الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة

ثامناً: كتاب المواريث والوصايا والعتق
ويشتمل على أربعة أبواب:

الباب الأول: تصرفات المريض
الإنسان إذا كان صحيحاً ومعافى فإنه يتصرف في ماله بكل حرية، ولكن بحدود ما جاء به الشرع.
أما إذا كان مريضاً، فلا يخلو المرض أن يكون غير مخوف، بمعنى أنه لا يخاف أن يموت بسببه كوجع الضرس والأصبع والصداع وآلام الجسم التي لا تؤثر، ويمكن شفاؤها وبرؤها، فهذا المريض يكون تصرفه لازماً كتصرف الصحيح، فتصح عطيته، وهبته، من جميع ماله، وإنْ تطور إلى مرض مخوف ومات بسببه، فالعبرة بحاله عند العطية والهبة، وهو في هذه الحال في حكم الصحيح.
أما إذا كان المرض مخوفاً، بأن يتوقع منه الموت كالأمراض الخبيثة والمستعصية، فإن تبرعاته في هذه الحال تنفذ من ثلثه لا من رأس المال، فإن كانت في حدود الثلث فما دون نفذت. وإن زادت على ذلك فإنها لا تنفذ إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم) (1). فدل الحديث وما ورد بمعناه على أنه يجوز التصرف للمريض مرض الموت في ثلث المال؛ لأنَّ عطيته من رأس المال تضر بالورثة، فردت إلى الثلث كالوصية.
أما إذا كان المرض مزمناً، ولكنه غير مخوف، ولم يلزمه الفراش، كمرض السكر وغيره، ففي هذه الحال تصبح تبرعاته من جميع ماله كتبرعات الصحيح؛ لأنه لا يخاف منه تعجيل الموت، كالشيخ الكبير.
أما إذا ألزمه الفراش، فلا تصح تبرعاته ولا وصاياه إلا في حدود الثلث لغير الوارث؛ لأنه مريض ملازم لفراشه يخشى عليه من الموت، فلا تعتبر تصرفاته وتبرعاته في هذه الحال كالمريض مرض الموت.
__________
(1) رواه ابن ماجه برقم (2709)، والدارقطني (4/ 450)، والبيهقي (6/ 264) وهو حديث حسن، انظر إرواء الغليل (6/ 77).

(1/271)


الباب الثاني: الوصية، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها:
1 - تعريفها: الوصية لغة: معناها العهد إلى الغير، أو الأمر.
وشرعاً: هبة الإنسان غيره عيناً، أو ديناً، أو منفعة، على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصي.
وقد تشمل الوصية ما هو أعم من ذلك، فتكون بمعنى: الأمر بالتصرف بعد الموت -كما عرفها بعضهم بذلك- فتشمل الوصية لشخص بغسله، أو الصلاة عليه إماماً، أو دفع شيء من ماله لجهة.
2 - أدلة مشروعيتها: وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 180].
ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما حق امرئ مسلم، يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) (1). وقد أجمع العلماء على جوازها.

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بها:
ويتعلق بالوصية الأحكام الآتية:
1 - يجب على المسلم أن يُدَوِّن ما له وما عليه من الحقوق في وصيةٍ يبين فيها ذلك؛ لحديث ابن عمر السابق.
2 - تستحب الوصية بشيء من المال، يُصرف في طرق البر والخير والإحسان؛ ليصل إليه ثوابه بعد موته، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إنَّ الله تصدَّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في
__________
(1) متفق عليه: رواه البخاري برقم (2738)، ومسلم برقم (1627).

(1/272)


حسناتكم، ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم) (1).
3 - جواز الوصية بالثلث فأقل، أما جواز الثلث: فلحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - حين سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرض موته: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: (لا)، قلت: فبالشطر؟ قال: (لا). قلت: فبالثلث؟ قال: (الثلث، والثلث كثير). وأما استحباب أقل من الثلث: فلقول ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الثلث، والثلث كثير) (2).
4 - أن الوصية لا تصح بأكثر من ثلث ما يملك لمن له وارث؛ لحديث سعد ابن أبي وقاص المتقدم، إلا إذا أجاز الورثة ذلك. أما إذا لم يكن له وارث فتصح بالمال كله.
5 - لا تصح الوصية لأحد من الورثة؛ لما روى أبو أمامة - رضي الله عنه -، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: (إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقَّه، فلا وصية لوارث) (3).
6 - تحرم الوصية بأمر فيه معصية؛ لأنها شُرِعت لزيادة حسنات الموصي، كما مضى في حديث أبي الدرداء.
7 - أن الدَّيْن والواجبات الشرعية كالزكاة والحج والكفارات مقدمة على الوصية لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء: 11]، وقال عليٌّ - رضي الله عنه -: (قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدين قبل الوصية).
8 - يشترط في الوصي أن يكون جائز التصرف في ماله، فيكون عاقلاً، بالغاً، حراً، مختاراً.
9 - يحرم أن يوصِيَ لجهة معصية، كأن يوصي لمعابد الكفار، أو لشراء آلات
__________
(1) تقدم تخريجه في الصفحة قبل السابقة.
(2) متفق عليه: رواه البخاري (5/ 363)، ومسلم برقم (1628).
(3) رواه أبو داود برقم (2853)، والترمذي برقم (2203)، وابن ماجه برقم (2713)، وصححه الشيخ الألباني (صحيح ابن ماجه رقم 2193).

(1/273)


اللهو أو نحو ذلك، وتكون وصية باطلة.
10 - تستحب الوصية لمن له مال كثير ووارثه غير محتاج؛ لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ) [البقرة: 180]، والخير هو المال الكثير، وتكره لمن ماله قليل ووارثه محتاج؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). وكثير من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماتوا، ولم يوصوا.
11 - تحرم الوصية إذا كان قصد الموصي المضارة بالورثة؛ لقوله تعالى: (غَيْرَ مُضَارٍّ) [النساء: 12].
12 - لا يصح قبول الوصية ولا ملكها إلا بعد موت الموصي؛ لأن ذلك وقت ثبوت حقه، هذا إذا كانت الوصية لمعين، أما إن كانت لغير معين، كالفقراء والمساكين، أو على طلبة العلم، أو المساجد، ودور الأيتام، فإنها لا تحتاج إلى قبول وتلزم بمجرد الموت.
13 - يجوز للموصي أن يرجع في وصيته أو بعضها، وله نقضها. قال عمر - رضي الله عنه -: يغير الرجل ما شاء من وصيته (1).
14 - تصح الوصية لكل شخص يصح تمليكه سواء أكان مسلماً أم كافراً. قال تعالى: (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) [الأحزاب: 6].
__________
(1) سنن البيهقي: (6/ 281). وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/ 71) من قول عطاء وطاوس وأبي الشعثاء.

(1/274)


الباب الثالث: في العتق، والكتابة، والتدبير، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف العتق، ومشروعيته، وفضله، وحكمة مشروعيته:
1 - تعريف العتق:
العِتْق لغة: بكسر العين وسكون التاء: الحرية والخلوص، مشتق مِنْ قولهم: عَتَق الفرس، إذا سبق، وعتق الفرخ: طار واستقل وخلص.
وشرعاً: هو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق، وإزالة الملك عنها، وتثبيت الحرية لها.
2 - أدلة مشروعيته:
الأصل في مشروعية العتق: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [النساء: 92]، وقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) [المجادلة: 3].
وأما السنة: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى فَرْجَه بفرجِهِ) (1).
وأجمعت الأمة على صحة العتق، وحصول القربة به إلى الله تعالى.
3 - فضله:
العتق من أفضل القربات وأجل الطاعات، لما جاء في فضل العتق من قوله تعالى: (فَكُّ رَقَبَةٍ) [البلد: 13] يعني: تخليص الشخص من الرقِّ، وقد ورد ذلك في معرض بيان الطريق التي فيها النجاة والخير لمن سلكها؛ ألا وهي: عتق الرقاب. وتقدم معنا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قبل قليل في فضل العتق، وعن أبي
أمامة - رضي الله عنه - أيضاً عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أيما امرئِ مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكه من النار ... ) الحديث (2). والنصوص في فضَل العتق كثيرة جداً.
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (2517)، ومسلم برقم (1509) -22، واللفظ له.
(2) أخرجه الترمذي برقم (1547) وصححه، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي برقم 1252).

(1/275)


وعتق الرجل أفضل من عتق المرأة، والرقبة الأغلى ثمناً والأنفس عند أهلها أفضل من غيرها.
4 - الحكمة من مشروعيته:
شُرع العتق في الإسلام لغايات نبيلة، وحكم بليغة. فمن ذلك: أنه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وملك نفسه، وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه حسب إرادته واختياره.
ومنها: أن الله عز وجل جعله كفارة للقتل، والوطء في رمضان، والأيمان.

المسألة الثانية: أركان العتق، وشروطه، وصيغته وألفاظه:
1 - أركان العتق: أركانه ثلاثة:
أ- المُعْتِق: وهو الشخص الذي وقع منه العتق لغيره.
ب- المُعْتَق: وهو الشخص الذي عُتق، أو وقع عليه العتق.
ج- الصيغة: وهي الألفاظ التي يقع بها العتق.
2 - شروطه: يشترط لصحة العتق ووقوعه ما يلي:
- أن يكون المُعْتِق ممن يجوز تصرفه، وهو: البالغ العاقل الرشيد المختار، فلا يصح العتق من الصبي، ولا المجنون ولا المعتوه، ولا المكره؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ). ولا يصح عتق المكره، كما لا تصح سائر تصرفاته.
- أن يكون مالكاً لمن يعتقه، فلا يصح العتق من غير المالك.
- ألا يتعلق بالمعتَق حق لازم يمنع عتقه، كدين أو جناية، فلا يصح عتقه حتى يؤدي الدَّين، أو تدفع دية جنايته.
- لابد أن يكون العتق بلفظ صريح، أو ما يقوم مقامه من الكنايات، ولا يكفي في ذلك مجرد النية؛ لأنه إزالة ملك فلا يحصل بالنية المجردة.

(1/276)


3 - صيغته وألفاظه:
- ألفاظه إما صريحة، وهي ما كان بلفظ العتق، والتحرير، وما تصرَّف منهما، مثل: أنت حر، أو محرر، أو: عتيق، أو: معتق، أو: أعتقتك.
- وإما كنائية، كقوله: اذهب حيث شئت، أو: لا سبيل لي عليك، أو: لا سلطان لي عليك، أو: اغرب، أو ابعد عني، أو: خليتك، ونحو ذلك. وهذه الكنايات لا يحصل العتق بها، إلا إذا نوى قائلها العتق.

المسألة الثالثة: من أحكام العتق:
1 - يجوز الاشتراك في العبد والأمة في الملك، بأن يملكه أكثر من شخص.
2 - إذا أعتق شخص نصيبه في عبد مشترك فقد عتق نصيبه من هذا العبد.
وأما نصيب شريكه: فإن كان المعتق موسراً عتق نصيب شريكه من العبد، وقوِّمت عليه حصة شريكه ودفع له القيمة. أما إذا كان الشريك المعتق معسراً غير موسر، فلا يعتق نصيب شريكه، ويسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب هذا الشريك، فيعتق بعد تسليم ما عليه، ويكون في ذلك كالمكاتب.
ودليل ذلك: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أعتق شِرْكاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قُوِّم عليه العبد قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق) (1)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أعتق نصيباً -أو شقيصاً (2) - في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قُوِّمَ عليه، فاستسعى (3) به غير مشقوق عليه) (4). والظاهر أن ذلك يكون باختيار العبد.
3 - يرثُ المعتقُ جميع مال من أعتقه دون العكس، لأن المعتَق ولاؤه لمن
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (2522)، ومسلم برقم (1501).
(2) الشِّقص والشَّقيص: النصيب في العين المشتركة من كل شيء.
(3) يعني: طلب منه السعي في تحصيل القيمة ليخلص نفسه ويعتق.
(4) أخرجه البخاري برقم (2527)، ومسلم برقم (1503).

(1/277)


أعتقه، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولاء لمن أعتق) (1). وقد جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الولاء كالنسب، فقال: (الولاء لُحْمة (2) كلحمة النسب) (3).
4 - من ضرب عبده ظلماً، أو ضرباً مبرحاً، أو مَثَّل به، أو أفسده، أو قطع له عضواً أو نحو ذلك، فإنه يعتق عليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه) (4). أما ما كان من ذلك ضرباً خفيفاً على سبيل التأديب فلا شيء فيه.

المسألة الرابعة: التدبير:
1 - تعريفه: التدبير هو تعليق عتق الرقيق بموت سيده.
يقال: دبَّر الرجلُ عبده تدبيراً: إذا أعتقه بعد موته، وكذا: أعتقه عن دُبُرٍ.
والمُدَبَّر: هو العبد الذي حصل له التدبير، سُمِّى بذلك؛ لأن عتقه جُعل دُبُرَ حياة سيِّده، فالموت يكون دبر الحياة.
2 - حكمه، ودليل ذلك:
التدبير جائز، وهو صحيح باتفاق العلماء، والأصل فيه حديث جابر - رضي الله عنه -: أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دُبُرٍ، لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: (من يشتريه مني)؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه (5).
3 - من أحكام المدبر:
- يجوز بيع المدبر مطلقاً للحاجة، وأجاز بعض أهل العلم بيعه مطلقاً للحاجة وغيرها؛ لما تقدم في حديث جابر.
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (1493)، ومسلم برقم (1505).
(2) معناه: المخالطة في الولاء، وأنها تجري مجرى النسب في الميراث.
(3) أخرجه الشافعي في الأم (1232)، والحاكم في المستدرك (4/ 341) وصححه، والبيهقي (10/ 292) وصححه الألباني (صحيح الجامع برقم 7157، والإرواء 6/ 109).
(4) أخرجه مسلم برقم (1657) -30.
(5) أخرجه البخاري برقم (2534)، ومسلم برقم (997) واللفظ له.

(1/278)


- المدبر يعتق من الثلث، لا من رأس المال؛ لأن حكمه حكم الوصية، فكلاهما لا ينفذ إلا بعد الموت.
- ويجوز لسيده هبته، لأن الهبة مثل البيع.
- يجوز للسيد وطء أمته المدبرة؛ لأنها مملوكته، وقد قال تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 6].

المسألة الخامسة: المكاتَب:
1 - تعريفه:
الكتابة والمكاتبة لغةً: مأخوذة من كَتَبَ بمعنى أوجب، وألزم.
وشرعاً: هي إعتاق العبد نفسه من سيده بمال يكون في ذمته يُؤدَّى مؤجلاً.
فالمكاتَب -بفتح التاء-: هو العبد الذي عُلِّق عتقه بمال يدفعه لسيده، وبكسرها: من تقع منه. وسميت كتابة، لأن السيد يكتب بينه وبين عبده كتاباً بما اتفقا عليه.
2 - حكم المكاتبة، ودليل ذلك:
الكتابة جائزة مستحبة إذا طلبها العبد الصدوق المكتسب القادر على أداء المال الذي اشترطه عليه سيده، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) [النور: 33].
3 - من أحكام المكاتبة:
- يعتق العبد أو الأمة ويصيرا حرين متى أديا ما اتفقا عليه مع سيدهما، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (المكاتبُ عبدٌ ما بقي عليه من مكاتبته درهم) (1). فمفهومه: أنه متى أدى ما عليه لم يعد عبداً، ويصير حراً بالأداء.
- لا يُعتق العبد إلا إذا أدى جميع كتابته، للحديث الماضي.
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (3926)، والترمذي برقم (1260) وحسنه، واللفظ لأبي داود. وحسنه الألباني (الإرواء برقم 1674).

(1/279)


- ولاء المكاتب يكون لسيده إذا أدى ما عليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولاء لمن أعتق) (1).
- على السيد أن يضع عن المكاتب شيئاً من المال الذي كاتبه عليه، لقوله تعالى: (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) [النور: 33]. قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: ضعوا عنهم من مكاتبتهم (2). ويخير السيد بين وضعه عنه وأخذه منه، ودفعه إليه.
- يُجعل المال على المكاتب منجَّماً (3)، نجمين فصاعداً، على أن تكون النجوم معلومة، ويعلم في كل نجم قدر المال المؤدى.
- ليس للمكاتب أن يتزوج إلا بإذن سيده، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) (4). ولا يتسرى كذلك إلا بإذنه.
- يجوز بيع المكاتب، وتبقى الكتابة عليه في يد مشتريه، فإن أدى ما عليه عتق، ويكون ولاؤه لمشتريه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة في قصة بريرة: (اشتريها وأعتقيها ... فإن الولاء لمن أعتق) (5).
__________
(1) تقدم تخريجه في الصفحة قبل السابقة.
(2) أخرجه البيهقي في سننه (10/ 330). وانظر المغني لابن قدامة (10/ 342).
(3) النجم: هو الوقت الذي يحل فيه الأداء، يقال: نَجمت عليه الدين إذا جعلته نجماً نجماً.
(4) أخرجه أبو داود برقم (2078)، والترمذي برقم (1111) وحسَّنه، وحسنه الألباني (صحيح سنن الترمذي برقم 887). ومعنى عاهر: زانٍ.
(5) أخرجه البخاري برقم (2565)، ومسلم برقم (1504) -12

(1/280)


الباب الرابع: الفرائض، والمواريث، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها والحث على تعلمها:
علم الفرائض من أهم العلوم، فيجب على المسلمين الاهتمام به والتفقه فيه؛ لأن الحاجة ماسة إليه.
ويسمى هذا العلم بالفرائض جمع فريضة، مأخوذة من الفرض وهو التقدير، كما قال تعالى: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) [البقرة: 237] أي قدرتم.
والفرض في الشرع: نصيب مقدر شرعاً لمستحقه. وعلم الفرائض: هو العلم بالمواريث من حيث فقه أحكامها ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها.
والمواريث: جمع ميراث، وهو الحق المخلَّف عن الميت المنقول إلى الوارث.
ويجب على المسلم أن يهتم بشأن المواريث، ولا يتصرف فيها تصرفاً يغيرها عن وضعها الشرعي، فيورث غير الوارث أو يحرم الوارث من جميع حقوقه أو بعضها، فيعرض نفسه بذلك لسخط الله، وعقابه.

المسألة الثانية: الحقوق المتعلقة بالتركة وأسباب الميراث وموانعه:
1 - حقوق التركة: التركة هي ما يتركه الميت من الأموال النقدية، والعينية، والحقوق. ويتعلق بتركة الميت أربعة حقوق:
1 - مؤنة تجهيزه من ثمن كفن، وحنوط وأجرة دفن وغسل وغير ذلك.
2 - قضاء الديون، وديون الله مقدمة كالزكاة، وصدقة الفطر، والكفارة، والنذر، ثم ديون الآدميين.
3 - إخراج الوصايا بشرط أن تكون في حدود الثلث فأقل.
4 - الإرث، فيقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته القسمة الشرعية.
والإرث: هو انتقال مال الميت من بعده إلى حيٍّ، حسبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(1/281)


وقد يتعلق بالتركة حق للغير حال الحياة، وهي الحقوق العينية، كحق البائع في تسلم المبيع، وحق الراهن في المرهون، فهي تقدم على تجهيز الميت؛ لتعلقها بعين المال قبل صيرورته تركةً.
2 - أسباب الإرث: أسباب الإرث ثلاثة، وهي:
الأول: النكاح، وهو عقد الزوجية الصحيح بشاهدين وولي، ولو لم يحصل به وطء ولا خلوة، لعموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) [النساء: 12].
الثاني: النسب، أي القرابة من الميت، وهي: الاتصال العضوي بين إنسان وآخرين بولادة قريبة أو بعيدة، وتشمل الأصول، والفروع، والحواشي.
فالأصول: هم الآباء والأجداد وإن علوا بمحض الذكور، والفروع: هم الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا، والحواشي: هم الإخوة وبنوهم وإن نزلوا، والأعمام وإن علوا، وبنوهم وإن نزلوا.
الثالث: الولاء، وهو رابطة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، ولا يرث العتيق معتقه بالإجماع، فانحصرت أسباب الإرث في اثنين: النسب، والزواج الصحيح.
3 - موانع الإرث: موانع الإرث ثلاثة:
1 - القتل: اتفق العلماء على أن القتل العمد المحرم مانع من الميراث، فمن قتل مورثه ظلماً لا يرثه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس للقاتل من الميراث شيء) (1).
2 - الرِّق: فلا يرث العبد قريبه؛ لأنه إذا ورث شيئاً فسيكون لسيده دونه، وهو كذلك لا يُوَرَّث؛ لأنه لا مِلك له.
3 - اختلاف الدين بين المورث والوارث: فإن ذلك مانع من الميراث؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر) (2).
__________
(1) أخرجه الدارقطني برقم (4102)، والبيهقي (6/ 220)، وصححه الألباني (إرواء الغليل رقم 1671).
(2) أخرجه مسلم برقم (1614).

(1/282)


المسألة الثالثة: أقسام الورثة:
الورثة على قسمين: ذكور، وإناث.
فالوارثون من الذكور عشرة:
1 - 2 - الابن وابنه وإن نزل، لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء: 11].
3 - 4 - الأب وأبوه وإن علا، كأبي الأب وأبي الجد؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء: 11]. والجد أب وقد أعطاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس.
5 - الأخ من أي الجهات كان، سواء أكان شقيقاً أو لأب أو لأم؛ لقوله تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) [النساء: 176]. وقال تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء: 12].
6 - ابن الأخ لغير أم، أما ابن الأخ لأم فلا يرث؛ لأنه من ذوي الأرحام.
7 - 8 - العم وابن العم من أبيه شقيقاً أو لأب، لا لأم فإنه من ذوي الأرحام.
9 - الزوج؛ لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) [النساء: 12].
10 - المعتق أو من يحل محله؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولاء لُحْمَةٌ كلحمة
النسب) (1). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الولاء لمن أعتق) (2).
أما الوارثات من النساء فسبع:
1 - 2 - البنت وبنت الابن وان نزل أبوها لمحض الذكور؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) [النساء: 11].
__________
(1) رواه الشافعي في الأم (1232)، والحاكم (4/ 341)، والبيهقي (10/ 292)، وصححه الألباني في الإرواء (6/ 109). واللُّحمة: القرابة.
(2) متفق عليه: رواه البخاري برقم (2565)، ومسلم برقم (1504).

(1/283)


3 - الأم؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) [النساء: 11].
4 - الجدة؛ وقد فرض لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس؛ لحديث بريدة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس، إذا لم يكن دونها أم) (1)، فهي ترث، بشرط عدم وجود الأم.
5 - الأخت؛ من أي الجهات كانت شقيقة أو لأب أو لأم، لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء: 12]. وقال تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ) [النساء: 176]. وقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) [النساء: 176].
6 - الزوجة؛ لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) [النساء: 12].
7 - المعتِقة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الولاء لمن أعتق) (2).

المسألة الرابعة: أقسام الورثة باعتبار الإرث:
القسم الأول: من يرث بالفرض -أي النصيب المقدر- فقط، وهم سبعة: الزوجان، والجدتان، والأم، وولداها.
القسم الثاني: من يرث بالتعصيب -أي بلا تقدير- فقط، وهم اثنا عشر: الابن وابنه، والأخ الشقيق وابنه، والأخ لأب وابنه، والعم الشقيق وابنه، والعم لأب وابنه، والمعتق والمعتقة.
القسم الثالث: من يرث بالتعصيب تارة، وبالفرض أخرى، ويجمع بينهما، وهما: الأب والجد.
القسم الرابع: من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب أخرى، ولا يجمع بينهما، وهم: أصحاب النصف، ما عدا الزوج، وأصحاب الثلثين.
__________
(1) رواه أبو داود برقم (2894)، وابن ماجه برقم (2724)، والترمذي برقم (2101)، قال الحافظ ابن حجر: "صححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقوَّاه ابن عديّ". (بلوغ المرام رقم 896).
(2) رواه البخاري في صحيحه برقم (2561)، وهو قطعة من حديث عتق بريرة.

(1/284)


وجملة أصحاب الفروض واحد وعشرون:
والفروض المعينة لأصحاب الفروض ستة، هي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
• أولاً: أصحاب النصف وهم خمسة:
1 - الزوج: عند عدم الفرع الوارث ذكر أو أنثى من الزوج أو من غيره.
2 - البنت: عند انفرادها عمن يشاركها من أخواتها، وانفرادها عمن يعصبها من إخوتها.
3 - بنت ابن: عند عدم المشارك والمعصب، والفرع الوارث.
4 - الأخ الشقيق: عند عدم المعصب والمشارك والفرع الوارث، والأصل الوارث.
5 - الأخت لأب: عند عدم المعصب والمشارك والفرع الوارث، والأصل الوارث والأخ الشقيق والأخت الشقيقة.
• ثانياً: أصحاب الربع وهم اثنان:
1 - الزوج: يستحقه عند وجود الفرع الوارث.
2 - الزوجة: تستحقه عند عدم الفرع الوارث.
• ثالثاً: أصحاب الثمن: الزوجة فأكثر، عند وجود الفرع الوارث.
• رابعاً: أصحاب الثلثين أربعة وهم:
1 - البنات: عند عدم المعصب، وهو ابن الميت لصلبه في حالة كونهن اثنتين فأكثر، كونهن جمعاً.
2 - بنات الابن: عند عدم المعصب وهو ابن الابن، وعدم الفرع الوارث، وهو الابن، وأن يكن اثنتين فأكثر.
3 - الأخوات الشقائق: أن يكن اثنتين فأكثر وعدم المعصب لهما وهو الأخ الشقيق فأكثر، وعدم الفرع الوارث، وهم الأولاد وأولاد البنين.

(1/285)


4 - الأخوات لأب: أن يكن اثنتين فأكثر، عند عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأشقاء والشقائق.
• خامساً: أصحاب الثلث اثنان وهم:
1 - الأم: تستحقه عند عدم الفرع الوارث وعدم الجمع من الأخوة والأخوات.
2 - الأخوة لأم: أن يكونوا اثنين فأكثر، وعدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين، وعدم الأصل الوارث من الذكور وهما الأب والجد.
• سادساً: أصحاب السدس سبعة وهم:
1 - الأب: عند وجود الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين.
2 - الجد: عند وجود الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين.
3 - الأم: عند وجود الفرع الوارث وعند وجود الجمع من الأخوة.
4 - الجدة: عند عدم وجود الأم.
5 - بنت الابن: عند عدم المعصب وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منها، سوى صاحبة النصف، فإنها لا تأخذ السدس إلا معها.
6 - الأخت لأب: عند عدم المعصب وهو أخوها، وأن تكون مع أخت شقيقة وارثة للنصف فرضاً.
7 - الأخ أو الأخت لأم: عند عدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارثين، وأن يكون منفرداً.

المسألة الخامسة: في التعصيب:
العَصَبَةُ: هم الذين يرثون بلا تقدير؛ لأن العاصب إذا انفرد حاز جميع المال، وإذا كان معه صاحب فرض أخذ ما بقي بعد الفرض.
لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأَوْلَى رجلٍ ذكرٍ) (1).
يعني: أقرب رجل.
__________
(1) رواه البخاري برقم (6732)، ومسلم برقم (1615).

(1/286)


والعصبة على ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
1 - العصبة بالنفس: هم الابن وابنه وإن نزل، والأب والجد من قبل الأب وإن علا، والأخ الشقيق والأخ لأب وابناهما من قبل الأب وإن علا، والأخ الشقيق والأخ لأب وابناهما وإن نزلا، والعم الشقيق والعم لأب وإن علوا وابناهما وإن نزلا، والمعتق والمعتقة، فمن انفرد منهم حاز جميع المال، وإذا كانوا مع أصحاب الفروض يأخذون ما بقي، وإن لم يبق شيء أسقطوا.
2 - العصبة بالغير: وهم البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة والأخت لأب، كل واحدة منهن مع أخيها، وتزيد بنت الابن بأنه يعصبها ابن ابن في درجتها مطلقاً أخوها أو ابن عمها وابن الابن الذي هو أنزل منها إذا احتاجت إليه. ومن عداهم من الذكور لا ترث أخواتهم معهم شيئاً كأبناء الإخوة والأعمام وأبناء الأعمام.
3 - العصبة مع الغير: وهم الأخوات الشقيقات مع البنات وبنات الابن، وإذا اجتمع عاصبان فأكثر، فإن اتحدا في الجهة والقوة والدرجة اشتركا في الميراث كالأبناء والأخوة، وإن اختلفا في الجهة يقدم الأقوى كالابن والأب، وإن اتحدا في الجهة واختلفا في الدرجة يقدم الأقرب درجة، كالابن مع ابن الابن، وإن اتحدا في الجهة والدرجة، واختلفا في القوة، فيقدم الأقوى، كالأخ الشقيق مع الأخ لأب.

المسألة السادسة: الحجب:
الحجب هو: المنع من كل الميراث أو بعضه لوجود شخص آخر أحق منه.
وهو على قسمين:
1 - حجب الأوصاف: ويكون فيمن اتصف بأحد موانع الإرث: الرِّق، أو القتل، أو اختلاف الدين، فمن اتصف بواحدة من هذه الأوصاف لم يرث

(1/287)


ووجوده كالعدم، ويدخل على جميع الورثة.
2 - حجب الأشخاص: وينصرف إليه اسم الحجب عند الإطلاق. وهو على قسمين:
الأول: حجب الحرمان: وهو منع شخص معين من الإرث بالكلية، ويدخل على جميع الورثة ما عدا ستة: الأب والأم، والزوج والزوجة، والابن والبنت.
الثاني: حجب نقصان: وهو منعه من إرث أكثر إلى إرث أقل.
وسبب هذا الحجب: وجود شخص أحق منه، ولذلك سُمِّي حجب الأشخاص. وهو سبعة أنواع:
1 - انتقال من فرض إلى فرض أقل منه، وهذا في حق من له فرضان، كالزوجين، والأم، وبنت الابن، والأخت لأب.
2 - الانتقال من فرض إلى تعصيب، وهذا في حق ذوات النصف والثلثين، إذا كان معهن من يعصبهن.
3 - انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه، وهذا في حق الأب والجد من الإرث بالتعصيب إلى الإرث بالفرض.
4 - انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، وهو في حق الأخت الشقيقة أو لأب، فإن لهما مع أخيهما أقل مما لهما مع البنت أو بنت الابن.
5 - المزاحمة في الفرض، كازدحام الزوجين في الربع والجدات في السدس.
6 - المزاحمة في التعصيب، كازدحام العصبات في المال أو فيما أبقت الفروض.
7 - المزاحمة في العَوْل (1) في حق ذوي الفروض في الأصول التي يدخلها العول.
وعلى هذا نقول: إن من أدلى (2) بواسطة حجبته تلك الواسطة والأصول، لا يحجبهم إلا الأصول، والفروع لا تحجبهم إلا فروع أعلى منهم، والحواشي تحجبهم الأصول والفروع والحواشي.
__________
(1) العَوْل: هو الزيادة في سهام ذوي الفروض، والنقصان من مقادير أنصبتهم في الإرث.
(2) الإدلاء: هو الاتصال بالميت، إما مباشرة بالنفس كالأب والأم، والابن والبنت، وإما بواسطة كابن الابن بالابن، وبنت الابن بالابن.

(1/288)


المسألة السابعة: في ذوي الأرحام:
ذوو الأرحام: هم كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة، وهم على أربعة أصناف:
1 - من ينتمي إلى الميت، وهم أولاد البنات وأولاد بنات البنين، وإن نزلوا.
2 - من ينتمي إليهم الميت، وهم الأجداد الساقطون والجدات السواقط، وإن علوا.
3 - من ينتمي إلى أبوي الميت، وهم أولاد الأخوات وبنات الأخوة وأولاد الأخوة لأم ومن يدلي بهم، وإن نزلوا.
4 - من ينتمي إلى أجداد الميت وجداته، وهم الأعمام للأم والعمات مطلقاً وبنات الأعمام مطلقاً والأخوال وإن تباعدوا وأولادهم، وإن نزلوا. ودليل توريثهم قوله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [الأنفال: 75]. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الخال وارث من لا وارث له) (1). وكيفية توريثهم أن ينزل كل واحد منهم منزلة من أدلى به، فيجعل له نصيبه. والله أعلم
__________
(1) رواه أحمد (1/ 28)، وأبو داود برقم (2899)، والترمذي برقم (2103) وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الشيخ الألباني (صحيح سنن الترمذي برقم 1709).

(1/289)