الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ العاشر: المسائل الشّواذ: هناك مسائل شاذة مستثناة من القواعد العامة للميراث، أهمها مايأتي: المنبرية، والغراوان، والخرقاء، والأكدرية، والمالكية وأختها، والمشرَّكة (1)، أوضحها هنا بنحو مستقل لتسهيل الرجوع إليها، وإن أشير إليها في مواضع أخرى، علماً بأن حديث المشتركة أخرجه البيهقي عن زيد بن ثابت، وحديث الحمارية أخرجه الحاكم والبيهقي عن زيد، وحديث الخرقاء أخرجه البيهقي أيضاً، وحديث الأكدرية أخرجه البيهقي أيضا ً، وحديث المنبرية أخرجه البيهقي كذلك عن علي (2).
_________
(1) السراجية: ص 46، 153، القوانين الفقهية: ص 389 - 393، 397، الشرح الصغير: 623/ 4، 638، الشرح الكبير: 462/ 4، مغني المحتاج: 15/ 3، 17، 23، الرحبية: ص 33، 47، 52، 59، 60، المغني: 179/ 6 - 180، 223، 226، كشاف القناع: 475/ 4 وما بعدها، غاية المنتهى: 387/ 2.
(2) نصب الراية: 429/ 4.

(10/7804)


1 - المنبرية:
هي مسألة من مسائل العول، تعول فيها الـ (24 إلى 27) عند اجتماع الثمن والسدس، كما في زوجة وبنتين وأم وأب: للزوجة الـ 8/ 1، وللبنتين الـ 3/ 2، وللأم الـ 6/ 1، وللأب الـ 6/ 1، تكون المسألة من 24، وتعول إلى 27. وتسمى المنبرية؛ لأن علياً رضي الله عنه أفتى فيها وهو على المنبر.

2 - الغراوان أو العمريتان:
مسألتان يكون فيهما أحد الزوجين مع الأم والأب، فالمسألة الأولى: هي زوج وأب وأم، والمسألة الثانية: هي زوجة وأب وأم، والحكم فيهما أن يأخذ أحد الزوجين فرضه، ويقسم الباقي أثلاثاً: ثلثان للأب، وثلث للأم، ويكون فرض الأم إذن ثلث الباقي بعدالزوج أو الزوجة، وهو الربع في الأولى، والسدس في الثانية، وللأب الثلثان مما بقي بعدهما. وذلك خلافاً للأصل الذي هو أخذ الأم فرضها من رأس المال، وقد سميتا بالعمرتين؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا القضاء، واتبعه فيه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود، وروي الحكم عن علي، وهو رأي الجمهور.
وروي عن ابن عباس أنه قال: تأخذ الأم ثلث أصل التركة في هاتين الصورتين، الذي هو فرضها الأصلي، مستدلاً بأنه تعالى جعل لها أولاً سدس التركة مع الولد بقوله سبحانه: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد} [النساء:11/ 4] ثم ذكر تعالى أن لها مع عدم الولد الثلث بقوله: {فإن لم يكن له ولد، وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء:11/ 4] فيفهم منه أن المراد ثلث أصل التركة أيضاً.

(10/7805)


وأجيب بأن معنى قوله تعالى: {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء:11/ 4] هو أن لها ثلث ما ورثاه، سواء أكان جميع المال أم بعضه؛ لأنه لو أريد ثلث الأصل، لكفى في البيان: «فإن لم يكن له ولد، فلأمه الثلث» ويلزم منه أن يكون قوله: {وورثه أبواه} [النساء:11/ 4] خالياً عن الفائدة.

3 - الخرقاء:
هي أم وجد وأخت، قال زيد بن ثابت ومالك والشافعي وأحمد: للأم الثلث، وما بقي يقتسمه الجد والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال علي: للأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد ما بقي وهو السدس.
وقال ابن عباس: لا شيء للأخت، وهو مذهب أبي حنيفة.
سميت بذلك لتخرق أقوال الصحابة فيها، أو لأن الأقوال خرقتها لكثرتها.

4 - الأكدرية أو الغراء:
هي زوج، وأم، وجد، وأخت شقيقة أو لأب:
قال الجمهور غير أبي حنيفة عملاً بمذهب زيد بن ثابت: لا يفرض للأخت النصف مع جد، بل ترث معه البقية إلا في الفريضة الأكدرية، فيكون للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف، فلا تسقط، وتعول المسألة إلى (9)، وتصح من (27)، للزوج (9)، وللأم (6)، وللأخت (4)، وللجد (8)، بأن يضم الواحد الذي أعطي للجد إلى الثلاثة المعطاة للأخت، ويقتسمان جملة الأربعة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، أي على مبدأ المقاسمة بين

(10/7806)


الجد والأخت. وسميت بالأكدرية؛ لأنها كدرت على زيد مذهبه من ثلاثة أوجه: أعال بالجد، وفرض للأخت، وجمع سهام الفرض وقسمها على التعصيب.
وذهب عمر وعلي وابن مسعود إلى توريث الأخت النصف أيضاً، لكن بدون ضمّ نصيبها إلى نصيب الجد، فالخلاف بين هذا الرأي ومذهب زيد هو تعيين المقدار الراجع إلى الأخت، مع الاتفاق على عدم إسقاطها.
وأخذ أبو حنيفة بقول ابن عباس وأبي بكر: وهو إسقاط الأخت فلا تأخذ شيئاً.

5 - المشرَّكة أو الحجرية أو الحمارية:
وهي زوج وأم (أو جدة) وإخوة أشقاء وإخوة لأم: الأصل فيها أن لا ميراث للأشقاء؛ لأنهم عصبة يأخذون ما أبقت الفروض، وهنا استغرقت الفروض التركة، إذ للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة لأم الثلث، ويفرغ المال.
ولكن المالكية والشافعية أخذاً برأي عمر وعثمان وزيد ذهبوا إلى التشريك بين الأشقاء والإخوة على السواء: الأشقاء ولأم، ذكوراً وإناثاً، لقول الأشقاء لسيدنا عمر: هب أن أبانا كان حماراً أو حجراً، فنرث بأمنا، فسميت حمارية أو حجرية، كما سميت مشتركة أو مشرَّكة لاشتراك الأشقاء مع الإخوة لأم، فيكون الشقيق وهو عاصب قد ورث مع استغراق الفروض، وهو خلاف الأصل.
وقال علي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وداود رضي الله تعالى عنهم أجمعين: لا شيء للإخوة الأشقاء؛ لأنهم عصبة، وقد تم المال بالفروض، ويوزع المال على النحو السابق: للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة لأم الثلث، عملاً بظاهر الآية: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت، فلكل

(10/7807)


واحد منهما السدس} [النساء:176/ 4] ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم على الخصوص، وعملاً بظاهر آية أخرى هي: {وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء، فللذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء:176/ 4] يراد بهذه الآية سائر الإخوة والأخوات، والفريق الأول يسوون بين ذكرهم وأنثاهم.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر» ومن شرَّك فلم يلحق الفرائض بأهلها، وولد الأبوين (الأشقاء) عصبة لا فرض لهم، وقد تم المال بالفروض، فوجب أن يسقطوا، كما لو كان مكان ولد الأم ابنتان.

أم الفروخ أوالشريحية: سميت بأم الفروخ؛ لأنها أكثر المسائل عولاً، فشبهت الزوائد الأربعة بالفروخ، وسميت بالشريحية؛ لحدوثها في زمن القاضي شريح: إذا كان مكان الإخوة لأبوين أو لأب أخوات لأبوين أو لأب فأكثر، مع وجود الزوج والأم أو الجدة والإخوة لأم، تعول المسألة إلى عشرة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم أو الجدة: السدس واحد، وللإخوة لأم: الثلث اثنان، وللأخوات الشقيقات أو لأب: الثلثان أربعة.
6 - الفريضة المالكية:
أن تترك المتوفاة زوجاً وأماً وجداً وأخاً لأب وإخوة لأم: أي أن يكون في الوارثين إخوة لأب مكان الإخوة الأشقاء في المسألة المتقدمة (الحجرية).
فمذهب زيد والشافعي: أن الجد يأخذ السدس، والباقي للإخوة لأب، ولا شيء للإخوة لأم.
وخالف المالكية مذهب زيد في هذه المسألة، فقالوا: يأخذ الزوج النصف، والأم السدس، ويأخذ الجد وحده كل الباقي، ولا يأخذ الإخوة سواء لأب أو لأم شيئاً؛ لأن الجد يحجب الإخوة لأم، وإذا حجبهم كان أحق بالباقي.

(10/7808)


7 - أخت المالكية أو شبه المالكية:
أن يكون في المسألة السابقة مكان الأخ لأب أخ شقيق، فمذهب زيد والشافعي: أن الجد يأخذ السدس من رأس المال، فرضاً، والباقي للعصبة وهم الإخوة الأشقاء.
وخالف مالك في هذه المسألة مذهب زيد وجعلها مستثناة، وقال: يأخذ الجد الباقي كله بعد ذوي السهام، دون الأخ، فلا شيء للإخوة، لا للأشقاء ولا لأب.

8 - اليتيمتان: وهما مسألتان: الأولى ـ أن تترك المتوفاة زوجاً وأختا ً شقيقة، أو تترك زوجاً وأختاً لأب، فتكون المسألة من (2) لكل من الوارثين واحد.
9 - أم الأرامل: أن يترك المتوفى ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات شقيقات، للزوجات الربع، وللجدتين السدس، وللأخوات لأم الثلث، وللأخوات الشقيقات الثلثان، المسألة من (12) وتعول إلى (17)، سميت بذلك لأن الورثة كلهن إناث.
10 - المروانية: أن تترك المتوفاة زوجاً وأختين شقيقتين وأختين لأب وأختين لأم، يكون للزوج النصف، وللشقيقتين الثلثان، وتحجب الأختان لأب، وللأختين لأم الثلث، المسألة من (6 وتعول إلى 9). سميت بذلك لوقوعها في زمن مروان بن الحكم.
11 - الحمزية: أن يترك المتوفى ثلاث جدات متحاذيات، وجداً، وأختاً شقيقة، وأختاً لأب، وأختاً لأم، للجدات السدس، والجد والشقيقة ولأب عصبات، والأخت لأم محجوبة بالجد، المسألة من (6، يضرب 3) عدد

(10/7809)


الجدات بعدد رؤوس الجد والأختين وهو (4) والحاصل (14) يضرب بأصل المسألة وهو (6) فيكون الحاصل (72). سميت بذلك لأن حمزة الزيات أجاب عنها بهذا الجواب.

12 - الدينارية: أن يترك المتوفى زوجة وجدة وبنتين واثني عشر أخاً لأب وأختاً لأب، للزوجة الثمن، وللجدة السدس، وللبنتين الثلثان، وبقية الورثة عصبة. المسألة من (24)، وتصح من (600) بضرب (24 في 25) عدد رؤوس الإخوة لأب 24 والأخت لأب (1=25) والحاصل (600). وسميت بالدينارية؛ لأن المورث خلف ست مئة دينار، وسبعة عشر وارثاً ذكوراً وإناثاً، أصاب أحدَهم وهو الأخت لأب دينار واحد.
13 - الامتحان: أن يترك المتوفى أربع زوجات وخمس جدات وسبع بنات وتسع أخوات لأب، للزوجات الثمن، وللجدات السدس، وللبنات الثلثان، والأخوات لأب عصبة، المسألة من (24)، نضرب الرؤوس بعضها ببعض بسبب وجود التباين بين عدد كل فريق وسهامه، والحاصل (1260)، يضرب في (24)، والحاصل (30240). وتسمى بذلك لامتحان العامل بها، فيقال: رجل خلّف عدداً من الورثة، كل صنف أقل من عشرة، ولا تصح المسألة إلا بما يزيد على ثلاثين ألفاً.