الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثَّاني: خَصَائِصُ الحَرَمَين
وفيه مبحثان: حرم مكة، وحرم المدينة
المبحث الأول ـ حرم مكة:
حدود الحرم، بناء الكعبة ومزيتها وفضيلة المسجد الحرام، المجاورة بمكة،
أيهما أفضل: مكة أم المدينة؟ آداب دخول مكة، محظورات الحرم المكي وخصائصه،
زيارة أهم المعالم التاريخية في مكة.
أولاً ـ حدود الحرم المكي: وهو الذي يحرم فيه الصيد والنبات، ويمنع أخذ
ترابه وأحجاره، وبيان مايتعلق به من الأحكام وما يخالف غيره من الأرض.
حد الحرم: من طريق المدينة على ثلاثة
أميال من مكة عند بيوت بني نفار أو السقيا وتعرف الآن بمساجد عائشة، ومن
طريق اليمن على سبعة أميال طرف أضاة لبِن في ثنيه لبن، ومن طريق العراق على
سبعة أميال من مكة على ثنية جبل بالمنقطَع أو المقطع، ومن الطائف وبطن نمرة
على طريق عرفات على سبعة أميال من مكة عند طرف عرفة، ومن طريق الجِعْرانة
على تسعة أميال في شعب آل عبد الله
(3/2380)
ابن خالد، ومن جُدَّة على عشرة أميال من
مكة عند منقطع الأعشاش. ومن بطن عرنة أحد عشر ميلاً. وأما وَجّ: وهو واد
بالطائف فهو من الحل (1).
ويلاحظ أن للحرم علامات من جوانبه كلها، ومنصوب عليه أنصاب، ذكر الأزرقي
وغيره أن إبراهيم صلّى الله عليه وسلم عملها، وجبريل عليه السلام يريه
مواضعها، ثم أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بتجديدها، ثم عمر ثم عثمان ثم
معاوية، وهي الآن بينة واضحة.
وقد صارت المدينة حرماً بتحريم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أن كانت
حلالاً. والصحيح أن مكة حرم منذ القديم، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم
يوم فتح مكة: «فإن هذا بلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، وهو
حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة» (2).
ثانياً ـ بناء الكعبة ومزيتها وفضيلة المسجد الحرام: بنيت الكعبة المشرفة
خمس مرات (3): بناء الملائكة أو آدم، أو شيث بن آدم كما قال السهيلي، وبناء
إبراهيم على القواعد الأولى، وبناء قريش في الجاهلية بحضور الرسول صلّى
الله عليه وسلم قبل البعثة، وبناء ابن الزبير، حين احترقت، وبناء الحجاج بن
يوسف. وهذا البناء هو الموجود اليوم.
وقد تم توسيع المسجد الحرام في عهد عمر بل إن عمر أول من بناه، ثم في عهد
عثمان، ثم في عهد الوليد بن عبد الملك، ثم في عهد المهدي، واستقر الأمر على
ذلك، إلى أن تم توسيعه الأخير عدة مرات في عهد السعوديين ويتم الآن أكبر
_________
(1) المجموع: 440 ومابعدها، الإيضاح: ص78، غاية المنتهى: 395/ 1، إعلام
الساجد بأحكام المساجد للزركشي ص 63.
(2) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) الإيضاح: ص 81، 84 - 85.
(3/2381)
توسعة، من جهة الغرب، قال الشافعي: أحب أن
تترك الكعبة على حالها، فلا تهدم؛ لأن هدمها يذهب حرمتها ويصير كالتلاعب
بها. وقد كساها النبي صلّى الله عليه وسلم ثياباً يمانية، ثم كساها أبو بكر
وعمر وعثمان ومعاوية وابن الزبير ومن بعدهم.
وكان الوليد بن عبد الملك أول من ذهَّب البيت في الإسلام. وأجاز الغزالي
تزيين الكعبة بالذهب والحرير ما لم ينسب إلى الإسراف. ويجوز تطييب الكعبة
ويحرم أخذ شيء منه للتبرك وغيره، ومن أخذه لزمه رده إليها، فإن أراد التبرك
أتى بطيب من عنده فمسحها به، ثم أخذه كما قال النووي.
والبيت الحرام: أول بيت من بيوت الله وجد على ظهر الأرض ليعبد الناس فيه
ربهم، أولية شرف وزمان، لقوله سبحانه: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة
مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً}
[آل عمران:96/ 3] فأول دلائله وعلائمه الظاهرة: مقام إبراهيم، وثانيها أنه
يجب تعظيمه بنسبته إلى الله، حتى إنه كان اللاجئ إليه عند العرب يصير آمناً
ما دام فيه، وقد أقر الله تعالى هذه المزية في قوله: {وإذ جعلنا البيت
مثابة للناس وأمناً، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة:125/ 2] {أو لم
نمكن لهم حرماً آمناً} [القصص:57/ 28] {أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً
ويتخطف الناس من حولهم} [العنكبوت:67/ 29] لذا يكره عند مالك والشافعي حمل
السلاح في مكة لغير ضرورة وحاجة، فإن كانت حاجة جاز، ثبت في صحيح مسلم عن
جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يحل أن يحمل السلاح بمكة».
وتضاعف في الحرم السيئات والحسنات، قال تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم،
نذقه من عذاب أليم} [الحج:25/ 22] وثواب الصلاة فيه يعدل مئة ألف صلاة، قال
صلّى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا
(3/2382)
المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام
أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة» (1) وفي لفظ عند أحمد من حديث ابن
عمر: «وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة» وروى الطبراني عن أبي
الدرداء: «الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف
صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمس مئة صلاة» وهذا يدل على أفضلية هذه
المساجد الثلاثة: المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى،
والمسجد الحرام أفضل المساجد على الإطلاق، ويقصد بالذات للعبادة فيه، ويجب
أداء الصلاة فيه إذا نذرت، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لاتشد الرحال إلا
إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (2).
ويطلق المسجد الحرام غالباً ويراد به هذا المسجد، وقد يراد به الحرم، وقد
يراد به مكة، كما في قوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام} [البقرة:196/ 2] وقد ازدادت أهميته بجعله من أهم أماكن شعائر الحج
في أيام معلومات (3).
ثالثاً ـ المجاورة بمكة وفضيلتها: قال جماعة منهم النووي والزركشي (4): إن
حرم مكة كالمسجد الحرام في
_________
(1) رواه أحمد وصححه ابن حبان عن أبي الزبير (سبل السلام: 216/ 2).
(2) رواه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة.
(3) وقد عرفنا أن الأيام المعلومات عند المالكية هي أيام النحر الثلاثة،
والأيام المعدودات هي أيام منى وهي أيام التشريق وهي الثلاثة بعد يوم
النحر.
(4) إعلام الساجد بأحكام المساجد: ص 119 - 129، فتح القدير: 335/ 2، الدر
المختار: 354/ 2، الإيضاح: ص 84، غاية المنتهى: 395/ 1.
(3/2383)
مضاعفة ثواب الصلاة بل وسائر أنواع
الطاعات، قال الحسن البصري: صوم يوم بمكة بمئة ألف، وصدقة درهم بمئة ألف،
وكل حسنة بمئة ألف.
قال صلّى الله عليه وسلم: «رمضان بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة» (1)
وقال أيضاً: «من حج من مكة ماشياً، حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبع مئة
حسنة من حسنات الحرم، وحسنات الحرم بمئة ألف حسنة» (2).
وقال جماعة من العلماء، منهم ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وأحمد بن حنبل:
تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات. وقال بعض المتأخرين: القائل
بالمضاعفة: أراد مضاعفة مقدارها أي غلظها لا كميتها في العدد، فإن السيئة
جزاؤها سيئة، لكن السيئات تتفاوت، فالسيئة في حرم الله أكبر وأعظم منها في
طرف من أطراف البلاد.
ويعاقب فيها على الهم بالسيئات وإن لم يفعلها، قال تعالى: {ومن يرد فيه
بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج:25/ 22] وهذا مستثنى من قاعدة الهم
بالسيئة وعدم فعلها، تعظيماً لحرمة الحرم.
أما المجاورة بمكة: فذهب مالك وأبو حنيفة إلى كراهتها، خوفاً من التقصير في
حرمتها، والتبرم واعتياد المكان والأنس به، وذلك يجر إلى قلة المهابة
والتعظيم، ولتهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العود، وخوفاً من ركوب
الخطايا والذنوب بها، فإن ذلك محظور، والراجح عند الحنفية رأي الصاحبين وهو
عدم كراهة المجاورة بمكة أو المدينة،
واختار بعضهم أن المجاورة بالمدينة أفضل منها بمكة.
_________
(1) رواه البزار عن ابن عمر، وهو ضعيف كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد.
(2) رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه
البيهقي في سننه وضعَّفه.
(3/2384)
واستحب الشافعية والحنابلة وصاحبا أبي
حنيفة المجاورة لمن لم يخف الوقوع في محظور بمكة أو المدينة (1)؛لأن النبي
صلّى الله عليه وسلم قال عن مكة: «إنك لأحب البقاع إلى الله عز وجل، ولولا
أني أخرجت منك ما خرجت» (2) قال أحمد: والمقام بالمدينة أحب إلي من المقام
بمكة لمن قوي عليه؛ لأنها مهاجر المسلمين، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم:
«لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة»
(3).
رابعاً ـ هل مكة أفضل أو المدينة (4)؟.
قال القاضي عياض وغيره: انعقد الإجماع على أن أفضل بقع الأرض على الإطلاق
المكان الذي ضم جسده صلّى الله عليه وسلم، وعلى أن مكة والمدينة أفضل بقاع
الأرض بعده.
واختلفوا في أيهما أفضل مكة أم المدينة؟ فقال مالك تبعاً لعمر وغيره من
الصحابة المدنيين بتفضيل المدينة؛ لأنها موطن الهجرة، ومستقر الصحابة،
ومثوى الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولما ورد في فضلها من الأحاديث الصحيحة
(5)، منها: «إنها طيبة ـ يعني المدينة ـ وإنها تنفي الخَبَث كما تنفي النار
خبث الفضة» (6).
_________
(1) فتح القدير: 335/ 2، غاية المنتهى: 395/ 1، إعلام الساجد: ص129
ومابعدها، المغني: 556/ 3.
(2) أخرجه الترمذي عن ابن عباس وعبد الله بن عدي بن الحمراء بعبارات مقاربة
لهذا (جامع الأصول: 185/ 10).
(3) رواه مسلم والموطأ والترمذي عن ابن عمر (جامع الأصول: 198/ 10).
(4) الإيضاح: ص 72، الدر المختار: 352/ 2، إعلام الساجد: ص 185 ومابعدها،
القوانين الفقهية: ص 143.
(5) انظر جامع الأصول:192/ 10 - 211.
(6) رواه مسلم عن زيد بن ثابت (جامع الأصول: 201/ 10).
(3/2385)
وذهب أكثر العلماء، منهم الأئمة الثلاثة
إلى تفضيل مكة، للحديث السابق عن مكة: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض
الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (1).
وحديث: «يامكة، والله، إنك لخير أرض الله، وأحب البلاد إلى الله، ولولا أني
أخرجت منك ما خرجت» (2).
وحديث الترمذي أيضاً عن ابن عباس: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لمكة:
«ما أطيبك وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».
وذكر العز بن عبد السلام أوجه تفضيل مكة على المدينة، منها:
1 - وجوب قصدها للحج والعمرة، وهما واجبان لا يقع مثلهما بالمدينة.
2 - أن الله تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض.
3 - أن الله جعلها حرماً آمناً في الجاهلية والإسلام.
4 - لا يدخلها أحد إلا بحج أو عمرة وجوباً أو ندباً.
خامساً ـ آداب دخول مكة: يستحب لمن دخل مكة ما يأتي (3):
1ً - ينبغي لمن أحرم بحج أو
عمرة من الميقات أوغيره أن يتوجه إلى مكة، ومنها يكون خروجه إلى عرفات.
_________
(1) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2) رواه النسائي عن أبي هريرة.
(3) الإيضاح: ص31 - 33، الكتاب مع اللباب: 182/ 1، الدر المختار ورد
المحتار: 351/ 2، القوانين الفقهية: ص 143، مغني المحتاج: 511/ 1، المغني:
368/ 3 - 370، 555.
(3/2386)
2ً - إذا بلغ الحرم
المكي دعا، فقال: «اللهم هذا حرمك وأمنك، فحرمني على النار، وآمني من عذابك
يوم تبعث عبادك، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك». هذا ويستحضر من الخشوع
والخضوع في قلبه وجسده ما أمكنه.
3ً - إذا بلغ مكة اغتسل بذي
طوى (1) بنية غسل دخول مكة، فإن جاء من طريق آخر اغتسل في غيرها. وهذا
الغسل مستحب لكل أحد حتى الحائض والنفساء والصبي.
4ً - السنة أن يدخل مكة من
ثنية كَداء (2)، وإذا خرج راجعاً إلى بلده خرج من ثنية كُدا (3).
5ً - الأصح عند الشافعية أن
يدخل مكة ماشياً لا راكباً.
6ً - يدخلها الإنسان ليلاً
أونهاراً، فقد دخلها رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهاراً في الحج، وليلاً
في عمرة له، والأفضل في الأصح عند الشافعية دخولها نهاراً.
7ً - ينبغي أن يتحفظ في
دخوله من إيذاء الناس في الزحمة، ويتلطف بمن يزاحمه، ويلحظ بقلبه جلالة
البقعة التي هو فيها والتي يتجه إليها.
8ً - ينبغي لمن يأتي من غير
الحرم ألا يدخل مكة إلا محرماً بحج أو عمرة. والأصح عند الشافعية أن دخولها
محرماً مستحب، وواجب عند غيرهم.
9ً - يستحب إذا وقع بصره
على البيت أن يرفع يديه، فقد جاء أنه يستجاب دعاء المسلم عند رؤية الكعبة،
ويقول:
_________
(1) مثلثة الطاء، وهي في أسفل مكة في صوب طريق العمرة المعتادة ومسجد عائشة
رضي الله عنها.
(2) بفتح الكاف، وهي بأعلى مكة، ينحدر منها إلى المقابر، والثنية: هي
الطريق الضيقة بين جبلين. أي من جهة الشمال.
(3) بضم الكاف، وهي بأسفل مكة بقرب جبل قُعَيْقِعَان، وإلى صوب ذي طوى.
(3/2387)
أي من جهة الجنوب. (اللهم زد هذا البيت
تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره
تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً) ويضيف إليه: (اللهم أنت السلام، ومنك
السلام، فحينا ربنا بالسلام).
ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا، وأهمها سؤال المغفرة. وينبغي أن
يستحضر عند رؤية الكعبة ما أمكنه من الخشوع والتذلل والخضوع، فهذه عادة
الصالحين والعارفين.
ويقول قبالة البيت: (اللهم إن هذا البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك،
وهذا مقام العائذ بك من النار).
10ً - يستحب ألا يعرج أول
دخوله على استئجار منزل وتغيير ثياب وغير ذلك إلا الطواف الذي هو طواف
القدوم وهو سنة عند الجمهور واجب عند المالكية. ويترك بعض الرفقة عند
متاعهم ورواحلهم حتى يطوفوا، ثم يرجعوا إلى رواحلهم ومتاعهم واستئجار
المنزل.
ويستحب للمرأة الجميلة أو الشريفة ألا تبرز للرجال، وتؤخر الطواف ودخول
المسجد إلى الليل.
ويستحب الدخول إلى البيت الحرام من باب بني شيبة، ويقدم رجله اليمنى في
الدخول، ويقول:
(أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم
الله، والحمد لله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي،
وافتح لي أبواب رحمتك).
(3/2388)
وإذا خرج قدم رجله اليسرى، وقال هذا، إلا
أنه يقول: (وافتح لي أبواب فضلك) وهذا الذكر والدعاء مستحب في كل مسجد.
11ً - إذا دخل المسجد ينبغي
ألا يشتغل بصلاة تحية المسجد، ولا غيرها، بل يقصد الحجر الأسود، ويبدأ
بطواف القدوم، وهو تحية المسجد الحرام، والطواف مستحب لكل داخل محرماً كان
أوغير محرم، إلا لأداء الصلاة المكتوبة أو قضائها، أو فوات الجماعة فيها،
أو فوات الوتر أو سنة الفجر وغيرها من السنن الراتبة، فيقدم كل ذلك على
الطواف ثم يطوف.
ولو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد.
12ً - يستحب لمن حج أن يدخل
البيت، ويصلي فيه ركعتين، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلم. ولا يدخل
البيت بنعليه ولا خفيه، ولا يدخل حِجْر إسماعيل؛ لأنه من البيت، ولا يدخل
الكعبة بسلاح.
وثياب الكعبة إذا نزعت يتصدق بها، ولا يأخذ من طيب البيت شيئاً، ولا يخرج
من تراب الحرم، ولا يدخل فيه من الحل، ولا يخرج من حجارة مكة وترابها إلى
الحل.-
13ً - يستحب لمن دخل مكة
حاجاً أو معتمراً أن يختم القرآن فيها قبل رجوعه.
14ً - يندب عند المالكية
طواف الوداع، ويجب عند الأئمة الآخرين.
(3/2389)
سادساً ـ الأحكام التي يخالف فيها الحرم
غيره من البلاد (خصائصه ومحظوراته): للحرم المكي أحكام خاصة، أهمها ما يأتي
(1):
1ً - ينبغي ألا يدخله أحد
إلا بإحرام، وهو مستحب عند الشافعية، واجب عند غيرهم.
2ً - يحرم صيد الحرم
بالإجماع على الحلال والمحرم إلا المؤذيات المبتدئة بالأذى غالباً، وهو
مضمون بإتلافه خلافاً لداود الظاهري، لحديث: «لا ينفَّر صيده».
3ً - يحرم قطع شجر الحرم
ونباته الرطب الذي ينبت بنفسه ولا يستنبته الناس كالشيح والشوك والعوسج،
إلا ما فيه ضرورة كالإذْخر (نبات طيب الرائحة)، ويلحق به كما أبان المالكية
ستة: السَّنَا (المعروف بالسنامكي) للحاجة إليه في التداوي، والهَشّ (قطع
ورق الشجر بالمِحْجَن) (2)، والعَصَا، والسواك، وقطع الشجر للبناء والسكنى
بموضعه، وقطعه لإصلاح الحوائط والبساتين. لقوله صلّى الله عليه وسلم يوم
فتح مكة: «إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام
بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعْضَد شوكه، ولا يُنَفَّر صيده، ولا
يَلْتقط لقطته إلا من عرَّفها، ولا يُخْتَلى خلاه (3)، فقال العباس: يا
رسول الله، إلا الإذخِر، فإنه
_________
(1) المجموع: 443/ 7 - 444، المهذب: 218/ 1 - 220، الكتاب مع اللباب: 211/
1، الشرح الصغير مع الصاوي: 110/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 527/ 1
ومابعدها، المغني: 344/ 3 - 355، بداية المجتهد: 319/ 1، البدائع: 207/ 2 -
211، إعلام الساجد: ص137، 154 - 169، الدر المختار: 297/ 2 ومابعدها،
الإيضاح: ص 95 - 97، طبعة الجمالية بمصر.
(2) المحجن: العصا المعوجة من الطرف. أما خبط العصا على الشجر ليقع ورقه
فهو حرام.
(3) الخلا: الحشيش الرطب.
(3/2390)
لقَيْنهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر» (1)
ويجب عند الجمهور ضمان الشجر خلافاً للمالكية. والمستنبت الذي استنبته
الآدميون من الشجر كغيره على المذهب عند الشافعية وهو الأظهر في الحرمة
والضمان، لعموم الحديث السابق. ويحل الإذخر، والشوك كالعوسج (نوع من الشوك)
وغيره من كل مؤذ كالصيد المؤذي، فلا ضمان في قطعه. والأصح عند الشافعية حل
أخذ نبات الحرم من حشيش ونحوه بالقطع لعلف البهائم وللدواء كالحنظل،
وللتغذي كالرِّجْلة والبقلة للحاجة إليه (2).
ولا يحرم عند غير الشافعية قطع ما أنبته الآدمي من الشجر كالجوز واللوز
والنخل ونحوه كشجر الأراك، والرمان والخس والبطيخ والحنطة، ولا بأس بقطع
اليابس من الشجر والحشيش لأنه قد مات، وليس له أخذ ورق الشجر، ويباح أخذ
الكمأة من الحرم لأنها ليست من جنس النبات، بل هي من ودائع الأرض، وكذا
الفقع؛ لأنه لا أصل له، فأشبه الثمرة. ولا شيء بقتل غراب وحدأة وفأرة وحية
وكلب عقور وبعوض ونمل وبرغوث وقراد وسلحفاة وما ليس بصيد، على الخلاف
والتفصيل السابق.
وأما صيد وَج (واد بالطائف) وشجره: فحرام لا يضمن عند الشافعية، لحديث:
«ألا إن صيد وج وعضاهه ـ يعني شجره ـ حرام محرم» (3) وهو مباح حلال عند
الحنابلة؛ لأن الأصل الإباحة، والحديث ضعفه أحمد، لكن لايضمن قطعاً عند
الشافعية.
_________
(1) رواه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس (جامع الأصول: 183/ 10) وعضد
الشجر: قطعه بالمِعْضَد: وهي حديدة تتخذ لقطعه. والقين: الحداد، والعبد
أيضاً. ومعنى كونه لبيوتهم أنهم يسقُفونها به فوق الخشب.
(2) مغني المحتاج 527/ 1 ومابعدها.
(3) حديث ضعيف رواه البيهقي عن الزبير بن العوام.
(3/2391)
4ً - يمنع إخراج
تراب الحرم وأحجاره، والمعتمد عند أكثر الشافعية كراهة ذلك، والأصح عند
النووي التحريم. وقال الحنفية: لا بأس بإخراج الأحجار وترابه.
5ً - يمنع عند الجمهور كل
كافر من دخول الحرم، مقيماً كان أو ماراً. وأجازه أبو حنيفة ما لم يستوطنه.
6ً - لا تحل لقطة مكة
وحرمها لمتملك، وإنما تحل لمنشد يحفظها ويعرفها بخلاف سائر البلاد، للحديث
المتقدم: «ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها».
7ً - تغلظ الدية على القاتل
الذي قتل في حرم مكة، لقول تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى
يقاتلوكم فيه} [البقرة:191/ 2] لأن للحرم تأثيراً في إثبات الأمن. وتغلظ
وإن كان القتل خطأ، سواء أكان القاتل والمقتول معاً في الحرم، أم أحدهما
فيه دون الآخر.
وقدر التغليظ عند أحمد: هو الزيادة في العدد أي بمقدار الدية وثلث الدية.
وعند الشافعي: التغليظ جاء في أسنان الإبل، لا الزيادة في العدد.
ولا تغلظ الدية بالقتل في حرم المدينة، في الأصح عند الشافعية.
ويجوز عند الجمهور خلافاً لجماعة قتال البغاة في حرم مكة على بغيهم إذا لم
يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي
لا يجوز إضاعتها، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها.
وتقام الحدود والقصاص في الحرم عند المالكية والشافعية، لقوله تعالى: {ولا
تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} [البقرة:191/ 2] ولأن النبي
صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل ابن خَطَل لما وجد متعلقاً بأستار الكعبة،
وأمر النبي بقتل الفواسق الخمس في الحل والحرم؛ لأنها مؤذيات طبعاً.
(3/2392)
وروي عن أحمد وأبي حنيفة والظاهرية أن من
وجب عليه الحد أو القصاص آمن ما دام في الحرم، لقوله تعالى: {ومن دخله كان
آمناً} [آل عمران:97/ 3]
ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن
يسفك بها دماً» (1).
8ً - تحريم دفن المشرك فيه
ونبشه منه.
9ً - تخصيص ذبح دماء
الجزاءات في الحج والهدايا في الحرم.
10ً- لا دم على المتمتع
والقارن إذا كان من أهل الحرم.
11ً- لا يكره عند الشافعية
صلاة النفل التي لا سبب لها في وقت من الأوقات في الحرم، سواء في مكة وسائر
الحرم.
12ً- إذا نذر قصده، لزمه
عند الشافعية الذهاب إليه بحج أوعمرة، بخلاف غيره من المساجد، فإنه لا يجب
الذهاب إليه إذا نذره، إلا مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسجد
الأقصى، فإنهما يتعينان أيضاً، للحديث السابق: «لا تشد الرحال .. ».
13ً- إذا نذر النحر وحده
بمكة، لزمه عند الشافعية النحر بها، وتفرقة اللحم على مساكين الحرم، ولو
نذر ذلك في بلد آخر، لم ينعقد نذره في أصح الوجهين.
14ً- يحرم عند الشافعية
استقبال الكعبة واستدبارها بالبول والغائط في الصحراء.
15ً- مضاعفة الأجر في
الصلوات وسائر الطاعات بالمسجد الحرام.
16ً- يستحب لأهل مكة أن
يصلوا العيد في المسجد الحرام، والأفضل
_________
(1) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من الحديث السابق: «إن مكة حرمها الله،
ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً
... ».
(3/2393)
لغيرهم الصلاة في المصلى، إذا كان المسجد
عند الشافعية (1) ضيّقاً، فإن كان واسعاً فالمسجد أفضل من المصلى.
17ً- لا يجوز إحرام المقيم
في الحرم بالحج خارجه.
سابعاً ـ زيارة أهم المعالم التاريخية بمكة: قال ابن جزي (2): من المواضع
التي ينبغي قصدها تبركاً: قبر إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر وهما في
الحِجْر، وقبر آدم عليه السلام في جبل أبي قبيس، والغار المذكور في القرآن
وهو جبل أبي ثور، والغار الذي في جبل حراء حيث ابتدأ فيه نزول الوحي على
رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وزيارة قبور من بمكة والمدينة من الصحابة
والتابعين والأئمة.
وجبل حراء أو جبل النور: يقع في شمال
مكة على بعد خمسة كيلو مترات منها، وعلى يسار الذاهب إلى عرفات، وارتفاعه
نحو 200 م، وفيه ابتدأ نزول الوحي على النبي صلّى الله عليه وسلم بأول سورة
العلق.
وجبل ثور: أحد الجبال الكثيرة المحيطة
بمكة، وارتفاعه نحو 500 م، يقع جنوبي مكة، وعلى مسافة ستة أميال منها، وهو
ملجأ النبي عليه السلام وصاحبه أبي بكر أثناء الهجرة لمدة ثلاثة أيام.
ومن الأماكن الأثرية: دار الأرقم، قرب
الصفا، وقد أسلم الأرقم المخزومي بعد ستة من الصحابة، وكانت داره مقر
الدعوة السرية إلى الإسلام في مبدأ الأمر، وفيها أسلم عمر.
_________
(1) المجموع: 5/ 5.
(2) القوانين الفقهية: ص 143.
(3/2394)
ومنها مقبرة المُعَلاَّة أو الحجون: شمال
شرقي مكة، وهي مقبرة المكيين منذ العصر الجاهلي إلى اليوم، وتضم قبور بني
هاشم من أجداد الرسول صلّى الله عليه وسلم وأعمامه، وقبور بعض الصحابة
والتابعين، ففيها قبور جدي الرسول: عبد مناف وعبد المطلب، وعمه أبي طالب،
وقبر السيدة آمنة أم النبي صلّى الله عليه وسلم، والسيدة خديجة الكبرى
زوجته، وقبر عبد الله بن الزبير، وأمه أسماء بنت أبي بكر.
وأما منى: فقرية تقع على مسافة سبعة
كيلو مترات من مكة، فيها الجمرات الثلاث: الصغرى والوسطى والكبرى، ومسجد
الكبش نسبة إلى كبش فداء إسماعيل عليه السلام، ومسجد البيعة حيث بايع أهل
المدينة الرسول عليه السلام، ومسجد الخيف الكبير.
وأما عرفات: فجبل مرتفع بقدر (225 م) عن
سطح البحر، ويقع على مسافة 25 كم في الجنوب الشرقي من مكة. وفي شماله يقع
جبل الرحمة الذي وقف عنده الرسول صلّى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من
الهجرة يوم حجة الوداع، ونزل في هذا الموقف آية: {اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة:3/ 5].
المبحث الثاني ـ حرم المدينة:
حدود الحرم، فضيلة المسجد النبوي، خصائص الحرم أو محظوراته وأوجه اختلاف
حرم المدينة عن حرم مكة، زيارة المسجد وقبر النبي صلّى الله عليه وسلم،
زيارة المعالم الأثرية في المدينة.
أولاً ـ حدود الحرم المدني: حرم المدينة جنوباً وشمالاً: بريد في بريد، ما
بين عائر إلى ثور، لخبر
(3/2395)
الصحيحين: «المدينة حرم من عَيْر إلى
ثَوْر» وعائر أوعير: اسم جبل مشهور بقرب المدينة، وثور: جبل صغير وراء أُحد
من جهة الشمال، وجبل أحد من الحرم (1). وشرقاً وغرباً بريد في بريد أيضاً
ما بين لابتيها، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «حرَّم رسول الله صلّى الله
عليه وسلم ما بين لابتي المدينة» (2) فمساحتها بريد في بريد من جهاتها
الأربع، وسورها الآن هو طرفها في زمنه صلّى الله عليه وسلم.
وجعل النبي صلّى الله عليه وسلم حول المدينة اثني عشر ميلاً.
والأولى ألا تسمى «يثرب» لأنه اسم جاهلي قديم، اسمها طيبة وطابة والدار
والمدينة ويثرب.
ثانياً ـ فضيلة المسجد النبوي: بنى الرسول صلّى الله عليه وسلم مع الصحابة
هذا المسجد بمساحة 70 × 60 ذراعاً، ثم وسعه عمر، وعثمان، وعبد الملك بن
مروان وابنه الوليد (3)، وتم توسيعه الأخير على يد الملك عبد العزيز آل
سعود، وضم إليه مساحة كبرى من جهة الغرب مصلى أثناء الحج. ويتم الآن إحداث
أكبر توسعة له بحيث تشمل تقريباً المدينة القديمة.
والصلاة في هذا المسجد تربو على الصلاة في غيره بألف صلاة، لحديث أبي هريرة
المتقدم في الصحيحين: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا
المسجد الحرام» قال النووي: وهذا التفضيل يعم الفرض والنفل كمكة. وقال
العلماء: وهذا فيما يرجع إلى الثواب، فثواب صلاة فيه يزيد على ألف صلاة
_________
(1) إعلام الساجد للزركشي: ص 226 - 229، مغني المحتاج: 529/ 1، غاية
المنتهى: 397/ 1.
(2) رواه مسلم عن عتبة بن مسلم وعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله،
واللابة: أرض ذات حجارة سود، واللابتان: شرقية وغربية (جامع الأصول: 194/
10).
(3) إعلام الساجد: ص 223 - 225.
(3/2396)
فيما سواه، ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء، حتى
لو كان عليه صلاتان، فصلى في مسجد المدينة صلاة لم تجزئه عنهما، وهذا
لاخلاف فيه.
ورأى النووي أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلّى الله عليه وسلم الذي كان
في زمانه، دون ما زيد فيه بعده، لقوله: «في مسجدي هذا» وذهب غيره إلى أنه
لو وُسِّع ثبت له هذه الفضيلة، كما في مسجد مكة إذا وسع، فإن تلك الفضيلة
ثابتة له، قال ابن عمر: «زاد عمر بن الخطاب في المسجد، قال: ولو زدنا فيه
حتى بلغ الجبانة (1)، كان مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» (2).
وفي حديث يبين فضل الصلاة في هذا المسجد: «من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا
تفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة يوم القيامة» (3) ولو نذر الذهاب
إلى المسجد النبوي أو إلى المسجد الأقصى، فالأصح عند الشافعية أنه يستحب له
الذهاب ولا يجب، ويتحقق النذر باعتكاف ساعة في الأصح، والأفضل صلاة ركعتين
فيه.
ثالثاً ـ خصائص الحرم المدني: حرم المدينة: ما بين لابيتها، واللابة:
الحرة: وهي أرض فيها حجارة سود، كما قدمنا. ويمتاز هذا الحرم بأحكام منها
ما يأتي (4).
_________
(1) مقبرة المدينة.
(2) إعلام الساجد: ص 246 ومابعدها.
(3) رواه الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك، ولم يروه عن أنس إلا نُبيط،
تفرد به ابن أبي الرجال.
(4) إعلام الساجد للزركشي: ص242 - 273، القوانين الفقهية: ص 143، الشرح
الصغير: 111/ 2 ومابعدها، المجموع: 447/ 7 - 455، الإيضاح: ص 96، المهذب:
219/ 1، مغني المحتاج: 529/ 1، المغني: 353/ 3 - 355، غاية المنتهى: 397/
1، الدر المختار: 354/ 2.
(3/2397)
1 - تحريم صيد المدينة وشجرها على الحلال
والمحرم كمكة عند الجمهور، خلافاً لأبي حنيفة، للحديث السابق: «إن إبراهيم
حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها، ولا يصاد
صيدها» (1) وإذا فعل استغفر الله ولاشيء عليه، ولا يضمن القيمة عند الجمهور
في الجديد الأصح عند الشافعية للحديث الآتي: «يا أبا عمير» ولأنه ليس محلاً
للنسك، لكن مكة يضمن صيدها وشجرها.
ولعل أبا حنيفة يستدل بحديث «يا أبا عمير مافعل النغير» (2) لكن قال
الجمهور: يحتمل أن يكون قبل تحريم المدينة، أو أن هذا الطائر من خارج حرم
المدينة.
2 - يحرم في رأي النووي نقل تراب حرم المدينةأو أحجاره عن حرم المدينة.
3 - يستحب عند الشافعية والحنابلة المجاورة بالمدينة، لما يحصل في ذلك من
نيل الدرجات ومزيد الكرامات، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من صبر على لأواء
المدينة وشدتها، كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة» (3).
والراجح عند الحنفية كما تقدم: أنه لا تكره المجاورة بالمدينة، وكذا بمكة
لمن يثق بنفسه.
4 - يستحب عند الشافعية الصيام بالمدينة والصدقة على سكانها وبرهم، فهم
جيران رسول الله صلّى الله عليه وسلم، خاصة أهل المدينة، وقد روى الطبراني
بإسناد ضعيف أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «رمضان بالمدينة خير من ألف
رمضان فيما سواه من البلدان».
_________
(1) رواه مسلم، والعضاه: شجر عظيم له شوك.
(2) رواه أبو عوانة في صحيحه عن شُرحَبيل بن سعد، ورواه البخاري ومسلم عن
أنس، والنغير: مصغر نغر، وهو طائر يشبه العصفور، أحمر المنقار.
(3) رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهم.
(3/2398)
5 - يختص أهل المدينة بمزيد الشفاعة
والإكرام، زائداً على غيرهم من الأمم، لحديث الصحيحين المتقدم عن أبي
هريرة: «من صبر على لأواء المدينة .. » وفي حديث آخر: «أول من أشفع له من
أمتي: أهل المدينة، ثم أهل مكة، ثم أهل الطائف» (1).
6 - إذا عاين حيطان المدينة صلى على النبي صلّى الله عليه وسلم، وقال:
(اللهم هذا حرم نبيك فاجعله وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء
الحساب).
رابعاً ـ الفرق بين حرم المدينة وحرم مكة: يختلف حرم المدينة عن حرم مكة في
شيئين (2):
أحدهما ـ أنه يجوز أن يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه للمساند
والوسائد والرحل، ومن حشيشها ما تدعو الحاجة إليه للعلف، لما روى جابر: «أن
النبي صلّى الله عليه وسلم لما حرم المدينة، قالوا: يا رسول الله، إنا
أصحاب عمل وأصحاب نضح، وإنا لانستطيع أرضاً غير أرضنا، فرخص لنا، فقال:
القائمتان والوسادة والعارضة والمسند، فأما غير ذلك فلا يعضد، ولا يخبط
منها شيء» (3) فاستثنى ذلك وجعله مباحاً كاستثناءذلك وجعله مباحاً كاستثناء
الإذخر بمكة.
ولما روى علي: «المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور، لا يختلى خلاها، ولا
ينفر صيدها، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره».
وعن جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يخبط ولا يعضد حمى
رسول الله صلّى الله عليه وسلم،
_________
(1) رواه الطبراني والبزار عن عبد الملك بن عباد بن جعفر، لكنه لم يرو إلا
هذا الحديث بهذا الإسناد.
(2) مغني المحتاج: 528/ 1، إعلام الساجد: ص 234.
(3) رواه أحمد. والمسند: مرْود البكرة أي محور البكرة.
(3/2399)
ولكن يهش هشاً رفيقاً» (1)،ولأن المدينة
ذات شجر وزرع، فلو منعنا من احتشاشها مع الحاجة أفضى إلى الضرر، بخلاف مكة.
ولا جزاء في مذهب المالكية خلافاً لغيرهم بقتل صيد المدينة وقطع شجرها، فإن
فعل استغفر الله تعالى فقط.
الثاني ـ أن من صاد صيداً خارج المدينة، ثم أدخله إليها، لم يلزمه إرساله؛
لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقول: «يا أبا عمير، ما فعل النغير» وهو
طائر صغير، فظاهر هذا أنه أباح إمساكه بالمدينة إذ لم ينكر ذلك.
وحرمة مكة أعظم من حرمة المدينة، بدليل أنه لا يدخلها الداخل إلا محرماً.
خامساً ـ زيارة المسجد النبوي وقبر النبي صلّى الله عليه وسلم: يستحب زيارة
المسجد النبوي، لأنه كما تقدم في الحديث الصحيح أحد المساجد الثلاثة التي
تشد إليها الرحال، وزيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ لأن موضع
قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع الأرض. وآداب الزيارة وأحكامها ما يأتي
(2):
1ً - تسن زيارة قبر رسول
الله صلّى الله عليه وسلم، لقوله عليه السلام: «من زار قبري وجبت له
شفاعتي» (3) وقوله: «من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي، كان
_________
(1) رواهما أبو داود.
(2) الإيضاح: ص 86 - 88، 91، القوانين الفقهية: ص 143، مغني المحتاج: 512/
1، غاية المنتهى: 396/ 1، المغني: 556/ 3 - 559، مراقي الفلاح: ص 127 -
129.
(3) رواه ابن خزيمة في صحيحه والبزار والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما
(نيل الأوطار: 95/ 5).
(3/2400)
حقاً على الله تعالى أن أكون له شفيعاً يوم
القيامة» (1) وروى البخاري: «من صلى علي عند قبري، وكل الله به ملكاً
يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة».
فزيارة قبره صلّى الله عليه وسلم من أفضل القربات وأنجح المساعي لقوله
تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم
الرسول، لوجدوا الله تواباً رحيماً} [النساء:64/ 4]، وتتأكد الزيارة للحاج
والمعتمر أكثر من غيره، لأمرين: أحدهما ـ أن الغالب على الحجيج الورود من
آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة. والثاني ـ لحديث
ابن عمر: «من حج، ولم يزرني، فقد جفاني» (2) وحديث «من زارني بعد موتي
فكأنما زارني في حياتي» (3).
2ً - يستحب للزائر أن ينوي
مع زيارته صلّى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده
صلّى الله عليه وسلم والصلاة فيه.
3ً - يستحب في أثناء السفر
لهذه الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم على النبي صلّى الله عليه وسلم في
طريقه، خصوصاً إذا رأى أشجار المدينة وحرمها.
4ً - يستحب أن يغتسل قبل
دخوله ويلبس أنظف ثيابه.
_________
(1) رواه ابن السكن في سننه الصحاح المأثورة. وروى أبو داود عن أبي هريرة
حديثاً ضعيفاً: «ما من أحد سلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه
السلام» وروى الدارقطني حديثاً آخر ضعيفاً: «من حج فزار قبري بعد وفاتي،
فكأنما زارني في حياتي» ..
(2) رواه ابن عدي في الكامل والدارقطني وابن حبان والبزار (نيل الأوطار:
95/ 5) وهو ضعيف.
(3) رواه الدارقطني وأبو يعلى والبيهقي وابن عدي عن ابن عمر، ورواه غيرهم،
وتعدد طرقه يقوي بعضها بعضاً.
(3/2401)
5ً - يستحضر في
قلبه حينئذ شرف المدينة وأنها أفضل الدنيا بعد مكة.
6ً - ليقل عند باب مسجده
صلّى الله عليه وسلم ما قدمناه عند المسجد الحرام وكل المساجد، ويقدم رجله
اليمنى في الدخول، واليسرى في الخروج.
ثم يقصد الروضة الكريمة (1): وهي ما بين المنبر والقبر، فيصلي تحية المسجد،
بجنب المنبر، وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه، فذلك موقف رسول
الله صلّى الله عليه وسلم.
7ً - إذا صلى التحية في
الروضة أو غيرها من المسجد، شكر الله تعالى على هذه النعمة، ويسأله إتمام
ما قصده وقبول زيارته، ثم يأتي القبر الكريم، فيستدبر القبلة، ويستقبل جدار
القبر، ويبعد من رأس القبر نحو أربعة أذرع، ويقف ناظراً إلى أسفل، خاشعاً،
فارغ القلب من علائق الدنيا، مستحضراً قلبه جلالة موقفه صلّى الله عليه
وسلم، ثم يسلم ولا يرفع صوته، فيقول:
(السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك ياخيرة
الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك
يا نذير، السلام عليك يا بشير، السلام عليك يا طُهر، السلام عليك يا طاهر،
السلام عليك يا نبي الرحمة، السلام عليك يا نبي الأمة، السلام عليك يا أبا
القاسم، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا سيد المرسلين
وخاتم النبيين، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين، السلام عليك يا قائد
الغر المحجلين، السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك وأزواجك وذريتك وأصحابك
أجمعين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء وجميع عباد الله الصالحين.
جزاك الله يا رسول الله عنا أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته، وصلى الله
عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد
من الخلق أجمعين.
_________
(1) ما بين المنبر ومقام النبي صلّى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه حتى
توفي أربعة عشر ذراعاً وشبر، وما بين المنبر والقبر ثلاثة وخمسون ذراعاً
وشبر.
(3/2402)
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه. وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت
الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.
اللهم وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته
نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته،
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى
آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في
العالمين، إنك حميد مجيد).
ومن أراد الاختصار، قال: (السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم).
ثم يتأخر نحو يمينه إلى الشرق قدر ذراع، فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه،
فيقول: (السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله، وثانيه في الغار، جزاك الله
عن أمة نبيه صلّى الله عليه وسلم خيرا ً).
ثم يتأخر نحو اليمين قدر ذراع، فيسلم على عمر رضي الله عنه، فيقول: (السلام
عليك يا عمر، أعز الله بك الإسلام، جزاك الله عن أمة محمد صلّى الله عليه
وسلم خيراً).
ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول: (السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله ورفيقيه
ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام في الدين، القائمين بعده بمصالح
المسلمين، جزاكما الله أحسن الجزاء).
ثم يعود إلى رأس قبر النبي صلّى الله عليه وسلم، في زاوية الحجرة المسورة،
ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويمجده، ويدعو لنفسه بما أهمه وما أحبه،
ولوالديه، ولمن شاء من أقاربه، وأشياخه وإخوانه وسائر المسلمين، ويبتدئ
بقوله: (اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله تواباً رحيماً}
[النساء:64/ 4] وقد جئناك سامعين قولك،
(3/2403)
طائعين أمرك، مستشفعين بنبيك، ربنا اغفر
لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا،
ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين).
ثم يأتي الروضة، فيكثر فيها من الدعاء، والصلاة، فقد ثبت في الصحيحين عن
أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «ما بين
قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي» ويقف عند المنبر ويدعو.
ثم يأتي اسطوانة أبي لبابة التي ربط نفسه بها حتى تاب الله عليه، وهي بين
القبر والمنبر، فيصلي ركعتين ويتوب إلى الله ويدعو بما شاء. ثم يأتي
الأسطوانة الحنانة التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلّى الله عليه
وسلم حين تركه، وخطب على المنبر، حتى نزل، فاحتضنه، فسكن.
8ً - لا يجوز أن يطاف بقبر
النبي صلّى الله عليه وسلم، ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد
عنه كما يبعد منه لو حضر في حياته صلّى الله عليه وسلم.
9ً - ينبغي له مدة إقامته
بالمدينة أن يصلي الصلوات كلها بمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم،
وينبغي له أن ينوي الاعتكاف فيه، كما ينويه في المسجد الحرام. وإذا أراد
وداع المدينة صلى ركعتين وقال: (اللهم لا تجعله آخر العهد بحرم رسولك، وسهل
لي العود إلى الحرمين سهلة، وارزقني العفو والعافية في الآخرة والدنيا،
وردنا إليه سالمين غانمين).
10ً - كره مالك رحمه الله
لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد وخرج الوقوف بالقبر، قال: وإنما ذلك
للغرباء، أو لمن قدم من أهل المدينة من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف عند قبر
النبي صلّى الله عليه وسلم، فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر رضي الله
عنهما. والفرق أن أهل المدينة مقيمون بها، وقد قال عليه السلام: «اللهم لا
تجعل قبري وثناً يعبد».
(3/2404)
سادساً ـ زيارة أهم المعالم الأثرية في
المدينة: يسن أن يأتي المشاهد بالمدينة، وهي نحو ثلاثين موضعاً يعرفها أهل
المدينة، وأهمها ما يأتي (1).
1 - زيارة مساجد المدينة الأخرى: يستحب زيارة المساجد الأخرى، مثل
مسجد قباء وهو في الجنوب الغربي من
المدينة، وهو أول مسجد أسس في المدينة، وذلك يوم السبت ناوياً التقرب
بزيارته والصلاة فيه، لحديث: «صلاة في مسجد قباء كعمرة» (2)، وفي الصحيحين
عن ابن عمر، قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء
راكباً وماشياً، فيصلي فيه ركعتين» وفي رواية صحيحة: «كان يأتيه كل سبت»
ويدعو بما شاء من كشف الكرب والحزن كما كشف عن رسول الله صلّى الله عليه
وسلم حزنه وكربه في هذا المقام.
ومثل مسجد المصلى أو مسجد الغمامة: في
المكان الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي فيه صلاة العيدين.
ومسجد الفتح: الواقع شمال البلدة الغربي
على قطعة من جبل سَلْع، ويقع حيث كان الخندق.
ومسجد القبلتين: وهو مسجد صغير أقيم على
حافة وادي العقيق شمال غربي المدينة، وسمي بذلك لأن فيه قبلتين: الأولى
منهما نحو الشمال لبيت المقدس، والثانية إلى الجنوب نحو مكة.
2 - زيارة البقيع: على بضع مئات من
الأمتار من المسجد النبوي من جهة الشرق. فيه رفات أكثر من عشرة آلاف من
كبار الصحابة رضي الله عنهم، منهم آل البيت وشهداء أحد، وبعض شهداء بدر.
وتكون الزيارة خصوصاً يوم الجمعة أو يوم الخميس، بعد السلام على رسول الله
صلّى الله عليه وسلم، ويقول الزائر:
_________
(1) الإيضاح: ص 90 - 91، مغني المحتاج: 512/ 1 ومابعدها.
(2) رواه الترمذي وغيره عن أسيد بن ظهير رضي الله عنه، وهو صحيح.
(3/2405)
(السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء
الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، اللهم اغفر لنا ولهم).
ويزور القبور الظاهرة كقبر إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وعثمان والعباس والحسن بن علي وعلي بن الحسين، وجعفر بن محمد وغيرهم، ويختم
بقبر صفية عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وفي فضل زيارة هذه القبور
أحاديث صحيحة كثيرة.
3 - زيارة الأماكن الأثرية: يستحب أن
يزور بئر أريس التي روي أن النبي صلّى الله عليه وسلم تفل فيها، فيشرب من
مائها ويتوضأ منه، وهي عند مسجد قباء.
ويأتي دار أبي أيوب الأنصاري شرقي
المسجد النبوي من ناحيته الجنوبية. ودار عثمان
بن عفان التي استشهد فيها، بجوار دار أبي أيوب، وفيها اليوم قبر أسد
الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين الأيوبي، وقبر والد صلاح الدين الذي
دفن مع أخيه.
ودار عبد الله بن عمر بن الخطاب، ودار أبي بكر، ودار خالد بن الوليد، حول
المسجد النبوي.
وتزار قرية بدر في الجنوب الغربي من
المدينة، على مسافة 156 كم، ففيها انتصر المسلمون على المشركين في السابع
عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعلى مسيرة ميل جنوب القرية توجد
قبور شهداء بدر.
ويزار جبل أحد: على بعد أربعة كيلو
مترات شمال المدينة، وطوله من الشرق إلى الغرب 6 كم، وارتفاعه (1200م).
وفيه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أحد جبل يحبنا ونحبه» (1). وفي
سفحه قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول صلّى الله
عليه وسلم الذي استشهد في غزوة أحد. وعلى مقربة منه مقابر الصحابة رضي الله
عنهم الذين استشهدوا في هذه المعركة.
_________
(1) رواه البخاري عن سهل بن سعد، والترمذي عن أنس، وهو صحيح.
(3/2406)
|