم تحته، إلا مقابر الأنبياء وشهداء
المعركة؛ لأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وإنما هم
أحياء في قبورهم يصلون، كما أن الشهداء أحياء، إلا إن قصد تعظيمهم فيحرم.
أما المقبرة المنبوشة فلاتصح الصلاة فيها بغير حائل ومعه تكره.
وقال الحنابلة: المقبرة: ما احتوت على ثلاثة قبور فأكثر في أرض موقوفة
للدفن، فإن لم تحتو على ثلاثة فالصلاة فيها صحيحة بلا كراهة إن لم يستقبل
القبر، وإلا كره.
ولا تصح الصلاة عندهم في المقابر، لحديث أبي سعيد مرفوعاً: «الأرض كلها
مسجد، إلا المقبرة والحمام» (1) وتكره الصلاة إلى المقبرة بلا حائل لحديث
أبي مَرْثد الغَنَوي: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها» (2).
وحديث ابن عمر: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً» (3).
_________
(1) رواه الخمسة إلا النسائي، وأخرجه أيضاً الشافعي وابن خزيمة وابن حبان
والحاكم، قال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب، روي مرسلاً (نيل الأوطار:133/
2).
(2) رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه (نيل الأوطار:134/ 2).
(3) رواه الجماعة إلا ابن ماجه (نيل الأوطار:135/ 2).
(2/982)
وذلك سواء حدث المسجد بعد المقبرة أم حدثت
المقبرة بعده، حوله أو في قبلته.
7 ً - الصلاة فوق الكعبة: مكروهة لما
فيها من ترك التعظيم المأمور به، ولعدم وجود السترة الثابتة بين يدي
المصلي، لأنه مصلٍ على البيت لا إلى البيت. ولكن تصح الصلاة على ظهر الكعبة
أو في الكعبةإذا كانت نافلة بالاتفاق، ولا تصح الفريضة فيهما عند المالكية
والحنابلة، وتصح فيهما الصلاة مطلقاً فرضاً أو نفلاً عند الحنفية
والشافعية، كما بينا في شرط استقبال القبلة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم
(صلى في البيت ركعتين) إلا أنه إن صلى تلقاء الباب، أو على ظهرها وكان بين
يديه شيء من بناء الكعبة متصل بها، صحت صلاته عند الحنابلة، فإن لم يكن بين
يديه شاخص، لا تصح صلاته عندهم؛ لأنه غير مستقبل لشيء منها.
لكن قال ابن قدامة (1): والأولى أنه لا يشترط كون شيء منها بين يديه؛ لأن
الواجب استقبال موضعها وهوائها، دون حيطانها، بدليل ما لو انهدمت الكعبة،
صحت الصلاة إلى موضعها، ولو صلى على جبل عال يخرج عن مسامتتها، صحت صلاته
إلى هوائها، فكذا ههنا.
المطلب الثالث ـ ما لايكره فعله في الصلاة:
تبين مما سبق أن الصلاة لا تكره في الأفعال الآتية عند الحنفية (2):
1 - لا بأس بالصلاة إلى ظهر إنسان قائم أو قاعد، ولو كان يتحدث ما لم يكن
منه تشويش للصلاة؛ لأن ابن عمر ربما كان يستتر بمولاه (نافع) في بعض
أسفاره.
_________
(1) المغني:74/ 2.
(2) مراقي الفلاح: ص59.
(2/983)
2 - ولا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق
أو سيف معلق لأنهما لايعبدان.
3 - لا يكره السجود على بساط فيه تصاوير لذي روح، لم يسجد عليها؛ لأن فيه
استهانة بالصور بالوطء عليها.
4 - لا يكره باتفاق العلماء قتل حية وعقرب ونحوهما من كل حيوان مؤذ، ولو
بضربتين، ما لم يقتض ذلك عملاً كثيراً، ولو أدى إلى الانحراف عن القبلة،
لحديث أبي هريرة السابق: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين
في الصلاة: العقرب والحية» (1).
5 - لا مانع من نفض ثوبه بعمل قليل، كيلا يلتصق بجسده في الركوع، تحاشياً
عن ظهور الأعضاء.
6 - لا بأس باتفاق العلماء بالفتح على الإمام من المأموم إذا أرتج عليه، أو
غلط في التلاوة، لما فيه من التنبيه إلى ما هو مشروع في الصلاة، كما سيأتي
في بحث مبطلات الصلاة.
7 - المراوحة بين الرِجْلين: بأن يعتمد مرة على هذه، ومرة على هذه، لأنه
أدعى لطول القيام، وتكره إذا كثرت، لدلالتها على الملل وهو مكروه.
المطلب الرابع ـ ما تحرم الصلاة فيه (الصلاة في
الموضع المغصوب):
الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع؛ لأن اللبث فيها يحرم في غير
الصلاة، فلأن يحرم في الصلاة أولى (2).
_________
(1) رواه الخمسةوصححه الترمذي (نيل الأوطار:336/ 2).
(2) المجموع:169/ 3، المهذب:64/ 1، البدائع:116/ 1، المغني:588/ 1، و74/ 2،
كشاف القناع:313/ 1، 343 - 346.
(2/984)
وهل تصح الصلاة في المكان المغصوب؟
قال الجمهور غير الحنابلة: الصلاة صحيحة؛ لأن النهي لا يعود إلى الصلاة،
فلم يمنع صحتها، كما لو صلى وهو يرى غريقاً يمكنه إنقاذه، فلم ينقذه، أو
حريقاً يقدر على إطفائه فلم يطفئه، أو مطلَ غريمه الذي يمكن إيفاؤه وصلى.
ويسقط بها الفرض مع الإثم، ويحصل بها الثواب، فيكون مثاباً على فعله،
عاصياً بمقامه، وإثمه إذن للمكث في مكان مغصوب.
وقال الحنابلة في الأرجح عندهم: لا تصح الصلاة في الموضع المغصوب، ولو كان
جزءاً مشاعاً، أو في ادعائه الملكية، أو في المنفعة المغصوبة من أرض أو
حيوان أو بادعاء إجارتها ظالماً، أو وضع يده عليها بدون حق؛ لأنها عبادة
أتى بها على الوجه المنهي عنه، فلم تصح، كصلاة الحائض وصومها؛ لأن النهي
يقتضي تحريم الفعل واجتنابه والتأثيم بفعله، فكيف يكون مطيعاً بما هو عاص
به، ممتثلاً بما هو محرم عليه، متقرباً بما يبعد به؟! فإن حركاته وسكناته
من القيام والركوع والسجود أفعال اختيارية، هو عاص بها منهي عنها. ويختلف
الأمر عن إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق؛ لأن أفعال الصلاة في نفسها منهي
عنها.
وأضاف الحنابلة: أنه يصح الوضوء والأذان وإخراج الزكاة والصوم والعقود
كالبيع والنكاح وغيرهما، والفسوخ كالطلاق والخلع، في مكان مغصوب؛ لأن
البقعة ليست شرطاً فيها، بخلاف الصلاة.
وتصح الصلاة في بقعة أبنيتها غصب، ولو استند إلى الأبنية لإباحة البقعة
المعتبرة في الصلاة.
وتصح صلاة من طولب برد وديعة أو رد غصب، قبل دفعها إلى صاحبها، ولو بلا
عذر؛ لأن التحريم لا يختص بالصلاة.
(2/985)
ولو صلى على أرض غيره ولو كانت مزروعة بلا
ضرر ولا غصب، أو صلى على مصلاه بلا غصب ولا ضرر، جاز وصحت صلاته.
وإن صلى في غصب من بقعة أو غيرها جاهلاً أو ناسياً كونه غصباً، صحت صلاته؛
لأنه غير آثم.
وإذا حبس في مكان غصب، صحت صلاته، لحديث: «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه».
الأرض المسخوط عليها: وتصح الصلاة في
الأرض المسخوط عليها، كأرض الخسف، وكل بقعة نزل فيها عذاب، كأرض بابل، وأرض
الحِجْر (1)، ومسجد الضرار (2)، وتكره الصلاة في هذه المواضع؛ لأن هذا
المسجد موضع مسخوط عليه، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم يوم مر بالحجر:
«لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما
أصابهم» (3).
ملحق بأنواع اللباس في الصلاة:
ذكر الشافعية والحنابلة أنواعاً أربعة للباس (4):
1 - ما يجزئ من اللباس:
هو ثوب واحد يستر العورة، وبعضه ـ عند الحنابلة ـ أو غيره على عاتقه لما
_________
(1) ديار ثمود بين المدينة والشام، وهم قوم صالح عليه السلام.
(2) هو مسجد بناه المنافقون، مجاور لمسجد قباء في المدينة، ليكون مركزاً
للمؤامرات، وفيه نزلت الآيات: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً
وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل ... }
(الآية107من سورة التوبة).
(3) تفسير ابن كثير:556/ 2.
(4) المغني:582/ 1 - 588، المهذب:64/ 1 - 66.
(2/986)
روى عمرو بن سلمة «أنه رأى رسول الله صلّى
الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد، في بيت أم سلمة، قد ألقى طرفيه على
عاتقه» (1)، وعن جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الثوب
واسعاً، فالتحف به، وإذا كان ضيقاً، فائتزر به» (2) وغير ذلك من الأحاديث.
ويجب ستر العورة بما لا يصف البشرة من ثوب صفيق أو جلد أو ورق، فإن ستر بما
يظهر منه لون البشرة من ثوب رقيق، لم يجز؛ لأن الستر لا يحصل بذلك.
2 - ثياب الفضيلة:
وهو أن يصلي الرجل في ثوبين أو أكثر، فإنه أبلغ وأعم في الستر، روي عن عمر
أنه قال: «إذا أوسع الله فأوسعوا، جمع رجل عليه ثيابه، صلى رجل في إزار
وبرد، أو في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص،
في سراويل وقباء، في تُبّان وقميص» (3)، وقال عمر أيضاً: «إذا كان لأحدكم
ثوبان، فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب واحد، فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال
اليهود» (4).
والمستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: خمار تغطي به الرأس والعنق،
ودِرْع تغطي به البدن والرجلين، وملحفة صفيقة، تستر بها الثياب، لقول عمر
رضي الله عنه: «تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: درع وخمار وإزار» ولقول عبد
الله ابن عمر رضي الله عنهما: «تصلي في الدرع، والخمار والملحفة».
_________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري وغيره.
(3) رواه البخاري، والتُبَّان: بالضم والتشديد: سروال صغير مقدار شبر يستر
العورة المغلظة، وقد يكون للملاَّحين.
(4) رواه أبو داود.
(2/987)
والمستحب أن تكثف المرأة جلبابها، حتى
لايصف أعضاءها، وتجافي الملحفة عنها في الركوع والسجود، حتى لايصف ثيابها.
3 - الثياب المكروهة:
اشتمال الصماء:
وهو أن يلتحف بثوب، ثم يخرج يديه من قبل صدره، كالعباءة اليوم. وقيل: أن
يضطبع بالثوب ليس عليه غيره. ومعنى الاضطباع: أن يضع وسط الرداء تحت عاتقه
الأيمن، وطرفيه على منكبيه الأيسر، ويبقى منكبه الأيمن مكشوفاً. وقد سبق
بيان ذلك في مكروهات الصلاة.
ويكره السدل أيضاً: وهو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين، ولا يرد أحد طرفيه
على الكتف الأخرى، ولا يضم الطرفين بيديه، كالحرام أو الملاءة الآن. وقد
سبق بيانه.
ويكره أيضاً إسبال القميص والإزار والسراويلات على وجه الخيلاء، لأن النبي
صلّى الله عليه وسلم قال: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» (1) وقوله
أيضاً: «من أسبل إزاره في صلاته خيلاء، فليس من الله جل ذكره في حل ولا
حرام» (2).
ويكره أن يغطي الرجل وجهه أو فمه، لما ذكرنا من حديث أبي هريرة «أن النبي
صلّى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه».
وروي عن الحنابلة في كراهة التلثم على الأنف روايتان: إحداهما: يكره لأن
ابن عمر كرهه. والأخرى: لا يكره: لأن النهي ورد في تغطية الفم.
_________
(1) متفق عليه.
(2) رواه أبو داود عن ابن مسعود، ورواه أيضاً الترمذي والنسائي عن ابن عمر،
وقال الترمذي: حديث صحيح.
(2/988)
وتكره الصلاة في الثوب المزعفر للرجل،
وكذلك المعصفر؛ لأن «النبي صلّى الله عليه وسلم نهى الرجال عن التزعفر» (1)
وروى مسلم عن علي قال: «نهاني النبي صلّى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر»
وقال عبد الله بن عمرو: «رأى النبي صلّى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين،
فقال: إن هذا من ثياب الكفار، فلا تلبسهما».
ولا يكره شد الوسط بمنطقة أو مئزر أو ثوب أو شد قباء.
ويكره للرجال عند الحنابلة لبس الثوب الأحمر والصلاة فيه، لحديث عبد الله
ابن عمرو السابق: أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يرد السلام على رجل عليه
بردان أحمران، قال ابن القيم: وقد صح عنه صلّى الله عليه وسلم من غير معارض
النهي عن لبس المعصفر والأحمر (2).
4 - ما يحرم لبسه والصلاة فيه:
وهو قسمان:
أـ قسم يعم الرجال والنساء: وهو نوعان: الأول: النجس: فلا تصح الصلاة فيه
ولا عليه؛ لأن الطهارة من النجاسة شرط.
والثاني: المغصوب، وتصح الصلاة فيه عند الجمهور، ولا تصح فيه عند الحنابلة
كما بينا.
ب ـ ما يختص تحريمه بالرجال دون النساء: وهو الحرير، والمنسوج بالذهب،
والمموه به، يحرم لبسه وافتراشه في الصلاة وغيرها. لقوله صلّى الله عليه
وسلم: «حرم لباس
_________
(1) رواه الشيخان (البخاري ومسلم).
(2) زاد المعاد:441/ 1، ط الرسالة.
(2/989)
الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم»
(1) وقوله أيضاً: «لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا، لم يلبسه في
الآخرة» (2).
ولا خلاف في تحريم الحرير على الرجال إلا لعارض أو عذر. وسيأتي مزيد بيان
لذلك في بحث الحظر والإباحة.
5 - ما تخالف فيه المرأة الرجل:
يسن للمرأة مخالفة الرجل في ستة أمور ذكرها الشافعية:
أولاً ـ تضم بعضها إلى بعض في السجود، بأن تضم مرفقيها إلى جنبيها وتلصق
بطنها بفخذيها، أما الرجل فيباعد مرفقيه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه،
لحديث رواه البيهقي في المرأة (3).
ثانياً ـ تخفض المرأة صوتها في حضرة الرجال الأجانب، أما الرجل فيسن له
الجهر في الصلاة الجهرية.
ثالثاً ـ تصفق المرأة بيدها اليمنى على ظهر كف اليسرى إذا نابها شيء أثناء
الصلاة، أما الرجل فيسبح بصوت مرتفع، لحديث رواه الشيخان عن سهل بن سعد
(4).
رابعاً ـ جميع بدن المرأة عورة إلا الوجه والكفين، أما الرجل فعورته ما بين
سرته وركبته، كما تقدم في شروط الصلاة.
_________
(1) أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي موسى، وقال: حديث حسن صحيح.
(2) متفق عليه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3) نصه: أن النبي صلّى الله عليه وسلم مرّ على امرأتين تصليان، فقال: «إذا
سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل».
(4) نصه: «من رابه شيء في صلاته فليسبِّح، فإنه إذا سبَّح التُفت إليه،
وإنما التصفيق للنساء».
(2/990)
خامساً ـ تسن الإقامة للمرأة دون الأذان،
فيكره لها رفع صوتها به، أما الرجل فيسن له الأذان والإقامة عند كل صلاة
مكتوبة في مذهب الشافعية.
سادساً ـ تقف المرأة وسط النساء في إمامتهن، وخلف الرجال في إمامة الرجل،
أما الرجل فيتقدم المأمومين، ويقف الرجال في الصف الأول (1).
المبحث الخامس ـ الأذكار الواردة عقب الصلاة:
يسن ذكر الله والدعاء المأثور عقب الصلاة، إما بعد الفريضة مباشرة إذا لم
يكن لها سنة بعدية كصلاة الفجر وصلاة العصر، وإما بعد الانتهاء من السنة
البعدية كصلاة الظهر والمغرب والعشاء؛ لأن الاستغفار يعوض نقص الصلاة،
والدعاء سبيل الحظوة بالثوا ب والأجر بعد التقرب إلى الله بالصلاة.
ويأتي بالأذكار سراً على الترتيب التالي إلا الإمام المريد تعليم الحاضرين
فيجهر إلى أن يتعلموا، ويقبل الإمام على الحاضرين، جاعلاً يساره إلى
المحراب (2)،قال سمرة: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا صلى أقبل علينا
بوجهه» (3).
1ً - يقول: (أستغفر الله)
ثلاثاً، أو (استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب
إليه) ثلاثاً. ثم يقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، وإليك السلام،
تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام) لما روى ثوبان أن النبي صلّى الله
عليه وسلم
_________
(1) الحضرمية: ص33، 46، 51، 68.
(2) الدر المختار:595/ 1، القوانين الفقهية: ص66، الشرح الصغير:410/ 1
ومابعدها، المهذب:80/ 1، المغني:559/ 1 ومابعدها، كشاف القناع:426/ 1
ومابعدها.
(3) رواه البخاري: وروى مسلم وأبو داود عن البراء بن عازب قال: «كنا إذا
صلينا خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، فيقبل
علينا بوجهه» (نيل الأوطار:306/ 2).
(2/991)
«كان إذا سلم ـ وفي لفظ إذا انصرف من صلاته
ـ استغفر ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام
ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» (1).
ثم يقول: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» لحديث معاذ ابن جبل،
قال: «لقيني النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: إني أوصيك بكلمات تقولهن في
كل صلاة ـ أو في دبر كل صلاة ـ اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»
(2).
2ً - يقرأ آية الكرسي،
وسورة الإخلاص: {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1/ 112]، والمعوذتين {قل أعوذ
برب الفلق} [الفلق:1/ 113]، {قل أعوذ برب الناس} [الناس:1/ 114] والفاتحة؛
لما روى الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «من قرأ آية الكرسي في د ُ بُر الصلاة المكتوبة، كان في ذمة الله إلى
الصلاة الأخرى» (3)، ولخبر أبي أمامة: «من قرأ آية الكرسي، وقل: هو الله
أحد، دُبُر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت» (4).
_________
(1) رواه الجماعة إلا البخاري (نيل الأوطار:300/ 2) وروى أحمد ومسلم
والترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا
سلَّم، لم يقعد، إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت
يا ذا الجلال والإكرام» (المصدر السابق: ص305).
(2) رواه أحمد والنسائي، وأبو داود، ولفظ الأخير: «في دُبُر كل صلاة» أي
بعدها على الأقرب. وتخصيص الوصية بهذه الكلمات، لأنها مشتملة على جميع خير
الدنيا والآخرة (نيل الأوطار:291/ 2).
(3) رواه الطبراني.
(4) إسناده جيد، وقد تكلم فيه، رواه النسائي والطبراني، وزاد: {قل هو الله
أحد} [الإخلاص:112/ 11]، وابن حبان في صحيحه. والدبر: نقيض القبل من كل
شيء، عقبه ومؤخره (سبل السلام:200/ 1).
(2/992)
ولما روي عن عقبة بن عامر، قال: «أمرني
النبي صلّى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذات (1) دبر كل صلاة» (2).
3ً - يسبح الله يقول (سبحان
الله)، ويحمده يقول (الحمد لله)، ويكبره يقول (الله أكبر) ثلاثاً وثلاثين،
ثم يختم تمام المئة بقوله: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا
معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» لحديث أبي هريرة، قال: «من
سبَّح الله دُ بُر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحَمِد الله ثلاثاً وثلاثين،
وكبَّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسع وتسعون ـ عدد أسماء الله الحسنى ـ
وقال: تمام المئة: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد،
وهو على كل شيء قدير، غُفرت خطاياه، ولو كانت مثلَ زَبَد البحر» (3) وورد
أيضاً: «أن يسبح ويكبر ويحمد عشراً عشراً» (4).
وعن المغيرة بن شُعبة: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل
صلاة مكتوبة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو
على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت (5)، ولا
ينفع ذا الجَدّ منك الجدّ» (6)، وروى مسلم عن ابن الزبير نحوه، وزاد بعد
(قدير): «ولا حول ولا قوة إلا بالله،
_________
(1) تشمل الإخلاص من باب التغليب، فيراد بها الإخلاص والمعوذتان.
(2) له طرق، وهو حديث حسن أو صحيح، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي
وقال: غريب. قال بعض الحنابلة: وفي هذا سر عظيم في دفع الشر من الصلاة إلى
الصلاة.
(3) رواه مسلم، وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي هريرة: «أن التكبير أربع
وثلاثون» وبه تتم المئة (سبل السلام:198/ 1).
(4) رواه الخمسة وصححه الترمذي عن عبد الله بن عمر (نيل الأوطار:301/ 2).
(5) ووقع عند عبد بن حميد بعده: (ولا راد لما قضيت).
(6) متفق عليه، زاد الطبراني: «له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا
يموت، بيده الخير» ورواته موثقون. (نيل الأوطار:300/ 2، سبل السلام:197/
1).
(2/993)
لا إله إلاالله، ولا نعبد إلا إياه، له
النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو
كره الكافرون».
4ً - يقول ـ قبل القراءة
والتحميد وغيرهما من المذكور في الرقمين السابقين ـ بعد صلاتي الصبح
والمغرب، وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم، عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير» لخبر أحمد
عن عبد الرحمن بن غُنم مرفوعاً (1).
ويقول أيضاً وهو على الصفة المذكوة سبع مرات: (اللهم أجرني من النار) لحديث
مسلم بن الحارث التميمي عن أبيه: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم أسرَّ
إليه، فقال: إذا انصرفت من صلاة المغرب، فقل: اللهم أجرني من النار سبع
مرات» وفي رواية: «قبل أن تكلم أحداً، فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك،
كتب لك جواراً منها، وإذا صليت الصبح، فقل مثل ذلك، فإنك إن مت من يومك،
كتب لك جواراً منها، قال الحارث: أسر بها النبي صلّى الله عليه وسلم، ونحن
نخص بها إخواننا» (2).
5ً - ثم يدعو المصلي لنفسه
وللمسلمين بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وخصوصاً بعد الفجر والعصر،
لحضور ملائكة الليل والنهار فيهما، فيؤمِّنون على الدعاء، فيكون أقرب
للإجابة. وأفضل الدعا هو المأثور في السنة، مثل ما روى سعد بن أبي وقاص:
أنه كان يعلِّم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يُعلِّم المعلم الغلمان الكتابة،
ويقول: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كا ن يتعوَّذ بهن دُبُر الصلاة:
اللهم إني أعوذ
_________
(1) رواه أيضاً الترمذي والنسائي، وقال الأول: حسن صحيح، وفي بعض رواته
كلام سيء جداً، ولم يذكر النسائي: المغرب.
(2) رواه أبو داود وأحمد وابن حبان في صحيحه، وفي راو لا يعرف.
(2/994)
بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ
بك أن أردّ إلى أرذل العُمُر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب
القبر» (1).
ومن أهم آداب الدعاء (2):
رفع اليدين حتى يرى بياض إبطيه، وغاية الرفع إلى حذو المنكبين إلا إذا اشتد
الأمر، ثم مسح الوجه بهما، اتباعاً للسنة، روى أبو داود بإسناد حسن عن مالك
ابن يسار مرفوعاً: «إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه
بظهورها»، وتكون اليدان مضمومتين لما روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس:
«كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه، وجعل بطونهما مما يلي
وجهه» لكن ضعفه في المواهب.
ثم يبدأ الدعاء بالحمد لله والثناء عليه، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إذا
صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلّى الله
عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء» (3) وأفضل تحري مجامع الحمد مثل: (الحمد لله
حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، ياربنا لك الحمد، كما ينبغي لجلال وجهك
وعظيم سلطانك).
ويختم دعاءه بالحمد لله، لقوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب
العالمين} [يونس:10/ 10] كما يختم دعاءه بالآية الكريمة: {سبحان ربك رب
_________
(1) رواه البخاري والترمذي وصححه. والمراد بالبخل: منع ما يجب إخراجه من
المال شرعاً، أو عادة. والجبن: مهابة الأشياء والتأخر عن فعلها. وفتنة
الدنيا: الاغترار بشهواتها المفضي إلى ترك القيام بالواجبات. وهي فتنة
المحيا في حديث التعوذ من أربع في الصلاة، وخصت هذه الأمور بالتعوذ منها
لأنها من أعظم الأسباب المؤدية إلى الهلاك باعتبار ما يتسبب عنها من
المعاصي المتنوعة (نيل الأوطار:2/ 303).
(2) انظر أيضاً الإحياء للغزالي: (1/ 274 - 278).
(3) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
(2/995)
العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين،
والحمد لله رب العالمين} [الصافات:182/ 37]، قال علي كرم الله وجهه: «من
أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليكن آخر كلامه إذا
قام من مجلسه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد
لله رب العالمين» (1).
ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلم أول الدعاء وآخره، لخبر جابر قال: قال
صلّى الله عليه وسلم: «لاتجعلوني كقَدَح الراكب (2)، فإن الراكب يملأ قدحه،
ثم يضعه، ويرفع متاعه، فإن احتاج إلى شراب شرب، أو لوضوء توضأ، وإلا
أهراقه، ولكن اجعلوني في أول الدعاء، وأوسطه، وآخره» (3).
ويستقبل الداعي غير الإمام القبلة؛ لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة.
ويكره للإمام استقبال القبلة، بل يستقبل الإمام المأمومين للحديث السابق:
أنه صلّى الله عليه وسلم كان ينحرف إليهم إذا سلم.
ويلحُّ الداعي في الدعاء مع الخشية، لحديث: «إن الله يحب الملحِّين في
الدعاء» (4) وحديث: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله عز
وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل» (5) ويكرر الدعاء ثلاثاً؛ لأنه نوع من
الإلحاح، قال ابن مسعود: «كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل
سأل ثلاثاً» (6).
_________
(1) أخرجه البخاري.
(2) أي لا تؤخروني في الذكر؛ لأن الراكب يعلِّق قدحه في آخر رحله من
تَرْحاله، ويجعله خلفه. (النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير).
(3) رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف (مجمع الزوائد: 155/ 10).
(4) رواه الترمذي وابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة (الفتح
الكبير:355/ 1).
(5) رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال: غريب، ورواه أحمد والحاكم
وغيرهما أيضاً.
(6) رواه مسلم وأصله متفق عليه (تخريج أحاديث الإحياء للعراقي:276/ 1).
(2/996)
ويكون متطهراً، ويقدم بين يدي حاجته التوبة
والاستغفار.
والدعاء سراً أفضل منه جهراً، لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية}
[الأعراف:55/ 7] لأنه أقرب إلى الإخلاص. ويكره رفع الصوت بالدعاء في الصلاة
وغيرها إلا لحاج لحديث: «أفضل الحج: العَجّ والثجّ» (1).
ويعم بالدعاء، لقوله صلّى الله عليه وسلم لعلي: «يا علي عمم».
ويكون دعاؤه بتأدب في هيئته وألفاظه، وخشوع وخضوع، وعزم ورغبة، وحضور قلب
ورجاء، للحديث السابق: «لا يستجاب من قلب غافل» وشرط الدعاء: الإخلاص.
ويتوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده، ويقدم بين دعائه صدقة، ويتحرى أوقات
الإجابة وهي:
الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة،
وعند صعود الإمام المنبر يوم الجمعة، حتى تنقضي الصلاة، وآخر ساعة بعد
العصر من يوم الجمعة. ويوم عرفة ويوم الجمعة، وعند نزول الغيث، وعند زحف
الصفوف في سبيل الله تعالى، وحالة السجود.
وينتظر الإجابة، للحديث السابق: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، ولا
يَعْجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي» لما في الصحيح مرفوعاً: «يستجاب لأحدكم،
ما لم يَعْجل، قالوا: وكيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول: قد دعوت، فلم أر
يستجب لي، فيستحسر عند ذلك».
_________
(1) رواه الترمذي عن ابن عمر، ورواه البيهقي والحاكم وابن ماجه عن أبي بكر،
ورواه أبو يعلى عن ابن مسعود، وهو ضعيف.
(2/997)
ولا يكره عند الحنابلة رفع بصره إلى السماء
(1)، ولا بأس أن يخص نفسه بالدعاء، لحديث أبي بكرة، وأم سلمة، وسعد بن أبي
وقاص، إذ أولها: «اللهم إني أعوذ بك وأسألك» فهو يخص نفسه الكريمة صلّى
الله عليه وسلم، ولحديث عائشة: «أفضل الدعاء: دعاء المرء لنفسه» (2).
ويستحب أن يخفف الدعاء؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم «نهى عن الإفراط في
الدعاء» (3) والإفراط يشمل كثرة الأسئلة.
ويدعو بدعاء مأثور، إما من القرآن أو السنة أو عن الصحابة أو التابعين، أو
الأئمة المشهورين. من ذلك ما روته أم سلمة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم
كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً
طيباً، وعملاً متقبلاً» (4).
ومن الأدعية المأثورة الجامعة: (اللهم إني أسألك مُوجِبات رحمتك، وعزائم
مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من
النار. اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل،
وأعوذ بك من الجبن والبخل والفشل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال. اللهم إني
أعوذ بك من جهد البلاء، ودَرْك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وعضال
الداء).
_________
(1) كشاف القناع:430/ 1، واستدل بحديث المقداد: «أن النبي صلّى الله عليه
وسلم رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني»
ويعارضه حديث أبي هريرة عند البزار، ورجاله ثقات: «لينتهين ناس عن رفع
أبصارهم إلى السماء عند الدعاء حتى تخطف ـ يعني تخطف أبصارهم» (مجمع
الزوائد:167/ 10).
(2) رواه الحاكم عن عائشة، وهو صحيح.
(3) ذكره في كشاف القناع:431/ 1.
(4) رواه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة (نيل الأوطار:304/ 2).
[التعليق]
(1) * العَجُّ: رفعُ الصَّوت بالتّلْبِيةِ.
الثَّجُّ: سَيلان دماء الهدْي والأضاحي. (انظر النهاية في غريب الأثر لابن
الأثير)
* أبو أكرم الحلبي
(2/998)
ما يستحب للمصلي بعد
انتهاء الصلاة المفروضة:
استحب الفقهاء بعد انتهاء الفريضة مايأتي (1):
1ً - يستحب الانتظار قليلاً
أو اللبث للإمام مع المصلين، إذا كان هناك نساء، حتى ينصرف النساء ولا
يختلطن بالرجال، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى
الله عليه وسلم إذا سلَّم، قام النساء، حتى يقضي تسليمَه، وهو يمكث في
مكانه يسيراً، قبل أن يقوم، قالت: فنُرى ـ والله أعلم ـ أن ذلك كان لكي
ينصرف النساء، قبل أن يُدركَهن الرجال (2).
2ً - وينصرف المصلي في جهة
حاجته إن كانت له يميناً أو شمالاً، فإن لم تكن له حاجة، انصرف جهة يمينه،
لأنها أفضل، لقول ابن مسعود: «لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته، يرى
حقاً عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم
كثيراً ما ينصرف عن شماله» (3) وعن قبيصة بن هُلْب عن أبيه: «أنه صلى مع
النبي صلّى الله عليه وسلم، فكان ينصرف عن شقيه» (4).
3ً - يندب أن يفصل المصلي
بين الفرض والسنة بكلام أو انتقال من مكانه، والفصل بالانتقال أفضل، للنهي
عن وصل ذلك إلا بعد المذكور، والانتقال أفضل تكثيراً للبقاع التي تشهد له
يوم القيامة. ويفصل بين الصبح وسنته باضطجاع على جنبه الأيمن أو الأيسر،
اتباعاً للسنة.
وقال أحمد: لا يتطوع الإمام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة، كما قال
_________
(1) المهذب:81/ 1، المغني:560/ 1 - 562.
(2) رواه البخاري وأحمد (نيل الأوطار:309/ 2).
(3) رواه مسلم.
(4) رواه أبو داود وابن ماجه.
(2/999)
علي رضي الله عنه. وقال أحمد أيضاً: من صلى
وراء الإمام، فلا بأس أن يتطوع مكانه، كما فعل ابن عمر. روى المغيرة بن
شعبة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يتطوع الإمام في مقامه الذي
يصلي فيه بالناس» (1) وذكر الشافعية (2) أن النفل الذي لا تسن فيه الجماعة
صلاته في البيت أفضل منه بالمسجد، للخبر الصحيح: «أفضل صلاة المرء في بيته
إلا المكتوبة» لتعود بركة صلاته على منزله.
المبحث السادس ـ القنوت في الصلاة:
يندب القنوت (3) في الصلاة، لكن الفقهاء اختلفوا في تحديد الصلاة التي يقنت
فيها على آراء، فقال الحنفية والحنابلة: يقنت في الوتر، قبل الركوع عند
الحنفية، وبعد الركوع عند الحنابلة، ولا يقنت في غيره من الصلوات.
وقال المالكية والشافعية: يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع، والأفضل عند
المالكية قبل الركوع، ويكره عند المالكية على الظاهر القنوت في غير الصبح.
ويستحب عند الحنفية والشافعية والحنابلة: القنوت في الصلوات المفروضة إذا
نزلت بالمسلمين نازلة، وحصرها الحنابلة في صلاة الصبح، والحنفية في صلاة
جهرية.
وتفصيل الكلام عن كل مذهب ما يأتي:
_________
(1) المغني:562/ 1.
(2) شرح الحضرمية: ص49.
(3) القنوت: الدعاء والتضرع.
(2/1000)
أولاً ـ قنوت الوتر أو الصبح:
قال الحنفية (1): يقنت المصلي في صلاة
الوتر، فيكبر بعد الانتهاء من القراءة، ويرفع يديه كرفعه عند الافتتاح، ثم
يضعهما تحت سرته، ثم يقنت، ثم يركع، ولا يقنت في صلاة غير الوتر إلا لنازلة
في الصلاة الجهرية، وأما قنوت النبيصلّى الله عليه وسلم في الفجر شهراً فهو
منسوخ بالإجماع، لما روى ابن مسعود: أنه عليه السلام قنت في صلاة الفجر
شهراً ثم تركه (2).
وحكمه عندهم: أنه واجب عند أبي حنيفة، سنة عند الصاحبين، كالخلاف الآتي في
الوتر.
ومحل أدائه: الوتر في جميع السنة قبل الركوع من الركعة الثالثة، بدليل
ماروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وهم (عمر وعلي وابن مسعود وابن
عباس وأبي بن كعب) أن قنوت رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان في الوتر قبل
الركوع (3).
ومقداره كمقدار: إذا السماء انشقت، لما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم
أنه كان يقرأ في القنوت: اللهم إنا نستعينك، أو اللهم اهدنا فيمن هديت الخ،
وكلاهما على مقدار هذه السورة.
_________
(1) البدائع:273/ 1 ومابعدها، اللباب:78/ 1 ومابعدها، فتح القدير:309/ 1
ومابعدها، الدر المختار:626/ 1 - 628.
(2) رواه البزار والطبراني وابن أبي شيبة والطحاوي (نصب الراية:127/ 2)
وروى أحمد والترمذي وصححه وابن ماجه عن أبي مالك الأشجعي أن أباه صلى خلف
الرسول صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فلم يقنت واحد
منهم. وروى أحمد عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم تركه.
وروى البخاري عن أنس: «كان القنوت في المغرب والفجر» وروى أحمد والبخاري أن
النبي صلّى الله عليه وسلم دعا على مضر، حتى أنزل الله تعالى: {ليس لك من
الأمر شيء} [آل عمران:128/ 3]، وروى أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن البراء
بن عازب: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة المغرب والفجر»
(نيل الأوطار:338/ 2 - 344).
(3) نصب الراية:123/ 2 ومابعدها.
(2/1001)
وصيغة الدعاء المفضلة عندهم وعند المالكية:
(اللهم إنا نستعينك ونستهديك، ونستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك،
ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلَع ونترك من يفجُرُك، اللهم
إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن
عذابك الجِدَّ بالكفار مُلحق) (1) وهوالدعاء المشهور لابن عمر، ولا مانع من
صحة نسبته لكل من عمر وابنه.
وذلك بدليل ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران، قال:
«بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعو على مضر، إذ جاءه جبريل، فأومأ
إليه أن اسكت، فسكت، فقال: يا محمد، إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعَّاناً،
وإنما بعثك رحمة للعالمين، ليس لك من الأمر شيء، ثم علّمه القنوت: اللهم
إنا نستعينك ... إلخ» (2) ولأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على هذا
القنوت، فالأولى أن يقرأه. ولو قرأ غيره جاز، ولو قرأ معه غيره، كان حسناً.
والأولى أن يقرأه بعدما علَّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحسن بن علي
رضي الله عنهما في قنوته: اللهم اهدنا فيمن هديت ... إلى آخره (3). ثم بعده
يصلي فيه على النبي صلّى الله عليه وسلم وآله، على المفتى به، فيقول: «وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم».
ومن لا يحسنه بالعربية أو لا يحفظه، إما أن يقول: يا رب أو اللهم اغفر لي
ثلاثاً أو {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار}
[البقرة:201/ 2]، والآية الأخيرة أفضل.
_________
(1) معنى: (نخلع) نلقي ونترك، ونحفد: أي نبادر ونسرع في تحصيل عبادتك
بنشاط، كالمشي إلى المسجد، والجد: الحق، أي ضد الهزل، وملحق أي لاحق بهم،
أو ملحق بهم، بكسر الحاء وفتحها، والكسر أفصح.
(2) نصب الراية:135/ 2 ومابعدها.
(3) رواه الترمذي وأبو داود (المجموع: 477/ 2).
(2/1002)
وصفته من الجهر والإسرار: المختار أنه
يخفيه الإمام والمقتدي.
وحكمه حال نسيانه: إذا نسي المصلي القنوت حتى ركع، ثم تذكر بعدما رفع رأسه
من الركوع، لا يعود إليه، ويسقط عنه القنوت، كما يسقط في ظاهر الرواية إذا
تذكره في الركوع، ثم يسجد للسهو في آخر صلاته قبل السلام، لفوات القنوت عن
محله، فإن عاد إليه وقنت، ولم يعد الركوع، لم تفسد صلاته، لكون ركوعه بعد
قراءة تامة.
ويأتي المأموم بقنوت الوتر، ولو اقتدى بشافعي يقنت بعد الركوع، لأنه مجتهد
فيه.
وإذا أدرك المقتدي الإمام في ركوع الثالثة من الوتر، كان مدركاً للقنوت
حكماً، فلا يأتي به في آخر صلاته.
وقالوا أخيراً: إذا قنت الإمام في صلاة الفجر، سكت من خلفه عند أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله، وهو الأظهر؛ لأنه منسوخ ولا متابعة فيه، وقال أبو يوسف:
يتابعه؛ لأنه تبع لإمامه، والقنوت مجتهد فيه.
مذهب المالكية:
يندب عند المالكية (1) قنوت سراً في الصبح فقط، لا في الوتر وغيره فيكره،
وذلك قبل الركوع، وهو أفضل، ويجوز بعد الركوع. ولفظه المختار: اللهم إنا
نستعينك .. إلخ كالحنفية، ولا يضم إليه: اللهم اهدنا فيمن هديت ... إلخ على
المشهور.
ويقنت الإمام والمأموم والمنفرد سراً، ولا بأس برفع اليدين فيه.
_________
(1) الشرح الصغير: 331/ 1، الشرح الكبير: 248/ 1، القوانين الفقهية: ص 61.
(2/1003)
مذهب الشافعية:
يسن عندهم (1) القنوت في اعتدال ثانية الصبح، وصيغته المختارة هي: (اللهم
اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما
أعطيت، وقني شر ما قضيت (2)، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من
واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت،
أستغفرك وأتوب إليك) (3)، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله
وصحبه وسلم.
ويقنت الإمام بلفظ الجمع؛ فيقول: اللهم اهدنا .. إلخ؛ لأن البيهقي رواه
بلفظ الجمع، فحمل على الإمام، وعلله النووي في «أذكاره» بأنه يكره للإمام
تخصيص نفسه بالدعاء لخبر: «لا يؤم عبد قوماً، فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن
فعل فقد خانهم» (4).
ودليلهم على اختيار هذه الصيغة: ما رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة
_________
(1) مغني المحتاج: 166/ 1، المجموع: 474/ 2 - 490، المهذب: 81/ 1، حاشية
الباجوري: 168/ 1 ومابعدها.
(2) هذا آخر الدعاء، وما بعدها الثناء، فيؤمن المقتدي في الدعاء، ويقول
الثناء سراً، أو يقول: أشهد.
(3) معناه إجمالاً: اللهم دلني على الطريق التي توصل إليك، مع من دللته إلى
الطريق التي توصل إليك، وعافني من البلايا مع من عافيته منها، وتول أموري
وحفظي مع من توليت أموره وحفظه، وأنزل يا الله البركة: وهي الخير الإلهي
فيما أعطيته لي، واحفظني مما يترتب على ما قضيته من السخط والجزع، وإلا
فالقضاء المحتم لابد من نفوذه. وأنت تحكم ولا يحكم عليك، ولا معقب لحكمه،
ولا يحصل لمن واليته ذل، ولا يحصل لمن عاديته عز، تزايد برك وإحسانك
وارتفعت عما لا يليق بك. ويقول «ربنا» بصيغة الجمع ولو كان منفرداً اتباعاً
للوارد. لك الحمد من حيث نسبته إليك؛ لأنه لا يصدر عنك إلا الجميل، وإنما
يكون شراً بنسبته لنا، أستغفرك من الذنوب وأتوب إليك.
(4) رواه الترمذي وحسنه.
(2/1004)
رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى
الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية،
رفع يديه، فيدعو بهذا الدعاء: اللهم اهدني فيمن هديت .. إلخ ما تقدم (1).
وزاد البيهقي فيه عبارة: «فلك الحمد على ما قضيت (2) .. إلخ».
وقال أنس بن مالك: «ما زال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقنت في الفجر،
حتى فارق الدنيا» (3) وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم.
والصحيح سن الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في آخر القنوت
للأخبار الصحيحة في ذلك. كما يسن الصلاة على الآل، وسن رفع اليدين فيه
كسائر الأدعية، اتباعاً للسنة (4).
ويسن في الدعاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء إن دعا لرفع بلاء، وعكسه إن
دعا لتحصيل شيء. وقد أفتى بعض الشافعية بأنه لا يسن ذلك عند قوله في
القنوت: (وقني شر ما قضيت) لأن الحركة في الصلاة ليست مطلوبة.
والصحيح أنه لا يمسح بيديه وجهه، لعدم وروده، كما قال البيهقي. والإمام
يجهر بالقنوت، اتباعاً للسنة (5)، ويؤمن المأموم للدعاء (6) إلى قوله:
(وقني شر ما قضيت)، ويجهر به كما في تأمين القراءة، ويقول الثناء سراً
بدءاً من قوله: (فإنك تقضي .. ) إلخ؛ لأنه ثناء وذكر، فكانت الموافقة فيه
أليق، أو يقول: أشهد،
_________
(1) قال عنه الحاكم: صحيح.
(2) رواه البيهقي عن ابن عباس (سبل السلام: 187/ 1) وزاد البيهقي والطبراني
«ولا يعز من عاديت» (المصدر السابق: ص186).
(3) رواه أحمد وعبد الرازق، والدارقطني وإسحاق بن راهويه (نصب الراية: 131/
2 ومابعدها).
(4) رواه البيهقي بإسناد جيد. وأما المذكور في سائر الأدعية فرواه الشيخان
وغيرهما.
(5) رواه البخاري وغيره. قال الماوردي: وليكن جهره به دون جهر القراءة.
(6) رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح.
(2/1005)
والأول أولى، وقال بعضهم: الثاني أولى. فإن
لم يسمع الإمام قنت ندباً معه سراً كسائر الدعوات والأذكار التي لا يسمعها.
وهل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم من قبيل الدعاء، فيؤمن فيها، أو
من قبيل الثناء فيشارك فيها؟ المعتمد هو الأول، لكن الأولى الجمع بينهما.
ولا يرد على اقتصاره على التأمين قوله صلّى الله عليه وسلم: «رغم أنف امرئ
ذكرت عنده، فلم يصل علي» (1) لأنه في غير المصلي، على أن التأمين في معنى
الصلاة عليه.
ويصح الدعاء بغير هذه الصيغة، بكل ذكر مشتمل على دعاء وثناء، مثل: «اللهم
اغفر لي ياغفور» فقوله: «اغفر لي» دعاء، وقوله: «ياغفور» ثناء، ومثل
«وارحمني يارحيم» أو «والطف بي يا لطيف» والأولى أن يقول: «اللهم اهدني ..
» السابق.
ويكره إطالة القنوت كالتشهد الأول، لكن يستحب له الجمع بين قنوت النبي صلّى
الله عليه وسلم «اللهم اهدني .. إلخ» وقنوت عمر أو ابنه: «اللهم إنا
نستعينك ونستهديك» السابق. والجمع لمنفرد وإ مام جماعة التطويل، وإن اقتصر
فليقتصر على الأول.
ويزاد عليهما: (اللهم عذب الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين، الذين
يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسولك، ويقاتلون أولياءك. اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح ذات
بينهم، وألِّف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبِّتهم على
ملة رسولك، وأوزعهم (أي ألهمهم) أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم
على عدوك وعدوهم، إله الحق، واجعلنا منهم).
_________
(1) رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة، وهو صحيح.
(2/1006)
والقنوت كما سنبين من أبعاض الصلاة، فإن
تركه كله أو بعضه، أو ترك شيئاً من قنوت عمر إذا جمعه مع قنوت النبي عليه
السلام، أو ترك الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم بعده، سجد للسهو. كما
يسجد للسهو إن ترك القنوت تبعاً لإمامه الحنفي، أو تركه إمامه المذكور وأتى
به هو.
مذهب الحنابلة:
يسن القنوت عندهم (1) كالحنفية، في الوتر في الركعة الواحدة في جميع السنة،
بعد الركوع، كما قال الشافعي في وتر النصف الأخير من رمضان، فإن قنت قبل
الركوع فلا بأس، لما روى ابن مسعود: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم قنت بعد
الركوع» (2) وروى حميد، قال: سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح؟ فقال: «كنا
نقنت قبل الركوع وبعده» (3).
ويقول في قنوته جهراً إن كان إماماً أو منفرداً: «اللهم إنا نستعينك ..
إلخ» «اللهم اهدنا فيمن هديت» والثاني أولى كما ذكر ابن قدامة، لما روى
الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال علمني رسول الله صلّى الله عليه وسلم
كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت .. إلخ (4). وعن عمر رضي
الله عنه: أنه قنت في صلاة الفجر، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا
نستعينك .. إلخ ثم يصلي على النبي صلّى الله عليه وسلم، وعلى آله. ولا بأس
أن يدعو في قنوته بما شاء غير ما تقدم.
_________
(1) المغني: 151/ 1 - 155، كشاف القناع: 490/ 1 - 494.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه ابن ماجه.
(4) أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن، ولا نعرف عن النبي صلّى
الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا، ورواه أحمد والنسائي وابن
ماجه (الخمسة) (سبل السلام: 186/ 1، نصب الراية: 122/ 2).
(2/1007)
وإذا أخذ الإمام في القنوت أمَّن من خلفه،
ويرفع يديه، ويمسح وجهه بيديه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا دعوت
الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورها، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك» (1)،
وروى السائب بن يزيدعن أبيه: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا دعا،
رفع يديه، ومسح بهما وجهه» (2). ويؤمن المأموم بلا قنوت إن سمع، وإن لم
يسمع دعا.
ولا يسن القنوت في الصبح ولا غيرها من الصلوات سوى الوتر، كما قال الحنفية،
لما روي «أن النبي صلّى الله عليه وسلم قنت شهراً، يدعو على حي من أحياء
العرب، ثم تركه» (3).
ثانياً ـ القنوت أثناء النوازل: قال الحنفية
والشافعية والحنابلة (4): يشرع القنوت للنازلة لا مطلقاً، في
الجهرية فقط عند الحنفية، وفي سائر الصلوات المكتوبة عند غيرهم إلا الجمعة
عند الحنابلة اكتفاءً في خطبتها (5)، ويجهر في دعائه في هذا القنوت.
والنازلة: أن ينزل بالمسلمين خوف أو قحط أو وباء أو جراد، أو نحوها،
اتباعاً للسنة؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على قاتلي أصحابه
القراء ببئر معونة (6) وعن أبي هريرة «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان
إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع .. » (7).
_________
(1) رواه أبو داود وابن ماجه.
(2) رواه أبو داود من رواية ابن لهيعة.
(3) رواه مسلم، وروى أبو هريرة وأبو مسعود وأبو مالك الأشجعي عن النبي صلّى
الله عليه وسلم مثل ذلك، كما قدمنا في مذهب الحنفية.
(4) اللباب:79/ 1، حاشية الباجوري: 168/ 1، مغني المحتاج: 168/ 1، المغني:
155/ 1، كشاف القناع: 494/ 1، المهذب: 82/ 1، المجموع: 486/ 3.
(5) هذا ما ذكر في كشاف القناع وقال ابن قدامة: ولا يقنت في غير الصبح من
الفرائض.
(6) رواه الشيخان، مع خبر «صلوا كما رأيتموني أصلي».
(7) رواه أحمد والبخاري (نيل الأوطار:343/ 2).
(2/1008)
وكون القنوت عند النازلة لم يشرع مطلقاً
بصفة الدوام، على المشهور عند الشافعية، فلأنه صلّى الله عليه وسلم لم يقنت
إلا عند النازلة.
ويدعو بنحو ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، وروي عن عمر رضي
الله عنه أنه كان يقول في القنوت: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات،
والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك
وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك،
اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن
القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك).
ولا يسن السجود لترك قنوت النوازل؛ لأنه ـ كما قال الشافعية ـ ليس من أبعاض
الصلاة.
المبحث السابع ـ صلاة الوتر:
الكلام عن الوتر في بيان حكمه أوصفته واجب أم سنة، ومن يجب عليه، ومقداره،
ووقته، صفة القراءة فيه، القنوت فيه، ومحل القنوت (1).
1 - حكم الوتر أو صفته:
الوتر مطلوب بالإجماع، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «يا أهل القرآن أو تروا
فإن الله وتر يحب الوتر» (2)، وكان واجباً على النبي صلّى الله عليه وسلم،
لحديث: «ثلاث كتبن علي ولم تكتب عليكم: الضحى، والأضحى، والوتر» (3).
_________
(1) فتح القدير: 300/ 1 - 310، الكتاب مع اللباب: 78/ 1 ومابعدها، البدائع:
270/ 1 - 274 الشرح الصغير: 411/ 1 - 414، الشرح الكبير: 315/ 1 - 318،
المهذب 83/ 1، مغني المحتاج: 221/ 1 - 223، المغني: 150/ 2 - 165،القوانين
الفقهية: ص89 كشاف القناع: 486/ 1 - 488
(2) رواه أبو داود وصححه الترمذي.
(3) أخرجه الحاكم وأحمد عن ابن عباس، قال الذهبي: سكت الحاكم عنه، وهو غريب
منكر (نصب الراية: 115/ 2).
(2/1009)
وهو واجب كصلاة العيدين عن أبي حنيفة، سنة
مؤكدة وآكد السنن عند الصاحبين وبقية الفقهاء.
استدل أبو حنيفة بقوله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى زادكم صلاة،
ألا وهي الوتر، فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» (1) وهو أمر والأمر
للوجوب، وإنما لم يكفر جاحده باتفاق الحنفية؛ لأن وجوبه ثبت بسنة الآحاد،
وهو معنى ما روي عنه أنه سنة. وبناء عليه لا يجوز عنده أداؤه قاعداً أو على
الدابة بلا عذر.
ويؤيده أحاديث أخرى، منها حديث أبي أيوب: «الوتر حق، فمن أحب أن يوتر بخمس
فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل»
(2).
وحديث بريدة: «الوتر حق، فمن لم يوتر، فليس منا» (3).
واستدل الجمهور على سنيته بأحاديث كثيرة منها: «قوله صلّى الله عليه وسلم
للأعرابي، حين سأله عما فرض الله عليه من الصلاة؟ قال: خمس صلوات، قال: هل
علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوَّع» (4).
وكذَّب عبادة بن الصامت رجلاً يقول: الوتر واجب، وقال: «سمعت النبي صلّى
الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة»
(5).
_________
(1) روي عن ثمانية من الصحابة: خارجة بن حذافة، وعمرو بن العاص، وعقبة بن
عامر، وابن عباس، وأبي بصرة الغفاري، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وابن
عمر، وأبي سعيد الخدري، روى أبو داود والترمذي وابن ماجه حديث خارجة، وقال
عنه الترمذي: حديث غريب: وأخرجه الحاكم، وقال حديث صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه، لتفرد التابعي عن الصحابي (نصب الراية: 108/ 2 - 111).
(2) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه (نصب الراية: 112/ 2).
(3) رواه أحمد.
(4) متفق عليه، ومثله حديث معاذ في الصحيحين: «إن الله افترض عليكم خمس
صلوات في اليوم والليلة» (نصب الراية: 114/ 2).
(5) رواه أبو داود وأحمد.
(2/1010)
وعن علي قال: «الوتر ليس بحتم كهيئة الصلاة
المكتوبة، ولكنه سنة سنها النبي صلّى الله عليه وسلم» (1).
ولأنه يجوز فعله على الراحلة من غير ضرورة، فأشبه السنن، وروى ابن عمر: «أن
النبي صلّى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره» (2).
وهذا الرأي هو الحق؛ لأن أحاديث أبي حنيفة إن صحت فهي محمولة على التأكيد،
وقد تكلم المحدثون فيها، فحديث «من لم يوتر فليس منا» فيه ضعيف، وحديث أبي
أيوب «الوتر حق» وإن كان رواته ثقاتاً، فمحمول على تأكيد الاستحباب، لقول
الإمام أحمد: «من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له
شهادة».
2 - من يجب عليه الوتر عند أبي حنيفة:
الوتر عند أبي حنيفة كالجمعة والعيدين واجب على كل مسلم، ذكر أم أنثى، بعد
أن يصبح أهلاً للوجوب، لحديث أبي أيوب السابق: «الوتر حق واجب على كل مسلم،
فمن أحب أن يوتر بخمس فليوتر، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن
يوتر بواحدة، فليوتر» (3).
وهو عند الجمهور سنة مؤكدة على كل مسلم.
3 - مقداره وكيفيته:
الوتر عند الحنفية ثلاث ركعات، لا يفصل بينهن بسلام، وسلامه في آخره،
_________
(1) رواه أحمد والترمذي وحسنه.
(2) متفق عليه.
(3) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم، وقال: على
شرطهما (نصب الراية: 112/ 2).
(2/1011)
كصلاة المغرب، حتى لو نسي قعود التشهد
الأول، لا يعود إليه، ولو عاد فسدت الصلاة. لحديث عائشة: «كان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يسلم إلا في آخرهن» (1).
ولا يجوز بدون نية الوتر، فينويه ثلاث ركعات، ويقرأ الفاتحة وسورة في
الركعات الثلاث، ويتشهد تشهدين: الأول والأخير، ولا يقرأ دعاء الاستفتاح في
بداية الركعة الثالثة، ويكبر ويرفع يديه ثم يقنت بعد القراءة قبل ركوع
الثالثة، وبانتهائه يسلم يميناً وشمالاً، ففيه تكبيرة إحرام واحدة وسلام
واحد.
وقال المالكية: الوتر ركعة واحدة، يتقدمها شَفْع، (سنة العشاء البعدية).
ويفصل بينهما بسلام، يقرأ فيها بعد الفاتحة: الإخلاص والمعوذتين.
وكذلك قال الحنابلة (2): الوتر ركعة، قال أحمد: إنا نذهب في الوتر إلى
ركعة، وإن أوتر بثلاث أو أكثر فلا بأس.
وقال الشافعية: أقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة، والأفضل لمن زاد على
ركعة الفصل بين الركعات بالسلام، فينوي ركعتين من الوتر ويسلم، ثم ينوي
ركعة من الوتر ويسلم، لما روى ابن حبان: «أنه صلّى الله عليه وسلم كان يفصل
بين الشفع والوتر».
ودليل المالكية والحنابلة وهو دليل الشافعية على أقل الوتر: خبر مسلم عن
ابن عمر وابن عباس: «الوتر ركعة من آخر الليل» وروى أبو داود من حديث أبي
أيوب السابق: «من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل»، وفي صحيح ابن حبان من حديث
ابن عباس: «أنه صلّى الله عليه وسلم أوتر بواحدة».
_________
(1) رواه الحاكم، وقال: إنه على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه، ورواه
النسائي بلفظ: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر»،
وروي مثله عن ابن مسعود وابن عباس (نصب الراية: 118/ 2 ومابعدها).
(2) المغني: 150/ 2
(2/1012)
وأدنى الكمال ثلاث، وأكمل منه خمس، ثم سبع،
ثم تسع، ثم إحدى عشرة فأكثره إحدى عشرة للأخبار الصحيحة، منها خبر عائشة:
«ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى
عشرة ركعة» فلا تصح الزيادة عليها كسائر الرواتب. وفي رواية لمسلم عن
عائشة: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة
العشاء إلى الفجر إحدى عشر ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة» وقال
النبي صلّى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خِفْت الصبح،
فأوتر بواحدة» (1).
والوتر بخمس ثابت في حديث أبي أيوب السابق: «الوتر حق واجب على كل مسلم،
فمن أحب أن يوتر بخمس فليوتر .. »، وروي عن زيد بن ثابت: أنه كان يوتر
بخمس، لا ينصرف إلا في آخرها. وفي حديث عائشة المتفق عليه: «كان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس،
لايجلس في شيء منها إلا في آخرها» وروي مثل ذلك عن ابن عباس عن النبي صلّى
الله عليه وسلم (2)، وعن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا
توتروا بثلاث، أو تروا بخمس أو سبع، ولاتشبَّهوا بصلاة المغرب» (3).
والوتر بسبع أو تسع ثبت في حديث عائشة عند مسلم وأبي داود، وأيدها بذلك ابن
عباس.
والوتر بإحدى عشرة ثبت أيضاً في حديث عائشة المتقدم في الصحيحين.
قال أحمد رحمه الله: الأحاديث التي جاءت «أن النبي صلّى الله عليه وسلم أو
تر بركعة» كان قبلها صلاة متقدمة.
_________
(1) متفق عليه.
(2) انظر المغني: 159/ 2.
(3) رواه الدارقطني بإسناده، وقال: كلهم ثقات (نيل الأوطار: 35/ 3).
(2/1013)
4 - وقت الوتر:
أصل الوقت، والوقت المستحب:
وقته عند الجمهور: ما بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فلا يصح أداؤه قبل
صلاة العشاء، فلو أوتر قبل العشاء عمداً أو سهواً لم يعتد به.
وعند أبي حنيفة: وقته وقت العشاء، إلا أنه شرع مرتباً عليه، فلا يجوز أداؤه
قبل صلاة العشاء، مع أنه وقته، لعدم شرطه، وهو الترتيب، إلا إذا كان
ناسياً، فلو صلاه قبل العشاء ناسياً لم يعده. وقال الصاحبان وغيرهما: يعيد،
بدليل الخبر: «إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حُمْر النعم، وهي الوتر،
فجعلها لكم من العشاء إلى طلوع الفجر» (1).
ودليل امتداد وقته في الليل: حديث عائشة قالت: «من كل الليل قد أوتر رسول
الله صلّى الله عليه وسلم، من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى
السَّحر» (2) وحديث أبي سعيد: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «أوتروا
قبل أن تصبحوا» (3).
ووقته الاختياري عند المالكية: إلى ثلث الليل، ووقته الضروري من طلوع الفجر
لتمام صلاة الصبح، فإن صلاها خرج وقته الضروري وسقط، لأنه لا يقضى عندهم من
النوافل إلا سنة الفجر، فتقضى للزوال، وكره تأخيره لوقت الضرورة بلا عذر.
والأفضل الوتر آخر الليل.
ومن أوتر أول الليل، ثم تنفل فلا يعيد الوتر عندهم وهو رأي الجمهور؛ إذ لا
وتران في ليلة.
_________
(1) رواه الخمسة إلا النسائي (نيل الأوطار: 39/ 3).
(2) رواه الجماعة (نيل الأوطار: 40/ 3).
(3) رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود (المصدر والمكان السابق).
(2/1014)
ووقته المختار عند الشافعية إلى نصف الليل،
والباقي وقت جواز، وإذا جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم، كان له أن يوتر
وإن لم يدخل وقت العشاء. ويسن جعله آخر صلاة الليل، ولو نام قبله، لخبر
الشيخين: «اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً». فإن كان له تهجد، أخرَّ
الوتر إلى أن يتهجد، وإلا أوتر بعد فريضة العشاء وسنتها الراتبة إذا لم يثق
بيقظته آخر الليل، وإلا بأن وثق من اليقظة فتأخيره أفضل، لخبر مسلم: «من
خاف ألا يقوم آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره، فليوتر آخر
الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة» وذلك أفضل، وعليه يحمل خبر مسلم أيضاً:
«بادروا الصبح بالوتر» (1).
فإن أوتر، ثم تهجد، لم يعد الوتر أي لا يسن له إعادته لخبر: «لا وتران في
ليلة» (2).
ووقته المستحب عند الحنفية: آخر الليل، لما روي عن عائشة رضي الله عنها
أنها سئلت عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت: تارة كان يوتر في
أول الليل، وتارة في وسط الليل، وتارة في آخر الليل، ثم صار وتره في آخر
عمره في آخر الليل (3). وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يصلي أحدكم مثنى
مثنى، فإذا خشي الصبح، صلى واحدة، فأوترت له ماصلى من الليل» (4).
وكذلك الأفضل عند الحنابلة: فعل الوتر في آخر الليل، فهذا متفق عليه،
_________
(1) وأما خبر أبي هريرة: «أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلم بثلاث: صيام
ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» فمحمول على من
لم يثق بيقظته آخر الليل.
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والضياء عن طلق بن علي، وهو
ضعيف، وصححه ابن حبان (نيل الأوطار: 45/ 2).
(3) رواه أبو داود في سننه بلفظ آخر (نصب الراية: 145/ 2).
(4) روي في الصحيحين عن ابن عمر (نصب الراية: 145/ 2).
(2/1015)
لخبر مسلم السابق: «من خاف ألا يقوم من آخر
الليل .. » وخبر الشيخين السابق: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً، فإن خاف
ألا يقوم من آخر الليل استحب أن يوتر أوله» وهذا متفق عليه أيضاً؛ لأن
النبي صلّى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء بالوتر قبل
النوم، وقال: «من خاف ألا يقوم آخر الليل، فليوتر من أوله» (1).
ومن أوتر من الليل، ثم قام للتهجد، فالمستحب عند الحنابلة أن يصلي مثنى
مثنى، ولا ينقض وتره، ومعناه أنه إذا قام للتهجد صلى ركعة تشفع الوتر
الأول، ثم يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر في آخر التهجد، لقول النبي صلّى الله
عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً» وهذا مخالف لرأي الجمهور
السابق.
وذكر الحنابلة أنه إذا صلى شخص مع الإمام , وأحب متابعته في الوتر، وأحب أن
يوتر آخر الليل، فإنه إذا سلم الإمام لم يسلم معه، وقام فصلى ركعة أخرى ,
يشفع بها صلاته مع الإمام.
5 - صفة القراءة في الوتر: القراءة تجب
عند الحنفية في كل ركعات الوتر، ويندب عندهم أن يقرأ في الركعة الأولى سورة
الأعلى وفي الثانية سورة الكافرون وفي الثالثة سورة الإخلاص لحديث أبي ابن
كعب «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى،
وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد،
ولا يسلِّم إلا في آخرهن» (2).
_________
(1) وهذه كلها صحاح رواها مسلم وغيره.
(2) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (نيل الأوطار: 34/ 2،42)، وعن ابن عباس
مثله، رواه ابن ماجه.
(2/1016)
ويندب عند المالكية القراءة في وتر الركعة
الواحدة بالإخلاص والمعوذتين بعد الفاتحة، ويقرأ في الشفع بسبِّح اسم ربك
الأعلى في الأولى، والكافرون في الثانية بعد الفاتحة فيهما، ويفصل بينهما
بسلام، إلا في حالة الاقتداء لمن يواصل، فيوصله معه، وينوي بالأوليين
الشفع، وبالأخيرة الوتر، وكره وصل الوتر بالشفع بغير سلام لغير مقتد يواصل،
وكره وتر بواحدة من غير تقدم شفع، ولو لمريض أو مسافر.
ويستحب عند الشافعية لمن أوتر بثلاث: أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث بعد
الفاتحة: في الأولى بسبح، وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1/
109] وفي الثالثة {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1/ 112] والمعوذتين، وينبغي
لمن زاد على الثلاثة أن يقرأ فيها ذلك، لحديث عائشة: أن النبي صلّى الله
عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب، وسبح اسم ربك
الأعلى، وفي الثانية: يقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة: يقل هو الله أحد،
والمعوذتين (1): الفلق ثم الناس.
واستحب الحنابلة الاقتصار في الثالثة على سورة الإخلاص لحديث أبي بن كعب
السابق، قائلين: إن حديث عائشة في هذا لا يثبت، فإنه يرويه يحيى بن أيوب،
وهو ضعيف، وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين.
6 - قنوت الوتر:
قال الحنفية والحنابلة (2): يقنت المصلي في الوتر في جميع السنة، إلا أن
الحنفية قالوا: يقنت في الثالثة قبل الركوع أداء وقضاء؛ لأن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم قنت قبل
_________
(1) رواه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه (نصب الراية: 118/ 2).
(2) المغني 151/ 2 - 153.
(2/1017)
الركوع (1)، وكيفيته: أن يكبر ويرفع يديه
ثم يقنت، لحديث علي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يقنت
كبر وقنت. وهذا رأي المالكية أيضاً في الصبح لا في الوتر كما تقدم.
وقال الحنابلة: يقنت بعد الركوع، لما رواه مسلم عن ابن مسعود «أن النبي
صلّى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع»، ولحديث الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن
أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم، وعن أنس وغيره: أن النبي صلّى
الله عليه وسلم قنت بعد الركوع (2). وطعنوا في حديث أبي بأنه قد تكلم فيه،
وفي حديث ابن مسعود بأن فيه متروك الحديث.
وصيغة القنوت عند الحنفية: هي الدعاء المشهور عن عمر وابنه: «اللهم إنا
نستعينك ونستهديك .. إلخ»، ما ذكرناه في بحث القنوت، ويصلي على النبي صلّى
الله عليه وسلم في آخره، على المفتى به.
والأولى عند الحنابلة دعاء: «اللهم اهدني فيمن هديت»، وللمصلي الدعاء بـ
«اللهم إنا نستعينك» والأصح عند الحنفية أن يكون الدعاء مخافتاً فيه (3)،
وعند الحنابلة: يجهر به الإمام والمنفرد.
وقال الشافعية: يندب القنوت في آخر الوتر في النصف الثاني من رمضان بعد
الركوع، وهو كقنوت الصبح، ويقول بعده في الأصح: «اللهم إنا نستعينك
_________
(1) روي عن أربعة من الصحابة: أبي بن كعب عند النسائي وابن ماجه، وابن
مسعود عند الدارقطني وابن أبي شيبة، وابن عباس عند أبي نعيم في الحلية،
وابن عمر عند الطبراني، لكن في حديث ابن مسعود متروك، وحديث ابن عباس غريب،
وحديث ابن عمر تفرد بروايته سعيد بن سالم (نصب الراية: 123/ 2).
(2) متفق عليه.
(3) واستدلوا بحديث «خير الدعاء الخفي».
(2/1018)
ونستهديك ونستغفرك .. إلخ»، لما روى أبو
داود والبيهقي: «أن أبي بن كعب كان يقنت في النصف الأخير من رمضان حين يصلي
التراويح» (1).
الذكر بعد الوتر:
ويستحب أن يقول بعد الوتر: سبحان الملك القدوس ثلاثاً، ويمد صوته بها في
الثالثة، لما روى أبي بن كعب، قال: «كان ر سول الله صلّى الله عليه وسلم
إذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس» (2) وروى عبد الرحمن بن
أَبْزى: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل
يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال:
سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، ثم يرفع صوته بها في الثالثة» (3).
الدعاء بعد الوتر:
عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقول
في آخر وتره: «اللهم إني أعوذ برضاك من سَخَطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك،
وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (4).
صفة وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم: عن سعيد بن هشام أنه قال لعائشة:
أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت:
_________
(1) قال عنه الحنابلة: فيه انقطاع.
(2) رواه أبو داود.
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند.
(4) رواه الخمسة (نيل الأوطار: 42/ 2).
(2/1019)
كنا نُعِدُّ له سواكه وطهوره، فيبعثه الله
متى شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات (1)، لا يجلس
فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه ثم ينهض ولا يسلِّم.
ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم
تسليماً يُسمعنا. ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم، وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة
ركعة يابني.
فلما أسنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخذه اللحم، أو تر بسبع، وصنع
في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بُنيَّ.
وكان نبي الله إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجَع
عن قيام الليل، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم رسول الله صلّى
الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح، ولا صام
شهراً كاملاً غير رمضان (2).
وفي رواية لأحمد والنسائي وأبي داود نحوه، وفيها: فلما أسنَّ وأخذه اللحم،
أوتر بسبع ركعات، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في
السابعة.
وفي رواية للنسائي قالت: فلما أسن وأخذه اللحم، صلى سبع ركعات لا يقعد إلا
في آخرهن.
_________
(1) فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها، ويقعد في
الثامنة ولا يسلم.
(2) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (نيل الأوطار:37/ 2).
(2/1020)
|