الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي المبحث السابع ـ
صلاة الخوف مشروعيتها، سببها وشروطها، كيفيتها أو
صفتها، صفة ما يقضيه المسبوق فيها، متى تفسد؟ الصلاة عند التحام القتال
واشتداد الخوف.
أولاً ـ مشروعية صلاة الخوف: صلاة الخوف مشروعة عند جمهور الفقهاء (1)، هي
سنة ثابتة بالكتاب والسنة في أثناء قتال الكفار: أما الكتاب: فقول الله
تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا
أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا
فليصلوا معك، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ودَّ الذين كفروا لو تغفُلون عن
أسلحتكم وأمتعتكم، فيميلون عليكم ميلة واحدة .. } الآية (2) وماثبت في حقه
عليه السلام ثبت في حق أمته، مالم يقم دليل على اختصاصه؛ لأن الله تعالى
أمر باتباعه، وتخصيصه بالخطاب: {وإذا كنت} [النساء:102/ 4] لا يقتضي تخصيصه
بالحكم، بدليل قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة:103/ 9].
وأما السنة: فقد ثبت وصح أنه صلّى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في أربعة
مواضع:
_________
(1) فتح القدير:441/ 1، الدر المختار:792/ 1، اللباب:124/ 1، بداية
المجتهد:169/ 1، الشرح الصغير:517/ 1، القوانين: ص83، مغني المحتاج:327/ 1،
المهذب:105/ 1، المغني:400/ 2 ومابعدها، كشاف القناع:9/ 3.
(2) النساء:102.
(2/1457)
في غزوة ذات الرِّقاع التي حدثت بعد الخندق
على الصواب، وبطن نخل (اسم موضع في نجد بأرض غطفان) وعُسْفان (يبعد عن مكة
نحو مرحلتين)، وذي قَرَد (ماء على بريد من المدينة، وتعرف بغزوة الغابة، في
ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية) (1) وصلاها النبي صلّى الله عليه وسلم
أربعاً وعشرين مرة. وقد وردت بها الأحاديث الآتية في صفة صلاتها، مع خبر
«صلوا كما رأيتموني أصلي».
وأجمع الصحابة على فعلها، وصلاها علي وأبو موسى الأشعري وحذيفة، وهي عند
الجمهور والمشهور من المذهب المالكي جائزة في السفر والحضر، وقصرها ابن
الماجشون من المالكية على حالة السفر.
وقال أبو يوسف: إن صلاة الخوف مختصة بالنبي صلّى الله عليه وسلم، فكانت
مشروعة في حياته عليه السلام، لقوله تعالى: {وإذا كنت فيهم} [النساء:102/
4]، وحكمة مشروعيتها في حياته صلّى الله عليه وسلم أن ينال كل فريق فضيلة
الصلاة خلفه، وهم كانوا حراصاً على درك هذه الفضيلة، وقد ارتفع بعده عليه
الصلاة والسلام، وكل طائفة تتمكن من أداء الصلاة بإمام خاص، فلا يجوز
أداؤها بصفة فيها ذهاب ومجيء ونحوهما مما يخالف صفة الصلاة. ولا تصلى صلاة
الخوف بعد النبي صلّى الله عليه وسلم بإمام واحد، وإنما تصلى بعده بإمامين،
يصلي واحد منهما بطائفة ر كعتين، ثم يصلي الآخربطائفة أخرى وهي الحارسة
ركعتين أيضاً، وتحرس التي قد صلت.
ورد هذا الاستدلال: بأن الصحابة قد أقاموها بعده عليه الصلاة والسلام، وهم
أعرف بانتهاء الجواز أو بقائه.
والغاية من تشريعها: هو حرص الإسلام على أداء الصلاة جماعة، لتظل رابطة
التجمع قوية صلبة دائمة، حتى في أشد أوقات المحن والمخاطر والأزمات.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار:794/ 1 - 795.
(2/1458)
وتأثير الخوف في تغيير هيئة الصلاة وصفتها،
لا في تغيير عدد ركعاتها، فلا يغيره الخوف، في قول الأكثرين.
ثانياً ـ سبب صلاة الخوف وشروطها: إن الخوف من هجوم العدو سبب لهذه الصلاة،
كما رأى ابن عابدين (1)، وحضور العدو شرط، كما في صلاة المسافر، فإن المشقة
سبب لها، والسفر الشرعي شرط. والمراد بالخوف: حضرة العدو، لا حقيقة الخوف،
فإن حضرة العدو أو وجوده أقيمت مقام الخوف. ولا تختص صلاة الخوف بالقتال،
بل تجوز في كل خوف، كهرب من سيل أو حريق أوسبع أو جمل أو كلب ضار أو صائل
أو لص أو حية ونحو ذلك، ولم يجد معدلاً عنه (2).
ويشترط لصلاة الخوف ما يأتي (3):
1ً - أن يكون القتال
مباحاً: أي مأذوناً فيه، سواء أكان واجباً كقتال الكفار الحربيين، والبغاة،
والمحاربين (قطاع الطرق) القاصدين سفك الدماء وهتك الحرمات، لقوله تعالى:
{إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء:101/ 4]، أم جائزاً كقتال من أراد
أخذ مال المسلمين.
فلا تصح صلاة الخوف من البغاة والعصاة بالسفر؛ لأنها رحمة وتخفيف
_________
(1) رد المحتار:793/ 1.
(2) المجموع:319/ 4.
(3) الدر المختار:794، فتح القدير:441/ 1، اللباب:125/ 1، شرح الرسالة:253/
1 - 254، الشرح الصغير:517/ 1، مغني المحتاج:305/ 1 - 306، المهذب:105/ 1،
كشاف القناع:9/ 3، القوانين الفقهية: ص83 - 84، المغني:406/ 3،408،416،418
ومابعدها، الشرح الكبير:391/ 1 - 394.
(2/1459)
ورخصة، فلا يجوز أن تتعلق أو تباح
بالمعاصي، أي أن صلاة الخوف لا تجوز في القتال المحظور أو الحرام، كقتال
أهل العدل وقتال أصحاب الأموال لأخذ أموالهم.
2ً - حضور العدو أو السبع،
أو خوف الغرق أو الحَرَق: فمن خاف العدو أو الخطر، سواء أكان الخوف على
النفس أم المال، جاز له صلاة الخوف عند الجمهور والمشهور من مذهب المالكية
في السفر والحضر وفي البحر والبر، في القتال أوغيره، لعموم قوله تعالى:
{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} [النساء:102/ 4] فهو عام في كل حال. فلو
رأوا سواداً ظنوه عدواً، فصلوها، فإن تبين الأمر كما ظنوا صحت صلاتهم، وإن
ظهر خلافه، لم تجز، فإذا كانت الصلاة من غير خوف فسدت، قال الشافعية
والحنابلة: من أمن وهو في الصلاة أتمها صلاة آمن، ومن كان آمناً فاشتد خوفه
أتمها صلاة خائف. وقال المالكية: من أمن صلى صلاة أمان. وتكون صلاة الحضر
تامة، وصلاة السفر الرباعية مقصورة؛ لأن الخوف كما قدمنا لا يؤثر في عدد
الركعات، ففي السفر الذي يبيح القصر (98كم) يصلي الإمام بكل طائفة ركعة،
وفي الحضر يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين.
ثالثاً ـ كيفية أداء صلاة الخوف أو صفتها:
اتفق الفقهاء على ناحيتين مهمتين:
أولاهما ـ أنه يجوز للجيش أن يصلوا بإمامين، كل طائفة بإمام.
وثانيتهما ـ أنه في اشتداد الخوف وتعذر الجماعة، يجوز للجنود أن يصلوا
فرادى ركباناً وراجلين، في مواقعهم وخنادقهم، يومئون إيماء بالركوع والسجود
إلى أي جهة شاءوا، إلى القبلة وإلى غيرها، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى
القبلة إن قدروا، أو إلى غيرها؛ لأن هذه صلاة للضرورة، تسقط بها الأركان
والتوجه إلى القبلة.
(2/1460)
وأما صلاة الخوف جماعة لكل الجنود، بإمام
واحد: فتجوز صلاتها على أي صفة صلاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد
جاءت الأخبار بأنها على ستة عشر نوعاً، في صحيح مسلم بعضها، ومعظمها في سنن
أبي داود، وفي صحيح ابن حبان منها تسعة، ففي كل مرة كان صلّى الله عليه
وسلم يفعل ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.
والمشهور من ذلك سبع صفات، اختار الجمهور منها أقواها وأصحها لديهم،
وأجازها كلها الحنابلة، واختار الإمام أحمد منها حديث سهل، وهي ما يأتي
(1):
الأولى ـ صلاة النبي صلّى الله عليه وسلم في عسفان (2): اعتمدها الشافعية
والحنابلة إذا كان العدو في جهة القبلة: وهي أن يصف الإمام الناس خلفه صفين
فأكثر، ويصلي بهم جميعاً ركعة إلى أن يسجد، فإذا سجد سجد معه الصف الذي
يليه، وحرس الصف الآخر حتى يقوم الإمام إلى الركعة الثانية، فإذا قام سجد
الصف المتخلف، ولحقوه.
وفي الركعة الثانية سجد معه الصف الذي حرس أولاً في الركعة الأولى، وحرس
الصف الآخر. فإذا جلس الإمام للتشهد سجد من حرس، وتشهد بالصفين، وسلم بهم
جميعاً. فهي صلاة مقصورة لكونها في السفر. وقد اشترط الحنابلة لهذه الصفة:
ألا يخاف المسلمون كميناً يأتي من خلف المسلمين، وألا يخفى بعض الكفار عن
المسلمين، وأن يكون في المصلين كثرة يمكن تفريقهم
_________
(1) اللبا ب:125/ 1 ومابعدها، فتح القدير:441/ 1 - 443، بداية المجتهد:170/
1 - 171، المغني:401 - 416، مغني المحتاج:301/ 1 - 305، الشرح الصغير:518/
1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص83، كشاف القناع:10/ 2 - 17، نيل
الأوطار:316/ 3 - 322، الشرح الكبير:391/ 1 ومابعدها، شرح الرسالة:253/ 1.
(2) روى هذه الصفة أبو داود من حديث أبي عياش الزرقاني، قال: «فصلاها النبي
صلّى الله عليه وسلم مرتين: مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم» ورواها أيضاً
أحمد ومسلم وابن ماجه من حديث جابر (نيل الأوطار:319/ 3).
(2/1461)
طائفتين، كل طائفة ثلاثة فأكثر؛ لأن الله
تعالى ذكر الطائفة بلفظ الجمع {فإذا سجدوا .. } [النساء:102/ 4] وأقل الجمع
ثلاثة. فإن خاف المسلمون كميناً (يكمن في الحرب)، أو خفي بعضهم عن
المسلمين، أو كان المسلمون أقل من ستة أشخاص، صلوا على غير هذا الوجه.
الثانية ـ صلاة النبي صلّى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع (1): وهي
التي اختارها الشافعية (2) والحنابلة إذا كان العدو في غير جهة القبلة، كما
اختارها المالكية مطلقاً في مشهور المذهب، سواء أكان العدو في جهة القبلة
أم لا. وهي أن يقسم الإمام العسكر طائفتين: طائفة معه، وأخرى تحرس العدو،
فيصلي بأذان وإقامة بالطائفة الأولى التي معه في الصلاة الثنائية ركعة، وفي
الثلاثية والرباعية ركعتين، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون، ثم يذهبون ويحرسون.
وتأتي الطائفة الثانية، فيقتدون، ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية في
الثنائية، والركعتين الأخريين في الرباعية، والثالثة في المغرب، ويسلم
الإمام، ويتمون صلاتهم بفاتحة وسورة، ولكن بعد سلامه عند المالكية، وينتظر
الإمام في التشهد عند الشافعية والحنابلة ثم يسلم بهم، كما هو نص الحديث،
ويقرأ الإمام بعد قيامه للركعة الثانية الفاتحة وسورة بعدها في زمن انتظاره
الفرقة الثانية، ويكرر التشهد أو يطيل الدعاء فيه. ولا يسلم قبلهم عند
الشافعية والحنابلة لقوله تعالى: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا، فليصلوا معك}
[النساء:102/ 4] فيدل على أن صلاتهم كلها معه، وتحصل المعادلة بين
الفرقتين، فإن الأولى أدركت مع الإمام فضيلة الإحرام، والثانية فضيلة
السلام.
_________
(1) روى هذه الصفة الجماعة إلا ابن ماجه عن صالح بن خَوَّات عن سهل بن أبي
حَثْمة وهي التي قال عنها أحمد: «وأما حديث سهل، فأنا أختاره» وسميت الغزوة
بذات الرقاع؛ لأن أقدامهم نقبت، فلفوا على أرجلهم الخرق (نيل الأوطار:316/
3).
(2) والأصح عند الشافعية أنها أفضل من صلاة بطن نخل الآتية.
(2/1462)
الثالثة ـ صلاة النبي صلّى الله عليه وسلم
كما رواها ابن عمر (1)، وهي التي اختارها الحنفية: أن يجعل الناس طائفتين:
طائفة في وجه العدو، وطائفة خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين وتتمم
صلاتها عند الجمهور بقراءة سورة الفاتحة وتسلم وتذهب للحراسة. وقال
الحنفية: ثم تمضي إلى وجه العدو للحراسة بدون إتمام الصلاة.
وتأتي الطائفة الأخرى، فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين، ويتشهد ويسلم وحده
لتمام صلاته، ولم يسلموا عند الحنفية لأنهم مسبوقون، وإنما يذهبون مشاة
للحراسة في وجه العدو. وتتم هذه الطائفة صلاتها عند الجمهور بقراءة سورة مع
الفاتحة ثم تعود لمواقعها. وقال الحنفية: ثم تجيء الطائفة الأولى إلى
مكانها الأول، أو تصلي في مكانها تقليلاً للمشي، فتتم صلاتها وحدها بغير
قراءة عند الحنفية؛ لأنهم في حكم اللاحقين، وتشهدوا وسلموا، وعادوا لحراسة
العدو.
ثم تأتي الطائفة الثانية، فتتم صلاتها بقراءة سورة مع الفاتحة؛ لأنهم لم
يدخلوا مع الإمام في أول الصلاة، فاعتبروا في حكم السابقين. ومذهب أشهب
تلميذ مالك موافق في هذه الكيفية لمذهب الحنفية.
كيفية أداء الصلوات الخمس حال الإقامة:
فإن كان الإمام مقيماً صلى بالطائفة الأولى ركعتين من الرباعية، وبالطائفة
الثانية ركعتين، تسوية بينهما. ويصلي ـ في المذاهب الأربعة ـ بالطائفة
الأولى ركعتين من المغرب، وبالثانية ركعة؛ لأنه إذا لم يكن بدّ من التفضيل
فالأولى أحق به، وما فات الثانية ينجبر بإدراكها السلام مع الإمام. ويصلي
الصبح بكل طائفة ركعة.
_________
(1) حديث متفق عليه (نيل الأوطار:318/ 3).
(2/1463)
الرابعة ـ صلاة النبي صلّى الله عليه وسلم
في بطن نخل (مكان من نجد بأرض غطفان) (1)، واعتمدها الشافعية بعد صلاة ذات
الرقاع إذا كان العدو في غير جهة القبلة: وهي أن يصلي الإمام مرتين صلاة
كاملة، بكل طائفة مرة، ويسلم بكل طائفة. وصفتها حسنة قليلة الكلفة لا تحتاج
إلى مفارقة الإمام ولا إلى تعريف كيفية الصلاة، وليس فيها أكثر من أن
الإمام في الصلاة الثانية متنفل يؤم مفترضين، وهو جائز اتفاقاً، وعند
الحنابلة والحنفية جائز في صلاة الخوف فقط، ممنوع في غيرها.
الخامسة ـ صلاة النبي صلّى الله عليه وسلم في ذات الرقاع كما رواها جابر
(2): وهي أن يصلي الإمام الصلاة الرباعية تامة أربعاً بالنسبة إليه، وتصلي
معه كل طائفة صلاة مقصورة ركعتين، بلا قضاء للركعتين، فكان للإمام أربع
تامة، وللقوم ركعتان مقصورة.
السادسة ـ صلاة النبي صلّى الله عليه وسلم بذي قَرَد (ماء على بريد:22176 م
من المدينة). رواها ابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت (3) وغيرهم، ومنعها
أكثر الفقهاء، فقال الشافعي عن حديث ابن عباس: «لا يثبت»؛ لأن الخوف لا
يؤثر في نقص الركعات، وأجازها الإمام أحمد والمحدثون لصحة الأحاديث فيها:
وهي أن يصف الإمام الناس صفين: صفاً خلفه، وصفاً موازي العدو، ويصلي
الرباعية الجائز قصرها بكل طائفة ركعة فقط، بلا قضاء ركعة أخرى.
السابعة ـ صلاته صلّى الله عليه وسلم بأصحابه عام غزوة نجد، رواها أبو
هريرة (4): وهي
_________
(1) رواه الشيخان وأحمد وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة، ورواه الشافعي
والنسائي عن جابر مرفوعاً إلى النبي صلّى الله عليه وسلم (نيل الأوطار:320/
3).
(2) متفق عليه بين أحمد والشيخين: البخاري ومسلم (نيل الأوطار:319/ 3).
(3) حديث ابن عباس رواه النسائي بإسناد رجاله ثقات، وحديث حذيفة رواه أبو
داود والنسائي، وحديث زيد رواه النسائي (نيل الأوطار:321/ 3 - 322).
(4) رواه أحمد وأبو داود والنسائي (نيل الأوطار:320/ 3 - 321).
(2/1464)
أن تقوم مع الإمام طائفة، وتبقى طائفة أخرى
تجاه العدو، وظهرها إلى القبلة، ثم يحرم وتحرم معه الطائفتان، وتصلي معه
إحدى الطائفتين ركعة، ثم يذهبون فيقومون في وجه العدو، ثم تأتي الطائفة
الأخرى، فتصلي لنفسها ركعة، والإمام قائم، ثم يصلي بهم الركعة التي بقيت
معه. ثم تأتي الطائفة القائمة في وجه العدو، فيصلون لأنفسهم ركعة، والإمام
قاعد، ثم يسلم الإمام ويسلمون جميعاً، أي أن ابتداء الصلاة وانتهاءها تم
باشتراك الطائفتين مع الإمام.
حمل السلاح في أثناء الصلاة: يسن للمصلي
عند الشافعية والحنابلة (1) في صلاة شدة الخوف حمل السلاح في أثناء الصلاة
احتياطاً، ليدفع به العدو عن نفسه، لقوله تعالى: {وليأخذوا أسلحتهم}
[النساء:102/ 4] وقوله {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر، أو كنتم
مرضى أن تضعوا أسلحتكم} [النساء:102/ 4] فدل على الجناح (الإثم) عند عدم
ذلك، لكن لا يحمل في الصلاة سلاحاً نجساً، ولا ما يتأذى به الناس من الرمح
في وسط الناس.
صلاة الجمعة في حال الخوف: قال الشافعية
والحنابلة (2): تصلى الجمعة في حال الخوف ببلد حضراً لا سفراً، بشرط كون كل
طائفة أربعين رجلاً فأكثر ممن تصح بهم الجمعة، ويسمعون الخطبة.
وتكون الصلاة كصلاة عسفان وكذات الرقاع، لا كصلاة بطن نخل التي تتعدد في
صلاة الإمام مرتين بكل طائفة مرة؛ إذ لا تقام جمعة بعد أخرى، ولا يجوز أن
يخطب بإحدى الطائفتين، ويصلي بالأخرى، حتى يصلي معه من حضر الخطبة.
_________
(1) مغني المحتاج:304/ 1، كشاف القناع:17/ 2، المهذب:107/ 1.
(2) مغني المحتاج:303/ 1، المغني:405/ 2، كشاف القناع:17/ 2.
(2/1465)
سهو الإمام في صلاة
الخوف: قال المالكية والشافعية والحنابلة (1): إذا
فرق الإمام العسكر فرقتين كما حدث في صلاة ذات الرقاع أو صلاة عسفان، فسهو
الإمام في الركعة الأولى يلحق الجميع، فيسجد المفارقون للسهو عند تمام
صلاتهم؛ لأن صلاة الإمام ذاتها نقص في صلاتهم، إلا أن المالكية قالوا: تسجد
الفرقة الأولى للسجود القبلي قبل السلام، والبعدي بعده، وتسجد الفرقة
الثانية السجود القبلي مع الإمام، وتسجد السجود البعدي بعد قضاء ما عليها.
أما بعد المفارقة في الركعة الثانية: فلا يلحق سهو الإمام الأولين؛
لمفارقتهم الإمام قبل السهو.
وتسجد الفرقة الثانية مع الإمام آخر صلاته، ويلحقهم سهوه في حال انتظارهم.
أما سهو كل فرقة في الركعة الأولى للفرقة الأولى، وفي الركعة الثانية
للفرقة الثانية، فيتحمله الإمام، لاقتداء الفرقة الأولى بالإمام حقيقة في
الركعة الأولى، واقتداء الفرقة الثانية حكماً في الركعة الثانية.
رابعاً ـ صفة ما يقضيه المسبوق في صلاة الخوف، هل هو أول صلاته أو آخرها؟
سبق بحث هذا الموضوع في صلاة الجماعة ـ بحث المسبوق، وملخصه (2): أن
الشافعي قال: ما يدركه المسبوق أول صلاته، وما يقضيه آخر صلاته لقوله صلّى
الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» وهذا هو المتبادر
للذهن المتفق مع ترتيب ما
_________
(1) الشرح الصغير:520/ 1، مغني المحتاج:303/ 1 - 304، كشاف القناع:12/ 2،
المهذب:106/ 1.
(2) المغني:407/ 2 - 408، بداية المجتهد:181/ 1 ومابعدها.
(2/1466)
أنجز من أعمال الصلاة، فمن أدرك ركعة في
صلاة المغرب، قام إلى ركعة واحدة، فقرأ الفاتحة وسورة، ثم جلس للتشهد، ثم
أتى بركعة يقرأ فيها الفاتحة فقط.
وقال الحنفية والحنابلة في ظاهر المذهب: ما يقضيه المسبوق أول صلاته، وما
يدركه مع الإمام آخرها، أي عكس ترتيب ما أنجز من أعمال الصلاة، لخبر
«ماأدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا»، فيقرأ دعاء الافتتاح ويتعوذ، ويقرأ
السورة بعد الفاتحة، وإذا أدرك مع الإمام ركعة من المغرب فقط، صلى ركعتين
من غير أن يجلس بينهما، ثم قام.
وقال المالكية: يفرق بين الأقوال والأفعال، فيقضي في الأقوال أي القراءة،
كالحنفية والحنابلة، ويبني في الأفعال أي الأداء كالشافعية.
خامساً ـ متى تبطل صلاة الخوف؟ قال الحنفية (1): تفسد صلاة الخوف بمشي لغير
اصطفاف، وسبق حدث، وركوب مطلقاً أي لاصطفاف أو غيره؛ لأن الركوب عمل كثير،
وهو مما لا يحتاج إليه، بخلاف المشي، فإنه أمر لا بد منه، حتى يصطفوا بإزار
العدو.
كما تفسد بقتال كثير، لا بقليل كرَمْية سهم، فلا يقاتل المصلون حال الصلاة
لعدم الضرورة إليه، فإذا فعلوا ذلك، وكان كثيراً، بطلت صلاتهم لمنافاته
للصلاة من غير ضرورة إليه، بخلاف المشي، فإنه ضروري لأجل الاصطفاف.
قال النووي (2): لا يجوز الصياح ولا غيره من الكلام بلا خلاف، فإن صاح فبان
منه حرفان، بطلت صلاته بلا خلاف؛ لأنه ليس محتاجاً إليه، بخلاف المشي
وغيره.
_________
(1) الدر المختار:794/ 1، فتح القدير:444/ 1، اللباب:126/ 1.
(2) المجموع:317/ 4، المهذب:107/ 1.
(2/1467)
ولا تضر الأفعال اليسيرة بلا خلاف؛ لأنها
لا تضر في غير الخوف ففيه أولى.
وأما الأفعال الكثيرة: فإن لم تتعلق بالقتال، بطلت الصلاة بلا خلاف. وإن
تعلقت به كالطعنات والضربات المتوالية، فإن لم يحتج إليها أبطلت بلا خلاف
أيضاً؛ لأنها عبث.
وإن احتاج إليها فالأصح عند الأكثرين: أن الصلاة لا تبطل؛ قياساً على
المشي، ولأن مدار القتال على الضرب، ولا يحصل المقصود غالباً بضربة
وضربتين، ولا يمكن التفريق بين الضربات.
سادساً ـ الصلاة عند التحام القتال واشتداد الخوف: اتفق الفقهاء ـ كما
أشرنا - على أنه ليس للصلاة كيفية معينة عند اشتداد الخوف من العدو، ويصلي
العسكر إيماء. وعبارات الفقهاء في ذلك ما يأتي:
قال الحنفية (1): إن اشتد خوف العسكر
بحيث لا يدعهم العدو يصلون وعجزوا عن النزول، صلوا ركباناً فرادى؛ لأنه لا
يصح الاقتداء لاختلاف المكان بين الإمام والمأمومين، ويومئون بالركوع
والسجود إلى أي جهة شاؤوا، إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة، لقوله
تعالى: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} [البقرة:239/ 2]، وسقط التوجه للقبلة
للضرورة، كما سقطت أركان الصلاة.
والسابح في البحر: إن أمكنه أن يرسل أعضاءه ساعة صلى بالإيماء، وإلا لاتصح
صلاته، كصلاة الماشي والسائف، وهو يضرب بالسيف، فلا يصلي أحد حال المسايفة.
_________
(1) الدر المختار:794/ 1، فتح القدير:445/ 1، مراقي الفلاح: ص94،
اللباب:127/ 1.
(2/1468)
وقال الجمهور:
تجوز الصلاة إيماء عند اشتداد الخوف وفي حال التحام القتال، وهي صلاة
المسايفة.
وعبارة المالكية (1): تجوز الصلاة عند
اشتداد الخوف، وفي حال المسايفة أو مناشبة الحرب، في آخر الوقت المختار،
إيماء بالركوع والسجود إن لم يمكنا، ويخفض للسجود أكثر من الركوع، فرادى
(وُحداناً)، بقدر الطاقة، مشاة أو ركباناً، وقوفاً أو ركضاً، مستقبلي
القبلة وغير مستقبليها.
فيحل للمصلي صلاة الالتحام للضرورة مشي وهرولة وجري وركض، وضرب وطعن للعدو،
وكلام من تحذير وإغراء، وأمر ونهي، وعدم توجه للقبلة، ومسك سلاح ملطخ
بالدم. فإن أمنوا في صلاة الالتحام أتموا صلاة أمن بركوع وسجود.
وعبارة الشافعية (2): إذا التحم القتال
أو اشتد الخوف يصلي كل واحد كيف أمكن راكباً وماشياً، وأومأ للركوع
والسجود، إن عجز عنهما، والسجود أخفض. ويعذر في ترك القبلة، وكذا الأعمال
الكثيرة لحاجة في الأصح، ولا يعذر في الصياح بل تبطل به الصلاة، ويُلقي
السلاح إذا دُمي دماً لا يعفى عنه، حذراً من بطلان الصلاة، فإن احتاج إلى
إمساكه بأن لم يكن له منه بد، أمسكه للحاجة. ولاقضاء للصلاة حينئذ في
الأظهر.
وله أن يصلي هذه الصلاة (أي شدة الخوف) حضراً وسفراً، في كل قتال وهزيمة
مباحين وهرب من حريق وسيل وسبع وغريم عند الإعسار، وخوف حبسه.
_________
(1) بداية المجتهد:172/ 1، الشرح الصغير:520/ 1 - 521، شرح الرسالة:254/ 1،
القوانين الفقهية: ص83.
(2) مغني المحتاج:304/ 1 ومابعدها، المهذب:107/ 1.
(2/1469)
وعبارة
الحنابلة (1): إذا كان الخوف شديداً، وهم في حال المسايفة، صلوا
رجالاً وركباناً، إلى القبلة وإلى غيرها، يومئون إيماء بالركوع والسجود على
قدر الطاقة، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم كالمريض، يبتدئون تكبيرة الإحرام
إلى القبلة إن قدروا أو إلى غيرها. ويتقدمون ويتأخرون، ويضربون ويطعنون،
ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها.
ويصح أن يصلوا في حال شدة الخوف جماعة، بل تجب، رجالاً وركباناً، بشرط
إمكان المتابعة، فإن لم تمكن لم تجب الجماعة ولا تنعقد.
ولا يضر تأخر الإمام عن المأموم في شدة الخوف، للحاجة إليه.
ولا يضر تلويث سلاحه بدم ولو كان كثيراً، وتبطل الصلاة بالصياح والكلام
لعدم الحاجة إليه.
وتجوز هذه الصلاة لمن هرب من عدو هرباً مباحاً كخوف قتل أو أسر محرَّم بأن
يكون الكفار أكثر من مثلي المسلمين، أو هرب من سيل أو سبع ونحوه، كنار أو
غريم ظالم، أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله من شيء مما سبق.
_________
(1) المغني:416/ 2 - 418، كشاف القناع:18/ 2 ومابعدها.
(2/1470)
|