الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي المبحث الرابع ـ
صلاة العيدين سبب
التسمية: سمي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان أي
أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها الفطر بعد المنع عن
الطعام وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغيرها؛
ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالباً بسبب ذلك، وأصل معنى
(عيد) لغةً: عود، والعود هو الرجوع، فهو يعود ويتكرر بالفرح كل عام.
مضمون البحث: الكلام عن صلاة العيد
يتناول أدلة مشروعيتها، وحكمها الفقهي، ووقتها وموضعها، وكيفيتها أو صفتها،
وخطبتها، وحكم التكبير في العيدين، وسنن العيد أو مستحباته أو وظائفه،
والتنفل قبل العيد وبعده، كيفية صلاته صلّى الله عليه وسلم صلاة عيد الفطر
والأضحى وكيفية خطبته.
أولاً ـ أدلة مشروعية صلاة العيد: شرعت صلاة العيد في السنة الأولى من
الهجرة، بدليل ما روى أنس: «قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة،
ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في
الجاهلية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكما خيراً
منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر».
وأدلة مشروعيتها: الكتاب والسنة والإجماع (1).
_________
(1) المغني: 367/ 2، مغني المحتاج: 310/ 1.
(2/1386)
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فصل لربك وانحر}
[الكوثر:108/ 2] المشهور في التفسير: أن المراد بذلك صلاة العيد أي صلاة
الأضحى والذبح.
وأما السنة: فثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتواتر كان يصلي صلاة
العيدين. وأول عيد صلاه صلّى الله عليه وسلم: عيد الفطر في السنة الثانية
من الهجرة. قال ابن عباس: «شهدت صلاة الفطر مع رسول الله صلّى الله عليه
وسلم وأبي بكر وعمر، فكلهم يصليها قبل الخطبة» وعنه «أن النبي صلّى الله
عليه وسلم صلى العيد بغير أذان ولا إقامة» (1).
ثانياً ـ حكمها الفقهي: يتردد حكم صلاة العيد بين آراء ثلاثة: كونها فرض
كفاية، أو واجباً، أو سنة.
فقال الحنابلة في ظاهر المذهب (2): صلاة العيد فرض كفاية، إذا قام بها من
يكفي سقطت عن الباقين، أي كصلاة الجنازة، للآية السابقة {فصل لربك وانحر}
[الكوثر:108/ 2] وهي صلاة العيد في المشهور في السِّيَر، وكان النبي صلّى
الله عليه وسلم والخلفاء بعده يداومون عليها، ولأنها من أعلام الدين
الظاهرة، فكانت واجبة كالجهاد، ولم تجب عيناً على كل مسلم، لحديث الأعرابي
الآتي: «إلا أن تطَّوع» المقتضي نفي وجوب صلاة، سوى الخمس، وإنما وجب العيد
بفعل النبي صلّى الله عليه وسلم، ومن صلى معه.
فإن تركها أهل بلد يبلغون أربعين بلا عذر، قاتلهم الإمام كالأذان؛ لأنها من
شعائر الإسلام الظاهرة، وفي تركها تهاون بالدين.
_________
(1) متفق عليهما .....
(2) المغني: 267/ 2، كشاف القناع: 55/ 2
(2/1387)
وقال الحنفية في الأصح (1): تجب صلاة
العيدين على من تجب عليه الجمعة بشرائطها المتقدمة سوى الخطبة، فإنها سنة
بعدها.
ودليلهم على الوجوب: مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلم عليها.
وقال المالكية والشافعية (2): هي سنة مؤكدة تلي الوتر في التأكيد، لمن تجب
عليه الجمعة: وهو الذكر البالغ الحر المقيم ببلد الجمعة، أو النائي عنه
كبعد فرسخ (5544م) منه، ولا تندب عند المالكية لصبي وامرأة وعبد ومسافر لم
ينو إقامة تقطع حكم السفر، وندبت لغير المرأة الشابة، ولا تندب لحاج ولا
لأهل منى، ولو غير حاجين.
وتشرع عند الشافعية للمنفرد كالجماعة، والعبد والمرأة والمسافر والخنثى
والصغير، فلا تتوقف على شروط الجمعة من اعتبار الجماعة والعدد وغيرهما. وهي
أفضل في حق غير الحاج بمنى من تركها بالإجماع.
ودليلهم على سنيتها: قوله صلّى الله عليه وسلم للأعرابي السائل عن الصلاة:
«خمس صلوات كتبهن الله تعالى على عباده، قال له: هل علي غيرها؟ قال: لا،
إلا أن تطَّوع» (3) وكونها مؤكدة: لمواظبته صلّى الله عليه وسلم عليها.
والتهنئة بالعيد والأعوام والأشهر مشروعة مباحة، لا سنة فيها ولا بدعة (4).
_________
(1) فتح القدير: 422/ 1، الدر المختار: 774/ 1، تبيين الحقائق: 223/ 1
ومابعدها، مراقي الفلاح: ص89.
(2) الشرح الصغير: 523/ 1، القوانين الفقهية: ص85، مغني المحتاج: 310/ 1،
المهذب:118/ 1.
(3) أخرجه البخاري ومسلم عن طلحة بن عبيد الله (نصب الراية: 208/ 2).
(4) مغني المحتاج: 316/ 1.
(2/1388)
شرائط وجوبها
وجوازها:
قال الحنفية (1): كل ما هو شرط وجوب الجمعة وجوازها فهو شرط وجوب صلاة
العيدين، وجوازها، من الإمام والجماعة، والمصر، والوقت، إلا الخطبة فإنها
سنة بعد الصلاة، ولو تركها جازت صلاة العيد.
أما الإمام أي حضور السلطان أو الحاكم أو نائبه: فهو شرط أداء العيد
كالجمعة، لما ثبت في السنة، ولأنه لو لم يشترط السلطان، لأدى إلى الفتنة،
بسبب تجمع الناس، وتنازعهم على التقدم للإمامة لما فيها من الشرف والعلو
والرفعة.
وأما المصر: فلقول علي موقوفاً عليه: «لا جمعة ولا تشريق، ولا صلاة فطر،
ولا أضحى، إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة» (2).
وأما الجماعة: فلأنها ما أديت إلا بجماعة.
وأما الوقت: فإنها لا تؤدى إلا في وقت مخصوص، كما جرى به التوارث عن السلف.
والذكورة والعقل والبلوغ والحرية وصحة البدن والإقامة من شرائط وجوبها، كما
هي من شرائط وجوب الجمعة، فلا تجب على النسوان والصبيان والمجانين والعبيد
بدون إذن مواليهم، ولا على الزمنى والمرضى والمسافرين، كما لاتجب عليهم
الجمعة.
أما الحنابلة (3) فقالوا: يشترط لصحة صلاة العيد استيطان أربعين عدد الجمعة
ولا يشترط لها إذن، ويفعلها المسافر والعبد والمرأة والمنفرد تبعاً لأهل
وجوبها.
_________
(1) البدائع: 275/ 1، وانظر أيضاً ص 261.
(2) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ورواه عبد الرزاق بلفظ «لا جمعة ولا تشريق
إلا في مصر جامع» (نصب الراية: 195/ 2)
(3) كشاف القناع: 58/ 2، المغني: 392/ 2.
(2/1389)
خروج النساء إلى
صلاة العيد:
اتفق الفقهاء منهم الحنفية والمالكية (1) على أنه لا يرخص للشابات من
النساء الخروج إلى الجمعة والعيدين وشيء من الصلاة، لقوله تعالى: {وقَرْن
في بيوتكن} [الأحزاب:33/ 33] والأمر بالقرار نهي عن الانتقال، ولأن خروجهن
سبب الفتنة بلا شك، والفتنة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام.
وأما العجائز: فلا خوف في أن يرخص لهن الخروج في الفجر والمغرب والعشاء،
والعيدين، واختلفوا في الظهر والعصر والجمعة، كما بينا سابقاً. وهذا
التفصيل بين الشابة والعجوز هو مذهب الآخرين أيضاً.
وعبارة الشافعية والحنابلة (2): لا بأس بحضور النساء مصلى العيد غير ذوات
الهيئات فلا تحضر المطيبات، ولا لابسات ثياب الزينة أو الشهرة، لما روت أم
عطية، قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخرج العَواتِق والحُيَّض،
وذوات الخدور في العيد، فأما الحُيَّض فكن يعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير
ودعوة المسلمين» (3).
وإذا أراد النساء الحضور تنظفن بالماء، ولا يتطيبن، ولا يلبسن الشهرة من
الثياب، أي الثياب الفاخرة، ويعتزلن الرجال فلا يختلطن بهم، ويعتزل
الحُيَّض المُصلَّى للحديث السابق، ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا
إماء الله مساجد الله، وليخرجن
_________
(1) البدائع: 275/ 1، الشرح الصغير: 530/ 1، بداية المجتهد: 211/ 1.
(2) مغني المحتاج: 310/ 1، المهذب: 119/ 1، المجموع:96/ 4،365، 11/ 5،
المغني: 375/ 2، كشاف القناع: 58/ 2.
(3) رواه الجماعة. والعواتق: جمع عاتق، وهي المرأة الشابة أول ماتدرك.
وذوات الخدور: جمع خِدْر وهو ناحية في البيت يجعل عليها ستر، فتكون فيه
البنت البكر، وهي المخدَّرة أي خدرات في الخدور. والحيض جمع حائض وهذه ذات
الدم في العادة الشهرية.
(2/1390)
تَفِلات» (1) أي غير عطرات، ولأن المرأة
إذا تطيبت ولبست الشهرة من الثياب، دعا ذلك إلى الفساد.
ثالثاً ـ وقتها: اتفق الفقهاء على أن وقت صلاة العيد: هو ما بعد طلوع الشمس
قدر رمح أو رمحين، أي بعد حوالي نصف ساعة من الطلوع، إلى قبيل الزوال، أي
قبل دخول وقت الظهر، وهو وقت صلاة الضحى؛ للنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس،
فتحرم عند الشروق، وتكره بعدها عند الجمهور، فإذا صلوا قبل ارتفاع الشمس
قدر رمح لا تكون عند الحنفية صلاة عيد، بل نفلاً محرماً (2).
تعجيل الصلاة وتأخيرها: يسن تعجيل صلاة
الأضحى في أول وقتها بحيث يوافق الحجاج بمنى في ذبحهم، وتأخير صلاة الفطر
عن أول وقتها قليلاً، لما روى الشافعي مرسلاً أن النبي صلّى الله عليه وسلم
كتب إلى عمرو بن حزم، وهو بنجران: «أن عجِّل الأضحى، وأخر الفطر، وذكِّر
الناس» ولأنه يتسع لذلك وقت الأضحية، ووقت صدقة الفطر.
هل تقضى صلاة العيد وهل تصلى منفرداً؟ للفقهاء رأيان:
قال الحنفية والمالكية (3): من فاتته صلاة العيد مع الإمام، لم يقضها؛
لفوات وقتها، والنوافل لا تقضى، ولأنها لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم
بالمنفرد، فلو
_________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) فتح القدير: 424/ 1، اللباب: 117/ 1، مراقي الفلاح: ص90، الدر المختار:
779/ 1، البدائع: 276/ 1، الشرح الصغير: 524/ 1، القوانين الفقهية: ص85،
مغني المحتاج: 310/ 1، المهذب: 118/ 1، كشاف القناع: 56/ 2.
(3) فتح القدير: 429/ 1، اللباب: 118/ 1، الشرح الصغير: 524/ 1، القوانين
الفقهية: ص85.
(2/1391)
أمكنه الذهاب لإمام آخر فعل، لأنها تؤدى
بمواضع اتفاقاً. ولا تجوز للمنفرد وإنما تصلى جماعة.
وقال الشافعية والحنابلة (1): من فاتته صلاة العيد مع الإمام، سنَّ له
قضاؤها على صفتها، لفعل أنس، ولأنه قضاء صلاة، فكان على صفتها كسائر
الصلوات. وله قضاؤها متى شاء في العيد وما بعده متى اتفق، والأفضل قضاؤها
في بقية اليوم.
وتجوز صلاة العيد للمنفرد والعبد والمسافر والمرأة، كما بينا.
المدرك عند الشافعية والحنابلة: إن أدرك
المصلي الإمام في الخطبة، صلى تحية المسجد ثم جلس فسمعها، ولو كان بمسجد،
ثم صلى العيد متى شاء، قبل الزوال أو بعده على صفتها، ولو منفرداً أو
بجماعة دون أربعين؛ لأنها عند الشافعية نفل، فجاز للمنفرد فعلها كصلاة
الكسوف، وتصير عند الحنابلة القائلين بفرضيتها تطوعاً لسقوط فرض الكفاية
بالطائفة الأولى (2).
وإن أدرك المرء الإمام في التشهد، جلس معه، فإذا سلم الإمام، قام فصلى
ركعتين، يأتي فيهما بالتكبير؛ لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مبدلة من
أربع، فقضاها على صفتها كسائر الصلوات.
صلاتها في اليوم الثاني إذا تأخر إثبات العيد
لما بعد الزوال:
إذا لم يعلم قوم بالعيد إلا بعد زوال الشمس (أي ظهر العيد)،أو غُمَّ الهلال
على الناس، فشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال، أو حصل عذر مانع
كمطر شديد، ففي جواز صلاة العيد في اليوم التالي رأيان:
_________
(1) مغني المحتاج: 315/ 1، المهذب: 120/ 1، كشاف القناع: 58/ 2،63، المغني:
390/ 2 - 392.
(2) كشاف القناع: 63/ 2
(2/1392)
قال المالكية (1): لا تصلى من الغد، ولا
تنوب عن صلاة الجمعة؛ لفوات وقتها.
وقال الجمهور (2): تصلى في اليوم التالي من الغد، وفي عيد الأضحى إلى ثلاثة
أيام، لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلّى الله
عليه وسلم، قال: «غمَّ علينا هلال شوال، فأصبحنا صياماً، فجاء ركب في آخر
النهار، فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم
الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا غداً لعيدهم» (3) أي إلى المصلى كما
في رواية البيهقي.
وهذا هو الراجح، قال أبو بكر الخطيب: «سنة النبي صلّى الله عليه وسلم أولى
أن تتبع»، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب، وكالفرائض.
وإن شهد اثنان برؤية هلال شوال ليلة الحادي والثلاثين صلوا بالاتفاق في
الغد، ولا يكون ذلك قضاء؛ لأن فطرهم غداً، لما روت عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون،
وعرفتكم يوم تعرفون» (4).
_________
(1) القوانين الفقهية: ص58 ومابعدها.
(2) الدر المختار:783/ 1، تبيين الحقائق: 226/ 1، الفتاوى الهندية: 142/ 1،
مراقي الفلاح: ص91، المهذب: 121/ 1، مغني المحتاج: 315/ 1، المغني: 391/ 2
ومابعدها، كشاف القناع: 56/ 2.
(3) رواه أبو داود والدارقطني وحسنه، والنسائي بأسانيد صحيحة، ورواه
البيهقي أيضاً، ثم قال: وهذا إسناد صحيح (المجموع: 31/ 5)
(4) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره (المرجع السابق).
(2/1393)
رابعاً ـ موضع أداء صلاة العيد: للفقهاء
رأيان متقاربان (1)، فقال الجمهور غير الشافعية: موضعها في غير مكة: المصلى
(الصحراء خارج البلد، على أن يكون قريباً من البلد عرفاً عند الحنابلة) لا
المسجد، إلا من ضرورة أو عذر، وتكره في المسجد، بدليل فعل النبي صلّى الله
عليه وسلم، والكراهة لمخالفة فعله عليه السلام. فإن كان عذر لم تكره، لقول
أبي هريرة: «أصابنا مطر في يوم عيد، فصلى بنا النبي صلّى الله عليه وسلم في
المسجد» (2) وروي أن عمر وعثمان رضي الله عنهما صليا في المسجد في المطر.
أما في مكة: فالأفضل فعلها في المسجد الحرام، لشرف المكان، ومشاهدة الكعبة،
وذلك من أكبر شعائر الدين.
وقال الشافعية: فعل صلاة العيد في المسجد أفضل؛ لأنه أشرف وأنظف من غيره،
إلا إذا كان مسجد البلد ضيقاً، فالسنة أن تصلى في المصلى، لما روي أن النبي
صلّى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى (3)، ولأن الناس يكثرون في صلاة
العيد، وإذا كان المسجد ضيقاً تأذى الناس. قال الشافعية رحمه الله: فإن كان
المسجد واسعاً، فصلى في الصحراء فلا بأس، وإن كان ضيقاً، فصلى فيه ولم يخرج
إلى المصلى، كرهت.
فإن كان في الناس ضعفاء، استخلف الإمام في مسجد البلد من يصلي بهم،
_________
(1) تبيين الحقائق: 224/ 1، مراقي الفلاح: ص90، القوانين الفقهية: ص85،
الدر المختار ورد المحتار: 777/ 1، الفتاوى الهندية: 140/ 1، مغني المحتاج:
312 ومابعدها، المجموع: 5/ 5 ومابعدها، المهذب: 118/ 1، كشاف القناع: 59/
2.
(2) رواه أبو داود بإسناد جيد، ورواه الحاكم وقال: هو صحيح (المجموع: 6/
5).
(3) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري.
(2/1394)
لما روي أن علياً رضي الله عنه استخلف أبا
مسعود الأنصاري رضي الله عنه، ليصلي بضعَفة الناس في المسجد (1).
وقال الحنفية: ولا يخرج المنبر إلى المصلى (الجبانة) يوم العيد، ولا بأس
ببنائه دون إخراجه.
خامساً ـ كيفية صلاة العيد أو صفتها: صلاة العيد ركعتان بالاتفاق، لقول عمر
رضي الله عنه: «صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة السفر
ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم، وقد خاب من
افترى» (2) وهي تشمل بعد الإحرام على تكبيرات: ثلاث عند الحنفية، وست في
الأولى وخمس في الثانية عند المالكية والحنابلة، وسبع في الأولى وخمس في
الثانية عند الشافعية قبل القراءة في الركعتين إلا عند
الحنفية في الركعة الثانية يكون التكبير
بعد القراءة، ويندب بعد الفاتحة قراءة سورتين هما عند الجمهور: {سبح اسم
ربك الأعلى} [الأعلى:87/ 1] و {الغاشية} [الغاشية:88]، ولكن عند المالكية
يقرأ في الثانية سورة {والشمس} [الشمس:91] ونحوها، وعند الشافعية: {ق}
[ق:50/ 1]
و {اقتربت} [القمر:54/ 1]. ولا يؤذَّن لها ولا يقام، لما روي عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: «شهدت العيد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومع أبي
بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم صلى قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة»
(3) والسنة أن ينادى
_________
(1) رواه الشافعي بإسناد صحيح. والضعفة: بفتح الضاد والعين: بمعنى الضعفاء
جمع ضعيف.
(2) رواه أحمد والنسائي وغيرهما.
(3) حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، إلا أنه
قال: وعمر أو عثمان. ورواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وجابر: قالا: «لم يكن
يؤذن يوم الفطر والأضحى».
(2/1395)
لها: «الصلاة جامعة» لما روي عن الزهري أنه
كان ينادَى به (1) وقياساً على صلاة الكسوف.
ويبدأ بها عند الجمهور غير المالكية بالنية بقلبه ولسانه فيقول: (أصلي صلاة
العيد لله تعالى) إماماً أو مقتدياً، ويأتي بعد الإحرام بدعاء الافتتاح أو
الثناء.
كيفيتها في المذاهب:
الحنفية (2):
ينادى (الصلاة جامعة)، ثم ينوي المصلي إماماً أو مقتدياً صلاة العيد بقلبه
ولسانه قائلاً: (أصلي صلاة العيد لله تعالى) إماماً للإمام، ومقتدياً
للمؤتمين، ثم يكبر تكبيرة الإحرام ثم يضع يديه تحت سرته، ثم يقرأ الإمام
والمؤتم الثناء: (سبحانك اللهم وبحمد ك .. الخ)، ثم يكبر الإمام والقوم
ثلاثاً تسمى تكبيرات الزوائد، لزيادتها على تكبيرة الإحرام والركوع، رافعاً
يديه في كل منها، ثم يرسلها، ويسكت بعد كل تكبيرة مقدار ثلاث تسبيحات، ولا
يسن ذِكْر معين، ولابأس بأن يقول: (سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا
الله، والله أكبر)، ثم توضع اليدان تحت السرة.
ثم يتعوذ الإمام ويسمي سراً، ثم يقرأ جهراً الفاتحة، وسورة بعدها، وندب أن
تكون سورة {الأعلى} [الأعلى:6/ 87] تماماً، ثم يركع الإمام والقوم.
_________
(1) رواه الشافعي بإسناد ضعيف مرسلاً. ويغني عن هذا الحديث الضعيف القياس
على صلاة الكسوف، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة، وعبد الله بن عمرو بن
العاص أنه صلّى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي لما كسفت الشمس: «الصلاة
جامعة» (المجموع: 17/ 5) والشرح الصغير: 191/ 2.
(2) اللباب: 117/ 1 ومابعدها، مراقي الفلاح: ص90، فتح القدير: 425/ 1 -
427، تبيين الحقائق: 225/ 1، الدر المختار: 779/ 1 - 782، البدائع: 277/ 1
ومابعدها، الفتاوى الهندية: 141/ 1 .....
(2/1396)
فإذا قام للركعة الثانية: ابتدأ بالبسملة،
ثم بالفاتحة، ثم بالسورة ليوالي بين القراءتين، وهو الأفضل عندهم، وندب أن
تكون سورة {الغاشية} [الغاشية:1/ 88] (1).
ثم يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد ثلاثاً مع رفع اليدين كما في الركعة
الأولى، لأثر ابن مسعود، قال: «يكبر تكبيرة، ويفتتح به الصلاة، ثم يكبر
بعدها ثلاثاً، ثم يقرأ، ثم يكبر تكبيرة، يركع بها، ثم يسجد، ثم يقوم،
فيقرأ، ثم يكبر ثلاثاً، ثم يكبر تكبيرة، يركع بها» (2)، ثم تتم الركعة
الثانية إلى السلام.
فإن قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا إذا كبر زيادة على
الثلاث إلى ست عشرة تكبيرة، فإذا زاد لا يلزم المؤتم المتابعة.
وإن نسي الإمام التكبيرات وركع، فإنه يعود ويكبر، ولا يعيد القراءة، ويعيد
الركوع.
أما المسبوق الذي سبقه الإمام: فإن كان قبل التكبيرات الزوائد، يتابع
الإمام على مذهبه، ويترك رأيه. وإن أدركه بعدما كبر الإمام الزوائد وشرع في
القراءة، فإنه يكبر تكبيرة الافتتاح، ويأتي بالزوائد برأي نفسه لا برأي
الإمام؛ لأنه مسبوق.
وإن أدرك الإمام في الركوع: فإن لم يخف فوت الركعة مع الإمام، يكبر
للافتتاح قائماً، ويأتي بالزوائد، ثم يتابع الإمام في الركوع. وإن خاف إن
كبر أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، كبر للافتتاح، ثم كبر للركوع، وركع؛
لأنه لو لم
_________
(1) رواه أبو حنيفة يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم: «كان يقرأ في
العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» ورواه
مرة في العيدين فقط. ورواه أحمد عن سمرة في العيدين (نيل الأوطار: 296/ 3).
(2) رواه الطحاوي في الآثار: ص40 (نصب الراية: 214/ 2 في الحاشية).
(2/1397)
يركع يفوته الركوع والركعة، وهذا لايجوز.
ثم إذا ركع يكبر تكبيرات العيد في الركوع عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن للركوع
حكم القيام. وقال أبو يوسف. لا يكبر؛ لأنه فات عن محله، وهو القيام، فيسقط
كالقنوت.
وعلى الرأي الأول الراجح: إن أمكنه الجمع بين التكبيرات والتسبيحات جمع
بينهما، وإن لم يمكنه الجمع بينهما يأتي بالتكبيرات دون التسبيحات؛ لأن
التكبيرات واجبة، والتسبيحات سنة، والاشتغال بالواجب أولى. فإن رفع الإمام
رأسه من الركوع قبل أن يتمها رفع رأسه؛ لأن متابعة الإمام واجبة، وسقط عنه
ما بقي من التكبيرات؛ لأنه فات محلها.
هذا إذا أدرك الإمام في الركعة الأولى. فإن أدركه في الركعة الثانية، كبر
للافتتاح، وتابع إمامه في الركعة الثانية، فإذا فرغ الإمام من صلاته، قام
إلى قضاء
ما سبق به، متبعاً رأي نفسه؛ لأنه منفرد فيما يقضي، بخلاف اللاحق؛ لأنه في
الحكم كأنه خلف الإمام.
وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة إذا اجتمعتا، وتقدم صلاة الجنازة على
الخطبة.
المالكية (1):
كالحنفية في أداء صلاة العيد ركعتين جهراً بلا أذان ولا إقامة، واستحباب
قراءة {سبح} [الأعلى:87] ونحوها، وسورة {والشمس} [الشمس:91] ونحوها، إلا أن
التكبير في الركعة الأولى ست بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية
_________
(1) الشرح الصغير: 525/ 1 ومابعدها، الشرح الكبير: 397/ 1، 400، القوانين
الفقهية: ص86، بداية المجتهد: 209/ 1 ومابعدها.
(2/1398)
خمس غير تكبيرة القيام، قبل القراءة ندباً،
فإن أخر التكبير عن القراءة صح، وخالف المندوب. ولا يتبع المؤتم الإمام في
التأخير عن القراءة ولا في الزيادة عن هذا القدر. ودليلهم على عدد التكبير
عمل أهل المدينة، وقول ابن عمر: «شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في
الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة».
ويندب موالاة التكبير إلا الإمام فيندب له الانتظار بعد كل تكبيرة، حتى
يكبر المقتدون به، ويرفع يديه في تكبيرة الإحرام فقط، ولا يرفع يديه مع
التكبيرات في المشهور، ويكره الرفع. ويسكت المكبر. ويكره أن يقول شيئاً من
تسبيح أو تحميد أو تهليل أو غيرها.
والتكبيرات سنة مؤكدة، فلو نسي الإمام شيئاً منها، وتذكره في أثناء قراءته
أوبعدها، كبَّر، ما لم يركع، وأعاد القراءة، وسجد بعد السلام سجود السهو،
لزيادة القراءة الأولى.
وإن تذكره بعد أن ركع، استمرَ في صلاته وجوباً، ولا يرجع له، إذ لا يرجع من
فرض لنفل، وإلا بطلت الصلاة، ويسجد الإمام للسهو ولو لترك تكبيرة واحدة، إذ
كل تكبيرة منها سنة مؤكدة. وأما المؤتم فالإمام يحمله عنه.
وإذا لم يسمع المقتدي تكبير الإمام تحرّى تكبيره وكبر.
والمسبوق: لا يكبر ما فاته أثناء تكبير الإمام، ويكمل ما فاته بسبب تأخر
اقتدائه بعد فراغ الإمام منه، وإذا اقتدى بالإمام أثناء القراءة بعد
التكبير، فإنه يأتي بالتكبير بعد إحرامه، سواء في الركعة الأولى أو
الثانية. ويأتي بست تكبيرات في الأولى، وبخمس في الثانية. وإذا فاتته
الركعة الأولى يقضيها ستاً غير تكبيرة القيام، وإن أدرك مع الإمام أقل من
ركعة، قضى ركعتين بعد سلام الإمام، يكبر في الأولى ستاً، وفي الثانية
خمساً.
(2/1399)
الشافعية
(1):
هم كالحنفية في دعاء الافتتاح والتعوذ والجهر بالقراءة، إلا أن التكبير
عندهم سبع في الأولى، خمس في الثانية، قبل القراءة مع رفع اليدين في
الجميع، يقف بين كل ثنتين كآية معتدلة، يهلل ويكبر ويمجِّد (أي يعظم الله)،
واضعاً يمناه على يسراه بينهما، تحت صدره، ويحسن في ذلك الباقيات الصالحات:
(سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) (2) ثم يتعوذ
ويقرأ. والتكبير ليس فرضاً ولا بعضاً من أبعاض الصلاة، وإنما هو سنة أو
هيئة كالتعوذ ودعاء الافتتاح، فلا يسجد للسهو لتركهن عمداً ولا سهواً، وإن
كان الترك لكلهن أو بعضهن مكروهاً.
ولو نسيها المصلي وتذكرها قبل الركوع، وشرع في القراءة، ولو لم يتم
الفاتحة، لم يتداركها، وفاتت في المذهب الجديد لفوات محله، فلو عاد لم تبطل
صلاته، ولو عاد إلى القيام في الركوع أوبعده ليكبر، فإن صلاته تبطل إن كان
عالماً متعمداً. والجهل كالنسيان.
ولو زاد الإمام عن عدد التكبير لا يتابعه المأموم، وإذا ترك الإمام التكبير
تابعه المأموم في تركه، فإن فعل بطلت صلاته إذا رفع يديه ثلاث مرات
متوالية؛ لأنه فعل كثير تبطل به الصلاة، وإلا فلا تبطل. وإذا كبر الإمام
أقل من هذا العدد تابعه المؤتم. والمسبوق ببعض الصلاة يكبر إذا فرغ من قضاء
ما فاته.
_________
(1) مغني المحتاج: 310/ 1 - 311، المهذب: 120/ 1، المجموع: 18/ 5 ومابعدها.
(2) ولو قال مااعتاده الناس وهو: (الله أكبر تكبيراً، والحمد لله؛ كثيراً،
وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً
كثيراً) لكان حسناً، ولايأتي به بعد التكبيرة السابقة، وإنما يتعوذ ويقرأ
الفاتحة كغيرها من الصلوات.
(2/1400)
ودليلهم على عدد التكبير: ما رواه الترمذي
وحسنه (1): «أنه صلّى الله عليه وسلم كبَّر في العيدين في الأولى سبعاً قبل
القراءة، وفي الثانية خمساً قبل القراءة».
ودليلهم على التسبيح والتحميد بين التكبيرات: ما رواه البيهقي عن ابن مسعود
قولاً وفعلاً، وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة: صدق. وهي الباقيات الصالحات،
قال تعالى: {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} [الكهف:18/
46] وهي عند ابن عباس وجماعة.
ودليلهم على رفع اليدين: ما روي أن عمر رضي الله عنه «كان يرفع يديه في كل
تكبيرة في العيد» (2).
والسنة أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى: {ق} [ق:1/ 50]، وفي الثانية:
{اقتربت} [القمر:54/ 1]، بكمالهما جهراً، بدليل ما رواه أبو واقد الليثي:
«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ في الفطر والأضحى بـ {ق والقرآن
المجيد} [ق:50/ 1]، و {اقتربت الساعة} [القمر:54/ 1] (3)، والجهر بالقراءة
لنقل الخلف عن السلف.
ولو قرأ في الأولى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:87/ 1]، وفي الثانية: {هل
أتاك حديث الغاشية} [الغاشية:1/ 88]، كان سنة أيضاً، لثبوته أيضاً في صحيح
مسلم. وله أن يقرأ أيضاًَ في الأولى (الكافرون) [الكافرون:109/ 1] وفي
الثانية (الإخلاص) [الإخلاص:112].
_________
(1) عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، ورواه ابن ماجه، ولم يذكر القراءة
ورواه أيضاً أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (نيل
الأوطار: 297/ 3).
(2) رواه البيهقي في حديث مرسل عن عطاء، ورواه في السنن عن عمر بإسناد
منقطع وضعيف.
(3) رواه الجماعة إلا البخاري، وأبو واقد: اسمه الحارث بن عوف (نيل
الأوطار: 296/ 3، المجموع: 19/ 5 - 20).
(2/1401)
الحنابلة
(1):
هم كالجمهور غير المالكية في دعاء الافتتاح والتعوذ قبل القراءة،
وكالمالكية في عدد التكبير: في الأولى ستاً زوائد، وفي الثانية خمساً، لما
روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم
كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعاً في الأولى، وخمساً في الآخرة» (2)
وعدوا السبع مع تكبيرة الإحرام، خلافاً للشافعية.
ويرفع يديه مع كل تكبيرة، لحديث وائل بن حجر: «أنه صلّى الله عليه وسلم كان
يرفع يديه في التكبير» ويقول بين كل تكبيرتين زائدتين: «الله أكبر كبيراً،
والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله
وسلم تسليماً كثيراً» لحديث ابن مسعود السابق في رأي الشافعية. وإن أحب قال
غير ذلك من الذكر؛ إذ ليس فيه ذِكْر مؤقت أي محدود. ولا يأتي بعد التكبيرة
الأخيرة في الركعتين بذكر أصلاً.
والتكبير والذكر بين التكبيرات كما قال الشافعية: سنة، وليس بواجب، ولا
تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً. فإن نسي التكبير وشرع في القراءة، لم
يعد إليه، لأنه سنة فات محلها، كما لو نسي الاستفتاح أو التعوذ، حتى شرع في
القراءة، أو نسي قراءة سورة حتى ركع.
_________
(1) المغني:376/ 2 - 384، 396، كشاف القناع: 59/ 2 - 61، 63، 65.
(2) قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن حديث في الباب، ورواه ابن ماجه، وصححه
ابن المديني. وفي رواية: «التكبير سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة
بعدهما كلتيهما» رواه أبو داود والدارقطني. وقال أحمد: اختلف أصحاب النبي
صلّى الله عليه وسلم في التكبير، وكله جائز، وقال ابن الجوزي: ليس يروى عن
النبي صلّى الله عليه وسلم في التكبير في العيدين حديث صحيح.
(2/1402)
كذلك لا يأتي بالتكبير إن أدرك الإمام
قائماً بعد التكبير الزائد أو بعضه، لفوات محله، كما لو أدرك الإمام
راكعاً. والمسبوق ولو بنوم أو غفلة ببعض صلاته يكبر إذا فرغ من قضاء ما
فاته، وهو قول أكثر أهل العلم، ويعمل في القضاء بمذهبه، ودليلهم عموم قوله
صلّى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا، ومافاتكم فاقضوا».
ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسبح، وفي الثانية بعد الفاتحة
بالغاشية لحديث سمرة بن جندب «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقرأ في
العيدين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» (1)؛لأن في سورة
{الأعلى} [الأعلى:87] حثاً على الصدقة والصلاة في قوله {قد أفلح من تزكى،
وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى:87/ 14 - 15] (2).
ويجهر بالقراءة، لما روى الدارقطني عن ابن عمر قال: «كان النبي صلّى الله
عليه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء».
سادساً ـ خطبة العيد: تسن عند الجمهور وتندب عند المالكية خطبتان للعيد
كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط والسنن والمكروهات، بعد صلاة العيد
خلافاً للجمعة، بلا خلاف بين المسلمين، يذكِّر الإمام في خطبة عيد الفطر
بأحكام زكاة الفطر (3)،
_________
(1) رواه أحمد ولابن ماجه من حديث ابن عباس والنعمان بن بشير مثله، وروي عن
عمر وأنس.
(2) هكذا فسره سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز.
(3) اللباب: 118/ 1 - 119، مراقي الفلاح: ص91، تبيين الحقائق: 226/ 1،
الفتاوى الهندية: 141/ 1، فتح القدير: 428/ 1 ومابعدها، الدر المختار:782/
1 - 784، الشرح الصغير: 530/ 1، الشرح الكبير: 400/ 1، القوانين الفقهية:
ص86، مغني المحتاج: 311/ 1 ومابعدها، المهذب: 120/ 1، المجموع: 36/ 5،
المغني:384/ 2 - 387، كشاف القناع: 61/ 2 - 62.
(2/1403)
لقوله صلّى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن
السؤال في هذا اليوم» (1)، وفي عيد الأضحى بأحكام الأضحية وتكبيرات التشريق
ووقوف الناس بعرفة وغيرها، تشبهاً بالحجاج، وما يحتاجون إليه في يومهم،
ويحسن تعليمهم ذلك في خطبة الجمعة السابقة على العيد. وإذا صعد على المنبر
لا يجلس عند الحنفية، ويجلس عند الحنابلة والمالكية والشافعية ليستريح.
ودليل سنية الخطبة: التأسي بالنبي صلّى الله عليه وسلم وبخلفائه الراشدين
فلا يجب حضورها ولا استماعها، لما روى عطاء عن عبد الله بن السائب قال:
«شهدت مع النبي صلّى الله عليه وسلم العيد، فلما انقضت الصلاة، قال: إنا
نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة، فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب» (2) ولو
ترك الخطبة جازت صلاة العيد.
وكونها بعد الصلاة اتباعاً للسنة أيضاً، فإن ابن عمر قال: «إن النبي صلّى
الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة» (3)
فلو خطب الإمام قبل الصلاة صح عند الحنفية وأساء، لترك السنة، لأن التأخير
سنة.
ويبدأ الخطيب خطبته بالتكبير، كما يكبر في أثنائها، من غير تحديد عند
المالكية، وقيل عندهم: سبعاً في أولها. وعند الجمهور: يكبر في الخطبة
الأولى تسع تكبيرات متوالية، وفي الثانية: يكبر في الثانية بسبع متوالية
أيضاً، لما روى سعيد بن منصور عن عبيد الله بن عتبة، قال: «كان يكبر الإمام
يومي العيد قبل أن
_________
(1) انظر كشاف القناع: 62/ 2.
(2) رواه ابن ماجه، وإسناده ثقات، وأبو داود والنسائي، وقالا: مرسل (نيل
الأوطار:305/ 3).
(3) متفق عليه. وروى الشيخان أيضاً عن أبي سعيد: «كان النبي صلّى الله عليه
وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف
مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم .. » (نيل
الأوطار: 303/ 3).
(2/1404)
يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية: سبع
تكبيرات» ويستحب عند الحنفية أيضاً أن يكبر الإمام قبل نزوله من المنبر
أربع عشرة مرة، ويندب للإمام بعد فراغه من الخطبة أن يعيدها لمن فاته
سماعها، ولو نساء، اتباعاً للسنة، رواه الشيخان.
ويلاحظ أن الخطب المشروعة عشر: خطبة الجمعة، والعيدين، والكسوفين،
والاستسقاء، والزواج، وأربع في الحج عند الشافعية، وثلاث عند الحنفية،
وكلها بعد الصلاة إلا خطبتي الجمعة وعرفة فقبلها، وخطبة الزواج لا تقترن
بصلاة، وكل منها ثنتان إلا الثلاثة الباقية في الحج عند الشافعية ما عدا
خطبة عرفة، وخطبة النكاح، ففرادى، ويبدأ بالتحميد في ثلاث: خطبة الجمعة
والاستسقاء والزواج، ويبدأ بالتكبير في خمس أوست: خطبة العيدين، وثلاث أو
أربع خطب الحج. إلا التي بمكة وعرفة، يبدأ فيها بالتكبير ثم بالتلبية، ثم
بالخطبة.
وتختلف خطبة العيد عن خطبة الجمعة في أمور:
منها ـ أن خطبة الجمعة تكون قبل الصلاة، وخطبة العيد بعد الصلاة، فإذا
قدمها لم تصح عند غير الحنفية، ويندب إعادتها بعد الصلاة. ومنها ـ أن خطبتي
الجمعة تبدآن بالحمد لله، وهو شرط أو ركن عند الشافعية والحنابلة، سنة عند
الحنفية، مندوب عند المالكية، أما خطبتا العيدين فيسن افتتاحهما بالتكبير.
ومنها ـ يسن بالمستمع خطبة العيد عند الحنفية والحنابلة والمالكية أن يكبر
سراً عند تكبير الخطيب، أما خطبة الجمعة فيحرم الكلام فيها، ولو ذكراً عند
الجمهور، وقال الحنفية: لا يكره الذكر في خطبة الجمعة والعيد على الأصح.
ويحرم الكلام غير التكبير عند الحنابلة في كل من خطبة العيد والجمعة.
وقال الشافعية: الكلام مكروه لا محرم في خطبة الجمعة والعيد، ولا يكبر
الحاضرون في حال الخطبة، بل يستمعونها.
(2/1405)
ومنها ـ أن الخطيب عند الحنفية خلافاً
للجمهور لايجلس إذا صعد المنبر، ويجلس في خطبة الجمعة.
ومنها ـ أن الخطيب عند المالكية إذا أحدث في أثناء خطبة العيد يستمر ولا
يستخلف، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه إذا أحدث فيها يستخلف.
ومنها ـ أن خطبة العيد عند الشافعية لا يشترط فيها شروط خطبة الجمعة من
قيام وطهارة وستر عورة وجلوس بين الخطبتين، وإنما يسن ذلك فقط.
سابعاً ـ حكم التكبير في العيدين: اتفق الفقهاء على مشروعية التكبير في
العيدين في الغدو إلى الصلاة، وفي إدبار الصلوات أيام الحج. أما التكبير في
الغدو إلى صلاة العيد: فقال أبو حنيفة (1): يندب التكبير سراً في عيد الفطر
في الخروج إلى المصلى لحديث «خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي» (2)،
ويقطعه إذا انتهى إلى المصلى في رواية، وفي رواية: إلى الصلاة. وقال
الصاحبان: يكبر جهراً، واتفقوا على التكبير جهراً في عيد الأضحى في الطريق.
وقال الجمهور (3): يكبر في المنازل والمساجد والأسوق والطرق أي عند الغدو
إلى الصلاة جهراً، إلى أن تبدأ الصلاة، وعند الحنابلة: إلى فراغ الخطبة،
_________
(1) فتح القدير: 423/ 1، الفتاوى الهندية: 142/ 1، مراقي الفلاح: ص90،
اللباب: 117/ 1، الدر المختار: 784/ 1 - 785.
(2) رواه أحمد وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن سعد.
(3) الشرح الصغير: 529/ 1، القوانين الفقهية: ص86، المجموع: 36/ 5 - 37.
مغني المحتاج: 314/ 1 ومابعدها، كشاف القناع: 63/ 2 - 64، المغني: 368/ 2،
369، 372 - 374، 393 - 595.
(2/1406)
وهو في الفطر آكد من تكبير ليلة الأضحى
لقوله تعالى: {ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله على ما هداكم، ولعلكم تشكرون}
[البقرة:185/ 2] ولما فيه من إظهار شعائر الإسلام، وتذكير الغير.
ويندب التكبير المطلق (وهو ما لا يكون عقب الصلاة) عند الشافعية والحنابلة:
من غروب شمس ليلة عيد الفطر، لا ما قبلها: ولا يسن التكبير المقيد (وهو
المفعول عقب الصلاة) ليلة الفطر عند الحنابلة وفي الأصح عند الشافعية، لعدم
وروده.
وصيغة التكبير:
عند الحنفية والحنابلة شفعاً: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،
والله أكبر، الله أكبر (ثنتين)، ولله الحمد) عملاً بخبر جابر عن النبي صلّى
الله عليه وسلم الآتي، وهو قول الخليفتين الراشدين، وقول ابن مسعود.
وصيغته عند المالكية والشافعية في الجديد ثلاثاً: (الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر)، وهذا هو الأحسن عند المالكية، فإن زاد (لا إله إلا الله، والله
أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) فهو حسن، عملاً بما ورد عن جابر وابن عباس
رضي الله عنهم، ويستحب أن يزيد عند الشافعية بعد التكبيرة الثالثة: (الله
أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً) كما قاله النبي
صلّى الله عليه وسلم على الصفا. ويسن أن يقول أيضاً بعد هذا: (لا إله إلا
الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا
الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله
أكبر). وهذه الزيادة إن شاءها عند الحنفية، ويختمها بقوله: (اللهم صلِّ على
محمد وعلى آل محمد، وعلى أصحاب محمد، وعلى أزواج محمد، وسلم تسليماً
كثيراً).
(2/1407)
وأما التكبير
في إدبار الصلوات أيام الحج في عيد الأضحى:
ف قال الحنفية (1):
يجب على الرجال والنساء تكبير التشريق (2) في الأصح مرة، وإن زاد عليها
يكون فضلاً، عقب كل فرض عيني بلا فصل يمنع البناء على الصلاة (كالخروج من
المسجد أو الكلام أو الحدث عامداً) ويؤدى بجماعة أو منفرداً، ولو قضاء،
ويكون التكبير للرجال جهراً، وتخافت المرأة بالتكبير، ولا يكبر عقب الوتر
وصلاة العيد.
ومدته: من فجر يوم عرفة إلى عصر يوم
العيد عند أبي حنيفة، وإلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق عند الصاحبين،
وبقولهما يفتى، فهي ثلاث وعشرون صلاة.
والتكبير واجب عقيب الصلوات المفروضات على كل من صلى المكتوبة، ولو منفرداً
أو مسافراً أو مقتدياً؛ لأنه تبع لها، على المفتى به من قول الصاحبين.
والمسبوق يكبر وجوباً كاللاحق، بعد قضاءما فاته من الصلاة مع الإمام، ولو
ترك الإمام التكبير يكبر المقتدي.
ويبدأ المحرم بالتكبير، ثم بالتلبية (3)،ولا يفتقر التكبير للطهارة، ولا
لتكبير الإمام، فلو تركه الإمام كبر المقتدي.
_________
(1) الدر المختار: 784/ 1 - 787، تبيين الحقائق: 226/ 1 ومابعدها، اللباب:
119/ 1 ومابعدها، فتح القدير: 430/ 1 - 431.
(2) التشريق: تقديم اللحم بالقائه في المشرقة تحت ضوء الشمس، وقد جرت
العادة بتشريق لحوم أضاحي في الأيام الثلاثة بعد العيد، فسميت أيام
التشريق، وأيام التشريق: هي الأيام المعدودات، أما الأيام المعلومات فهي
أيام العشر من أول ذي الحجة.
(3) ذكر في الدر المختار أن المحرم يبدأ بالتلبية.
(2/1408)
ودليلهم على إيجاب التكبير ومدته: قوله
تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة:203/ 2] وحديث جابر: «كان
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة، إلى صلاة
العصر، من آخر أيام التشريق، حين يسلِّم من المكتوبات» وفي لفظ: «كان رسول
الله صلّى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة، أقبل على أصحابه،
فيقول: على مكانكم، ويقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله
أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر، من آخر
أيام التشريق» (1).
وقال المالكية (2):
يندب للجماعة والفرد التكبير إثر كل صلاة من الصلوات المكتوبات من خمس عشرة
فريضة وقتية، من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرابع، لقوله تعالى:
{ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج:28/ 22] وهذا الخطاب وإن كان
مقصوداً به أهل الحج، فإن الجمهور رأوا أنه يعم الحجاج وغيرهم، وتلقى الناس
ذلك بالعمل، والناس تبع للحجيج وهم يكبرون من الظهر.
ولا يكبر بعد نافلة، ولا مقضية من الفرائض، وإن نسي التكبير كبَّر إذا تذكر
إن قرب الزمن، لا إن خرج من المسجد أو طال عرفاً. وكبّر مؤتم ندباً ترك
إمامه التكبير، وندب تنبيه الناسي ولو بالكلام.
_________
(1) رواه الدارقطني، وفيه جابر الجعفي سيء الحال، وعمرو بن شمر أسوأ حالاً
منه، بل هو من الهالكين (نصب الراية: 223/ 2 ومابعدها) والأصح أن صيغة
التكبير مأثورة عن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة، بسند جيد. وقال الصنعاني في
(سبل السلام: 72/ 2): وأما صفة التكبير فأصح ماورد فيه: مارواه عبد الرزاق
عن سلمان بسند صحيح قال: «كبروا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً»،
وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي ليلى، وقول للشافعي، وزاد فيه
«ولله الحمد».
(2) بداية المجتهد: 213/ 1، الشرح الصغير:531/ 1، القوانين الفقهية: ص86،
الشرح الكبير: 401/ 1.
(2/1409)
وقال الشافعية
في الأظهر (1):
يكبّر الحاج عقب الصلوات من ظهر النحر، لأنها أول صلاته بمنى ووقت انتهاء
التلبية ويختم بصبح آخر التشريق لأنها آخر صلاة يصليها بمنى، كما قال
المالكية؛ وغير الحاج كالحاج في الأظهر والمشهور في المذهب؛ لأن الناس تبع
للحجيج، ولإطلاق حديث مسلم: «أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى»
وقيل: من صبح عرفة إلى عصر آخر التشريق، والعمل على هذا في الأمصار، وصح من
فعل عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، واختاره النووي، وقال:
إنه الأصح. ولا يكبر الحاج ليلةالأضحى، بل يلبي؛ لأن التلبية شعاره،
والمعتمر يلبي إلى أن يشرع في الطواف.
والأظهر أنه يُكَّبر في هذه الأيام للفائتةوالراتبة والمنذورة والنافلة
المطلقة أو المقيدة، وذات السبب كتحية المسجد؛ لأنه شعار الوقت.
والتكبير سنة في العيدين في المنازل والطرق والمساجد والأسواق برفع الصوت،
لما روى نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان
يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس، وعلي وجعفر، والحسن
والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن بن أم أيمن، رافعاً صوته
بالتهليل والتكبير، ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلَّى (2).
ويكبر لرؤية الأنعام (وهي الإبل والبقر والغنم) في الأيام المعلومات وهي
عشر ذي الحجة، لقوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما
رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج:28/ 22].
_________
(1) مغني المحتاج: 314/ 1، المهذب: 121/ 1، المجموع:24/ 5 - 42.
(2) المصلى: مكان صحراوي كان قرب المدينة، قرب المسجد النبوي الشريف، وقد
دخل الآن في مبانيها، وأقيم فيه مسجد الغمامة الآن.
(2/1410)
وقال الحنابلة
(1):
يسن التكبير مطلقاً في العيدين، ويسن إظهاره في المساجد والمنازل والطرق،
حضراً وسفراً، في كل موضع يجوز فيه ذكر الله، ويسن الجهر به لغير أنثى، من
كل من كان من أهل الصلاة من مميز وبالغ، حر أوعبد، ذكر أو أنثى، من أهل
القرى والأمصار، عقب كل فريضة ولو مقضية، تصلى في جماعة في المشهور، في
ثلاث وعشرين فريضة من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، لحديث جابر
السابق أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم عرفة، وأقبل علينا،
فقال: «الله أكبر، الله أكبر» ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق
(2)، وفي بعضها «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله
الحمد». والمسافر كالمقيم، والحاج المحرم كغير الحاج في مدة التكبير؛ لأنه
قبل ذلك مشغول بالتلبية، ويبدأ بالتكبير ثم يلبي. لأن التكبير من جنس
الصلاة.
ولا يكبر من صلى وحده، لقول ابن مسعود: «إنما التكبير على من صلى جماعة»
(3)، ولأنه ذكر مختص بوقت العيد، فأشبه الخطبة.
ويكبر مأموم نسي إمامه التكبير ليحوز الفضيلة، كقول: آمين.
ويأتي بالتكبير الإمام مستقبل الناس، لحديث جابر السابق أن النبي صلّى الله
عليه وسلم «كان يقبل بوجهه على أصحابه، ويقول: على مكانكم، ثم يكبر» ويكبر
غير الإمام مستقبل القبلة؛ لأنه ذكر مختص بالصلاة، أشبه الأذان والإقامة.
ويجزئ التكبير مرة واحدة، وإن زاد على مرة فلا بأس، وإن كرره ثلاثاً فحسن.
والأولى أن يُكبَّر
_________
(1) كشاف القناع: 63/ 2 - 67، المغني: 393/ 2 - 398.
(2) أخرجه الدارقطني من طرق، وقد بينا ضعفه.
(3) رواه ابن المنذر.
(2/1411)
عقب صلاة العيد؛ لأنها صلاة مفروضة في
جماعة، فأشبهت صلاة الفجر، ولأن هذه الصلاة أخص بالعيد، فكانت أحق بتكبيره.
ويستحب التكبير أيضاً في أيام العشر من ذي الحجة وهي الأيام المعلومات،
لقوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج:28/ 22].
ثامناً ـ سنن العيد أو مستحباته أو وظائفه: يستحب في مقدمات عيد الأضحى
الاجتهاد في عمل الخير، أيام عشر ذي الحجة، من ذِكْر الله تعالى والصيام
والصدقة وسائر أعمال البر؛ لأنها أفضل الأيام، لحديث «مامن أيام العمل
الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا:
يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا
رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع بشيء من ذلك» (1).
ويندب الامتناع عن تقليم الأظفار وحلق الرأس في عشر ذي الحجة، لما ورد في
صحيح مسلم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا دخل العشر، وأراد
بعضكم أن يضحي، فلا يأخذن شعراً، ولا يقلمن ظفراً».
ويندب في العيد عدا التكبير ما يأتي (2):
1ً - إحياء ليلتي العيد
بطاعة الله تعالى أي بالعبادة من ذكر وصلاة وتلاوة
_________
(1) رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما (نيل
الأوطار: 312/ 3).
(2) مراقي الفلاح:89/ 1 ومابعدها، تبيين الحقائق: 224/ 1 ومابعدها، فتح
القدير: 423/ 1،429، الفتاوى الهندية: 140/ 1، الدر المختار: 776/ 1
ومابعدها، اللباب: 116/ 1 ومابعدها، الشرح الصغير: 527/ 1 - 531، مغني
المحتاج: 312/ 1 ومابعدها، المهذب: 119/ 1، المغني: 369/ 2 - 374، 389،399،
كشاف القناع: 56/ 2 - 58.
(2/1412)
قرآن، وتكبير وتسبيح واستغفار، ويحصل ذلك
بالثلث الأخير من الليل، والأولى إحياء الليل كله، لقوله صلّى الله عليه
وسلم:
«من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى محتسباً، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»
(1).
ويقوم مقام ذلك: صلاة العشاء والصبح في جماعة.
والدعاء في ليلتي العيد مستجاب، فيستحب كما يستحب في ليلة الجمعة وليلتي
أول رجب ونصف شعبان.
2ً - الغسل والتطيب
والاستياك ولبس الرجال أحسن الثياب، قياساً على الجمعة، وإظهاراً لنعمة
الله وشكره. ويدخل وقت الغسل عند الشافعية بنصف الليل، وعند المالكية:
بالسدس الأخير من الليل، ويندب كونه بعد صلاة الصبح، وعند الحنفية
والحنابلة بعد الصبح قبل الذهاب إلى المصلى، وهو غسل عند الحنفية للصلاة؛
لأنه صلّى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر (2)، وكان علي
وعمر رضي الله عنهما يغتسلان يوم العيد.
وكان عليه السلام يتطيب يوم العيد، ولو من طيب أهله. وكان للنبي صلّى الله
عليه وسلم بردة حمراء يلبسها يوم العيد (3). وتخرج النساء كما بينا ببذلة
بلا طيب خشية الافتتان بها.
ويتنظف ويتزين بإزالة الظفر والريح الكريهة كالجمعة، والإمام بذلك آكد؛
لأنه منظور إليه من بين سائر الناس.
_________
(1) رواه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت، ورواه الدارقطني موقوفاً،
قال النووي: وأسانيده ضعيفة. وأخرجه ابن ماجه عن أبي أمامة، وهو حديث حسن
بلفظ: «من قام ليلتي العيد، محتسباً لله تعالى، لم يمت قلبه يوم تموت
القلوب».
(2) رواه ابن ماجه عن ابن عباس، وهو ضعيف (نصب الراية: 85/ 1).
(3) رواه البيهقي عن ابن عباس، ورواه ابن عبد البر وابن خزيمة في صحيحه عن
جابر: «كان للنبي حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة».
(2/1413)
3ً - تبكير المأموم
ماشياً إن لم يكن عذر إلى الصلاة بعد صلاة الصبح ولو قبل الشمس بسكينة
ووقار: ليحصل له الدنو من الإمام من غير تخط للرقاب، وانتظار الصلاة فيكثر
ثوابه، لقول علي: «من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً» (1)، ولأن النبي
صلّى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة.
وأما الإمام فيسن له التأخر إلى وقت الصلاة، لحديث أبي سعيد عند مسلم: «كان
النبي صلّى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء
يبدأ به: الصلاة».
ولا بأس بالركوب في العود، لقول علي: «ثم تركب إذا رجعت»؛ لأنه غير قاصد
إلى قربة. وقال الحنفية: لا بأس بالركوب في الجمعة والعيدين، والمشي أفضل
في حق من يقدر عليه.
وعبر الحنفية عن هذا بمندوبين: التبكر: وهو سرعة الانتباه أول الوقت أو
قبله لأداء العبادة بنشاط، والابتكار: وهو المسارعة إلى المصلى لينال
فضيلته والصف الأول.
ويذهب الإمام وغيره ندباً إلى المصلى كمافي صلاة الجمعة من طريق، ويرجع من
أخرى، اتباعاً للسنة، كما روى البخاري (2) لتشهد له الطريقان، أو لزيادة
الأجر، ويخص الذهاب بأطولهما تكثيراً للأجر، ويرجع في أقصرهما.
ويندب للإمام الإسراع في الخروج إلى صلاة الأضحى والتأخر قليلاً في الخروج
إلى صلاة الفطر، لما ورد مرسلاً من أمره صلّى الله عليه وسلم بذلك، وليتسع
الوقت للتضحية ولإخراج الفطرة، كما سبق.
_________
(1) رواه الترمذي: وقال: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم.
(2) رواه البخاري عن جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلم «كان إذا خرج إلى
العيد خالف الطريق» ورواه مسلم من حديث أبي هريرة.
(2/1414)
4ً - أن يأكل في
عيد الفطر قبل الصلاة، وأن يكون المأكول تمرات وتراً، ويؤخر الأكل في
الأضحى حتى يرجع من الصلاة، والأكل في الفطر آكد من الإمساك في الأضحى،
لحديث أنس: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل
تمرات» (1) وزاد في رواية منقطعة «ويأكلهن وتراً» وحديث بريدة: «أن رسول
الله صلّى الله عليه وسلم كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل، وكان لا يأكل
يوم النحر، حتى يصلي» (2) ليأكل من الأضحية إن ضحى، والأولى من كبدها؛ لأنه
أسرع هضماً وتناولاً. فإن لم يضح خير عند الحنابلة بين الأكل قبل الصلاة
وبعدها.
ويندب تأخير الأكل في الأضحى مطلقاً، ضحى أم لا.
5ً - أن يؤدي صدقة الفطر
قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولا بأس بأدائها قبل العيد بأيام، تمكيناً
للفقير من الانتفاع بها في العيد، قال ابن عباس: فرض رسول الله صلّى الله
عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرَّفَث، وطعْمه للمساكين،
فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من
الصدقات» (3).
6ً - التوسعة على الأهل،
وكثرة الصدقة النافلة بحسب الطاقة زيادة عن عادته، ليغنيهم عن السؤال.
7ً - إظهار البشاشة والفرح
في وجه من يلقاه من المؤمنين، وزيارة الأحياء من الأرحامـ والأصحاب،
إظهاراً للفرح والسرور، وتوثيقاً لرابطة الأخوة والمحبة.
8ً - قال الحنفية: يندب
صلاة الصبح في مسجد الحي، لقضاء حقه، ثم
_________
(1) رواه البخاري (نصب الراية: 208/ 2).
(2) رواه الترمذي وابن ماجه (المصدر السابق).
(3) رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه: (نيل الأوطار: 4/
184).
(2/1415)
يذهب إلى المصلى. ورأى جمهور الفقهاء أنه
يندب إيقاع الصلاة في المصلى في الصحراء لا في المسجد، والسنة عند الشافعية
أيضاً أن تصلى صلاة العيد في المصلى إذا كان المسجد ضيقاً، وإلا فالمسجد
أفضل، كما بينا في موضع صلاة العيد.
تاسعاً ـ التنفل قبل العيد وبعده: للفقهاء رأيان: رأي الجمهور: لا يصلى قبل
صلاة العيد ولا بعدها، وهو الأصح لدي، ورأي الشافعية: يصلى قبلها بعد
ارتفاع الشمس لغير الإمام، وبعدها أيضاً. وتفصيل الآراء ما يأتي:
رأي الحنفية (1):
يكره التنفل قبل صلاة العيد مطلقاً في المصلى والبيت وبعدها في المصلى فقط،
ويجوز في البيت، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «خرج النبي صلّى الله عليه
وسلم يوم عيد، فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما» (2) وحديث أبي سعيد
رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه كان لا يُصلِّي قبل العيد
شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» (3).
_________
(1) فتح القدير: 424/ 1، الدر المختار: 777/ 1 ومابعدها، اللباب: 117/ 1،
مراقي الفلاح: ص90.
(2) رواه الجماعة (نيل الأوطار:300/ 3) ويؤيده حديث ابن عمر عند أحمد
والترمذي وصححه، وللبخاري عن ابن عباس: أنه كره الصلاة قبل العيد.
(3) رواه ابن ماجه وأحمد بمعناه (نيل الأوطار: 301/ 3).
(2/1416)
المالكية في المشهور
(1):
يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها في المصلى لحديث ابن عباس وابن عمر لا
في المسجد، ففي المسجد لا يكره قبلها ولا بعدها، أما عدم كراهته قبلها فلأن
السنة الخروج بعد الشمس، والتحية حينئذ مطلوبة اتفاقاً، وأما عدم كراهته
بعد صلاتها، فلندور حضور أهل البدع لصلاة الجماعة في المسجد.
الحنابلة (2):
يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها للإمام والمأموم في موضع الصلاة، سواء
أكان في المصلى أم المسجد، لحديث ابن عباس السابق، ونحوه عن ابن عمر، ولنهي
الصحابة عنه وعملهم به، ولأنه وقت نهي عن التنفل فيه كسائر أوقات النهي.
ويكره أيضاً قضاء فائتة في مصلى العيد قبل مفارقته، إماماً كان أو مأموماً،
في صحراء أو في مسجد، لئلا يقتدي به.
ولا بأس بالتنفل إذا خرج من المصلى في منزل أو غيره، لما روى حرب عن ابن
مسعود «أنه كان يصلي يوم العيد إذا رجع إلى منزله أربع ركعات أو ركعتين».
فهذا كالحنفية تماماً.
ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك.
الشافعية (3):
لا يكره النفل قبل صلاة العيد بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام، لانتفاء
_________
(1) بداية المجتهد: 212/ 1، الشرح الكبير: 401/ 1، الشرح الصغير: 531/ 1.
(2) كشاف القناع: 62/ 2 - 63، المغني: 387/ 2 - 389،399.
(3) المهذب: 119/ 1، مغني المحتاج: 313/ 1.
(2/1417)
الأسباب المقتضية للكراهة، فهو ليس بوقت
منهي عن الصلاة فيه، ولما روي عن أبي بردة وأنس والحسن وجابر بن زيد أنهم
كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام.
أما قبل ارتفاع الشمس: فإنه وقت كراهة. وأما الإمام فيكره له النفل قبلها
وبعدها لاشتغاله بغير الأهم، ولمخالفته فعل النبي صلّى الله عليه وسلم.
وأما غير الإمام بعد صلاة العيد فإن كان يسمع الخطبة فيكره له، وإلا فلا.
ومن دخل والخطيب يخطب، فإن كان في مسجد بدأ بالتحية، لقوله صلّى الله عليه
وسلم: «إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين»، كما بينا في النوافل، ثم بعد
فراغ الخطبة يصلي في المسجد صلاة العيد، فلو صلى فيه بدل تحية العيد، وهو
أولى، حصل له ثواب التحية والعيد. ولو دخل وعليه مكتوبة يفعلها ويحصل بها
التحية.
وإن كانت الصلاة في صحراء: سن له الجلوس ليستمع الخطبة؛ إذ لا تحية، وأخر
صلاة العيد إلا إن خشي الداخل فواتها، فيقدمها على الاستماع. وإذا أخرها
فهو مخير بين أن يصليها في المصلى، وبين أن يصليها بغيره إلا إن خشي الفوات
بالتأخير.
عاشراً ـ كيفية صلاته صلّى الله عليه وسلم صلاة عيد الفطر والأضحى وكيفية
خطبته: يحسن ختم هذا المبحث ببيان هذه الكيفية، كما رواها الثقات. عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده، قال نبي الله صلّى الله عليه وسلم: «التكبير في
الفطر ـ أي صلاته ـ سبع في الأولى، وخمس في الأخرى، والقراءة ـ الحمد وسورة
ـ بعدهما كلتيهما» (1).
_________
(1) أخرجه أبو داود، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه، وأخرجه أحمد وعلي بن
المديني وصححاه (سبل السلام:86/ 2).
(2/1418)
وعن أبي سعيد قال: «كان رسول الله صلّى
الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به
الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم، فيعظهم ويأمرهم»
(1).
وعن جابر رضي الله عنه قال: «شهدت مع النبي صلّى الله عليه وسلم يوم العيد،
فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال،
فأمر بتقوى الله، وحث على الطاعة، ووعظ الناس وذكرَّهم، ثم مضى حتى أتى
النساء، فوعظهن وذكرهن» (2).
وعن سعد المؤذن رضي الله عنه قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم يكبر بين
أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبة العيدين» (3).
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه قال: «السنة أن يخطب
الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما بجلوس» (4).
حادي عشر - صلاة الجمعة في يوم العيد:
إن صادف وجود العيد في يوم جمعة، سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا
الإمام، فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة. وهذا
مذهب الحنابلة، لما رواه أبو داود والإمام أحمد عن إياس بن أبي رملة الشامي
(5) قال:
_________
(1) متفق عليه (المرجع السابق: ص67).
(2) رواه مسلم والنسائي (نيل الأوطار:304/ 3).
(3) رواه ابن ماجه وفيه ضعيف، وقد أخرج نحوه البيهقي من حديث عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة قال: السنة أن تفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تترى، والثانية
بسبع تكبيرات تترى (نيل الأوطار:305/ 3)،
(4) رواه الشافعي (المصدر السابق).
(5) هو مجهول، ولكن الحديث صححه علي بن المديني.
(2/1419)
«شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم، هل شهدت مع
رسول الله صلّى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال:
فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة» فقال: «من شاء أن يصلي فليصل»
أو «من شاء أن يجمّع فليجمِّع» وروى ابن ماجه عن أبي هريرة عن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم قال: «اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من
الجمعة، وإنا مجمّعون». ولأنه تحقق المقصود بسماع خطبة العيد، فأجزأ ذلك عن
سماعها ثانياً، ولأن وقتها واحد في رأيهم وهو الساعة السادسة، فسقطت
إحداهما بالأخرى، كالجمعة مع الظهر.
وقال الجمهور (بقية المذاهب): تجب الجمعة، لعموم الآية الآمرة بها،
والأخبار الدالة على وجوبها؛ ولأنهما صلاتان واجبتان، فلم تسقط إحداهما
بالأخرى، كالظهر مع العيد (1).
_________
(1) المغني لابن قدامة:358/ 2.
[التعليق]
* للاستزادة انظر (2/ 1291)
سقوط الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام عند الحنابلة
* أبو أكرم الحلبي
(2/1420)
|