الفقه
على المذاهب الأربعة [مباحث
مختلفة]
حكم حمل الميت وكيفيته
حمل الميت إلى المقبرة فرض كفاية، كغسله وتكفينه والصلاة عليه، وفي كيفيته
المسنونة تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: يحصل أصل السنة في حمل الجنازة بأن يحملها أربعة رجال
على طريق التعاقب، بأن تحمل من كل جانب عشر خطوات، وأما كمال السنة فيحصل
بأن يبتدأ الحامل بحمل يمين مقدم الجنازة، فيضعه على عاتقه الأيمن عشر
خطوات، ثم ينتقل إلى المؤخر الأيمن فيضعه على عاتقه الأيمن عشر خطوات
أيضاً، ثم ينتقل إلى المقدم الأيسر فيحمله على عاتقه الأيسر كذلك ثم ينتقل
إلى المؤخر الأيسر فيضعه على عاتقه الأيسر كذلك، ويكره أن تحمل على الكتف
ابتداء، بل السنة أن يأخذ قائمة السرير بيده أولاً، ثم يضعها على كتفه،
ويكره حمله بين عمودين بأن يحملها رجلان: أحدهما في المقدم، والآخر في
المؤخر، إلا عند الضرورة، وكيفية حمل الصغير الرضيع أو الفطيم أو فوق ذلك
قليلاً هي أن يحمله رجل واحد على يديه، ويتداوله الناس بالحمل على أيديهم،
ولا بأس بأن يحمله على يديه وهو راكب، ويكره حمل الكبير على الدابة ونحوها
إلا لضرورة؛ ويندب أن يسرع بالسير بالجنازة إسراعاً غير شديد، بحيث لا
يضطرب به الميت في نعشه؛ ويغطى نعش المرأة ندباً، كما يغطي قبرها عند الدفن
إلى أن يفرغ من لحدها، إذ المرأة عورة من قدمها إلى قرنها، فربما يبدو شيء
منها، وإذا تأكد ظهور شيء منها وجبت التغطية.
الحنابلة قالوا: يسن أن يحمل الجنازة أربعة رجال بحيث يحمل كل واحد منهم من
كل قائمة من القوائم الأربع مرة بأن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة حال
السير على كتفه اليمنى، ثم يدعها لغيره، وينتقل إلى القائمة اليسرى المؤخرة
ويضعها على كتفه اليمنى أيضاً، يم يدعها لغيره، ثم يضع القائمة اليمنى
المقدمة على كتفه اليسرى، ثم يدعها لغيره، ثم ينتقل إلى القائمة اليمنى
المؤخرة، فيضعها على كتفه اليسرى أيضاً، ولا يكره الحمل بين قائمتي السرير،
وكذلك لا يكره حمل الطفل على يديه من غير نعش، ولا يكره حمل الجنازة على
دابة إذا كان لحاجة، كبعد المقبرة ونحو ذلك، ومن السنة ستر نعش المرأة
بغطاء مثل القبة يوضع فوق النعش، يصنع من خشب أو جريد، وفوقه ثوب.
المالكية قالوا: حمل الميت ليس له كيفية معينة، فيجوز أن يحمله أربعة أشخاص
وثلاثة واثنان بلا كراهة؛ ولا يتعين البدء بناحية من السرير - النعش -
والتعين من البدع؛ ويندب حمل ميت صغير على الأيدي، وكره حمله في نعش لما
فيه من التفاخر، ويندب أن يجعل على المرأة ما يستر سريرها كالقبة، لأنه
أبلغ في الستر المطلوب بالنسبة لها، وكره فرش النعش بحرير، وأما ستر النعش
بالحرير فجائز إذا لم يكن ملوناً، وإلا كره.
الشافعية قالوا: للحمل كيفيتان كل منهما حسن: أولاً: التثليث، وصفته أن
يحمل ثلاثة من
(1/482)
حكم تشييع الميت،
وما يتعلق به
وأما تشييعه فهو سنة، وقال المالكية: إنه مندوب، والأمر سهل، ويندب أن يكون
المشيع ماشياً، ويكره الركوب إلا لعذر، فيجوز له ذلك، باتفاق ثلاثة، وخالف
الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، ويندب للمشيع أن يتقدم أمام الجنازة
إن كان ماشياً، وأن يتأخر عنها إن كان راكباً، عند المالكية، والحنابلة؛
وخالف الحنفية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) ، ويندب أن يكون
قريباً منها عرفاً: باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: لا يندب ذلك ويندب
الإسراع بالسير في الجنازة إسراعاً وسطاً، بحيث يكون فوق المشي المعتاد،
وأقل من الهرولة، ويكره للنساء أن يشيعن الجنائز، إلا إذا خيف منهن الفتنة،
فيكون تشييعهن للجنائز حراماً، باتفاق الشافعية والحنابلة؛ أما الحنفية،
والمالكية فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) ،
__________
الرجال بحيث يكون الأول حاملاً لمقدم السرير يضع طرفيه على كتفيه، ورأسه
بينهما، ثم يحمل المؤخر رجلان كل منهما يضع طرفاً على عاتقه، وهذه الكيفية
أفضل من التربيع الآتي؛ ثانياً التربيع، وهو أن يحمله أربعة: اثنان يحملان
مقدم سرير الميت واثنان يحملان مؤخره، بحيث يضع من على يمين الميت طرف
السرير على عاتقه الأيسر، ومن على يسار الميت يضع الطرف الآخر على عاتقه
الأيمن؛ ويجب في حمل الميت أن لا يكون بهيئة تنافي الكرامة، كأن يحمل ميت
كبير على اليد والكتف ونحو ذلك، بخلاف الصغير؛ ويسن أن يغطي نعش المرأة
بغطاء أو يوضع عليه نحو قبة، لأنه أستر، ويجوز ستر غطاء نعشها بحرير، وكذا
نعش الطفل على المعتمد، أما الرجل فلا يجوز ستر نعشه بالحرير
(1) الحنفية قالوا: لا بأس بالركوب في الجنازة، والمشي أفضل، إلا أنه إذا
كان المشيع راكباً كره له أن يتقدم الجنازة، لأنه يضر بمن خلفه بإثارة
الغبار
(2) الحنفية قالوا: الأفضل للمشيع أن يمشي خلفها، ويجوز أن يمشي أمامها،
إلا إن تباعد عنها، أو تقدم على جميع الناس، فإنه يكره المشي أمامها حينئذ،
أما المشي عن يمينها أو يسارها فهو خلاف الأولى.
هذا إذا لم يكن خلف الجنازة نساء يخشى الاختلاط بهن، أو كان فيهن نائحة،
فإن كان ذلك فالمشي أمامها يكون أفضل.
الشافعية قالوا: إن المشيع شفيع، فيندب أن يقدم أمام الجنازة، سواء كان
راكباً أو ماشياً
(3) المالكية قالوا: إذا كانت المرأة مسنة جاز لها أن تشيع الجنازة مطلقاً،
وتكون في سيرها متأخرة عنها وعن الراكب من الرجال إن وجد. وإن كانت شابة لا
يخشى منها الفتنة جاز خروجها لجنازة من يعز عليها، كأب وولد وزوج وأخ،
وتكون في سيرها كما تقدم، وأما من يخشى من خروجها الفتنة فلا يجوز خروجها
مطلقاً.
(1/483)
ويسن أن يكون المشيعون سكوتاً، فيكره لهم
رفع الصوت، ولو بالذكر، وقراءة القرآن، وقراءة البردة، والدلائل ونحوها،
ومن أراد منهم أن يذكر الله تعالى، فليذكره في سره، وكذلك يكره أن تتبع
الجنازة بالمباخر والشموع. لما روي: "لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار"،
وإذا صاحب الجنازة منكر - كالموسيقى والنائحة - فعلى المشيعين أن يجتهدوا
في منعه، فإن لم يستطيعوا فلا يرجعوا عن تشييع الجنازة، باتفاق ثلاثة، وقال
الحنابلة: إذا عجز عن إزالة المنكر حرم عليه أن يتبعها، لما فيه من إبرار
المعصية، والأفضل أن يسير المشيع إلى القبر، وينتظر إلى تمام الدفن، ولكن
لا كراهة في الرجوع، سواء رجع قبل الصلاة أو بعدها، عند الشافعية،
والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، أما
جلوس المشيع قبل وضع الجنازة على الأرض ففيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت
الخط (2) .
هذا، ويكره أن يقوم الناس عند مرور الجنازة عليهم وهم جلوس، باتفاق ثلاث،
وقال الشافعية: يستحب القيام عند رؤية الجنازة على المختار.
مبحث البكاء على الميت، وما يتبع ذلك
يحرم البكاء على الميت برفع الصوت والصياح، عند المالكية، والحنفية، وقال
الشافعية، والحنابلة: إنه مباح، أما هطل الدموع بدون صياح فإنه مباح
باتفاق؛ وكذلك لا يجوز الندب؛ وهو عد محاسن الميت بنحو قوله: واجملاه،
واسنداه، ونحو ذلك، ومنه ما تفعله النائحة "المعددة" كما لا يجوز صبغ
الوجوه، ولطم الخدود، وشق الجيوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من
لطم الخدود، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري؛ ومسلم.
هذا ولا يعذب الميت ببكاء أهله المحرم عليه، إلا إذا أوصى به، وإذا علم أنه
أهله سيكون عليه بعد الموت، وظن أنهم لو أوصاهم بتركه امتثلوا ونفذوا
وصيته، وجب عليه أن يوصيهم بتركه، وإذا لم يوص عذب ببكائهم عليه بعد الموت.
__________
الحنفية قالوا: تشييع النساء للجنازة مكروه تحريماً مطلقاً
(1) المالكية، والحنفية قالوا: يكره الرجوع قبل الصلاة مطلقاً، وأما بعد
الصلاة فلا يكره الرجوع إن أذن به أهل البيت؛ وزاد المالكية أنه يكره
الرجوع إذا طالت المسافة، ولو بغير إذن
(2) المالكية قالوا: يجوز ذلك بلا كراهة.
الحنفية قالوا: يكره ذلك تحريماً إلا لضرورة.
الحنفية قالوا: يجوز ذلك لمن كان بعيداً عن الجنازة، ويكره لمن كان قريباً
منها.
الشافعية قالوا: يسن أن لا يقعد حتى توضع
(1/484)
حكم دفن الميت، وما
يتعلق به
دفن الميت فرض كفاية إن أمكن، فإن لم يمكن، كما إذا مات في سفينة بعيدة عن
الشاطئ ويتعسر أن ترسو على مكان يمكن دفنه به قبل تغير رائحته، فإنه يرتبط
بمثقل، ويلقى في الماء، وعند إمكان دفنه يجب أن يحفر له حفرة في الأرض،
وأقلها عمقاً ما يمنع ظهور الرائحة ونبش السباع، وما زاد على ذلك، ففيه
تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) ، أما أقلها طولاً وعرضاً، فهو ما يسع
الميت ومن يتولى دفنه، ولا يجوز وضع الميت على وجه الأرض والبناء عليه من
غير حفرة، إلا إذا لم يمكن الحفر، ثم إن كانت الأرض صلبة فيسن فيها اللحد،
وهو أن يحفر أسفل القبر من جهة القبلة حفرة تسع الميت، والمالكية يقولون:
إن اللحد في الأرض الصلبة مستحب لا سنة، وإن كانت رخوة فيباح فيها الشق،
وهو أن يحفر في الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر
مذهبيهما تحت الخط (2) ، ويسقف بعد وضع الميت، وهذا حيث تعذر اللحد، ويجب
وضع الميت في قبره مستقبل القبلة، وهذا الوجوب متفق عليه إلا عند المالكية،
فإنهم قالوا: إن هذا مندوب لا واجب. ويسن أن يوضع الميت في قبره على جنبه
الأيمن، وأن يقول واضعه: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
باتفاق ثلاثة؛ وزاد المالكية أمرين: أحدهما: أنه يندب وضع يده اليمنى على
جسده بعد وضعه في القبر، وأن يقول القائم بوضعه: اللهم تقبله بأحسن قبول،
وإذا ترك شيء من هذه الأشياء بأن وضع الميت غير موجه للقبلة أو جعل رأسه
موضع رجليه أو وضع على ظهره أو على شقه الأيسر، فإن أهيل عليه التراب لم
ينبش القبر بقصد تدارك ذلك، أما قبل إهالة التراب عليه،
__________
(1) المالكية قالوا: يكره الزيادة في العمق على ذلك لغير حاجة.
الحنفية قالوا: يسن أن يكون أقل العمق مقدار نصف قامة رجل متوسط، وما زاد
على ذلك فهو أفضل.
الشافعية قالوا: يسن الزيادة في العمق إلى قدر قامة رجل متوسط الخلقة باسط
ذراعيه إلى السماء.
الحنابلة قالوا: يسن تعميق القبر من غير حد معين
(2) المالكية، والشافعية قالوا: يستحب الشق في الأرض الرخوة، وهو أفضل من
اللحد فليس هو مباح فقط، كما يقول الآخرون.
الشافعية قالوا: يسن أن يقول واضعه. بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى ملة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، اللهم افتح أبواب السماء لروحه، وأكرم نزله، ووسع
مدخله، ووسع له في قبره
(1/485)
فينبغي تدارك ما فات من ذلك، ولو برفع
اللبن بعد وضعه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والمالكية، وقال
الشافعية، والحنابلة: إذا دفن غير موجه للقبلة. فإنه يجب نبش القبر ليحوله
إلى القبلة، ويستحب أن يسند رأس الميت ورجلاه بشيء من التراب أو اللبن في
قبره؛ ويكره أن يوضع الميت في صندوق إلا لحاجة، كنداوة الأرض ورخاوتها، كما
يكره وضع وسادة أو فراش أو نحو ذلك معه في قبر - باتفاق الحنفية؛
والشافعية؛ أما المالكية؛ والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، ثم بعد
دفن الميت في اللحد أو الشق وسد قبره باللبن ونحوه يستحب أن يحثو كل واحد
ممن شهد دفنه ثلاث حثيات من التراب بيديه جميعاً، ويكون من قبل رأس الميت،
ويقول في الأولى: {منها خلقناكم} ، وفي الثانية: {وفيها نعيدكم} ، وفي
الثالثة: {ومنها نخرجكم تارة أخرى} ثم يهال عليه بالتراب حتى يسد قبره؛
وقال المالكية، والحنابلة: لا يقرأ شيئاً من القرآن عند حثو التراب؛ ويندب
ارتفاع التراب فوق القبر بقدر شبر، ويجعل كسنام البعير، باتفاق ثلاثة، وقال
الشافعية: جعل التراب مستوياً منظماً أفضل من كونه كسنام البعير، ويكره
تبييض القبر بالجبس أو الجير، أما طلاؤه بالطين فلا بأس به، لأنه لا يقصد
به الزينة، عند ثلاثة، وقال المالكية: طلاء القبر أحجاء أو خشب أو نحو ذلك،
إلا إذا خيف ذهاب معالم القبر، فيجوز وضع ذلك للتمييز، أما إذا قصد به
التفاخر والمباهاة فهو حرام؛ وهذا متفق عليه، إلا عند الشافعية، فإنهم
قالوا: يسن وضع حجر أو نحوه عند رأس القبر لتمييزه، أما الكتابة على القبر
ففيها تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنابلة قالوا: إن وضع الميت في صندوق ونحوه مكروه مطلقاً.
المالكية قالوا: إن دفن الميت في التابوت - الصندوق ونحوه خلاف الأولى
(2) المالكية قالوا: الكتابة على القبر إن كانت قرآنا حرمت، وإن كانت لبيان
اسمه، أو تاريخ موته، فهي مكروهة.
الحنفية قالوا: الكتابة على القبر مكروهة تحريماً مطلقاً، إلا إذا خيف ذهاب
أثره فلا يكره.
الشافعية قالوا: الكتابة على القبر مكروهة، سواء كانت قرآنا أو غيره، إلا
إذا كان قبر عالم أو صالح، فيندب كتابة اسمه، وما يميزه ليعرف.
الحنابلة قالوا: تكره الكتابة على القبور من غير تفصيل بين عالم وغيره.
فهذه نصوص المذاهب الربعة. فلعل الناس يرجعون إلى دينهم ويتركون التفاخر
بكتابة النقوش المذهبة ونحوها على القبور، فإن المقام مقام عظة واعتبار، لا
مقام مباها، وافتخار
(1/486)
اتخاذ البناء على
القبور
يكره أن يبنى على القبر بيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد أو حيطان تحدق به -
كالحيشان - إذا لم يقصد بها الزينة والتفاخر، وإلا كان ذلك حراماً، وهذا
إذا كانت الأرض غير مسبلة ولا موقوفة؛ والمسبلة هي التي اعتاد الناس الدفن
فيها، ولم يسبق لأحد ملكها؛ والموقوفة: هي ما وقفها مالك بصيغة الوقف،
كقرافة مصر التي وقفها سيدنا عمر رضي الله عنه أما المسبلة والموقوفة فيحرم
فيهما البناء مطلقاً، لما في ذلك من الضيق والتحجير على الناس، وهذا الحكم
متفق عليه بين الأئمة، إلا أن الحنابلة قالوا: إن البناء مكروه مطلقاً،
سواء كانت الأرض مسبلة أو لا، والكراهة في المسبلة أشد؛ وبذلك تعلم حكم ما
ابتدعه الناس من التفاخر في البنيان على القبور، وجعلها قصوراً ومساكن قد
لا يوجد مثلها في مساكن كثير من الأحياء، ومن الأسف أنه لا فرق في هذه
الحالة بين عالم وغيره.
القعود والنوم وقضاء الحاجة والمشي على القبور
يكره القعود والنور على القبر، ويحرم البول والغائط ونحوهما، كما تقدم في
باب "قضاء الحاجة" وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما الحنفية،
والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ويكره المشي على القبور إلا
لضرورة، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك، باتفاق؛ وخالف المالكية،
فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
نقل الميت من جهة موته
وفي نقل الميت من الجهة التي مات فيها إلى غيرها قبل الدفن وبعده تفصيل في
المذاهب، فانظره تحت الخط (3) .
__________
(1) الحنفية قالوا: القعود والنوم على القبر مكروه تنزيهاً، والبول والغائط
ونحوهما مكروه تحريماً.
المالكية قالوا: الجلوس على المقابر جائز، وكذا النوم، أما التبول ونحوه
فحرام
(2) المالكية قالوا: يكره المشي على القبر إن كان مسنماً والطريق دونه،
وإلا جاز، كما يجوز المشي عليه إذا لم يبق من الميت جزء مشاهد، ولو كان
القبر مسنماً
(3) المالكية قالوا: يجوز نقل الميت قبل الدفن وبعده من مكان إلى آخر بشروط
ثلاثة: أولها: أن لا ينفجر حال نقله، ثانيها: أن لا تهتك حرمته بأن ينقل
على وجه يكون فيه تحقير له، ثالثها: أن
(1/487)
نبش القبر
يحرم نبش القبر ما دام يظن بقاء شيء من عظام الميت فيه، ويستثنى من ذلك
أمور: منها أن يكون الميت قد كفن بمغصوب، وأبى صاحبه أن يأخذ القيمة، ومنها
أن يكون قد دفن في أرض مغصوبة، ولم يرص مالكها ببقائه، ومنها أن يدفن معه
مال بقصد أو بغير قصد، سواء كان هذا المال له أو لغيره، وسواء كان كثيراً
أو قليلاً، ولو درهماً، سواء تغير الميت أو لا، وهذا متفق عليه، إلا عند
المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
__________
يكون نقله لمصلحة، كأن يخشى من طغيان البحر على قبره، أو يراد نقله إلى
مكان له قيمة، أو إلى مكان قريب من أهله، أو لأجل زيارة أهله إياه فإن فقد
شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل.
الحنفية قالوا: يستحب أن يدفن الميت في الجهة التي مات فيها، ولا بأس بنقله
من بلدة إلى أخرى قبل الدفن عند أمن تغير رائحته، أما بعد الدفن فيحرم
إخراجه ونقله، إلا إذا كانت الأرض التي دفن فيها مغصوبة، أو أخذت بعد دفنه
بشفعة.
الشافعية قالوا: يحرم نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى آخر ليدفن فيه
ولو أمن من تغيره، إلا إن جرت عادتهم بدفن موتاهم في غير بلدتهم، ويستثنى
من ذلك من مات في جهة قريبة من مكة، أو المدينة المنورة، أو بيت المقدس، أو
قريباً من مقبرة قوم صالحين فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخش تغير رائحته،
وإلا حرم، وهذا كله إذا كان قد تم غسله وتكفينه والصلاة عليه في محل موته،
وأما قبل ذلك فيحرم مطلقاً، وكذلك يحرم نقله بعد دفنه إلا لضورة، كمن دفن
في أرض مغصوبة فيجوز نقله إن طالب بها مالكها.
الحنابلة قالوا: لابأس بنقل الميت من الجهة التي مات فيها إلى جهة بعيدة
عنها، بشرط أن يكون النفل لغرض صحيح، كأن ينفل إلى بقعة شريفة ليدفن فيها
أو ليدفن بجوار رجل صالح، وبشرط أن يؤمن تغير رائحته، ولا فرق في ذلك بين
أن يكون قبل الدفن أو بعده
(1) المالكية قالوا: إذا دقن مع الميت مال نسياناً، كأن سقطت ساعة أو خاتم
أو دنانير أو دراهم حال الدفن، وأهيل عليها التراب، فلا يخلو، إما أن تكون
مملوكة له قبل موته، أو هي ملك لغيره، فإن كانت مملوكة لغيره فإن له أن
ينبش القبر ويخرج ماله إن لم يتغير الميت، وإلا يجبر على أخذ قيمة ماله من
التركة مثلياً، كالدراهم والدنانير، وقيمته إن كان مقوماً، كالثياب.
هذا إذا كان ملكاً لغير الميت، أما إذا كان ملكاً له فتتركه الورثة جبراً
عند تغير الميت، ولو كانت له قيمة، أما إذا لم يتغير الميت، وكانت له قيمة،
فإن لهم نبش القبر؛ وأيضاً إنما ينبش القبر لإخراج المال إذا لم يطل الزمن
بحيث يظن تلف المال، وإلا فلا ينبش، لأنه لا فائدة في نبشه في هذه الحالة
(1/488)
دفن أكثر من واحد في
قبر واحد
دفن أكثر من ميت واحد في قبر واحد فيه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط
(1) ، وإذا وقع ذلك جعل الأفضل جهة القبلة ويليه المفضول، ويلاحظ تقديم
الكبير على الصغير، والذكر على الأنثى ونحو ذلك؛ ويندب أن يفصل بين كل
اثنين بتراب، ولا يكفي الفصل بالكفن، وإذا بلي الميت وصار تراباً في قبره
جاز نبش القبر وزرعه والبناء عليه وغير ذلك، باتفاق إلا عند المالكية،
فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
التعزيه
التعزيه لصاحب المصيبة مندوبة، ووقتها من حين الموت إلى ثلاثة أيام، وتكره
بعد ذلك، إلا إذا كان المعزِّي أو المعزَّى غائباً، فإنها لا تكره حينئذ
بعد ثلاثة أيام؛ وليس للتعزيه صيغة خاصة؛ بل يعزي كل واحد بما يناسب حاله،
وهذا متفق عليه إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، والأولى أن
تكون التعزيه بعد الدفن، وإذا اشتد بهم الجزع فتكون قبل الدفن أولى،
باتفاق، وللمالكية تفصيل في ذلك، فانظره تحت الخط (4) . ويستحب أن تعم
التعزيه جميع أقارب الميت نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً؛ إلا المرأة
الشابة، فإنه لا يعزيها إلا محارمها دفعاً للفتنة وكذا الصغير الذي لا
يميز، فإنه لا يعزى، ويكره لأهل المصيبة أن يجلسوا
__________
(1) الحنفية قالوا: يكره ذلك إلا عند الحاجة، فيجوز عند الحاجة دفن أكثر من
واحد.
المالكية قالوا: يجوز جمع أموات بقبر واحد لضرورة، كضيق المقبرة، ولو كان
الجمع في أوقات، كأن تفتح المقبرة بعد الدفن فيها لدفن ميت آخر، وأما عند
عدم الضرورة فيحرم جمع أموات في أوقات، ويكره في وقت واحد.
الشافعية، والحنابلة قالوا: يحرم ذلك إلا لضرورة، ككثرة الموتى، وخوف
تغيرهم أو لحاجة، كمشقة على الأحياء
(2) المالكية قالوا: إذا بلي الميت ولم يبق منه جزء محسوس جاز نبش القبر
للدفن فيه، والمشي عليه، وأما زرعه والبناء عليه، فلا يجوز، لأنه بمجرد
الدفن صار حبساً لا يتصرف فيه بغير الدفن، سواء بقي الميت أو فني
(3) الحنفية قالوا: يستحب أن يقال للمصاب: "غفر الله تعالى لميتك. وتجاوز
عنه وتعمده برحمتك، ورزقتك الصبر على مصيبته، وآجرك على موته، وأحسن صيغة
في هذا الباب صيغة رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله ما أخذ؛ وله ما
أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى" فيحسن أن يضيفها إلى ما ذكر
(4) المالكية قالوا: الأولى أن يكون العزاء بعد الدفن مطلقاً، وإن وجد منهم
جزع شديد
(1/489)
لقبول العزاء، سواء أكان في المنزل أم في
غيره، عند الشافعية، والحنابلة، وقال الحنفية: إنه حلاف الأولى، وقال
المالكية: إنه مباح، أما الجلوس على قارعة الطريق، وفرش البسط ونحوها مما
اعتاد الناس فعله فهو بدعة منهي عنها، وإذا عزي أهل الميت مرة كره تعزيتهم
مرى أخرى؛ باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: لا تكره تعزيتهم مرة أخرى.
مبحث ذبح الذبائح، وعمل الأطعمة في المآتم
ومن البدع المكروهة ما يفعل الآن من ذبح الذبائح عند خروج الميت، من البيت،
أو عند القبر، وإعداد الطعام لمن يجتمع للتعزيه: وتقديمه لهم كما يفعل ذلك
في الأفراح ومحافل السرور وإذا كان في الورثة قاصر عن درجة البلوغ، حرم
إعداد الطعام وتقديمه، روى الإمام أحمد، وابن ماجة عن جرير بن عبد الله
قال: "كنا نعد الإجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة". أما
إعداد الجيران والأصدقاء طعاماً لأهل الميت وبعثه لهم، فذلك مندوب، لقوله
صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم"، ويلح
عليهم في الأكل، لأن الحزن قد يمنعهم منه.
خاتمة في زيارة القبور
زيارة القبور مندوبة للاتعاظ وتذكر الآخرة، وتتأكد يوم الجمعة، ويوماً
قبلها، ويوماً بعدها، عند الحنفية، والمالكية، وخالف الحنابلة، والشافعية،
فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) وينبغي للزائر الاشتغال بالدعاء والتضرع
والاعتبار بالموتى وقراءة القرآن للميت، فإن ذلك ينفع الميت على الأصح،
ومما ورد أن يقول الزائر عند رؤية القبور: "اللهم رب الأرواح الباقية
والأجسام البالية، والشعور المتمزقة، والجلود المتقطعة، والعظام النخرة
التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أنزل عليها روحاً منك وسلاماً مني"،
ومما ورد أيضاً أن يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شار الله
بكم لاحقون" ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة، وخالف
الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، بل يندب السفر لزيارة الموتى
__________
(1) الحنابلة قالوا: لا تتأكد الزيارة في يوم دون يوم.
الشافعية قالوا: تتأكد من عصر يوم الخميس إلى طلوع شمس يوم السبت. وهذا قول
راجح عند المالكية
(2) الحنابلة قالوا: القبور إذا كانت بعيدة لا يوصل إليها إلا بسفر
فزيارتها مباحة لا مندوبة
(1/490)
خصوصاً مقابر الصالحين: أما زيارة قبر
النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أعظم القرب، وكما تندب زيارة القبور
للرجال تندب أيضاً للنساء العجائز اللاتي لا يخشى منهن الفتنة إن لم تؤد
زيارتهن إلى ندب أو النياحة، وإلا كانت محرمة. أما النساء التي يخشى منهن
الفتنة، ويترتب على خروجهن لزيارة القبور مفاسد، كما هو الغالب على نساء
هذا الزمان، فخروجهن للزيارة حرام، باتفاق الحنفية، والمالكية، أما
الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وينبغي أن تكون الزيارة
مطابقة لأحكام الشريعة، فلا يطوف حول القبر ولا يقبل حجراً، ولا عتبة ولا
خشباً، ولا يطلب من المزور شيئاً إلى غير ذلك.
__________
(1) الحنابلة، والشافعية قالوا: يكره خروج النساء لزيارة القبور مطلقاً،
سواء كن عجائز أو شواب إلا إذا علم أن خروجهن يؤدي إلى فتنة أو وقوع محرم.
وإلا كانت الزيارة محرمة
(1/491)
|